فصل: باب العاشر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


باب العاشر

أخره عما قبله لتمحض ما قبله زكاة بخلاف ما يأخذه العاشر كما سيأتي، وهو فاعل من عشرته أعشره عشرا بالضم، والمراد هنا ما يدور اسم العشر في متعلق أخذه فإنه إنما يأخذ العشر من الحربي لا المسلم والذمي أو تسمية للشيء باعتبار بعض أحواله، وهو أخذه العشر من الحربي لا من المسلم والذمي، والإدوار مركب فيتعسر التلفظ به والعشر منفرد فلا يتعسر‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ هو من نصبه الإمام ليأخذ الصدقات من التجار‏)‏ أي من نصبه الإمام على الطريق ليأخذ الصدقات من التجار المارين بأموالهم عليه قالوا‏:‏ وإنما ينصب ليأمن التجار من اللصوص ويحميهم منهم فيستفاد منه أنه لا بد أن يكون قادرا على الحماية؛ لأن الجباية بالحماية؛ ولذا قال في الغاية‏:‏ ويشترط في العامل أن يكون حرا مسلما غير هاشمي فلا يصح أن يكون عبدا لعدم الولاية، ولا يصح أن يكون كافرا؛ لأنه لا يلي على المسلم بالآية، ولا يصح أن يكون مسلما هاشميا لأن فيها شبهة الزكاة ا هـ‏.‏ بلفظه وبه يعلم حكم تولية اليهود في زماننا على بعض الأعمال، ولا شك في حرمة ذلك أيضا قيدنا بكونه نصب على الطريق للاحتراز عن الساعي، وهو الذي يسعى في القبائل ليأخذ صدقة المواشي في أماكنها والمصدق بتخفيف الصاد وتشديد الدال اسم جنس لهما كذا في البدائع وحاصله أن مال الزكاة نوعان ظاهر، وهو المواشي، والمال الذي يمر به التاجر على العاشر، وباطن، وهو الذهب والفضة وأموال التجارة في مواضعها أما الظاهر فللإمام ونوابه، وهم المصدقون من السعاة والعشار ولاية الأخذ للآية ‏{‏خذ من أموالهم صدقة‏}‏ ولجعله للعاملين عليها حقا فلو لم يكن للإمام مطالبتهم لم يكن له وجه، ولما اشتهر من بعثه عليه الصلاة والسلام للقبائل لأخذ الزكاة، وكذا الخلفاء بعده حتى قاتل الصديق مانعي الزكاة، ولا شك أن السوائم تحتاج إلى الحماية؛ لأنها تكون في البراري بحماية السلطان وغيرها من الأموال إذا أخرجه في السفر احتاج إلى الحماية بخلاف الأموال الباطنة إذا لم يخرجها مالكها من المصر لفقد هذا المعنى وفي البدائع‏:‏ وشرط ولاية الأخذ وجود الحماية من الإمام فلا شيء لو غلب الخوارج على مصر أو قرية وأخذوا منهم الصدقات، ومنها وجوب الزكاة؛ لأن المأخوذ زكاة فيراعى شرائطها كلها، ومنها ظهور المال وحضور المالك فلو حضر وأخبر بما في بيته أو حضر ماله مع مستبضع ونحوه فلا أخذ، وفي التبيين أن هذا العمل مشروع، وما ورد من ذم العشار محمول على من يأخذ أموال الناس ظلما كما تفعله الظلمة اليوم روي أن عمر أراد أن يستعمل أنس بن مالك على هذا العمل فقال له‏:‏ أتستعملني على المكس من عملك فقال‏:‏ ألا ترضى أن أقلدك ما قلدنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ا هـ‏.‏ وفي الخانية من قسم الجبايات والمؤن بين الناس على السوية يكون مأجورا‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فمن قال لم يتم الحول أو علي دين أو أديت أنا أو إلى عاشر آخر وحلف صدق إلا في السوائم في دفعه بنفسه‏)‏ أما الأول والثاني فلإنكاره الوجوب وقدمنا أن شرط ولاية الأخذ وجود الزكاة فكل ما وجوده مسقط فالحكم كذلك إذا ادعاه، والمراد بنفي تمام الحول نفيه عما في يده، وما في بيته؛ لأنه لو كان في بيته مال آخر قد حال عليه الحول، وما مر به لم يحل عليه الحول واتحد الجنس فإن العاشر لا يلتفت إليه لوجوب الضم في متحد الجنس إلا لمانع كما قدمناه وقيد في المعراج الدين بدين العباد، وقدمنا أن منه دين الزكاة، وأطلق المصنف في الدين فشمل المستغرق للمال والمنقص للنصاب، وهو الحق، وبه اندفع ما في غاية البيان من التقييد بالمحيط لماله واندفع ما في الخبازية من أن العاشر يسأله عن قدر الدين على الأصح فإن أخبره بما يستغرق النصاب يصدقه، وإلا لا يصدقه‏.‏ ا هـ‏.‏ لأن المنقص له مانع من الوجوب فلا فرق كما في المعراج وأشار المصنف إلى أن المار إذا قال ليس في هذا المال صدقة فإنه يصدق مع يمينه كما في المبسوط، وإن لم يبين سبب النفي وفيه أيضا إذا أخبر التاجر العاشر أن متاعه مروي أو هروي واتهمه العاشر فيه، وفيه ضرر عليه حلفه وأخذ منه الصدقة على قوله؛ لأنه ليس له ولاية الإضرار به وقد نقل عن عمر أنه قال لعماله‏:‏ ولا تفتشوا على الناس متاعهم وأما الثالث فلأنه ادعى وضع الأمانة موضعها، ومراده إذا كان في تلك السنة عاشر آخر، وإلا فلا يصدق لظهور كذبه بيقين، ومراده أيضا ما إذا أدى بنفسه في المصر إلى الفقراء؛ لأن الأداء كان مفوضا إليه فيه وولاية الأخذ بالمرور لدخوله تحت الحماية؛ لأنه لو ادعى الأداء بنفسه إليهم بعد الخروج من المصر لا يقبل، وإنما لا يصدق في قوله أديت بنفسي صدقة السوائم إلى الفقراء في المصر؛ لأن حق الأخذ للسلطان فلا يملك إبطاله بخلاف الأموال الباطنة ثم قيل الزكاة هو الأول والثاني سياسة وقيل هو الثاني والأول ينقلب نفلا هو الصحيح كذا في الهداية وظاهر قوله ينقلب نفلا أنه لو لم يأخذ منه الإمام لعلمه بأدائه إلى الفقراء فإن ذمته تبرأ ديانة، وفيه اختلاف المشايخ كما في المعراج، وفي جامع أبي اليسر لو أجاز الإمام إعطاءه لم يكن به بأس؛ لأنه إذا أذن له الإمام في الابتداء أن يعطي إلى الفقراء بنفسه جاز فكذا إذا أجاز بعد الإعطاء ا هـ‏.‏ وإنما حلف، وإن كانت العبادات يصدق فيها بلا تحليف لتعلق حق العبد، وهو العاشر في الأخذ، وهو يدعي عليه معنى لو أقر به لزمه فيحلف لرجاء النكول بخلاف حد القذف؛ لأن القضاء بالنكول متعذر في الحدود على ما عرف وبخلاف الصلاة والصوم لأنه لا مكذب له فيها فاندفع قول أبي يوسف أنه لا يحلف؛ لأنها عبادة‏.‏ وأشار المصنف بالاكتفاء بالحلف إلى أنه لا يشترط إخراج البراءة فيما إذا ادعى الدفع إلى عاشر آخر تبعا للجامع الصغير؛ لأن الخط يشبه الخط فلم يعتبر علامة، وهو ظاهر الرواية كما في البدائع وشرطه في الأصل؛ لأنه ادعى ولصدق دعواه علامة فيجب إبرازها، وفي المعراج ثم على قول من يشترط إخراج البراءة هل يشترط اليمين معها فقد اختلف فيه، وفي البدائع إذا أتى بالبراءة على خلاف اسم ذلك المصدق فإنه يقبل قوله مع يمينه على جواب ظاهر الرواية؛ لأن البراءة ليست بشرط فكان الإتيان بها، والعدم بمنزلة واحدة ا هـ‏.‏ وقد يقال‏:‏ إنه دليل كذبه فهو نظير ما لو ذكر الحد الرابع وغلط فيه فإنه لا تسمع الدعوى، وإن جاز تركه إلا أن يقال إنها عبادة بخلاف حقوق العباد المحضة، وفي المحيط حلف أنه أدى الصدقة إلى مصدق آخر وظهر كذبه أخذه بها، وإن ظهر بعد سنين؛ لأن حق الأخذ ثابت فلا يسقط باليمين الكاذبة‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وكل شيء صدق فيه المسلم صدق فيه الذمي‏)‏ لأن ما يؤخذ منهم ضعف ما يؤخذ من المسلم فيراعى فيه شرائط الزكاة تحقيقا للتضعيف، وفي التبيين لا يمكن إجراؤه على عمومه فإن ما يؤخذ من الذمي جزية، وفي الجزية لا يصدق إذا قال أديتها أنا؛ لأن فقراء أهل الذمة ليسوا بمصارف لهذا الحق، وليس له ولاية الصرف إلى مستحقه، وهو مصالح المسلمين ا هـ‏.‏ وقولهم‏:‏ ما يؤخذ من الذمي جزية أي حكمه حكمها من كونه يصرف مصارفها لا أنه جزية حتى لا تسقط جزية رأسه في تلك السنة نص عليه الإسبيجابي، واستثنى في البدائع نصارى بني تغلب؛ لأن عمر صالحهم من الجزية على الصدقة المضاعفة فإذا أخذ العاشر منهم ذلك سقطت الجزية‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ لا الحربي إلا في أم ولده‏)‏ أي لا يصدق الحربي في شيء إلا في جارية في يده قال هي أم ولدي فإنه يصدق وكذا في الجواري؛ لأن الأخذ منه بطريق الحماية لا زكاة، ولا ضعفها فلا يراعى فيه الشروط المتقدمة؛ ولذا كان الأولى أن يقال‏:‏ لا يلتفت إلى كلامه أو لا يترك الأخذ منه إذا ادعى شيئا مما ذكرناه دون أن يقال‏:‏ ولا يصدق؛ لأنه لو كان صادقا بأن ثبت صدقه ببينة عادلة من المسلمين المسافرين معه من دار الحرب أخذ منه كذا في فتح القدير ويستثنى من العموم ما إذا قال الحربي أديت إلى عاشر آخر وثمة عاشر آخر فإنه لا يؤخذ منه ثانيا؛ لأنه يؤدي إلى الاستئصال جزم به منلا شيخ في شرح الدرر وذكره في الغاية بلفظ ينبغي أن لا يؤخذ منه ثانيا وتبعه في التبيين وأشار باستثناء أم الولد إلى أنه لو قال في حق غلام معه هذا ولدي فإنه يصح، ولا يعشر؛ لأن النسب يثبت في دار الحرب كما يثبت في دار الإسلام، وأمومية الولد تبع للنسب وقيده في المحيط بأن كان يولد مثله لمثله؛ لأنه لو كان لا يولد مثله لمثله فإنه يعتق عليه عند أبي حنيفة ويعشر؛ لأنه إقرار بالعتق فلا يصدق في حق غيره ا هـ‏.‏ وقيد بأم الولد؛ لأنه لو أقر بتدبير عبده لا يصدق؛ لأن التدبير لا يصح في دار الحرب كذا في المعراج، وفي النهاية لو مر بجلود الميتة فإن كانوا يدينون أنها مال أخذ منها، وإلا فلا ا هـ‏.‏ والحاصل أنه لا يؤخذ إلا من مال‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وأخذ منا ربع العشر، ومن الذمي ضعفه، ومن الحربي العشر بشرط نصاب، وأخذهم منا‏)‏ بذلك أمر عمر رضي الله عنه سعاته وقدمنا أن المأخوذ من المسلم زكاة، ومن الذمي صدقة مضاعفة تصرف مصارف الجزية، وليست بجزية حقيقة، ومن الحربي بطريق الحماية، وتصرف مصارف الجزية كما في غاية البيان، ويصح أن يتعلق قوله بشرط نصاب بالثلاثة، وهو متفق عليه في المسلم والذمي وأما في الحربي فظاهر المختصر أنه إذا مر بأقل منه لا يؤخذ منه وفي الجامع الصغير، وإن مر حربي بخمسين درهما لم يؤخذ منه شيء إلا أن يكونوا يأخذون منا من مثلهم؛ لأن الأخذ بطريق المجازاة، وفي كتاب الزكاة لا نأخذ من القليل وإن كانوا يأخذون منا لأن القليل لم يزل عفوا، وهو للنفقة عادة فأخذهم منا من مثله ظلم وخيانة، ولا متابعة عليه، والأصل فيه أنه متى عرفنا ما يأخذون منا أخذ منهم مثله؛ لأن عمر أمر بذلك، وإن لم نعرف أخذ منهم العشر لقول عمر رضي الله عنه فإن أعياكم فالعشر وإن كانوا يأخذون الكل نأخذ منهم الجميع إلا قدر ما يوصله إلى مأمنه في الصحيح، وإن لم يأخذوا منا لا نأخذ منهم ليستمروا عليه ولأنا أحق بالمكارم، وهو المراد بقوله وأخذهم منا؛ لأنه بطريق المجازاة كذا في التبيين، وفي كافي الحاكم أن العاشر لا يأخذ العشر من مال الصبي الحربي إلا أن يكونوا يأخذون من أموال صبياننا شيئا‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولم يثن في حول بلا عود‏)‏ أي بلا عود إلى دار الحرب؛ لأن الأخذ في كل مرة يؤدي إلى الاستئصال بخلاف ما إذا عاد ثم خرج إلينا لأن ما يؤخذ منه بطريق الأمان، وقد استفاده في كل مرة، وفي المحيط ولو عاد الحربي إلى دار الحرب، ولم يعلم به العاشر ثم خرج ثانيا لم يأخذه بما مضى؛ لأن ما مضى سقط لانقطاع الولاية، ولو مر المسلم والذمي على العاشر، ولم يعلم بهما ثم علم في الحول الثاني يؤخذ منهما لأن الوجوب قد ثبت والمسقط لم يوجد‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وعشر الخمر لا الخنزير‏)‏ أي أخذ نصف عشر قيمة الخمر من الذمي وعشر قيمته من الحربي لا أنه يؤخذ العشر بتمامه منهما، ولا أن المأخوذ من عين الخمر؛ لأن المسلم منهي عن اقترابها، ووجه الفرق بين الخمر والخنزير على الظاهر أن القيمة في ذوات القيم لها حكم العين، والخنزير منها، وفي ذوات الأمثال ليس لها هذا الحكم، والخمر منها ولأن حق الأخذ منها للحماية والمسلم يحمي خمر نفسه للتخليل فكذا يحميها على غيره، ولا يحمي خنزير نفسه بل يجب تسييبه بالإسلام فكذا لا يحميه على غيره وسيأتي في آخر باب المهر ما أورد على التعليل الأول وجوابه، وفي الغاية تعرف قيمة الخمر بقول فاسقين تابا أو ذميين أسلما، وفي الكافي يعرف ذلك بالرجوع إلى أهل الذمة ا هـ‏.‏ قيدنا بخمر الذمي والحربي لأن العاشر لا يأخذ من المسلم إذا مر بالخمر اتفاقا كذا في الفوائد وقيد المسألة في المبسوط وإلا قطع بأن يمر الذمي بالخمر والخنزير للتجارة ويشهد له قول عمر ولوهم بيعها وخذوا العشر من أثمانها، وفي المعراج قوله مر ذمي بخمر أو خنزير أي مر بهما بنية التجارة وهما يساويان مائتي درهم لما ذكرنا من رعاية الشروط في حقه ا هـ‏.‏ وجلود الميتة كالخمر فإنه كان مالا في الابتداء ويصير مالا في الانتهاء بالدبغ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وما في بيته‏)‏ معطوف على الخنزير أي لا يعشر المال الذي في بيته لما قدمنا أن من شروطه مروره بالمال عليه فيلزمه الزكاة فيما بينه وبين الله - تعالى -‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والبضاعة‏)‏ أي لا يأخذ من مال البضاعة شيئا لأن الوكيل ليس بنائب عنه في أداء الزكاة، وفي المغرب البضاعة قطعة من المال، وفي الاصطلاح ما يدفعه المالك لإنسان يبيع فيه، ويتجر ليكون الربح كله للمالك، ولا شيء للعامل‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومال المضاربة وكسب المأذون‏)‏ أي لا يأخذ العشر من المضارب والمأذون؛ لأنه لا ملك لهما، ولا نيابة من المالك، وهذا هو الصحيح في الثلاثة، ولو كان في المضاربة ربح عشر حصة المضارب إن بلغت نصابا لملك نصيبه من الربح، ولو كان مولى المأذون معه يؤخذ منه؛ لأن المال له إلا إذا كان على العبد دين محيط بماله ورقبته لانعدام الملك عنده، وللشغل عندهما‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وثنى إن عشر الخوارج‏)‏ أي أخذ منه ثانيا إن مر على عاشر الخوارج فعشروه؛ لأن التقصير من جهته حيث مر عليهم بخلاف ما إذا ظهروا على مصر أو قرية كما قدمناه‏.‏

باب الركاز

هو المعدن أو الكنز؛ لأن كلا منهما مركوز في الأرض، وإن اختلف الراكز وشيء راكز ثابت كذا في المغرب فظاهره أنه حقيقة فيهما مشتركا معنويا وليس خاصا بالدفين، ولو دار الأمر فيه بين كونه مجازا فيه، أو متواطئا؛ إذ لا شك في صحة إطلاقه على المعدن كان التواطؤ متعينا وبه اندفع ما في غاية البيان والبدائع من أن الركاز حقيقة في المعدن؛ لأنه خلق فيها مركبا، وفي الكنز مجاز بالمجاورة، وفي المغرب عدن بالمكان أقام به، ومنه المعدن لما خلقه الله - تعالى - في الأرض من الذهب والفضة؛ لأن الناس يقيمون فيه الصيف والشتاء، وقيل لإنبات الله فيه جوهرهما وإثباته إياه في الأرض حتى عدن فيها أي ثبت‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ خمس معدن نقد ونحو حديد في أرض خراج أو عشر‏)‏ لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «‏:‏ وفي الركاز الخمس‏}‏، وهو من الركز فانطلق على المعدن ولأنه كان في أيدي الكفرة وحوته أيدينا غلبة فكان غنيمة، وفي الغنيمة الخمس إلا أن للغانمين يدا حكمية لثبوتها على الظاهر وأما الحقيقة فللواجد فاعتبرنا الحكمية في حق الخمس والحقيقة في حق الأربعة الأخماس حتى كانت للواجد، والنقد الذهب والفضة ونحو الحديد كل جامد ينطبع بالنار كالرصاص والنحاس والصفر، وقيد به احترازا عن المائعات كالقار والنفط والملح، وعن الجامد الذي لا ينطبع كالجص والنورة والجواهر كالياقوت والفيروزج والزمرد فلا شيء فيها وأطلق في الواجد فشمل الحر والعبد والمسلم والذمي البالغ والصبي والذكر والأنثى كما في المحيط وأما الحربي المستأمن إذا عمل بغير إذن الإمام لم يكن له شيء؛ لأنه لا حق له في الغنيمة، وإن عمل بإذنه فله ما شرط لأنه استعمله فيه وإذا عمل رجلان في طلب الركاز وأصابه أحدهما يكون للواجد؛ لأنه عليه الصلاة والسلام جعل أربعة أخماسه للواجد، وإذا استأجر أجراء للعمل في المعدن فالمصاب للمستأجر؛ لأنهم يعملون له، وعن أبي يوسف‏:‏ لو وجد ركازا فباعه بعوض فالخمس على الذي في يده الركاز ويرجع على البائع بخمس الثمن كذا في المحيط، وفي المبسوط ومن أصاب ركازا وسعه أن يتصدق بخمسه على المساكين فإذا أطلع الإمام على ذلك أمضى له ما صنع؛ لأن الخمس حق الفقراء وقد أوصله إلى مستحقه، وهو في إصابة الركاز غير محتاج إلى الحماية فهو كزكاة الأموال الباطنة ا هـ وفي البدائع‏:‏ ويجوز دفع الخمس إلى الوالدين والمولودين الفقراء كما في الغنائم، ويجوز للواجد أن يصرفه إلى نفسه إذا كان محتاجا، ولا تغنيه الأربعة الأخماس بأن كان دون المائتين أما إذا بلغ مائتين فإنه لا يجوز له تناول الخمس ا هـ‏.‏ وهو دليل على وجوب الخمس مع فقر الواجد وجواز صرفه لنفسه، ولا يقال‏:‏ ينبغي أن لا يجب الخمس مع الفقر كاللقطة؛ لأنا نقول‏:‏ إن النص عام فيتناوله كذا في المعراج، وقيد بكونه في أرض خراج أو عشر ليخرج الدار فإنه لا شيء فيها لكن ورد عليه الأرض التي لا وظيفة فيها كالمفازة؛ إذ يقتضي أنه لا شيء في المأخوذ منها، وليس كذلك فالصواب أن لا يجعل ذلك لقصد الاحتراز بل للتنصيص على أن وظيفتهما المستمرة لا تمنع الأخذ مما يوجد فيها كذا في فتح القدير، وفي المغرب خمس القوم إذا أخذ خمس أموالهم من باب طلب ا هـ‏.‏ واستشهد له في ضياء الحلوم بقول عدي بن حاتم الطائي ربعت في الجاهلية وخمست في الإسلام والخمس بضمتين وقد تسكن الميم وبه قرئ في قوله تعالى - - ‏{‏فأن لله خمسه‏}‏ ا هـ‏.‏ فعلم أن قوله في المختصر‏:‏ خمس بتخفيف الميم؛ لأنه متعد فجاز بناء المفعول منه، وبه اندفع قول من قرأه خمس بتشديد الميم ظنا منه أن المخفف لازم لما علمت أن المخفف متعد، وأنه من باب طلب‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ لا داره وأرضه‏)‏ أي لا خمس في معدن وجده في داره أو أرضه فاتفقوا على أن الأربعة الأخماس للمالك سواء، وجده هو أو غيره؛ لأنه من توابع الأرض بدليل دخوله في البيع بغير تسمية فيكون من أجزائها واختلفوا في وجوب الخمس قال أبو حنيفة‏:‏ لا خمس في الدار والبيت والمنزل والحانوت مسلما كان المالك، أو ذميا كما في المحيط، وفي الأرض عنه روايتان اختار المصنف أنها كالدار وقالا‏:‏ يجب الخمس لإطلاق الدليل، وله أنه من أجزاء الأرض مركب فيها، ولا مؤنة في سائر الأجزاء فكذا في هذا الجزء؛ لأن الجزء لا يخالف الجملة بخلاف الكنز فإنه غير مركب فيها، والفرق بين الأرض والدار على إحدى الروايتين، وهي رواية الجامع الصغير أن الدار ملكت خالية عن المؤن دون الأرض؛ ولذا وجب العشر أو الخراج في الأرض دون الدار فكذا هذه المؤنة حتى قالوا‏:‏ لو كان في الدار نخلة تطرح كل سنة أكرارا من الثمار لا يجب فيه شيء لما قلنا بخلاف الأرض، وفي البدائع‏:‏ هذا كله إذا وجد في دار الإسلام فأما إذا وجده في دار الحرب فإن وجده في أرض غير مملوكة فهو له، ولا خمس فيه كما في الكنز، وأورد على كون المعدن من أجزاء الأرض جواز التيمم به، وليس بجائز، وأجاب في المعراج بأنه من أجزائها، وليس من جنسها كالخشب‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وكنز‏)‏ بالرفع عطف على ‏"‏ معدن ‏"‏ أي وخمس كنز، وهو دفين الجاهلية فيكون الخمس لبيت المال، وله أن يصرفه إلى نفسه إن كان فقيرا كما قدمناه في المعدن ووجوب الخمس اتفاق لعموم الحديث‏:‏ «وفي الركاز الخمس‏}‏ كما قدمناه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وباقيه للمختط له‏)‏ أي الأخماس الأربعة للذي ملكه الإمام البقعة أول الفتح، وإن كان ميتا فلورثته إن عرفوا، وإلا فهو لأقصى مالك للأرض أو لورثته كذا في البدائع وقيل يوضع في بيت المال، ورجحه في فتح القدير، وفي التحفة جعله لبيت المال إن لم يعرف الأقصى وورثته، وهذا كله عندهما، وقال أبو يوسف‏:‏ إن الباقي للواحد كالمعدن؛ لأن الاستحقاق بتمام الحيازة، وهي منه، ولهما أن يد المختط له سبقت إليه، وهي يد الخصوص فيملك به ما في الباطن، وإن كانت على الظاهر كما إذا اصطاد سمكة في بطنها درة ثم بالبيع لم تخرج عن ملكه؛ لأنه مودع فيها بخلاف المعدن؛ لأنه من أجزائها فينتقل إلى المشتري ومحل الخلاف فيما إذا لم يدعه مالك الأرض فإن ادعى أنه ملكه فالقول قوله اتفاقا كذا في المعراج أطلق في الكنز فشمل النقد وغيره من السلاح والآلات وأثاث المنازل والفصوص والقماش؛ لأنها كانت ملكا للكفار فحوته أيدينا قهرا فصارت غنيمة وقيدناه بدفين الجاهلية بأن كان نقشه صنما أو اسم ملوكهم المعروفين للاحتراز عن دفين أهل الإسلام كالمكتوب عليه كلمة الشهادة أو نقش آخر معروف للمسلمين فهو لقطة؛ لأن مال المسلمين لا يغنم وحكمها معروف، وإن اشتبه الضرب عليهم فهو جاهلي في ظاهر المذهب؛ لأنه الأصل وقيل يجعل إسلاميا في زماننا لتقادم العهد وأشار بقوله للمختط له إلى أنه وجده في أرض مملوكة؛ لأنه لو وجده في أرض غير مملوكة كالجبال والمفازة فهو كالمعدن يجب خمسه وباقيه للواجد مطلقا حرا كان أو عبدا كما ذكرناه، وفي المغرب الخطة المكان المختط لبناء دار أو غير ذلك من العمارات، وفي المعراج إنما قالوا للمختط له؛ لأن الإمام إذا أراد قسمة الأراضي يخط لكل واحد من الغانمين ويجعل تلك الناحية له‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وزئبق‏)‏ أي خمس الزئبق عند أبي حنيفة ومحمد وعن أبي يوسف لا شيء فيه؛ لأنه مائع ينبع من الأرض كالقير ولهما أنه ينطبع مع غيره فإنه حجر يطبخ فيسيل منه الزئبق فأشبه الرصاص، وهو بكسر الباء بعد الهمزة الساكنة كذا في المغرب وقيل هو حيوان؛ لأنه ذو حس يتحرك بالإرادة؛ ولهذا يقتل كذا في المعراج، وفي فتح القدير أنه بالياء وقد تهمز، ومنهم حينئذ من يكسر الموحدة بعد الهمزة مثل زيبر الثوب، وهو ما يعلو جديده من الوبرة لأخذه لا على وجه القهر والغلبة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ لا ركاز دار حرب‏)‏ أي لا يخمس ركاز في دار الحرب؛ لأنه ليس بغنيمة لأخذه لا على وجه القهر والغلبة لانعدام غلبة المسلمين عليه أطلق في الركاز فشمل الكنز والمعدن والقدوري وضع المسألة في الكنز ليبين حكم المعدن بالأولى لعدم الاختلاف فيه بخلاف الكنز فإن شيخ الإسلام أوجب الخمس فيه كما في المعراج وأطلق في دار الحرب فشمل ما إذا وجده في أرض غير مملوكة أو في مملوكة لهم لكن إذا كانت غير مملوكة فالكل له سواء دخل بأمان أو لا؛ لأن حكم الأمان يظهر في المملوك لا في المباح، وإن كانت مملوكة لبعضهم فإن دخل بأمان رده إلى صاحبها لحرمة أموالهم عليه بغير الرضا، وإن لم يرده إليه ملكه ملكا خبيثا فسبيله التصدق به، فلو باعه صح لقيام ملكه لكن لا يطيب للمشتري بخلاف بيع المشتري شراء فاسدا؛ لأن الفساد يرتفع ببيعه لامتناع فسخه حينئذ، وإن دخل بغير أمان حل له ويستثنى من إطلاق المصنف ما إذا دخل جماعة ذوو منعة دار الحرب وظفروا بشيء من كنوزهم فإنه يجب فيه الخمس لكونه غنيمة لحصول الأخذ على طريق القهر والغلبة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وفيروزج ولؤلؤ وعنبر‏)‏ أي لا تخمس هذه الأشياء أما الأول فلأنه حجر مضيء يوجد في الجبال، وقد ورد في الحديث‏:‏ «لا خمس في الحجر‏}‏ ونحوه الياقوت والجواهر كما قدمناه من كل جامع لا ينطبع أطلقه، وهو مقيد بما إذا أخذها من معدنها أما إذا وجدت كنزا، وهي دفين الجاهلية ففيه الخمس؛ لأنه لا يشترط في الكنز إلا المالية لكونه غنيمة، وأما الثاني فالمراد به كل حلية تستخرج من البحر حتى الذهب والفضة فيه بأن كانت كنزا في قعر البحر، وهذا عندهما وقال أبو يوسف يجب في جميع ما يخرج من البحر لأنه مما تحويه يد الملوك ولهما أن قعر البحر لا يرد عليه قهر أحد فانعدمت اليد وهي شرط الوجوب فالحاصل أن الكنز لا تفصيل فيه بل يجب فيه الخمس كيفما كان سواء كان من جنس الأرض أو لم يكن بعد أن كان مالا متقوما، وأما المعدن فثلاثة أنواع كما قدمناه أول الباب واللؤلؤ مطر الربيع يقع في الصدف فيصير لؤلؤا والصدف حيوان يخلق فيه اللؤلؤ والعنبر حشيش ينبت في البحر أو خثى دابة في البحر والله - سبحانه – أعلم‏.‏