فصل: فصل في الأكفاء

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


فصل في الأكفاء

جمع كفء بمعنى النظير لغة، والمراد هنا‏:‏ المماثلة بين الزوجين في خصوص أمور أو كون المرأة أدنى وهي معتبرة في النكاح؛ لأن المصالح إنما تنتظم بين المتكافئين عادة؛ لأن الشريفة تأبى أن تكون مستفرشة للخسيس بخلاف جانبها؛ لأن الزوج مستفرش فلا يغيظه دناءة الفراش ومن الغريب ما في الظهيرية والكفاءة في النساء للرجال غير معتبرة عند أبي حنيفة خلافا لهما ا هـ‏.‏ وذكره في المحيط وعزاه إلى الجامع الصغير لكن في الخبازية الصحيح أنها غير معتبرة من جانبها عند الكل ا هـ‏.‏ وهو حق الولي لا حقها فلذا ذكر الولوالجي في فتاويه امرأة زوجت نفسها من رجل ولم تعلم أنه حر أو عبد فإذا هو عبد مأذون في النكاح فليس لها الخيار وللأولياء الخيار وإن زوجها الأولياء برضاها ولم يعلموا أنه عبد أو حر ثم علموا لا خيار لأحدهم، هذا إذا لم يخبر الزوج أنه حر وقت العقد، أما إذا أخبر الزوج أنه حر وباقي المسألة على حالها كان لهم الخيار ودلت المسألة على أن المرأة إذا زوجت نفسها من رجل ولم تشترط الكفاءة ولم تعلم أنه كفء أم لا ثم علمت أنه غير كفء لا خيار لها، وكذلك الأولياء لو زوجوها برضاها ولم يعلموا بعدم الكفاءة ثم علموا لا خيار لهم، وهذه مسألة عجيبة، أما إذا شرطوا فأخبرهم بالكفاءة فزوجوها على ذلك ثم ظهر أنه غير كفء كان لهم الخيار؛ لأنه إذا لم يشترط الكفاءة كان عدم الرضا بعدم الكفاءة من الولي ومنها ثابتا من وجه دون وجه لما ذكرنا أن حال الزوج محتمل بين أن يكون كفؤا وبين أن لا يكون كفؤا والنص إنما أثبت حق الفسخ بسبب عدم الكفاءة حال عدم الرضا بعدم الكفاءة من كل وجه فلا يثبت حال وجود الرضا بعدم الكفاءة من وجه ا هـ‏.‏ وفي الظهيرية ولو انتسب الزوج لها نسبا غير نسبه فإن ظهر دونه وهو ليس بكفء فحق الفسخ ثابت للكل وإن كان كفؤا فحق الفسخ لها دون الأولياء، وإن كان ما ظهر فوق ما أخبر فلا فسخ لأحد وعن أبي يوسف أن لها الفسخ؛ لأنها عسى تعجز عن المقام معه ا هـ‏.‏ وفي الذخيرة إذا تزوج امرأة على أنه فلان بن فلان فإذا هو أخوه أو عمه فلها الخيار‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ من نكحت غير كفء فرق الولي‏)‏ لما ذكرنا، وهذا ظاهر في انعقاده صحيحا وهو ظاهر الرواية عن الثلاثة فتبقى أحكامه من إرث وطلاق وقدمنا أنه يشترط في هذه الفرقة قضاء القاضي فلو قال المصنف فرق القاضي بينهما بطلب الولي لكان أظهر وقدمنا أنها لا تكون طلاقا وأن المفتى به رواية الحسن عن الإمام من عدم الانعقاد أصلا إذا كان لها ولي لم يرض به قبل العقد فلا يفيد الرضا بعده فلو قال المصنف من نكحت غير كفء بغير رضا الولي لكان أولى، وأما تمكينها من الوطء فعلى المفتى به هو حرام كما يحرم عليه الوطء لعدم انعقاده، وأما على ظاهر الرواية ففي الولوالجية أن لها أن تمنع نفسها ا هـ‏.‏ ولا تمكنه من الوطء حتى يرضى الولي هكذا اختار الفقيه أبو الليث وإن كان هذا خلاف ظاهر الجواب؛ لأن من حجة المرأة أن تقول إنما تزوجت بك رجاء أن يجيز الولي والولي عسى يخاصم فيفرق بيننا فيصير هذا وطئا بشبهة ا هـ‏.‏ وفي الخلاصة وكثير من مشايخنا أفتوا بظاهر الرواية أنها ليس لها أن تمنع نفسها ا هـ‏.‏ وهذا يدل على أن كثيرا من المشايخ أفتوا بانعقاده، فقد اختلف الإفتاء وأطلق في الولي فانصرف إلى الكامل وهو العصبة كما قيده به في الخانية لا من له ولاية النكاح عليها لو كانت صغيرة فلا يدخل ذو الأرحام في هذا الحكم ولا الأم ولا الأخت كذا في فتح القدير وفي الخلاصة والخانية والذي يلي المرافعة هو المحارم وعند بعضهم المحارم وغيرهم سواء وهو الأصح ا هـ‏.‏ يعني‏:‏ لا فرق في العصبة بين أن يكون محرما أو لا كما ذكره الولوالجي أنه المختار وشمل كلامه ما إذا تزوجت غير كفء بغير رضا الولي بعد ما زوجها الولي أولا منه برضاها وفارقته فللولي التفريق؛ لأن الرضا بالأول لا يكون رضا بالثاني وشمل ما إذا كانت مجهولة النسب فتزوجت رجلا ثم أعادها رجل من قريش وأثبت القاضي نسبها منه وجعلها بنتا له وزوجها حجاما فلهذا الأب أن يفرق بينها وبين زوجها ولو لم يكن ذلك لكن أقرت بالرق لرجل لم يكن لمولاها أن يبطل النكاح بينهما كذا في الذخيرة وفيها أيضا لو زوج أمة له صغيرة رجلا ثم ادعى أنها بنته ثبت النسب والنكاح على حاله إن كان الزوج كفؤا وإن لم يكن كفؤا فهو في القياس لازم ولو باعها ثم ادعى المشتري أنها بنته فكذلك ا هـ‏.‏ وإذا فرق القاضي بينهما فإن كان بعد الدخول فلها المسمى وعليها العدة ولها النفقة فيها والخلوة الصحيحة كالدخول وإن كان قبلهما فلا مهر لها؛ لأن الفرقة ليست من قبله هكذا في الخانية وهو تفريع على انعقاده، وأما على المفتى به فينبغي أن يجب الأقل من المسمى ومن مهر المثل وأن لا نفقة لها في هذه العدة كما لا يخفى وفي الخانية وإن زوجها الولي غير كفء ودخل بها ثم بانت منه بالطلاق ثم زوجت نفسها هذا الزوج بغير ولي ثم فرق القاضي بينهما قبل الدخول كان على الزوج كل المهر الثاني وعليها عدة في المستقبل في قول أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد لا مهر على الزوج وعليها بقية العدة الأولى، وذكر لها نظائر تأتي في كتاب العدة وينبغي أن يكون تفريعا على ظاهر الرواية أما على المفتى به فإنه لا يجب المهر الثاني بالاتفاق؛ لأنه نكاح فاسد كما صرح به في الخانية فيما إذا كان النكاح الثاني فاسدا وقيد بالنكاح؛ لأن له المراجعة إذا طلقها رجعيا بعد ما زوجها الولي غير كفء برضاها كذا في الذخيرة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ورضا البعض كالكل‏)‏ أي ورضا بعض الأولياء المستوين في الدرجة كرضا كلهم حتى لا يتعرض أحد منهم بعد ذلك وقال أبو يوسف لا يكون كالكل كما إذا أسقط أحد الدائنين حقه من المشترك‏.‏ ولهما‏:‏ أنه حق واحد لا يتجزأ؛ لأنه ثبت بسبب لا يتجزأ فيثبت لكل على الكمال كولاية الأمان قيدنا بالاستواء احترازا عما إذا رضي الأبعد فإن للأقرب الاعتراض كذا في فتح القدير وغيره وقيد بالرضا؛ لأن التصديق بأنه كفء من البعض لا يسقط حق من أنكرها‏.‏ قال في المبسوط‏:‏ لو ادعى أحد الأولياء أن الزوج كفء وأثبت الآخر أنه ليس بكفء يكون له أن يطالبه بالتفريق؛ لأن المصدق ينكر سبب الوجوب وإنكار سبب وجوب الشيء لا يكون إسقاطا له ا هـ‏.‏ وفي الفوائد التاجية أقام وليها شاهدين بعدم الكفاءة أو أقام زوجها بالكفاءة قال لا يشترط لفظ الشهادة؛ لأنه إخبار، ذكره عن القاضي بديع الدين في الشهادة وأطلق في الرضا فشمل ما إذا رضي بعضهم به قبل العقد أو رضي به بعده كما في القنية وقد قدمنا بحثا في أنه لو قال لها قبل العقد رضيت بتزوجك من غير كفء ولم يعين أحدا أو قال رضيت به بعد العقد ولم يعرفه أنه ينبغي أن لا يكون رضا معتبرا لما صرح به في الخانية وغيرها من أن الرضا بالمجهول لا يتحقق‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وقبض المهر ونحوه رضا‏)‏؛ لأنه تقرير لحكم العقد وأراد بنحوه كل فعل دل على الرضا، وأطلق في قبض المهر فشمل ما إذا جهزها به أو لا، أما إن جهزها به فهو رضا اتفاقا وإن لم يجهزها ففيه اختلاف المشايخ والصحيح أنه رضا كما في الذخيرة ودخل في نحوه ما إذا خاصم الزوج في نفقتها وتقرير مهرها عليه بوكالة منها كان ذلك منه رضا وتسليما للعقد استحسانا، وهذا إذا كان عدم الكفاءة ثابتا عند القاضي قبل مخاصمة الولي إياه، فأما إذا لم يكن عدم الكفاءة ثابتا عند القاضي قبل مخاصمة الولي إياه لا يكون رضا بالنكاح قياسا واستحسانا كذا في الذخيرة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ لا السكوت‏)‏ أي لا يكون سكوت الولي رضا؛ لأنه محتمل فلا يجعل رضا إلا في مواضع مخصوصة ليس هذا منها أطلقه فشمل ما إذا ولدت فله حق الفسخ بعد الولادة كما في مبسوط شيخ الإسلام وكما في المعراج لكن قيده الشارحون بعدم الولادة فلو ولدت فليس له حق الفسخ وظاهر كلامهم أنه المذهب الصحيح ولذا اختاره في الخلاصة وكأنه للضرر الحاصل بالفسخ وينبغي أن يكون الحبل الظاهر كالولادة وشمل ما إذا طالت المدة كما في الخلاصة، وذكر في الذخيرة امرأة تحت رجل هو ليس بكفء لها فخاصمه أخوها في ذلك وأبوها غائب غيبة منقطعة أو خاصمه ولي آخر غيره أولى منه وهو غائب عنه غيبة منقطعة فادعى الزوج أن الولي الأولى زوجه يؤمر بإقامة البينة وإلا فرق بينهما فإن أقام بينة على ذلك قبلت بينته وأجزتها على الأولى يعني الأول الذي هو أولى؛ لأن هذا خصم‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والكفاءة تعتبر نسبا فقريش أكفاء والعرب أكفاء وحرية وإسلاما وأبوان فيهما كالآباء وديانة ومالا وحرفة‏)‏؛ لأن هذه الأشياء يقع بها التفاخر فيما بينهم فلا بد من اعتبارها وتعتبر الكفاءة عند ابتداء العقد وزوالها بعد ذلك لا يضر ولذا قال في الظهيرية ولو تزوجها وهو كفء لها ثم صار فاجرا داعرا لا يفسخ النكاح ا هـ‏.‏ وقد ذكر المصنف اعتبارها في ستة أشياء‏:‏ الأول النسب وهو معروف، وأما العرب فهم خلاف العجم واحدهم عربي والأعراب أهل البادية واحدهم أعرابي وجمع الأعراب أعاريب، وقيل العرب جمع عربة بالهاء وهي النفس والعربي أيضا المنسوب إلى العرب قال تعالى‏:‏ ‏{‏قرآنا عربيا‏}‏ كذا في ضياء الحلوم وفيه‏:‏ التقرش الاكتساب والتقرش التجمع وبذلك سميت قريش لاجتماعهم بمكة وتقرش الرجل إذا انتسب إلى قريش ا هـ‏.‏ ثم القرشيان من جمعهما أب هو النضر بن كنانة فمن دونه ومن لم ينسب إلا لأب فوقه فهو عربي غير قرشي والنضر هو الجد الثاني عشر للنبي صلى الله عليه وسلم فإنه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان اقتصر البخاري في نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم على عدنان والأئمة الأربعة الخلفاء رضي الله عنهم أجمعين كلهم من قريش لانتسابهم إلى النضر فمن دونه وليس فيهم هاشمي إلا علي رضي الله عنه فإن الجد الأول للنبي صلى الله عليه وسلم جده فإنه علي بن أبي طالب بن عبد المطلب فهو من أولاد هاشم وأما أبو بكر الصديق رضي الله عنه فإنه يجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجد السادس وهو مرة فإنه عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة‏.‏ وأما عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإنه يجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجد السابع وهو كعب فإنه عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رواح بن عدي بن معد ورياح بكسر الراء وبالياء تحتها نقطتان، وأما عثمان رضي الله عنه فيجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في الجد الثالث وهو عبد مناف فإنه عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وبهذا استدل المشايخ على أنه لا يعتبر التفاضل فيما بين قريش وهو المراد بقوله فقريش أكفاء حتى لو تزوجت هاشمية قرشيا غير هاشمي لم يرد عقدها وإن تزوجت عربيا غير قرشي لهم رده كتزويج العربية عجميا، ووجه الاستدلال أن «النبي صلى الله عليه وسلم زوج بنته من عثمان وهو أموي لا هاشمي» وزوج علي رضي الله عنه بنته أم كلثوم من عمر وكان عدويا لا هاشميا فاندفع بذلك قول محمد من أنه تعتبر الزيادة بالخلافة حتى لا يكافئ أهل بيت الخلافة غيرهم من القرشيين، هذا إن قصد به عدم المكافأة لا إن قصد به تسكين الفتنة وأفاد المصنف أن غير العربي لا يكافئ العربي وإن كان حسيبا أو عالما لكن ذكر قاضي خان في جامعه قالوا الحسيب يكون كفؤا للنسيب فالعالم العجمي يكون كفؤا للجاهل العربي والعلوية؛ لأن شرف العلم فوق شرف النسب والحسب مكارم الأخلاق وفي المحيط عن صدر الإسلام الحسيب الذي له جاه وحشمة ومنصب وفي الينابيع الأصح أنه ليس كفؤا للعلوية، وأصل ما ذكره المشايخ من ذلك ما روي عن أبي يوسف أن الذي أسلم بنفسه أو أعتق إذا أحرز من الفضائل ما يقابل نسب الآخر كان كفؤا له كذا في فتح القدير وكله تفقهات المشايخ وظاهر الرواية أن العجمي لا يكون كفؤا للعربية مطلقا‏.‏

قال في المبسوط أفضل الناس نسبا بنو هاشم ثم قريش ثم العرب لما روي عن محمد بن علي عليه السلام‏:‏ «أن الله اختار من الناس العرب ومن العرب قريشا واختار منهم بني هاشم واختارني من بني هاشم» ا هـ‏.‏ ولم يذكر المصنف الموالي؛ لأن المراد بالمولى هنا ما ليس بعربي وإن لم يمسه رق؛ لأن العجم لما ضلوا أنسابهم كان التفاخر بينهم في الدين كما في الفتح أو؛ لأن بلادهم فتحت عنوة بأيدي العرب فكان للعرب استرقاقهم فإذا تركوهم أحرارا فكأنهم أعتقوهم والموالي هم المعتقون كما في التبيين أو؛ لأنهم نصروا العرب على قتل الكفار من أهل الحرب والناصر يسمى مولى قال تعالى‏:‏ ‏{‏وأن الكافرين لا مولى لهم‏}‏ كما في غاية البيان‏.‏ والحاصل‏:‏ أن النسب المعتبر هنا خاص بالعرب، وأما العجم فلا يعتبر في حقهم ولذا كان بعضهم كفؤا لبعض، وأما معتق العربي فهو ليس بكفء لمعتق العجمي كما سيأتي في الحرية، وأطلق المصنف في العرب فأفاد أن بني باهلة كفء لبقية العرب غير قريش وفي الهداية وبنو باهلة ليسوا بأكفاء لعامة العرب؛ لأنهم معروفون بالخساسة‏.‏ قالوا‏:‏ لأنهم كانوا يستخرجون النقي من عظام الموتى ويطبخون العظام ويأخذون الدسومات منها ويأكلون بقية الطعام مرة ثانية ورده في فتح القدير بأنه لا يخلو عن نظر فإن النص لم يفصل مع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أعلم بقبائل العرب وأخلاقهم، وقد أطلق في قوله‏:‏ «العرب بعضهم أكفاء لبعض» وليس كل باهلي كذلك بل فيهم الأجواد وكون فصيلة منهم أو بطن صعاليك فعلوا ذلك لا يسري في حق الكل ا هـ‏.‏ فالحق الإطلاق وباهلة في الأصل اسم امرأة من همدان والتأنيث للقبيلة سواء كان في الأصل اسم رجل أو اسم امرأة كذا في الصحاح وقال في الديوان الباهلة قبيلة من قبيلة القيس وفي القاموس، باهلة‏:‏ قوم‏.‏

وأما الثاني والثالث أعني الحرية والإسلام فهما معتبران في حق العجم؛ لأنهم يفتخرون بهما دون النسب، وهذا؛ لأن الكفر عيب، وكذا الرق؛ لأنه أثره والحرية والإسلام زوال العيب فيفتخر بهما دون النسب فلا يكون من أسلم بنفسه كفؤا لمن لها أب في الإسلام ولا يكون من له أب واحد كفؤا لمن لها أبوان في الإسلام ومن له أبوان في الإسلام كفؤا لمن لها آباء كثيرة فيه وهو المراد بقوله وأبوان فيهما كالآباء أي في الإسلام والحرية وهي نظير الإسلام فيما ذكرنا فلا يكون العبد كفؤا لحرة الأصل، وكذا المعتق لا يكون كفؤا لحرة أصلية والمعتق أبوه لا يكون كفؤا لمن له أبوان في الحرية كذا في المعراج وظاهره أن العبد كفء للمعتقة وفيه تأمل وفي المجتبى معتقة الشريف لا يكافئها معتق الوضيع وفي التجنيس ولو كان أبوها معتقا وأمها حرة الأصل لا يكافئها المعتق؛ لأن فيه أثر الرق وهو الولاء والمرأة لما كانت أمها حرة الأصل كانت هي حرة الأصل وفي فتح القدير واعلم أنه لا يبعد كون من أسلم بنفسه كفؤا لمن عتق بنفسه ا هـ‏.‏ قيدنا اعتبارهما في حق العجم لما في التبيين وغيره أن أبا حنيفة وصاحبيه اتفقوا أن الإسلام لا يكون معتبرا في حق العرب؛ لأنهم لا يتفاخرون به، وإنما يتفاخرون بالنسب ا هـ‏.‏ فعلى هذا لو تزوج عربي له أب كافر بعربية لها آباء في الإسلام فهو كفء، وأما الحرية فهي لازمة للعرب؛ لأنه لا يجوز استرقاقهم فعلى هذا فالنسب معتبر في حق العرب فقط، وأما الحرية والإسلام فمعتبران في العرب والعجم بالنسبة إلى الزوج، وأما بالنسبة إلى أبيه وجده فالحرية معتبرة في حق الكل أيضا، وأما الإسلام فمعتبر في العجم فقط وفي القنية رجل ارتد والعياذ بالله ثم أسلم فهو كفء لمن لم يجر عليها ردة‏.‏ ا هـ‏.‏

وأما الرابع وهو الديانة ففسرها في غاية البيان بالتقوى والزهد والصلاح، وإنما لم يقل والدين؛ لأنه بمعنى الإسلام فيلزم التكرار وإن أريد بالأول إسلام الآباء وهنا إسلام الزوج لم يصح؛ لأن إسلام الزوج ليس من الكفاءة، وإنما هو شرط جواز النكاح واعتبار التقوى فيها قول أبي حنيفة وأبي يوسف وهو الصحيح؛ لأنه من أعلى المفاخر والمرأة تعير بفسق الزوج فوق ما تعير بضعة نسبه وقال محمد لا تعتبر؛ لأنه من أمور الآخرة فلا تبتنى أحكام الدنيا عليه إلا إذا كان يصفع ويسخر منه أو يخرج إلى الأسواق سكران ويلعب به الصبيان؛ لأنه مستخف به كذا في الهداية وفي فتح القدير معزيا إلى المحيط أن الفتوى على قول محمد ولعله المحيط البرهاني فإنه لم أجده في المحيط الرضوي وهو موافق لما صححه في المبسوط من أنها لا تعتبر عند أبي حنيفة وتصحيح الهداية معارض له فالإفتاء بما في المتون أولى فلا يكون الفاسق كفؤا للصالحة بنت الصالحين سواء كان معلنا بالفسق أو لا كما في الذخيرة ووقع لي تردد فيما إذا كانت صالحة دون أبيها أو كان أبوها صالحا دونها هل يكون الفاسق كفؤا لها أو لا‏؟‏ فظاهر كلام الشارحين أن العبرة لصلاح أبيها وجدها فإنهم قالوا لا يكون الفاسق كفؤا للصالحة بنت الصالحين واعتبر في الجميع صلاحها، فقال فلا يكون الفاسق كفؤا للصالحة وفي الخانية لا يكون الفاسق كفؤا للصالحة بنت الصالحين فاعتبر صلاح الكل‏.‏ والظاهر أن الطلاح منها أو من آبائها كاف لعدم كون الفاسق كفؤا لها ولم أره صريحا وظاهر كلامهم أن التقوى معتبرة في حق العرب والعجم فلا يكون العربي الفاسق كفؤا للصالحة عربية كانت أو عجمية‏.‏

وأما الخامس فالمال، أطلقه فأفاد أنه لا بد من التساوي فيه وهو قول أبي بكر الإسكاف قال في النوازل عنه إذا كان للرجل عشرة آلاف درهم يريد أن يتزوج امرأة، لها مائة ألف وأخوها لا يرضى بذلك قال‏:‏ لأخيها أن يمنعها من ذلك ولا يكون كفؤا وجعله في المجتبى قول أبي حنيفة وقيده في الهداية بأن يكون مالكا للمهر والنفقة، وهذا هو المعتبر في ظاهر الرواية حتى أن من لا يملكهما أو لا يملك أحدهما لا يكون كفؤا؛ لأن المهر بدل البضع فلا بد من إيفائه وبالنفقة قوام الازدواج ودوامه والمراد بالمهر قدر ما تعارفوا تعجيله؛ لأن ما وراءه مؤجل عرفا ا هـ‏.‏ وصححه في التبيين ودخل في النفقة الكسوة كما في المعراج والعناية، وذكر الولوالجي رجل ملك ألف درهم فتزوج امرأة بألف درهم وعليه دين ألف درهم ومهر مثلها ألف جاز النكاح، وهذا الرجل كفء لها وإن كانت الكفاءة بالقدرة على المهر؛ لأن هذا الرجل قادر على المهر فإنه يقضي أي الدينين شاء بذلك‏.‏ ا هـ‏.‏ واختلفوا في قدر النفقة، فقيل يعتبر نفقة ستة أشهر، وقيل نفقة شهر وصححه في التجنيس وفي المجتبى والصحيح أنه إذا كان قادرا على النفقة على طريق الكسب كان كفؤا ا هـ‏.‏ فقد اختلف التصحيح وتصحيح المجتبى أظهر كما لا يخفى وفي الذخيرة إذا كان يجد نفقتها ولا يجد نفقة نفسه يكون كفؤا وإن لم يجد نفقتها لا يكون كفؤا وإن كانت فقيرة ولو كانت الزوجة صغيرة لا تطيق الجماع فهو كفء وإن لم يقدر على النفقة؛ لأنه لا نفقة لها وفي المجتبى والصبي كفء بغنى أبيه وهو الأصح ا هـ‏.‏ يعني بالنسبة إلى المهر، وأما في النفقة فلا يعد غنيا بغنى أبيه؛ لأن العادة أن الآباء يتحملون المهر عن الأبناء ولا يتحملون النفقة كذا في الذخيرة والواقعات وفي التبيين، وقيل‏:‏ إن كان ذا جاه كالسلطان والعالم يكون كفؤا وإن لم يملك إلا النفقة؛ لأن الخلل ينجبر به ومن ثم قالوا‏:‏ الفقيه العجمي يكون كفؤا للعربي الجاهل‏.‏ ا هـ‏.‏ وظاهر كلامهم أن القدرة على المهر والنفقة لا بد منه في كل زوج عربيا كان أو عجميا لكل امرأة ولو كانت فقيرة بنت فقراء كما صرح به في الواقعات معللا بأن المهر والنفقة عليه فيعتبر هذا الوصف في حقه ا هـ‏.‏ ففي إدخال القدرة عليهما في الكفاءة إشكال؛ لأن الكفاءة المماثلة، وهذا شرط في حق الزوج فقط لكن قدمنا أنها شرعا المماثلة أو كون المرأة أدنى‏.‏

وأما السادس فالكفاءة في الحرفة بالكسر وهي كما في ضياء الحلوم بكسر الحاء وسكون الراء اسم من الاحتراف وهو الاكتساب بالصناعة والتجارة وقال في موضع آخر الصناعة الحرفة‏.‏ ا هـ‏.‏ والظاهر أن الحرفة أعم من الصناعة؛ لأنها العلم الحاصل من التمرن على العمل ولذا عبر المصنف بالحرفة دون الصناعة لكن قال في القاموس الحرفة بالكسر الطعمة والصناعة يرتزق منها وكل ما اشتغل الإنسان به وهي تسمى صنعة وحرفة؛ لأنه ينحرف إليها ا هـ‏.‏ فأفاد أنهما سواء، وقد حقق في غاية البيان أن اعتبار الكفاءة في الصنائع هو ظاهر الرواية عن أبي حنيفة وصاحبيه؛ لأن الناس يتفاخرون بشرف الحرف ويتعيرون بدناءتها وهي وإن أمكن تركها يبقى عارها كما في المجتبى وفي الذخيرة معزيا إلى أبي هريرة رضي الله عنه الناس بعضهم أكفاء لبعض إلا حائكا أو حجاما وفي رواية، أو دباغا‏:‏ قال مشايخنا ورابعهم الكناس فواحد من هؤلاء الأربعة لا يكون كفؤا للصيرفي والجوهري وعليه الفتوى وبعد هذا المروي عن أبي يوسف إن الحرف متى تقاربت لا يعتبر التفاوت وتثبت الكفاءة فالحائك يكون كفؤا للحجام، والدباغ يكون كفؤا للكناس والصفار يكون كفؤا للحداد والعطار يكون كفؤا للبزاز قال شمس الأئمة الحلواني وعليه الفتوى‏.‏ ا هـ‏.‏ فالمفتى به مخالف لما في المختصر؛ لأن حقيقة الكفاءة في الصنائع لا تتحقق إلا بكونهما من صنعة واحدة إلا أن التقارب بمنزلة المماثلة فلا مخالفة وفي فتح القدير والحائك يكون كفؤا للعطار بالإسكندرية لما هناك من حسن اعتبارها وعدم عدها نقصا ألبتة اللهم إلا أن يقترن بها خساسة غيرها ا هـ‏.‏ وينبغي أن يكون صاحب الوظائف في الأوقاف كفؤا لبنت التاجر في مصر إلا أن تكون وظيفة دنيئة عرفا كسواق وفراش ووقاد وبواب وتكون الوظائف من الحرف؛ لأنها صارت طريقا للاكتساب في مصر كالصنائع ا هـ‏.‏ وينبغي أن من له وظيفة تدريس أو نظر يكون كفؤا لبنت الأمير بمصر وفي القنية الحائك لا يكون كفؤا لبنت الدهقان وإن كان معسرا، وقيل هو كفء ا هـ‏.‏ وفي المغرب غلب اسم الدهقان على من له عقار كثيرة وفي المجتبى وهنا جنس أخس من الكل وهو الذي يخدم الظلمة يدعى شاكريا وتابعا وإن كان صاحب مروءة ومال فظلمه خساسة ا هـ‏.‏ وفي الظهيرية والشاكرية لا يكون كفؤا لأحد إلا لأمثالهم وهم الذين يتبعون هؤلاء المترفين هكذا قاله شمس الأئمة الحلواني ا هـ‏.‏ ولا يخفى أن الظاهر اعتبار هذه الكفاءة بين الزوج وأبيها وأن الظاهر اعتبارها وقت التزوج فلو كان دباغا أولا ثم صار تاجرا ثم تزوج بنت تاجر أصلي ينبغي أن يكون كفؤا، لكن ما تقدم من أن الصنعة وإن أمكن تركها يبقى عارها يخالفه كما لا يخفى، وقد أشار المصنف باقتصاره على الأمور الستة إلى أنه لا يعتبر غيرها فلا عبرة بالجمال كما في الخانية ولا يعتبر فيها العقل فالمجنون كفء للعاقلة وفيه اختلاف بين المشايخ كما في الذخيرة ولا عبرة بالبلد فالقروي كفء للمدني كما في فتح القدير فعلى هذا التاجر في القرى يكون كفؤا لبنت التاجر في المصر للتقارب ولا تعتبر الكفاءة عندنا في السلامة من العيوب التي يفسخ بها البيع كالجذام والجنون والبرص والبخر والدفر كما سيأتي ولا تعتبر الكفاءة بين أهل الذمة فلو زوجت نفسها، فقال وليها ليس هذا كفؤا لم يفرق بل هم أكفاء بعضهم لبعض قال في الأصل إلا أن يكون نسبا مشهورا كبنت ملك من ملوكهم خدعها حائك أو سائس فإنه يفرق بينهم لا لعدم الكفاءة بل لتسكين الفتنة والقاضي مأمور بتسكينها بينهم كما بين المسلمين‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو نقصت عن مهر مثلها للولي أن يفرق بينهما أو يتم المهر‏)‏ يعني عند أبي حنيفة وقالا ليس له ذلك؛ لأن ما زاد عن العشرة حقها ومن أسقط حقه لا يعترض عليه كما في الإبراء بعد التسمية ولأبي حنيفة أن الأولياء يفتخرون بغلاء المهر ويتعيرون بنقصانها فأشبه الكفاءة بخلاف الإبراء بعد التسمية؛ لأنه لا يعير به فحاصله‏:‏ أن في المهر حقوقا ثلاثة‏:‏ أحدهما حق الشرع وهو أن لا يكون أقل من عشرة دراهم أو ما يساويها‏.‏ والثاني حق الأولياء وهو أن لا يكون أقل من مهر المثل‏.‏ والثالث حق المرأة وهو كونه ملكا لها، ثم حق الشرع، والأولياء مراعى وقت الثبوت فقط فلا حق لهما حالة البقاء‏.‏ وأفاد بقوله للولي أن يفرق أن الولي لو فرق بينهما قبل الدخول فلا مهر لها وإن كان بعده فلها المسمى، وكذا إذا مات أحدهما قبل التفريق فليس لهم المطالبة بالتكميل؛ لأن الثابت لهم ليس إلا أن يفسخ أو يكمل فإذا امتنع هنا عن تكميل المهر لا يمكن الفسخ وإن طلقها الزوج قبل تفريق الولي قبل الدخول فلها نصف المسمى كما في المحيط والمراد من الولي هنا العصبة وإن لم يكن محرما على المختار كما قدمناه في الكفاءة فخرج القريب الذي ليس بعصبة وخرج القاضي فلذا قال في الذخيرة من كتاب الحجر المحجور عليها إذا تزوجت بأقل من مهر مثلها ليس للقاضي الاعتراض عليها؛ لأن الحجر في المال لا في النفس‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو زوج طفله غير كفء أو بغبن فاحش صح ولم يجز ذلك لغير الأب والجد‏)‏ يعني لو زوج الأب الصاحي ولده الصغير أمة أو بنته الصغيرة عبدا أو زوجه وزاد على مهر المثل زيادة فاحشة أو زوجها ونقص عن مهر مثلها نقصانا فاحشا فهو صحيح من الأب والجد دون غيرهما عند أبي حنيفة ولم يصح العقد عندهما على الأصح؛ لأن الولاية مقيدة بشرط النظر فعند فواته يبطل العقد وله‏:‏ أن الحكم يدار على دليل النظر وهو قرب القرابة وفي النكاح مقاصد تربو على المهر والكفاءة قيد بالغبن الفاحش؛ لأن الغبن اليسير في المهر معفو اتفاقا كذا في غاية البيان وقيد بالنكاح؛ لأن في التصرفات المالية كالبيع والشراء والإجارة والاستئجار والصلح في دعوى المال لا يملك الأب والجد بغبن فاحش بالإجماع؛ لأن المقصود المال وقد حصل النقصان فيه بلا جابر فلم يجز وفي النكاح وجد الجابر وهو ما قلنا من المقاصد، وأطلق في الأب والجد وقيده الشارحون وغيرهم بأن لا يكون معروفا بسوء الاختيار حتى لو كان معروفا بذلك مجانة وفسقا فالعقد باطل على الصحيح قال في فتح القدير ومن زوج ابنته الصغيرة القابلة للتخلق بالخير والشر ممن يعلم أنه شرير فاسق فهو ظاهر سوء اختياره ولأن ترك النظر هنا مقطوع به فلا يعارضه ظهور إرادة مصلحة تفوت ذلك نظرا إلى شفقة الأبوة ا هـ‏.‏ فظاهر كلامهم أن الأب إذا كان معروفا بسوء الاختيار لم يصح عقده بأقل من مهر المثل ولا بأكثر في الصغير بغبن فاحش ولا من غير الكفء فيهما سواء كان عدم الكفاءة بسبب الفسق أو لا حتى لو زوج بنته من فقير أو محترف حرفة دنيئة ولم يكن كفؤا فالعقد باطل فقصر المحقق ابن الهمام كلامهم على الفاسد مما لا ينبغي، وذكر أصحاب الفتاوى أن الأب إذا زوج بنته الصغيرة ممن ينكر أنه يشرب المسكر فإذا هو مدمن له وقالت بعدما كبرت لا أرضى بالنكاح إن لم يكن يعرفه الأب بشربه وكان غلبة أهل بيته صالحين فالنكاح باطل اتفاقا؛ لأنه إنما زوج على ظن أنه كفء ا هـ‏.‏ وهو يفيد أن الأب لو عرفه بشربه فالنكاح نافذ ولا شك أن هذا منه سوء اختيار بيقين لكن لم يلزم من تحققه كون الأب معروفا للناس به فقد يتصف به في نفس الأمر ولا يشتهر به فلا منافاة بين ما ذكروه كما لا يخفى، وفرق بين علمه وعدمه في الذخيرة بأنه إذا كان عالما بأنه ليس بكفء علم أنه تأمل غاية التأمل وعرف هذا العقد مصلحة في حقها أما هاهنا ظنه كفؤا فالظاهر أنه لا يتأمل‏.‏ ا هـ‏.‏ وقد وقع في أكثر الفتاوى في هذه المسألة أن النكاح باطل فظاهره أنه لم ينعقد وفي الظهيرية يفرق بينهما ولم يقل إنه باطل وهو الحق ولذا قال في الذخيرة في قولهم فالنكاح باطل أي يبطل‏.‏ ثم اعلم، أنه لا خصوصية لما إذا علمه فاسقا، وإنما المراد أنه إذا زوجه بناء على أنه كفء فإذا هو ليس بكفء فإنه باطل ولذا قال في القنية زوج بنته الصغيرة من رجل ظنه حر الأصل وكان معتقا فهو باطل بالاتفاق وقيد بتزويجه طفله؛ لأنه لو زوج أمة طفله بغبن فاحش فإنه لا يجوز اتفاقا؛ لأنه إضاعة مالهما؛ لأن المهر ملكهما ولا مقصود آخر باطن يصرف النظر إليه كما في فتح القدير والمراد بعدم الجواز في قوله لم يجز ذلك لغيرهما عدم الصحة وعليه ابتني الفرع المعروف، ولو زوج العم الصغيرة حرة الجد من معتق الجد فكبرت وأجازت لا يصح؛ لأنه لم يكن العقد موقوفا إذ لا مجيز له فإن العم ونحوه لا يصح منهم التزويج لغير الكفء ولذا ذكر في الخانية وغيرها أن غير الأب والجد إذا زوج الصغيرة فالأحوط أن يزوجها مرتين مرة بمهر مسمى ومرة بغير التسمية؛ لأنه لو كان في التسمية نقصان فاحش ولم يصح النكاح الأول يصح الثاني ا هـ‏.‏ ولا فرق بين الصغير والصغيرة في هذا المعنى فالتخصيص بالصغيرة مما لا ينبغي وليس للتزويج من غير كفء حيلة كما لا يخفى وقيد بتزويج الأب أي بنفسه؛ لأنه لا يجوز لوكيل الأب أن يزوج بنته الصغيرة بأقل من مهر مثلها كذا في القنية وينبغي استثناء القليل الذي يتساهل فيه كما لا يخفى وقيدنا الأب بكونه صاحيا؛ لأن السكران إذا قصر في مهر ابنته بما لا يتغابن الناس فيه فإنه لا يجوز إجماعا والصاحي‏:‏ يجوز؛ لأن الظاهر من حال السكران أنه لا يتأمل إذ ليس له رأي كامل فيبقى النقصان ضررا محضا والظاهر من حال الصاحي أنه يتأمل كذا في الذخيرة، وكذا السكران إذا زوج من غير الكفء كما في الخانية وبه علم أن المراد بالأب من ليس بسكران ولا عرف بسوء الاختيار وأطلق في غير الكفء فشمل ما إذا زوجها من مملوك نفسه فعندهما لم يصح كما في الذخيرة وقيد بالطفل؛ لأن الأب لو زوج الكبيرة من مملوكه برضاها فهو جائز اتفاقا ولا خصوصية للأب بل كل ولي كذلك إن لم يكن لها غيره أقرب منه لم يرض به قبل العقد والطفل الصبي ويقع على الذكر والأنثى والجماعة يقال طفلة وأطفال ا هـ‏.‏

فصل ‏[‏بعض مسائل الوكيل والفضولي‏]‏

حاصله بعض مسائل الوكيل والفضولي وتأخيرهما عن الولي ظاهر؛ لأن ولايته أصلية‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ لابن العم أن يزوج بنت عمه من نفسه وللوكيل أن يزوج موكلته من نفسه‏)‏؛ لأن الوكيل في النكاح معبر وسفير والتمانع في الحقوق دون التعبير ولا ترجع الحقوق إليه بخلاف البيع؛ لأنه مباشر حتى رجعت الحقوق إليه، وروى البخاري أن عبد الرحمن بن عوف قال لأم حكيم ابنة فارض أتجعلين أمرك إلي قالت نعم قال تزوجتك فعقده بلفظ واحد‏.‏ وعن عقبة بن عامر أنه عليه السلام‏:‏ «قال لرجل أترضى أن أزوجك فلانة قال نعم وقال للمرأة أترضين أن أزوجك فلانا قالت نعم فزوج أحدهما صاحبه» وكان ممن شهد الحديبية رواه أبو داود فما في الغاية من أن قولهم أنه سفير ومعبر لم يسلم من النقض فإن الوكيل لو زوج موكلته على عبد نفسه يطالب بتسليمه سهو فإنه لم يلزمه بمجرد العقد، وإنما لزمه بالتزامه حيث جعله مهرا وأضاف العقد إليه والمراد ببنت العم الصغيرة فيكون ابن العم أصيلا من جانب ووليا من جانب ولا يراد بها الكبيرة هنا؛ لأنها لو وكلته فهو وكيل داخل في المسألة الثانية وإلا فهو فضولي سيأتي بطلانه إن لم يقبل عنها أحد ولو أجازته بعده والمراد بالوكيل الوكيل في أن يزوجها من نفسه لما في المحيط لو وكلته بتزويجها من رجل فزوجها من نفسه لم يجز؛ لأنها أمرته بالتزويج من رجل نكرة وهو معرفة بالخطاب والمعرفة لا تدخل تحت النكرة وفي الولوالجية لو قالت المرأة زوج نفسي ممن شئت لا يملك أن يزوجها من نفسه فرق بين هذا وبين ما إذا أوصى بثلث ماله، فقال للموصى له ضع ثلث مالي حيث شئت كان للموصى له أن يضع عند نفسه‏.‏ والفرق أن الزوج مجهول وجهالة الزوج تمنع صحة الشرط وصار كالمسكوت عنه بخلاف الوصية؛ لأن الجهالة لا تمنع صحة الوصية فيعتبر التفويض مطلقا ا هـ‏.‏ فلو وكلته أن يتصرف في أمورها لا يملك تزويجها من نفسه بالأولى كما في الخانية والوكالة كما تثبت بالصريح تثبت بالسكوت، ولذا قال في الظهيرية لو قال ابن العم الكبير إني أريد أن أزوجك من نفسي فسكتت فزوجها من نفسه جاز ا هـ‏.‏ ولم يقيدها بالبكر وقيدها بالبكر في غاية البيان وغيره‏.‏ والظاهر أنه خاص بالولي كما سبق بيانه وأطلق في الوكالة به فأفاد أنه لا يشترط الإشهاد عندها للصحة، وإنما لخوف الإنكار ولم يبين كيف يزوجها الوكيل من نفسه وأنه هل يشترط أن يعرفها الشهود للاختلاف فذكر الخصاف أنه لا يشترط معرفتها ولا ذكر اسمها ونسبها للشهود حتى لو قال تزوجت المرأة التي جعلت أمرها إلي على صداق كذا عندهم صح والمختار في المذهب خلافه وإن كان الخصاف كبيرا في العلم يقتدى به قال الولوالجي في فتاويه امرأة وكلت رجلا أن يزوجها من نفسه فذهب الوكيل وقال اشهدوا أني قد تزوجت فلانة ولم تعرف الشهود فلانة لا يجوز النكاح ما لم يذكر اسمها واسم أبيها وجدها؛ لأنها غائبة والغائبة لا تعرف إلا بالنسبة ألا ترى أنه لو قال تزوجت امرأة وكلتني بالنكاح لا يجوز وإن كانت حاضرة متنقبة ولا يعرفها الشهود، فقال اشهدوا أني تزوجت هذه المرأة، فقالت المرأة زوجت نفسي منه جاز هو المختار؛ لأنها حاضرة والحاضرة تعرف بالإشارة فإذا أرادوا الاحتياط يكشف وجهها حتى يعرفها الشهود أو يذكر اسمها واسم أبيها واسم جدها حتى يكون متفقا عليه فيقع الأمن من أن يرفع إلى قاض يرى قول من لا يجوز وهو نصير بن يحيى فيبطل النكاح هذا كله إذا كان الشهود لا يعرفون المرأة أما إذا كانوا يعرفونها وهي غائبة فذكر اسمها لا غير، جاز النكاح إذا عرف الشهود أنه أراد به المرأة التي عرفوها؛ لأن المقصود من النسبة التعريف، وقد حصل باسمها ا هـ‏.‏ وقد وقع في كثير من الفتاوى والاحتياط كشف وجهها أو ذكر اسمها بكلمة أو والصواب بالواو كما في عمدة الفتاوى للصدر الشهيد؛ لأن الاحتياط الجمع بينهما لا أحدهما وفي الخانية رجل أرسل رجلا ليخطب له امرأة بعينها فذهب الرسول وزوجها إياه جاز؛ لأنه أمره بالخطبة وتمام الخطبة بالعقد ا هـ‏.‏ ويشترط للزوم عقد الوكيل موافقته في المهر المسمى فلذا قال في الخانية لو وكله في أن يزوجه فلانة بألف درهم فزوجها إياه بألفين إن أجاز الزوج جاز وإن رد بطل النكاح وإن لم يعلم الزوج بذلك حتى دخل بها فالخيار باق إن أجاز كان عليه المسمى لا غير، وإن رد بطل النكاح فيجب مهر المثل إن كان أقل من المسمى وإلا يجب المسمى وإن لم يرض الزوج بالزيادة، فقال الوكيل أنا أغرم الزيادة وألزمكما النكاح لم يكن له ذلك، ثم قال امرأة وكلت رجلا ليزوجها بأربعمائة درهم فزوجها الوكيل وأقامت مع الزوج سنة ثم زعم الزوج أن الوكيل زوجها منه بدينار وصدقه الوكيل في ذلك فلو كان الزوج مقرا أن المرأة لم توكله بدينار كانت المرأة بالخيار إن شاءت أجازت النكاح بدينار وليس لها غير ذلك وإن شاءت ردت النكاح ولها عليه مهر مثلها بالغا ما بلغ بخلاف ما تقدم؛ لأن ثمة المرأة رضيت بالمسمى فإذا بطل النكاح ووجب العقر بالدخول لا يزاد على ما رضيت أما هنا المرأة ما رضيت بالمسمى في العقد فكان لها مهر المثل بالغا ما بلغ وليس لها نفقة العدة وإن كان الزوج يدعي التوكيل بدينار وهي تنكر كان القول قولها مع اليمين، وهذا أمر يحتاط فيه وينبغي أن يشهد على أمرها وتجيزه بعد العقد إذا خالف أمرها، وكذا الولي إذا كانت بالغة يفعل ما يفعله الوكيل ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ونكاح العبد والأمة بغير إذن السيد موقوف كنكاح الفضولي‏)‏ شرع في بيان الفضولي وبعض أحكامه وهو من يتصرف لغيره بغير ولاية ولا وكالة أو لنفسه وليس أهلا له، وإنما زدناه ليدخل نكاح العبد بغير إذن إن قلنا إنه فضولي وإلا فهو ملحق به في أحكامه والفضولي جمع فضل غلب في الاشتغال بما لا يعنيه وما لا ولاية له فيه فقول بعض الجهلة لمن يأمر بالمعروف أنت فضولي يخشى عليه الكفر وصفته أنه عقد صحيح غير نافذ والأصل أن كل عقد صدر من الفضولي وله مجيز انعقد موقوفا على الإجازة وقال الشافعي تصرفات الفضولي كلها باطلة؛ لأن العقد وضع لحكمه والفضولي لا يقدر على إثبات الحكم فيلغو ولنا أن ركن التصرف صدر من أهله مضافا إلى محله ولا ضرر في انعقاده فينعقد موقوفا حتى إذا رأى المصلحة فيه ينفذه، وقد يتراخى حكم العقد عن العقد وفسر المجيز في النهاية بقابل يقبل الإيجاب سواء كان فضوليا أو وكيلا أو أصيلا فإن كان له مجيز حالة العقد توقف وإلا بطل بيانه الصبي إذا باع ماله أو اشترى أو تزوج أو زوج أمته أو كاتب عبده أو نحوه يتوقف على إجازة الولي في حالة الصغر فلو بلغ قبل أن يجيزه الولي فأجازه بنفسه نفذ؛ لأنها كانت متوقفة ولا ينفذ بمجرد بلوغه ولو طلق الصبي امرأته أو خلعها أو أعتق عبده على مال أو دونه أو وهب أو تصدق أو زوج عبده أو باع ماله بمحاباة فاحشة أو اشترى بأكثر من القيمة بما لا يتغابن فيه أو غير ذلك مما لو فعله وليه لا ينفذ كانت هذه الصور باطلة غير متوقفة ولو أجازها بعد البلوغ لعدم المجيز وقت العقد إلا إذا كان لفظ الإجازة يصلح لابتداء العقد فيصح على وجه الإنشاء كأن يقول بعد البلوغ أوقعت ذلك الطلاق والعتاق ا هـ‏.‏ قال في فتح القدير، وهذا يوجب أن يفسر المجيز هنا بمن يقدر على إمضاء العقد لا بالقابل مطلقا ولا بالولي إذ لا توقف في هذه الصور وإن قبل فضولي آخر أو ولي لعدم قدرة الولي على إمضائها ا هـ‏.‏ ومن الباطل لكونه لا مجيز له تزويجه أمة وتحته حرة أو أخت امرأته أو خامسة أو صغيرة في دار الحرب إذا لم يكن سلطان ولا قاض، وأما كفالة المكاتب وتوكيله بعتق عبده ووصيته بعين من ماله فصحيح إذا أجاز بعد عتقه إلا في الأول فبغير إجازة لما عرف في التبيين ودخل تحت تعريف الفضولي ما لو علق طلاق زوجة غيره بشرط فهو موقوف فإن أجاز الزوج تعلق فتطلق بوجود الشرط ولو وجد قبلها لم تطلق عندها إلا إذا وجد ثانيا بعدها كما في فتح القدير، ولذا قلنا من يتصرف ولم نقل من يعقد عقدا، ولذا فسر في فتح القدير المجيز بمن يقدر على الإمضاء لا بالقابل إذ ليس في اليمين قابل وفي التجنيس حر تزوج عشر نسوة بغير إذنهن فبلغهن الخبر فأجزن جميعا جاز نكاح التاسعة والعاشرة؛ لأنه لما تزوج الخامسة كان ردا لنكاح الأربع فلما تزوج التاسعة كان ردا لنكاح الأربع الآخر فبقي نكاح التاسعة والعاشرة موقوفا على إجازتهما‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الخانية عبد تزوج امرأة بغير إذن المولى ثم امرأة ثم امرأة ثم امرأة فبلغ المولى فأجاز الكل فإن لم يكن دخل بهن جاز نكاح الثالثة؛ لأن الإقدام على نكاح الثالثة فسخ لنكاح الأولى والثانية فيتوقف نكاح الثالثة فينفذ بإجازة المولى وإن كان دخل بهن لا يصح نكاحهن؛ لأن الإقدام على نكاح الثالثة في عدة الأولى والثانية لم يصح فلم يكن فسخا لما قبلها فلا تصح إجازة المولى كما لو تزوجهن في عدة واحدة ا هـ‏.‏ وهذا يوجب تقييد ما في التجنيس أيضا وقوله موقوف أي على الإجازة فلو تزوج بغير إذن السيد ثم أذن السيد لا ينفذ؛ لأن الإذن ليس بإجازة فلا بد من إجازة العبد العاقد وإن صدر العقد منه كما في التجنيس وتثبت الإجازة لنكاح الفضولي بالقول والفعل فمن الأول أجزت ونحوه، وكذا نعم ما صنعت وبارك الله لنا وأحسنت وأصبت وطلقها إلا إذا قال المولى لعبده كما سيأتي في بابه ومن الثاني قبول المهر بخلاف قبول الهدية وقولها لا يعجبني هذا المهر ليس ردا فلها الإجازة ومن أحكام الفضولي أنه يملك فسخ ما عقده في بعض الصور دون بعض كما ذكره أصحاب الفتاوى قال في الظهيرية والفضولي في باب النكاح لا يملك الرجوع قبل الإجازة والوكيل في النكاح الموقوف يملك الرجوع قولا أو فعلا بيانه رجل وكل رجلا بأن يزوجه امرأة فزوجه امرأة بالغة بغير إذنها أو زوجها أبوها فلم يبلغها حتى نقض الوكيل النكاح قولا أو فعلا بأن يزوجه أختها صح ولو كان فضوليا والمسألة بحالها لا يملك وروي عن أبي يوسف في قوله الأول أن الفضولي يملك الرجوع أيضا والفضولي في باب البيع يملك الرجوع بالإجماع؛ لأن الرجوع فرار عن العهدة في باب البيع بخلاف النكاح وفي وجه الوكيل يملك الفسخ قولا لا فعلا بأن وكله بأن يزوجه امرأة بعينها فزوجها بغير رضاها ملك الوكيل نقضه قولا؛ لأنه وكيل فيه ولا يملك نقضه فعلا حتى لو زوجه أختها لا ينقض نكاح الأولى؛ لأنه فضولي في نكاح الثانية وفي وجه يملك الفسخ فعلا لا قولا نحو أن يوكل رجلا بأن يزوجه فأجاز الوكيل نكاحا باشره قبل ذلك صح استحسانا ولا يملك نقض هذا النكاح قولا؛ لأنه كان فضوليا حين عقده ويملك نقضه فعلا بأن يزوجه أختها من غير رضاها؛ لأنه وكيل في العقد الثاني‏.‏ ا هـ‏.‏ فحاصله أن كل عقد صدر من الفضولي في النكاح فإنه لا يملك نقضه قولا ولا فعلا؛ لأنه لا عهدة عليه ليتخلص منها إلا إذا صار وكيلا بعده فله نقضه فعلا لضرورة امتثال ما وكل فيه، وإنما ملك الوكيل في الموقوف الفسخ مع أنه لا عهدة عليه أيضا لتنجيز مراد الموكل فإنه لم يحصل مقصوده بالموقوف فللوكيل الانتقال عنه إلى غيره، وإنما لم يجز له الفسخ فعلا في المسألة الثانية؛ لأن الموكل بتزوجها معينة فحيث زوجها له انتهت وكالته فلم يملك تزويجا آخر، ولذا كان فضوليا في الثاني وتفرع على الأصل المذكور ما لو زوج فضولي رجلا خمس نسوة في عقد متفرقة فللزوج أن يختار أربعا منهن ويفارق الأخرى بخلاف ما لو تزوج الرجل خمس نسوة في عقد متفرقة بغير رضاهن؛ لأن إقدامه على نكاح الخامسة يتضمن نقض نكاح الأربع دلالة بخلاف الفضولي لا يملك النقض لا صريحا ولا دلالة كذا في الظهيرية ومن أحكامه أيضا أن العقد النافذ من جانب إذا طرأ على غير نافذ من الجانبين يرفعه ولو طرأ موقوف على نافذ من أحد الجانبين لا يرفعه ولو طرأ نافذ من أحد الجانبين على نافذ من جانبه يرفعه بيانه رجل وكل رجلا بأن يزوجه امرأة بألف فزوجها إياه على خمسين دينارا بإذنها أو بغير إذنها ثم زوجها بألف ينفسخ الأول ولو زوجها الوكيل إياه بألف درهم بغير إذنها ثم زوجها إياه بخمسين بغير إذنها يبقى الأول فإن أجازته جاز ويبطل الثاني؛ لأن الأول كان نافذا من وجه كذا في الظهيرية أيضا ثم اعلم أن إجازة نكاح الفضولي صحيحة بعد موت العاقد الفضولي بخلاف إجازة بيعه بعد موته ذكره الزيلعي في بيع الفضولي فعلى هذا يشترط قيام المعقود له وأحد العاقدين لنفسه فقط بخلاف البيع فإنه يشترط قيام أربعة مع الثمن إن كان عرضا‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولا يتوقف شطر العقد على قبول ناكح غائب‏)‏ أي لا يتوقف الإيجاب على قبول من كان غائبا عن المجلس بل يبطل ولا يلحقه إجازة، وهذا بالاتفاق كما لو أوجب أحد المتعاقدين فلم يقبل الآخر في المجلس فإنه يبطل الإيجاب لا نعلم فيه خلافا ولا فرق في هذا بين البيع والنكاح وغيرهما من العقود فقوله ناكح ليس بقيد احترازي ثم اختلفوا في أن ما يقوم بالفضولي عقد تام فيصح أن يتولى الطرفين أو شطره فلا يتوقف فعند أبي حنيفة ومحمد شطر فيبطل وعند أبي يوسف عقد تام فيتوقف؛ لأنه لو كان مأمورا من الجانبين ينفذ فإذا كان فضوليا يتوقف فصار كالخلع والطلاق والإعتاق على مال ولهما أن الموجود شطر العقد؛ لأنه شطر حالة الحضرة فكذا عند الغيبة وشطر العقد لا يتوقف على ما وراء المجلس كما في البيع بخلاف المأمور من الجانبين؛ لأنه ينتقل كلامه إلى العاقدين وما يجري بين الفضوليين عقد تام فكذا الخلع واختاره؛ لأنه يمين من جانبه حتى يلزم فيتم به فتفرع على هذا الأصل ست صور ثلاثة اتفاقية وهي قول الرجل تزوجت فلانة أو المرأة تزوجت فلانا أو الفضولي زوجت فلانا من فلانة وقيل آخر في الثلاث فالعقد متوقف لحصول الشطرين وثلاثة خلافية هي هذه إذا لم يقبل أحد فلا تقوم عبارة الفضولي مقام عبارتين سواء تكلم بكلام واحد أو بكلامين حتى لو قال زوجت فلانا وقبلت عنه لم يتوقف على قولهما وهو الحق خلافا لما ذكر في الحواشي لاتفاق أهل المذهب في نقل قولهما على أن الفضولي الواحد لا يتولى الطرفين وهو مطلق ولو عبر به المصنف لكان أولى وحاصل متولي الطرفين بالقسمة العقلية عشرة واحد منها مستحيل وهو الأصيل من الجانبين وأربعة هي من منطوق المتن على الخلاف الفضولي من الجانبين والفضولي من جانب الوكيل من جانب والفضولي من جانب الأصيل من جانب والفضولي من جانب الولي من جانب فعندهما لا يتوقف كما قدمناه والخمسة الباقية مستفادة من مفهوم المتن وهي نافذة بالاتفاق الوكيل من الجانبين والولي من الجانبين والأصيل من جانب الولي من جانب والوكيل من جانب الأصيل من جانب والولي من جانب الوكيل من جانب ثم إذا تولى الطرفين في هذه المسائل الخمس فقوله زوجت فلانة من نفسي يتضمن الشطرين فلا يحتاج إلى القبول بعده، وكذا ولي الصغيرين القاضي وغيره والوكيل من الجانبين يقول زوجت فلانة من فلان وقال شيخ الإسلام خواهر زاده، وهذا إذا ذكر لفظا هو أصيل فيه أما إذا ذكر لفظا هو نائب فيه فلا يكفي فإن قال تزوجت فلانة كفى وإن قال زوجتها من نفسي لا يكفي؛ لأنه نائب فيه وعبارة الهداية صريحة في نفي هذا الاشتراط وصرح بنفيه في التجنيس أيضا في علامة غريب الرواية والفتاوى الصغرى قال رجل زوج بنت أخيه من ابن أخيه، فقال زوجت فلانة من فلان يكفي ولا يحتاج أن يقول قبلت، وكذا كل من يتولى طرفي العقد إذا أتى بأحد شطري الإيجاب يكفيه ولا يحتاج إلى الشطر الآخر؛ لأن اللفظ الواحد يقع دليلا من الجانبين كذا في فتح القدير‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والمأمور بنكاح امرأة مخالف بامرأتين‏)‏؛ لأنه لا وجه إلى تنفيذهما للمخالفة ولا إلى التنفيذ في أحدهما غير عين للجهالة ولا إلى التعيين لعدم الأولوية فتعين التفريق عند عدم الإجازة وهو مراد صاحب الهداية بدليل أنه قال في صدر المسألة لم تلزمه واحدة منهما فكان كلامه مستقيما فاندفع به ما ذكره الشارح من عدم استقامته، ولذا عبر المصنف بالمخالفة ليفيد عدم النفاذ وأنه عقد فضولي وإن أجاز نكاحهما أو إحداهما نفذ فيه بالأمر بواحدة؛ لأنه لو أمره أن يزوجه امرأتين في عقدة فزوجه واحدة جاز إلا إذا قال لا تزوجني إلا امرأتين في عقدة واحدة فحينئذ لا يجوز كذا في غاية البيان ومثله في المحيط لو أمره أن يزوجه امرأتين في عقدة فزوجهما في عقدتين جاز ولو قال لا تزوجني امرأتين إلا في عقدتين فزوجهما في عقدة لا يجوز والفرق أن في الأول أثبت الوكالة حالة الجمع ولم ينف الوكالة حال التفرد نصا بل سكت عنه والتنصيص على الجمع لا يدل على نفي ما عداه وفي العقد الثاني نفى الوكالة حالة التفرد والنفي مفيد؛ لأن فائدته في الجمع أكثر لما فيه من تعجيل مقصوده فلا بد من مراعاة النفي فلم يصر وكيلا حالة الانفراد ا هـ‏.‏ وهذا بخلاف البيع لو أمره أن يشتري ثوبين في صفقة لا يملك التفريق؛ لأن الثياب إذا اشتريت جملة تؤخذ بأرخص مما تشترى على التفاريق فاعتبر قوله فيه، فأما هاهنا بخلافه كذا في النهاية وفي الخانية لو وكله أن يزوجه فلانة أو فلانة فأيتهما زوجه جاز ولا يبطل التوكيل بهذه الجهالة وإن زوجهما جميعا في عقدة واحدة لم يجز واحدة منهما كما لو وكل رجلا أن يزوجه امرأة فزوجه امرأتين في عقدة واحدة لم يجز ا هـ‏.‏ وقيد بكون المرأة منكرة أخذا من التنكير؛ لأنه لو عينها فزوجها وأخرى معها تلزمه المعينة وقيد في الهداية نكاح المرأتين بأن يكون في عقد واحد؛ لأنه لو زوجهما في عقدتين تلزمه الأولى ونكاح الثانية موقوف على الإجازة؛ لأنه فضولي فيه، ولذا قال في المختصر بامرأتين ولم يقل بعقدين وفرعوا على أن التنصيص على الشيء لا ينفي الحكم عما عداه لو قال زوج ابنتي هذه رجلا يرجع إلى علم ودين بمشورة فلان وفلان فزوجها رجلا على هذه الصفة من غير مشورة فإنه يجوز كما في الخانية‏.‏ وأما إذا قال له بع عبدي هذا بشهود أو بمحضر فلان فباعه بغير شهود أو بغير محضر فلان فإنه يجوز بخلاف ما إذا قال لا تبعه إلا بشهود فباعه بغير شهود فإنه لا يجوز كما في الظهيرية‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ لا بأمة‏)‏ أي لا يكون المأمور بنكاح امرأة مخالفا بنكاح أمة لغيره فينفذ على الموكل عند أبي حنيفة رجوعا إلى إطلاق اللفظ وعدم التهمة وقالا لا يجوز أن يزوجه كفؤا؛ لأن المطلق ينصرف إلى المتعارف وهو التزوج بالأكفاء قلنا العرف مشترك أو هو عرف عملي فلا يصح مقيدا وذكر في الوكالة أن اعتبار الكفاءة في هذا استحسان عندهما؛ لأن كل واحد لا يعجز عن التزوج بمطلق الزوجة فكانت الاستعانة في التزوج بالكفء كذا في الهداية وظاهره ترجيح قولهما؛ لأن الاستحسان مقدم على القياس إلا في مسائل معدودة ليس هذا منها، ولذا قال الإسبيجابي قولهما أحسن للفتوى واختاره أبو الليث وفي فتح القدير والحق أن قول أبي حنيفة ليس قياسا؛ لأنه أخذ بنفس اللفظ المنصوص فكان النظر في أي الاستحسانين أولى ا هـ‏.‏ قيد بكونه أمره بنكاح امرأة ولم يصفها؛ لأنه لو وكله بتزويج حرة فزوجه أمة أو عكسه لم يجز ولو زوجه في عكسه مدبرة أو أم ولد أو مكاتبة جاز وأطلق في الآمر فشمل الأمير وغيره ووضعها في الهداية في الأمير ليفيد أن غيره بالأولى وقيد بكون الآمر رجلا؛ لأنها لو وكلته في تزويجها ولم تعين فزوجها غير كفء كان مخالفا على قول أبي حنيفة أيضا على الأصح كما في الخانية لاعتبارها من جهة الرجال وإن كان كفؤا إلا أنه أعمى أو مقعد أو صبي أو معتوه فهو جائز، وكذا لو كان خصيا أو عنينا وإن كان لها التفريق بعد ذلك وأفاد المصنف أن الأمر المطلق يجري على إطلاقه ولا يجوز تقييده إلا بدليل وأن العرف المشترك لا يصح مخصصا فالوكيل بتزويج امرأة ليس مخالفا لو زوجه عمياء أو شوهاء فوهاء لها لعاب سائل وعقل زائل وشق مائل أو شلاء أو رتقاء أو صغيرة لا يجامع مثلها أو كتابية أو امرأة حلف بطلاقها أو زوجه امرأة على أكثر من مهر مثلها ولو بغبن فاحش عند الإمام أو زوجها رجلا بأقل من مهر مثلها كذلك أو امرأة كان الموكل آلى منها أو في عدة الموكل والأصيل أن الوكيل إذا خالف إلى خير أو كان خلافه كلا خلاف نفذ عقده كما لو أمره بعمياء فزوجه بصيرة وليس منه ما إذا أمره بالفاسد فزوجه صحيحا بل لا يجوز لعدم الوكالة بالنكاح أصلا وأما العدة بعد الدخول فيه وثبوت النسب فليس حكما له بل للوطء إذ لم يتمحض زنا بخلاف أمره بالبيع الفاسد له البيع صحيحا وليس منه أيضا ما إذا وكله بألف فلم ترض المرأة حتى زادها الوكيل ثوبا من مال نفسه فإنه موقوف على إجازة الزوج لكونه ضررا على تقدير استحقاق الثوب أو هلاكه قبل التسليم فإنها ترجع بقيمته على الزوج لا الوكيل كما في الذخيرة وللزوج الخيار وإذا دخل بها قبل العلم وإن اختار التفريق فكالنكاح الفاسد وليس منه أيضا ما إذا أمره ببيضاء فزوجه سوداء أو على القلب أو من قبيلة كذا فزوجه من أخرى فإنه غير نافذ وقيدنا بكون الأمة لغيره؛ لأنه لو زوجه أمة نفسه ولو مكاتبته كما في المحيط فإنه لا ينفذ للتهمة كما لو زوجه بنته فإن كانت صغيرة لا يجوز اتفاقا، وكذا موليته كبنت أخيه الصغيرة وإن كانت كبيرة فكذلك عنده خلافا لهما ولو زوجه أخته الكبيرة برضاها جاز اتفاقا والوكيل من قبل المرأة إذا زوجها من أبيه أو ابنه لا يجوز في قول أبي حنيفة وفي كل موضع لا ينفذ فعل الوكيل فالعقد موقوف على إجازة الموكل وحكم الرسول كحكم الوكيل في جميع ما ذكرنا وضمانهما المهر صحيح وإنكار المرسل والموكل الرسالة والوكالة بعد الضمان ولا بينة لا يسقط الضمان عنهما فيجب نصف المهر وتوكيل المرأة المتزوجة بالتزويج إذا طلقت وانقضت عدتها صحيح كتوكيله أن يزوجه فلانة وهي متزوجة فطلقت وحلت فزوجها فإنه صحيح وإذا زوج الوكيل موكله زوجة الغير أو معتدته أو أم امرأته ودخل بها الموكل غير عالم ولزمه المهر فلا ضمان على الوكيل كما في الخانية وفي الذخيرة الوكيل بتزويج امرأة إذا زوجه امرأة على عبد للوكيل أو عرض له فهو نافذ ولزم الوكيل تسليمه وإذا سلم لا يرجع على الزوج بشيء ولو كان مكان النكاح خلعا يرجع على المرأة بما أدى ولو زوجه الوكيل امرأة بألف من ماله بأن قال زوجتك هذه المرأة بألف من مالي أو بألفي هذه جاز والمال على الزوج ولا يطالب الوكيل بالألف المشار إليه لعدم تعينها في المعاوضات وتمامه فيها وفي المحيط ولو زوجه على عبد الزوج جاز استحسانا وعلى الزوج قيمة عبده لا تسليم عينه والله تعالى أعلم‏.‏