فصل: أحمد بن محمد بن دوبست

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البداية والنهاية **


 ثم دخلت سنة ست وسبعين وأربعمائة

فيها‏:‏ عزل عميد الدولة بن جهير عن وزارة الخلافة فسار بأهله وأولاده إلى السلطان، وقصدوا نظام الملك وزير السلطان، فعقد لولده فخر الدولة على بلاد ديار بكر، فسار إليها بالخلع والكوسات والعساكر، وأمر أن ينتزعها من ابن مروان، وأن يخطب لنفسه وأن يذكر اسمه على السكة، فما زال حتى انتزعها من أيديهم، وباد ملكهم على يديه كما سيأتي بيانه‏.‏

وسد وزارة الخلافة أبو الفتح مظفر ابن رئيس الرؤساء، ثم عزل في شعبان واستوزر أبو شجاع محمد بن الحسين، ولقب ظهير الدين‏.‏

وفي جمادى الآخرة ولى مؤيد الملك أبا سعيد عبد الرحمن ابن المأمون، المتولي تدريس النظامية بعد وفاة الشيخ أبي إسحاق الشيرازي‏.‏

وفيها‏:‏ عصى أهل حران على شرف الدولة مسلم بن قريش، فجاء فحاصرها ففتحها وهدم سورها وصلب قاضيها ابن حلبة وابنيه على السور‏.‏

وفي شوال منها قتل أبو المحاسن بن أبي الرضا، وذلك لأنه وشى إلى السلطان في نظام الملك، وقال له‏:‏ سلمهم إليّ حتى أستخلص لك منهم ألف ألف دينار‏.‏

فعمل نظام الملك سماطاً هائلاً، واستحضر غلمانه وكانوا ألوفاً من الأتراك، وشرع يقول للسلطان‏:‏ هذا كله من أموالك، وما وقفته من المدارس والربط، وكله شكره لك في الدنيا وأجره لك في الآخرة، وأموالي وجميع ما أملكه بين يديك، وأنا أقنع بمرقعة وزاوية‏.‏

فعند ذلك أمر السلطان بقتل أبي المحاسن، وقد كان حضياً عنده، وخصيصاً به وجيهاً لديه، وعزل أباه عن كتابة الطغراء وولاها مؤيد الملك‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/153‏)‏

وحج بالناس الأمير جنفل التركي مقطع الكوفة‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 الشيخ أبو إسحاق الشيرازي

إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروز آبادي، وهي قرية من قرى فارس، وقيل‏:‏ هي مدينة خوارزم، شيخ الشافعية، ومدرس النظامية ببغداد، ولد سنة ثلاث وقيل‏:‏ ست وتسعين وثلاثمائة، وتفقه بفارس على أبي عبد الله البيضاوي، ثم قدم بغداد سنة خمس عشرة وأربعمائة، فتفقه على القاضي أبي الطيب الطبري، وسمع الحديث من ابن شاذان والبرقاني، وكان زاهداً عابداً ورعاً، كبير القدر معظماً محترماً، إماماً في الفقه والأصول والحديث، وفنون كثيرة، وله المصنفات الكثيرة النافعة كـ‏(‏المهذب‏)‏ في المذهب، و‏(‏التنبيه‏)‏، و‏(‏النكت في الخلاف‏)‏، و‏(‏اللمع‏)‏ في أصول الفقه، و‏(‏التبصرة‏)‏، و‏(‏طبقات الشافعية‏)‏ وغير ذلك‏.‏

قلت‏:‏ وقد ذكرت ترجمته مستقصاة مطولة في أول شرح التنبيه، توفي ليلة الأحد الحادي والعشرين من جمادى الآخرة في دار أبي المظفر ابن رئيس الرؤساء، وغسله أبو الوفا بن عقيل الحنبلي، وصلى عليه بباب الفردوس من دار الخلافة، وشهد الصلاة عليه المقتدي بأمر الله، وتقدم للصلاة عليه أبو الفتح المظفر ابن رئيس الرؤساء، وكان يومئذ لابساً ثياب الوزارة، ثم صلّي عليه مرة ثانية يجامع القصر، ودفن بباب إبرز في تربة مجاورة للناحية، رحمه الله تعالى‏.‏

وقد امتدحه الشعراء في حياته وبعد وفاته، وله شعر رائق، فمما أنشده ابن خلكان من شعره قوله‏:‏

سألت الناس عن خل وفيّ * فقالوا ما إلى هذا سبيل

تمسك إن ظفرت بذيل حر * فإن الحر في الدنيا قليل

قال ابن خلكان‏:‏ ولما توفي عمل الفقهاء عزاءه بالنظامية، وعين مؤيد الملك أبا سعد المتولي مكانه، فلما بلغ الخبر إلى نظام الملك كتب يقول‏:‏ كان من الواجب أن تغلق المدرسة سنة لأجله‏.‏

وأمر أن يدرس الشيخ أبو نصر بن الصباغ في مكانه‏.‏

 طاهر بن الحسين

ابن أحمد بن عبد الله القواس، قرأ القرآن وسمع الحديث، وتفقه على القاضي أبي الطيب الطبري، وأفتى ودرس، وكانت له حلقة بجامع المنصور للمناظرة والفتوى، وكان ورعاً زاهداً ملازماً لمسجده خمسين سنة، توفي عن ست وثمانين سنة، ودفن قريباً من الإمام أحمد، رحمه الله وإيانا‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/154‏)‏

 محمد بن أحمد بن إسماعيل

أبو طاهر الأنباري الخطيب، ويعرف بابن أبي الصقر، طاف البلاد وسمع الكثير، وكان ثقة صالحاً فاضلاً عابداً، وقد سمع منه الخطيب البغدادي، وروى عنه مصنفاته، توفي بالأنبار في جمادى الآخرة عن نحو من مائة سنة، رحمه الله‏.‏

 محمد بن أحمد بن الحسين بن جرادة

أحد الرؤساء ببغداد، وهو من ذوي الثروة والمروءة، كان يحرز ماله بثلاثمائة ألف دينار، وكان أصله من عكبرا فسكن بغداد، وكانت له بها دار عظيمة تشتمل على ثلاثين مسكناً مستقلاً، وفيها حمام وبستان، ولها بابان، على كل باب مسجد، إذا أذن المؤذن في إحداهما لا يسمع الآخر من اتساعها‏.‏

وقد كانت زوجة الخليفة القائم حين وقعت فتنة البساسيري في سنة خمسين وأربعمائة، نزلت عنده في جواره، فبعث إلى الأمير قريش بن بدران أمير العرب بعشرة آلاف دينار، ليحمي له داره، وهو الذي بنى المسجد المعروف به ببغداد، وقد ختم فيه القرآن ألوف من الناس، وكان لا يفارق زي التجار‏.‏

وكانت وفاته في عاشر ذي القعدة من هذه السنة، ودفن في التربة المجاورة لتربة القزويني، رحمه الله وإيانا آمين‏.‏

 ثم دخلت سنة سبع وسبعين وأربعمائة

فيها‏:‏ كان الحرب بين فخر الدولة بن جهير وزير الخليفة وبين ابن مروان صاحب ديار بكر، فاستولى ابن جهير على ملك العرب وسبى حريمهم، وأخذ البلاد ومعه سيف الدولة صدقة بن منصور بن دبيس بن علي بن مزيد الأسدي، فافتدى خلقاً من العرب، فشكره الناس على ذلك وامتدحه الشعراء‏.‏

وفيها‏:‏ بعث السلطان عميد الدولة بن جهير في عسكر كثيف ومعه قسيم الدولة اقسنقر جد بني أتابك ملوك الشام والموصل، فسارا إلى الموصل فملكوها‏.‏

وفي شعبان منها ملك سليمان بن قتلمش أنطاكية، فأراد شرف الدولة مسلم بن قريش أن يستنقذها منه، فهزمه سليمان وقتله، وكان مسلم هذا من خيار الملوك سيرة، له في كل قرية والٍ وقاضٍ وصاحب خبر، وكان يملك من السندية إلى منبج‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/155‏)‏

وولى بعده أخوه إبراهيم بن قريش، وكان مسجوناً من سنين فأطلق وملك‏.‏

وفيها‏:‏ ولد السلطان سنجر بن ملكشاه في العشرين من رجب بسنجار‏.‏

وفيها‏:‏ عصى تكش أخو السلطان فأخذه السلطان فسمله وسجنه‏.‏

وحج بالناس في هذه السنة الأمير خمارتكين الحسناني، وذلك لشكوى الناس من شدة سير جنفل بهم، وأخذ المكوسات منهم، سافر مرة من الكوفة إلى مكة في سبعة عشر يوماً‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 أحمد بن محمد بن دوبست

أبو سعد النيسابوري، شيخ الصوفية، له رباط بمدينة نيسابور، يدخل من بابه الجمل براكبه، وحج مرات على التجريد على البحرين، حين انقطعت طريق مكة، وكان يأخذ جماعة من الفقراء، ويتوصل من قبائل العرب حتى يأتي مكة، توفي في هذه السنة وقد جاوز التسعين، رحمه الله وإيانا، وأوصى أن يخلفه ولده إسماعيل فأجلس في مشيخة الرباط‏.‏

 ابن الصباغ

صاحب ‏(‏الشامل‏)‏، عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن جعفر، الإمام أبو نصر بن الصباغ، ولد سنة أربعمائة، وتفقه ببغداد على أبي الطيب الطبري حتى فاق الشافعية بالعراق، وصنف المصنفات المفيدة، منها ‏(‏الشامل‏)‏ في المذهب، وهو أول من درس بالنظامية، توفي في هذه السنة ودفن بداره في الكرخ، ثم نقل إلى باب حرب، رحمه الله‏.‏

قال ابن خلكان‏:‏ كان فقيه العراقين، وكان يضاهي أبا إسحاق، وكان ابن الصباغ أعلم منه بالمذهب، وإليه الرحلة فيه، وقد صنف ‏(‏الشامل‏)‏ في الفقه و‏(‏العمدة‏)‏ في أصول الفقه، وتولى تدريس النظامية أولاً، ثم عزل بعد عشرين يوماً بالشيخ أبي إسحاق، فلما مات الشيخ أبو إسحاق تولاها أبو سعد المتولي، ثم عزل ابن الصباغ بابن المتولي، وكان ثقة حجة صالحاً، ولد سنة أربعمائة، أضر في آخر عمره، رحمه الله وإيانا‏.‏

 مسعود بن ناصر

ابن عبد الله بن أحمد بن إسماعيل، أبو سعد السجري الحافظ، رحل في الحديث وسمع الكثير، وجمع الكتب النفيسة، وكان صحيح الخط، صحيح النقل، حافظاً ضابطاً، رحمه الله وإيانا‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/156‏)‏

 ثم دخلت سنة ثمان وسبعين وأربعمائة

في المحرم منها زلزلت أرجان فهلك خلق كثير من الروم ومواشيهم‏.‏

وفيها‏:‏ كثرت الأمراض بالحمى والطاعون بالعراق والحجاز والشام، وأعقب ذلك موت الفجأة، ثم ماتت الوحوش في البراري، ثم تلاها موت البهائم، حتى عزت الألبان واللحمان، ومع هذا كله وقعت فتنة عظيمة بين الرافضة والسنة فقتل خلق كثير فيها‏.‏

وفي ربيع الأول هاجت ريح سوداء وسفّت رملاً، وتساقطت أشجار كثيرة من النخل وغيرها، ووقعت صواعق في البلاد حتى ظن بعض الناس أن القيامة قد قامت، ثم انجلى ذلك ولله الحمد‏.‏

وفيها‏:‏ ولد للخلفية ولده أبو عبد الله الحسين، وزينت بغداد وضربت الطبول والبوقات، وكثرت الصدقات‏.‏

وفيها‏:‏ استولى فخر الدولة بن جهير على بلاد كثيرة، منها آمد وميا فارقين، وجزيرة ابن عمر، وانقضت بنو مروان على يده في هذه السنة‏.‏

وفي ثاني عشر رمضان منها ولي أبو بكر محمد بن مظفر الشامي قضاء القضاة ببغداد، بعد وفاة أبي عبد الله الدامغاني، وخلع عليه في الديوان‏.‏

وحج بالناس جنفل، وزار النبي صلى الله عليه وسلم ذاهباً وآيباً‏.‏

قال‏:‏ أظن أنها آخر حجتي‏.‏

وكان كذلك‏.‏

وفيها‏:‏ خرج توقيع الخليفة المقتدي بأمر الله بتجديد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل محلة، وإلزام أهل الذمة بلبس الغيار، وكسر آلات الملاهي، وإراقة الخمور، وإخراج أهل الفساد من البلاد، أثابه الله ورحمه‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 أحمد بن محمد بن الحسن

ابن محمد بن إبراهيم بن أبي أيوب، أبو بكر الفوركي، سبط الأستاذ أبي بكر بن فورك، استوطن بغداد، وكان متكلماً يعظ الناس في النظامية، فوقعت بسببه فتنة بين أهل المذاهب‏.‏

قال ابن الجوزي‏:‏ وكان مؤثراً للدنيا لا يتحاشى من لبس الحرير، وكان يأخذ مكس الفحم، ويوقع العداوة بين الحنابلة والأشاعرة، مات وقد ناف على الستين سنة، ودفن إلى جانب قبر الأشعري بمشرعة الزوايا‏.‏

 الحسن بن علي

أبو عبد الله المردوسي، كان رئيس أهل زمانه وأكملهم مروءة، كان خدم في أيام بني بويه، وتأخر لهذا الحين، وكانت الملوك تعظمه وتكاتبه بعبده وخادمه، وكان كثير الصدقة والصّلات والبر، وبلغ من العمر خمساً وتسعين سنة، وأعد لنفسه قبراً وكفناً قبل موته بخمس سنين‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/157‏)‏

 أبو سعد المتولي

عبد الرحمن بن المأمون بن علي أبو سعد المتولي، مصنف ‏(‏التتمة‏)‏، ومدرس النظامية بعد أبي إسحاق الشيرازي، وكان فصيحاً بليغاً، ماهراً بعلوم كثيرة، كانت وفاته في شوال من هذه السنة وله ستة وخمسون سنة، رحمه الله وإيانا، وصلى عليه القاضي أبو بكر الشاشي‏.‏

 إمام الحرمين

عبد الملك بن الشيخ أبي محمد

عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن محمد بن حيويه، أبو المعالي الجويني، وجوين من قرى نيسابور، الملقب بإمام الحرمين، لمجاورته بمكة أربع سنين، كان مولده في تسع عشرة وأربعمائة، سمع الحديث وتفقه على والده الشيخ أبي محمد الجويني، ودرس بعده في حلقته، وتفقه على القاضي حسين، ودخل بغداد وتفقه بها، وروى الحديث وخرج إلى مكة فجاور فيها أربع سنين، ثم عاد إلى نيسابور فسلم إليه التدريس والخطابة والوعظ، وصنف ‏(‏نهاية المطلب في دراية المذهب‏)‏، و‏(‏البرهان‏)‏ في أصول الفقه، وغير ذلك في علوم شتى‏.‏

واشتغل عليه الطلبة ورحلوا إليه من الأقطار، وكان يحضر مجلسه ثلاثمائة متفقه، وقد استقصيت ترجمته في ‏(‏الطبقات‏)‏، وكانت وفاته في الخامس والعشرين من ربيع الأول من هذه السنة عن سبع وخمسين سنة، ودفن بداره ثم نقل إلى جانب والده‏.‏

قال ابن خلكان‏:‏ كانت أمه جارية اشتراها والده من كسب يده من النسخ، وأمرها أن لا تدع أحداً يرضعه غيرها، فاتفق أن امرأة دخلت عليها فأرضعته مرة، فأخذه الشيخ أبو محمد فنكسه ووضع يده على بطنه ووضع أصبعه في حلقه ولم يزل به حتى قاء ما في بطنه من لبن تلك المرأة‏.‏

قال‏:‏ وكان إمام الحرمين ربما حصل له في مجلسه في المناظرة فتور ووقفة، فيقول‏:‏ هذا من آثار تلك الرضعة‏.‏

قال‏:‏ ولما عاد من الحجاز إلى بلده نيسابور سلم إليه المحراب والخطابة والتدريس ومجلس التذكير يوم الجمعة، وبقي ثلاثين سنة غير مزاحم ولا مدافع، وصنف في كل فن، وله ‏(‏النهاية‏)‏ التي ما صنف في الإسلام مثلها‏.‏

قال الحافظ أبو جعفر‏:‏ سمعت الشيخ أبا إسحاق الشيرازي يقول لإمام الحرمين‏:‏ يا مفيد أهل المشرق والمغرب، أنت اليوم إمام الأئمة‏.‏

ومن تصانيفه ‏(‏الشامل‏)‏ في أصول الدين، و‏(‏البرهان‏)‏ في أصول الفقه، و‏(‏تلخيص التقريب‏)‏، و‏(‏الإرشاد‏)‏، و‏(‏العقيدة النظامية‏)‏، و‏(‏غياث الأمم‏)‏، وغير ذلك مما سماه ولم يتمه‏.‏

وصلى عليه ولده أبو القاسم وغلقت الأسواق وكسر تلاميذه أقلامهم - وكانوا أربعمائة - ومحابرهم، ومكثوا كذلك سنة، وقد رثي بمراثٍ كثيرة فمن ذلك قول بعضهم‏:‏‏(‏ج/ص‏:‏ 12/158‏)‏

قلوب العالمين على المقالي * وأيام الورى شبه الليالي

أيثمر غصن أهل العلم يوماً * وقد مات الإمام أبو المعالي

 محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد

أبو علي بن الوليد، شيخ المعتزلة، كان مدرساً لهم فأنكر أهل السنة عليه، فلزم بيته خمسين سنة إلى أن توفي في ذي الحجة منها، ودفن في مقبرة الشونيزي، وهذا هو الذي تناظر هو والشيخ أبو يوسف القزويني المعتزلي المفسر في إباحة الولدان في الجنة، وأنه يباح لأهل الجنة وطء الولدان في أدبارهم، كما حكى ذلك ابن عقيل عنهما، وكان حاضرهما، فمال هذا إلى إباحة ذلك، لأنه مأمون المفسدة هنالك‏.‏

وقال أبو يوسف‏:‏ إن هذا لا يكون لا في الدنيا ولا في الآخرة، ومن أين لك أن يكون لهم أدبار‏؟‏ وهذا العضو - وهو الدبر - إنما خلق في الدنيا لحاجة العباد إليه، لأنه مخرج للأذى عنهم، وليس في الجنة شيء من ذلك، وإنما فضلات أكلهم عرق يفيض من جلودهم، فإذا هم ضمر فلا يحتاجون إلى أن يكون لهم أدبار، ولا يكون لهذه المسألة صورة بالكلية‏.‏

وقد روى هذا الرجل حديثاً واحداً عن شيخه أبي الحسين البصري بسنده المتقدم، من طريق شعبة، عن منصور، عن ربعي، عن أبي مسعود البدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏إذا لم تستح فاصنع ما شئت‏)‏‏)‏

وقد رواه القعنبي عن شعبة، ولم يرو عنه سواه، فقيل‏:‏ إنه لما رحل إليه دخل عليه وهو يبول في البالوعة فسأله أن يحدثه فامتنع فروى له هذا الحديث كالواعظ له به، والتزم أن لا يحدثه بغيره‏.‏

وقيل‏:‏ لأن شعبة مر على القعنبي قبل أن يشتغل بعلم الحديث - وكان إذ ذاك يعاني الشراب - فسأله أن يحدثه فامتنع، فسلّ سكيناً وقال‏:‏ إن لم تحدثني وإلا قتلتك‏.‏

فروى له هذا الحديث، فتاب وأناب، ولزم مالكاً، ثم فاته السماع من شعبة فلم يتفق له عنه غير هذا الحديث، فالله أعلم‏.‏

 أبو عبد الله الدامغاني القاضي

محمد بن علي بن الحسين بن عبد الملك بن عبد الوهاب بن حمويه الدامغاني، قاضي القضاة ببغداد، مولده في سنة ثمان عشرة وأربعمائة، فتفقه بها على أبي عبد الله الصيمري، وأبي الحسن القدوري، وسمع الحديث منهما ومن ابن النقور والخطيب وغيرهم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/159‏)‏

وبرع في الفقه، وكان له عقل وافر، وتواضع زائد، وانتهت إليه رياسة الفقهاء، وكان فصيحاً كثير العبادة، وقد كان فقيراً في ابتداء طلبه، عليه أطمار رثة، ثم صارت إليه الرياسة والقضاء بعد ابن ماكولا، في سنة تسع وأربعين، وكان القائم بأمر الله يكرمه، والسلطان طغرلبك يعظمه، وباشر الحكم ثلاثين سنة في أحسن سيرة، وغاية الأمانة والديانة، مرض أياماً يسيرة ثم توفي في الرابع والعشرين من رجب من هذه السنة، وقد ناهز الثمانين، ودفن بداره بدرب العلابين، ثم نقل إلى مشهد أبي حنيفة، رحمه الله‏.‏

 محمد بن علي بن المطلب

أبو سعد الأديب، كان قد قرأ النحو والأدب واللغة والسير وأخبار الناس، ثم أقلع عن ذلك كله، وأقبل على كثرة الصلاة والصدقة والصوم، إلى أن توفي في هذه السنة عن ست وثمانين سنة، رحمه الله‏.‏

 محمد بن طاهر العباسي

ويعرف بابن الرجيحي، تفقه على ابن الصباغ، وناب في الحكم، وكان محمود الطريقة، وشهد عند ابن الدامغاني فقبله‏.‏

 منصور بن دبيس

ابن علي بن مزيد، أبو كامل الأمير بعد سيف الدولة، كان كثير الصلاة والصدقة، توفي في رجب من هذه السنة، وقد كان له شعر وأدب، وفيه فضل، فمن شعره قوله‏:‏

فإن أنا لم أحمل عظيماً ولم أقد * لهاماً ولم أصبر على كل معظم

ولم أحجز الجاني وأمنع جوره * غداة أنادي للفخار وأنتمي

فلا نهضتْ لي همة عربية * إلى المجد ترقى بي ذرى كل محرم

‏(‏ج/ص‏:‏ 12/160‏)‏

 هبة الله بن أحمد بن السيبي

قاضي الحريم بنهر معلى، ومؤدب الخليفة المقتدي بأمر الله، سمع الحديث، وتوفي في محرم في هذه السنة، وقد جاوز الثمانين، وله شعر جيد، فمنه قوله‏:‏

رجوت الثمانين من خالقي * لما جاء فيها عن المصطفى

فبلغنيها فشكراً له * وزاد ثلاثاً بها إذ وفا

وإني لمنتظر وعده * لينجزه لي، فعل أهل الوفا

 ثم دخلت سنة تسع وسبعين وأربعمائة

وفيها‏:‏ كانت الوقعة بين تتش صاحب دمشق وبين سليمان بن قتلمش صاحب حلب وأنطاكية وتلك الناحية، فانهزم أصحاب سليمان وقتل هو نفسه بخنجر كانت معه، فسار السلطان ملكشاه من أصبهان إلى حلب فملكها، وملك ما بين ذلك من البلاد التي مر بها، مثل حران والرها وقلعة جَعْبَر، وكان جعبر شيخاً كبيراً قد عمي، وله ولدان، وكان قطاع الطريق يلجأون إليها فيتحصنون بها، فراسل السلطان سابق بن جعبر في تسليمها، فامتنع عليه فنصب عليها المناجيق والعرادات ففتحها، وأمر بقتل سابق، فقالت زوجته‏:‏ لا تقتله حتى تقتلني معه‏.‏

فألقاه من رأسها فتكسر، ثم أمر بتوسيطهم بعد ذلك فألقت المرأة نفسها وراءه فسلمت، فلامها بعض الناس فقالت‏:‏ كرهت أن يصل إلي التركي فيبقى ذلك عاراً عليّ‏.‏

فاستحسن منها ذلك، واستناب السلطان على حلب قسيم الدولة أقسنقر التركي وهو جد نور الدين الشهيد، واستناب على الرحبة وحران والرقة وسروج والخابور محمد بن شرف الدولة مسلم وزوجه بأخته زليخا خاتون، وعزل فخر الدولة بن جهير عن ديار بكر، وسلمها إلى العميد أبي علي البلخي، وخلع على سيف الدولة صدقة بن دبيس الأسدي، وأقره على عمل أبيه، ودخل بغداد في ذي القعدة من هذه السنة، وهي أول دخلة دخلها، فزار المشاهد والقبور ودخل على الخليفة فقبل يده ووضعها على عينيه، وخلع عليه الخليفة خلعاً سنية، وفوض إليه أمور الناس، واستعرض الخليفة أمراءه ونظام الملك واقف بين يديه، يعرفه بالأمراء واحداً بعد واحد، باسمه وكم جيشه وأقطاعه، ثم أفاض عليه الخليفة خلعاً سنية، وخرج من بين يديه فنزل بمدرسة النظامية، ولم يكن رآها قبل ذلك، فاستحسنها إلا أنه استصغرها، واستحسن أهلها ومن بها وحمد الله وسأل الله أن يجعل ذلك خالصاً لوجهه الكريم، ونزل بخزانة كتبها وأملى جزأ من مسموعاته، فسمعه المحدثون منه، وورد الشيخ أبو القاسم علي بن الحسين الحسني الدبوسي إلى بغداد في تجمل عظيم، فرتبه مدرساً بالنظامية بعد أبي سعد المتولي‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/161‏)‏

وفي ربيع الآخر فرغت المنارة بجامع القصر وأذن فيها‏.‏

وفي هذه السنة كانت زلازل هائلة بالعراق والجزيرة والشام، فهدمت شيئاً كثيراً من العمران، وخرج أكثر الناس إلى الصحراء ثم عادوا‏.‏

وحج بالناس الأمير خمارتكين الحسناني، وقطعت خطبة المصريين من مكة والمدينة، وقلعت الصفائح التي على باب الكعبة التي عليها ذكر الخليفة المصري، وجدد غيرها عليها، وكتب عليها اسم المقتدي‏.‏

قال ابن الجوزي‏:‏ وظهر رجل بين السندية وواسط يقطع الطريق، وهو مقطوع اليد اليسرى، يفتح القفل في أسرع مدة، ويغوص دجلة في غوصتين، ويقفز القفزة خمسة وعشرين ذراعاً، ويتسلق الحيطان الملس، ولا يقدر عليه أحد، وخرج من العراق سالماً‏.‏

قال‏:‏ وفيها‏:‏ توفي فقير في جامع المنصور فوجد في مرقعته ستمائة دينار مغربية، أي‏:‏ صحاحاً كباراً، من أحسن الذهب‏.‏

قال‏:‏ وفيها‏:‏ عمل سيف الدولة صدقة سماطاً للسلطان جلال الدولة أبي الفتح ملكشاه؛ اشتمل على ألف رأس من الغنم، ومائة جمل وغيرها، ودخله عشرون ألف منٍّ من السكر، وجعل عليه من أصناف الطيور والوحوش، ثم أردفه من السكر شيء كثير، فتناول السلطان بيده منه شيئاً يسيراً، ثم أشار فانتهب عن آخره، ثم انتقل من ذلك المكان إلى سرادق عظيم لم ير مثله من الحرير، وفيه خمسمائة قطعة من الفضة، وألوان من تماثيل الند والمسك والعنبر وغير ذلك، فمد فيه سماطاً خاصاً فأكل السلطان حينئذ، وحمل إليه عشرين ألف دينار، وقدم إليه ذلك السرادق بما فيه بكماله وانصرف، والله أعلم‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 الأمير جعبر بن سابق القشيري

الملقب بسابق الدين، كان قد تملك قلعة جعبر مدة طويلة فنسبت إليه، وإنما كان يقال لها قبل ذلك‏:‏ الدوشرية، نسبة إلى غلام النعمان بن المنذر، ثم إن هذا الأمير كبر وعمي، وكان له ولدان يقطعان الطريق، فاجتاز به السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان السلجوقي وهو ذاهب إلى حلب فأخذ القلعة وقتله كما تقدم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/162‏)‏

الأمير جنفل قتلغ

أمير الحاج، كان مقطعاً للكوفة وله وقعات مع العرب أعربت عن شجاعته، وأرعبت قلوبهم وشتتهم في بلاد شذر مذر، وقد كان حسن السيرة محافظاً على الصلوات، كثير التلاوة، وله آثار حسنة بطريق مكة، في إصلاح المصانع والأماكن التي تحتاج إليها الحجاج وغيرهم‏.‏ وله مدرسة على الحنفية بمشهد يونس بالكوفة، وبنى مسجداً بالجانب الغربي من بغداد على دجلة، بمشرعة الكرخ‏.‏

توفي في جمادى الأولى منها، رحمه الله‏.‏

ولما بلغ نظام الملك وفاته، قال‏:‏ مات ألف رجل، والله أعلم‏.‏

 علي بن فضال المشاجعي

أبو علي النحوي المغربي، له المصنفات الدالة على علمه وغزارة فهمه، وأسند الحديث‏.‏

توفي في ربيع الأول منها ودفن بباب إبرز‏.‏

 علي بن أحمد التستري

كان مقدم أهل البصرة في المال والجاه، وله مراكب تعمل في البحر، قرأ القرآن وسمع الحديث وتفرد برواية سنن أبي داود، توفي في رجب منها‏.‏

 يحيى بن إسماعيل الحسيني

كان فقيهاً على مذهب زيد بن علي بن الحسين، وعنده معرفة بالأصول والحديث‏.‏

 ثم دخلت سنة ثمانين وأربعمائة

في المحرم منها نقل جهاز ابنة السلطان ملكشاه إلى دار الخلافة على مائة وثلاثين جملاً مجللة بالديباج الرومي، غالبها أواني الذهب والفضة، وعلى أربع وسبعين بغلة مجللة بأنواع الديباج الملكي، وأجراسها وقلائدها من الذهب والفضة، وكان على ستة منها اثنا عشر صندوقاً من الفضة، فيها أنواع الجواهر والحلي، وبين يدي البغال ثلاث وثلاثون فرساً عليها مراكب الذهب مرصعة بالجواهر، ومهد عظيم مجلل بالديباج الملكي عليه صفائح الذهب مرصع بالجوهر‏.‏

وبعث الخليفة لتلقيهم الوزير أبا شجاع، وبين يديه نحو من ثلاثمائة موكبية غير المشاعل لخدمة الست خاتون امرأة السلطان تركان خاتون، حماة الخليفة، وسألها أن تحمل الوديعة الشريفة إلى دار الخليفة، فأجابت إلى ذلك‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/163‏)‏

فحضر الوزير نظام الملك وأعيان الأمراء وبين أيديهم من الشموع والمشاعل ما لا يحصى، وجاءت نساء الأمراء كل واحدة منهن في جماعتها وجواريها، وبين أيديهن الشموع والمشاعل، ثم جاءت الخاتون ابنة السلطان زوجة الخليفة بعد الجميع، في محفة مجللة، وعليها من الذهب والجواهر ما لا تحصى قيمته، وقد أحاط بالمحفة مائتا جارية تركية، بالمراكب المزينة العجيبة مما يبهرن الأبصار، فدخلت دار الخلافة على هذه الصفة وقد زين الحريم الطاهر وأشعلت فيه الشموع، وكانت ليلة مشهودة للخليفة، هائلة جداً‏.‏

فلما كان من الغد أحضر الخليفة أمراء السلطان ومد سماطاً لم ير مثله، عم الحاضرين والغائبين، وخلع على الخاتون زوجة السلطان أم العروس، وكان أيضاً يوماً مشهوداً، وكان السلطان متغيباً في الصيد، ثم قدم بعد أيام، وكان الدخول بها في أول السنة، ولدت من الخليفة في ذي القعدة ولداً ذكراً زينت له بغداد‏.‏

وفيها‏:‏ ولد للسلطان ملكشاه ولد سماه محموداً، وهو الذي ملك بعده‏.‏

وفيها‏:‏ جعل السلطان ولده أبا شجاع أحمد ولي العهد من بعده، ولقبه ملك الملوك، عضد الدولة، وتاج الملة، عدة أمير المؤمنين، وخطب له بذلك على المنابر، ونثر الذهب على الخطباء عند ذكر اسمه‏.‏

وفيها‏:‏ شرع في بناء التاجية في باب إبرز وعملت بستان وغرست النخيل والفواكه هنالك، وعمل سور بأمر السلطان، والله أعلم‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 إسماعيل ابن إبراهيم

ابن موسى بن سعيد، أبو القاسم النيسابوري، رحل في الحديث إلى الآفاق حتى جاوز ما وراء النهر، وكان له حظ وافر في الأدب، ومعرفة العربية‏.‏

توفي بنيسابور في جمادى الأولى منها‏.‏

 طاهر بن الحسين البندنيجي

أبو الوفا الشاعر، له قصيدتان في مدح نظام الملك إحداهما معجمة والأخرى غير منقوطة، أولها‏:‏

لاموا ولو علموا ما اللوم ما لاموا * ورد لومهم هم وآلام

توفي ببلده في رمضان عن نيف وسبعين سنة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/164‏)‏

محمد بن أمير المؤمنين المقتدي

عرض له جدري فمات فيها وله تسع سنين، فحزن عليه والده والناس، وجلسوا للعزاء، فأرسل إليهم يقول‏:‏ إن لنا في رسول الله أسوة حسنة، حين توفي ابنه إبراهيم، وقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 156‏]‏

ثم عزم على الناس فانصرفوا‏.‏

 محمد بن محمد بن زيد

ابن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو الحسن الحسيني، الملقب بالمرتضى ذي الشرفين، ولد سنة خمس وأربعمائة، وسمع الحديث الكثير، وقرأ بنفسه على الشيوخ، وصحب الحافظ أبا بكر الخطيب، فصارت له معرفة جيدة بالحديث، وسمع عليه الخطيب شيئاً من مروياته، ثم انتقل إلى سمرقند وأملى الحديث بأصهبان وغيرها، وكان يرجع إلى عقل كامل، وفضل ومروءة‏.‏

وكانت له أموال جزيلة، وأملاك متسعة، ونعمة وافرة، يقال‏:‏ إنه ملك أربعين قرية، وكان كثير الصدقة والبر والصلة للعلماء والفقراء، وبلغت زكاة ماله الصامت عشرة آلاف دينار غير العشور، وكان له بستان ليس لملك مثله، فطلبه منه ملك ما وراء النهر، واسمه الخضر بن إبراهيم، عارية ليتنزه فيه، فأبى عليه، وقال‏:‏ أعيره إياه ليشرب فيه الخمر بعد ما كان مأوى أهل العلم والحديث والدين ‏؟‏

فأعرض عنه السلطان وحقد عليه، ثم استدعاه إليه ليستشيره في بعض الأمور على العادة، فلما حصل عنده قبض عليه وسجنه في قلعته، واستحوذ على جميع أملاكه وحواصله وأمواله، وكان يقول‏:‏ ما تحققت صحة نسبي إلا في هذه المصادرة‏:‏ فإني ربيت في النعيم، فكنت أقول‏:‏ إن مثلي لا بد أن يبتلى‏.‏

ثم منعوه الطعام والشراب حتى مات، رحمه الله‏.‏

 محمد بن هلال بن الحسن

أبو الحسن الصابي، الملقب بغرس النعمة، سمع أباه وابن شاذان، وكانت له صدقة كثيرة، ومعروف، وقد ذيل على تاريخ أبيه الذي ذيله على تاريخ ثابت بن سنان الذي ذيله على تاريخ ابن جرير الطبري، وقد أنشأ داراً ببغداد، ووقف فيها أربعة آلاف مجلد، في فنون من العلوم، وترك حين مات سبعين ألف دينار، ودفن بمشهد علي‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/165‏)‏

 هبة الله بن علي

ابن محمد بن أحمد بن المجلي أبو نصر، جمع خطباً ووعظاً، وسمع الحديث على مشايخ عديدة، وتوفي شاباً قبل أوان الرواية‏.‏

 أبو بكر بن عمر أمير الملثمين

كان في أرض فرغانة، اتفق له من الناموس ما لم يتفق لغيره من الملوك، كان يركب معه إذا سار لقتال عدو خمسمائة ألف مقاتل، كان يعتقد طاعته، وكان مع هذا يقيم الحدود ويحفظ محارم الإسلام، ويحوط الدين ويسير في الناس سيرة شرعية، مع صحة اعتقاده ودينه، وموالاة الدولة العباسية، أصابته نشابة في بعض غزواته في حلقه فقتلته في هذه السنة‏.‏

 فاطمة بنت علي

المؤدبة الكاتبة، وتعرف ببنت الأقرع، سمعت الحديث من أبي عمر بن مهدي وغيره، وكانت تكتب المنسوب على طريقة ابن البواب، ويكتب الناس عليها، وبخطها كانت الهدنة من الديوان إلى ملك الروم، وكتبت مرة إلى عميد الملك الكندري رقعة فأعطاها ألف دينار‏.‏

توفيت في المحرم من هذه السنة ببغداد، ودفنت بباب إبرز‏.‏

 ثم دخلت سنة إحدى وثمانين وأربعمائة

فيها‏:‏ كانت فتن عظيمة بين الروافض والسنة ببغداد، وجرت خطوب كثيرة‏.‏

وفي ربيع الأول أخرجت الأتراك من حريم الخلافة، فكان في ذلك قوة للخلافة‏.‏

وفيها‏:‏ ملك مسعود بن الملك المؤيد إبراهيم بن مسعود بن محمود بن سبكتكين بلاد غزنة بعد أبيه‏.‏

وفيها‏:‏ فتح ملكشاه مدينة سمرقند‏.‏

وحج بالناس الأمير خمارتكين‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 أحمد بن السلطان ملكشاه

وكان ولي عهد أبيه، توفي وعمره إحدى عشرة سنة، فمكث الناس في العزاء سبعة أيام لم يركب أحد فرساً، والنساء ينحن عليه في الأسواق، وسود أهل البلاد التي لأبيه أبوابهم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/166‏)‏

 عبد الله بن محمد

ابن علي بن محمد، أبو إسماعيل الأنصاري الهروي، روى الحديث وصنف، وكان كثير السهر بالليل، وكانت وفاته بهراة في ذي الحجة عن ست وثمانين سنة‏.‏

وحج بالناس فيها الوزير أبو أحمد، واستناب ولده أبا منصور ونقيب النقباء طراد بن محمد الزينبي‏.‏

 ثم دخلت سنة ثنتين وثمانين وأربعمائة

في المحرم درس أبو بكر الشاشي في المدرسة التاجية بباب إبرز، التي أنشأها الصاحب تاج الدين أبو الغنائم على الشافعية‏.‏

وفيها‏:‏ كانت فتن عظيمة بين الروافض والسنة، ورفعوا المصاحف، وجرت حروب طويلة، وقتل فيها خلق كثير، نقل ابن الجوزي في ‏(‏المنتظم‏)‏ من خط ابن عقيل‏:‏ أنه قتل في هذه السنة قريب من مائتي رجل، قال‏:‏ وسب أهل الكرخ الصحابة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فلعنة الله على من فعل ذلك من أهل الكرخ، وإنما حكيت هذا ليعلم ما في طوايا الروافض من الخبث والبغض لدين الإسلام وأهله، ومن العداوة الباطنة الكامنة في قلوبهم، لله ولرسوله وشريعته‏.‏

وفيها‏:‏ ملك السلطان ملكشاه ما وراء النهر وطائفة كبيرة من تلك الناحية، بعد حروب عظيمة ووقعات هائلة‏.‏

وفيها‏:‏ استولى جيش المصريين على عدة بلاد من بلاد الشام‏.‏

وفيها‏:‏ عمرت منارة جامع حلب‏.‏

وفيها‏:‏ أرسلت الخاتون بنت السلطان امرأة الخليفة تشكو إلى أبيها إعراض الخليفة عنها فبعث إليها أبوها الطواشي صواب والأمير مران ليرجعها إليه، فأجاب الخليفة إلى ذلك، وبعث معها بالنقيب وجماعة من أعيان الأمراء، وخرج ابن الخليفة أبو الفضل والوزير فشيعاها إلى النهروان وذلك في ربيع الأول، فلما وصلت إلى عند أبيها، توفيت في شوال من هذه السنة بأصبهان، فعمل عزاها ببغداد سبعة أيام، وأرسل الخليفة إلى السلطان أميرين لتعزيته فيها‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/167‏)‏

وحج بالناس خمارتكين‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 عبد الصمد بن أحمد بن علي

المعروف بطاهر النيسابوري الحافظ، رحل وسمع الكثير، وخرج وعاجله الموت في هذه السنة بهمذان وهو شاب‏.‏

 علي بن أبي يعلى

أبو القاسم الدبوسي، مدرس النظامية بعد المتولي، سمع شيئاً من الحديث، وكان فقيهاً ماهراً، وجدلياً باهراً‏.‏

 عاصم بن الحسن

ابن محمد بن علي بن عاصم بن مهران، أبو الحسين العاصمي، من أهل الكرخ، سكن باب الشعير، ولد سنة سبع وتسعين وثلاثمائة، وكان من أهل الفضل والأدب، وسمع الحديث من الخطيب وغيره، وكان ثقة حافظاً، ومن شعره قوله‏:‏

لهفي على قوم بكاظمة * ودعتهم والركب معترض

لم تترك العبرات مذ بعدوا * لي مقلة ترنو وتغتمض

رحلوا فدمعي واكف هطل * جار وقلبي حشوه مرض

وتعوضوا لا ذقت فقدهم * عني ومالي عنهم عوض

أقرضتهم قلبي على ثقة * منهم فماردوا الذي اقترضوا

 محمد بن أحمد بن حامد

ابن عبيد، أبو جعفر البخاري المتكلم المعتزلي، أقام ببغداد وتعرف بقاضي حلب، وكان حنفي المذهب في الفروع، معتزلياً في الأصول، مات ببغداد في هذه السنة، ودفن بباب حرب‏.‏

 محمد بن أحمد بن عبد الله

ابن محمد بن إسماعيل الأصبهاني، المعروف بمسلرفة، أحد الحفاظ الجوالين الرحالين، سمع الكثير وجمع الكتب، وأقام بهراة، وكان صالحاً كثير العبادة، توفي بنيسابور في ذي الحجة من هذه السنة، والله أعلم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/168‏)‏

 ثم دخلت سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة

في المحرم منها ورد إلى الفقيه أبي عبد الله الطبري منشور نظام الملك بتدريس النظامية، فدرس بها، ثم قدم الفقيه أبو محمد عبد الوهاب الشيرازي في ربيع الآخر منها بمنشور بتدريسها فاتفق الحال على أن يدرس هذا يوماً وهذا يوماً‏.‏

وفي جمادى الأولى دهم أهل البصرة رجل يقال له‏:‏ بليا، كان ينظر في النجوم، فاستغوى خلقاً من أهلها وزعم أنه المهدي، وأحرق من البصرة شيئاً كثيراً، من ذلك دار كتب وقفت على المسلمين لم ير في الإسلام مثلها، وأتلف شيئاً كثيراً من الدواليب والمصانع وغير ذلك‏.‏

وفيها‏:‏ خلع على أبي القاسم طراد الزينبي بنقابة العباسيين بعد أبيه‏.‏

وفيها‏:‏ استفتى على معلمي الصبيان أن يمنعوا من المساجد صيانة لها، فأفتوا بمنعهم، ولم يستثن منه سوى رجل كان فقيهاً شافعياً يدري كيف تصان المساجد، واستدل المفتي بقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏‏(‏سدوا كل خوخة إلا خوخة أبي بكر‏)‏‏)‏‏.‏

وحج بالناس خمارتكين على العادة‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 الوزير أبو نصر بن جهير

ابن محمد بن محمد بن جهير عميد الدولة، أحد مشاهير الوزراء، وزر للقائم، ثم لولده المقتدي، ثم عزل ملكشاه السلطان وولي ولده فخر الدولة ديار بكر وغيرها، مات بالموصول وهي بلده التي ولد بها‏.‏

وفيها‏:‏ كان مقتل صاحب اليمن الصليحي، وقد تقدم ذكره‏.‏

 ثم دخلت سنة أربع وثمانين وأربعمائة

في المحرم منها كتب المنجم الذي أحرق البصرة إلى أهل واسط يدعوهم إلى طاعته، ويذكر في كتابه‏:‏ أنه المهدي صاحب الزمان الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويهدي الخلق إلى الحق، فإن أطعتم أمنتم من العذاب، وإن عدلتم خسف بكم، فآمنوا بالله وبالإمام المهدي‏.‏

وفيها‏:‏ ألزم أهل الذمة بلبس الغيار وبشد الزنار، وكذاك نساؤهم في الحمامات وغيرها‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/169‏)‏

وفي جمادى الأولى قدم الشيخ أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي من أصبهان إلى بغداد على تدريس النطامية، ولقبه نظام الملك زين الدين شرف الأئمة‏.‏

قال ابن الجوزي‏:‏ وكان كلامه مقبولاً، وذكاؤه شديداً‏.‏

وفي رمضان منها عزل الوزير أبو شجاع عن وزارة الخلافة فأنشد عند عزله‏:‏

تولاها وليس له عدو * وفارقها وليس له صديق

ثم جاءه كتاب نظام الملك بأن يخرج من بغداد، فخرج منها إلى عدة أماكن، فلم تطب له، فعزم على الحج، ثم طابت نفس النظام عليه فبعث إليه يسأله أن يكون عديله في ذلك، وناب ابن الموصلايا في الوزارة، وقد كان أسلم قبل هذه المباشرة في أول هذه السنة‏.‏

وفي رمضان منها دخل السلطان ملكشاه بغداد ومعه الوزير نظام الملك، وقد خرج لتلقيه قاضي القضاة أبو بكر الشاشي، وابن الموصلايا المسلماني، وجاءت ملوك الأطراف إليه للسلام عليه، منهم أخوه تاج الدولة تتش صاحب دمشق، وإتابكه قسيم الدولة اقسنقر صاحب حلب‏.‏

وفي ذي القعدة خرج السلطان ملكشاه وابنه وابن ابنته من الخليفة في خلق كثير من الكوفة‏.‏

وفيها‏:‏ استوزر أبو منصور بن جهير وهي النوبة الثانية لوزارته للمقتدي، وخلع عليه، وركب إليه نظام الملك فهنأه في داره بباب العامة‏.‏

وفي ذي الحجة عمل السلطان الميلاد في دجلة، وأشعلت نيران عظيمة، وأوقدت شموع كثيرة، وجمعت المطربات في السمريات، وكانت ليلة مشهودة عجيبة جداً، وقد نظم فيها الشعراء الشعر، فلما أصبح النهار من هذه الليلة جيء بالخبيث المنجم الذي حرق البصرة وادعى أنه المهدي محمولاً على جمل ببغداد، وجعل يسب الناس والناس يلعنوه، وعلى رأسه طرطورة بودع، والدرة تأخذه من كل جانب، فطافوا به بغداد ثم صلب بعد ذلك‏.‏

وفيها‏:‏ أمر السلطان ملكشاه جلال الدولة بعمارة جامعه المنسوب إليه بظاهر السور‏.‏

وفي هذه السنة ملك أمير المسلمين يوسف بن تاشفين بعد صاحب بلاد المغرب كثيراً من بلاد الأندلس، وأسر صاحبها المعتمد بن عباد وسجنه وأهله، وقد كان المعتمد هذا موصوفاً بالكرم والأدب والحلم، حسن السيرة والعشرة والإحسان إلى الرعية، والرفق بهم، فحزن الناس عليه، وقال في مصابه الشعراء فأكثروا‏.‏

وفيها‏:‏ ملكت الفرج مدينة صقلية من بلاد المغرب، ومات ملكهم فقام ولده مقامه فسار في الناس سيرة ملوك المسلمين، حتى كأنه منهم، لما ظهر منه من الإحسان إلى المسلمين‏.‏

وفيها‏:‏ كانت زلازل كثيرة بالشام وغيرها، فهدمت بنياناً كثيراً، من جملة ذلك تسعون برجاً من سور إنطاكية، وهلك تحت الهدم خلق كثير‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/170‏)‏

وحج بالناس خمارتكين‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 عبد الرحمن بن أحمد

أبو طاهر، ولد بأصبهان، وتفقه بسمر قند، وهو الذي كان سبب فتحها على يد السلطان ملكشاه، وكان من رؤساء الشافعية، وقد سمع الحديث الكثير‏.‏

قال عبد الوهاب بن منده‏:‏ لم نر فقيهاً في وقتنا أنصف منه، ولا أعلم‏.‏

وكان فصيح اللهجة كثير المروءة غزير النعمة، توفي ببغداد، ومشى الوزراء والكبراء في جنازته، غير أن النظام ركب واعتذر بكبر سنه، ودفن إلى جانب الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وجاء السلطان إلى التربة‏.‏

قال ابن عقيل‏:‏ جلست بكرة العزاء إلى جانب نظام الملك والملوك قيام بين يديه، اجترأت على ذلك بالعلم‏.‏

حكاه ابن الجوزي‏.‏

 محمد بن أحمد بن علي

أبو نصر المروزي، كان إماماً في القراءات، وله فيها المصنفات، وسافر في ذلك كثيراً، واتفق له أنه غرق في البحر في بعض أسفاره، فبينما الموج يرفعه ويضعه إذ نظر إلى الشمس قد زالت، فنوى الوضوء وانغمس في الماء ثم صعد فإذا خشبة فركبها وصلى عليها، ورزقه الله السلامة ببركة امتثاله للأمر، واجتهاده على العمل، وعاش بعد ذلك دهراً، وتوفي في هذه السنة، وله نيف وتسعون سنة‏.‏

 محمد بن عبد الله بن الحسن

أبو بكر الناصح الفقيه الحنفي المناظر المتكلم المعتزلي، ولي القضاء بنيسابور، ثم عزل لجنونه وكلامه وأخذه الرشا، وولي قضاء الري، وقد سمع الحديث، وكان من أكابر العلماء، توفي في رجب منها‏.‏

 أرتق بن ألب التركماني

جد الملوك الأرتقية الذين هم ملوك ماردين، كان شهماً شجاعاً عالي الهمة، تغلب على بلاد كثيرة، وقد ترجمه ابن خلكان وأرخ وفاته بهذه السنة‏.‏

 ثم دخلت سنة خمس وثمانين وأربعمائة

فيها‏:‏ أمر السلطان ملكشاه ببناء سور سوق المدينة المعروفة بطغرلبك، إلى جانب دار الملك، وجدد خاناتها وأسواقها ودورها، وأمر بتجديد الجامع الذي تم على يد هارون الخادم، في سنة أربع وعشرين وخمسمائة، ووقف على نصب قبلته بنفسه، ومنجمه إبراهيم حاضر، ونقلت أخشاب جامع سامرا‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/171‏)‏

وشرع نظام الملك في بناء دار له هائلة، وكذلك تاج الملوك أبو الغنائم، شرع في بناء دار هائلة أيضاً، واستوطنوا بغداد‏.‏

وفي جمادى الأولى وقع حريق عظيم ببغداد في أماكن شتى، فما طفئ حتى هلك للناس شيء كثير، فما عمروا بقدر ما حرق وما غرموا‏.‏

وفي ربيع الأول خرج السلطان إلى أصبهان، وفي صحبته ولد الخليفة أبو الفضل جعفر، ثم عاد إلى بغداد في رمضان، فبينما هو في الطريق يوم عاشوراء عدا صبي من الديلم على الوزير نظام الملك، بعد أن أفطر، فضربه بسكين فقضى عليه بعد ساعة، وأخذ الصبي الديلمي فقتل، وقد كان من كبار الوزراء وخيار الأمراء، وسنذكر شيئاً من سيرته عند ذكر ترجمته‏.‏

وقدم السلطان بغداد في رمضان بنية غير صالحة، فلقاه الله في نفسه ما تمناه لأعدائه، وذلك أنه لما استقر ركابه ببغداد وجاء الناس للسلام عليه، والتهنئة بقدومه، وأرسل إليه الخليفة يهنئه، فأرسل إلى الخليفة يقول له‏:‏ لابد أن تنزل لي عن بغداد، وتتحول إلى أي البلاد شئت‏.‏

فأرسل إليه الخليفة يستنظره شهراً، فرد عليه‏:‏ ولا ساعة واحدة‏.‏

فأرسل إليه يتوسل في إنظاره عشرة أيام، فأجاب إلى ذلك بعد تمنع شديد، فما استتم الأجل حتى خرج السلطان يوم عيد الفطر إلى الصيد فأصابته حمى شديدة، فافتصد فما قام منها حتى مات قبل العشرة أيام، ولله الحمد والمنة‏.‏

فاستحوذت زوجته زبيدة خاتون على الجيش، وضبطت الأموال والأحوال جيداً، وأرسلت إلى الخليفة تسأل منه أن يكون ولدها محمود ملكاً بعد أبيه، وأن يخطب له على المنابر، فأجابها إلى ذلك، وأرسل إليه بالخلع، وبعث يعزيها ويهنئها مع وزيره عميد الدولة بن جهير‏.‏

وكان عمر الملك محمود هذا يومئذ خمس سنين، ثم أخذته والدته في الجيوش وسارت به نحو أصبهان ليتوطد له الملك، فدخلوها وتم لهم مرادهم، وخطب لهذا الغلام في البلدان حتى في الحرمين، واستوزر له تاج الملك أبا الغنائم المرزبان بن خسرو، وأرسلت أمه إلى الخليفة تسأله أن تكون ولايات العمال إليه، فامتنع الخليفة ووافقه الغزالي على ذلك، وأفتى العلماء بجواز ذلك، منهم‏:‏ المتطبب بن محمد الحنفي، فلم يعمل إلا بقول الغزالي، وانحاز أكثر جيش السلطان إلى ابنه الآخر بركيارق، فبايعوه وخطبوا له بالري، وانفردت الخاتون وولدها ومعهم شرذمة قليلة من الجيش والخاصكية، فأنفقت فيهم ثلاثين ألف ألف دينار لقتال بركيارق بن ملكشاه، فالتقوا في ذي الحجة فكانت الخاتون هي المنهزمة ومعها ولدها‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/172‏)‏

وفي صحيح البخاري‏:‏ ‏(‏‏(‏لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة‏)‏‏)‏‏.‏

وفي ذي القعدة اعترضت بنو خفاجة للحجيج فقاتلهم من في الحجيج من الجند مع الأمير خمارتكين، فهزموهم، ونهبت أموال الأعراب، ولله الحمد والمنة‏.‏

وفيها‏:‏ جاء برد شديد عظيم بالبصرة، وزن الواحدة منها خمسة أرطال إلى ثلاثة عشر رطلاً، فأتلفت شيئاً كثيراً من النخيل والأشجار، وجاء ريح عاصف قاصف فألقى عشرات الألوف من النخيل، فإنا لله وإنا إليه راجعون ‏{‏وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ‏}‏ ‏[‏الشورى‏:‏ 30‏]‏‏.‏

وفيها‏:‏ ملك تاج الدولة تتش صاحب دمشق مدينة حمص، وقلعة عرقة، وقلعة فامية، ومعه قسيم الدولة أقسنقر، وكان السلطان قد جهز سرية إلى اليمن صحبة سعد كوهرائين الدولة وأمير آخر من التركمان، فدخلاها وأساءا فيها السيرة فتوفي سعد كوهرائين يوم دخوله إليها في مدينة عدن، ولله الحمد والمنة‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 جعفر بن يحيى بن عبد الله

أبو الفضل التميمي، المعروف بالحكاك المكي، رحل في طلب الحديث إلى الشام والعراق وأصبهان وغير ذلك من البلاد، وسمع الكثير وخرج الأجزاء، وكان حافظاً متقناً، ضابطاً أديباً، ثقة صدوقاً، وكان يراسل صاحب مكة، وكان من ذوي الهيئات والمروءات، قارب الثمانين، رحمه الله‏.‏

 نظام الملك الوزير

الحسن بن علي بن إسحاق أبو علي، وزر للملك ألب أرسلان وولده ملكشاه تسعاً وعشرين سنة، كان من خيار الوزراء‏.‏

ولد بطوس سنة ثمان وأربعمائة، وكان أبوه من أصحاب محمود بن سبكتكين، وكان من الدهاقين، فأشغل ولده هذا، فقرأ القرآن وله إحدى عشرة سنة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/173‏)‏

وأشغله بالعلم والقراءات والتفقه على مذهب الشافعي، وسماع الحديث واللغة والنحو، وكان عالي الهمة، فحصل من ذلك طرفاً صالحاً، ثم ترقى في المراتب حتى وزر للسلطان ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق ثم من بعد لملكشاه تسعاً وعشرين سنة، لم ينكب في شيء منها، وبنى المدارس النظامية ببغداد ونيسابور وغيرهما، وكان مجلسه عامراً بالفقهاء والعلماء، بحيث يقضي معهم غالب نهاره، فقيل له‏:‏ إن هؤلاء شغلوك عن كثير من المصالح‏.‏

فقال‏:‏ هؤلاء جمال الدنيا والآخرة، ولو أجلستهم على رأسي لما استكثرت ذلك‏.‏

وكان إذا دخل عليه أبو القاسم القشيري وأبو المعالي الجويني قام لهما وأجلسهما معه في المقعد، فإذا دخل أبو علي الفارمدي قام وأجلسه مكانه، وجلس بين يديه، فعوتب في ذلك فقال‏:‏ إنهما إذا دخلا علي قال‏:‏ أنت وأنت، يطروني ويعظموني، ويقولوا فيّ ما ليس فيّ، فأزداد بهما ما هو مركوز في نفس البشر، وإذا دخل عليّ أبو علي الفارندي ذكرني عيوبي وظلمي، فأنكسر فأرجع عن كثير من الذي أنا فيه‏.‏

وكان محافظاً على الصلوات في أوقاتها، لا يشغله بعد الأذان شغل عنها وكان يواظب على صيام الاثنين والخميس، وله الأوقاف الدارة، والصدقات البارة‏.‏

وكان يعظم الصوفية تعظيماً زائداً، فعوتب في ذلك، فقال‏:‏ بينما أنا أخدم بعض الملوك جاءني يوماً إنسان فقال لي‏:‏ إلى متى أنت تخدم من تأكله الكلاب غداً‏؟‏ اخدم من تنفعك خدمته، ولا تخدم من تأكله الكلاب غداً‏.‏

فلم أفهم ما يقول، فاتفق أن ذلك الأمير سكر تلك الليلة فخرج في أثناء الليل وهو ثمل، وكانت له كلاب تفترس الغرباء بالليل، فلم تعرفه فمزقته، فأصبح وقد أكلته الكلاب‏.‏

قال‏:‏ فأنا أطلب مثل ذلك الشيخ‏.‏

وقد سمع الحديث في أماكن شتى ببغداد وغيرها، وكان يقول‏:‏ إني لأعلم بأني لست أهلاً للرواية، ولكني أحب أن أربط في قطار نقلة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقال أيضاً‏:‏ رأيت ليلة في المنام إبليس فقلت له‏:‏ ويحك خلقك الله وأمرك بالسجود له مشافهة فأبيت، وأنا لم يأمرني بالسجود له مشافهة وأنا أسجد له في كل يوم مرات، وأنشأ يقول‏:‏

من لم يكن للوصال أهلاً * فكل إحسانه ذنوب

وقد أجلسه المقتدي مرة بين يديه وقال له‏:‏ يا حسن، رضي الله عنك برضا أمير المؤمنين عنك‏.‏

وقد ملك ألوفاً من الترك، وكان له بنون كثيرة، وزر منهم خمسة، وزر ابنه أحمد للسلطان محمد بن ملك شاه، ولأمير المؤمنين المسترشد بالله‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/174‏)‏

وخرج نظام الملك مع السلطان من أصبهان قاصداً بغداد في مستهل رمضان من هذه السنة، فلما كان اليوم العاشر اجتاز في بعض طريقه بقرية بالقرب من نهاوند، وهو يسايره في محفة، فقال‏:‏ قد قتل ههنا خلق من الصحابة زمن عمر، فطوبى لمن يكون عندهم‏.‏

فاتفق أنه لما أفطر جاءه صبي في هيئة مستغيث به ومعه قصة، فلما انتهى إليه ضربه بسكين في فؤاده وهرب، وعثر بطُنُب الخيمة فأُخذ فقتل، ومكث الوزير ساعة، وجاءه السلطان يعوده فمات وهو عنده، وقد اتهم السلطان في أمره أنه هو الذي مالأ عليه، فلم تطل مدته بعده سوى خمسة وثلاثين يوماً، وكان في ذلك عبرة لأولي الألباب‏.‏

وكان قد عزم على إخراج الخليفة أيضاً من بغداد، فما تم له ما عزم عليه، ولما بلغ أهل بغداد موت النظام حزنوا عليه، وجلس الوزير والرؤساء للعزاء ثلاثة أيام، ورثاه الشعراء بقصائد منهم مقاتل بن عطية فقال‏:‏

كان الوزير نظام الملك لؤلؤة * يتيمة صاغها الرحمن من شرف

عزت فلم تعرف الأيام قيمتها * فردها غيرة منه إلى الصدف

وأثنى عليه غير واحد حتى ابن عقيل وابن الجوزي وغيرهما، رحمه الله‏.‏

 عبد الباقي بن محمد بن الحسين

ابن داود بن ياقيا، أبو القاسم الشاعر، من أهل الحريم الظاهري، ولد سنة عشر وأربعمائة، وكان ماهراً، وقد رماه بعضهم باعتقاد الأوائل، وأنكر أن يكون في السماء نهر من ماء أو نهر من لبن، أو نهر من خمر، أو نهر من عسل، يعني‏:‏ في الجنة، وما سقط من ذلك قطرة إلى الأرض إلا هذا الذي هو يخرب البيوت ويهدم الحيطان والسقوف، وهذا الكلام كفر من قائله، نقله عنه ابن الجوزي في ‏(‏المنتظم‏)‏‏.‏

وحكى بعضهم أنه وجد في كفنه مكتوباً حين مات هذين البيتين‏:‏

نزلت بجار لا يخيب ضيفه * أرجّي نجاتي من عذاب جهنم

وإني على خوفي من الله واثق * بأنعامه والله أكرم منعم

 مالك بن أحمد بن علي

ابن إبراهيم، أبو عبد الله البانياسي الشامي، وقد كان له اسم آخر سمته به أمه علي أبو الحسن، فغلب عليه ما سماه به أبوه، وما كناه به‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/175‏)‏

سمع الحديث على مشايخ كثيرة، وهو آخر من حدث عن أبي الحسن بن الصلت، هلك في حريق سوق الريحانيين، وله ثمانون سنة، كان ثقة عند المحدثين‏.‏

 السلطان ملكشاه

جلال الدين والدولة، أبو الفتح ملكشاه، ابن أبي شجاع ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل ابن سلجوق تقاق التركي، ملك بعد أبيه وامتدت مملكته من أقصى بلاد الترك إلى أقصى بلاد اليمن، وراسله الملوك من سائر الأقاليم حتى ملك الروم والخزر واللان‏.‏

وكانت دولته صارمة، والطرقات في أيامه آمنة، وكان مع عظمته يقف للمسكين والضعيف، والمرأة فيقضي حوائجهم، وقد عمر العمارات الهائلة، وبنى القناطر، وأسقط المكوس والضرائب، وحفر الأنهار الكبار، وبنى مدرسة أبي حنيفة والسوق، وبنى الجامع الذي يقال له‏:‏ جامع السلطان ببغداد، وبنى منارة القرون من صيوده بالكوفة، ومثلها فيما وراء النهر، وضبط ما صاده بنفسه في صيوده فكان ذلك نحواً من عشرة آلاف صيد، فتصدق بعشرة آلاف درهم، وقال‏:‏ إني خائف من الله تعالى أن أكون أزهقت نفس حيوان لغير مأكلة‏.‏

وقد كانت له أفعال حسنة، وسيرة صالحة، من ذلك أن فلاحاً أنهى إليه أن غلماناً له أخذوا له حمل بطيخ، ففتشوا فإذا في خيمة الحاجب بطيخ، فحملوه إليه، ثم استدعى بالحاجب فقال‏:‏ من أين لك هذا البطيخ ‏؟‏

قال‏:‏ جاء به الغلمان‏.‏

فقال‏:‏ أحضرهم‏.‏

فذهب وأمرهم بالهرب فأحضره وسلمه للفلاح، وقال‏:‏ خذ بيده فإنه مملوكي ومملوك أبي، وإياك أن تفارقه، ثم رد على الفلاح الحمل البطيخ‏.‏

فخرج الفلاح يحمله وبيده الحاجب فاستنقذ الحاجب نفسه من الفلاح بثلاثمائة دينار‏.‏

ولما توجه لقتال أخيه تتش اجتاز بطوس فدخلها لزيارة قبر علي بن موسى الرضى، ومعه نظام الملك، فلما خرجا قال للنظام‏:‏ بم دعوت الله ‏؟‏

قال‏:‏ دعوت الله أن يظفرك على أخيك‏.‏

قال‏:‏ لكني قلت اللهم إن كان أخي أصلح للمسلمين فظفره بي، وإن كنت أنا أصلح لهم فظفرني به‏.‏

وقد سار بعسكره من أصبهان إلى أنطاكية، فما عرف أن أحداً من جيشه ظلم أحداً من الرعية، وكانوا مئين ألوف‏.‏

واستعدى إليه مرة تركماني، أن رجلاً افتض بكارة ابنته وهو يريد أن يمكنه من قتله، فقال له‏:‏ يا هذا إن ابنتك لو شاءت ما مكنته من نفسها، فإن كنت لابد فاعلاً فاقتلها معه‏.‏

فسكت الرجل، فقال له الملك‏:‏ أو تفعل خيراً من ذلك‏؟‏

قال‏:‏ وما هو‏؟‏

قال‏:‏ فإن بكارتها قد ذهبت، فزوجها من ذلك الرجل، وأنا أمهرها من بيت المال كفايتهما‏.‏

ففعل‏.‏

وحكى له بعض الوعاظ أن كسرى اجتاز يوماً في بعض أسفاره بقرية وكان منفرداً من جيشه، فوقف على باب دار فاستسقى فأخرجت إليه جارية إناء فيه ماء قصب السكر بالثلج، فشرب منه فأعجبه فقال‏:‏ كيف تصنعون هذا ‏؟‏

فقالت‏:‏ إنه سهل علينا اعتصاره على أيدينا، فطلب منها شربة أخرى، فذهبت لتأتيه بها فوقع في نفسه أن يأخذ هذا المكان منهم، ويعوضهم عنه غيره، فأبطأت عليه، ثم خرجت وليس معها شيء، فقال‏:‏ مالك ‏؟‏‏(‏ج/ص‏:‏ 12/176‏)‏

فقالت‏:‏ كأن نية سلطاننا تغيرت علينا، فتعسر عليّ اعتصاره - وهي لا تعرف أنه السلطان -‏.‏

فقال‏:‏ اذهبي فإنك الآن تقدرين عليه، وغير نيته إلى غيرها‏.‏

فذهبت وجاءته بشربة أخرى سريعاً فشربها وانصرف‏.‏

فقال له السلطان‏:‏ هذه تصلح لي ولكن قص على الرعية أيضاً حكاية كسرى الأخرى حين اجتاز ببستان وقد أصابته صفراء في رأسه وعطش، فطلب من ناطوره عنقوداً من حصرم، فقال له الناطور‏:‏ إن السلطان لم يأخذ حقه منه، فلا أقدر أن أعطيك منه شيئاً‏.‏

قال‏:‏ فعجب الناس من ذكاء الملك وحسن استحضاره هذه في مقابلة تلك‏.‏

واستعداه رجلان من الفلاحين على الأمير خمارتكين أنه أخذ منهما مالاً جزيلاً وكسر ثنيتهما، وقالا‏:‏ سمعنا بعدلك في العالم، فإن أقدتنا منه كما أمرك الله وإلا استعدينا عليك الله يوم القيامة‏.‏

وأخذا بركابه، فنزل عن فرسه، وقال لهما‏:‏ خذا بكمي واسحباني إلى دار نظام الملك، فهابا ذلك، فعزم عليهما أن يفعلا، ففعلا ما أمرهما به، فلما بلغ النظام مجيء السلطان إليه، خرج مسرعاً فقال له الملك‏:‏ إني إنما قلدتك الأمر لتنصف المظلوم ممن ظلمه، فكتب من فوره فعزل خمارتكين وحل أقطاعه، وأن يرد إليهما أموالهما، وأن يقلعا ثنيتيه إن قامت عليه البيّنة، وأمر لها الملك من عنده بمائة دينار‏.‏

وأسقط مرة بعض المكوس، فقال له رجل من المستوفين‏:‏ يا سلطان العالم، إن هذا الذي أسقطته يعدل ستمائة ألف دينار وأكثر‏.‏

فقال‏:‏ ويحك إن المال مال الله، والعباد عباد الله، والبلاد بلاده، وإنما أردت أن يبقى هذا لي عند الله، ومن نازعني في هذا ضربت عنقه‏.‏

وغنته امرأة حسناء فطرب وتاقت نفسه إليها، فهم بها فقالت‏:‏ أيها الملك إني أغار على هذا الوجه الجميل من النار، وبين الحلال والحرام كلمة واحدة‏.‏

فاستدعى القاضي فزوجه بها‏.‏

وقد ذكر ابن الجوزي‏:‏ عن ابن عقيل أن السلطان ملك شاه كان قد فسدت عقيدته بسبب معاشرته لبعض الباطنية ثم تنصل من ذلك وراجع الحق‏.‏

وذكر ابن عقيل أنه كتب له شيئاً في إثبات الصانع، وقد ذكرنا أنه لما رجع آخر مرة إلى بغداد فعزم على الخليفة أن يخرج منها، فاستنظره عشرة أيام فمرض السلطان ومات قبل انقضاء العشرة أيام، وكانت وفاته في ليلة الجمعة النصف من شوال عن سبع وثلاثين سنة وخمسة أشهر، وكان مدة ملكه من ذلك تسع عشرة سنة وأشهراً، ودفن بالشونيزي، ولم يصلّ عليه أحد لكتمان الأمر، وكان مرضه بالحمى، وقيل‏:‏ إنه سم، والله أعلم‏.‏

 باني التاجية ببغداد

المرزبان بن خسرو، تاج الملك الوزير، أبو الغنائم باني التاجية، وكان مدرسها أبو بكر الشاشي وبنى تربة الشيخ أبي إسحاق، وقد كان السلطان ملكشاه أراد أن يستوزره بعد نظام الملك فمات سريعاً، فاستوزر لولده محمود، فلما قهره أخوه بركيارق قتله غلمان النظام وقطعوه إرباً إرباً في ذي الحجة من هذه السنة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/177‏)‏

 هبة الله بن عبد الوارث

ابن علي بن أحمد نوري، أبو القاسم الشيرازي، أحد الرحالين الجوالين في الآفاق، كان حافظاً ثقة ديناً ورعاً، حسن الاعتقاد والسيرة، له تاريخ حسن، ورحل إليه الطلبة من بغداد وغيرها، والله أعلم‏.‏

 ثم دخلت سنة ست وثمانين وأربعمائة

فيها‏:‏ قدم إلى بغداد رجل يقال له‏:‏ أردشير بن منصور أبو الحسين العبادي، مرجعه من الحج، فنزل النظامية فوعظ الناس وحضر مجلسه الغزالي مدرّس المكان، فازدحم الناس في مجلسه، وكثروا في المجالس بعد ذلك، وترك كثير من الناس معايشهم، وكان يحضر مجلسه في بعض الأحيان أكثر من ثلاثين ألفاً من الرجال والنساء، وتاب كثير من الناس ولزموا المساجد، وأريقت الخمور وكسرت الملاهي، وكان الرجل في نفسه صالحاً، له عبادات، وفيه زهد وافر، وله أحوال صالحة، وكان الناس يزدحمون على فضل وضوئه، وربما أخذوا من البركة التي يتوضأ منها ماء للبركة‏.‏

ونقل ابن الجوزي‏:‏ أنه اشتهى مرة على بعض أصحابه توتاً شامياً وثلجاً فطاف البلد بكماله فلم يجده، فرجع فوجد الشيخ في خلوته، فسأل‏:‏ هل جاء اليوم إلى الشيخ أحد ‏؟‏

فقيل له‏:‏ جاءت امرأة فقالت‏:‏ إني غزلت بيدي غزلاً وبعته وأنا أحب أن أشتري للشيخ طرفة‏.‏

فامتنع من ذلك فبكت فرحمها، وقال‏:‏ اذهبي فاشتري‏.‏

فقالت‏:‏ ماذا تشتهي‏؟‏

فقال‏:‏ ما شئت‏.‏

فذهبت فأتته بتوت شامي وثلج فأكله‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ دخلت عليه وهو يشرب مرقاً فقلت في نفسي‏:‏ ليته أعطاني فضله لأشربه لحفظ القرآن، فناولني فضله فقال‏:‏ اشربها على تلك النية‏.‏

قال‏:‏ فرزقني الله حفظ القرآن‏.‏

وكانت له عبادات ومجاهدات، ثم اتفق أنه تكلم في بيع القراضة بالصحيح فمنع من الجلوس وأخرج من البلد‏.‏

وفيها‏:‏ خطب تتش بن ألب أرسلان لنفسه بالسلطنة، وطلب من الخليفة أن يخطب له بالعراق فحصل التوقف عن ذلك بسبب ابن أخيه بركيارق بن ملكشاه، فسار إلى الرحبة وفي صحبته وطاعته أقسنقر صاحب حلب، وبوران صاحب الرها، ففتح الرحبة، ثم سار إلى الموصل فأخذها من يد صاحبها إبراهيم بن قريش بن بدران، وهزم جيوشه من بني عقيل، وقتل خلقاً من الأمراء صبراً، وكذلك أخذ ديار بكر واستوزر الكافي بن فخر الدولة بن جهير، وكذلك أخذ همدان وخلاط، وفتح أذربيجان واستفحل أمره‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/178‏)‏

ثم فارقه الأميران اقسنقر وبوران، فسارا إلى الملك بركيارق وبقي تتش وحده، فطمع فيه أخوه بركيارق، فرجع تتش فلحقه قسيم الدولة اقسنقر وبوران بباب حلب فكسرهما، وأسر بوران واقسنقر فصلبهما، وبعث برأس بوران فطيف به حران والرها وملكها من بعده‏.‏

وفيها‏:‏ وقعت الفتنة بين الروافض والسنة، وانتشرت بينهم شرور كثيرة‏.‏

وفي ثاني شعبان ولد للخليفة ولده المسترشد بالله أبو منصور الفضل بن أبي العباس أحمد المستظهر، ففرح الخليفة به‏.‏

وفي ذي القعدة دخل السلطان بركيارق بغداد، وخرج إليه الوزير أبو منصور بن جهير وهنأه عن الخليفة بالقدوم‏.‏

وفيها‏:‏ أخذ المستنصر العبيدي مدينة صور من أرض الشام‏.‏

ولم يحج فيها أحد من أهل العراق‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 جعفر بن المقتدي بالله

من الخاتون بنت السلطان ملكشاه، في جمادى الأولى وجلس الوزير للعزاء والدولة ثلاثة أيام‏.‏

سليمان بن إبراهيم

ابن محمد بن سليمان، أبو مسعود الأصبهاني، سمع الكثير وصنف وخرج على الصحيحين، وكانت له معرفة جيدة بالحديث، سمع ابن مردويه وأبا نعيم والبرقاني، وكتب عن الخطيب وغيره‏.‏

توفي في ذي العقدة عن تسع وثمانين سنة‏.‏

 عبد الواحد بن أحمد بن المحسن

الدشكري، أبو سعد الفقيه الشافعي، صحب أبا إسحاق الشيرازي، وروى الحديث، وكان مؤلفاً لأهل العلم، وكان يقول‏:‏ ما مشى قدمي هاتين في لذة قط‏.‏

توفي في رجب منها ودفن بباب حرب‏.‏

 علي بن أحمد بن يوسف

أبو الحسن الهكاري، قدم بغداد ونزل برباط الدوري، وكانت له أربطة قد أنشأها، سمع الحديث، وروى عنه غير واحد من الحفاظ، وكان يقول‏:‏ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام في الروضة فقلت‏:‏ يا رسول الله أوصني‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/179‏)‏

فقال‏:‏ عليك باعتقاد أحمد بن حنبل، ومذهب الشافعي، وإياك ومجالسة أهل البدع‏.‏

توفي في المحرم منها‏.‏

 علي بن محمد بن محمد

أبو الحسن الخطيب الأنباري، ويعرف بابن الأخضر، سمع أبا محمد الرضى، وهو آخر من حدث عنه، توفي في شوال منها عن خمس وتسعين سنة‏.‏

أبو نصر علي بن هبة الله، ابن ماكولا

ولد سنة ثنتين وأربعمائة، وسمع الكثير وكان من الحفاظ، وله كتاب ‏(‏الإكمال‏)‏ في المؤتلف والمختلف، جمع بين كتاب عبد الغني وكتاب الدارقطني وغيرهما، وزاد عليهما أشياء كثيرة، بهمة حسنة مفيدة نافعة، وكان نحوياً مبرزاً، فصيح العبارة حسن الشعر‏.‏

قال ابن الجوزي‏:‏ وسمعت شيخنا عبد الوهاب يطعن في دينه ويقول‏:‏ المعلم يحتاج إلى دين‏.‏

وقتل في خوزستان في هذه السنة أو التي بعدها، وقد جاوز الثمانين، كذا ذكره ابن الجوزي‏.‏