فصل: أما الْأَحَادِيث:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّالِث:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا جَاءَ أحدكُم خادمه بطعامه، وَقد كَفاهُ حره وَعَمله، فليقعد فَليَأْكُل مَعَه، وَإِلَّا فليناوله أَكلَة من طَعَام». وَفِي رِوَايَة قَالَ: «إِذا كفَى أحدكُم خادمه طَعَامه حره ودخانه فليجلسه مَعَه، فَإِن أَبَى فليروغ لَهُ لقْمَة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِذا أَتَى أحدكُم خادمه بطعامه، فَإِن لم يجلسه مَعَه فليناوله لقْمَة أَو لقمتين أَو أَكلَة أَو أكلتين فَإِنَّهُ ولي حرَّه وعلاجه». هَذَا لفظ البُخَارِيّ، وَلَفظ مُسلم: «إِذا صنع لأحدكم خادمه طَعَامه ثمَّ جَاءَ بِهِ، وَقد ولي حره ودخانه، فليقعده مَعَه فَليَأْكُل، فَإِن كَانَ الطَّعَام مشفوهًا قَلِيلا فليضع مِنْهُ فِي يَده أَكلَة أَو أكلتين». قَالَ دَاوُد بن قيس: يَعْنِي لقْمَة أَو لقمتين. وَأخرجه الشَّافِعِي فِي الْأُم، ثمَّ الْبَيْهَقِيّ عَنهُ بِاللَّفْظِ الثَّانِي الَّذِي ذكره الرَّافِعِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَيْضا.
فَائِدَة:
الأَُكلة- بِضَم الْهمزَة-: اللُّقْمَة، وَبِفَتْحِهَا: الْمرة الْوَاحِدَة من الْأكل، وَلَيْسَ مرَادا هُنَا، وَلِهَذَا قَالَ الرَّافِعِيّ: إِنَّهَا هُنَا بِالضَّمِّ. وحره: تَعبه ومشقته. وعلاجه: مزاولته. وروغ اللُّقْمَة: رَوَاهَا دسمًا. والمشفوه: الْقَلِيل.
فَائِدَة:
أَشَارَ الشَّافِعِي فِي ذَلِك إِلَى ثَلَاث احتمالات، ذكرهَا الرَّافِعِيّ: أَحدهَا: وجوب الترويغ والمناولة. ثَانِيهَا: وجوب أَحدهمَا لَا بِعَيْنِه. وأصحهما أَنه لَا يجب وَاحِد مِنْهُمَا. انْتَهَى. وَقد يتَوَقَّف النَّاظر فِي تغايرها؛ لِأَن حَقِيقَة الأول التَّخْيِير، وَالثَّانِي كَذَلِك، وَالْأول يَقُول بأفضلية الإجلاس، وَالثَّانِي يُسَوِّي بَينهمَا. وَلما ذكر الْغَزالِيّ فِي وسيطه هَذِه الثَّلَاثَة ذكر بدل الأول أَنه يجب التَّرْتِيب، وَرجح الشَّافِعِي فِي الْمُخْتَصر الِاحْتِمَال الأول، وَقَالَ: إِنَّه أولَى بِمَعْنى الحَدِيث، بِخِلَاف مَا رَجحه الرَّافِعِيّ.

.الحديث الرَّابِع:

ثَبت عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: «عذبت امْرَأَة فِي هرة سجنتها حَتَّى مَاتَت فَدخلت فِيهَا النَّار، لَا هِيَ أطعمتها وسقتها إِذْ هِيَ حبستها، وَلَا هِيَ تركتهَا تَأْكُل من خشَاش الأَرْض». أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَفِي بعض طرق البُخَارِيّ: «حَتَّى مَاتَت جوعا فَدخلت فِيهَا النَّار».
ثَانِيهَا: من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، رَفعه: «عذبت امْرَأَة فِي هرة لم تطعمها، وَلم تسقها، وَلم تتركها تَأْكُل من خشَاش الأَرْض». رَوَاهُ مُسلم وقَالَ البُخَارِيّ لما سَاق حَدِيث ابْن عمر: فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة مثله.
ثَالِثهَا: من حَدِيث جَابر، أخرجه مُسلم فِي الْكُسُوف وَلَفظه: «وَعرضت عليَّ النَّار فَرَأَيْت امْرَأَة من بني إِسْرَائِيل تعذب فِي هرة لَهَا ربطتها فَلم تطعمها، وَلم تدعها تَأْكُل من خشَاش الأَرْض». وَفِي رِوَايَة لَهُ: «رَأَيْت فِي النَّار امْرَأَة حميرية سَوْدَاء طَوِيلَة» وَلم يقل: «من بني إِسْرَائِيل». وَفِي رِوَايَة: «رَأَيْت فِيهَا صَاحِبَة الْهِرَّة الَّتِي ربطتها فَلم تطعمها...» الحَدِيث.
رَابِعهَا: من حَدِيث أَسمَاء رَوَاهُ مُسلم أَيْضا وَلَفظه: «فَإِذا امْرَأَة حبستها هرة». الحَدِيث، وَرَوَاهُ البُخَارِيّ من هَذَا الْوَجْه فِي بَاب مَا يُقَال بعد التَّكْبِير.
خَامِسهَا وسادسها: من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو، وَعقبَة بن عَامر رَوَاهُمَا ابْن حبَان فِي صَحِيحه. وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده من حَدِيث ابْن لَهِيعَة، عَن أبي الزبير، عَن جَابر، بِهِ.
فَائِدَة: قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «فِي هرة» أَي: بِسَبَب هرة. و«الخشاش» بِفَتْح الْخَاء وَكسرهَا. قالهُ الرَّافِعِيّ، وَبِضَمِّهَا كَمَا حَكَاهُ القَاضِي فِي مشارقه وَالْفَتْح أشهر. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَهُوَ هوَام الأَرْض.
قلت: وَهَذَا هُوَ الصَّواب، وَقد جَاءَ ذَلِك فِي رِوَايَة مُسلم: «تَأْكُل من حشرات الأَرْض»، وَأبْعد من قَالَ: إِنَّه النَّبَات. والخشاش بِالْمُعْجَمَةِ، وَقيل بِالْمُهْمَلَةِ، وَهَذِه الْمَرْأَة يجوز أَن تكون كَافِرَة، لَكِن ظَاهر الحَدِيث أَنَّهَا مسلمة وعذبت عَلَى إصرارها عَلَى ذَلِك، وَلَيْسَ فِي الحَدِيث تخليدها. قلت: رَوَى الْحَافِظ أَبُو نعيم فِي تَارِيخ أَصْبَهَان أَنَّهَا كَافِرَة، وَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور أَنَّهَا عَن عَائِشَة؛ فَتكون من جملَة اسْتِحْقَاقهَا النَّار حبس الْهِرَّة، وأبداه القَاضِي احْتِمَالا، وَأنْكرهُ النَّوَوِيّ واستبعده.
وَذكر الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب أثرا وَاحِدًا: وَهُوَ: رُوِيَ عَن عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، أَنه قَالَ: «لَا تكلفوا الصَّغير الْكسْب فيسرق، وَلَا الْأمة غير ذَات الصَّنْعَة فتكتسب بفرجها».
وَهَذَا الْأَثر ذكره الشَّافِعِي كَذَلِك فِي الْمُخْتَصر بِغَيْر إِسْنَاد وأسنده فِي غَيره، عَن مَالك وَهُوَ فِي الْمُوَطَّأ، عَن عَمه أبي سُهَيْل، عَن أَبِيه، أَنه سمع عُثْمَان بن عَفَّان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، أَنه قَالَ: «لَا تكلفوا الصَّغِير الْكسْب فَإِنَّكُم مَتى كلفتموه الْكسْب يسرق وَلَا الْأمة غير ذَات الصَّنْعَة الْكسْب فَإِنَّهُ مَتى كلفتموها الْكسْب كسبت بفرجها». قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَزَاد ابْن أبي أويس فِي رِوَايَته: «وعفوا إِذا أعفكم الله وَعَلَيْكُم من المطاعم بِمَا طَابَ مِنْهَا». قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَفعه بَعضهم عَن عُثْمَان من حَدِيث الثَّوْريّ. وَرَفعه ضَعِيف.
فَائِدَة: قَالَ صَاحب الْمطَالع وَقع فِي موطأ يَحْيَى: الْمَرْأَة. وَفِي موطأ ابْن بكير: الْأمة. وَكِلَاهُمَا صَحِيح، وَالْأمة أوجه.

.كتاب الْجراح:

كتاب الْجراح:

.باب مَا جَاءَ فِي التَّشْدِيد فِي الْقَتْل:

ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَرْبَعَة أَحَادِيث:

.أَحدهَا:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ أَي الذَّنب أكبر عِنْد الله؟ فَقَالَ: «أَن تجْعَل لله ندًّا وَهُوَ خلقك. قيل: ثمَّ أَي قَالَ: أَن تقتل ولدك».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي الْأُم بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيح، عَن عبد الله بن مَسْعُود، قَالَ: «سَأَلت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَي الْكَبَائِر أكبر؟ قَالَ: أَن تجْعَل لله نِدًّا وَهُوَ خلقك. قلت: ثمَّ أَي؟ قَالَ: أَن تقتل ولدك من أجل أَن يَأْكُل مَعَك». وَرَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من هَذَا الْوَجْه أَيْضا بِلَفْظ: «سَأَلت- أَو سُئِلَ- رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَي الذَّنب عِنْد الله أعظم؟ قَالَ: أَن تجْعَل لله ندًّا وَهُوَ خلقك. قَالَ: قلت: إِن ذَلِك لعَظيم. قلت: ثمَّ أَي؟ قَالَ: أَن تقتل ولدك مَخَافَة أَن يطعم مَعَك. قلت: ثمَّ أَي؟ قَالَ: أَن تُزَانِي حَلِيلَة جَارك. قَالَ: وَنزلت هَذِه الْآيَة تَصْدِيقًا لقَوْل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: {وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر وَلَا يقتلُون النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ}».
فَائِدَة: الند: الْمثل، والحليلة: الْمَرْأَة، والحليل: الزَّوْج.

.الحديث الثَّانِي:

عَن عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا يحل قتل امْرِئ مُسلم إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث: كفر بعد إِيمَان، وزنا بعد إِحْصَان، وَقتل نفسٍ بِغَيْر حق».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي الْأُم، وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي مُسْنده، وَابْن مَاجَه وَالنَّسَائِيّ فِي سُنَنهمَا، وَالتِّرْمِذِيّ فِي جَامعه، وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه، من حَدِيث أبي أُمَامَة بن سهل بن حنيف «أَن عُثْمَان بن عَفَّان أشرف يَوْم الدَّار فَقَالَ: أنْشدكُمْ بِاللَّه، أتعلمون أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يحل دم امرئٍ مُسلم إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث: زنا بعد إِحْصَان، وارتداد بعد إِسْلَام، أَو قتل نَفْس بِغَيْر حق ليقْتل بِهِ؟ فوَاللَّه مَا زَنَيْت فِي جَاهِلِيَّة وَلَا إِسْلَام، وَلَا ارتددت مُنْذُ بَايَعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَا قتلت النَّفس الَّتِي حرم الله فَبِمَ تقتلونني». هَذَا لفظ الْحَاكِم، وَلَفظ البَاقِينَ بِنَحْوِهِ، قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب. رَوَاهُ حَمَّاد بن سَلمَة، عَن يَحْيَى بن سعيد فرفعه، وَرَوَاهُ الْقطَّان وَغير وَاحِد عَن يَحْيَى بن سعيد فوقفوه عَلَى عُثْمَان قَالَ: وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث من غير وجهٍ عَن عُثْمَان مَرْفُوعا. وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح، عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده بِنَحْوِهِ. وَرَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا يحل دم امْرِئ مُسلم يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث: الثّيّب الزَّانِي، وَالنَّفس بِالنَّفسِ، والتارك لدينِهِ المفارق للْجَمَاعَة». وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «والمفارق من الدَّين التارك للْجَمَاعَة». وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «التارك لِلْإِسْلَامِ». وَفِي رِوَايَة للنسائي: «زَان مُحصن» وَفِيه: «لَا يحل قتل مُسلم إِلَّا فِي إِحْدَى ثَلَاث خِصَال: رجل يقتل مُسلما مُتَعَمدا، وَرجل يخرج من الْإِسْلَام فيحارب الله وَرَسُوله فَيقْتل، أَو يصلب، أَو ينفى من الأَرْض».
وَرَوَاهُ بِنَحْوِهِ مُسلم، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها. وَرَوَاهُ الْبَزَّار فِي مُسْنده من حَدِيث نَافِع، عَن ابْن عمر، عَن عُثْمَان، مَرْفُوعا ثمَّ قَالَ: لَا نعلم رَوَاهُ هَكَذَا إِلَّا مطر الْوراق.

.الحديث الثَّالِث:

فِي الْخَبَر: «لقتل مُؤمن أعظم عِنْد الله من زَوَال الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا».
هَذَا الْخَبَر مَشْهُور، رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي الْأُم فَقَالَ: أَخْبرنِي مُسلم بن خَالِد الزنْجِي بِإِسْنَاد لَا أحفظه، أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «قتل الْمُؤمن عِنْد الله يعدل زَوَال الدُّنْيَا». وَقد أُسند هَذَا من وُجُوه صَحِيحَة لَا مطْعن لأحدٍ فِي رجالها.
أَحدهَا: من حَدِيث عبد الله بن بُريدة، عَن أَبِيه، أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «قتل الْمُؤمن أعظم عِنْد الله من زَوَال الدُّنْيَا». رَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث الْحسن بن إِسْحَاق الْمروزِي، عَن خَالِد بن خِدَاش، عَن حَاتِم بن إِسْمَاعِيل، عَن بَشير بن المُهَاجر الغَنَوي، عَن عبد الله بن بُريدة بِهِ. وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح، كل رِجَاله ثِقَات مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيح.
ثَانِيهَا: من حَدِيث الْبَراء بن عَازِب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، مَرْفُوعا: «لزوَال الدُّنْيَا أَهْون عِنْد الله من قتل مُؤمن بِغَيْر حقٍ» رَوَاهُ ابْن مَاجَه بِإِسْنَاد صَحِيح.
ثَالِثهَا: من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لزوَال الدُّنْيَا أَهْون عِنْد الله من قتل رجل مُسلم». رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ: رُوِيَ مَرْفُوعا وموقوفًا عَلَى عبد الله بن عَمْرو، وَالْمَوْقُوف أصح. وَفِي رِوَايَة للنسائي: «وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لقتل الْمُؤمن أعظم عِنْد الله من زَوَال الدُّنْيَا». وَلَفظ الطَّبَرَانِيّ: «وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لقتل الْمُؤمن أعظم عِنْد الله من زَوَال الدُّنْيَا» فِي رِوَايَة لَهُ: «قتل مُؤمن عِنْد الله أعظم من زَوَال الدُّنْيَا»
وَقَالَ الطَّبَرَانِيّ فِي أَصْغَر معاجمه لم يروه عَن ابْن المُهَاجر إِلَّا ابْن إِسْحَاق، تفرد بِهِ مُحَمَّد بن سَلمَة. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سَأَلت أبي وَأَبا زرْعَة عَن حَدِيث ابْن إِسْحَاق، عَن إِبْرَاهِيم بن مهَاجر، عَن إِسْمَاعِيل مولَى عبد الله بن عَمْرو، عَن عبد الله بن عَمْرو مَرْفُوعا: «وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لقتل الْمُؤمن أعظم عِنْد الله من زَوَال الدُّنْيَا» فَقَالَا: هَكَذَا رَوَاهُ الحكم بن مُوسَى، عَن مُحَمَّد بن سَلمَة، عَن ابْن إِسْحَاق والخراسانيون يدْخلُونَ بَين ابْن إِسْحَاق وَإِبْرَاهِيم بن مهَاجر الْحسن بن عمَارَة وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَفعه: «وَالله للدنيا وَمَا فِيهَا أَهْون عَلَى الله من قتل مُؤمن بِغَيْر حق». لَكِن فِي إِسْنَاده يزِيد بن زِيَاد الشَّامي وَقد ضعَّفوه.

.الحديث الرَّابِع:

وَقَالَ أَيْضا: «من أعَان عَلَى قتل مُسلم وَلَو بِشَطْر كلمة لَقِي الله وَهُوَ مَكْتُوب بَين عَيْنَيْهِ آيس من رَحْمَة الله».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي الْأُم عَن الثِّقَة عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «من أعَان...» فَذكره بِحَذْف لَفْظَة «وَلَو» ذكره من طرق:
أَحدهَا: من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من طَرِيقه مَرْفُوعا «من شرك فِي دم حرَام بِشَطْر كلمة جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة مَكْتُوب بَين عَيْنَيْهِ: آيس من رَحْمَة الله» وَفِي سَنَده عبد الله بن خرَاش، وَلَا أعرفهُ.
ثَانِيهَا: من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمَا من طَرِيقه مَرْفُوعا، وَاللَّفْظ الَّذِي ذكره الرَّافِعِيّ لفظ ابْن مَاجَه، إِلَّا أَنه قَالَ: «مُؤمن» بدل مُسلم وبحذف «وَلَو» وبحذف «وَهُوَ» وَلَفظ الْبَيْهَقِيّ: «من أعَان عَلَى قتل مُسلم لَقِي الله يَوْم الْقِيَامَة مَكْتُوب عَلَى جَبهته: آيس من رَحْمَة الله». وَفِي رِوَايَة لَهُ: «يَوْم يلقاه». وَفِي إِسْنَاده يزِيد بن زِيَاد، وَقيل: ابْن أبي زِيَاد، وَقد ضَعَّفُوهُ قَالَ البُخَارِيّ وَالْبَيْهَقِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ صَدُوقًا إِلَّا أَنه لما كبر سَاءَ حفظه وَتغَير، وَكَانَ يَتَلَقَّن مَا لقِّن فَوَقَعت الْمَنَاكِير فِي حَدِيثه، فسماع من سمع مِنْهُ قبل التَّغَيُّر صَحِيح. وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي مَوْضُوعَاته وَقَالَ: إِنَّه حَدِيث لَا يَصح. ثمَّ ذكر كَلَام الْأَئِمَّة فِيهِ، ثمَّ نقل عَن أَحْمد بن حَنْبَل أَنه قَالَ: هَذَا الحَدِيث لَيْسَ بِصَحِيح. وَقَالَ ابْن حبَان: هَذَا حَدِيث مَوْضُوع، لَا أصل لَهُ من حَدِيث الثِّقَات. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه: وَقد رُوِيَ هَذَا الْمَتْن مُرْسلا، عَن الْفرج بن فضَالة، عَن الضَّحَّاك، عَن الزُّهْرِيّ يرفعهُ قَالَ: «من أعَان عَلَى قتل مُؤمن بِشَطْر كلمة لَقِي الله- عَزَّ وَجَلَّ- يَوْم الْقِيَامَة مَكْتُوب بَين عَيْنَيْهِ: آيس من رَحْمَة الله». قلت: والفرج بن فضَالة قوَّاه أَحْمد، وضَعَّفه غَيره. قَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث.
ثَالِثهَا: من حَدِيث عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي مَوْضُوعَاته، من حَدِيث حَكِيم بن نَافِع، عَن خلف بن حَوْشَب، عَن الحكم بن عتيبة عَن سعيد بن الْمسيب، عَن عمر مَرْفُوعا: «من أعَان عَلَى امْرِئ مُسلم بِشَطْر كلمة لَقِي الله يَوْم الْقِيَامَة مَكْتُوب بَين عَيْنَيْهِ: آيس من رَحْمَة الله» ثمَّ قَالَ: وَهَذَا حَدِيث لَا يَصح. قَالَ أَبُو زرْعَة: حَكِيم بن نَافِع لَيْسَ بِشَيْء. ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث عَمْرو بن مُحَمَّد الأعسم، عَن يَحْيَى بن سَالم الْأَفْطَس، عَن أَبِيه، عَن سعيد، عَن عمر مَرْفُوعا: «من أعَان عَلَى سفك دم امرئٍ مُسلم بِشَطْر كلمة لَقِي الله يَوْم الْقِيَامَة مَكْتُوبًا بَين عَيْنَيْهِ: آيس من رَحْمَة الله». قَالَ: وَهَذَا حَدِيث لَا يَصح. قَالَ ابْن حبَان: الأعسم يروي عَن الثِّقَات الْمَنَاكِير، وَيَضَع أسامي للمحدثين، لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ بِحَال. ثمَّ ذكره من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ مَرْفُوعا: «يَجِيء الْقَاتِل يَوْم الْقِيَامَة مَكْتُوبًا بَين عَيْنَيْهِ: آيس من رَحْمَة الله». ثمَّ قَالَ: وَهَذَا لَا يَصح، فِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن عُثْمَان بن أبي شيبَة كذبه عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل، وعطية الْعَوْفِيّ وَقد ضعَّفه الْكل.
فَائِدَة: نقل الْقُرْطُبِيّ فِي أول تَفْسِير سُورَة الْبَقَرَة، عَن سُفْيَان أَنه قَالَ فِي تَفْسِير شطر الْكَلِمَة: أَن يَقُول فِي اقْتُل: اق. كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: «كفَى بِالسَّيْفِ شا». مَعْنَاهُ شافيًا.
تَنْبيِه: ذكر الرَّافِعِيّ فِي الْكَلَام عَلَى الْإِكْرَاه فِي وجوب التَّلَفُّظ بِكَلِمَة الْكفْر أَن الْأَصَح عدم وجوب التَّلَفُّظ بهَا للأحاديث الصَّحِيحَة فِي الْحَث عَلَى الصَّبْر عَلَى الدَّين، وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَسَيَأْتِي فِي الْبَاب الْآتِي ضرب مِنْهُ. وَهُوَ الْخَامِس.

.باب مَا يجب بِهِ الْقصاص:

ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا:

.أما الْأَحَادِيث:

فَأَرْبَعَة عَشَر حَدِيثا:

.أَحدهَا:

«أَن الرّبيع بنت النَّضر- عمَّة أنس بن مَالك- كسرت ثنية جَارِيَة فَأمر النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْقصاصِ، فَقَالَ أَخُوهَا أنس بن النَّضر: أتكسر ثنية الرّبيع! لَا وَالله. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: كتاب الله الْقصاص».
هَذَا الحَدِيث كَرَّرَه الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب، وَهُوَ حَدِيث صَحِيح أخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن الرُّبَيع كسرت ثنية جَارِيَة، فطلبوا إِلَيْهَا الْعَفو فَأَبَوا، فعرضوا الأَرْش فَأَبَوا، فَأتوا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَبَوا إِلَّا الْقصاص، فَأمر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْقصاصِ، فَقَالَ أنس بن النَّضر: أتكسر ثنية الرُّبَيع! لَا وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ، لَا تكسر ثنيتها. فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: يَا أنس، كتاب الله الْقصاص. فَرضِي الْقَوْم فعفوا، فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن من عباد الله من لَو أقسم عَلَى الله لَأَبَره».
وَأخرجه مُسلم عَلَى وَجه آخر عَن أنس أَيْضا «أَن أُخْت الرُّبيع أم حَارِثَة جرحت إنْسَانا فاختصموا إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: الْقصاص الْقصاص. فَقَالَت أم الرّبيع: يَا رَسُول الله، أيقتص من فُلَانَة! وَالله لَا يقْتَصّ مِنْهَا. فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: سُبْحَانَ الله يَا أم الرّبيع! الْقصاص كتاب الله. قَالَت: وَالله لَا يقْتَصّ مِنْهَا أبدا. قَالَ: فَمَا زَالَت حَتَّى قبلوا، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن من عباد الله من لَو أقسم عَلَى الله لأبرَّه».
فَائِدَتَانِ:
الأولَى: رجح بَعضهم رِوَايَة البُخَارِيّ أَن الرّبيع كسرت ثنية جَارِيَة عَلَى رِوَايَة مُسلم «أَن أُخْت الرّبيع جرحت إنْسَانا» وَقَالَ...
الثَّانِيَة:
فِي رِوَايَة البُخَارِيّ أَن الْحَالِف أنس بن النَّضر، وَفِي مُسلم أم الرّبيع وَهِي بِفَتْح الرَّاء وَكسر... النَّوَوِيّ فِي شَرحه لمُسلم، وَإِن كَانَ الدمياطي والمزي ضما الرَّاء وفتحا الْبَاء للجارحة، وَجمع الرَّافِعِيّ فِي أَحْكَامه أَن كلًّا مِنْهُمَا حلف عَلَى أَنه لَا يقْتَصّ مِنْهَا، وَأَن الْجراحَة نسبت إِلَى إِحْدَاهمَا بِالْمُبَاشرَةِ، وَإِلَى الْأُخْرَى بِالسَّبَبِ، وَنسب الْقصاص إِلَى إِحْدَاهمَا من جِهَة أَنَّهَا الْمُبَاشرَة للجناية، وَإِلَى الْأُخْرَى من جِهَة تأثرها بالاقتصاص من هَذِه فَكل مَا نيل مِنْهَا نيل من أُخْتهَا.
فَائِدَة ثَالِثَة:
قَوْله: «كتاب الله الْقصاص» المُرَاد بهَا قَوْله تَعَالَى: {وكتبنا عَلَيْهِم فِيهَا} إِلَّا أَنه فِي نقل الرَّافِعِيّ عَن الْأَصْحَاب أَن هَذَا وَإِن كَانَ خَبرا مَا فِي التَّوْرَاة، لَكِن شرع من قبلنَا شرع لنا إِذا لم يرد نَاسخ لَهُ عَلَى رَأْي الْأُصُولِيِّينَ، وَبِتَقْدِير أَن لَا يكون كَذَلِك، فَإِن ورد مَا يقرره فَهُوَ شرع لنا لَا محَالة ثمَّ ذكر الحَدِيث، وَمَا ذكره من أَن قَوْله: «كتاب الله الْقصاص» تَقْرِير لشرع من قبلنَا غَرِيب، فَإِنَّهُ إِخْبَار عَمَّا فِي كتاب الله تَعَالَى لَا إنْشَاء حكم، بل الْجَواب عِنْد من لَا يَقُول بِأَنَّهُ شرع لنا، أَن ذَلِك إِشَارَة إِلَى آيَات تدل عَلَيْهَا بِالْعُمُومِ لقَوْله تَعَالَى: {وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة مثلهَا} وَقَوله: {فَمن اعْتَدَى عَلَيْكُم} الْآيَة، وَقَوله: {وَإِن عَاقَبْتُمْ} الْآيَة وَهَذِه الْآيَات وَإِن طرقها التَّخْصِيص إِلَّا أَن دلالتها بَاقِيَة عَلَى مَا لم يثبت تَخْصِيصه.

.الحديث الثَّانِي:

قَالَ: «قيل السَّوْط والعصى فِيهِ مائَة من الْإِبِل».
هَذَا الحَدِيث كَرَّرَه الرَّافِعِيّ فِي بَاب الدِّيات، وَهُوَ حَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من رِوَايَة حَمَّاد عَن خَالِد، عَن الْقَاسِم بن ربيعَة، عَن عقبَة بن أَوْس، عَن عبد الله بن عَمْرو «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خطب يَوْم الْفَتْح بِمَكَّة فَكبر ثَلَاثًا ثمَّ قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده، صدق وعده، وَنصر عَبده، وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده، أَلا كل مأثرة كَانَت فِي الْجَاهِلِيَّة تذكر وتدعى من دم أَو مَال تَحت قدمي، إِلَّا مَا كَانَ من سِقَايَة الْحَاج وسدانة الْبَيْت. ثمَّ قَالَ: أَلا إِن دِيَة الْخَطَأ شبه الْعمد مَا كَانَ بِالسَّوْطِ والعصا فِيهِ مائَة من الْإِبِل مِنْهَا أَرْبَعُونَ فِي بطونها أَوْلَادهَا».
هَذَا لفظ أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ، وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «عقل شبه الْعمد مغلَّظ مثل عقل الْعمد وَلَا يقتل صَاحبه» زَاد فِي رِوَايَة «وَذَلِكَ أَن ينَزْوَ الشَّيْطَان بَين النَّاس فَتكون دِمَاء فِي عمياء فِي غير ضغينة وَلَا حمل سلَاح». وَلَفظ ابْن مَاجَه «الْخَطَأ شبه الْعمد، قَتِيل السَّوْط والعصى مائَة من الْإِبِل أَرْبَعُونَ مِنْهَا فِي بطونها أَوْلَادهَا» وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن خَالِد الْحذاء، عَن الْقَاسِم بن ربيعَة، عَن عقبَة بن أَوْس، عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَوْم فتح مَكَّة: أَلا إِن قَتِيل الْخَطَأ شبه الْعمد قَتِيل السَّوْط والعصى، وَالدية مُغَلّظَة مِنْهَا أَرْبَعُونَ فِي بطونها أَوْلَادهَا».
قَالَ أَبُو دَاوُد: وَرَوَاهُ الْقَاسِم بن ربيعَة، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا، وَرَوَاهُ كَذَلِك أَيْضا النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من حَدِيث ابْن جدعَان، عَن الْقَاسِم عَنهُ «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَامَ يَوْم فتح مَكَّة وَهُوَ عَلَى درج الْكَعْبَة فَحَمدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي صدق وعده وَنصر عَبده وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده أَلا إِن قَتِيل الْخَطَأ قَتِيل السَّوْط والعصى، فِيهِ مائَة من الْإِبِل، مِنْهَا أَرْبَعُونَ خلفة فِي بطونها أَوْلَادهَا، أَلا إِن كل مأثرة كَانَت فِي الْجَاهِلِيَّة وَدم تَحت قدمي هَاتين، إِلَّا مَا كَانَ من سدانة الْبَيْت وسقاية الحاجِّ، أَلا إِنِّي قد أمضيتها لأَهْلهَا كَمَا كَانَا». وَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن ابْن جدعَان بِهِ بِلَفْظ: «أَلا إِن قَتِيل الْخَطَأ» إِلَى قَوْله: «أَوْلَادهَا». وَرَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة، أَنا عَلّي بن زيد بن جدعَان، عَن يَعْقُوب السدُوسِي، عَن ابْن عمر، رَفعه: «أَلا إِن دِيَة الْخَطَأ الْعمد وَالسَّوْط والعصى». الحَدِيث. وَعلي بن زيد بن جدعَان قد سلف الْكَلَام عَلَيْهِ غير مرّة، وَالقَاسِم لَا يَصح سَمَاعه من ابْن عمر كَمَا قَالَه عبد الْحق وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى ابْن خُزَيْمَة أَنه قَالَ: حضرت مجْلِس الْمُزنِيّ يَوْمًا وَسَأَلَهُ سَائل من الْعِرَاقِيّين عَن شِبه الْعمد، فَقَالَ السَّائِل: إِن الله- تبَارك وَتَعَالَى- وصف الْقَتْل فِي كِتَابه صفتين عمدا وَخطأ، فَلم قُلْتُمْ إِنَّه عَلَى ثَلَاثَة أَصْنَاف؟ وَلم قُلْتُمْ شبه الْعمد؟ فاحتج الْمُزنِيّ بِحَدِيث ابْن عمر، فَقَالَ لَهُ مناظره: أتحتج بعلي بن زيد بن جدعَان؟ فَسكت الْمُزنِيّ، فَقلت لمناظره: قد رَوَى هَذَا الْخَبَر غير عَلّي بن زيد. فَقَالَ: وَمن رَوَاهُ غير عَلّي؟ قلت: أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ وخَالِد الْحذاء. قَالَ لي: فَمن عقبَة بن أَوْس؟ فَقلت: عقبَة بن أَوْس رجل من أهل الْبَصْرَة؛ فقد رَوَاهُ عَنهُ مُحَمَّد بن سِيرِين مَعَ جلالته. فَقَالَ للمزني: أَنْت تناظر أم هَذَا؟ فَقَالَ: إِذا جَاءَ الحَدِيث فَهُوَ مناظر؛ لِأَنَّهُ أعلم بِالْحَدِيثِ مني، ثمَّ أَتكَلّم أَنا. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: أَرَادَ ابْن خُزَيْمَة بِالطَّرِيقِ الَّذِي ذكرهَا طَرِيق حَدِيث عبد الله بن عمر يَعْنِي السالف. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه: حَدِيث ابْن عمر هَذَا مُضْطَرب الْإِسْنَاد، يرويهِ الْقَاسِم بن ربيعَة. فَتَارَة يَقُول: عَن يَعْقُوب بن أَوْس. وَتارَة يَقُول: عَن عقبَة بن أَوْس، عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَتارَة يَقُول: عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَتارَة يَقُول: عَن ابْن عَمْرو. قلت: عقبَة بن أَوْس وَيَعْقُوب بن أَوْس وَاحِد كَمَا رَوَاهُ الْحَاكِم بِإِسْنَادِهِ إِلَى يَحْيَى بن معِين، وَأغْرب ابْن حزم فَقَالَ: عُقبة هَذَا مَجْهُول. وَتَبعهُ عبد الْحق فَقَالَ: لَيْسَ بالمشهور وَلَيْسَ بجيد، فقد رَوَى عَنهُ جماعات وَوَثَّقَهُ الْعجلِيّ فِيمَا حَكَاهُ عَنهُ ابْن الْقطَّان. وَقَالَ عبد الْحق: طَريقَة عبد الله بن عَمْرو هِيَ الصَّحِيحَة. أَي وَطَرِيقَة ابْن عمر ضَعِيفَة كَمَا سلف. قلت: لَا جرم أخرجهَا ابْن حبَان فِي صَحِيحه بِنَحْوِ من لفظ أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ، وَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي علله: هُوَ صَحِيح وَلَا يضرّهُ الِاخْتِلَاف قَالَ: وَأما رِوَايَة ابْن عمر فَلَا؛ لضعف ابْن جدعَان. وَخَالف أَبُو زرْعَة فَقَالَ فِيمَا حَكَاهُ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: حَدِيث ابْن عمر أصح من حَدِيث ابْن عَمْرو. قَالَ ابْن أبي حَاتِم: وَقد رُوِيَ حَدِيث ابْن عمر مُرْسلا وَهُوَ أشبه. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله: هَذَا حَدِيث اخْتلف فِيهِ عَن الْقَاسِم بن ربيعَة فَروِيَ عَنهُ عَن ابْن عمر، وَعنهُ، عَن ابْن عَمْرو، وأرسله حميد الطَّوِيل، عَن الْقَاسِم بن ربيعَة، وَقَالَ خَالِد الْحذاء: عَن الْقَاسِم، عَن عقبَة بن أَوْس، عَن ابْن عمر، وَهَذَا أشبه. وَسُئِلَ يَحْيَى فِيمَا حَكَاهُ الْحَاكِم بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ عَن حَدِيث عبد الله بن عَمْرو- يَعْنِي السالف- فَقَالَ لَهُ الرجل: إِن سُفْيَان يَقُول: عَن عبد الله بن عمر. فَقَالَ يَحْيَى بن معِين: عَلّي بن زيد لَيْسَ بِشَيْء، والْحَدِيث حَدِيث خَالِد إِنَّمَا هُوَ عبد الله بن عَمْرو.
فَائِدَة:
قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «فِي بطونها أَوْلَادهَا» مِمَّا يسْأَل عَنهُ، وَيُقَال: الخلفة هِيَ الَّتِي فِي بَطنهَا وَلَدهَا، فَمَا الْحِكْمَة فِي ذَلِك؟ وَأجِيب عَنهُ بأجوبة: أَحدهَا: أَنه تَأْكِيد وإيضاح. ثَانِيهَا: أَنه تَفْسِير لَهَا لَا قيد. ثَالِثهَا: أَنه نفي لوهم متوهم يتَوَهَّم أَنه يَكْفِي فِي الخلفة أَن تكون حملت فِي وَقت مَا وَلَا يشْتَرط حملهَا حَالَة دَفعه فِي الدِّيَة. رَابِعهَا: أَنه إِيضَاح بحكمها وَأَنه يشْتَرط فِي نَفْس الْأَمر أَن تكون حَامِلا، وَلَا يَكْفِي قَول أهل الْخِبْرَة أَنَّهَا خلفة إِذا بَينا أَنه لم يكن فِي بَطنهَا ولد. خَامِسهَا: ذكره الرَّافِعِيّ حَيْثُ قَالَ: وَقيل اسْم الخلفة يَقع عَلَى الْحَامِل، وَعَلَى الَّتِي ولدت وَوَلدهَا يتبعهَا. فَأَرَادَ أَن يبين أَن الْوَاجِب الْحَامِل، ثمَّ ذكر الْوَجْه السالف فَقَالَ: وَيجوز أَن يُقَال هُوَ تَفْسِير الخلفة.