فصل: أما الْأَحَادِيث:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّانِي:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الْخِتَان سنة فِي الرِّجَال مكرمَة فِي النِّسَاء».
هَذَا الحَدِيث ضَعِيف بِمرَّة وَهُوَ مَرْوِيّ من طرق:
أَحدهَا: من حَدِيث أبي الْمليح بن أُسَامَة عَن أَبِيه رَفعه «الْخِتَان سنة للرِّجَال مكرمَة للنِّسَاء» رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده، وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث الْحجَّاج بن أَرْطَاة، عَن أبي الْمليح بِهِ، وَضَعفه لائح بِسَبَب الْحجَّاج هَذَا، قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه: لَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه: ضَعِيف.
ثَانِيهَا: من حَدِيث أبي أَيُّوب مَرْفُوعا بِهِ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث الْحجَّاج، عَن مَكْحُول، عَن أبي أَيُّوب بِهِ، وَهُوَ ضَعِيف مُنْقَطع كَمَا قَالَه الْبَيْهَقِيّ، وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: الَّذِي أتوهم أَنه خطأ، إِنَّمَا أَرَادَ حَدِيث حجاج مَا قد رَوَاهُ مَكْحُول عَن أبي الشمَال، عَن أبي أَيُّوب مَرْفُوعا: «خمس من سنَن الْمُرْسلين: التعطر والحناء والسواك...» الحَدِيث، فَترك أَبَا الشمَال، فَلَا أَدْرِي هَذَا من الْحجَّاج أَو من عبد الْوَاحِد بن زِيَاد الرَّاوِي عَنهُ. قَالَ: وَقد رَوَاهُ النُّعْمَان بن الْمُنْذر عَن مَكْحُول مُرْسلا.
ثَالِثهَا: من حَدِيث ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا بِهِ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه، وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث الْوَلِيد بن الْوَلِيد عَن ابْن ثَوْبَان، عَن مُحَمَّد بن عجلَان، عَن عِكْرِمَة، عَنهُ بِهِ، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا إِسْنَاد ضَعِيف، وَالْمَحْفُوظ أَنه مَوْقُوف عَلَيْهِ. وَكَذَا قَالَ ابْن الرّفْعَة: لَا يَصح. وَقَالَ فِي الْمعرفَة: أَنه لَا يثبت رَفعه.
ثَالِثهَا: من حَدِيث شَدَّاد بن أَوْس مَرْفُوعا بِهِ رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة، وَابْن أبي حَاتِم فِي علله، وَالطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث حجاج بن أَرْطَاة، عَن أبي الْمليح، عَن أَبِيه، عَن شَدَّاد بِهِ. قَالَ ابْن عبد الْبر فِي تمهيده بعد أَن رَوَاهُ: هَذَا الحَدِيث يَدُور عَلَى حجاج بن أَرْطَاة، وَلَيْسَ مِمَّن يحْتَج بِهِ قَالَ: وَالَّذِي أجمع عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ أَن الْخِتَان للرِّجَال كَذَا قَالَ، وَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي كتاب أَحْكَام النّظر: هَذَا حَدِيث مُنْقَطع الْإِسْنَاد.

.الحديث الثَّالِث:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأم عَطِيَّة وَكَانَت خافضة: اشمي وَلَا تنهكي».
هَذَا الحَدِيث يرْوَى من طرق:
أَحدهَا: من حَدِيث مُحَمَّد بن حسان، قَالَ عبد الْوَهَّاب: الْكُوفِي، عَن عبد الْملك بن عُمَيْر، عَن أم عَطِيَّة «أَن امْرَأَة كَانَت تختن بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تنهكي فَإِن ذَلِك أحظى للْمَرْأَة، وَأحب للبعل»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه من حَدِيث مُحَمَّد بن حسان ثمَّ قَالَ: مُحَمَّد بن حسان مَجْهُول الحَدِيث، ضَعِيف.
قلت: أما جَهَالَة مُحَمَّد بن حسان فَلَا نسلمها لَهُ؛ لِأَنَّهُ الشَّامي المصلوب فِي الزندقة التَّالِف، وَقد اسْتَفَدْت ذَلِك من كتاب إِيضَاح الْإِشْكَال لِلْحَافِظِ عبد الْغَنِيّ حَيْثُ قَالَ: بَاب مُحَمَّد بن سعيد الشَّامي المصلوب فِي الزندقة، ثمَّ ذكر لَهُ حَدِيثا، ثمَّ قَالَ: وَهُوَ مُحَمَّد بن أبي قيس، وَذكر لَهُ حَدِيثا، ثمَّ قَالَ: وَهُوَ مُحَمَّد بن الطَّبَرِيّ، وَذكر لَهُ حَدِيثا ثمَّ قَالَ: وَهُوَ مُحَمَّد بن حسان وَرَوَى لَهُ هَذَا الحَدِيث وَذكر لَهُ حَدِيثا آخر وَهَذَا نَفِيس يتَعَيَّن عَلَى طَالب الحَدِيث الْوُقُوف عَلَيْهِ، وَقد تبع أَبُو دَاوُد فِي ذَلِك ابْن عدي فَقَالَ فِي كَامِله: مُحَمَّد بن حسان لَهُ أَحَادِيث لَا يُوَافق عَلَيْهَا ثمَّ أورد هَذَا الحَدِيث، ثمَّ قَالَ: مُحَمَّد هَذَا لَيْسَ بِمَعْرُوف وَلَا يعرف إِلَّا من هَذَا الطَّرِيق قَالَ: وَلم أر لمُحَمد غير هَذَا الحَدِيث وَحَدِيث آخر، وَكَذَا الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة فَقَالَ: رَوَاهُ أَيْضا مَرْوَان ابْن مُحَمَّد عَن مُحَمَّد بن حسان، ثمَّ ادَّعَى جهالته وَقد عرفت عَيبه وَأَنه كَذَّاب وَضاع وَأما قَوْله الحَدِيث ضَعِيف فَهُوَ كَمَا قَالَ. قَالَ ابْن الْقطَّان: يشْتَبه أَن عبد الْوَهَّاب لَا يعرف.
قلت: يَكْفِي فِي ضعفه مُحَمَّد بن حسان السالف التَّالِف، قَالَ أَبُو دَاوُد: وَقد رُوِيَ أَيْضا عَن عبد الله بن عَمْرو عَن عبد الْملك بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ وَلَيْسَ هُوَ بِالْقَوِيّ، وَقد رُوِيَ مُرْسلا.
الطَّرِيق الثَّانِي: من حَدِيث عبيد الله بن عَمْرو قَالَ: حَدثنِي رجل من أهل الْكُوفَة عَن عبد الْملك بن عُمَيْر، عَن الضَّحَّاك بن قيس قَالَ: «كَانَ بِالْمَدِينَةِ امْرَأَة يُقَال لَهَا: أم عَطِيَّة تخْفض الْجَوَارِي، فَقَالَ لَهَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا أم عَطِيَّة احفظي وَلَا تنهكي فَإِنَّهُ أَسْرَى للْوَجْه وأحظى عِنْد الزَّوْج» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ كَذَلِك وَالطَّبَرَانِيّ وَلَفظه: «أَنْضَرُ» بدل «أَسْرَى» وَذكره أَبُو نعيم فِي تَرْجَمَة الضَّحَّاك ابْن قيس الفِهري، ثمَّ قَالَ: وَرُوِيَ بِإِسْقَاط الْكُوفِي، وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي تَرْجَمَة الضَّحَّاك، وَقَالَ بدل رجل من أهل الْكُوفَة: عَن زيد بن أبي أنيسَة عَن عبد الْملك بِهِ بِلَفْظ الطَّبَرَانِيّ. وَقَالَ الْمفضل بن غَسَّان العلائي: سَأَلت أَبَا زَكَرِيَّا- يَعْنِي: يَحْيَى بن معِين- عَن هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: الضَّحَّاك بن قيس هَذَا لَيْسَ بالفهري.
قلت: قد ذكره أَبُو نعيم فِي تَرْجَمته كَمَا مر وَذكره الْحَاكِم فِي تَرْجَمَة الضَّحَّاك بن قيس الْأَكْبَر، ثمَّ ذكر الْوَاقِدِيّ أَنه قَالَ: أَن الضَّحَّاك هَذَا لم يسمع من رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: وَالصَّوَاب قَول ابْن جرير أَنه سمع مِنْهُ فقد صَحَّ لَهُ عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رِوَايَات ذكر فِيهَا سَمَاعه من رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكر أَحَادِيث مِنْهَا هَذَا الحَدِيث.
الطَّرِيق الثَّالِث: من حَدِيث زَائِدَة عَن ثَابت عَن أنس مَرْفُوعا بِمثل مَا سلف رَوَاهُ ابْن عدي وَالطَّبَرَانِيّ فِي أَصْغَر معاجمه من حَدِيث أبي خَليفَة مُحَمَّد بن سَلام الجُمَحِي عَن زَائِدَة بِهِ، قَالَ ابْن عدي: هَذَا يرويهِ عَن ثَابت زَائِدَة بن أبي الرقاد لَا أعلم يرويهِ عَنهُ غَيره.
قلت: وزائدة مُنكر الحَدِيث كَمَا قَالَه البُخَارِيّ، وَقَالَ الطَّبَرَانِيّ: لم يروه عَن ثَابت إِلَّا زَائِدَة تفرد بِهِ مُحَمَّد بن سَلام الجُمَحِي.
قلت: وَاخْتلف فِي متن هَذَا الحَدِيث فَفِي لفظ: «يَا أم عَطِيَّة إِذا حفظت فأشمي وَلَا تنهكي فَإِنَّهُ أَضْوَأ للْوَجْه، وأحظى عِنْد الزَّوْج» وَفِي آخر ذكره ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْقِتَال: «إِذا حفظت فأشمي وَلَا تنهكي فَإِنَّهُ أَسْرَى للْوَجْه وأحظى عِنْد الزَّوْج» قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: ثَعْلَب: رَأَيْت يَحْيَى بن معِين بَين يَدي مُحَمَّد بن سَلام فَسَأَلَهُ عَن هَذَا الحَدِيث وَجَمَاعَة مَعَه.
الطَّرِيق الرَّابِع: عَن حَدِيث عَطِيَّة الْقرظِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «بِالْمَدِينَةِ خافضة تحفض النِّسَاء يُقَال لَهَا: أم عَطِيَّة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: أشمي وَلَا تخفي فَإِنَّهُ أَسْرَى للْوَجْه وأحظى عِنْد الزَّوْج» رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابه معرفَة الصَّحَابَة من حَدِيث الْوَلِيد بن صَالح، عَن عبيد الله بن عَمْرو، عَن عبد الْملك بن عُمَيْر، عَن عَطِيَّة بِهِ، ثمَّ قَالَ: هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ بِغَيْر هَذَا الْإِسْنَاد. قلت: قد مر وَسَيَأْتِي أَيْضا، قَالَ: وَأم عَطِيَّة هَذِه أظنها نسيبة الْأَنْصَارِيَّة.
الطَّرِيق الْخَامِس: من حَدِيث سَالم، عَن أَبِيه، عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: «يَا معشر الْأَنْصَار اختضبن غمسًا، واختفضن وَلَا تنهكن فَإِنَّهُ أَسْرَى للْوَجْه وأحظى عِنْد الزَّوْج». رَوَاهُ ابْن عدي وَفِيه خَالِد بن عَمْرو الْقرشِي وَهُوَ ضَعِيف جدا فِي حد من يتهم، وَرَوَاهُ الْبَزَّار من حَدِيث نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ: «دخل عَلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نسْوَة من الْأَنْصَار فَقَالَ: يَا نسَاء الْأَنْصَار اختضبن غمسًا، واختفضن وَلَا تنهكن فَإِنَّهُ أحظى عِنْد أزواجكن، وإياكن وكفران النعم، قَالَ منْدَل:- يَعْنِي الْأزْوَاج» ومندل هَذَا ضَعِيف فتلخص أَن طرقه كلهَا ضَعِيفَة، وَقد صرح ابْن الْقطَّان الْحَافِظ فِي كِتَابه أَحْكَام النّظر أَيْضا بِأَنَّهُ لَا يَصح مِنْهَا شَيْء.
تَنْبِيهَات:
أَحدهَا: أم عَطِيَّة هَذِه قد تقدم عَن الْحَافِظ أبي نعيم أَنه قَالَ: أظنها نسيبة، وَكَذَا قَالَ الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ: أظنها نسيبة- يَعْنِي أم عَطِيَّة الْمَشْهُورَة- ثمَّ أورد بِإِسْنَادِهِ مثل مَا أوردهُ أَبُو نعيم سَوَاء، وَوَقع فِي بعض نسخ الرَّافِعِيّ أَن الخافضة- وَهِي بِفَتْح الْخَاء وَالضَّاد المعجمتين أَي: الخاتنة- «أم طيبَة» بدل «أم عَطِيَّة»، وَصَوَابه أم عَطِيَّة، وَقد أصلح فِي بعض النّسخ الْمُعْتَمدَة.
ثَانِيهَا: قَوْله: أشمي- هُوَ بشين مُعْجمَة- مَأْخُوذ من الشمم وَهُوَ ارتداع أَصله مَعَ اسْتِوَاء أَعْلَاهُ فَإِن كَانَ فِيهَا إحديداب فَهُوَ القنا تَقول رجل أَشمّ أَي طَوِيل الرَّأْس. وَقَوله: وَلَا تنهكي هُوَ من قَوْلهم نهكت الثَّوْب انهكه نهكًا عَلَى وزن دفعت أدفعه دفعا أَي لبسته حَتَّى خلق وبلي قَالَ الرَّافِعِيّ: مَعْنَاهُ اتركي الْموضع أَشمّ، وَهُوَ الْمُرْتَفع وَلَا تبالغي فِي الْقطع، وَقَالَ أَبُو عبيد: قَوْله لَا تنهكي تَفْسِير لقَوْله أشمي تَقول لَا تستقصي وَلَا تستأصلي وَلَا تبالغي فِي إسحابه وَقَالَ الْخطابِيّ قَوْله: لَا تنهكي مَعْنَاهُ لَا تبالغي فِي الْخَفْض والنهك الْمُبَالغَة فِي الضَّرْب وَالْقطع والشم وَغير ذَلِك، وَقد نهكته الْحمى إِذا بلغت بِهِ، واضرت بِهِ.
ثَالِثهَا: قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام «لَا تنهكي» قيد النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب فِي آخر بَاب السِّوَاك بِفَتْح التَّاء وَالْهَاء قَالَ: وَمَعْنَاهُ لَا تبالغي فِي الْقطع ورأيته مضبوطًا فِي نُسْخَة مُعْتَمدَة من مُخْتَصر السّنَن لِلْمُنْذِرِيِّ الْحَافِظ قُرِئت كلهَا عَلَيْهِ بِضَم التَّاء ضبط الْكَاتِب، وَكَذَا رَأَيْته فِي نُسْخَة مُعْتَمدَة من الْبَيْهَقِيّ.
رَابِعهَا: قَالَ الْمَاوَرْدِيّ فِي حاويه فِي قَوْله: «أَسْرَى للْوَجْه» تَأْوِيلَانِ أَحدهمَا: أصفى للون، وَثَانِيهمَا: مَا يحصل لَهَا فِي نَفْس الزَّوْج من الحظوة، وَقَالَ الْغَزالِيّ فِي الْإِحْيَاء: أَي أَكثر لماء الْوَجْه، وَدَمه وَأحسن فِي جِمَاعهَا.
فَائِدَة: قَالَ ابْن الْمُنْذر: لَيْسَ فِي الْخِتَان خبر يرجع إِلَيْهِ وَلَا سنة تتبع والأشياء عَلَى الْإِبَاحَة.

.الحديث الرَّابِع:

«أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ختن الْحسن وَالْحُسَيْن يَوْم السَّابِع من ولادتهما».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الْحَاكِم ثمَّ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، وَذكر الرَّافِعِيّ أَيْضا فِي الْبَاب قصَّة الْمَرْأَة الَّتِي بعث إِلَيْهَا عمر فأجهضت ذَا بَطنهَا وَقد سلفت فِي الدِّيات.

.كتاب الصيال:

ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا:

.أما الْأَحَادِيث:

فسبعة:

.أَحدهَا:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «انصر أَخَاك ظَالِما أَو مَظْلُوما».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «انصر أَخَاك ظَالِما أَو مَظْلُوما فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله أنصره إِذا كَانَ مَظْلُوما أَفَرَأَيْت إِن كَانَ ظَالِما كَيفَ أنصره؟ قَالَ: تحجزه أَو تَمنعهُ عَن الظُّلم فَإِن ذَلِك نَصره».

.الحديث الثَّانِي:

عَن سعيد بن زيد رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من قتل دون أَهله فَهُوَ شَهِيد، وَمن قتل دون مَاله فَهُوَ شَهِيد».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح تقدم بَيَانه وَاضحا فِي بَاب صَلَاة الْخَوْف.

.الحديث الثَّالِث:

عَن حُذَيْفَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي وصف الْفِتَن: كن عبد الله الْمَقْتُول، وَلَا تكن عبد الله الْقَاتِل».
هَذَا الحَدِيث غَرِيب لَا أعلم من خرجه هَكَذَا من هَذِه الطَّرِيق بعد الْبَحْث عَنهُ، وَالْعجب من إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَة كَونه قَالَ: إِنَّه حَدِيث صَحِيح. وَلَا اعْتِمَاد عَلَيْهِ فِي هَذَا الشَّأْن، قَالَ ابْن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى الْوَسِيط: لم أجد هَذَا الحَدِيث فِي كتب الحَدِيث الْخَمْسَة الْمُعْتَمدَة وَغَيرهَا وَهُوَ زِيَادَة فِي حَدِيث حُذَيْفَة الثَّابِت فِي الْفِتَن.
قلت: لكنه يرْوَى من طرق أَحدهَا من حَدِيث سعد بن أبي وَقاص أَنه قَالَ عِنْد فتْنَة عُثْمَان بن عَفَّان: أشهد أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِنَّهَا سَتَكُون فتْنَة الْقَاعِد فِيهَا خير من الْقَائِم، والقائم خير من الْمَاشِي، والماشي خير من السَّاعِي، قَالَ: أَرَأَيْت إِن دخل عليَّ بَيْتِي وَبسط يَده إليَّ ليقتلني قَالَ: كن كَابْن آدم». رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ كَذَلِك ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن رَوَاهُ أَحْمد أَيْضا.
ثَانِيهَا: من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «مَا يمْنَع أحدكُم إِذا جَاءَهُ من يُرِيد قَتله أَن يكون مثل ابْني آدم الْقَاتِل فِي النَّار والمقتول فِي الْجنَّة». رَوَاهُ أَحْمد.
ثَالِثهَا: من حَدِيث أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي الْفِتْنَة: كسِّروا فِيهَا قسيكم وأوتاركم واضربوا بسيوفكم الْحِجَارَة فَإِن دخل أحدكُم بَيته فَلْيَكُن كخير بني آدم» رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ، وَابْن مَاجَه، وَابْن حبَان فِي صَحِيحه، وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي آخر الاقتراح: أَنه عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ.
رَابِعهَا: من حَدِيث شهر بن حَوْشَب، عَن جُنْدُب بن سُفْيَان مَرْفُوعا فِي حَدِيث طَوِيل «لَا تكن عبد الله الْقَاتِل». رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ، وَشهر تَرَكُوهُ.
خَامِسهَا: من حَدِيث خباب مَرْفُوعا «فَكُن عبد الله الْمَقْتُول». رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه وَأحمد أَيْضا فِي مُسْنده وَزَاد. قَالَ أَيُّوب- أَعنِي: أحد رُوَاته وَلَا أعلمهُ إِلَّا قَالَ-: «وَلَا تكن عبد الله الْقَاتِل».
سادسها: من حَدِيث خَالِد بن عرفطة قَالَ قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «يَا خَالِد إِنَّه سَيكون أَحْدَاث، وَفرْقَة، وَفتن؛ فَإِن اسْتَطَعْت أَن تكون الْمَقْتُول لَا الْقَاتِل فافعل». رَوَاهُ ابْن قَانِع فِي مُعْجم الصَّحَابَة من حَدِيث حجاج بن الْمنْهَال، ثَنَا حَمَّاد بن سَلمَة، عَن عَلّي بن زيد، عَن أبي عُثْمَان، عَن خَالِد بِهِ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه بالسند الْمَذْكُور وَاللَّفْظ، إِلَّا أَنه قَالَ: «سَتَكُون فتْنَة وأحداث، وَاخْتِلَاف وَفرْقَة» بدل مَا سلف، وَرَوَاهُ أَحْمد أَيْضا فِي مُسْنده فَقَالَ: ثَنَا عبد الرَّحْمَن، ثَنَا حَمَّاد بن سَلمَة، عَن عَلّي بن زيد، عَن أبي عُثْمَان، عَن خَالِد بن عرفطة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِنَّهَا سَتَكُون بعدِي أَحْدَاث، وَفتن، وَاخْتِلَاف، فَإِن اسْتَطَعْت أَن تكون عبد الله الْمَقْتُول لَا الْقَاتِل فافعل». وَكَذَا أخرجه الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي تَرْجَمته قَالَ الرَّافِعِيّ: فِي بعض الْأَخْبَار «كن خير ابْني آدم- يَعْنِي قابيل وهابيل».
قلت: قد سلف من حَدِيث أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ.

.الحديث الرَّابِع:

رُوِيَ أَن سعد بن عبَادَة قَالَ: «يَا رَسُول الله، أَرَأَيْت إِن وجدت مَعَ امْرَأَتي رجلا أمهله حَتَّى آتِي بأَرْبعَة شُهَدَاء كفَى بِالسَّيْفِ شا- أَرَادَ بقوله:
شَاهدا، فَقطع الْكَلِمَة- ثمَّ قَالَ: نعم حَتَّى تَأتي بأَرْبعَة شُهَدَاء»
.
هَذَا الحَدِيث وجد هَكَذَا فِي سنَن أبي دَاوُد من طَرِيق ابْن الْأَعرَابِي، وَهَذَا لَفظه عَن عبَادَة بن الصَّامِت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «قَالَ نَاس لسعد بن عبَادَة يَا أَبَا ثَابت قد نزلت الْحُدُود فَلَو أَنَّك وجدت مَعَ امْرَأَتك رجلا كَيفَ كنت صانعًا؟ قَالَ: كنت ضاربهما بِالسَّيْفِ حَتَّى يسكتا: أفأنا أذهب فأجمع أَرْبَعَة شُهَدَاء فَإِذا ذَلِك قد قَضَى الْحَاجة وَانْطَلق، فَاجْتمعُوا عِنْد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: يَا رَسُول الله ألم تَرَ إِلَى أبي ثَابت قَالَ: كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: كفَى بِالسَّيْفِ شَاهدا ثمَّ قَالَ: لَا لَا أَخَاف أَن يتتايع فِيهِ السَّكْرَان والغيران». وَكَذَا أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه سَوَاء بِزِيَادَة «فَقَالُوا: يَا رَسُول الله إِنَّه أَشد النَّاس غيرَة. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: هُوَ شَدِيد الْغيرَة وَأَنا أغير مِنْهُ، وَالله أَشد غيرَة مني وَلذَلِك جعل الْحُدُود». وَفِي مُصَنف عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن كثير بن زِيَاد عَن الْحسن «أَنه سُئِلَ عَن الرجل يجد مَعَ امْرَأَته رجلا فَقَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: كفَى بِالسَّيْفِ شا» يُرِيد أَن يَقُول شَاهدا، فَلم يتم الْكَلِمَة، وَعَن معمر عَن الزُّهْرِيّ ذكر قَول سعد قَالَ: فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «يَأْبَى الله إِلَّا الْبَيِّنَة». وَهَذَا مُرْسل. قَالَ عبد الْحق وَغَيره: مَرَاسِيل الْحسن أَضْعَف الْمَرَاسِيل، وَعَزاهُ الْمُحب فِي أَحْكَامه فِي ذكر الْغيرَة إِلَى رِوَايَة أَحْمد من حَدِيث سعيد بن سعد بن عبَادَة قَالَ: «حضر سعد بن عبَادَة عِنْد النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِن وجدت عَلَى بطن امْرَأَتي رجلا أضربه بسيفي؟ فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: كتاب الله وَالشُّهَدَاء ثمَّ قَالَ: أَي بَيِّنَة أبين من السَّيْف، ثمَّ رَجَعَ فِي قَوْله فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: كتاب الله وَالشُّهَدَاء فَقَالَ: أَي بَيِّنَة أبين من السَّيْف فَقَالَ: كتاب الله وَالشُّهَدَاء، يَا معشر الْأَنْصَار هَذَا سيدكم استفزته الْغيرَة حَتَّى خَالف كتاب الله...». الحَدِيث بِطُولِهِ، وأصل الحَدِيث ثَابت فِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن سعد بن عبَادَة قَالَ لرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «أَرَأَيْت لَو أَنِّي وجدت مَعَ أمراتي رجلا أمهله حَتَّى آتِي بأَرْبعَة شُهَدَاء؟ فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: نعم». وَفِي رِوَايَة لَهُ أَرَأَيْت الرجل يجد مَعَ امْرَأَته رجلا أَيَقْتُلُهُ؟ قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا. قَالَ سعد: بلَى وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ.
فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «اسمعوا إِلَى مَا يَقُول سيدكم».
تَنْبِيه:
ذكر القَاضِي حُسَيْن من أَصْحَابنَا هَذَا الحَدِيث الَّذِي أوردهُ الرَّافِعِيّ، وَقَالَ فِيهِ بدل سعد بن عبَادَة: سعد بن أبي وَقاص، وَهُوَ غَرِيب.

.الحديث الخَامِس:

عَن يعْلى بن أُميَّة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «غزوت مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم جَيش الْعسرَة، وَكَانَ لي أجِير فقاتل إنْسَانا، فعض أَحدهمَا يَد الآخر، فَانْتزع المعضوض يَده من فيّ العاض، فَذَهَبت إِحْدَى ثنيتيه، فَأَتَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فأهدر ثنيته وَقَالَ لَهُ: أيدع يَده فِي فِيك تقضمها كَأَنَّهَا فيّ فَحل».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا بِنَحْوِهِ، وَهَذَا لَفْظهمَا: «غزوت مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم جَيش الْعسرَة وَكَانَ من أوثق أعمالي فِي نَفسِي فَكَانَ لي أجِير فقاتل إنْسَانا فعض أَحدهمَا يَد صَاحبه فَانْتزع إصبعه فأندر ثنيته فَسَقَطت فَانْطَلق إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فأهدر ثنيته وَقَالَ: أيدع إصبعه فِي فِيك تعضها كَمَا يعَض الْفَحْل» وَفِي رِوَايَة لَهما «فَانْتزع يَده من فِيهِ فَقطع ثنيته». وَأَخْرَجَاهُ أَيْضا من حَدِيث عمرَان ابْن حُصَيْن رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رجلا عض يَد رجل...» الحَدِيث.
فَائِدَة: قَوْله: يقضمها كَمَا يقضم الْفَحْل هُوَ بِفَتْح الضَّاد فيهمَا عَلَى اللُّغَة الفصيحة، وَمَعْنَاهَا تعضها، قَالَ أهل اللُّغَة: القضم بأطراف الْأَسْنَان.
فَائِدَة ثَانِيَة: وَقع فِي صَحِيح مُسلم أَن المعضوض يعْلى بن منية- بِضَم الْمِيم وَإِسْكَان النُّون وَبعدهَا يَاء مثناة تَحت- وَيُقَال: ابْن أُميَّة- بِضَم الْهمزَة- ينْسب تَارَة إِلَى أَبِيه أُميَّة، وَتارَة إِلَى أمه منية، وَقيل: جدته، وَوَقع فِيهِ أَيْضا أَن المعضوض هُوَ أجِير ليعلى، لَا يعْلى، قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم: قَالَ الْحفاظ: الصَّحِيح الْمَعْرُوف أَنه أجِير يعْلى، لَا يعْلى، وَيحْتَمل أَنَّهُمَا قضيتان جرتا ليعلى، وأجيره فِي وَقت أَو وَقْتَيْنِ.

.الحديث السَّادِس:

عَن سهل بن سعد رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رجلا اطلع من جُحر فِي حجرَة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مدرى يحك بهَا رَأسه، فَلَمَّا رَآهُ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَو أعلم أَنَّك تنظرني لطعنت بِهِ فِي عَيْنك، إِنَّمَا جعل الاسْتِئْذَان من أجل النّظر».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَفِي رِوَايَة لَهما «يرجل بِهِ رَأسه».
فَائِدَة: المِدْرى- بِكَسْر الْمِيم وَإِسْكَان الدَّال الْمُهْملَة وبالقصر- حَدِيدَة يسوى بهَا شعر الرَّأْس، وَقيل: سنة الْمشْط، وَقيل: أَعْوَاد تحدد تجْعَل شبه الْمشْط وتدل لَهما الرِّوَايَة الثَّانِيَة، وَقيل: عود تسوي بِهِ الْمَرْأَة شعرهَا. وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام: «لَو أعلم أَنَّك تنتظرني» قَالَ القَاضِي عِيَاض: كَذَا رَوَاهُ الْجُمْهُور، وَفِي بعض النّسخ «تنظرني» بِحَذْف الثَّانِيَة وَهِي الصَّوَاب، وَتحمل الأولَى عَلَيْهَا.
والجحر- بِضَم الْجِيم، وَإِسْكَان الْحَاء- هُوَ الْبَيْت. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يخاتل النّظر ليرمي عينه بالمدرى».
قلت: هَذَا صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن رجلا اطلع من بعض حجر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَامَ إِلَيْهِ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بمشقص أَو بمشاقص فَكَأَنِّي أنظر إِلَيْهِ يخْتل الرجل ليطعنه» وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ «أَن رجلا اطلع فِي بَيت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِسدد إِلَيْهِ مشقصًا» وَفِي رِوَايَة لِلتِّرْمِذِي «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ فِي بَيته فَاطلع عَلَيْهِ رجل فَأَهْوَى إِلَيْهِ بمشقص فَتَأَخر» وَفِي رِوَايَة للنسائي «أَن أَعْرَابِيًا أَتَى بَاب النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فألقم عينه خصَاصَة الْبَاب فَبَصر بِهِ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فتوخاه بحديدة أَو عود ليفقأ عينه فَلَمَّا أَن بصر انقمع فَقَالَ لَهُ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: أما إِنَّك لَو ثَبت لفقأت عَيْنك».
فَائِدَة: المشاقص جمع مشقص، وَقيل: نصل عريض السهْم، وَقيل غير ذَلِك، ويختله- بِفَتْح أَوله وَكسر التَّاء- أَي: يُدَاورُه ويطلبه من حَيْثُ لَا يشْعر، وَمَعْنى «ألقم عينه خصَاصَة الْبَاب فَبَصر بِهِ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم» أَي جعل الشق الَّذِي فِي الْبَاب محاذي عينه فَكَأَنَّهُ جعل الْخَصَاصَة لعَينه لقْمَة. والخصاصة وَاحِد الخصاص، وَهِي الثقب، والشقوق الَّذِي يكون فِي الْأَبْوَاب. والانقماع: الارتواء.

.الحديث السَّابِع:

عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَو اطلع أحد فِي بَيْتك، وَلم تَأذن لَهُ فخذفته بحصاة ففقأت عينه مَا كَانَ عَلَيْك من جنَاح».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَفِي رِوَايَة لَهما: «من اطلع فِي بَيت قوم بِغَيْر إذْنهمْ فقد حل أَن يفقئوا عينه».
فَائِدَة: خذفته- بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة- أَي رميته بهَا من بَين إصبعيك ففقأت عينه، قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيروَى «فَلَا قَود وَلَا دِيَة» قلت: هَذِه الرِّوَايَة صَحِيحَة أخرجهَا أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَيْضا أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من اطلع فِي بَيت قوم بِغَيْر إذْنهمْ ففقؤا عينه فَلَا دِيَة وَلَا قصاص» قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي الخلافيات: إِسْنَاده صَحِيح. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه أَيْضا وَلَفظه «فقد هدرت عينه» قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الاقتراح: وَهِي عَلَى شَرط مُسلم. وَوَقع فِي تَحْقِيق ابْن الْجَوْزِيّ عزو هَذَا الحَدِيث إِلَى رِوَايَة البُخَارِيّ وَمُسلم، وَلَعَلَّ مُرَاده أَنَّهُمَا أخرجَا أَصله لَا هَذَا اللَّفْظ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فيهمَا وَلَا فِي أَحدهمَا، وَفِي رِوَايَة للبيهقي من حَدِيث ابْن عمر «مَا كَانَ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْء». هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب.

.وَأما آثاره:

فَذكر فِيهِ: «أَن جَارِيَة كَانَت تحتطب فَرَاوَدَهَا رجل عَن نَفسهَا فرمته بفهر فَقتلته، فَرفع ذَلِك إِلَى عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَقَالَ: قَتِيل الله، وَالله لَا يودى أبدا».
وَهُوَ أثر جيد رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد حسن من حَدِيث الْقَاسِم بن مُحَمَّد، عَن عبيد بن عُمَيْر «أَن رجلا أضَاف نَاسا من هُذَيْل فَذَهَبت جَارِيَة لَهُم تحتطب فأرادها رجل عَن نَفسهَا فرمته...» إِلَى آخِره بِمثل مَا ذكره المُصَنّف سَوَاء. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ الرّبيع: قَالَ الشَّافِعِي: هَذَا عندنَا من عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن السّنة قَامَت عِنْده عَلَى الْمَقْتُول أَو عَلَى أَن ولي الْمَقْتُول أقرّ عِنْده بِمَا يُوجب لَهُ أَن يقتل الْمَقْتُول.
ذكر فِيهِ «أَن عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه منع عُبَيْدَة من الدّفع يَوْم الدَّار، وَقَالَ: من ألْقَى سلاحه فَهُوَ حر».
وَهَذَا الْأَثر ذكره إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي نهايته أَنه صَحَّ عَنهُ فَقَالَ: وَصَحَّ عَن عُثْمَان «أَنه استسلم يَوْم الدَّار، وَقَالَ: لَا أحب أَن يراق فِي محجم دم. وَكَانَ مَعَه فِي الدَّار أَرْبَعمِائَة من الغلمان الشاكين فِي السِّلَاح فَقَالَ: من ألْقَى سلاحه فَهُوَ حر» قَالَ الرَّافِعِيّ: واشتهر ذَلِك فِي الصَّحَابَة وَلم يُنكره وَاحِد.

.باب ضَمَان مَا تتلفه الْبَهَائِم:

ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ حَدِيثا وَاحِدًا:
وَهُوَ حَدِيث حرَام بن سعد بن محيصة «أَن نَاقَة للبراء رَضِيَ اللَّهُ عَنْه دخلت حَائِط قوم فأفسدت فِيهِ، فَقَضَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن عَلَى أهل الْأَمْوَال حفظهَا بِالنَّهَارِ وَمَا أفسدته الْمَوَاشِي بِاللَّيْلِ فَهُوَ ضَامِن عَلَى أَهلهَا».
وَهُوَ حَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الْأَئِمَّة مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه، وَالْحَاكِم، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَابْن حبَان، وَالْبَيْهَقِيّ، وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، وَنقل الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ: أَخذنَا بِهَذَا الحَدِيث قَضَاء لثُبُوته واتصاله، وَمَعْرِفَة رِجَاله قَالَ: وَلَا يُخَالف هَذَا الحَدِيث حَدِيث «العجماء جرحها جَبَّار» وَلَكِن «العجماء جرحها جَبَّار» جملَة من الْكَلَام الْعَام الْمخْرج الَّذِي يُرَاد بِهِ الْخَاص فَلَمَّا قَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «العجماء جَبَّار» وَقَضَى فِيمَا أفسدته العجماء بِشَيْء فِي حَال، دون حَال دلّ ذَلِك عَلَى أَن مَا أصَاب العجماء من جرح وَغَيره فِي حَال جَبَّار، وَفِي حَال غير جَبَّار، وَقَالَ عبد الْحق فِي أَحْكَامه بعد أَن ذكره من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن الزُّهْرِيّ، عَن حرَام بن محيصة، عَن الْبَراء، ثمَّ قَالَ: حرَام لم يسمع من الْبَراء. قَالَ: وَرَوَاهُ معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن حرَام بن محيصة، عَن أَبِيه، عَن الْبَراء. وَلم يُتَابع عَلَى قَوْله: عَن أَبِيه. قَالَ: وَرَوَاهُ ابْن عُيَيْنَة، عَن الزُّهْرِيّ، عَن حرَام بن سعد، وَسَعِيد بن الْمسيب، عَن الْبَراء قَالَ: وَفِيه اخْتِلَاف أَكثر من هَذَا. وَهَذَا قَول أبي مُحَمَّد بن حزم: وَرَوَاهُ الزُّهْرِيّ أَيْضا عَن أبي أُمَامَة بن سهل بن حنيف أَن نَاقَة للبراء... فصح أَنه مُرْسل؛ لِأَن حَرَامًا لَيْسَ هُوَ ابْن محيصة لصلبه، إِنَّمَا هُوَ ابْن سعد بن محيصة، وَسعد لم يسمع من الْبَراء، وَلَا أَبُو أُمَامَة.
قلت: رَوَاهُ عَن الزُّهْرِيّ جمَاعَة مِنْهُم الْأَوْزَاعِيّ، وَإِسْمَاعِيل بن أُميَّة، وَعبد الله بن عِيسَى، وَكلهمْ قَالُوا: عَن الزُّهْرِيّ، عَن حرَام، عَن الْبَراء لم يذكرُوا وَالِد حرَام، وَرَوَاهُ اللَّيْث بن سعد عَن الزُّهْرِيّ فَقَالَ: أَن ابْن محيصة أخبرهُ «أَن نَاقَة الْبَراء...» وَانْفَرَدَ معمر وَحده فَقَالَ: عَن الزُّهْرِيّ، عَن حرَام، عَن أَبِيه، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من طَرِيق مُحَمَّد بن أبي حَفْصَة ميسرَة، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن الْبَراء، وَطَرِيق أبي أُمَامَة غَرِيبَة وَسَيَأْتِي، وَأخرج ابْن حبَان فِي صَحِيحه الحَدِيث من طَرِيق معمر عَن الزُّهْرِيّ، وَكَذَلِكَ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ، وَأخرجه أَحْمد من طَرِيق الْأَوْزَاعِيّ، وَقَول عبد الْحق: وَفِيه اخْتِلَاف، أَكثر من هَذَا بيَّنه ابْن الْقطَّان فِي كِتَابه فَقَالَ: وَفِيه سَبْعَة أَقْوَال:
أَولهَا: معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن حرَام عَن أَبِيه فِي أبي دَاوُد.
ثَانِيهَا: الْأَوْزَاعِيّ عَن الزُّهْرِيّ عَن حرَام عَن الْبَراء فِيهِ أَيْضا. قلت: ومسند أَحْمد أَيْضا.
ثَالِثهَا: مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن حرَام.
رَابِعهَا: معن بن عِيسَى، عَن مَالك، عَن الزُّهْرِيّ، عَن حرَام، عَن جده محيصة فِي مُسْند الْجَوْهَرِي لأحاديث الْمُوَطَّأ.
خَامِسهَا: ابْن عُيَيْنَة، عَن الزُّهْرِيّ، عَن حرَام.
سادسها: ابْن جريج عَن الزُّهْرِيّ أَخْبرنِي أَبُو أُمَامَة «أَن نَاقَة للبراء...» ذكره ابْن عبد الْبر.
سابعها: قَول ابْن أبي ذِئْب عَن الزُّهْرِيّ بَلغنِي «أَن نَاقَة للبراء...»
ذكره أَبُو عمر أَيْضا، قَالَ ابْن الْقطَّان: وَلَا أبعد عَلَى هَذَا.
فَائِدَة: قَالَ الرَّافِعِيّ: أَرَادَ عَلَيْهِ السَّلَام بالأموال الزَّرْع والبساتين، وَقَوله: «ضَامِن عَلَى أَهلهَا» أَي: مَضْمُون كَقَوْلِهِم: سر كاتم، أَي مَكْتُوم.