فصل: عبد الله بن محمد

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البداية والنهاية **


 ثم دخلت سنة ست عشرة وخمسمائة

في المحرم منها رجع السلطان طغرلبك إلى طاعة أخيه محمود، بعد ما كان قد خرج عنها وأخذ بلاد أذربيجان‏.‏

وفيها‏:‏ أقطع السلطان محمود مدينة واسط لآقسنقر مضافاً إلى الموصل، فسير إليها عماد الدين زنكي بن آقسنقر، فأحسن السيرة بها وأبان عن حزم وكفاية‏.‏

وفي صفر منها قتل الوزير السلطان محمود أبو طالب السميرمي، قتله باطني، وكان قد برز للمسير إلى همذان، وكانت قد خرجت زوجته في مائة جارية بمراكب الذهب، فلما بلغهن قتله رجعن حافيات حاسرات عن وجوههن، قد هنّ بعد العز، واستوزر السلطان مكانه شمس الدين الملك عثمان بن نظام الملك‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/236‏)‏

وفيها‏:‏ التقى آقسنقر ودبيس بن صدقة، فهزمه دبيس وقتل خلقاً من جيشه، فأوثق السلطان منصور بن صدقة أخا دبيس وولده، ورفعهما إلى القلعة، فعند ذلك آذى دبيس تلك الناحية ونهب البلاد، وجز شعره ولبس السواد، ونهبت أموال الخليفة أيضاً، فنودي في بغداد للخروج لقتاله، وبرز الخليفة في الجيش وعليه قباء أسود وطرحه، وعلى كتفيه البردة وبيده القضيب، وفي وسطه منطقة حرير صيني، ومعه وزيره نظام الدين أحمد بن نظام الملك، ونقيب النقباء علي بن طراد الزينبي، وشيخ الشيوخ صدر الدين بن إسماعيل، وتلقاه آقسنقر البرشقي ومعه الجيش فقبلوا الأرض ورتب البرشقي الجيش، ووقف القراء بين يدي الخليفة، وأقبل دبيس وبين يديه الإماء يضربن بالدفوف والمخانيث بالملاهي، والتقى الفريقان، وقد شهر الخليفة سيفه وكبر واقترب من المعركة، فحمل عنتر بن أبي العسكر على ميمنة الخليفة فكسرها وقتل أميرها ثم حمل مرة ثانية فكشفهم كالأولى فحمل عليه عماد الدين زنكي ابن آقسنقر فأسر عنتر وأسر معه بديل بن زائدة، ثم انهزم عسكر دبيس، وألقوا أنفسهم في الماء فغرق كثير منهم، فأمر الخليفة بضرب أعناق الأسارى صبراً بين يديه، وحصل نساء دبيس وسراريه تحت الأسر‏.‏

وعاد الخليفة إلى بغداد فدخلها في يوم عاشوراء من السنة الآتية، وكانت غيبته عن بغداد ستة عشر يوماً، وأما دبيس فإنه نجا بنفسه وقصد غزية ثم إلى المنتفق فصحبهم إلى البصرة فدخلها ونهبها وقتل أميرها، ثم خاف من البرشقي فخرج منها وسار على البرية والتحق بالفرنج، وحضر معهم حصار حلب، ثم فارقهم والتحق بالملك طغرل أخي السلطان محمود‏.‏

وفيها‏:‏ ملك السلطان سهام الدين تمراش بن إيلغازي ابن أرتق قلعة ماردين بعد وفاة أبيه، وملك أخوه سليمان ميافارقين‏.‏

وفيها‏:‏ ظهر معدن نحاس بديار بكر قريباً من قلعة ذي القرنين‏.‏

وفيها‏:‏ دخل جماعة من الوعاظ إلى بغداد فوعظوا بها، وحصل لهم قبول تام من العوام‏.‏

وحج بالناس قطز الخادم‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 عبد الله بن أحمد

ابن عمر بن أبي الأشعث، أبو محمد السمرقندي، أخو أبي القاسم، وكان من حفاظ الحديث، وقد زعم أن عنده منه ما ليس عند أبي زرعة الرازي، وقد صحب الخطيب مدة وجمع وألّف وصنّف ورحل إلى الآفاق، توفي يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول بها عن ثمانين سنة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/237‏)‏

 علي بن أحمد السميرمي

نسبة إلى قرية بأصبهان، كان وزير السلطان محمود، وكان مجاهراً بالظلم والفسق، وأحدث على الناس مكوساً، وجددها بعدما كانت قد أزيلت من مدة متطاولة، وكان يقول‏:‏ قد استحييت من كثرة ظلم من لا ناصر له، وكثرة ما أحدثت من السنن السيئة‏.‏

ولما عزم على الخروج إلى همذان أحضر المنجمين فضربوا له تخت رمل لساعة خروجه ليكون أسرع لعودته، فخرج في تلك الساعة وبين يديه السيوف المسلولة، والمماليك الكثيرة بالعدد الباهرة، فما أغنى عنه ذلك شيئاً، بل جاءه باطني فضربه فقتله، ثم مات الباطني بعده، ورجع نساؤه بعد أن ذهبن بين يديه على مراكب الذهب، حاسرات عن وجوههن، قد أبدلهن الله الذل بعد العز، والخوف بعد الأمن، والحزن بعد السرور والفرح، جزاء وفاقاً، وذلك يوم الثلاثاء سلخ صفر، وما أشبه حالهن بقول أبي العتاهية في الخيزران وجواريها حين مات المهدي‏:‏

رحن في الوشي عليهن المسوح * كل بطاح من الناس له يوم يطوح

لتموتن ولو عمّرت ما عمر نوح * فعلى نفسك نح إن كنت لابد تنوح

 الحريري صاحب المقامات

القاسم بن علي بن محمد بن محمد بن عثمان، فخر الدولة أبو محمد الحريري، مؤلف ‏(‏المقامات‏)‏، التي سارت بفصاحتها الركبان، وكاد يربو فيها على سحبان، ولم يسبق إلى مثلها ولا يلحق‏.‏

ولد سنة ست وأربعين وأربعمائة، وسمع الحديث واشتغل باللغة والنحو، وصنف في ذلك كله، وفاق أهل زمانه، وبرز على أقرانه، وأقام ببغداد وعمل صناعة الإنشاء مع الكتاب في باب الخليفة، ولم يكن ممن تنكر بديهته ولا تتعكر فكرته وقريحته‏.‏

قال ابن الجوزي‏:‏ صنف وقرأ الأدب واللغة، وفاق أهل زمانه بالذكاء والفطنة والفصاحة، وحسن العبارة، وصنف ‏(‏المقامات‏)‏ المعروفة التي من تأملها عرف ذكاء منشئها، وقدره وفصاحتها، وعلمه‏.‏

توفي في هذه السنة بالبصرة‏.‏

وقد قيل‏:‏ إن أبا زيد والحارث بن همام المطهر لا وجود لهما، وإنما جعل هذه المقامات من باب الأمثال، ومنهم من يقول‏:‏ أبو زيد بن سلام السروجي كان له وجود، وكان فاضلاً، وله علم ومعرفة باللغة، فالله أعلم‏.‏

وذكر ابن خلكان‏:‏ أن أبا زيد كان اسمه المطهر بن سلام، وكان بصرياً فاضلاً في النحو واللغة، وكان يشتغل عليه الحريري بالبصرة، وأما الحارث بن همام فإنه غني بنفسه، لما جاء في الحديث‏:‏ ‏(‏‏(‏كلكم حارث وكلكم همام‏)‏‏)‏‏.‏

كذا قال ابن خلكان‏.‏

وإنما اللفظ المحفوظ‏:‏ ‏(‏‏(‏أصدق الأسماء حارث وهمام‏)‏‏)‏، لأن كل أحد إما حارث وهو الفاعل، أو همام من الهمة وهو العزم والخاطر‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/238‏)‏

وذكر أن أول مقامة عملها الثامنة والأربعون وهي الحرامية، وكان سببها‏:‏ أنه دخل عليهم في مسجد البصرة رجل ذو طمرين فصيح اللسان، فاستسموه، فقال‏:‏ أبو زيد السروجي‏.‏

فعمل فيه هذه المقامة، فأشار عليه وزير الخليفة المسترشد جلال الدين عميد الدولة أبو علي الحسن بن أبي المعز بن صدقة، أن يكمل عليها تمام خمسين مقامة‏.‏

قال ابن خلكان‏:‏ كذا رأيته في نسخة بخط المصنف، على حاشيتها، وهو أصح من قول من قال‏:‏ إنه الوزير شرف الدين أبو نصر أنوشروان بن محمد بن خالد بن محمد القاشاني، وهو وزير المسترشد أيضاً‏.‏

ويقال‏:‏ إن الحريري كان قد عملها أربعين مقامة، فلما قدم بغداد ولم يصدق في ذلك لعجز الناس عن مثلها، فامتحنه بعض الوزراء أن يعمل مقامة فأخذ الدواة والقرطاس وجلس ناحية فلم يتيسر له شيء، فلما عاد إلى بلده عمل عشرة أخرى فأتمها خمسين مقامة‏.‏

وقد قال فيه أبو القاسم علي بن أفلح الشاعر، وكان من جملة المكذبين له فيها‏:‏

شيخ لنا من ربيعة الفرس * ينتف عثنونه من الهوس

أنطقه الله بالمشان كما * رماه وسط الديوان بالخرس

ومعنى قوله بالمشان‏:‏ هو مكان بالبصرة‏.‏

وكان الحريري صدر ديوان المشان‏.‏

ويقال‏:‏ إنه كان ذميم الخلق، فاتفق أن رجلاً رحل إليه فلما رآه ازدراه ففهم الحريري ذلك فأنشأ يقول‏:‏

ما أنت أول سار غرّه قمر * ورائداً أعجبته خضرة الدمن

فاختر لنفسك غيري إنني رجل * مثل المعيديّ فاسمع بي ولا ترني

ويقال‏:‏ إن المعيدي اسم حصان جواد كان في العرب ذميم الخلق، والله أعلم‏.‏

 البغوي المفسر

الحسين بن مسعود بن محمد البغوي، صاحب ‏(‏التفسير‏)‏، و‏(‏شرح السنة‏)‏، و‏(‏التهذيب‏)‏ في الفقه، و‏(‏الجمع بين الصحيحين‏)‏، و‏(‏المصابيح في الصحاح والحسان‏)‏، وغير ذلك، اشتغل على القاضي حسين، وبرع في هذه العلوم، وكان علّامة زمانه فيها، وكان ديناً ورعاً زاهداً عابداً صالحاً‏.‏

توفي في شوال منها وقيل‏:‏ في سنة عشر، فالله أعلم‏.‏

ودفن مع شيخه القاضي حسين بالطالقان، والله أعلم‏.‏

 ثم دخلت سنة سبع عشرة وخمسمائة

في يوم عاشوراء منها عاد الخليفة من الحلة إلى بغداد مؤيداً منصوراً من قتال دبيس‏.‏

وفيها‏:‏ عزم الخليفة على طهور أولاد أخيه، وكانوا اثني عشر ذكراً، فزينت بغداد سبعة أيام بزينة لم ير مثلها‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/239‏)‏

وفي شعبان منها قدم أسعد المهيتي مدرّساً بالنظامية ببغداد، وناظراً عليها، وصرف الباقرجي عنها، ووقع بينه وبين الفقهاء فتنة بسبب أنه قطع منهم جماعة، واكتفى بمائتي طالب منهم، فلم يهن ذلك على كثير منهم‏.‏

وفيها‏:‏ سار السلطان محمود إلى بلاد الكرج وقد وقع بينهم وبين القفجاق خلف فقاتلهم فهزمهم، ثم عاد إلى همدان‏.‏

وفيها‏:‏ ملك طغتكين صاحب دمشق مدينة حماه بعد وفاة صاحبها قراجا، وقد كان ظالماً غاشماً‏.‏

وفيها‏:‏ عزل نقيب العلويين وهدمت داره، وهو علي بن أفلح، لأنه كان عيناً لدبيس، وأضيف إلى علي بن طراد نقابة العلويين مع نقابة العباسيين‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 أحمد بن محمد

ابن علي بن صدقة، التغلبي، المعروف بابن الخياط الشاعر الدمشقي، الكاتب، له ديوان شعر مشهور‏.‏

قال ابن عساكر‏:‏ خُتم به شعر الشعراء بدمشق، شعره جيد حسن، وكان مكثراً لحفظ الأشعار المتقدمة وأخبارهم، وأورد له ابن خلكان قطعة جيدة من شعره من قصيدته التي لو لم يكن له سواها لكفته وهي التي يقول فيها‏:‏

خذا من صبا نجد أماناً لقلبه * فقد كاد رياها يطير بلبه

وإياكما ذاك النسيم فإنه * متى هب كان الوجد أيسر خطبه

خليليّ، لو أحببتما لعلمتما * محل الهوى من مغرم القلب صبه

أتذكر والذكرى تشوق وذو الهوى * يتوق ومن يعلق به الحب يصبه

غرام على يأس الهوى ورجائه * وشوق على بعد المزار وقربه

وفي الركب مطويَّ الضلوع على جوىً * متى يدعه داعي الغرام يلبه

إذا خطرت من جانب الرمل نفحة * تضمن منها داؤه دون صحبه

ومحتجب بين الأسنة معرض * وفي القلب من أعراضه مثل حجبه

أغار إذا آنست في الحي أنة * حذاراً وخوفاً أن تكون لحبه

توفي في رمضان منها عن سبع وتسعين سنة بدمشق‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/240‏)‏

 ثم دخلت سنة ثمان عشر وخمسمائة

فيها‏:‏ ظهرت الباطنية بآمد فقاتلهم أهلها فقتلوا منهم سبعمائة‏.‏

وفيها‏:‏ ردت شحنكية بغداد إلى سعد الدولة يرنقش الزكوي وسلم إليه منصور بن صدقة أخو دبيس ليسلمه إلى دار الخلافة، وورد الخبر بأن دبيساً قد التجأ إلى طغرلبك وقد اتفقا على أخذ بغداد، فأخذ الناس بالتأهب إلى قتالهما، وأمر آقنسقر بالعود إلى الموصل، فاستناب على البصرة عماد الدين زنكي بن آقنسنقر‏.‏

وفي ربيع الأول دخل الملك حسام تمرتاش بن إيلغازي بن أرتق صاحب حلب، وقد ملكها بعد ملكها بلك بن بهرام، وكان قد حاصر قلعة منبج فجاءه سهم في حلقه فمات، فاستناب تمرتاش بحلب، ثم عاد إلى ماردين فأخذت منه بعد ذلك، أخذها آقسنقر مضافة إلى الموصل‏.‏

وفيها‏:‏ أرسل الخليفة القاضي أبا سعد الهروي ليخطب له ابنة السلطان سنجر، وشرع الخليفة في بناء دار على حافة دجلة لأجل العروس‏.‏

وحج بالناس جمال الدولة إقبال المسترشدي‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 أحمد بن علي بن برهان

أبو الفتح، ويعرف بابن الحمامي، تفقه على أبي الوفاء بن عقيل، وبرع في مذهب الإمام أحمد، ثم نقم عليه أصحابه أشياء، فحمله ذلك على الانتقال إلى مذهب الشافعي، فاشتغل على الغزالي والشاشي، وبرع وساد وشهد عند الزينبي فقبله، ودرّس في النظامية شهراً‏.‏

توفي في جمادى ودفن بباب إبرز‏.‏

 عبد الله بن محمد بن جعفر

أبو علي الدامغاني، سمع الحديث، وشهد عند أبيه، وناب في الكرخ عن أخيه، ثم ترك ذلك كله وولي حجابة باب النوبى، ثم عزل ثم أعيد، توفي في جمادى‏.‏

 أحمد بن محمد

ابن إبراهيم أبو الفضل الميداني، صاحب كتاب ‏(‏الأمثال‏)‏، ليس له مثله في بابه، له شعر جيد، توفي يوم الأربعاء الخامس والعشرين من رمضان، والله سبحانه أعلم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/241‏)‏

 ثم دخلت سنة تسع عشرة وخمسمائة

فيها‏:‏ قصد دبيس والسلطان طغرل بغداد ليأخذاها من يد الخليفة، فلما اقتربا منها برز إليهما الخليفة في جحفل عظيم، والناس مشاة بين يديه إلى أول منزلة، ثم ركب الناس بعد ذلك، فلما أمست الليلة التي يقتتلون في صبيحتها، ومن عزمهم أن ينهبوا بغداد، أرسل الله مطراً عظيماً، ومرض السلطان طغرل في تلك الليلة، فتفرقت تلك الجموع، ورجعوا على أعقابهم خائبين خائفين، والتجأ دبيس وطغرل إلى الملك سنجر وسألاه الأمان من الخليفة، والسلطان محمود، فحبس دبيساً في قلعة، ووشى واشٍ أن الخليفة يريد أن يستأثر بالملك، وقد خرج من بغداد إلى اللان لمحاربة الأعداء، فوقع في نفس سنجر من ذلك وأضمر سوء، مع أنه قد زوج ابنته من الخليفة‏.‏

وفيها‏:‏ قتل القاضي أبو سعد بن نصر بن منصور الهروي بهمدان، قتلته الباطنية، وهو الذي أرسله الخليفة إلى سنجر ليخطب ابنته‏.‏

وحج بالناس قطز الخادم‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 آقسنقر البرشقي

صاحب حلب، قتلته الباطنية - وهم الفداوية - في مقصورة جامعها يوم الجمعة، وقد كان تركياً جيد السيرة، محافظاً على الصلوات في أوقاتها، كثير البر والصدقات إلى الفقراء، كثير الإحسان إلى الرعايا، وقام في الملك بعده ولده السلطان عز الدين مسعود، وأقره السلطان محمود على عمله‏.‏

 بلال بن عبد الرحمن

ابن شريح بن عمر بن أحمد بن محمد بن إبراهيم بن سليمان بن بلال بن رباح، مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رحل وجال في البلاد، وكان شيخاً جهوري الصوت، حسن القراءة، طيب النغمة، توفي في هذه السنة بسمرقند، رحمه الله‏.‏

 القاضي أبو سعد الهروي

أحمد بن نصر، أحد مشاهير الفقهاء، وسادة الكبراء، قتلته الباطنية بهمذان فيها‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/242‏)‏

 ثم دخلت سنة عشرين وخمسمائة

فيها‏:‏ تراسل السلطان محمود والخليفة على السلطان سنجر، وأن يكونا عليه، فلما علم بذلك سنجر كتب إلى ابن أخيه محمود ينهاه ويستميله إليه، ويحذره من الخليفة، وأنه لا تؤمن غائلته، وأنه متى فرغ مني دار إليك فأخذك، فأصغى إلى قول عمه ورجع عن عزمه‏.‏

وأقبل ليدخل بغداد عامه ذلك، فكتب إليه الخليفة ينهاه عن ذلك لقلة الأقوات بها، فلم يقبل منه، وأقبل إليه، فلما أزف قدومه خرج الخليفة من داره وتجهز إلى الجانب الغربي فشق عليه ذلك وعلى الناس‏.‏

ودخل عيد الأضحى فخطب الخليفة الناس بنفسه خطبة عظيمة بليغة فصيحة جداً، وكبر وراءه خطباء الجوامع، وكان يوماً مشهوداً‏.‏

وقد سردها ابن الجوزي بطولها ورواها عن من حضرها، مع قاضي القضاة الزينبي، وجماعة من العدول، ولما نزل الخليفة عن المنبر ذبح البدنة بيده، ودخل السرادق وتباكى الناس ودعوا للخليفة بالتوفيق والنصر‏.‏

ثم دخل السلطان محمود إلى بغداد يوم الثلاثاء الثامن عشر من ذي الحجة، فنزلوا في بيوت الناس وحصل للناس منهم أذى كثير في حريمهم، ثم إن السلطان راسل الخليفة في الصلح فأبى ذلك الخليفة، وركب في جيشه وقاتل الأتراك ومعه شرذمة قليلة من المقاتلة، ولكن العامة كلهم معه، وقتل من الأتراك خلقاً، ثم جاء عماد الدين زنكي في جيش كثيف من واسط في سفن إلى السلطان نجدة، فلما استشعر الخليفة ذلك دعا إلى الصلح، فوقع الصلح بين السلطان والخليفة، وأخذ الملك يستبشر بذلك جداً، ويعتذر إلى الخليفة مما وقع، ثم خرج في أول السنة الآتية إلى همذان لمرض حصل له‏.‏

وفيها‏:‏ كان أول مجلس تكلم فيه ابن الجوزي على المنبر يعظ الناس، وعمره إذ ذاك ثلاث عشرة سنة، وحضره الشيخ أبو القاسم علي بن يعلى العلوي البلخي، وكان نسيباً، علمه كلمات ثم أصعده المنبر فقالها، وكان يوماً مشهوداً‏.‏

قال ابن الجوزي‏:‏ وحزر الجمع يومئذ بخمسين ألفاً، والله أعلم‏.‏

وفيها‏:‏ اقتتل طغتكين صاحب دمشق وأعداؤه من الفرنج، فقتل منهم خلقاً كثيراً، وغنم منهم أموالاً جزيلة، ولله الحمد والمنة‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 أحمد بن محمد بن محمد

أبو الفتح الطوسي الغزالي أخو أبي حامد الغزالي، كان واعظاً مفوهاً، ذا حظ من الكلام والزهد وحسن التأني، وله نكت جيدة، ووعظ مرة في دار الملك محمود فأطلق له ألف دينار، وخرج فإذا على الباب فرس الوزير بسرجها الذهب، وسلاحها وما عليها من الحلي، فركبها، فبلغ ذلك الوزير، فقال‏:‏ دعوه ولا يرد عليّ الفرس‏.‏

فأخذها الغزالي‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/243‏)‏

وسمع مرة ناعورة تئن فألقى عليها رداءه فتمزق قطعاً قطعاً‏.‏

قال ابن الجوزي‏:‏ وقد كانت له نكت إلا أن الغالب على كلامه التخليط والأحاديث الموضوعة المصنوعة، والحكايات الفارغة، والمعاني الفاسدة‏.‏

ثم أورد ابن الجوزي أشياء منكرة من كلامه، فالله أعلم، من ذلك‏:‏ أنه كان كلما أشكل عليه شيء رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليقظة فسأله عن ذلك فدله على الصواب، وكان يتعصب إلى بليس ويعتذر له، وتكلم فيه ابن الجوزي بكلام طويل كثير‏.‏

قال‏:‏ ونسب إلى محبة المردان والقول بالمشاهدة، فالله أعلم بصحة ذلك‏.‏

قال ابن خلكان‏:‏ كان واعظاً مليح الوعظ حسن المنظر صاحب كرامات وإشارات، وكان من الفقهاء، غير أنه مال إلى الوعظ فغلب عليه ودرّس بالنظامية نيابة عن أخيه لما تزهد، واختصر ‏(‏إحياء علوم الدين‏)‏ في مجلد سماه ‏(‏لباب الإحيا‏)‏، وله‏:‏ ‏(‏الذخيرة في علم البصيرة‏)‏، وطاف البلاد وخدم الصوفية بنفسه، وكان مائلاً إلى الانقطاع والعزلة، والله أعلم بحاله‏.‏

 أحمد بن علي

ابن محمد الوكيل، المعروف بابن برهان، أبو الفتح الفقيه الشافعي، تفقه على الغزالي وعلى الكيا الهراسي، وعلى الشاشي، وكان بارعاً في الأصول، وله كتاب ‏(‏الذخيرة‏)‏ في أصول الفقه، وكان يعرف فنوناً جيدة، بعينها‏.‏

وولي تدريس النظامية ببغداد دون شهر‏.‏

 بهرام بن بهرام

أبو شجاع البيع، سمع الحديث وبنى مدرسة لأصحاب أحمد بكلواذي، ووقف قطعة من أملاكه على الفقهاء بها‏.‏

 صاعد بن سيار

ابن محمد بن عبد الله بن إبراهيم أبو الأعلا الإسحاقي الهروي الحافظ، أحد المتقنين، سمع الحديث وتوفي بعتورج قرية على باب هراة‏.‏

 ثم دخلت سنة إحدى وعشرين وخمسمائة

استهلت هذه السنة والخليفة والسلطان محمود متحاربان والخليفة في السرادق في الجانب الغربي، فلما كان يوم الأربعاء رابع المحرم توصل جماعة من جند السلطان إلى دار الخلافة فحصل فيها ألف مقاتل عليهم السلاح، فنهبوا الأموال، وخرج الجواري وهن حاسرات يستغثن حتى دخلن دار الخاتون‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/244‏)‏

قال ابن الجوزي‏:‏ وأنا رأيتهن كذلك، فلما وقع ذلك ركب الخليفة في جيشه وجيء بالسفن وانقلبت بغداد بالصراخ حتى كأن الدنيا قد زلزلت، وثارت العامة مع جيش الخليفة فكسروا جيش السلطان، وقتلوا خلقاً من الأمراء، وأسروا آخرين ونهبوا دار السلطان ودار وزيره، ودار طبيبه أبي البركات، وأخذوا ما كان في داره من الودائع، ومرت خبطة عظيمة جداً، حتى أنهم نهبوا الصوفية، برباط نهر جور، وجرت أمور طويلة، ونالت العامة من السلطان، وجعلوا يقولون له‏:‏ يا باطني تترك الفرنج وتقاتل الخليفة‏.‏

ثم إن الخليفة انتقل إلى داره في سابع المحرم، فلما كان في يوم عاشوراء تماثل الحال وطلب السلطان من الخليفة الأمان والصلح، فلان الخليفة إلى ذلك، وتباشر الناس بالصلح، فأرسل إليه الخليفة نقيب النقباء وقاضي القضاة، وشيخ الشيوخ وبضعاً وثلاثين شاهداً، فاحتبسهم السلطان عنده ستة أيام فساء ذلك الناس، وخافوا من فتنة أخرى أشد من الأولى، وكان يرنقش الزكوي شحنة بغداد يغري السلطان بأهل بغداد لينهب أموالهم، فلم يقبل منه، ثم أدخل لأولئك الجماعة فأدخلوا عليه وقت المغرب فصلى بهم القاضي وقرأوا عليه كتاب الخليفة، فقام قائماً، وأجاب الخليفة إلى جميع ما اقترح عليه، ووقع الصلح والتحليف، ودخل جيش السلطان وهم في غاية الجهد من قلة الطعام عندهم في العسكر، وقالوا‏:‏ لو لم يصلح لمتنا جوعاً‏.‏

وظهر من السلطان حلم كثير عن العوام، وأمر الخليفة برد ما نهب من دور الجند، وأن من كتم شيئاً أبيح دمه‏.‏

وبعث الخليفة علي بن طراد الزينبي النقيب إلى السلطان سنجر ليبعد عن بابه دبيساً، وأرسل معه الخلع والإكرام، فأكرم سنجر رسول الخليفة، وأمر بضرب الطبول على بابه في ثلاثة أوقات، وظهر منه طاعة كثيرة، ثم مرض السلطان محمود ببغداد فأمره الطبيب بالانتقال عنها إلى همذان، فسار في ربيع الآخر فوضع شحنكية بغداد إلى عماد الدين زنكي، فلما وصل السلطان إلى همذان بعث على شحنكية بغداد مجاهد الدين بهروز، وجعل إليه الحلة وبعث عماد الدين زنكي إلى الموصل وأعمالها‏.‏

وفيها‏:‏ درس الحسن بن سليمان بالنظامية ببغداد‏.‏

وفيها‏:‏ ورد أبو الفتوح الإسفرايني فوعظ ببغداد، فأورد أحاديث كثيرة منكرة جداً، فاستتيب منها وأمر بالانتقال منها إلى غيرها فشد معه جماعة من الأكابر وردوه إلى ما كان عليه، فوقع بسببه فتن كثيرة بين الناس، حتى رجمه بعض العامة بالأسواق، وذلك لأنه كان يطلق عبارات لا يحتاج إلى إيرادها، فنفرت منه قلوب العامة وأبغضوه، وجلس الشيخ عبد القادر الجيلي فتكلم على الناس فأعجبهم، وأحبوه وتركوا ذاك‏.‏

وفيها‏:‏ قتل السلطان سنجر من الباطنية اثنا عشر ألفاً‏.‏

وحج بالناس قطز الخادم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/245‏)‏

 من الأعيان‏:‏

 محمد بن عبد الملك

ابن إبراهيم بن أحمد، أبو الحسن بن أبي الفضل الهمذاني الفرضي، صاحب ‏(‏التاريخ‏)‏ من بيت الحديث‏.‏

وذكر ابن الجوزي عن شيخه عبد الوهاب أنه طعن فيه‏.‏

توفي فجأة في شوال، ودفن إلى جانب ابن شريح‏.‏

فاطمة بنت الحسين بن الحسن ابن فضلويه

سمعت الخطيب وابن المسلمة وغيرهما، وكانت واعظة لها رباط تجتمع فيه الزاهدات، وقد سمع عليها ابن الجوزي مسند الشافعي وغيره‏.‏

 أبو محمد عبد الله بن محمد

ابن السيد البطليوسي، ثم التنيسي صاحب المصنفات في اللغة وغيرها، جمع المثلث في مجلدين وزاد فيه على قطرب شيئاً كثيراً جداً، وله شرح ‏(‏سقط الزند‏)‏ لأبي العلاء، أحسن من شرح المصنف، وله شرح ‏(‏أدب الكاتب‏)‏ لابن قتيبة، ومن شعره الذي أورده له ابن خلكان‏:‏

أخو العلم حي خالد بعد موته * وأوصاله تحت التراب رميم

وذو الجهل ميت وهو ماش على الثرى * يظن من الأحياء وهو عديم

 ثم دخلت سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة

في أولها قدم رسول سنجر إلى الخليفة يسأل منه أن يخطب له على منابر بغداد، وكان يخطب له في كل جمعة بجامع المنصور‏.‏

وفيها‏:‏ مات ابن صدقة وزير الخليفة، وجعل مكانه نقيب النقباء‏.‏

وفيها‏:‏ اجتمع السلطان محمود بعمه سنجر واصطلحا بعد خشونة، وسلم سنجر دبيساً إلى السلطان محمود على أن يسترضي عنه الخليفة ويعزل زنكي عن الموصل، ويسلم ذلك إلى دبيس‏.‏

واشتهر في ربيع الأول ببغداد أن دبيساً أقبل إلى بغداد في جيش كثيف، فكتب الخليفة إلى السلطان محمود‏:‏ لئن لم تكف دبيساً عن القدوم إلى بغداد وإلا خرجنا إليه ونقضنا ما بيننا وبينك من العهود والصلح‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/246‏)‏

وفيها‏:‏ ملك الأتابك زنكي بن آقسنقر مدينة حلب وما حولها من البلاد‏.‏

وفيها‏:‏ ملك تاج الملوك بوري بن طغتكين مدينة دمشق بعد وفاة أبيه، وقد كان أبوه من مماليك ألب أرسلان، وكان عاقلاً حازماً عادلاً خيراً، كثير الجهاد في الفرنج، رحمه الله‏.‏

وفيها‏:‏ عمل ببغداد مصلى للعيد ظاهر باب الحلية، وحوط عليه، وجعل فيه قبلة‏.‏

وحج بالناس قطز الخادم المتقدم ذكره‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 الحسن بن علي بن صدقة

أبو علي وزير الخليفة المسترشد، توفي في رجب منها‏.‏

ومن شعره الذي أورد له ابن الجوزي وقد بالغ في مدح الخليفة فيه وأخطأ‏:‏

وجدت الورى كالماء طعماً ورقة * وأن أمير المؤمنين زلاله

وصورت معنى العقل شخصاً مصوراً * وأن أمير المؤمنين مثاله

فلولا مكان الشرع والدين والتقى * لقلت من الأعظام جل جلاله

 الحسين بن علي

ابن أبي القاسم اللامتني، من أهل سمرقند، روى الحديث وتفقه، وكان يضرب به المثل في المناظرة، وكان خيراً ديناً على طريقة السلف، مطرحاً للتكلف أماراً بالمعروف، قدم من عند الخاقان ملك ما وراء النهر في رسالة إلى دار الخلافة، فقيل له‏:‏ ألا تحج عامك هذا ‏؟‏

فقال‏:‏ لا أجعل الحج تبعاً لرسالتهم‏.‏

فعاد إلى بلده فمات في رمضان من هذه السنة عن إحدى وثمانين سنة، رحمه الله‏.‏

طغتكين الأتابك

صاحب دمشق التركي، أحد غلمان تتش، كان من خيار الملوك وأعدلهم وأكثرهم جهاداً للفرنج، وقام من بعده ولده تاج الملوك بوري‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/247‏)‏

 ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة

في المحرم منها دخل السلطان محمود إلى بغداد، واجتهد في إرضاء الخليفة عن دبيس، وأن يسلم إليه بلاد الموصل، فامتنع الخليفة من ذلك وأبى أشد الإباء، هذا وقد تأخر دبيس عن الدخول إلى بغداد، ثم دخلها وركب بين الناس فلعنوه وشتموه في وجهه، وقدم عماد الدين زنكي فبذل للسلطان في كل سنة مائة ألف دينار، وهدايا وتحفاً، والتزم للخليفة بمثلها على أن لا يولي دبيساً شيئاً وعلى أن يستمر زنكي على عمله بالموصل، فأقره على ذلك وخلع عليه، ورجع إلى عمله فملك حلب وحماه، وأسر صاحبها سونج بن تاج الملوك، فافتدى نفسه بخمسين ألف دينار‏.‏

وفي يوم الاثنين سلخ ربيع الآخر خلع السلطان على نقيب النقباء استقلالاً، ولا يعرف أحد من العباسيين باشر الوزارة غيره‏.‏

وفي رمضان منها جاء دبيس في جيش إلى الحلة فملكها ودخلها في أصحابه، وكانوا ثلاثمائة فارس، ثم إنه شرع في جمع الأموال وأخذ الغلات من القرى حتى حصل نحواً من خمسمائة ألف دينار، واستخدم قريباً من عشرة آلاف مقاتل، وتفاقم الحال بأمره، وبعث إلى الخليفة يسترضيه فلم يرض عليه، وعرض عليه أموالاً فلم يقبلها، وبعث إليه السلطان جيشاً فانهزم إلى البرية ثم أغار على البصرة فأخذ منها حواصل السلطان والخليفة، ثم دخل البرية فانقطع خبره‏.‏

وفي هذه السنة قتل صاحب دمشق من الباطنية ستة آلاف، وعلق رؤس كبارهم على باب القلعة، وأراح الله الشام منهم‏.‏

وفيها‏:‏ حاصرت الفرنج مدينة دمشق فخرج إليهم أهلها، فقاتلوهم قتالاً شديداً، وبعث أهل دمشق عبد الله الواعظ ومعه جماعة من التجار يستغيثون بالخليفة، وهموا بكسر منبر الجامع، حتى وعدهم بأنه سيكتب إلى السلطان ليبعث لهم جيشاً يقاتلون الفرنج، فسكنت الأمور، فلم يبعث لهم جيشاً حتى نصرهم الله من عنده، فإن المسلمين هزموهم وقتلوا منهم عشرة آلاف، ولم يفلت منهم سوى أربعين نفساً، ولله الحمد والمنة‏.‏

وقتل بيمند الفرنجي صاحب إنطاكية‏.‏

وفيها‏:‏ تخبط الناس في الحج حتى ضاق الوقت بسبب فتنة دبيس، حتى حج بهم برنقش الزكوي، وكان اسمه بغاجق‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 أسعد بن أبي نصر

الميهني أبو الفتح، أحد أئمة الشافعية في زمانه، تفقه على أبي المظفر السمعاني، وساد أهل زمانه وبرع وتفرد من بين أقرانه، وولي تدريس النظامية ببغداد، وحصل له وجاهة عند الخاص والعام وعلق عنه تعليقة في الخلاف‏.‏

ثم عزل عن النظامية فسار إلى همذان فمات بها في هذه السنة، رحمه الله تعالى‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/248‏)‏

 ثم دخلت سنة أربع وعشرين وخمسمائة

فيها‏:‏ كانت زلزلة عظيمة بالعراق تهدم بسببها دور كثيرة ببغداد‏.‏

ووقع بأرض الموصل مطر عظيم فسقط بعضه ناراً تأجج فأحرقت دوراً كثيرة، وخلقاً من ذلك المطر، وتهارب الناس‏.‏

وفيها‏:‏ وجد ببغداد عقارب طيارة لها شوكتان، فخاف الناس منها خوفاً شديداً‏.‏

وفيها‏:‏ ملك السلطان سنجر مدينة سمرقند وكان بها محمد بن خاقان‏.‏

وفيها‏:‏ ملك عماد الدين زنكي بلاداً كثيرة من الجزيرة وهما مع الفرنج، وجرت معهم حروب طويلة، نصر عليهم في تلك المواقف كلها، ولله الحمد‏.‏

وقتل خلقاً من جيش الروم حين قدموا الشام، ومدحه الشعراء على ذلك‏.‏

قتل خليفة مصر

وفي ثاني ذي القعدة قتل الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله بن المستعلي صاحب مصر، قتله الباطنية وله من العمر أربع وثلاثون سنة، وكانت مدة خلافته تسعاً وعشرين سنة وخمسة أشهر ونصفاً، وكان هو العاشر من ولد عبيد الله المهدي؛ ولما قتل تغلب على الديار المصرية غلام من غلمانه أرمني فاستحوذ على الأمور ثلاثة أيام حتى حضر أبو علي أحمد بن الأفضل بن بدر الجمالي، فأقام الخليفة الحافظ أبا الميمون عبد المجيد بن الأمير أبي القاسم بن المستنصر؛ وله من العمر ثمان وخمسون سنة، ولما أقامه استحوذ على الأمور دونه وحصره في مجلسه، لا يدع أحداً يدخل إليه إلا من يريد هو، ونقل الأموال من القصر إلى داره، ولم يبق للحافظ سوى الاسم فقط‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 إبراهيم بن يحيى بن عثمان بن محمد

أبو إسحاق الكلبي من أهل غزة، جاوز الثمانين، وله شعر جيد في الأتراك، فمنه‏:‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/249‏)‏

في فتية من جيوش الترك ما تركت * للرعد كراتهم صوتاً ولا صيتا

قوم إذا قوبلوا كانوا ملائكة * حسناً وإن قوتلوا كانوا عفاريتا

وله‏:‏

ليت الذي بالعشق دونك خصني * يا ظالمي قسم المحبة بيننا

ألقى الهزبر فلا أخاف وثوبه * ويرو عني نظر الغزال إذا دنا

وله‏:‏

إنما هذه الحياة متاع * والسفيه الغوي من يصطفيها

ما مضى فات والمؤمل غيب * ولك الساعة التي أنت فيها

وله أيضاً‏:‏

قالوا‏:‏ هجرت الشعر قلت‏:‏ ضرورة * باب الدواعي والبواعث مغلق

خلت الديار فلا كريم يرتجى * منه النوال ولا مليح يعشق

ومن العجائب أنه لا يشترى * ويخان فيه مع الكساد ويسرق

كانت وفاته في هذه السنة ببلاد بلخ ودفن بها‏.‏

ومما أنشده ابن خلكان له‏:‏

إشارة منك تكفينا وأحسن ما * رد السلام غداة البين بالعنم

حتى إذا طاح عنها المرط من دهش * وانحل بالضم سلك العقد في الظلم

تبسمت فأضاء الليل فالتقطت * حبات منتثر في ضوء منتظم

 الحسين بن محمد

ابن عبد الوهاب بن أحمد بن محمد بن الحسين بن عبيد الله بن القاسم بن عبد الله بن سليمان ابن وهب الدباس أبو عبد الله الشاعر المعروف بالبارع، قرأ القراءات وسمع الحديث، وكان عارفاً بالنحو واللغة والأدب، وله شعر حسن، توفي في هذه السنة وقد جاوز الثمانين‏.‏

 محمد بن سعدون بن مرجا

أبو عامر العبدري القرشي الحافظ، أصله من بيروقة من بلاد المغرب وبغداد، وسمع بها على طراد الزينبي والحميدي وغير واحد، وكانت له معرفة جيدة بالحديث، وكان يذهب في الفروع مذهب الظاهرية، توفي في ربيع الآخر في بغداد‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/250‏)‏

 ثم دخلت سنة خمس وعشرين وخمسمائة

فيها‏:‏ ضل دبيس عن الطريق في البرية فأسره بعض أمراء الأعراب بأرض الشام، وحمله إلى ملك دمشق بوري بن طغتكين، فباعه من زنكي بن آقسنقر صاحب الموصل بخمسين ألف دينار، فلما حصل في يده لم يشك أنه سيهلكه، لما بينهما من العداوة، فأكرمه زنكي وأعطاه أموالاً جزيلة وقدمه واحترمه، ثم جاءت رسل الخليفة في طلبه فبعثه معهم، فلما وصل إلى الموصل حبس قلعتها‏.‏

وفيها‏:‏ وقع بين الأخوين محمود ومسعود، فتواجها للقتال ثم اصطلحا‏.‏

وفيها‏:‏ كانت وفاة الملك محمود بن ملكشاه فأقيم في الملك مكانه ابنه داود، وجعل له إتابك وزير أبيه وخطب له بأكثر البلاد‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 أحمد بن محمد بن عبد القاهر الصوفي

سمع الحديث وتفقه بالشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وكان شيخاً لطيفاً، عليه نور العبادة والتعلم‏.‏

قال ابن الجوزي‏:‏ أنشدني‏:‏

على كل حال فاجعل الحزم عدة * تقدمها بين النوائب والدهر

فإن نلت خيراً نلته بعزيمة * وإن قصرت عنك الأمور فعن عذر

قال‏:‏ وأنشدني أيضاً‏:‏

لبست ثوب الرجا والناس قد رقدوا * وقمت أشكو إلى مولاي ما أجد

وقلت يا عدتي في كل نائبة * ومن عليه لكشف الضر أعتمد

وقد مددت يدي والضر مشتمل * إليك يا خير من مدت إليه يد

فلا تردنها يا رب خائبة * فبحر جودك يروي كل من يرد

 الحسن بن سليمان

ابن عبد الله بن عبد الغني أبو علي الفقيه، مدرس النظامية، وقد وعظ بجامع القصر، وكان يقول‏:‏ ما في الفقه منتهى، ولا في الوعظ مبتدى‏.‏

توفي فيها، وغسله القاضي أبو العباس بن الرطبي، ودفن عند أبي إسحاق‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/251‏)‏

 حماد بن مسلم

الرحبي الدباس، كان يذكر له أحوال ومكاشفات واطلاع على مغيبات، وغير ذلك من المقامات، ورأيت ابن الجوزي يتكلم فيه ويقول‏:‏ كان عرياً من العلوم الشرعية، وإنما كان ينفق على الجهال‏.‏

وذكر عن ابن عقيل أنه كان ينفر منه، وكان حماد الدباس يقول‏:‏ ابن عقيل عدوي‏.‏

قال ابن الجوزي‏:‏ وكان الناس ينذرون له فيقبل ذلك، ثم ترك ذلك وصار يأخذ من المنامات وينفق على أصحابه‏.‏

توفي في رمضان ودفن بالشونيزية‏.‏

 علي بن المستظهر بالله

أخو الخليفة المسترشد، توفي في رجب منها وله من العمر إحدى وعشرون سنة، فترك ضرب الطبول وجلس الناس للعزاء أياماً‏.‏

 محمد بن أحمد

ابن أبي الفضل الماهاني، أحد أئمة الشافعية، تفقه بإمام الحرمين وغيره، ورحل في طلب الحديث، ودرس وأفتى وناظر‏.‏

توفي فيها وقد جاوز التسعين، ودفن بقرية ماهان من بلاد مرو‏.‏

 محمود السلطان بن السلطان ملكشاه

كان من خيار الملوك، فيه حلم وأناة وصلابة، وجلسوا للعزاء به ثلاثة أيام، سامحه الله‏.‏

 هبة الله بن محمد

ابن عبد الواحد بن العباس بن الحصين، أبو القاسم الشيباني، راوي المسند عن علي بن المهذب، عن أبي بكر بن مالك، عن عبد الله بن أحمد عن أبيه، وقد سمع قديماً لأنه ولد سنة ثنتين وثلاثين وأربعمائة، وباكر به أبوه فأسمعه، ومعه أخوه عبد الواحد، على جماعة من علية المشايخ، وقد روى عنه ابن الجوزي وغير واحد، وكان ثقة ثبتاً صحيح السماع، توفي بين الظهر والعصر يوم الأربعاء منها، وله ثلاث وتسعون سنة، رحمه الله، والله سبحانه أعلم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/252‏)‏

 ثم دخلت سنة ست وعشرين وخمسمائة

فيها‏:‏ قدم مسعود بن محمد بن ملكشاه بغداد وقدمها قراجاً الساقي، وسلجوق شاه بن محمد، وكل منهما يطلب الملك لنفسه، وقدم عماد الدين زنكي لينضم إليهما فتلقاه الساقي فهزمه فهرب منه إلى تكريت، فخدمه نائب قلعتها نجم الدين أيوب والد الملك صلاح الدين يوسف، فاتح بيت المقدس كما سيأتي إن شاء الله، حتى عاد إلى بلاده، وكان هذا هو السبب في مصير نجم الدين أيوب إليه، وهو بحلب، فخدم عنده ثم كان من الأمور ما سيأتي إن شاء الله تعالى‏.‏

ثم إن الملكين مسعود وسلجوق شاه اجتمعا فاصطلحا وركبا إلى الملك سنجر فاقتتلا معه، وكان جيشه مائة وستين ألفاً وكان جيشهما قريباً من ثلاثين ألفاً، وكان جملة من قتل بينهما أربعين ألفاً، وأسر جيش سنجر قراجاً الساقي فقتله صبراً بين يديه، ثم أجلس طغرل بن محمد على سرير الملك، وخطب له على المنابر، ورجع سنجر إلى بلاده، وكتب طغرل إلى دبيس وزنكي ليذهبا إلى بغداد ليأخذاها، فأقبلا في جيش كثيف فبرز إليهما الخليفة فهزمها، وقتل خلقاً من أصحابهما، وأزاح الله شرهما عنه، ولله الحمد‏.‏

وفيها‏:‏ قتل أبو علي بن الأفضل بن بدر الجمالي وزير الحافظ الفاطمي، فنقل الحافظ الأموال التي كان أخذها إلى داره واستوزر بعده أبا الفتح، يانس الحافظي، ولقبه أمير الجيوش، ثم احتال فقتله واستوزر ولده حسناً، وخطب له بولاية العهد‏.‏

وفيها‏:‏ عزل المسترشد وزيره علي بن طراد الزينبي واستوزر أنوشروان بن خالد بعد تمنع‏.‏

وفيها‏:‏ ملك دمشق شمس الملوك إسماعيل بن بوري بن طغتكين بعد وفاة أبيه، واستوزر يوسف بن فيروز، وكان خيراً، ملك بلاداً كثيرة، وأطاعه إخوته‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 أحمد بن عبيد الله

ابن محمد بن عبيد الله بن محمد بن أحمد بن حمدان بن عمر بن عيسى بن إبراهيم بن غثنة بن يزيد السلمي، ويعرف بابن كادش العكبري، أبو العز البغدادي، سمع الحديث الكثير، وكان يفهمه ويرويه، وهو آخر من روى عن الماوردي، وقد أثنى عليه غير واحد، منهم أبو محمد بن الخشاب، وكان محمد بن ناصر يتهمه ويرميه بأنه اعترف بوضع حديث، فالله أعلم‏.‏

وقال عبد الوهاب الأنماطي‏:‏ كان مخلطاً‏.‏

توفي في جمادى الأولى منها‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/253‏)‏

 محمد بن محمد بن الحسين

ابن القاضي أبي يعلى بن الفراء الحنبلي، ولد في شعبان سنة إحدى وخمسين وأربعمائة، سمع أباه وغيره وتفقه وناظر وأفتى ودرّس، وكان له بيت فيه مال فعدي عليه من الليل فقتل وأخذ ماله، ثم أظهر الله عز وجل على قاتله فقتلوه‏.‏

 ثم دخلت سنة سبع وعشرين وخمسمائة

في صفر منها دخل السلطان مسعود إلى بغداد فخطب له بها وخلع عليه الخليفة وولاه السلطنة، ونثر الدنانير والدراهم على الناس، وخلع على السلطان داود بن محمود‏.‏

وفيها‏:‏ جمع دبيس جمعاً كثيراً بواسط، فأرسل إليه السلطان جيشاً فكسروه، وفرقوا شمله‏.‏

ثم إن الخليفة عزم على الخروج إلى الموصل ليأخذها من زنكي فعرض عليه زنكي من الأموال والتحف شيئاً كثيراً ليرجع عنه فلم يقبل، ثم بلغه أن السلطان مسعود قد اصطلح مع دبيس وخلع عليه، فكر راجعاً سريعاً إلى بغداد سالماً معظماً‏.‏

وفيها‏:‏ مات ابن الزاغوني أحد أئمة الحنابلة، فطلب حلقته ابن الجوزي، وكان شاباً، فحصلت لغيره، ولكن أذن له الوزير أنوشروان في الوعظ، فتكلم في هذه السنة على الناس في أماكن متعددة من بغداد، وكثرت مجالسه وازدحم عليه الناس‏.‏

وفيها‏:‏ ملك شمس الملوك إسماعيل صاحب دمشق مدينة حماة، وكانت بيد زنكي‏.‏

وفي ذي الحجة نهب التركمان مدينة طرابلس وخرج إليهم القومص لعنه الله الفرنجي فهزموه وقتلوا خلقاً من أصحابه، وحاصروه فيها مدة طويلة، حتى طال الحصار، فانصرفوا‏.‏

وفيها‏:‏ تولي قاسم بن أبي فليتة مكة بعد أبيه‏.‏

وفيها‏:‏ قتل شمس الملوك أخاه سونج‏.‏

وفيها‏:‏ اشترى الباطنية قلعة حصن القدموس بالشام فسكنوها وحاربوا من جاورهم من المسلمين والفرنج‏.‏

وفيها‏:‏ اقتتلت الفرنج فيما بينهم قتالاً شديداً فمحق الله بسبب ذلك خلقاً كثيراً، وغزاهم فيها عماد الدين زنكي فقتل منهم ألف قتيل، وغنم أموالا جزيلة، ويقال لها‏:‏ غزوة أسوار‏.‏

وحج بالناس فيها قطز الخادم وكذا في التي بعدها وقبلها‏.‏

 وتوفي فيها من الأعيان‏:‏

 أحمد بن سلامة

ابن عبد الله بن مخلد بن إبراهيم، أبو العباس بن الرطبي، تفقه على أبي إسحاق وابن الصباغ ببغداد، وبأصبهان على محمد بن ثابت الخجندي، ثم تولى الحكم ببغداد بالحريم والحسبة ببغداد، وكان يؤدب أولاد الخليفة، توفي في رجب منها ودفن عند أبي إسحاق‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/254‏)‏

 أسعد بن أبي نصر بن أبي الفضل

أبو الفضل الميهني مجد الدين أحد أئمة الشافعية، وصاحب ‏(‏الخلاف والمطروقة‏)‏، وقد درس بالنظامية في سنة سبع عشرة وخمسمائة إلى سنة ثلاث وعشرين فعزل عنها، واستمر أصحابه هنالك وقد تقدم في سنة سبع عشرة أنه وليها، وأنه توفي في سنة ثلاث وعشرين‏.‏

وقال ابن خلكان‏:‏ توفي سنة سبع وعشرين

 ابن الزاغوني الحنبلي

علي بن عبد الله بن نصر بن السري الزاغوني، الإمام المشهور، قرأ القراءات وسمع الحديث، واشتغل بالفقه والنحو واللغة، وله المصنفات الكثيرة في الأصول والفروع، وله يد في الوعظ، واجتمع الناس في جنازته، وكانت حافلة جداً‏.‏

 الحسن بن محمد

ابن إبراهيم البورباري، من قراء أصبهان، سمع الحديث ورحل وخرج، وله تاريخ، وكان يكتب حسناً ويقرأ فصيحاً، توفي بأصبهان في هذه السنة‏.‏

 علي بن يعلى

ابن عوض، أبو القاسم العلوي الهروي، سمع مسند أحمد من أبي الحصين، والترمذي من أبي عامر الأزدي، وكان يعظ الناس بنيسابور، ثم قدم بغداد فوعظ بها، فحصل له القبول التام، وجمع أموالاً وكتباً‏.‏

قال ابن الجوزي‏:‏ وهو أول من سلكني في الوعظ، وتكلمت بين يديه وأنا صغير، وتكلمت عند انصرافه‏.‏

 محمد بن أحمد

ابن يحيى أبو عبد الله العثماني الديباجي، وكان ببغداد يعرف بالمقدسي، كان أشعري الاعتقاد ووعظ الناس ببغداد‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/255‏)‏

قال ابن الجوزي‏:‏ سمعته ينشد في مجلسه قوله‏:‏

دع دموعي يحق لي أن أنوحا * لم تدع لي الذنوب قلباً صحيحاً

أخلقت مهجتي أكف المعاصي * ونعاني المشيب نعياً فصيحاً

كلما قلت قد برا جرح قلبي * عاد قلبي من الذنوب جريحاً

إنما الفوز والنعيم لعبد * جاء في الحشر آمناً مستريحاً

 محمد بن محمد

ابن الحسين بن محمد بن أحمد بن خلف بن حازم بن أبي يعلى بن الفراء، الفقيه ابن الفقيه، ولد سنة سبع وخمسين وأربعمائة، سمع الحديث وكان من الفقهاء الزاهدين الأخيار، توفي في صفر منها‏.‏

 أبو محمد عبد الجبار

ابن أبي بكر محمد بن حمديس الأزدي الصقلي الشاعر المشهور، أنشد له ابن خلكان أشعاراً رائقة فمنها قوله‏:‏

قم هاتها من كف ذات الوشاح * فقد نعى الليل بشير الصباح

باكر إلى اللذات واركب لها * سوابق اللهو ذوات المراح

من قبل أن نرشف شمس الضحا * ريق الغوادي من ثغور الأقاح

ومن جملة معانيه النادرة‏:‏

زادت على كحل الجفون تكحلاً *وتسم نصل السهم وهو قتولُ

 ثم دخلت سنة ثمان وعشرين وخمسمائة

فيها‏:‏ اصطلح الخليفة وزنكي‏.‏

وفيها‏:‏ فتح زنكي قلاعاً كثيرة، وقتل خلقاً من الفرنج‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/256‏)‏

وفيها‏:‏ فتح شمس الملوك الشقيف تيروت، ونهب بلاد الفرنج‏.‏

وفيها‏:‏ قدم سلجوق شاه بغداد فنزل بدار المملكة وأكرمه الخليفة وأرسل إليه عشرة آلاف دينار، ثم قدم السلطان مسعود وأكثر أصحابه ركاب على الجمال لقلة الخيل‏.‏

وفيها‏:‏ تولى إمرة بني عقيل أولاد سليمان بن مهارش العقيلي، إكراماً لجدهم‏.‏

وفيها‏:‏ أعيد ابن طراد إلى الوزارة‏.‏

وفيها‏:‏ خلع على إقبال المسترشدي خلع الملوك، ولقب ملك العرب سيف الدولة، ثم ركب في الخلع وحضر الديوان‏.‏

وفيها‏:‏ قوي أمر الملك طغرل وضعف أمر الملك مسعود‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 أحمد بن علي بن إبراهيم

أبو الوفا الفيروزأبادي، أحد مشايخ الصوفية، يسكن رباط الزوزني، وكان كلامه يستحلى، وكان يحفظ من أخبار الصوفية وسيرهم وأشعارهم شيئاً كثيراً‏.‏

 أبو علي الفارقي

الحسن بن إبراهيم بن مرهون أبو علي الفارقي، ولد سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة، وتفقه بها على أبي عبد الله محمد بن بيان الكازروني صاحب المحاملي، ثم على الشيخ أبي إسحاق وابن الصباغ، وسمع الحديث وكان يكرر على ‏(‏المهذب‏)‏ و‏(‏الشامل‏)‏‏.‏

ثم ولي القضاء بواسط، وكان حسن السيرة جيد السريرة، ممتعاً بعقله وحواسه، إلى أن توفي في محرم هذه السنة عن ست وسبعين سنة‏.‏

 عبد الله بن محمد

ابن أحمد بن الحسن، أبو محمد بن أبي بكر الشاشي، سمع الحديث وتفقه على أبيه، وناظر وأفتى وكان فاضلاً واعظاً فصيحاً مفوهاً، شكره ابن الجوزي في وعظه وحسن نظمه ونثره، ولفظه، توفي في المحرم وقد قارب الخمسين، ودفن عند أبيه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/257‏)‏

 محمد بن أحمد

ابن علي بن أبي بكر العطان، ويعرف بابن الحلاج البغدادي، سمع الحديث وقرأ القراءات، وكان خيراً زاهداً عابداً، يتبرك بدعائه ويزار‏.‏

 محمد بن عبد الواحد الشافعي

أبو رشيد، من أهل آمل طبرستان، ولد سنة أربع وثلاثين وأربعمائة، وحج وأقام بمكة، وسمع من الحديث شيئاً يسيراً، وكان زاهداً منقطعاً عن الناس مشتغلاً بنفسه، ركب مرة مع تجار في البحر، فأوفوا على جزيرة‏.‏

فقال‏:‏ دعوني في هذه أعبد الله تعالى‏.‏

فمانعوه، فأبى إلاّ المقام بها، فتركوه وساروا فردتهم الريح إليه، فقالوا‏:‏ إنه لا يمكن المسير إلا بك، وإذا أردت المقام بها فارجع إليها‏.‏

فسار معهم ثم رجع إليها فأقام بها مدة ثم ترحل عنها ثم رجع إلى بلده آمل فمات بها، رحمه الله‏.‏

ويقال‏:‏ إنه كان يقتات في تلك الجزيرة بأشياء موجودة فيها، وكان بها ثعبان يبتلع الإنسان، وبها عين ماء يشرب منها ويتوضأ منها، وقبره مشهور بآمل يزار‏.‏

أم خليفة

المسترشد توفيت ليلة الاثنين بعد العتمة تاسع عشر شوال منها، والله سبحانه أعلم‏.‏

 ثم دخلت سنة تسع وعشرين وخمسمائة

فيها‏:‏ كانت وفاة المسترشد وولاية الراشد، وكان سبب ذلك أنه‏:‏ كان بين السلطان مسعود وبين الخليفة واقع كبير، اقتضى الحال أن الخليفة أراد قطع الخطبة له من بغداد فاتفق موت أخيه طغرل بن محمد بن ملكشاه، فسار إلى البلاد فملكها، وقوي جأشه، ثم شرع يجمع العساكر ليأخذ بغداد من الخليفة، فلما علم الخليفة بذلك انزعج واستعد لذلك، وقفز جماعة من رؤس الأمراء إلى الخليفة خوفاً على أنفسهم من سطوة الملك محمود، وركب الخليفة من بغداد في جحافل كثيرة، فيهم القضاة ورؤس الدولة من جميع الأصناف، فمشوا بين يديه أول منزلة حتى وصل إلى السرادق، وبعث بين يديه مقدمة وأرسل الملك مسعود مقدمة عليهم دبيس بن صدقة بن منصور، فجرت خطوب كثيرة، وحاصل الأمر أن الجيشين التقيا في عاشر رمضان يوم الاثنين فاقتتلوا قتالاً شديداً، ولم يقتل من الصفين سوى خمسة أنفس‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/258‏)‏

ثم حمل الخليفة على جيش مسعود فهزمهم، ثم تراجعوا فحملوا على جيش الخليفة فهزموهم وقتلوا منهم خلقاً كثيراً وأسروا الخليفة، ثم نهبت أموالهم وحواصلهم، من جملة ذلك أربعة آلاف ألف دينار، وغير ذلك من الأثاث والخلع والآنية والقماش، فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏

وطار الخبر في الأقاليم بذلك، وحين بلغ الخبر إلى بغداد انزعج الناس لذلك، وزلزلوا زلزالاً شديداً، صورة ومعنى، وجاءت العامة إلى المنابر فكسروها وامتنعوا من حضور الجماعات، وخرج النساء في البلد حاسرات ينحن على الخليفة، وما جرى عليه من الأسر، وتأسى بأهل بغداد في ذلك خلق كثير من أهل البلاد، وتمت فتنة كبيرة وانتشرت في الأقاليم، واستمر الحال على ذلك شهر ذي القعدة والشناعة في الأقاليم منتشرة، فكتب الملك سنجر إلى ابن أخيه يحذره غب ذلك عاقبة ما وقع فيه من الأمر العظيم، ويأمره أن يعيد الخليفة إلى مكانه ودار خلافته‏.‏

فامتثل الملك مسعود ذلك وضرب للخليفة سرادق عظيم، ونصب له فيه قبة عظيمة وتحتها سرير هائل، وألبس السواد على عادته وأركبه بعض ما كان يركبه من مراكبه، وأمسك لجام الفرس ومشى في خدمته، والجيش كلهم مشاة حتى أجلس الخليفة على سريره، ووقف الملك مسعود فقبل الأرض بين يديه وخلع الخليفة عليه، وجيء بدبيس مكتوفاً وعن يمينه أميران، وعن يساره أميران، وسيف مسلول ونسعة بيضاء، فطرح بين يدي الخليفة ماذا يرسم تطبيباً لقلبه، فأقبل السلطان فشفع في دبيس وهو ملقى يقول‏:‏ العفو يا أمير المؤمنين، أنا أخطأت والعفو عند المقدرة‏.‏

فأمر الخليفة بإطلاقه وهو يقول‏:‏ لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم‏.‏

فنهض قائماً والتمس أن يقبل يد الخليفة فأذن له فقبلها، وأمرها على وجهه وصدره، وسأل العفو عنه وعما كان منه‏.‏

واستقر الأمر على ذلك، وطار هذا الخبر في الآفاق وفرح الناس بذلك، فلما كان مستهل ذي الحجة جاءت الرسل من جهة الملك سنجر إلى ابن أخيه يستحثه على الإحسان إلى الخليفة، وأن يبادر إلى سرعة رده إلى وطنه، وأرسل مع الرسل جيشاً ليكونوا في خدمة الخليفة إلى بغداد، فصحب الجيش عشرة من الباطنية، فلما وصل الجيش حملوا على الخليفة فقتلوه في خيمته وقطعوه قطعاً، ولم يلحق الناس منه إلا الرسوم، وقتلوا معه أصحابه منهم عبيد الله بن سكينة، ثم أخذ أولئك الباطنية فأحرقوا قبحهم الله، وقيل‏:‏ إنهم كانوا مجهزين لقتله، فالله أعلم‏.‏

وطار هذا الخبر في الآفاق فاشتد حزن الناس على الخليفة المسترشد، وخرجت النساء في بغداد حاسرات عن وجوههن ينحن في الطرقات، قتل على باب مراغة في يوم الخميس سابع عشر ذي الحجة وحملت أعضاؤه إلى بغداد، وعمل عزاؤه ثلاثة أيام بعد ما بويع لولده الراشد‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/259‏)‏

وقد كان المسترشد شجاعاً مقداماً بعيد الهمة فصيحاً بليغاً، عذب الكلام حسن الإيراد، مليح الخط، كثير العبادة محبباً إلى العامة والخاصة، وهو آخر خليفة رُئي خطيباً، قتل وعمره خمس وأربعون سنة، وثلاثة أشهر، وكانت مدة خلافته سبع عشرة سنة وستة أشهر وعشرين يوماً، وكانت أمه أم ولد من الأتراك، رحمه الله‏.‏

 خلافة الراشد بالله

أبي جعفر منصور بن المسترشد، كان أبوه قد أخذ له العهد ثم أراد أن يخلعه فلم يقدر على ذلك لأنه لم يغدر، فلما قتل أبوه بباب مراغة في يوم الخميس السابع عشر من ذي القعدة من سنة تسع وعشرين وخمسمائة، بايعه الناس والأعيان، وخطب له على المنابر ببغداد، وكان إذ ذاك كبيراً له أولاد، وكان أبيض جسيماً حسن اللون، فلما كان يوم عرفة من هذه السنة جيء بالمسترشد وصلى عليه ببيت التوبة، وكثر الزحام، وخرج الناس لصلاة العيد من الغد وهم في حزن شديد على المسترشد، وقد ظهر الرفض قليلاً في أول أيام الراشد‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 أحمد بن محمد بن الحسين

ابن عمرو، أبو المظفر بن أبي بكر الشاشي، تفقه بأبيه واخترمته المنية بعد أخيه ولم يبلغ سن الرواية‏.‏

 إسماعيل بن عبد الله

ابن علي أبو القاسم الحاكم، تفقه بإمام الحرمين، وكان رفيق الغزالي يحترمه ويكرمه، وكان فقيهاً بارعاً، وعابداً ورعاً، توفي بطوس ودفن إلى جانب الغزالي‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/260‏)‏

دبيس بن صدقة

ابن منصور بن دبيس بن علي بن مزيد، أبو الأعز الأسدي الأمير من بيت الأمرة وسادة الأعراب، كان شجاعاً بطلاً، فعل الأفاعيل وتمرق في البلاد من خوفه من الخليفة، فلما قتل الخليفة عاش بعده أربعة وثلاثين يوماً، ثم اتهم عند السلطان بأنه قد كاتب زنكي ينهاه عن القدوم إلى السلطان، ويحذره منه، ويأمره أن ينجو بنفسه، فبعث إليه السلطان غلاماً أرمنياً فوجده منكساً رأسه يفكر في خيمته، فما كلمه حتى شهر سيفه فضربه به فأبان رأسه عن جثته، ويقال‏:‏ بل استدعاه السلطان فقتله صبراً بين يديه، فالله أعلم‏.‏

طغرل السلطان بن السلطان محمد بن ملكشاه

توفي بهمذان يوم الأربعاء ثالث المحرم منها‏.‏

 علي بن محمد النروجاني

كان عابداً زاهداً، حكى ابن الجوزي عنه أنه كان يقول‏:‏ بأن القدرة تتعلق بالمستحيلات، ثم أنكر ذلك وعذره لعدم تعقله لما يقول ولجهله‏.‏

 الفضل أبو منصور

أمير المؤمنين المسترشد، تقدم شيء من ترجمته، والله أعلم‏.‏