فصل: أما الْأَحَادِيث:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الْأَثر الثَّانِي:

عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَنه قَالَ: «لَا يدْخل أحد مَكَّة إِلَّا محرما».
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عبد الْملك، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «مَا يدْخل مَكَّة أحد من أَهلهَا وَلَا من غير أَهلهَا إِلَّا بِإِحْرَام». وَقَالَ الشَّافِعِي: ثَنَا ابْن عُيَيْنَة، عَن عَمْرو، عَن أبي الشعْثَاء «أَنه رَأَى ابْن عَبَّاس يرد من جَاوز الْمَوَاقِيت غير محرم» ذكر الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة عَنهُ، ثمَّ ذكر الأول تَعْلِيقا. وَرَوَاهُ ابْن عدي من حَدِيث ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: «لَا يدْخل أحد مَكَّة إِلَّا بِإِحْرَام، من أَهلهَا وَمن غير أَهلهَا». وَفِي إِسْنَاده الْحجَّاج بن أَرْطَاة، وَقد سلف حَاله، وَمُحَمّد بن خَالِد الوَاسِطِيّ وَهُوَ كذَّاب، رجل سوء. كَمَا قَالَه يَحْيَى، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن مُسلم، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس «فوَاللَّه مَا دَخلهَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا حاجًّا أَو مُعْتَمِرًا». وَإِسْمَاعِيل هَذَا هُوَ الْمَكِّيّ وَهُوَ ضَعِيف.

.الْأَثر الثَّالِث:

عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَنه كَانَ يقبل الْحجر الْأسود وَيسْجد عَلَيْهِ بجبهته».
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث جَعْفَر بن عبد الله- وَهُوَ ابْن الحكم- قَالَ: «رَأَيْت مُحَمَّد بن عباد بن جَعْفَر قبل الْحجر، وَسجد عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: رَأَيْت خالَكَ ابْن عَبَّاس يقبله وَيسْجد عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْن عَبَّاس: رَأَيْت عمر بن الْخطاب قبله وَسجد عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فعل هَكَذَا؛ فَفعلت». قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد.
قلت: وجعفر هَذَا تَابِعِيّ أخرجَا لَهُ، فَيَنْبَغِي أَن يكون عَلَى شَرطهمَا، لَكِن الْبَزَّار أخرجه من حَدِيث جَعْفَر بن عبد الله بن عُثْمَان المَخْزُومِي، وَهُوَ ثِقَة كَمَا قَالَ أَحْمد وَأَبُو خَالِد، وَرَأَيْت من يُوهم الْحَاكِم فِي كَونه ابْن الحكم، ويصوب مَا ذكره الْبَزَّار، وَكَذَا رَوَاهُ كَذَلِك أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ وَأَبُو عَاصِم والعقيلي، وَقَالَ: فِي حَدِيثه وهم واضطراب. وَاعْترض ابْن الْقطَّان عَلَى عبد الْحق فِي عزوه إِلَى الْبَزَّار؛ فَقَالَ: لَا ذكر لَهُ من حَدِيث عمر بن الْخطاب، من كتاب الْبَزَّار، وَلَعَلَّه من بعض أَمَالِيهِ، وَإِنَّمَا أعرفهُ عِنْد ابْن السكن. فَذكره من حَدِيث جَعْفَر بن عبد الله الْحميدِي- رجل من بني حميد من قُرَيْش- قَالَ: رَأَيْت مُحَمَّد بن عباد بن جَعْفَر قبل الْحجر ثمَّ سجد عَلَيْهِ فَقلت: مَا هَذَا؟ قَالَ: رَأَيْت خَالك عبد الله بن عَبَّاس قبله ثمَّ سجد عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: رَأَيْت عمر بن الْخطاب قبله ثمَّ سجد عَلَيْهِ. ثمَّ قَالَ: «واللَّهِ إِنِّي لأعْلم أَنَّك حجر، وَلَكِن رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فعل هَكَذَا ففعلتُه». وَرَوَى الشَّافِعِي ثمَّ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ عَن مُسلم بن خَالِد، عَن ابْن جريج، عَن مُحَمَّد بن عباد بن جَعْفَر قَالَ: «رَأَيْت ابْن عَبَّاس جَاءَ يَوْم التَّرويَة مسبدًا رَأسه، فَقبل الرُّكْن ثمَّ سجد عَلَيْهِ، ثمَّ قبله ثمَّ سجد عَلَيْهِ ثَلَاث مَرَّات» وَرَوَى الْحَاكِم ثمَّ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس أَيْضا قَالَ: «رأيتُ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْجد عَلَى الْحجر». قَالَ الْحَاكِم: حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد.

.الْأَثر الرَّابِع:

يُؤثر عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَنه كَانَ يَقُول عَلَى الصَّفَا والمروة: «اللَّهُمَّ اعصمني بِدينِك وطواعيتك وطواعية رَسُولك، اللَّهُمَّ حببني إِلَيْك وَإِلَى ملائكتك ورسلك وعبادك الصَّالِحين، اللَّهُمَّ اجْعَلنِي ممّن يحبك وَيُحب ملائكتك ورسلك وعبادك الصَّالِحين، اللَّهُمَّ آتني من خير مَا تؤتي بِهِ عِبَادك الصَّالِحين، اللَّهُمَّ اجْعَلنِي من الْمُتَّقِينَ، واجعلني من وَرَثَة جنَّة النَّعيم، واغفر لي خطيئتي يَوْم الدِّين».
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَنهُ: «أَنه كَانَ يَقُول عَلَى الصَّفَا: اللَّهُمَّ اعصمنا بِدينِك وطواعيتك وطواعية رَسُولك، وجنبنا حدودك، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا نحبك ونحب ملائكتك وأنبياءك ورسلك ونحب عِبَادك الصَّالِحين، اللَّهُمَّ حببنا إِلَيْك وَإِلَى ملائكتك وَإِلَى أنبيائك ورسلك وعبادك الصَّالِحين، اللَّهُمَّ يسرنَا لليسرى وجنبنا العسرى، واغفر لنا فِي الْآخِرَة وَالْأولَى، واجعلنا من أَئِمَّة الْمُتَّقِينَ». وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أَنه كَانَ يَقُول عَلَى الصَّفَا: اللَّهُمَّ أحينا عَلَى سُنَّةِ نبيك، وتوفنا عَلَى مِلَّته، وأعذنا من مُضِلاَّت الْفِتَن». وَفِي رِوَايَة: «أَنه كَانَ يَقُول عَلَى الصَّفَا: اللَّهُمَّ إِنَّك قلتَ: ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم وَإنَّك لَا تخلف الميعاد؛ فإنى أَسأَلك كَمَا هديتني لِلْإِسْلَامِ أَن لَا تنزعه مني حَتَّى تتوفاني وَأَنا مُسلم» رَوَاهَا مَالك فِي الْمُوَطَّأ وَالْبَيْهَقِيّ أَيْضا عَنهُ. وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي كتاب الْمَنَاسِك نقلهَا عَنهُ الضياء فِي أَحْكَامه- وَقَالَ: إسنادها جيد-: «أَنه كَانَ يَقُول عَلَى الصَّفَا: اللَّهُمَّ اعصمني بِدينِك وطواعيتك وطواعية رَسُولك، اللَّهُمَّ جنبني حدودك، اللَّهُمَّ اجْعَلنِي مِمَّن يحبك وَيُحب ملائكتك، وَيُحب رسلك، وَيُحب عِبَادك الصَّالِحين، اللَّهُمَّ يَسِّرْني لليُسْرى وجَنِّبْي العُسْرى، واغفر لي فِي الْآخِرَة وَالْأولَى، واجعلني من أَئِمَّة الْمُتَّقِينَ، اللَّهُمَّ إِنَّك قلتَ: ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم، وَإنَّك لَا تخلف الميعاد، اللَّهُمَّ إذْ هديتني لِلْإِسْلَامِ فَلَا تنزعه مِنِّي وَلَا تنزعني مِنْهُ». قَالَ نَافِع: وَكَانَ يَدْعُو بِهَذَا مَعَ دعاءٍ لَهُ طويلٍ عَلَى الصَّفَا والمروة، وبعرفاتٍ وبجمْعٍ وَبَين الْجَمْرَتَيْن وَفِي الطّواف.

.الْأَثر الْخَامِس:

اشْتهر السَّعْي من غير رقي عَلَى الصَّفَا عَن عُثْمَان وَغَيره من الصَّحَابَة من غير إِنْكَار.
ذكره الرَّافِعِيّ ردًّا عَلَى أبي حَفْص بن الْوَكِيل فِي وجوب الرقي قدر قامة عَلَى الصَّفَا، وَهَذَا رَوَاهُ الشَّافِعِي وَالْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ، عَن سُفْيَان، عَن ابْن أبي نجيح، عَن أَبِيه قَالَ: أَخْبرنِي من رَأَى عُثْمَان بن عَفَّان يقوم فِي حَوْض فِي أَسْفَل الصَّفَا وَلَا يصعد عَلَيْهِ.
قلت: وَقد سَعَى عَلَيْهِ السَّلَام رَاكِبًا، كَمَا أخرجه مُسلم وَغَيره، وَلَا يُمكن الرقي مَعَه عَلَى الصَّفَا قدر مَا ذكر.

.الْأَثر السَّادِس:

عَن عُمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «من أدْركهُ الْمسَاء فِي الْيَوْم الثَّانِي من أَيَّام التَّشْرِيق فَليقمْ إِلَى الْغَد حَتَّى ينفر مَعَ النَّاس».
وَهَذَا الْأَثر صَحِيح، رَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ لكنه عَن نَافِع عَن ابْن عمر كَانَ يَقُول: «من غربت عَلَيْهِ الشَّمْس وَهُوَ بمنى، فَلَا ينفرن حَتَّى يَرْمِي الْجمار من الْغَد من أَوسط أَيَّام التَّشْرِيق». قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ الثَّوْريّ، عَن عبيد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ عمر... فَذكر مَعْنَاهُ. قَالَ: وَرُوِيَ ذَلِك عَن ابْن الْمُبَارك، عَن عبيد الله، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا، وَرَفعه ضَعِيف. وَذكر الرَّافِعِيّ فِي أثْنَاء الْبَاب أَنه قيل: «من تقبل حجه رفع حَجَره، وَمَا بَقِي فَهُوَ مَرْدُود». وَهَذَا حَدِيث مَشْهُور رَوَاهُ الْحَاكِم، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «قُلْنَا: يَا رَسُول الله، هَذِه الْجمار الَّتِي يُرْمَى بهَا كل عَام فنحسب أَنَّهَا تنقص. قَالَ: أما إِنَّه مَا تقبل مِنْهَا رفع، وَلَوْلَا ذَلِك لرأيتها أَمْثَال الْجبَال». هَذَا لفظ الدَّارَقُطْنِيّ، وَلَفظ الآخرين: «قُلْنَا: يَا رَسُول الله، هَذِه الْأَحْجَار الَّتِي يُرْمَى بهَا تحمل فنحسب أَنَّهَا تنقعر. قَالَ: أما إِنَّه مَا يُقْبل مِنْهَا يرفع، وَلَوْلَا ذَلِك لرأيتها مثل الْجبَال». قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَقَالَ: وَيزِيد بن سِنَان الرهاوي- يَعْنِي الَّذِي فِي إِسْنَاده-: لَيْسَ بالمتروك.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه: هَذَا الحَدِيث ضَعِيف، وَيزِيد لَيْسَ بِالْقَوِيّ فِي الحَدِيث. قَالَ: وَرُوِيَ من وَجه آخر ضَعِيف عَن ابْن عمر مَرْفُوعا. قَالَ: وَإِنَّمَا هُوَ مَشْهُور عَن ابْن عَبَّاس مَوْقُوفا: «مَا تقبل مِنْهَا رفع، وَمَا لم يتَقَبَّل ترك، وَلَوْلَا ذَلِك لسد مَا بَين الجبلين». وَفِي رِوَايَة عَنهُ أَنه قَالَ: «وكل بِهِ ملك، مَا تقبل مِنْهُ رفع، وَمَا لم يتَقَبَّل ترك» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رُوِيَ عَن أبي سعيد مَوْقُوفا عَلَيْهِ: «أَنه سُئِلَ عَن رمي الْجمار، فَقَالَ لي: مَا تقبل مِنْهُ رفع، وَلَوْلَا ذَلِك لَكَانَ أطول من ثبير».

.باب حَجّ الصَّبِي:

ذكر فِيهِ حَدِيث ابْن عَبَّاس وَحَدِيث جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما:

.أما حَدِيث ابْن عَبَّاس:

فَهُوَ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام مر بِامْرَأَة وَهِي فِي محفتها، فَأخذت بعضد صبي كَانَ مَعهَا؛ فَقَالَت: أَلِهَذَا حَجّ؟ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: نعم، وَلَك أجر».
وَهُوَ حَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ مُرْسلا عَن إِبْرَاهِيم بن عقبَة، عَن كريب مولَى ابْن عَبَّاس: أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بِامْرَأَة وَهِي فِي محفتها، فَقيل لَهَا: هَذَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. فأخذتْ بضبعي صبي كَانَ مَعهَا، فَقَالَت: «أَلِهَذَا حج؟ قَالَ: نعم، وَلَك أجر». قَالَ ابْن عبد الْبر: وصل هَذَا الحَدِيث عَن مَالك: ابْن وهب وَالشَّافِعِيّ وَابْن عَثْمَة وَأَبُو المصعب وَعبد الله بن يُوسُف التنيسِي، رَوَوْهُ عَن مَالك، عَن إِبْرَاهِيم بن عقبَة، عَن كريب، عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قلت: وَلَفظ رِوَايَة الشَّافِعِي: «بعضد صبي» بدل «بضبعي صبي»، وَرَوَاهُ أَحْمد، عَن سُفْيَان، عَن إِبْرَاهِيم بن عقبَة بِنَحْوِهِ، وَرَوَاهُ مُسلم من حَدِيث سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن إِبْرَاهِيم بن عقبَة، عَن كريب، عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «لَقِي ركبًا بِالرَّوْحَاءِ، فَقَالَ: من الْقَوْم؟ قَالَ: الْمُسلمُونَ. فَقَالُوا: من أَنْت؟ قَالَ: رَسُول الله. فَرفعت إِلَيْهِ امْرَأَة صبيًّا فَقَالَت: أَلِهَذَا حج؟ قَالَ: نعم، وَلَك أجر». ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث سُفْيَان عَن مُحَمَّد بن عقبَة، عَن كريب، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «رفعت امْرَأَة صبيًّا لَهَا، فَقَالَت: يَا رَسُول الله، أَلِهَذَا حج؟ قَالَ: نعم، وَلَك أجر». وَمن حَدِيث سُفْيَان، عَن إِبْرَاهِيم بن عقبَة، عَن كريب: «أَن امْرَأَة رفعت صبيًّا صَغِيرا، فَقَالَت: يَا رَسُول الله، أَلِهَذَا حج؟ قَالَ: نعم، وَلَك أجر». وَمن حَدِيث سُفْيَان، عَن مُحَمَّد بن عقبَة، عَن كريب، عَن ابْن عَبَّاس مثله. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ كَلَفْظِ مُسلم الأول، وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه بِأَلْفَاظ، أَحدهَا: كَرِوَايَة الشَّافِعِي.
ثَانِيهَا:
«بَيْنَمَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يمشى فِي بطن الروحاء، إِذْ أقبل وَفد، فَقَالَ رجل مِنْهُم: من أَنْتُم؟ فَقَالَ: نَحن الْمُسلمُونَ، ثمَّ قَالَت امْرَأَة: من أَنْت؟ قَالَ: أَنا رَسُول الله. فأخرجت صبيًّا، فَقَالَت: يَا رَسُول الله، أَلِهَذَا حج؟ فَقَالَ: نعم، وَلَك أجر».
ثَالِثهَا:
«أَنه عَلَيْهِ السَّلَام صدر من مَكَّة، فَلَمَّا كَانَ بِالرَّوْحَاءِ، استقبله ركب فَسلم عَلَيْهِم، فَقَالَ: من الْقَوْم؟ قَالُوا: الْمُسلمُونَ. من أَنْتُم؟ قَالَ: رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. ففرغتْ امْرَأَة مِنْهُم، فَرفعت صبيًّا لَهَا من محفة، وَأخذت بعضده، فَقَالَت: يَا رَسُول الله، هَل لهَذَا حج؟ قَالَ: نعم، وَلَك أجر». قَالَ إِبْرَاهِيم بن عقبَة: حدثت بِهَذَا الحَدِيث ابْن الْمُنْكَدر، فحجَّ بأَهْله أَجْمَعِينَ. وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي أكبر معاجمه: «أَن امْرَأَة رفعت صبيًّا لَهَا فِي خرقَة، فَقَالَت: يَا رَسُول الله...» الحَدِيث. ورَوَاهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا من حَدِيث جَابر وَقَالَ: غَرِيب.
فَائِدَة:
المِحَفة: بِكَسْر الْمِيم، وَفتح الْحَاء، كَذَا قَيده النَّوَوِيّ فِي شرح المهذَّب، وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث المهذَّب: المحفة: بِكَسْر الْمِيم وَبِفَتْحِهَا، وَهِي شبه الهودج، إِلَّا أَنه لَا قبَّة عَلَيْهَا.
والرَّوْحاء: بِفَتْح الرَّاء وَإِسْكَان الْوَاو وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة ممدودة، مَوضِع من عمل الفُرْع- بِضَم الْفَاء وَإِسْكَان الرَّاء- بَينهَا وَبَين الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة سِتَّة وَثَلَاثُونَ ميلًا، كَذَا جَاءَ فِي صَحِيح مُسلم من كَلَام طَلْحَة بن نَافِع التَّابِعِيّ الْمَشْهُور، وحَكَى صَاحب الْمطَالع أَن بَينهمَا أَرْبَعُونَ ميلًا، وَأَن فِي كتاب ابْن أبي شيبَة: بَينهمَا ثَلَاثُونَ ميلًا. وَكَانَ سُؤال الْمَرْأَة فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس هَذَا فِي حجَّة الْوَدَاع سنة عشر من الْهِجْرَة، قبل وَفَاة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِنَحْوِ ثَلَاثَة أشهر. ذكره النَّوَوِيّ فِي شرح المهذَّب.
تَنْبِيه:
قَالَ الرَّافِعِيّ بعد ذَلِك فِي تَوْجِيهه الطَّرِيقَة القاطعة بِأَن الْأُم تحرم عَن الصَّبِي: أَنهم احْتَجُّوا بِخَبَر ابْن عَبَّاس هَذَا، وَقَالُوا: الظَّاهِر أَنَّهَا كَانَت تحرم عَن الَّذِي رفعته فِي محفتها. انْتَهَى. أما كَونهَا أمه، فَهُوَ ظَاهر رِوَايَة ابْن حبَان الثَّانِيَة وَرِوَايَة الطَّبَرَانِيّ أَيْضا، وَأما أَنَّهَا الَّتِي أحْرمت عَنهُ فَلَيْسَ فِي الرِّوَايَات التَّصْرِيح بذلك، نعم هُوَ الظَّاهِر كَمَا قَالُوهُ.

.وَأما حَدِيث جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه:

قَالَ: «حجَجنَا مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ومعنا النِّسَاء وَالصبيان فلبينا عَن الصّبيان ورمينا عَنْهُم».
فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي جامعه وَابْن مَاجَه فِي سنَنه من حَدِيث أَشْعَث بن سوار، عَن أبي الزبير، عَنهُ بِهِ، وَاللَّفْظ لِابْنِ مَاجَه، وَلَفظ التِّرْمِذِيّ: «كُنَّا إِذا حجَجنَا مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَكُنَّا نلبي عَن النِّسَاء ونرمي عَن الصّبيان». وَهُوَ حَدِيث مَعْلُول من أوجه، أَحدهَا: أَن أَشْعَث بن سوار هَذَا كوفيّ كِنْديّ، يعرف بالنجار التوابيتي الأفرق القَاضِي، من رجال مُسلم مُتَابعَة، وَلينه جمَاعَة، قَالَ أَبُو زرْعَة: فِيهِ لين. وَقَالَ أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. وَاخْتلف النَّقْل عَن يَحْيَى فِيهِ فَنقل عَبَّاس عَنهُ أَنه قَالَ فِيهِ: ضَعِيف. وَنقل ابْن الدَّوْرَقِي عَنهُ أَنه قَالَ: هُوَ ثِقَة. وَقَالَ ابْن حبَان: فَاحش الْخَطَأ، كثير الْوَهم. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: إِنَّه حَدِيث غَرِيب، لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه. وَقَالَ عبد الْحق: أحسن مَا سَمِعت فِيهِ قَول ابْن عدي: لم أجد لَهُ متْنا مُنْكرا، إِنَّمَا يخلط فِي الْأَسَانِيد فِي الْأَحَايِين.
الثَّانِي: أَن أَبَا الزبير مُدَلّس، وَقد عنعن.
الثَّالِث: أَنه مُضْطَرب الْمَتْن، فمتن التِّرْمِذِيّ فِيهِ كَمَا مر: «نلبي عَن النِّسَاء ونرمي عَن الصّبيان» أَي: يُلَبِّي الرِّجَال عَن النِّسَاء، ويرمون عَن الصّبيان. وَلَفظ ابْن مَاجَه كَمَا مر، وَكَذَا رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة سَوَاء- أَعنِي: التَّلْبِيَة عَن الصّبيان أَيْضا- وَلم يذكر التَّلْبِيَة عَن النِّسَاء. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَهَذَا أولَى بِالصَّوَابِ وأشبه بِهِ؛ فَإِن الْمَرْأَة لَا يُلَبِّي عَنْهَا غَيرهَا، أجمع أهل الْعلم عَلَى ذَلِك، حَكَاهُ هَكَذَا التِّرْمِذِيّ، قَالَ: وَإِنَّمَا لَا ترفع صَوتهَا بِالتَّلْبِيَةِ فَقَط. وَقَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ فِي أَحْكَامه: لَعَلَّ أَنه يُرِيد أَنه لما كره لَهَا رفع صَوتهَا بِالتَّلْبِيَةِ كَانَ رفع أصواتنا بهَا كَأَنَّهَا عَنْهُن، وَكَأَنَّهُم لبوا عَنْهُن؛ إِذْ هَذَا الشعار مَقْصُود فِي الْحَج.

.باب مُحرمَات الْإِحْرَام:

ذكر فِيهِ أَحَادِيث وآثارًا:

.أما الْأَحَادِيث:

فستة وَثَلَاثُونَ حَدِيثا:

.الحديث الأول:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي الْمحرم الَّذِي خر من بعيره: «لَا تخمروا رَأسه؛ فَإِنَّهُ يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة ملبيًا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، كَمَا سلف بَيَانه فِي أوَّل الْجَنَائِز.

.الحديث الثَّانِي:

عَن أم الْحصين رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «حججْت مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حجَّة الْوَدَاع، فَرَأَيْت أُسَامَة بن زيد وبلالاً، أَحدهمَا آخذ بِخِطَام نَاقَته، وَالْآخر رَافع ثَوْبه يستره من الْحر حَتَّى رَمَى جَمْرَة الْعقبَة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه كَذَلِك، زَاد النسائيُّ: «فَحَمدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ...» وَذكر قولا كثيرا، وَأغْرب ابْنُ الْجَوْزِيّ فَذكره فِي كِتَابه التَّحْقِيق من طَرِيق أبي دَاوُد وَقَالَ: احْتج بِهِ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ بِجَوَاز تظليل الْمحرم بالمحمل. ثمَّ قَالَ: وَالْجَوَاب: أَن أَبَا عبد الرَّحِيم- الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده- ضَعِيف. كَذَا قَالَ، وَأَخْطَأ فِي تَضْعِيفه، فَأَبُو عبد الرَّحِيم هَذَا ثِقَة، واسْمه: خَالِد بن يزِيد، وَيُقَال: ابْن أبي يزِيد، وَقد احْتج بِهِ مُسلم فِي صَحِيحه، وَأخرج الحديثَ المذكورَ فِي صَحِيحه من جِهَته، وَكَذَا أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ.

.الحديث الثَّالِث:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم احْتجم عَلَى رَأسه وَهُوَ محرم».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث عبد الله بن مَالك ابْن بُحَيْنَة قَالَ: «احْتجم النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ محرم بِلحي جمل- من طَرِيق مَكَّة- فِي وسط رَأسه». وَأَخْرَجَاهُ أَيْضا من حَدِيث ابْن عَبَّاس: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام احْتجم وَهُوَ محرم». وللبخاري: «احْتجم وَهُوَ محرم، وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِم». وَله أَيْضا: «احْتجم فِي رَأسه وَهُوَ محرم من وجع كَانَ بِهِ، بِمَاء يُقَال: لحي جمل». وَفِي رِوَايَة لَهُ: «من شَقِيقَة كَانَت بِهِ» واستدركه الْحَاكِم من حَدِيث ابْن عَبَّاس بِلَفْظ: «أَنه- عَلَيْهِ السَّلَام- احْتجم وَهُوَ محرم عَلَى رَأسه». ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث مخرج بِإِسْنَادِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ دون ذكر الرَّأْس وَهُوَ صَحِيح عَلَى شَرطهمَا، وَقد علمت أَنه فِي صَحِيح البُخَارِيّ وَرَوَاهُ أَحْمد أَيْضا بعد أَن ذكر الشَّاة المسمومة: «فَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام إِذا وجد من ذَلِك شَيْئا احْتجم، فسافر مرَّةً، فلمَّا أحرم وَجَدَ من ذَلِك شَيْئا فاحتجم». وَفِي رِوَايَة لَهُ: «احْتجم وَهُوَ محرم فِي رَأسه من صداع كَانَ بِهِ، أَو شَيْء كَانَ بِهِ بماءٍ يُقَال: لحي جملٍ». وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن الْحجَّاج، عَن الحكم، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «إِن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم احْتجم صَائِما محرما فَغشيَ عَلَيْهِ، قَالَ: فَلذَلِك كره الْحجامَة للصَّائِم».

.الحديث الرَّابِع:

عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَمَّا يلبس الْمحرم من الثِّيَاب، فَقَالَ: لَا يلبس الْقَمِيص وَلَا السَّرَاوِيل، وَلَا العمائم، وَلَا البرانس، وَلَا الْخفاف، إِلَّا أحد لَا يجد نَعْلَيْنِ فليلبس الْخُفَّيْنِ، وليقطعهما أَسْفَل من الْكَعْبَيْنِ».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا بِزِيَادَة: «وَلَا يلبس ثوبا مَسّه زعفران أَو ورس». وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «وَلَا تنتقب الْمَرْأَة الْمُحرمَة وَلَا تلبس القفازين». وَوَقع للمحب الطَّبَرِيّ أَن هَذِه الزِّيَادَة فِي مُسلم وَهُوَ من النَّاسِخ، وَإِنَّمَا هِيَ فِي البُخَارِيّ وَحده، وَنقل الْحَاكِم عَن أبي عَلّي الْحَافِظ أَن: «لَا تنتقب الْمَرْأَة» من قَول ابْن عمر وَقد أدرج فِي الحَدِيث، وَأقرهُ الْبَيْهَقِيّ عَلَيْهِ، وَهَذَا يحْتَاج إِلَى دَلِيل؛ فَإِنَّهُ خلاف الظَّاهِر كَمَا نبه عَلَيْهِ صَاحب الإِمام، وَحَكَى ابْن الْمُنْذر خلافًا فِي أَن هَذِه الزِّيَادَة من الحَدِيث أَو من كَلَام ابْن عمر. وَادَّعَى بَعضهم أَن قَوْله: «وليقطعهما» من كَلَام نَافِع، كَذَلِك رَوَاهُ ابْنُ بَشرَان فِي أَمَالِيهِ بِإِسْنَاد جيد، وَفِيه النّظر السالف، وَزَاد الْبَيْهَقِيّ فِيهِ: «وَلَا تلبس القباء». قَالَ: وَهَذِه الزِّيَادَة مَحْفُوظَة. وَزَاد أَبُو مُعَاوِيَة بعد قَوْله «زعفران»: «إِلَّا أَن يكون غسيلاً». قَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَن هَذِه الزِّيَادَة؛ فَقَالَ: أَخطَأ أَبُو مُعَاوِيَة فِيهَا. وَخَالف الطحاويُّ فَقَالَ: قَالَ ابْن أبي عمرَان: عجب يَحْيَى من الْحمانِي أَن يحدث بِهَذَا، يَعْنِي: بِهَذِهِ اللَّفْظَة «إِلَّا أَن يكون غسيلاً» فَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن صَالح الْأَزْدِيّ: هَذَا عِنْدِي. ثمَّ وثب من فوره فجَاء بِأَصْلِهِ، فَأخْرج مِنْهُ هَذَا الحَدِيث عَن أبي مُعَاوِيَة كَمَا ذكره يَحْيَى الْحمانِي، فَكَتبهُ يَحْيَى بن معِين. قَالَ الطَّحَاوِيّ: فَثَبت بِهَذَا الْإِسْنَاد الغسيل مِمَّا مَسّه ورس أَو زعفران.
تَنْبِيه: وَقع فِي الْخُلَاصَة عَلَى مَذْهَب أبي حنيفَة النَّهْي عَن المعصفر أَيْضا، وَهُوَ غَرِيب، وَسَيَأْتِي فِي الْبَاب عَكسه وَهُوَ إِبَاحَته للنِّسَاء.
فَائِدَة: الْبُرْنُس: قلنسوة طَوِيلَة، كَانَ الزهاد يلبسونها فِي صدْر الْإِسْلَام.
والورس: نبت أصفر يكون بِالْيمن، يتَّخذ مِنْهُ الغمرة للْوَجْه، وتصبغ بِهِ الثِّيَاب. قَالَه الْجَوْهَرِي وَغَيره.
والقُفَّاز: بِضَم الْقَاف وَتَشْديد الْفَاء، قَالَ الْجَوْهَرِي فِي صحاحه: هُوَ شَيْء يعْمل لِلْيَدَيْنِ، يحشى بِقطن، يكون لَهُ أزرار تزر عَلَى الساعدين من البَرْد، تلبسه الْمَرْأَة فِي يَديهَا.

.الحديث الخَامِس:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي الْمحرم الَّذِي خر عَن بعيره وَمَات: «خمروا وَجهه وَلَا تخمروا رَأسه».
هَذَا الحَدِيث أَصله فِي الصَّحِيحَيْنِ بِغَيْر هَذَا اللَّفْظ، وَقد سلف أول الْبَاب بِلَفْظ: «وَلَا تخمروا رَأسه». وقدَّمنا أَنه سلف فِي الْجَنَائِز، وَأما بِاللَّفْظِ الَّذِي ذكره المُصَنّف فَلَيْسَ بالمشهور، حَتَّى إِن ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه لم يعزه لأحد عَلَى خلاف عَادَته، وَإِنَّمَا قَالَ: رَوَاهُ أَصْحَابنَا. نعم رَوَاهُ الشَّافِعِي وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه فِي الْجَنَائِز من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن أبي حرَّة، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «خمروا وَجهه وَلَا تخمروا رَأسه، وَلَا تمسوه طيبا، فَإِن الله يَبْعَثهُ يَوْم الْقِيَامَة ملبيًا». ثمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عَطاء عَن ابْن عَبَّاس أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «خمروا وُجُوه مَوْتَاكُم، وَلَا تشبهوا بيهود». ثمَّ قَالَ: إِن صَحَّ هَذَا يشْهد لرِوَايَة إِبْرَاهِيم بن أبي حرَّة فِي الْأَمر بتخمير الْوَجْه. قَالَ: إِلَّا أَن عبد الله بن أَحْمد قَالَ: حدثت أبي بِهَذَا الحَدِيث فَأنكرهُ وَقَالَ: هَذَا أَخطَأ فِيهِ حَفْص فرفعه، وَرَوَاهُ غيرُه مُرْسلا. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: كَذَلِك رَوَاهُ الثَّوْريّ وَغَيره عَن ابْن جريج مُرْسلا. قَالَ: وَرُوِيَ عَن عليّ بن عَاصِم، عَن ابْن جريج كَمَا رَوَاهُ حَفْص، وَهُوَ وهم.
قلت: وَإِبْرَاهِيم بن أبي حرَّة ضعفه السَّاجِي، لَكِن وَثَّقَهُ ابْن معِين وَأحمد وَأَبُو حَاتِم، وَزَاد: لَا بَأْس بِهِ. وَعلي بن عَاصِم: ضَعِيف، كثير الْغَلَط، وَكَانَ فِيهِ لُجَاج، وَلم يكن مُتَّهمًا. كَمَا قَالَه أَحْمد بن حَنْبَل. قَالَ ابْن أبي خَيْثَمَة: قيل لِابْنِ معِين: إِن أَحْمد يَقُول فِيهِ: ثِقَة. قَالَ: لَا واللَّهِ، مَا كَانَ عِنْده قطّ ثِقَة، وَلَا حدَّث عَنهُ بحرفٍ قطّ، فَكيف صَار عِنْده الْيَوْم ثِقَة؟!. ولمَّا ذكره ابْنُ الْقطَّان من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث حَفْص بن غياث، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس رَفَعَهُ: «خَمِّرُوا وُجُوهَ مَوْتَاكُم، وَلَا تشبَّهُوا باليهود». قَالَ: عبد الرَّحْمَن بن صَالح الْأَزْدِيّ- رَاوِيه عَن حَفْص بن غياث- صَدُوق. قَالَه أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ، وباقى الْإِسْنَاد لَا يسْأَل عَنهُ، قَالَ: وَهُوَ أَعم من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ الأولَى- يَعْنِي: روايةَ عَلّي بن عَاصِم عَن ابْن جريج، فِي المُحْرم يَمُوت؛ فَقَالَ: «خمِّروهم وَلَا تشبَّهوا باليهود» وَأَصَح مِنْهَا وَقَالَ ابْن حزم فِي كِتَابه حجَّة الْوَدَاع فِي رِوَايَة عَطاء الْمُرْسلَة: هَذَا مُرْسل، لَا يقوم بمِثْله حُجَّة. ورواهُ الْحَاكِم فِي عُلُوم الحَدِيث من حَدِيث سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس: «أَن مُحْرِمًا...» الحَدِيث، وَفِيه: «وَلَا تخمِّرُوا وَجْهَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْم الْقِيَامَة يُلبِّي». ثمَّ قَالَ: ذكْرُ «الْوَجْه» تَصْحِيف من بعض الروَاة؛ لإِجْمَاع الثِّقَات الْأَثْبَات مِنْ أَصْحَاب عَمرو بن دِينَار عَلَى رِوَايَته عَنهُ «وَلَا تُغَطُّوا رَأْسَه»، وَهُوَ الْمَحْفُوظ. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سألتُ أبي عَنهُ؛ فَقَالَ: حَدِيْث مُنْكَر.

.الحديث السَّادِس:

«أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: لَا تَنْتَقِبُ المرأةُ، وَلَا تَلْبَسُ القُفَّازَيْن».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، كَمَا تقدم بَيَانه فِي أثْنَاء الحَدِيث الرَّابِع.

.الحديث السَّابِع:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهَى النساءَ فِي إحرامهن عَن النقاب، ولتلبس بعد ذَلِك مَا أحبت من ألوان الثِّيَاب مُعَصْفَرًا أَو خَزًّا أَو حليًّا أَو سَرَاوِيل أَو قَمِيصًا أَو خفًّا».
هَذَا الحَدِيث حسن، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ثمَّ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنَيْهِمَا وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من رِوَايَة عبد الله بن عُمر: «أَنه سمع رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ينْهَى النساءَ فِي إحرامهن عَن القفازين، والنقاب، وَمَا مس الورس والزعفران من الثِّيَاب، ولتلبس بعد ذَلِك مَا أحبَّتْ من ألوان الثِّيَاب من معصفرٍ أَو خَز أَو حُليّ أَو سَرَاوِيل أَو قميصٍ أَو خُفٍّ». هَذَا لفظ الْبَيْهَقِيّ وَالْحَاكِم، وَلَفظ أبي دَاوُد كَلَفْظِ الرَّافِعِيّ الَّذِي أوردناه بِزِيَادَة: «وَمَا مس الورس والزعفران». وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده إِلَى قَوْله: «والزعفران من الثِّيَاب» وَهُوَ مَا قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ عَن ابْن إِسْحَاق عَبْدَة بن سُلَيْمَان وَمُحَمّد بن سَلمَة إِلَى قَوْله: «وَمَا مس الورس والزعفران من الثِّيَاب». وَلم يذكرَا مَا بعده، وَرِجَال إِسْنَاده مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيحَيْنِ خلا محمدُ بن إِسْحَاق صَاحب الْمَغَازِي، فَإِنَّهُمَا لم يحْتَجَّا بِهِ، وَإِنَّمَا أخرج لَهُ مُسلم مُتَابعَة، لَا جرم قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم وَلم يخرجَاهُ. وَمرَاده: أَنه عَلَى شَرط مُسلم فِي ابْن إِسْحَاق؛ فَإِنَّهُ أخرج لَهُ كَمَا قُلْنَاهُ، لكنه لم يخرج لَهُ مُسْتَقلاًّ، نَعَمْ أَكثر مَا عَابُوا عَلَى ابْن إِسْحَاق التَّدْلِيس، وَقد صرَّح فِي هَذَا الحَدِيث بِالتَّحْدِيثِ من نَافِع، والمدلِّس إِذا صرَّح بِالتَّحْدِيثِ احْتُجَّ بحَديثه؛ فَيكون حَدِيثه هَذَا حسنا، وَقد رُوِيَ بعضه مَوْقُوفا، أخرجه مَالك فِي الْمُوَطَّأ عَن نَافِع أَن ابْن عمر كَانَ يَقُول: «لَا تنتقب الْمَرْأَة الْمُحرمَة، وَلَا تَلْبَس القفازين». وَقَالَ ابْن عبد الْبر فِي تمهيده، وَرَوَاهُ أَبُو قُرَّة مُوسَى بن طَارق، عَن مُوسَى بن عقبَة، عَن نَافِع مَوْقُوفا عَلَى ابْن عُمر.