فصل: سنة ثنتين وخمسين وخمسمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البداية والنهاية **


 ثم دخلت سنة سبع وأربعين وخمسمائة

فيها‏:‏ توفي السلطان مسعود وقام بالأمر من بعده أخوه ملكشاه بن محمود، ثم جاء السلطان محمد وأخذ الملك واستقر له، قتل الأمير خاص بك، وأخذ أمواله وألقاه للكلاب، وبلغ الخليفة أن واسط قد تخبطت أيضاً، فركب إليها في الجيش في أبهة عظيمة، وأصلح شأنها، وكر على الكوفة والحلة، ثم عاد إلى بغداد فزينت له البلد‏.‏

وفيها‏:‏ ملك عبد المؤمن صاحب المغرب بجاية وهي بلاد بني حماد، فكان آخر ملوكهم يحيى بن عبد العزيز بن حماد، ثم جهز عبد المؤمن جيشاً إلى صنهاجة فحاصرها، وأخذ أموالها‏.‏

وفيها‏:‏ كانت وقعة عظيمة بين نور الدين الشهيد وبين الفرنج، فكسرهم وقتل منهم خلقاً، ولله الحمد‏.‏

وفيها‏:‏ اقتتل السلطان سنجر وملك الغور علاء الدين الحسين ابن الحسين أول ملوكهم، فكسره سنجر وأسره، فلما أحضره بين يديه قال له‏:‏ ماذا كنت تصنع بي لو أسرتني ‏؟‏

فأخرج قيداً من فضة وقال‏:‏ كنت أقيدك بهذا‏.‏

فعفى عنه وأطلقه إلى بلاده، فسار إلى غزنة فانتزعها من يد صاحبها بهرام شاه السبكتكيني، واستخلف عليها أخاه سيف الدين فغدر به أهل البلد وسلموه إلى بهرام شاه فصلبه، ومات بهرام شاه قريباً فسار إليه علاء الدين فهرب خسرو بن بهرام شاه عنها، فدخلها علاء الدين فنهبها ثلاثة أيام، وقتل من أهلها بشراً كثيراً، وسخر أهلها فحملوا تراباً في مخالي إلى محلة هنالك بعيدة عن البلد، فعمر من ذلك التراب قلعة معروفة إلى الآن‏.‏

وبذلك انقضت دولة بني سبكتكين عن بلاد غزنة وغيرها، وقد كان ابتداء أمرهم في سنة ست وستين وثلاثمائة إلى سنة سبع وأربعين وخمسمائة، وكانوا من خيار الملوك، وأكثرهم جهاداً في الكفرة، وأكثرهم أموالاً ونساء وعدداً وعُدداً، وقد كسروا الأصنام وأبادوا الكفار، وجمعوا من الأموال ما لم يجمع غيرهم من الملوك، مع أن بلادهم كانت من أطيب البلاد وأكثرهم ريفاً ومياهاً ففني جميعه وزال عنهم، ‏{‏قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 26‏]‏‏.‏

ثم ملك الغور والهند وخراسان، واتسعت ممالكهم وعظم سلطان علاء الدين بعد الأسر‏.‏

وحكى ابن الجوزي‏:‏ أن في هذه السنة باض ديك بيضة واحدة، ثم باض بازي بيضتين، وباضت نعامة من غير ذكر، وهذا شيء عجيب‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/287‏)‏

 من الأعيان‏:‏

 المظفر بن أردشير

أبو منصور العبادي، الواعظ، سمع الحديث ودخل إلى بغداد فأملى ووعظ، وكان الناس يكتبون ما يعظ به، فاجتمع له من ذلك مجلدات‏.‏

، قال ابن الجوزي‏:‏ لا تكاد تجد في المجلد خمس كلمات جيدة، وتكلم فيه وأطال الحط عليه، واستحسن من كلامه قوله وقد سقط مطر وهو يعظ الناس، وقد ذهب الناس إلى تحت الجدران فقال‏:‏ لا تفروا من رشاش ماء رحمة قطر من سحاب نعمة، ولكن فروا من رشاش نار اقتدح من زناد الغضب‏.‏

توفي وقد جاوز الخمسين بقليل‏.‏

 مسعود السلطان

صاحب العراق وغيرها، حصل له من التمكن والسعادة شيء كثير لم يحصل لغيره، وجرت له خطوب طويلة كما تقدم بعض ذلك، وقد أسر في بعض حروبه الخليفة المسترشد كما تقدم، توفي يوم الأربعاء سلخ جمادى الآخرة منها‏.‏

 يعقوب الخطاط الكاتب

توفي بالنظامية، فجاء ديوان الحشر ليأخذوا ميراثه فمنعهم الفقهاء، فجرت فتنة عظيمة آل الحال إلى عزل المدرس الشيخ أبي النجيب وضربه في الديوان تعزيراً‏.‏

 ثم دخلت سنة ثمان وأربعين وخمسمائة

فيها‏:‏ وقع الحرب بين السلطان سنجر وبين الأتراك، فقتل الأتراك من جيشه خلقاً كثيراً بحيث صارت القتلى مثل التلول العظيمة، وأسروا السلطان سنجر وقتلوا من كان معه من الأمراء صبراً، ولما أحضروه قاموا بين يديه وقبلوا الأرض له، وقالوا‏:‏ نحن عبيدك‏.‏

وكانوا عدة من الأمراء الكبار من مماليكهم، فأقام عندهم شهرين ثم أخذوه وساروا به فدخلوا مرو، وهي كرسي مملكة خراسان، فسأله بعضهم أن يجعلها له إقطاعاً، فقال سنجر هذا‏:‏ لا يمكن، هذه كرسي المملكة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/288‏)‏

فضحكوا منه وضرطوا به، فنزل عن سرير المملكة ودخل خانقاه، وصار فقيراً من جملة أهلها، وتاب عن الملك واستحوذ أولئك الأتراك على البلاد فنهبوها وتركوها قاعاً صفصفاً، وأفسدوا في الأرض فساداً عريضاً، وأقاموا سليمان شاه ملكاً، فلم تطل أيامه حتى عزلوه، وولوا ابن أخت سنجر الخاقان محمود بن كوخان، وتفرقت الأمور واستحوذ كل إنسان منهم على ناحية من تلك المماليك، وصارت الدولة دولاً‏.‏

وفيها‏:‏ كانت حروب كثيرة بين عبد المؤمن وبين العرب ببلاد المغرب‏.‏

وفيها‏:‏ أخذت الفرنج مدينة عسقلان من ساحل غزة‏.‏

وفيها‏:‏ خرج الخليفة إلى واسط في جحفل فأصلح شأنها وعاد إلى بغداد‏.‏

وحج بالناس فيها قيماز الأرجواني‏.‏

وفيها كانت وفاة الشاعرين القرينين الشهيرين في الزمان الأخير‏:‏

بـ الفرزدق وجرير

وهما أبو الحسن أحمد بن منير الجوني بحلب، وأبو عبد الله محمد بن نصر بن صغير القيسراني الحلبي بدمشق، وعلي بن السلار الملقب بالعادل وزير الظافر صاحب مصر، وهو باني المدرسة بالإسكندرية للشافعية للحافظ أبي طاهر السلفي، وقد كان العادل هذا ضد اسمه، كان ظلوماً غشوماً حطوماً، وقد ترجمه ابن خلكان‏.‏

 ثم دخلت سنة تسع وأربعين وخمسمائة

فيها‏:‏ ركب الخليفة المقتفي في جيش كثيف إلى تكريت فحاصر قلعتها، ولقي هناك جمعاً من الأتراك والتركمان، فأظفره الله بهم، ثم عاد إلى بغداد‏.‏

ملك السلطان نور الدين الشهيد بدمشق

وجاءت الأخبار بأن مصر قد قتل خليفتها الظافر، ولم يبق منهم إلا صبي صغير ابن خمس شهور، قد ولوه عليهم ولقبوه الفائز، فكتب الخليفة عهداً إلى نور الدين محمود بن زنكي بالولاية على بلاد الشام والديار المصرية، وأرسله إليها‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/289‏)‏

وفيها‏:‏ هاجت ريح شديدة بعد العشاء فيها نار فخاف الناس أن تكون الساعة، وزلزلت الأرض وتغير ماء دجلة إلى الحمرة، وظهر بأرض واسط بالأرض دم لا يعرف ما سببه، وجاءت الأخبار عن الملك سنجر أنه في أسر الترك، وهو في غاية الذل والإهانة وأنه يبكي على نفسه كل وقت‏.‏

وفيها‏:‏ انتزع نور الدين محمود دمشق من يد ملكها نور الدين أرتق، وذلك لسوء سيرته وضعف دولته، ومحاصرة العامة له في القلعة، مع وزيره مؤيد الدولة علي بن الصوفي، وتغلب الخادم عطاء على المملكة مع ظلمه وغشمه، وكان الناس يدعون ليلاً ونهاراً أن يبدلهم بالملك نور الدين‏.‏

واتفق مع ذلك أن الفرنج أخذوا عسقلان فحزن نور الدين على ذلك، ولا يمكنه الوصول إليهم، لأن دمشق بينه وبينهم، ويخشى أن يحاصروا دمشق فيشق على أهلها، ويخاف أن يرسل مجير الدين إلى الفرنج فيخذلونه كما جرى غير مرة، وذلك أن الفرنج لا يريدون أن يملك نور الدين دمشق فيقوى بها عليهم ولا يطيقونه، فأرسل بين يديه الأمير أسد الدين شيركوه في ألف فارس في صفة طلب الصلح، فلم يلتفت إليه مجير الدين ولا عده شيئاً، ولا خرج إليه أحد من أعيان أهل البلد، فكتب إلى نور الدين بذلك‏.‏

فركب الملك نور الدين في جيشه فنزل عيون الفاسريا من أرض دمشق، ثم انتقل إلى قريب من الباب الشرقي، ففتحها قهراً ودخل من الباب الشرقي بعد حصار عشرة أيام، وكان دخوله في يوم الأحد عاشر صفر من هذه السنة، وتحصن مجير الدين في القلعة فأنزله منها وعوضه مدينة حمص ودخل نور الدين إلى القلعة واستقرت يده على دمشق، ولله الحمد‏.‏

ونادى في البلد بالأمان والبشارة بالخير، ثم وضع عنهم المكوس وقرئت عليهم التواقيع على المنابر، ففرح الناس بذلك وأكثروا الدعاء له، وكتب ملوك الفرنج إليه يهنونه بدمشق ويتقربون إليه ويخضعون له‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 الرئيس مؤيد الدولة

علي بن الصوفي وزير دمشق لمجير الدين، وقد ثار على الملك غير مرة، واستفحل أمره، ثم يقع الصلح بينهما كما تقدم‏.‏

عطاء الخادم

أحد أمراء دمشق، وقد تغلب على الأمور بأمر مجير الدين، وكان ينوب على بعلبك في بعض الأحيان، وقد كان ظالماً غاشماً وهو الذي ينسب إليه مسجد عطاء خارج باب شرقي، والله أعلم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/290‏)‏

 ثم دخلت سنة خمسين وخمسمائة هجرية

فيها‏:‏ خرج الخليفة في تجمل إلى دموقا فحاصرها فخرج إليه أهلها أن يرحل عنهم فإن أهلها قد هلكوا من الجيشين، فأجابهم ورحل عنهم، وعاد إلى بغداد بعد شهرين ونصف، ثم خرج نحو الحلة والكوفة والجيش بين يديه، وقال له سليمان شاه‏:‏ أنا ولي عهد سنجر، فإن قررتني في ذلك وإلا فأنا كأحد الأمراء‏.‏

فوعده خيراً، وكان يحمل الغاشية بين يدي الخليفة على كاهله، فمهد الأمور ووطدها، وسلم على مشهد على إشارة بأصبعه، وكأنه خاف عليه غائلة الروافض أو أن يعتقد في نفسه من القبر شيئاً أو غير ذلك، والله أعلم‏.‏

 فتح بعلبك بيد نور الدين الشهيد

وفيها‏:‏ افتتح نور الدين بعلبك عوداً على بدء وذلك أن نجم الدين أيوب كان نائباً بها على البلد والقلعة فسلمها إلى رجل يقال له‏:‏ الضحاك البقاعي، فاستحوذ عليها وكاتب نجم الدين لنور الدين، ولم يزل نور الدين يتلطف حتى أخذ القلعة أيضاً واستدعى بنجم الدين أيوب إليه إلى دمشق فأقطعه إقطاعاً حسناً، وأكرمه من أجل أخيه أسد الدين، فإنه كانت له اليد الطولى في فتح دمشق، وجعل الأمير شمس الدولة بوران شاه بن نجم الدين شحنة دمشق ثم من بعده جعل أخاه صلاح الدين يوسف هو الشحنة، وجعله من خواصه لا يفارقه حضراً ولا سفراً، لأنه كان حسن الشكل حسن اللعب بالكرة، وكان نور الدين يحب لعب الكرة لتدمين الخيل وتعليمها الكر والفر، وفي شحنة صلاح الدين يوسف يقول عرقلة‏:‏ وهو حسان بن نمير الكلبي الشاعر‏:‏

رويدكم يا لصوص الشام * فإني لكم ناصح في مقالي

فإياكم وسمي النبي يوسف * رب الحجا والكمال

فذاك مقطّع أيدي النساء * وهذا مقطّع أيدي الرجال

وقد ملك أخاه بوران شاه بلاد اليمن فيما بعد ذلك، وكان يلقب شمس الدولة‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 محمد بن ناصر

ابن محمد بن علي الحافظ، أبو الفضل البغدادي‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/291‏)‏

ولد ليلة النصف من شعبان سنة سبع وستين وأربعمائة، وسمع الكثير، وتفرد بمشايخ، وكان حافظاً ضابطاً مكثراً من السنة كثير الذكر سريع الدمعة‏.‏

وقد تخرج به جماعة منهم أبو الفرج بن الجوزي، سمع بقراءته مسند أحمد وغيره من الكتب الكبار، وكان يثني عليه كثيراً، وقد رد على أبي سعد السمعاني في قوله‏:‏ محمد بن ناصر يحب أن يقع في الناس‏.‏

قال ابن الجوزي‏:‏ والكلام في الناس بالجرح والتعديل ليس من هذا القبيل وإنما ابن السمعاني يحب أن يتعصب على أصحاب الإمام أحمد، نعوذ بالله من سوء القصد والتعصب‏.‏

توفي محمد بن ناصر ليلة الثلاثاء الثامن عشر من شعبان منها، عن ثلاث وثمانين سنة، وصلّي عليه مرات، ودفن بباب حرب‏.‏

 مجلي بن جميع أبو المعالي

المخزومي الأرسوفي ثم المصري قاضيها، الفقيه الشافعي، مصنف ‏(‏الذخائر‏)‏ وفيها غرائب كثيرة وهي من الكتب المفيدة‏.‏

 ثم دخلت سنة إحدى وخمسين وخمسمائة

في المحرم دخل السلطان سليمان شاه بن محمد بن ملكشاه إلى بغداد وعلى رأسه الشمسية، فتلقاه الوزير ابن هبيرة وأدخله على الخليفة، فقبل الأرض وحلفه على الطاعة وصفاء النية والمناصحة والمودة، وخلع عليه خلع الملوك، وتقرر أن للخليفة العراق ولسليمان شاه ما يفتحه من خراسان، ثم خطب له ببغداد بعد الملك سنجر، ثم خرج منها في ربيع الأول فاقتتل هو والسلطان محمد بن محمود بن ملكشاه، فهزمه محمد وهزم عسكره، فذهب مهزوماً فتلقاه نائب قطب الدين مودود بن زنكي، صاحب الموصل، فأسره وحبسه بقلعة الموصل، وأكرمه مدة حبسه وخدمه، وهذا من أغرب الاتفاقات‏.‏

وفيها‏:‏ ملكت الفرنج المهدية من بلاد المغرب بعد حصار شديد‏.‏

وفيها‏:‏ فتح نور الدين محمود بن زنكي قلعة تل حارم واقتلعها من أيدي الفرنج، وكانت من أحصن القلاع وأمنع البقاع، وذلك بعد قتال عظيم ووقعة هائلة كانت من أكبر الفتوحات، وامتدحه الشعراء عند ذلك‏.‏

وفيها‏:‏ هرب الملك سنجر من الأسر وعاد إلى ملكه بمرو، وكان له في يد أعدائه نحو من خمس سنين‏.‏

وفيها‏:‏ ولى عبد المؤمن ملك الغرب أولاده على بلاده، استناب كل واحد منهم على بلد كبير وإقليم متسع‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/292‏)‏

 حصار بغداد

وسبب ذلك أن السلطان محمد بن محمود بن ملكشاه أرسل إلى المقتفي يطلب منه أن يخطب له في بغداد، فلم يجبه إلى ذلك، فسار من همذان إلى بغداد ليحاصرها فانجفل الناس وحصن الخليفة البلد، وجاء السلطان محمد فحصر بغداد، ووقف تجاه التاج من دار الخلافة في جحفل عظيم، ورموا نحوه النشاب، وقاتلت العامة مع الخليفة قتالاً شديداً بالنفط وغيره، واستمر القتال مدة، فبينما هم كذلك إذ جاءه الخبر أن أخاه قد خلفه في همذان، فانشمر عن بغداد إليها في ربيع الأول من سنة اثنتين وخمسين، وتفرقت عنه العساكر الذين كانوا معه في البلاد، وأصاب الناس بعد ذلك القتال مرض شديد، وموت ذريع، واحترقت محال كثيرة من بغداد، واستمر ذلك فيها مدة شهرين‏.‏

وفيها‏:‏ أطلق أبو الوليد البدر بن الوزير بن هبيرة من قلعة تكريت، وكان معتقلاً فيها من مدة ثلاث سنين، فتلقاه الناس إلى أثناء الطريق، وامتدحه الشعراء، وكان من جملتهم الأبله الشاعر، أنشد الوزير قصيدة يقول في أولها‏:‏

بأي لسان للوشاة ألام * وقد علموا أني سهرت وناموا ‏؟‏

إلى أن قال‏:‏

ويستكثرون الوصل لي ليلة * وقد مر عام بالصدود وعام

فطرب الوزير عند ذلك، وخلع عليه ثيابه وأطلق له خمسين ديناراً‏.‏

وحج بالناس قيماز‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 علي بن الحسين

أبو الحسن الغزنوي الواعظ، كان له قبول كثير من العامة، وبنت له الخاتون زوجة المستظهر رباطاً بباب الأزج، ووقفت عليه أوقافاً كثيرة، وحصل له جاه عريض وزاره السلطان، وكان حسن الإيراد مليح الوعظ، يحضر مجلسه خلق كثير وجم غفير من أصناف الناس‏.‏

وقد ذكر ابن الجوزي أشياء من وعظه، قال‏:‏ وسمعته يوماً يقول‏:‏ حزمة حزن خير من أعدال أعمال‏.‏

ثم أنشد‏:‏

كم حسرة لي في الحشا * من ولد إذا نشا

أملت فيه رشده * فما يشاء كما نشا

قال‏:‏ وسمعته يوماً ينشد‏:‏

يحسدني قومي على صنعتي * لأنني في صنعتي فارس

سهرت في ليلي واستنعسوا * وهل يستوي الساهر والناعس ‏؟‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 12/293‏)‏

قال‏:‏ وكان يقول‏:‏ تولون اليهود والنصارى فيسبون نبيكم في يوم عيدكم، ثم يصبحون يجلسون إلى جانبكم ‏؟‏

ثم يقول‏:‏ ألا هل بلغتُ ‏؟‏

قال‏:‏ وكان يتشيع، ثم سعى في منعه من الوعظ ثم أذن له، ولكن ظهر للناس أمر العبادي، وكان كثير من الناس يميلون إليه، وقد كان السلطان يعظمه ويحضر مجلسه، فلما مات السلطان مسعود ولي الغزنوي بعده، وأهين إهانة بالغة، فمرض ومات في هذه السنة‏.‏

قال ابن الجوزي‏:‏ وبلغني أنه كان يعرق في نزعه ثم يفيق وهو يقول‏:‏ رضىً وتسليم، ولما مات دفن في رباطه الذي كان فيه‏.‏

 محمود بن إسماعيل بن قادوس

أبو الفتح الدمياطي، كاتب الإنشا بالديار المصرية، وهو شيخ القاضي الفاضل، كان يسميه ذا البلاغتين، وذكره العماد الكاتب في الجريدة‏.‏

ومن شعره فيمن يكرر التكبير ويوسوس في نية الصلاة في أولها‏:‏

وفاتر النية عنينها * مع كثرة الرعدة والهمزة

يكبر التسعين في مرة * كأنه يصلي على حمزة

 الشيخ أبو البيان

بنا بن محمد المعروف بابن الحوراني، الفقيه الزاهد العابد الفاضل الخاشع، قرأ القرآن وكتاب ‏(‏التنبيه‏)‏ على مذهب الشافعي، وكان حسن المعرفة باللغة، كثير المطالعة، وله كلام يؤثر عنه، ورأيت له كتاباً بخطه فيه النظائم التي يقولها أصحابه وأتباعه بلهجة غريبة، وقد كان من نشأته إلى أن توفي على طريقة صالحة، وقد زاره الملك نور الدين محمود في رباطه داخل درب الحجر، ووقف عليه شيئاً، وكانت وفاته يوم الثلاثاء ثالث ربيع الأول من هذه السنة، ودفن بمقابر الباب الصغير، وكان يوم جنازته يوماً مشهوداً، وقد ذكرته في ‏(‏طبقات الشافعية‏)‏، رحمه الله‏.‏

 عبد الغافر بن إسماعيل

ابن عبد القادر بن محمد بن عبد الغافر بن أحمد بن سعيد، الفارسي الحافظ، تفقه بإمام الحرمين وسمع الكثير على جده لأمه أبي القاسم القشيري، ورحل إلى البلاد وأسمع، وصنف ‏(‏المفهم‏)‏ في غريب مسلم وغيره، وولي خطابة نيسابور، وكان فاضلاً ديناً حافظاً‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/294‏)‏

 ثم دخلت سنة ثنتين وخمسين وخمسمائة

استهلت هذه السنة ومحمد شاه بن محمود محاصر بغداد والعامة والجند من جهة الخليفة المقتفي يقاتلون أشد القتال، والجمعة لا تقام لعذر القتال، والفتنة منتشرة، ثم يسر الله بذهاب السلطان، كما تقدم في السنة التي قبلها، وقد بسط ذلك ابن الجوزي في هذه السنة فطول‏.‏

وفيها‏:‏ كانت زلزلة عظيمة بالشام، هلك بسببها خلق كثير لا يعلمهم إلا الله، وتهدم أكثر حلب وحماه وشيزر وحمص وكفر طاب وحصن الأكراد واللاذقية والمعرة وفامية وإنطاكية وطرابلس‏.‏

قال ابن الجوزي‏:‏ وأما شيزر فلم يسلم منها إلا امرأة وخادم لها، وهلك الباقون، وأما كفر طاب فلم يسلم من أهلها أحد، وأما فامية فساحت قلعتها، وتل حران انقسم نصفين فأبدى نواويس وبيوتاً كثيرة في وسطه‏.‏

قال‏:‏ وهلك من مدائن الفرنج شيء كثير، وتهدم أسوار أكثر مدن الشام، حتى أن مكتباً من مدينة حماه انهدم على من فيه من الصغار فهلكوا عن آخرهم، فلم يأت أحد يسأل عن أحد منهم، وقد ذكر هذا الفصل الشيخ أبو شامة في كتاب ‏(‏الروضتين‏)‏ مستقصى، وذكر ما قاله الشعراء من القصائد في ذلك‏.‏

وفيها‏:‏ ملك السلطان محمود بن محمد بعد خاله سنجر جميع بلاده‏.‏

وفيها‏:‏ فتح السلطان محمود بن زنكي حصن شيزر بعد حصار، وأخذ مدينة بعلبك، وكان بها الضحاك البقاعي، وقد قيل‏:‏ إن ذلك كان في سنة خمسين كما تقدم فالله أعلم، وقد تقدم ذلك‏.‏

وفيها‏:‏ مرض نور الدين فمرض الشام بمرضه ثم عوفي ففرح المسلمون فرحاً شديداً، واستولى أخوه قطب الدين مودود صاحب الموصل على جزيرة ابن عمر‏.‏

وفيها‏:‏ عمل الخليفة باباً للكعبة مصفحاً بالذهب، وأخذ بابها الأول فجعله لنفسه تابوتاً‏.‏

وفيها‏:‏ أغارت الإسماعيلية على حجاج خراسان فلم يبقوا منهم أحداً، لا زاهداً ولا عالماً‏.‏

وفيها‏:‏ كان غلاء شديد بخراسان حتى أكلوا الحشرات، وذبح إنسان منهم رجلاً علوياً فطبخه وباعه في السوق، فحين ظهر عليه قتل‏.‏

وذكر أبو شامة‏:‏ أن فتح بانياس كان في هذه السنة على يد نور الدين بنفسه، وقد كان معين الدين سلمها إلى الفرنج حين حاصروا دمشق، فعوضهم بها، وقيل‏:‏ ملكها وغنم شيئاً كثيراً‏.‏

وفيها‏:‏ قدم الشيخ أبو الوقت عبد الأول بن عيسى بن شعيب السجزي، فسمعوا عليه البخاري في دار الوزير ببغداد‏.‏

وحج بالناس قيماز‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/295‏)‏

 من الأعيان‏:‏

 أحمد بن محمد

ابن عمر بن محمد بن أحمد بن إسماعيل، أبو الليث النسفي من أهل سمرقند، سمع الحديث وتفقه ووعظ، وكان حسن السمت، قدم بغداد فوعظ الناس، ثم عاد إلى بلده فقتله قطاع الطريق، رحمه الله تعالى‏.‏

 أحمد بن بختيار

ابن علي بن محمد، أبو العباس المارداني الواسطي قاضيها، سمع الحديث وكانت له معرفة تامة في الأدب واللغة، وصنف كتباً في التاريخ وغير ذلك، وكان ثقة صدوقاً توفي ببغداد وصلي عليه بالنظامية‏.‏

 السلطان سنجر

ابن الملك شاه بن ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق، أبو الحارث واسمه أحمد، ولقب بسنجر، مولده في رجب سنة تسع وسبعين وأربعمائة، وأقام في الملك نيفاً وستين سنة، من ذلك استقلالاً إحدى وأربعين سنة، وقد أسره الغز نحواً من خمس سنين، ثم هرب منهم وعاد إلى ملكه بمرو، ثم توفي في ربيع الأول من هذه السنة ودفن في قبة بناها سماها دار الآخرة، رحمه الله‏.‏

 محمد بن عبد اللطيف

ابن محمد بن ثابت، أبو بكر الخجندي الفقيه الشافعي، ولي تدريس النظامية ببغداد، وكان يناظر حسناً ويعظ الناس وحوله السيوف مسللة‏.‏

قال ابن الجوزي‏:‏ ولم يكن ماهراً في الوعظ، وكانت حاله أشبه بالوزراء من العلماء، وتقدم عند السلاطين حتى كانوا يصدرون عن رأيه، توفي بأصبهان فجأة فيها‏.‏

 محمد بن المبارك

ابن محمد بن الخل أبو الحسن بن أبي البقاء، سمع الحديث وتفقه على الشاشي، ودرس وأفتى، وتوفي في محرم هذه السنة، وتوفي أخوه الشيخ أبوالحسين بن الخل الشاعر في ذي القعدة منها‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/296‏)‏

 يحيى بن عيسى

ابن إدريس أبو البركات الأنباري الواعظ، قرأ القرآن وسمع الحديث وتفقه ووعظ الناس على طريقة الصالحين، وكان يبكي من أول صعوده إلى حين نزوله، وكان زاهداً عابداً ورعاً آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، ورزق أولاداً صالحين سماهم بأسماء الخلفاء الأربعة، أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وحفظهم القرآن كلهم بنفسه، وختم خلقاً كثيراً، وكان هو وزوجته يصومان الدهر، ويقومان الليل، ولا يفطران إلا بعد العشاء، وكانت له كرامات ومنامات صالحة، ولما مات قالت زوجته‏:‏ اللهم لا تحيني بعده‏.‏

فماتت بعده بخمسة عشر يوماً، وكانت من الصالحات، رحمهما الله تعالى‏.‏

 ثم دخلت سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة

فيها‏:‏ كثر فساد التركمان من أصحاب ابن برجم الإيواني، فجهز إليهم الخليفة منكورس المسترشدي في جيش كثيف، فالتقوا معهم فهزمهم أقبح هزيمة، وجاؤوا بالأسارى والرؤوس إلى بغداد‏.‏

وفيها‏:‏ كانت وقعة عظيمة بين السلطان محمود وبين الغز، فكسروه ونهبوا البلاد، وأقاموا بمرو ثم طلبوه إليهم فخاف على نفسه فأرسل ولده بين يديه فأكرموه، ثم قدم السلطان عليهم فاجتمعوا عليه وعظموه‏.‏

وفيها‏:‏ وقعت فتنة كبيرة بمرو بين فقيه الشافعية المؤيد بن الحسين، وبين نقيب العلويين بها أبي القاسم زيد بن الحسن، فقتل منهم خلق كثير، وأحرقت المدارس والمساجد والأسواق، وانهزم المؤيد الشافعي إلى بعض القلاع‏.‏

وفيها‏:‏ ولد الناصر لدين الله أبو العباس أحمد بن المستضيء بأمر الله‏.‏

وفيها‏:‏ خرج المقتفي نحو الأنبار متصيداً وعبر الفرات وزار الحسين ومضى إلى واسط وعاد إلى بغداد، ولم يكن معه الوزير‏.‏

وحج بالناس فيها قيماز الأرجواني‏.‏

وفيها‏:‏ كسر جيش مصر الفرنج بأرض عسقلان كسروهم كسرة فجيعة صحبة الملك صالح أبو الغارات، فارس الدين طلائع بن رزيك، وامتدحه الشعراء‏.‏

وفيها‏:‏ قدم الملك نور الدين من حلب إلى دمشق وقد شفي من المرض ففرح به المسلمون، وخرج إلى قتال الفرنج، فانهزم جيشه وبقي هو في شرذمة قليلة من أصحابه في نحر العدو، فرموهم بالسهام الكثيرة، ثم خاف الفرنج أن يكون وقوفه في هذه الشرذمة القليلة خديعة لمجيء كمين إليهم، ففروا منهزمين، ولله الحمد‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/297‏)‏

 من الأعيان‏:‏

 عبد الأول بن عيسى

ابن شعيب بن إبراهيم بن إسحاق، أبو الوقت السجزي الصوفي الهروي، راوي البخاري ومسند الدارمي، والمنتخب من مسند عبد بن حميد، قدم بغداد فسمع عليه الناس هذه الكتب، وكان من خيار المشايخ وأحسنهم سمتاً وأصبرهم على قراءة الحديث‏.‏

قال ابن الجوزي‏:‏ أخبرني أبو عبد الله محمد بن الحسين التكريتي الصوفي قال‏:‏ أسندته إليّ فمات، وكان آخر ما تكلم به أن قال‏:‏ ‏{‏يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ‏}‏ ‏[‏يس‏:‏ 26-27‏]‏‏.‏

 نصر بن منصور

ابن الحسين بن أحمد بن عبد الخالق العطار، أبو القاسم الحراني كان كثير المال، يعمل من صدقاته المعروف الكثير من أنواع القربات الحسنة، ويكثر تلاوة القرآن، ويحافظ على الصلوات في الجماعة، ورُؤيت له منامات صالحة، وقارب الثمانين، رحمه الله‏.‏

 يحيى بن سلامة

ابن الحسين أبو الفضل الشافعي، الحصكفي نسبة إلى حصن كيف، كان إماماً في علوم كثيرة من الفقه والآداب، ناظماً ناثراً، غير أنه كان ينسب إلى الغلو في التشيع، وقد أورد له ابن الجوزي قطعة من نظمه، فمن ذلك قوله في جملة قصيدة له‏:‏

تقاسموا يوم الوداع كبدي * فليس لي منذ تولوا كبد

على الجفون رحلوا في الحشاء * نزلوا وماء عيني وردوا

وأدمعي مسفوحة وكبدي * مقروحة وعلتي ما قد بدوا

وصبوتي دائمة ومقلتي * دامية ونومها مشرد

تيّمني منهم غزال أغيد * يا حبذا ذاك الغزال الأغيد

حسامه مجرد وصرحه * ممرد وخده مورّد

وصدغه فوق احمرار خده * مبلبل معقرب مجعد

كأنما نكهته وريقه * مسك وخمر والثنايا بَرَد

يقعده عند القيام ردفه * وفي الحشا منه المقيم المقعد

له قوام كقضيب بانة * يهتز قصداً ليس فيه أود

‏(‏ج/ص‏:‏ 12/298‏)‏

وهي طويلة جداً، ثم خرج من هذا التغزل إلى مدح أهل البيت والأئمة الاثني عشر، رحمهم الله‏:‏

وسائلي عن حب أهل البيت * هل أقر إعلاناً به أم أجحد

هيهات ممزوج بلحمي ودمي * حبهم هو الهدى والرشد

حيدرة والحسنان بعده * ثم علي وابنه محمد

وجعفر الصادق وابن جعفر * موسى ويتلوه علي السيد

أعني الرضى ثم ابنه محمد * ثم علي وابنه المسدد

والحسن الثاني ويتلو تلوه * محمد بن الحسن المفتقد

فإنهم أئمتي وسادتي * وإن لحاني معشر وفندوا

أئمة أكرم بهم أئمة * أسماؤهم مسرودة تطرد

هم حجج الله على عباده * وهم إليه منهج ومقصد

قوم لهم فضل ومجد باذخ * يعرفه المشرك والموحد

قوم لهم في كل أرض مشهد * لا بل لهم في كل قلب مشهد

قوم مني والمعشران لهم * والمروتان لهم والمسجد

قوم لهم مكة والأبطح والخـ * ـيف وجمع والبقيع الغرقد

ثم ذكر بلطف مقتل الحسين بألطف عبارة إلى أن قال‏:‏

يا أهل بيت المصطفى يا * عدتي ومن على حبهم أعتمد

أنتم إلى الله غداً وسيلتي * وكيف أخشى وبكم أعتضد

وليكم في الخلد حي خالد * والضد في نار لظى مخلد

ولست أهواكم ببغض غيركم * إني إذاً أشقى بكم لا أسعد

فلا يظن رافضي أنني * وافقته أو خارجي مفسد

محمد والخلفاء بعده * أفضل خلق الله فيما أجد

هم أسسوا قواعد الدين لنا * وهم بنوا أركانه وشيدوا

ومن يخن أحمد في أصحابه * فخصمه يوم المعاد أحمد

هذا اعتقادي فالزموه تفلحوا * هذا طريقي فاسلكوه تهتدوا

والشافعي مذهبي مذهبه * لأنه في قوله مؤيد

اتبعته في الأصل والفرع معاً * فليتبعني الطالب المرشد

إني بإذن الله ناج سابق * إذا ونى الظالم ثم المفسد

ومن شعره أيضاً‏:‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/299‏)‏

إذا قل مالي لم تجدني جازعاً * كثير الأسى معرى بعض الأنامل

ولا بطراً إن جدد الله نعمة * ولو أن ما أوتي جميع الناس لي

 ثم دخلت سنة أربع وخمسين وخمسمائة

مرض الخليفة المقتفي مرضاً شديداً، ثم عوفي فزينت بغداد أياماً، وتصدق بصدقات كثيرة‏.‏

وفيها‏:‏ استعاد عبد المؤمن مدينة المهدية من أيدي الفرنج، وقد كانوا أخذوها من المسلمين في سنة ثلاث وأربعين‏.‏

وفيها‏:‏ قاتل عبد المؤمن خلقاً كثيراً من الغرب حتى صارت عظام القتلى هناك كالتل العظيم‏.‏

وفي صفر منها سقط برد بالعراق كبار، زنة البردة قريب من خمسة أرطال، ومنها ما هو تسعة أرطال بالبغدادي، فهلك بذلك شيء كثير من الغلات، وخرج الخليفة إلى واسط فاجتاز بسوقها ورأى جامعها، وسقط عن فرسه فشج جبينه، ثم عوفي‏.‏

وفي ربيع الآخر زادت دجلة زيادة عظيمة، فغرق بسبب ذلك محال كثيرة من بغداد، حتى صار أكثر الدور بها تلولاً، وغرقت تربة أحمد، وخسفت هناك القبور، وطفت الموتى على وجه الماء‏.‏

قاله ابن الجوزي‏:‏ وفي هذه السنة كثر المرض والموت‏.‏

وفيها‏:‏ أقبل ملك الروم في جحافل كثيرة قاصداً بلاد الشام فرده الله خائباً خاسئاً، وذلك لضيق حالهم من الميرة، وأسر المسلمون ابن أخته، ولله الحمد‏.‏

وحج بالناس فيها قيماز الأرجواني‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 أحمد بن معالي

ابن بركة الحربي، تفقه بأبي الخطاب الكلوذاني الحنبلي، وبرع وناظر ودرس وأفتى، ثم صار بعد ذلك شافعياً، ثم عاد حنبلياً، ووعظ ببغداد وتوفي في هذه السنة، وذلك أنه دخلت به راحلته في مكان ضيق فدخل قربوس سرجه في صدره فمات‏.‏

السلطان محمد بن محمود بن محمد بن ملكشاه

لما رجع من محاصرة بغداد إلى همذان أصابه مرض السل فلم ينجح منه، بل توفي في ذي الحجة منها، وقبل وفاته بأيام أمر أن يعرض عليه جميع ما يملكه ويقدر عليه، وهو جالس في المنظرة، فركب الجيش بكماله وأحضرت أمواله كلها، ومماليكه حتى جواريه وحظاياه، فجعل يبكي ويقول‏:‏ هذه العساكر لا يدفعون عني مثقال ذرة من أمر ربي، ولا يزيدون في عمري لحظة‏.‏

ثم ندم وتأسف على ما كان منه إلى الخليفة المقتفي، وأهل بغداد وحصارهم وأذيتهم، ثم قال‏:‏ وهذه الخزائن والأموال والجواهر لو قبلهم ملك الموت مني فداء لجدت بذلك جميعه له، وهذه الحظايا والجواري الحسان والمماليك لو قبلهم فداء مني لكنت بذلك سمحاً له‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/300‏)‏

ثم قال‏:‏ ‏{‏مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ‏}‏ ‏[‏الحاقة‏:‏ 28-29‏]‏ ثم فرق شيئاً كثيراً من ذلك من تلك الحواصل والأموال، وتوفي عن ولد صغير، واجتمعت العساكر والأمراء على عمه سليمان شاه بن محمد بن ملكشاه، وكان مسجوناً بالموصل فأفرج عنه وانعقدت له السلطنة، وخطب له على منابر تلك البلاد سوى بغداد والعراق، والله سبحانه أعلم‏.‏

 ثم دخلت سنة خمس وخمسين وخمسمائة

فيها‏:‏ كانت وفاة الخليفة المقتفي بأمر الله‏.‏

أبو عبد الله محمد بن المستظهر بالله

مرض بالتراقي وقيل‏:‏ بدمل خرج بحلقه، فمات ليلة الأحد ثاني ربيع الأول منها عن ست وستين سنة إلا ثمانية وعشرين يوماً، ودفن بدار الخلافة، ثم نقل إلى الترب، وكانت خلافته أربعاً وعشرين سنة وثلاثة أشهر وستة وعشرين يوماً، وكان شهماً شجاعاً مقداماً، يباشر الأمور بنفسه، ويشاهد الحروب ويبذل الأموال الكثيرة لأصحاب الأخبار، وهو أول من استبد بالعراق منفرداً عن السلطان، من أول أيام الديلم إلى أيامه، وتمكن في الخلافة وحكم على العسكر والأمراء‏.‏

وقد وافق أباه في أشياء‏:‏ من ذلك مرضه بالتراقي، وموته في ربيع الأول، وتقدم موت السلطان محمد شاه قبله بثلاثة أشهر، وكذلك أبوه المستظهر مات قبله السلطان محمود بثلاثة أشهر وبعد غرق بغداد بسنة مات أبوه، وكذلك هذا‏.‏

قال عفيف الناسخ‏:‏ رأيت في المنام قائلاً يقول‏:‏ إذا اجتمعت ثلاث خاآت مات المقتفي يعني‏:‏ خمساً وخمسين وخمسمائة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/301‏)‏

خلافة المستنجد بالله أبو المظفر يوسف بن المقتفي

لما توفي أبوه كما ذكرنا بويع بالخلافة في صبيحة يوم الأحد ثاني ربيع الأول من هذه السنة، بايعه أشراف بني العباس، ثم الوزير والقضاة والعلماء والأمراء وعمره يومئذ خمس وأربعون سنة، وكان رجلاً صالحاً، وكان ولي عهد أبيه من مدة متطاولة، ثم عمل عزاء أبيه، ولما ذكر اسمه يوم الجمعة في الخطبة نثرت الدراهم والدنانير على الناس، وفرح المسلمون به بعد أبيه، وأقر الوزير ابن هبيرة على منصبه ووعده بذلك إلى الممات، وعزل قاضي القضاة ابن الدامغاني وولى مكانه أبا جعفر بن عبد الواحد، وكان شيخاً كبيراً، له سماع بالحديث، وباشر الحكم بالكوفة، ثم توفي في ذي الحجة منها‏.‏

وفي شوال من هذه السنة اتفق الأتراك بباب همذان على سليمان شاه، وخطبوا لأرسلان شاه بن طغرل‏.‏

 وفيها توفي‏:‏

 الفائز خليفة مصر الفاطمي

وهو أبو القاسم عيسى بن إسماعيل الظافر، توفي في صفر منها وعمره يومئذ إحدى عشرة سنة، ومدة ولايته من ذلك ست سنين وشهران، وكان مدبر دولته أبو الغارات، ثم قام بعده العاضد آخر خلفائهم، وهو أبو محمد عبد الله بن يوسف بن الحافظ، ولم يكن أبوه خليفة، وكان يومئذ قد ناهز الاحتلام، فقام بتدبير مملكته الملك الصالح طلائع بن رزيك الوزير، أخذ له البيعة وزوجه بابنته، وجهزها بجهاز عظيم يعجز عنه الوصف، وقد عمرت بعد زوجها العاضد ورأت زوال دولة الفاطميين على يد الملك صلاح الدين بن يوسف، في سنة أربع وستين كما سيأتي‏.‏

وفيها كانت وفاة السلطان الكبير صاحب غزنة

 خسروشاه بن ملكشاه

ابن بهرام شاه بن مسعود بن إبراهيم بن محمود بن سبكتكين، من بيت ملك ورياسة باذخة، يرثونها كابراً عن كابر، وكان من سادات الملوك وأحسنهم سيرة، يحب العلم وأهله، توفي في رجب منها، وقام بعده ولده ملكشاه، فسار إليه علاء الدين الحسين بن الغور فحاصر غزنة فلم يقدر عليها ورجع خائباً‏.‏

وفيها مات‏:‏

 ملكشاه بن السلطان محمود بن محمد بن ملكشاه

السلجوقي بأصبهان مسموماً، فيقال‏:‏ إن الوزير عون الدين بن هبيرة دس إليه من سقاه إياه، والله أعلم‏.‏

وفيها مات‏:‏ أمير الحاج

 قيماز بن عبد الله الأرجواني

سقط عن فرسه وهو يلعب بالكرة بميدان الخليفة، فسال دماغه من أذنه فمات من ساعته، وقد كان من خيار الأمراء، فتأسف الناس عليه، وحضر جنازته خلق كثير، مات في شعبان منها، فحج بالناس فيها الأمير برغش مقطع الكوفة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/302‏)‏

وحج الأمير الكبير شيركوه بن شاذي، مقدم عساكر الملك نور الدين، وتصدق بأموال كثيرة‏.‏

وفيها‏:‏ استعفى القاضي زكي الدين أبو الحسن علي بن محمد بن يحيى أبو الحسن القرشي من القضاء بدمشق، فأعفاه نور الدين، وولى مكانه القاضي كمال الدين محمد بن عبد الله الشهرزوري، وكان من خيار القضاة وأكثرهم صدقة، وله صدقات جارية بعده، وكان عالماً وإليه ينسب الشباك الكمالي الذي يجلس فيه الحكام بعد صلاة الجمعة من المشهد الغربي بالجامع الأموي، والله أعلم‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 الأمير مجاهد الدين

نزار بن مامين الكردي، أحد مقدمي جيش الشام، قبل نور الدين وبعده، وقد ناب في مدينة صرخد، وكان شهماً شجاعاً كثير البر والصدقات، وهو واقف المدرسة المجاهدية بالقرب من الغورية جوار الخيميين، وله أيضاً المدرسة المجاهدية داخل باب الفراديس البراني، وبها قبره‏.‏

وله السبع المجاهدي داخل باب الزيادة من الجامع بمقصورة الخضر، توفي بداره في صفر منها، فحمل إلى الجامع وصلي عليه ثم أعيد إلى مدرسته ودفن بها داخل باب الفراديس، وتأسف الناس عليه‏.‏

 الشيخ عدي بن مسافر

ابن إسماعيل بن موسى بن مروان بن الحسن بن مروان الهكاري، شيخ الطائفة العدوية، أصله من البقاع غربي دمشق، من قرية بيت نار، ثم دخل إلى بغداد فاجتمع فيها بالشيخ عبد القادر والشيخ حماد الدباس، والشيخ عقيل المنبجي، وأبي الوفا الحلواني، وأبي النجيب السهروردي وغيرهم، ثم انفرد عن الناس وتخلى بجبل هكار وبنى له هناك زاوية واعتقده أهل تلك الناحية اعتقاداً بليغاً، حتى إن منهم من يغلو غلواً كثيراً منكراً ومنهم من يجعله إلهاً أو شريكاً، وهذا اعتقاد فاحش يؤدي إلى الخروج من الدين جملة‏.‏

مات في هذه السنة بزاويته وله سبعون سنة، رحمه الله‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/303‏)‏

 عبد الواحد بن أحمد

ابن محمد بن حمزة، أبو جعفر الثقفي، قاضي قضاة بغداد، وليها بعد أبي الحسن الدامغاني في أول هذه السنة، وكان قاضياً بالكوفة قبل ذلك، توفي في ذي الحجة منها وقد ناهز الثمانين، وولي بعده ابنه جعفر‏.‏

والفائز صاحب مصر، وقيماز تقدما في الحوادث‏.‏

 محمد بن يحيى

ابن علي بن مسلم أبو عبد الله الزبيدي، ولد بمدينة زبيد باليمن سنة ثمانين تقريباً، وقدم بغداد سنة تسع وخمسمائة، فوعظ وكانت له معرفة بالنحو والأدب، وكان صبوراً على الفقر لا يشكو حاله إلى أحد، وكانت له أحوال صالحة رحمه الله، والله سبحانه أعلم‏.‏

 ثم دخلت سنة ست وخمسين وخمسمائة

فيها‏:‏ قتل السلطان سليمان شاه بن محمد بن ملكشاه، وكان عنده استهزاء وقلة مبالاة بالدين، مدمن شرب الخمر في رمضان، فثار عليه مدبر مملكته يزديار الخادم فقتله، وبايع بعده السلطان أرسلان شاه بن طغرل بن محمد بن ملكشاه‏.‏

وفيها‏:‏ قتل الملك الصالح فارس الدين أبو الغارات طلائع بن رزيك الأرمني، وزير العاضد صاحب مصر، ووالد زوجته، وكان قد حجر على العاضد لصغره واستحوذ على الأمور والحاشية، ووزر بعده ولده رزيك، ولقب بالعادل‏.‏

وقد كان أبوه الصالح كريماً أديباً، يحب أهل العلم ويحسن إليهم، كان من خيار الملوك والوزراء، وقد امتدحه غير واحد من الشعراء‏.‏

قال ابن خلكان‏:‏ كان أولاً متولياً بمنية بني الخصيب، ثم آل به الحال إلى أن صار وزير العاضد والفائز قبله، ثم قام في الوزارة بعده ولده العادل رزيك بن طلائع، فلم يزل فيها حتى انتزعها منه شاور كما سيأتي‏.‏

قال‏:‏ والصالح هذا هو باني الجامع عند باب زويلة ظاهر القاهرة‏.‏

قال‏:‏ ومن العجائب أنه ولي الوزارة في تاسع عشر شهر، ونقل من دار الوزارة إلى القرافة في تاسع عشر شهر، وزالت دولتهم في تاسع عشر شهر آخر‏.‏

قال‏:‏ ومن شعره ما رواه عنه زين الدين علي بن نجا الحنبلي‏:‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/304‏)‏

مشيبك قد محى صنع الشباب * وحل الباز في وكر الغراب

تنام ومقلة الحدثان يقظى * وما ناب النوائب عنك ناب

وكيف نفاد عمرك وهو كنز * وقد أنفقت منه بلا حساب

وله‏:‏

كم ذا يرينا الدهر من أحداثه * عبراً وفينا الصد والإعراض

ننسى الممات وليس يجري ذكره * فينا فتذكرنا به الأمراض

ومن شعره أيضاً قوله‏:‏

أبى الله إلا أن يدوم لنا الدهر * ويخدمنا في ملكنا العز والنصر

علمنا بأن المال تفنى ألوفه * ويبقى لنا من بعده الأجر والذكر

خلطنا الندى بالبأس حتى كأننا * سحاب لديه البرق والرعد والقطر

وله أيضاً وهو مما نظمه قبل موته بثلاث ليال‏:‏

نحن في غفلة ونوم وللمو * ت عيون يقظانة لا تنام

قد رحلنا إلى الحمام سنيناً * ليت شعري متى يكون الحمام ‏؟‏

ثم قتله غلمان العاضد في النهار غيلة وله إحدى وستون سنة، وخلع على ولده العادل بالوزارة، ورثاه عمارة التميمي بقصائد حسان، ولما نقل إلى تربته بالقرافة سار العاضد معه حتى وصل إلى قبره فدفنه في التابوت‏.‏

قال ابن خلكان‏:‏ فعمل الفقيه عمارة في التابوت قصيدة فجار فيها في قوله‏:‏

وكأنه تابوت موسى أودعت * في جانبيه سكينة ووقار

وفيها‏:‏ كانت وقعة عظيمة بين بني خفاجة وأهل الكوفة، فقتلوا من أهل الكوفة خلقاً، منهم الأمير قيصر وجرحوا أمير الحاج برغش جراحات، فنهض إليهم وزير الخلافة عون الدين بن هبيرة، فتبعهم حتى أوغل خلفهم في البرية في جيش كثيف، فبعثوا يطلبون العفو‏.‏

وفيها‏:‏ ولي مكة الشريف عيسى بن قاسم بن أبي هاشم، وقيل‏:‏ قاسم بن أبي فليتة بن قاسم بن أبي هاشم‏.‏

وفيها‏:‏ أمر الخليفة بإزالة الدكاكين التي تضيق الطرقات، وأن لا يجلس أحد من الباعة في عرض الطريق، لئلا يضر ذلك بالمارة‏.‏

وفيها‏:‏ وقع رخص عظيم ببغداد جداً‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/305‏)‏

وفيها‏:‏ فتحت المدرسة التي بناها ابن الشمحل في المأمونية، ودرس فيها أبو حكيم إبراهيم بن دينار النهرواني الحنبلي، وقد توفي من آخر هذه السنة، ودرس بعده فيها أبو الفرج بن الجوزي، وقد كان عنده معيداً، ونزل عن تدريس آخر بباب الأزج عند موته‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 حمزة بن علي بن طلحة

أبو الفتوح الحاجب، كان خصيصاً عند المسترشد والمقتفي، وقد بنى مدرسة إلى جانب داره، وحج فرجع متزهداً، ولزم بيته معظماً نحواً من عشرين سنة، وقد امتدحه الشعراء فقال فيه بعضهم‏:‏

يا عضد الإسلام يا من سمت * إلى العلا همته الفاخرة

كانت لك الدنيا فلم ترضها * ملكاً فأخلدت إلى الآخرة

 ثم دخلت سنة سبع وخمسين وخمسمائة

فيها‏:‏ دخلت الكرج بلاد المسلمين فقتلوا خلقاً من الرجال وأسروا من الذراري، فاجتمع ملوك تلك الناحية‏:‏ ايلدكز صاحب أذربيجان، وابن سكمان صاحب خلاط، وابن آقسنقر صاحب مراغة، وساروا إلى بلادهم في السنة الآتية فنهبوها، وأسروا ذراريهم، والتقوا معهم فكسروهم كسرة فظيعة منكرة، مكثوا يقتلون فيهم ويأسرون ثلاثة أيام‏.‏

وفي رجب أعيد يوسف الدمشقي إلى تدريس النظامية بعد عزل ابن نظام الملك بسبب أن امرأة ادعت أنه تزوجها فأنكر ثم اعترف، فعزل عن التدريس‏.‏

وفيها‏:‏ كملت المدرسة التي بناها الوزير ابن هبيرة بباب البصرة، ورتب فيها مدرساً وفقيهاً‏.‏

وحج بالناس أمير الكوفة برغش‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 شجاع شيخ الحنفية

ودفن عند المشهد، وكان شيخ الحنفية بمشهد أبي حنيفة، وكان جيد الكلام في النظر، أخذ عنه الحنفية‏.‏

 صدقة بن وزير الواعظ

دخل بغداد ووعظ بها وأظهر تقشفاً، وكان يميل إلى التشيع وعلم الكلام، ومع هذا كله راج عند العوام وبعض الأمراء، وحصل له فتوح كثير، ابتنى منه رباطاً ودفن فيه، سامحه الله تعالى‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/306‏)‏

 زمرد خاتون

بنت جاولي أخت الملك دقماق بن تتش لأمه، وهي بانية الخاتونية ظاهر دمشق عند قرية صنعاء بمكان يقال له‏:‏ تل الثعالب، غربي دمشق، على جانب الشرق القبلي بصنعاء الشام، وهي قرية معروفة قديماً، وأوقفتها على الشيخ برهان الدين علي بن محمد البلخي الحنفي المتقدم ذكره‏.‏

وكانت زوجة الملك بوري بن طغتكين، فولدت له ابنيه شمس الملوك إسماعيل المذكور، وقد ملك بعد أبيه وسار سيرته، ومالأ الفرنج على المسلمين وهم بتسليم البلد والأموال إليهم فقتلوه، وتملك أخوه وذلك بعد مراجعتها ومساعدتها، وقد كانت قرأت القرآن، وسمعت الحديث، وكانت حنفية المذهب تحب العلماء والصالحين، وقد تزوجها الأتابكي زنكي صاحب حلب طمعاً في أن يأخذ بسببها دمشق فلم يظفر بذلك، بل ذهبت إليه إلى حلب ثم عادت إلى دمشق بعد وفاته، وقد دخلت بغداد وسارت من هناك إلى الحجاز، وجاورت بمكة سنة، ثم جاءت فأقامت بالمدينة النبوية حتى ماتت بها ودفنت بالبقيع في هذه السنة، وقد كانت كثيرة البر والصدقات والصلاة والصوم‏.‏

قال السبط‏:‏ ولم تمت حتى قل ما بيدها، وكانت تغربل القمح والشعير وتتقوت بأجرته، وهذا من تمام الخير والسعادة وحسن الخاتمة، رحمها الله تعالى، والله أعلم‏.‏

 ثم دخلت سنة ثمان وخمسين وخمسمائة

فيها‏:‏ مات صاحب المغرب عبد المؤمن بن علي التومرتي، وخلفه في الملك من بعده ابنه يوسف وحمل أباه إلى مراكش على صفة أنه مريض، فلما وصلها أظهر موته فعزاه الناس وبايعوه على الملك من بعد أبيه، ولقبوه أمير المؤمنين‏.‏

وقد كان عبد المؤمن هذا حازماً شجاعاً جواداً معظماً للشريعة، وكان من لا يحافظ على الصلوات في زمانه يقتل، وكان إذا أذن المؤذن وقبل الأذان يزدحم الخلق في المساجد، وكان حسن الصلاة ذا طمأنينة فيها، كثير الخشوع، ولكن كان سفاكاً للدماء حتى على الذنب الصغير، فأمره إلى الله يحكم فيه بما يشاء‏.‏

وفيها‏:‏ قتل سيف الدين محمد بن علاء الدين الغزي، قتله الغز، وكان عادلاً‏.‏

وفيها‏:‏ كبست الفرنج نور الدين وجيشه، فانهزم المسلمون لا يلوي أحد على أحد، ونهض الملك نور الدين فركب فرسه والشبحة في رجله فنزل رجل كردي فقطعها، فسار نور الدين فنجا، وأدركت الفرنج ذلك الكردي فقتلوه، رحمه الله، فأحسن نور الدين إلى ذريته، وكان لا ينسى ذلك له‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/307‏)‏

وفيها‏:‏ أمر الخليفة بإجلاء بني أسد عن الحلة وقتل من تخلف منهم، وذلك لإفسادهم ومكاتبتهم السلطان محمد شاه، وتحريضهم له على حصار بغداد، فقتل من بني أسد أربعة آلاف، وخرج الباقون منها، وتسلم نواب الخليفة الحلة‏.‏

وحج بالناس فيها الأمير برغش الكبير‏.‏

 من الأعيان‏:‏ السلطان الكبير

 أبو محمد عبد المؤمن بن علي

القيسي الكوفي تلميذ ابن التومرت، كان أبوه يعمل في الطين فاعلاً، فحين وقع نظر ابن التومرت عليه أحبه وتفرس فيه أنه شجاع سعيد، فاستصحبه فعظم شأنه، والتفت عليه العساكر التي جمعها ابن التومرت من المصامدة وغيرهم، وحاربوا صاحب مراكش علي بن يوسف بن تاشفين، ملك الملثمين‏.‏

واستحوذ عبد المؤمن على وهران وتلمسان وفاس وسلا وسبتة، ثم حاصر مراكش أحد عشر شهراً فافتتحها في سنة ثنتين وأربعين وخمسمائة، وتمهدت له الممالك هنالك، وصفا له الوقت وكان عاقلاً وقوراً شكلاً حسناً محباً للخير، توفي في هذه السنة ومكث في الملك ثلاثاً وثلاثين سنة، وكان يسمي نفسه أمير المؤمنين، رحمه الله‏.‏

 طلحة بن علي

ابن طراد، أبو أحمد الزينبي، نقيب النقباء، مات فجأة وولي النقابة بعده ولده أبو الحسن علي وكان أمرد فعزل وصودر في هذه السنة‏.‏

 محمد بن عبد الكريم

ابن إبراهيم، أبو عبد الله المعروف بابن الأنباري، كاتب الإنشاء ببغداد، كان شيخاً حسناً ظريفاً وانفرد بصناعة الإنشاء، وبعث رسولاً إلى الملك سنجر وغيره، وخدم الملوك والخلفاء، وقارب التسعين‏.‏

ومن شعره في محبي الدنيا والصور‏:‏

يا من هجرت ولا تبالي * هل ترجع دولة الوصال

هل أطمع يا عذاب قلبي * أن ينعم في هواك بالي

ما ضرك أن تعلليني * في الوصل بموعد المحال

‏(‏ج/ص‏:‏ 12/308‏)‏

أهواك وأنت حظ غيري * يا قاتلتي فما احتيالي

أيام عنائي قبل سود * ما أشبههن بالليالي

العذل فيك يعذلوني * عن حبك ما لهم ومالي

يا ملزمني السلو عنها * الصب أنا وأنت سالي

والقول بتركها صواب * ما أحسنه لو استوى لي

طلقت تجلدي ثلاثاً * والصبوة بعد في خيالي

 ثم دخلت سنة تسع وخمسين وخمسمائة

فيها‏:‏ قدم شاور بن مجير الدين أبو شجاع السعدي الملقب بأمير الجيوش، وهو إذ ذاك وزير الديار المصرية بعد آل رزيك، لما قتل الناصر رزيك بن طلائع، وقام في الوزارة بعده، واستفحل أمره فيها، ثار عليه أمير يقال له‏:‏ الضرغام بن سوار، وجمع له جموعاً كثيرة، واستظهر عليه وقتل ولديه طيباً وسليمان، وأسر الثالث وهو الكامل بن شاور فسجنه ولم يقتله، ليدٍ كانت لأبيه عنده، واستوزر ضرغام ولقب بالمنصور‏.‏

فخرج شاور من الديار المصرية هارباً من العاضد ومن ضرغام، ملتجئاً إلى نور الدين محمود، وهو نازل بجوسق الميدان الأخضر، فأحسن ضيافته وأنزله بالجوسق المذكور، وطلب شاور منه عسكراً ليكونوا معه ليفتح بهم الديار المصرية، وليكون لنور الدين ثلث مغلها، فأرسل معه جيشاً عليه أسد الدين شيركوه بن شادي، فلما دخلوا بلاد مصر خرج إليهم الجيش الذين بها فاقتتلوا أشد القتال، فهزمهم أسد الدين وقتل منهم خلقاً، وقتل ضرغام بن سوار وطيف برأسه في البلاد، واستقر أمر شاور في الوزارة، وتمهد حاله‏.‏

ثم اصطلح العاضد وشاور على أسد الدين، ورجع عما كان عاهد عليه نور الدين، وأمر أسد الدين بالرجوع فلم يقبل منه، وعاث في البلاد، وأخذ أموالاً كثيرة، وافتتح بلداناً كثيرة من الشرقية وغيرها، فاستغاث شاور عليهم بملك الفرنج الذي بعسقلان، واسمه مري، فأقبل في خلق كثير فتحول أسد الدين إلى بلبيس وقد حصنها وشحنها بالعدد والآلات وغير ذلك‏.‏

فحصروه فيها ثمانية أشهر، وامتنع أسد الدين وأصحابه أشد الامتناع، فبينما هم على ذلك إذ جاءت الأخبار بأن الملك نور الدين قد اغتنم غيبة الفرنج فسار إلى بلادهم فقتل منهم خلقاً كثيراً، وفتح حارم وقتل من الفرنج بها خلقاً، وسار إلى بانياس فضعف صاحب عسقلان الفرنجي، وطلبوا من أسد الدين الصلح فأجابهم إلى ذلك، وقبض من شاور ستين ألف دينار، وخرج أسد الدين وجيشه فساروا إلى الشام في ذي الحجة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/309‏)‏

 وقعة حارم

فتحت في رمضان من هذه السنة، وذلك أن نور الدين استغاث بعساكر المسلمين فجاؤوه من كل فج ليأخذ ثأره من الفرنج، فالتقى معهم على حارم فكسرهم كسرة فظيعة، وأسر البرنس بيمند صاحب إنطاكية، والقومص صاحب طرابلس، والدوك صاحب الروم، وابن جوسلين، وقتل منهم عشرة آلاف، وقيل‏:‏ عشرين ألفاً‏.‏

وفي ذي الحجة منها فتح نور الدين مدينة بانياس، وقيل‏:‏ إنه إنما فتحها في سنة ستين، فالله أعلم‏.‏

وكان معه أخوه نصر الدين أمير أميران، فأصابه سهم في إحدى عينيه فأذهبها، فقال له الملك نور الدين‏:‏ لو نظرت لما أعد الله لك من الأجر في الآخرة لأحببت أن تذهب الأخرى‏.‏

وقال لابن معين الدين‏:‏ إنه اليوم بردت جلدة والدك من نار جهنم، لأنه كان سلمها للفرنج، فصالحه عن دمشق‏.‏

وفي شهر ذي الحجة احترق قصر جيرون حريقاً عظيماً، فحضر في تلك الليلة الأمراء منهم أسد الدين شيركوه، بعد رجوعه من مصر، وسعى سعياً عظيماً في إطفاء هذه النار وصون حوزة الجامع منها‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 جمال الدين

وزير صاحب الموصل، قطب الدين مودود بن زنكي، كان كثير المعروف، واسمه محمد بن علي بن أبي منصور، أبو جعفر الأصبهاني، الملقب بالجمال، كان كثير الصدقة والبر، وقد أثر آثاراً حسنة بمكة والمدينة، من ذلك‏:‏ أنه ساق عيناً إلى عرفات، وعمل هناك مصانع، وبنى مسجد الخيف ودرجه، وعملها بالرخام، وبنى على المدينة النبوية سوراً، وبنى جسراً على دجلة عند جزيرة ابن عمر بالحجر المنحوت، والحديد والرصاص، وبنى الربط الكثيرة‏.‏

وكان يتصدق في كل يوم في بابه بمائة دينار، ويفتدي من الأسارى في كل سنة بعشرة آلاف دينار، وكان لا تزال صدقاته وافدة إلى الفقهاء والفقراء، حيث كانوا من بغداد وغيرها من البلاد، وقد حبس في سنة ثمان وخمسين، فذكر ابن الساعي في تاريخه عن شخص كان معه في السجن‏:‏ أنه نزل إليه طائر أبيض قبل موته فلم يزل عنده وهو يذكر الله حتى توفي في شعبان من هذه السنة، ثم طار عنه ودفن في رباط بناه لنفسه بالموصل‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/310‏)‏

وقد كان بينه وبين أسد الدين شيركوه بن شادي مواخاة وعهد أيهما مات قبل الآخر أن يحمله إلى المدينة النبوية، فحمل إليها من الموصل على أعناق الرجال، فما مروا به على بلدة إلا صلوا عليه وترحموا عليه، وأثنوا خيراً، فصلوا عليه بالموصل وتكريت وبغداد والحلة والكوفة وفيد ومكة وطيف به حول الكعبة، ثم حمل إلى المدينة النبوية فدفن بها في رباط بناه شرقي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال ابن الجوزي وابن الساعي‏:‏ ليس بينه وبين حرم النبي صلى الله عليه وسلم وقبره سوى خمسة عشر ذراعاً‏.‏

قال ابن الساعي‏:‏ ولما صلي عليه بالحلة صعد شاب نشزاً فأنشد‏:‏

سرى نعشه على الرقاب وطالما * سرى جوده فوق الركاب ونائلهُ

يمر على الوادي فتثني رماله * عليه وبالنادي فتثني أرامله

وممن توفي بعد الخمسين‏:‏

 ابن الخازن الكاتب

أحمد بن محمد بن الفضل بن عبد الخالق أبو الفضل المعروف بابن الخازن الكاتب البغدادي الشاعر‏.‏

كان يكتب جيداً فائقاً، اعتنى بكتابة الختمات، وأكثر ابنه نصر الله من كتابة المقامات، وجمع لابنه ديوان شعر أورد منه ابن خلكان قطعة كبيرة‏.‏

 ثم دخلت سنة ستين وخمسمائة

في صفر منها وقعت بأصبهان فتنة عظيمة بين الفقهاء بسبب المذاهب دامت أياماً، وقتل فيها خلق كثير‏.‏

وفيها‏:‏ كان حريق عظيم ببغداد فاحترقت محال كثيرة جداً‏.‏

وذكر ابن الجوزي‏:‏ أن في هذه السنة ولدت امرأة ببغداد أربع بنات في بطن واحد‏.‏

وحج بالناس فيها الأمير برغش الكبير‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 عمر بن بهليقا

الطحان الذي جدد جامع العقيبة ببغداد، واستأذن الخليفة في إقامة الجمعة فيه، فأذن له في ذلك، وكان قد اشترى ما حوله من القبور فأضاف ذلك إليه، ونبش الموتى منها، فقيض الله له من نبشه من قبره بعد دفنه، جزاء وفاقاً‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/311‏)‏

 محمد بن عبد الله بن العباس بن عبد الحميد

أبو عبد الله الحراني، كان آخر من بقي من الشهود المقبولين عند أبي الحسن الدامغاني، وقد سمع الحديث، وكان لطيفاً ظريفاً، جمع كتاباً سماه ‏(‏روضة الأدباء‏)‏ فيها نتف حسنة‏.‏

قال ابن الجوزي‏:‏ زرته يوماً فأطلت الجلوس عنده فقلت‏:‏ أقوم فقد ثقلت، فأنشدني‏:‏

لئن سمئت إبراماً وثقلاً * زيارات رفعت بهن قدري

فما أبرمت إلا حبل ودي * ولا ثقلت إلا ظهر شكري

 مرجان الخادم

كان يقرأ القراءات، وتفقه لمذهب الشافعي، وكان يتعصب على الحنابلة ويكرههم، ويعادي الوزير ابن هبيرة وابن الجوزي معاداة شديدة، ويقول لابن الجوزي‏:‏ مقصودي قلع مذهبكم، وقطع ذكركم‏.‏

ولما توفي ابن هبيرة في هذه السنة قوي على بن الجوزي وخافه ابن الجوزي، فلما توفي في هذه السنة فرح ابن الجوزي فرحاً شديداً، توفي في ذي القعدة منها‏.‏

 ابن التلميذ

الطبيب الحاذق الماهر، اسمه هبة الله بن صاعد، توفي عن خمس وتسعين سنة، وكان موسعاً عليه في الدنيا، وله عند الناس وجاهة كبيرة، وقد توفي قبحه الله على دينه، ودفن بالبيعة العتيقة، لا رحمه الله إن كان مات نصرانياً، فإنه كان يزعم أنه مسلم، ثم مات على دينه‏.‏

 الوزير ابن هبيرة

يحيى بن محمد بن هبيرة، أبو المظفر الوزير للخلافة عون الدين، مصنف كتاب ‏(‏الإفصاح‏)‏، وقد قرأ القرآن وسمع الحديث، وكانت له معرفة جيدة بالنحو واللغة والعروض، وتفقه على مذهب الإمام أحمد، وصنف كتباً جيدة مفيدة من ذلك ‏(‏الإفصاح‏)‏ في مجلدات، شرح فيه الحديث، وتكلم على مذاهب العلماء، وكان على مذهب السلف في الاعتقاد‏.‏

وقد كان فقيراً لا مال له، ثم تعرض للخدمة إلى أن وزر للمقتفي ثم لابنه المستنجد، وكان من خيار الوزراء وأحسنهم سيرة، وأبعدهم عن الظلم، وكان لا يلبس الحرير، وكان المقتفي يقول‏:‏ ما وزر لبني العباس مثله‏.‏

وكذلك ابنه المستنجد، وكان المستنجد معجباً به‏.‏

قال مرجان الخادم‏:‏ سمعت أمير المؤمنين المستنجد ينشد لابن هبيرة وهو بين يديه من شعره‏:‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/312‏)‏

صفت نعمتان خصتاك وعمتا * فذكرهما حتى القيامة يذكر

وجودك والدنيا إليك فقيرة * وجودك والمعروف في الناس ينكر

فلوا رام يا يحيى مكانك جعفر * ويحيى لكفا عنه يحيى وجعفر

ولم أر من ينوي لك السوء يا أبا * المظفر إلا كنت أنت المظفر

وقد كان يبالغ في إقامة الدولة العباسية، وحسم مادة الملوك السلجوقية عنهم بكل ممكن، حتى استقرت الخلافة في العراق كله؛ ليس للملوك معهم حكم بالكلية ولله الحمد‏.‏

وكان يعقد في داره للعلماء مجلساً للمناظرة يبحثون فيه ويناظرون عنده، يستفيد منهم ويستفيدون منه، فاتفق يوماً أنه كلم رجلاً من الفقهاء كلمة فيها بشاعة قال له‏:‏ يا حمار، ثم ندم فقال‏:‏ أريد أن تقول لي كما قلت لك‏.‏

فامتنع ذلك الرجل، فصالحه على مائتي دينار‏.‏

مات فجأة، ويقال‏:‏ إنه سمه طبيب فسم ذلك الطبيب بعد ستة أشهر، وكان الطبيب يقول‏:‏ سممته فسممت‏.‏

مات يوم الأحد الثاني عشر من جمادى الأولى من هذه السنة، عن إحدى وستين سنة، وغسله ابن الجوزي، وحضر جنازته خلق كثير وجم غفير جداً، وغلقت الأسواق، وتباكى الناس عليه، ودفن بالمدرسة التي أنشأها بباب البصرة رحمه الله‏.‏

وقد رثاه الشعراء بمراثٍ كثيرة