فصل: أَحدهَا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّالِث:

«نَهْيه عَن قفيز الطَّحَّان».
هَذَا النَّهْي رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه من حَدِيث وَكِيع وَعبيد الله بن مُوسَى قَالَا: ثَنَا سُفْيَان، عَن هِشَام أبي كُلَيْب، عَن ابْن أبي نعم عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: «نُهي عَن عسب الْفَحْل زَاد عبيد الله: وَعَن قفيز الطَّحَّان» وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه فِي بَاب النَّهْي عَن عسب الْفَحْل بعد أَن رَوَاهُ هَكَذَا من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ. وَرَوَاهُ ابْن الْمُبَارك عَن سُفْيَان، كَمَا رَوَاهُ عبيد الله وَقَالَ: «نهَى» وَكَذَلِكَ قَالَه إِسْحَاق الْحَنْظَلِي عَن وَكِيع «نهَى عَن عسب الْفَحْل».
وَرَوَاهُ عَطاء بن السَّائِب عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي نعم قَالَ: «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم...» فَذكره وَذكره عبد الْحق فِي أَحْكَامه عَن الدَّارَقُطْنِيّ بِلَفْظ عَن أبي سعيد «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن عسب الْفَحْل وقفيز الطَّحَّان» وَتَبعهُ ابْن الرّفْعَة فِي مطلبه فِي عزوه إِلَى الدَّارَقُطْنِيّ كَذَلِك ثمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ... فَذكره بِلَفْظ الدَّارَقُطْنِيّ الَّذِي نَقَلْنَاهُ أَولا من سنَنه وَالْبَيْهَقِيّ نَفسه سَاقه من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، وَقد تعقب ابْن الْقطَّان عبد الْحق فَقَالَ: كَذَا ذكره عبد الْحق وَقد بحثت عَنهُ فَلم أَجِدهُ؛ إِنَّمَا هُوَ فِي كتاب الدَّارَقُطْنِيّ هَكَذَا «نُهي» مَبْنِيّ لما لم يسم فَاعله، وَلَعَلَّ قَائِلا يَقُول: لَعَلَّه اعْتقد فِيمَا يَقُوله الصَّحَابِيّ من هَذَا مَرْفُوعا. فَنَقُول لَهُ: إِنَّمَا عَلَيْهِ أَن ينْقل لنا رِوَايَته لَا رَأْيه، فَلَعَلَّ من بلغه يرَى غير مَا يرَاهُ من ذَلِكَ، فَإِنَّمَا يقبل مِنْهُ نُقوله لَا قَوْله.
قلت: وَبعد هَذَا كُله فَالْحَدِيث مَعْلُول؛ فَإِن شيخ سُفْيَان وَهُوَ هِشَام الْمَذْكُور لَا نعرفه، لَا جرم قَالَ الذَّهَبِيّ فِي مِيزَانه: هَذَا خبر مُنكر، وَرِجَاله لَا تعرف. وَأما بعض شُيُوخنَا فَقَالَ بعد أَن ذكره كَمَا ذكره عبد الْحق بِسَنَد جيد: لَيْسَ فِيهِ مَا ينظر فِيهِ إِلَّا عنعنة الثَّوْريّ عَن هِشَام أبي كُلَيْب، وَهِشَام ثِقَة وَمثل هَذَا لَا يقصر عَن رُتْبَة الْحسن إِن لم يصل إِلَى رُتْبَة الصَّحِيح. قَالَ: وَأَرْجُو أَنه صَحِيح- إِن شَاءَ الله- هَذَا لَفظه وَلَا أَدْرِي من أَيْن وَقع لَهُ تَوْثِيق هِشَام؟! فَإِن ثَبت فَالْأَمْر كَمَا قَالَه.
فَائِدَة: هَذَا الحَدِيث ذكره الرَّافِعِيّ دَلِيلا عَلَى أَنه إِذا اسْتَأْجر الطَّحَّان بالنخالة أَو بِصَاع من الدَّقِيق أَنه يفْسد، وَقَالَ الْمجد فِي أَحْكَامه. فسر الْقَوْم «قفيز الطَّحَّان» بطحن الطَّعَام بِجُزْء مِنْهُ مطحونًا لما فِيهِ من اسْتِحْقَاق طحن قدر الْأُجْرَة لكل وَاحِد مِنْهَا عَلَى الآخر، وَذَلِكَ متناقض، قَالَ: وَقيل: لَا بَأْس بذلك مَعَ الْعلم بِقَدرِهِ، وَإِنَّمَا الْمنْهِي عَنهُ طحن الصُّبْرَة لَا يعلم كيلها بقفيز مِنْهَا وَإِن شَرط حبًّا؛ لِأَن مَا عداهُ مَجْهُول فَهُوَ كبيعها إِلَّا قَفِيزا مِنْهَا.
قلت: وَفِي الغريبين للهروي أَن ابْن الْمُبَارك قَالَ: إِن صورته أَن تَقول: اطحن بِكَذَا وَزِيَادَة قفيز من نَفْس الطَّحْن. قَالَ صَاحب الْمطلب: وَكَيف كَانَ، فَهَل ذَلِكَ لأجل أَنه لَا يعرف كَيْفيَّة الدَّقِيق بعد الطَّحْن هَل هُوَ ناعم أَو خشن؟ وَالْغَرَض يخْتَلف بِهِ، أَو لأجل أَنه جعل الْأُجْرَة مَا يحصل بِعَمَل الآخر؛ فَهِيَ غير مَقْدُور عَلَيْهَا فِي الْحَال، أَو لأجل أَنه تَأْجِيل فِي الْأَعْيَان أَنه حصر الْأُجْرَة فِي الْقَمْح المطحون وَجعل اسْتِحْقَاقه بعد الطَّحْن، وَذَلِكَ تَأْجِيل لَهُ بِأَجل مَجْهُول، فِيهِ احتمالات. قَالَ: وَيحْتَمل أَن يكون النَّهْي لأجل كل مِنْهَا؛ فَإِن أصُول الشَّرْع تَقْتَضِيه.

.الحديث الرَّابِع:

عَن جَابر رَضي اللهُ عَنهُ «أَنه بَاعَ فِي بعض الْأَسْفَار بَعِيرًا من رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى أَن يكون لَهُ ظَهره إِلَى الْمَدِينَة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا وكرره البُخَارِيّ فِي عدَّة أَبْوَاب وَقد ذكرته بِطرقِهِ فِي شرح العُمْدة فَرَاجعه مِنْهُ فَإِنَّهُ يُسَاوِي رحْلَة.

.الحديث الخَامِس:

رُوِيَ «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي قصَّة الَّتِي عرضت نَفسهَا عَلَيْهِ لبَعض الْقَوْم: أُرِيد أَن أزَوجك هَذِه إِن رضيت. فَقَالَ: مَا رضيت لي يَا رَسُول الله فقد رضيت. فَقَالَ للرجل: هَل عنْدك شَيْء؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَمَا تحفظ من الْقُرْآن؟ قَالَ: سُورَة الْبَقَرَة وَالَّتِي تَلِيهَا. قَالَ: قُم فعلمها عشْرين آيَة وَهِي امْرَأَتك».
هَذَا الحَدِيث أَصله فِي الصَّحِيحَيْنِ بِغَيْر هَذِه السِّيَاقَة، كَمَا ستعلمه- إِن شَاءَ الله تَعَالَى- فِي النِّكَاح، وَرَوَاهُ بنحوها أَبُو دَاوُد فِي سنَنه من حَدِيث عِسل- بِكَسْر الْعين وَإِسْكَان السِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ- عَن عَطاء بن أبي رَبَاح، عَن أبي هُرَيْرَة نَحْو هَذِه الْقِصَّة- يَعْنِي: قصَّة سُؤال الرجل للنَّبِي أَن يُزَوجهُ الواهبة نَفسهَا- قَالَ أَبُو دَاوُد: لم يذكر الْإِزَار والْخَاتم فَقَالَ: «مَا تحفظ من الْقُرْآن؟ قَالَ: سُورَة الْبَقَرَة أَو الَّتِي تَلِيهَا. قَالَ: قُم فعلمها عشْرين آيَة وَهِي امْرَأَتك» وَرَوَاهُ بهَا النَّسَائِيّ من هَذَا الْوَجْه وَهَذَا لَفظه: «جَاءَت امْرَأَة إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فعرضت نَفسهَا عَلَيْهِ فَقَالَ لَهَا: اجلسي. فَجَلَست سَاعَة ثمَّ قَامَت، قَالَ: اجلسي بَارك الله فِيك؛ أما نَحن فَلَا حَاجَة لنا فِيك، وَلَكِن تملكيني أَمرك؟ قَالَت: نعم. فَنظر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي وُجُوه الْقَوْم فَدَعَا رجلا مِنْهُم، فَقَالَ: إِنِّي أُرِيد أَن أزَوجك هَذَا إِن رضيت. قَالَت: مَا رضيت لي يَا رَسُول الله فقد رضيت. ثمَّ قَالَ للرجل: هَل عنْدك من شَيْء؟ قَالَ: لَا وَالله يَا رَسُول الله. قَالَ: قُم إِلَى النِّسَاء. فَقَامَ إلَيْهِنَّ فَلم يجد عِنْدهن شَيْئا، قَالَ: وَمَا تحفظ من الْقُرْآن؟ قَالَ: سُورَة الْبَقَرَة- أَو الَّتِي تَلِيهَا- قَالَ: قُم فعلمها عشْرين آيَة وَهِي امْرَأَتك» كَذَا وَقع فِيهِ أَن الْمَشْرُوط رِضَاهَا- أَي: الْمَرْأَة لَا الرجل- كَمَا وَقع فِي الرَّافِعِيّ، وَعسل هَذَا هُوَ ابْن سُفْيَان بن يربوعي بَصرِي، كنيته: أَبُو قُرَّة وَقد ضَعَّفُوهُ، قَالَ أَبُو حَاتِم: مُنكر الحَدِيث. وَيشْتَبه بعَسَل- بِفَتْح الْعين وَالسِّين- بن ذكْوَان الأخباري. هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب.
وَذكر فِيهِ من الْآثَار ثَلَاثَة:
أَحدهَا: عَن عَلّي رَضي اللهُ عَنهُ «أَنه أجر نَفسه من يَهُودِيّ يَسْتَقِي لَهُ كل دلو بتمرة».
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث حَنش، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «أصَاب نَبِي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خصَاصَة، فَبلغ ذَلِكَ عليًّا- عَلَيْهِ السَّلَام- فَخرج يلْتَمس عملا يُصِيب فِيهِ شَيْئا ليقيت بِهِ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَتَى بستانًا لرجل من الْيَهُود فاستقى لَهُ سَبْعَة عشر دلوًا كل دلو بتمرة، فخيره الْيَهُودِيّ من تمره سبع عشرَة عَجْوَة فجَاء بهَا إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم» وحنش هَذَا ضَعَّفُوهُ إِلَّا الْحَاكِم؛ فَإِنَّهُ وَثَّقَهُ، وَسَماهُ مُسلم: حُسَيْنًا، قَالَ: وَيُقَال: حسن. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بالسند الْمَذْكُور وباللفظ أَيْضا، وَزَاد فِي آخِره: «فَقَالَ: من أَيْن هَذَا يَا أَبَا الْحُسَيْن؟ فَقَالَ: بَلغنِي مَا بك من الْخَصَاصَة يَا نَبِي الله، فَخرجت التمس عملا لأصيب لَك طَعَاما. قَالَ: فحملك عَلَى هَذَا حب الله وَرَسُوله؟ قَالَ عَلّي: نعم يَا نَبِي الله. فَقَالَ نَبِي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَالله مَا من عبد يحب الله وَرَسُوله إِلَّا الْفقر أسْرع إِلَيْهِ من جرية السَّيْل عَلَى وَجهه، من أحب الله وَرَسُوله فليعد تحفافا- وَإِنَّمَا يَعْنِي: الصَّبْر».
وَله طَرِيق ثَان من حَدِيث عَلّي رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده بِنَحْوِ من لفظ ابْن مَاجَه: «وَجعل الْأُجْرَة» لكنه من رِوَايَة مُجَاهِد عَنهُ، وَهُوَ مُنْقَطع. قَالَ أَبُو زرْعَة: مُجَاهِد عَن عَلّي مُرْسل. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: إِنَّه أدْركهُ لَا يذكر رُؤْيَة وَلَا سَمَاعا. وَقَالَ الدوري: قيل ليحيى بن معِين: رُوِيَ عَن مُجَاهِد أَنه قَالَ: «خرج علينا عَلّي». قَالَ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْء. وَله طَرِيق ثَالِث من حَدِيث أبي حَيَّة عَن عَلّي قَالَ: «كنت أدلو الدَّلْو بتمرة وأشرط أَنَّهَا جلدَة». رَوَاهُ ابْن مَاجَه، عَن مُحَمَّد بن بشار، ثَنَا عبد الرَّحْمَن، ثَنَا سُفْيَان، عَن أبي إِسْحَاق، عَن أبي حَيَّة... فَذكره، وَهَذَا إِسْنَاد جيد، لَا جرم ذكره ابْن السكن فِي صحاحه والجلدة: الْيَابِسَة الجيدة قَالَه الْجَوْهَرِي.
الْأَثر الثَّانِي وَالثَّالِث: عَن عمر وَعلي «تضمين الْأَجِير الْمُشْتَرك».
وَهَذَا يرْوَى عَنْهُمَا بِضعْف، قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه: قَالَ الشَّافِعِي: قد رُوي من وَجه لَا يثبت أهلُ الحَدِيث مثله «أَن عَلّي بن أبي طَالب ضمن الغسَال والصباغ، وَقَالَ: لَا يصلح للنَّاس إِلَّا ذَلِكَ» أَخْبرنِي إِبْرَاهِيم بن أبي يَحْيَى، عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه أَن عليًّا قَالَ ذَلِكَ. قَالَ الشَّافِعِي: وَرُوِيَ عَن عمر تضمين بعض الصُنَّاع من وَجه أَضْعَف من هَذَا، وَلم يعلم وَاحِدًا مِنْهُمَا يثبت، قَالَ: وَقد رُوِيَ عَن عَلّي من وَجه آخر: أَنه كَانَ لَا يضمن أحدا من الأُجراء من وَجه لَا يثبت مثله، قَالَ: وثابتٌ عَن عَطاء بن أبي رَبَاح أَنه قَالَ: «لَا ضَمَان عَلَى صانع، وَلَا عَلَى أجِير» ثمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن عَلّي: «أَنه كَانَ يضمن الصباغَ والصانعَ، وَقَالَ: لَا يصلح للنَّاس إِلَّا ذَاك». وَعَن خلاس: «أَن عليًّا كَانَ يضمن الْأَجِير».
ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: حَدِيث جَعْفَر عَن أَبِيه عَن عَلّي مُرْسلا، وَأهل الْعلم يضعفون أَحَادِيث خلاس عَن عَلّي، وَقد رَوَى جَابر الْجعْفِيّ- وَهُوَ ضَعِيف- عَن الشّعبِيّ قَالَ: «كَانَ عَلّي يضمن الْأَجِير».

.كتاب الجُعَالة:

كتاب الجُعَالة:
قَالَ الرَّافِعِيّ: استأنسوا لَهُ بقوله تَعَالَى: {وَلمن جَاءَ بِهِ حمل بعير وَأَنا بِهِ زعيم} ويحتج لَهُ أَيْضا بِحَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ الثَّابِت فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي أَخذ الْجعل عَلَى الرّقية، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: «قد أصبْتُم، فَقَسِّمُوا واضربوا لي مَعكُمْ بسهمٍ وَضحك رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم».
وَقد ذكره الْغَزالِيّ فِي وسيطه وبسطتُ الْكَلَام عَلَيْهِ فِي تخريجي لأحاديثه؛ فَرَاجعه مِنْهُ، انْتَهَى.

.كتاب إحْيَاء الْموَات:

كتاب إحْيَاء الْموَات:
ذكر فِيهِ أَحَادِيث وأثرين، أمَّا الْأَحَادِيث فخمسة وَعِشْرُونَ حَدِيثا:

.أَحدهَا:

عَن سعيد بن زيد رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من أَحْيَا أَرضًا ميتَة فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لعرق ظَالِم حق».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، كَمَا سلف فِي الْغَصْب وَاضحا.

.الحديث الثَّانِي:

عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها عَن النبى قَالَ: «من عمَّر أَرضًا لَيست لأحد فَهُوَ أَحَق بهَا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه البُخَارِيّ فِي صَحِيحه كَذَلِك، وَزَاد: «قَالَ عُرْوَة بن الزبير: قَضَى بِهِ عمر فِي خِلَافَته». ذكره فِي بَاب: من أَحْيَا أَرضًا مواتًا.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، إِلَّا أَنه قَالَ: «من أَحْيَا» بدل:
«من عمر» وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده من حَدِيث ابْن لَهِيعَة عَن أبي الْأسود، عَن عُرْوَة عَنْهَا مَرْفُوعا بِلَفْظ البُخَارِيّ.
فَائِدَة: قَوْله: «عَمَّر» هُوَ فعْل ثلاثي، أَوله عين، وَفِي بعض النّسخ: «أعمر» رباعيًا بِهَمْزَة قبل الْعين، وَلَيْسَ بِصَحِيح، وَلَا يُطَابق التَّبْوِيب.

.الحديث الثَّالِث:

عَن سَمُرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من أحَاط حَائِطا عَلَى أَرض فَهِيَ لَهُ».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد فِي سنَنه عَنهُ، ثَنَا مُحَمَّد بن بشر، ثَنَا سعيد، عَن قَتَادَة، عَن الْحسن، عَن سَمُرَة، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهِ سَوَاء.
وَكَذَا أخرجه الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ أَيْضا، وَذكره ابْن السكن في سنَنه الصِّحَاح وَقد أسلفنا لَك مَا فِي سَماع الْحسن من سَمُرَة، وَله شَاهد من حَدِيث جَابر بن عبد الله أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من أحَاط حَائِطا عَلَى أَرض فَهِيَ لَهُ».
رَوَاهُ عبد بن حميد فِي مُسْنده عَن مُحَمَّد بن بشر الْعَبْدي، عَن سعيد بن أبي عرُوبَة، ثَنَا قَتَادَة عَن سُلَيْمَان الْيَشْكُرِي، عَن جَابر مَرْفُوعا بِهِ.

.الحديث الرَّابِع:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «عادي الأَرْض لله وَرَسُوله، ثمَّ هِيَ لكم مني» وَرُوِيَ: «مَوَتَانِ الأَرْض لله وَرَسُوله، ثمَّ هِيَ لكم مني أَيهَا الْمُسلمُونَ».
قَالَ الرَّافِعِيّ: يعنىِ: الْموَات.
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ بِاللَّفْظِ الأول الشَّافِعِي عَن سُفْيَان، عَن ابْن طَاوس أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من أَحْيَا مواتًا من الأَرْض فَهُوَ لَهُ، وعادىِ الأَرْض لله وَرَسُوله، ثمَّ هِيَ لكم مني».
وَكَذَا فِي الْمسند لَهُ أَيْضا، وَكَذَا أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث قبيصَة، عَن سُفْيَان، عَن ابْن طَاوس، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من أَحْيَا شَيْئا من موتان الأَرْض فَلهُ رقبَتهَا، وعادي الأَرْض لله وَلِرَسُولِهِ، ثمَّ لكم من بعدِي» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ هِشَام بن حُجَيْر عَن طَاوس فَقَالَ: «ثمَّ هِيَ لكم مني» ثمَّ أخرجه من حَدِيث: مُحَمَّد بن فُضَيْل، عَن لَيْث، عَن طَاوس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «عادي الأَرْض لله وَلِرَسُولِهِ، ثمَّ لكم من بعد، فَمن أَحْيَا شَيْئا من موَات الأَرْض فَهُوَ أَحَق بِهِ» وَلَيْث هَذَا هُوَ ابْن أبي سُليم، وَقد علمتَ حَاله فِيمَا مَضَى. وَرَوَاهُ بِاللَّفْظِ الثَّانِي الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من حَدِيث: كريب، ثَنَا مُعَاوِيَة، حَدثنَا سُفْيَان، عَن ابْن طَاوس، عَن أَبِيه، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «مَوَتان الأَرْض لله وَلِرَسُولِهِ، فَمَنْ أحْيَا مِنْهَا شَيْئا فَهُوَ لَهُ».
ثمَّ قَالَ: تفرد بِهِ مُعَاوِيَة بن هِشَام مَرْفُوعا مُتَّصِلا.
قلت: وَهُوَ صَدُوق ثِقَة، من رجال مُسلم، وَغلط ابْن الْجَوْزِيّ فَذكره فِي ضُعَفَائِهِ وَقَالَ: رَوَى مَا لَيْسَ من سَمَاعه؛ فَتَرَكُوهُ. لَا جرم، لمَّا ذكره الذَّهَبِيّ فِي الْمُغنِي قَالَ: إِنَّه ثِقَة، غلط من تكلم فِيهِ. فَأَشَارَ بذلك إِلَى مقَالَة ابْن الْجَوْزِيّ هَذِه فِيهِ. وَقَول الرَّافِعِيّ فِي هَذِه الرِّوَايَة: «ثمَّ هِيَ لكم مني أَيهَا الْمُسلمُونَ» تبع فِي إيرادها كَذَلِك الْبَغَوِيّ وَالْإِمَام.
فَائِدَة: قَوْله: «عاديّ الأَرْض» هُوَ بتَشْديد الْيَاء، يُرِيد: ديار عَاد وَثَمُود وَمن بعدهمْ، وَعبارَة ابْن دَاوُد فِي شرح الْمُخْتَصر: أَنه الَّذِي كَانَت عِمَارَته قبل بعثة الْأَنْبِيَاء بالشرائع، وَالْيَاء فِي «عاديّ الأَرْض» مشدَّدة. وَقَوله: «موتان الأَرْض» قَالَ الرَّافِعِيّ: هُوَ بِفَتْح الْمِيم وَالْوَاو وقَالَ الْخطابِيّ: وَفِيه لُغَة أُخْرَى وَهُوَ: بِفَتْح الْمِيم وَإِسْكَان الْوَاو، وأمَّا «المُوْتان»: بِالضَّمِّ وَإِسْكَان الْوَاو فَهُوَ: الْمَوْت الذريع. وَمَا نَقله الرَّافِعِيّ عَن الْخطابِيّ رَأَيْته فِي كِتَابه إصْلَاح الْأَلْفَاظ الَّتِي صحَّفها الروَاة فِي الحَدِيث وَقَالَ ابْن بري: الصَّحِيح فِي الرِّوَايَة «مَوَتان» بِالْفَتْح فيهمَا، وَهِي: الأَرْض الَّتِي لم تُحيى بعد، وَأما «موْتان» بِسُكُون الْوَاو فَهُوَ: الوجع، يُقَال: رجل موتان الْفُؤَاد، وَامْرَأَة موتانة الْفُؤَاد.
فَائِدَة فقهية: قَالَ الجُوري من أَصْحَابنَا: موَات الأَرْض صَار ملكا للنَّبِي بقوله: «عادي الأَرْض لله وَلِرَسُولِهِ» فرَدَّها عَلَى أُمَّتِه بقوله: «ثمَّ هِيَ لكم».

.الحديث الخَامِس:

عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من أَحْيَا أَرضًا ميتَة فَلهُ بهَا أجرٌ، وَمَا أكله العوافي مِنْهَا فَهُوَ لَهُ صَدَقَة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده من حَدِيث عبيد الله بن عبد الرَّحْمَن الْأنْصَارِيّ، عَن جَابر بِهِ سَوَاء، إِلَّا أَنه قَالَ: «وَمَا أكلت الْعَافِيَة» بدل: «وَمَا أكله العوافي» وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا من هَذَا الْوَجْه، وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه بِأَلْفَاظ؛ أَحدهَا من هَذَا الْوَجْه، وَهَذَا اللَّفْظ، أَعنِي «الْعَافِيَة» بدل «العوافي»، وَقَالَ: «فَهُوَ لَهُ صَدَقَة».
ثمَّ قَالَ: ذكر الْخَبَر المدحض قَول من زعم أَن عبيد الله هَذَا مَجْهُول لَا يعرف وَلَا يعلم لَهُ سَماع من جَابر. ثمَّ سَاقه من حَدِيث هِشَام، حَدثنِي عبيد الله بن عبد الرَّحْمَن بن رَافع بن خديج، سَمِعت جَابر بن عبد الله يَقُول: «من أَحْيَا أَرضًا ميتَة فَلهُ أجر، وَمَا أكلت الْعَافِيَة فَلهُ بهَا أجر».
ثمَّ قَالَ: ذكْرُ الْخَبَر الدَّال عَلَى أَن الذمِّي إِذا أَحْيَا أَرضًا ميتَة لم تكن لَهُ. سَاقه من حَدِيث هشيم، عَن وهب بن كيسَان، عَن جَابر رَفعه «من أَحْيَا أَرضًا ميتَة فَهِيَ لَهُ، وَله أجر وَمَا أكلتِ العوافي مِنْهَا فَهُوَ لَهُ صَدَقَة».
وَهَذِه الطَّرِيقَة رَوَاهَا التِّرْمِذِيّ فِي جامعه إِلَى قَوْله: «فَهِيَ لَهُ» ثمَّ قَالَ: حَدِيث حسن صَحِيح. ثمَّ قَالَ ابْن حبَان: قد سمع هِشَام بن عُرْوَة هَذَا الْخَبَر من وهبِ بن كيسَان، وعبيد الله بن عبد الرَّحْمَن، عَن جَابر، وهما طَرِيقَانِ محفوظان. وَقَالَ: وَفِي هَذَا الْخَبَر دَلِيل عَلَى أَن الذِّمِّيّ إِذا أَحْيَا أَرضًا لم تكن لَهُ؛ فَإِن الصَّدَقَة لَا تكون إِلَّا للْمُسلمِ. ونازعه فِي ذَلِك الطَّبَرِيّ فِي أَحْكَامه فَقَالَ: فِيمَا ذكره نظر؛ إِذْ الْكَافِر يتَصَدَّق ويجازى عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا، وَبِه ورد الحَدِيث.
فَائِدَة: العوافي: الطير والوحش والضباع، مَأْخُوذ من قَول: عَفَوْت فلَانا أعفوه. إِذا أَتَيْته تطلب معروفه، وَفِي الْحَاوِي للماوردي: والعوافي جمع عَافِيَة، وَهُوَ طَالب الْفضل.
قلت: وَهُوَ مَا جزم بِهِ ابْن حبَان فِي صَحِيحه حَيْثُ قَالَ عقب الْخَبَر الْمَذْكُور: طلاب الرزق يُسمَّون الْعَافِيَة. وَذكر الْبَيْهَقِيّ حَدِيثا فِي أثْنَاء أَبْوَاب الزَّكَاة فِيهِ ذكر العوافي، ثمَّ قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا العوافي؟ قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم. قَالَ: الطير والسِّبَاع». وَأخرجه الْحَاكِم كَذَلِك فِي التَّفْسِير من مُسْتَدْركه ثمَّ قَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد. ذكره من حَدِيث عَوْف بن مَالك، وَكَذَا أخرجه ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَقَالَ الدَّارمِيّ- بعد أَن أخرجه فِي مُسْنده-: الْعَافِيَة: الطير وَغير ذَلِك.

.الحديث السَّادِس:

قَالَ الرَّافِعِيّ: وَلَيْسَ للذمِّي تَمْلِيكًا بِالْإِحْيَاءِ وَلَا يَأْذَن لَهُ الإِمَام فِيهِ، وَلَو أذن لَهُ الإِمَام فأحياها.
لم يُمَلَّك، وَفِي قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: «ثمَّ هِيَ لكم مني أَيهَا الْمُسلمُونَ» مَا يَقْتَضِي التَّخْصِيص بهم.
هَذَا الحَدِيث تقدَّم بَيَانه، إِلَّا قَوْله: «أَيهَا الْمُسلمُونَ» فَإِنِّي لم أرها فِي رِوَايَة كَذَلِك، وَقد أسلفنا أَن الرَّافِعِيّ تبع فِي إيرادِها الْبَغَوِيّ وَالْإِمَام.

.الحديث السَّابِع:

رُوي أَنه عَليه السَّلَام قَالَ: «عادي الأَرْض لله وَلِرَسُولِهِ، ثمَّ هِيَ لكم مني».
هَذَا الحَدِيث تقدَّم بَيَانه فِي الحَدِيث الرَّابِع من أَحَادِيث الْبَاب.

.الحديث الثَّامِن:

روُي أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من أَحْيَا أَرضًا ميتَة فِي غير حق مُسلم فَهِيَ لَهُ».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه من حَدِيث أُمِّ الْجنُوب بنت نُميلة بالنُّون عَلَى الْمَشْهُور، وبخط ابْن طَاهِر: تُمَيْلة، بِالْمُثَنَّاةِ، وضبطها بَعضهم بِالْمُثَلثَةِ عَن أمهَا سويدة بنت جَابر، عَن أُمِّها عقيلة بِفَتْح الْعين بنت أسمر بن مُضرس، عَن أَبِيهَا مَرْفُوعا: «من سبق إِلَى مَا لم يسْبقهُ إِلَيْهِ مُسلم فَهُوَ لَهُ. قَالَ: فَخرج النَّاس يتعادون يتخاطون» وَهُوَ حَدِيث غَرِيب. قَالَ أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ: لَا أعلم بِهَذَا الْإِسْنَاد حَدِيثا غَيره. وَأخرجه الضياء فِي الْأَحَادِيث المختارة.
قلت: وأُمُّ جنوب رَوَت عَن أُمها وأبيها أَيْضا، كَمَا أَفَادَهُ الصّريفيني، قَالَ: وَفِي الأَصْل نجيلة بدل نميلَة وَرَوَى حَدِيثهَا ابْن مَنْدَه فَقَالَ: عَن أُمِّ جميل بنت نميلَة، رَوَى عَنْهَا عبد الحميد بن عبد الْوَاحِد الغنوي، وأمهَا سويدة لَا أعلمها رَوَت عَن غير أُمِّها عقيلة، وَلَا رَوَى عَنْهَا غير ابْنَتهَا أم جنوب، وَكَذَا أمهَا عقيلة لَا أعلم روتْ عَن غير أَبِيهَا وَلَا رَوَى عَنْهَا غير ابْنَتهَا سويدة وَقَالَ الصريفيني: ذكرهَا خَ.
وأسمر هَذَا، قَالَ أَبُو عُمر: يُقَال: إِنَّه أَخُو عُرْوَة بن مُضرس.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث كثير بن عبد الله، عَن أَبِيه، عَن جده: أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من أَحْيَا مواتًا من الأَرْض فِي غير حق لمُسلم فَهُوَ لَهُ، وَلَيْسَ لعرق ظَالِم حق».
وكثير هَذَا ضعَّفوه بِمرَّة، كَمَا سبق فِي صَلَاة الْعِيدَيْنِ ثمَّ كتاب الصُّلْح، وَذكره ابْن السكن فِي صحاحه بِلَفْظ يُروى وَهِي صِيغَة تمريض، وَوهم ابْن الطلاع حَيْثُ عَزَاه فِي أَحْكَامه إِلَى البخاريِّ.

.الحديث التَّاسِع:

عَن عبد الله بن مُغفل رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من احتفر بِئْرا فَلهُ أَرْبَعُونَ ذِرَاعا حولهَا لعطن مَاشِيَته».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث عبد الْوَهَّاب بن عَطاء وَغَيره، عَن إِسْمَاعِيل الْمَكِّيّ، عَن الْحسن، عَن عبد الله بن مُغفل أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من حفر بِئْرا فَلهُ أَرْبَعُونَ ذِرَاعا عطنًا لماشيته».. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من هَذَا الْوَجْه بألفاظٍ:
أَحدهَا: «حَرِيم الْبِئْر أَرْبَعُونَ ذِرَاعا عطنًا لماشيته».
ثَانِيهَا: «من احتفر بِئْرا فَلهُ مَا حواليها أَرْبَعُونَ ذِرَاعا عطنًا لإبله وماشيته».
ثَالِثهَا: «من احتفر بِئْرا فَلهُ أَرْبَعُونَ ذِرَاعا حولهَا عطنًا لماشيته».
رَابِعهَا: «من احتفر بِئْرا فَلَيْسَ لأحد أَن يحْفر حولهَا أَرْبَعِينَ ذِرَاعا، عطنًا لماشيته».
وَهَذَا حَدِيث ضَعِيف إِسْمَاعِيل الْمَكِّيّ ضَعَّفُوهُ، أما عبد الْوَهَّاب بن عَطاء؛ فَهُوَ من رجال مُسلم، حَدِيثه حسن، ضعفه أَحْمد، وأمَّا ابْن الْجَوْزِيّ فَنقل فِيهِ فِي تَحْقِيقه عَن الرَّازِيّ أَنه كَانَ يكذب، وَعَن الْعقيلِيّ وَالنَّسَائِيّ أَنه مَتْرُوك الحَدِيث. وَهَذَا قَالُوهُ فِي عبد الْوَهَّاب بن الضَّحَّاك لَا فِي هَذَا؛ فَتنبه لَهُ، وَقد مَشَى فِي ضُعَفَائِهِ عَلَى الصَّوَاب، فَنقل ذَلِك فِي تَرْجَمَة ابْن الضَّحَّاك لَا هَذَا.

.الحديث العَاشِر:

عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «حَرِيم الْبِئْر الْبَدِيِّ خَمْسَة وَعِشْرُونَ ذِرَاعا، وحريم الْبِئْر العادية خَمْسُونَ ذِرَاعا».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه من حَدِيث الزُّهْرِيّ، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِهِ سَوَاء، ثمَّ قَالَ: الصَّحِيح أَنه مُرْسل عَن ابْن الْمسيب، وَمن أسْندهُ فقد وهم. وَقَالَ فِي علله: إِن الْمُرْسل أشبه. قلت: وَفِي الْمسند مُحَمَّد بن يُوسُف الْمُقْرِئ شَيْخُ شيخِ الدَّارَقُطْنِيّ وَقد نسبه هُوَ- أَعنِي: الدَّارَقُطْنِيّ- إِلَى الْوَضع فِي الحَدِيث والقراءات.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث يُونُس، عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: أَخْبرنِي سعيد بن الْمسيب «أَن حَرِيم الْبِئْر الْبَدِيِّ خَمْسَة وَعِشْرُونَ ذِرَاعا نَوَاحِيهَا كلهَا، وحريم العادية خَمْسُونَ ذِرَاعا من نَوَاحِيهَا كلهَا، وحريم بِئْر الزَّرْع ثَلَاثمِائَة ذِرَاع من نَوَاحِيهَا كلهَا» قَالَ: وَقَالَ الزُّهْرِيّ: وَسمعت النَّاس يَقُولُونَ: حَرِيم الْعُيُون خَمْسمِائَة ذِرَاع. وَكَذَلِكَ معمر عَن الزُّهْرِيّ. وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن أُميَّة عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «حَرِيم الْبِئْر العادية خَمْسُونَ ذِرَاعا وحريم بِئْر الْبَدِيِّ خَمْسَة وَعِشْرُونَ ذِرَاعا. قَالَ سعيد بن الْمسيب من قبل نَفسه: وحريم قليب الزَّرْع ثَلَاثمِائَة ذِرَاع».
وَهَذَا ذكره أَبُو دَاوُد فِي مراسيله وَمن جِهَته أخرجه الْبَيْهَقِيّ ثمَّ قَالَ: ورُوي من حَدِيث معمر وَإِبْرَاهِيم بن أبي عبلة، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي سعيد، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا وموصولاً، وَهُوَ ضَعِيف. وَرَوَاهُ أوَّلَ الْبَاب من حَدِيث يَحْيَى بن آدم، عَن هشيم، عَن عَوْف الْأَعرَابِي، عَن رجل، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «حَرِيم الْبِئْر أَرْبَعُونَ ذِرَاعا من جوانبها كلهَا لأعطان الْإِبِل وَالْغنم، وَابْن السَّبِيل أول شَارِب، وَلَا يمْنَع فضل مَاء ليمنع بِهِ فضل الْكلأ» قَالَ: وَرَوَاهُ ابْن الْمُبَارك عَن عَوْف قَالَ: بَلغنِي عَن أبي هُرَيْرَة؛ فَذكره من قَوْله. ثمَّ رَوَاهُ آخر الْبَاب من حَدِيث عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «حَرِيم الْبِئْر خَمْسُونَ ذِرَاعا، وحريم الْعين مِائَتَا ذِرَاع».
وَرَوَاهُ الْحَاكِم في مُسْتَدْركه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَوْصُولا ومرسلاً، وَلَفظه فِي الأول: «حَرِيم قليب الْبِئْر العادية خَمْسُونَ ذِرَاعا، وحريم قليب الْبِئْر البادي خَمْسَة وَعِشْرُونَ ذِرَاعا» وَلَفظه فِي الثَّانِي كَلَفْظِ الدَّارَقُطْنِيّ، إِلَّا أَنه قَالَ بدل «الْبَدِيِّ»: «المحدثة».
ذكرهمَا جَمِيعًا فِي كتاب الْأَحْكَام من مُسْتَدْركه عَن شَيْخه ابْن خُزَيْمَة بِإِسْنَادِهِ، وَسكت عَلَيْهَا.
فَائِدَة: الْبَدِيِّ: بِفَتْح الْبَاء، وَكسر الدَّال، وَتَشْديد الْيَاء، كَذَا رَأَيْته بِخَط ابْن الْجَوْزِيّ مضبوطًا فِي غَرِيبه ورأيته فِي الصِّحَاح بِالْهَمْز، ضبط الْكَاتِب، وَفِي الرَّافِعِيّ عَنهُ: أَن البدية الَّتِي أحدثت فِي الْإِسْلَام وَلم تكن عَادِية. وَهُوَ كَمَا قَالَ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي صحاحه فِي فصل بَدَأَ: والبديء والبدي: الْبِئْر الَّتِي حُفرت فِي الْإِسْلَام وَلَيْسَت بعادية. ثمَّ ذكر الحَدِيث، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هِيَ الَّتِي ابْتَدَأتهَا أَنْت فحفرتها. وَقَالَ أَبُو عبيد: وَهِي الَّتِي حُفرت فِي الْإِسْلَام، والعادية: الْقَدِيمَة.

.الحديث الحَادِي عشر:

قَالَ الرَّافِعِيّ: لَا يمْنَع من أَحْيَا مَا وَرَاء الْحَرِيم، قَرُبَ أم بَعُدَ؛ لِأَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «أقطع عبد الله بن مَسْعُود الدُّور، وَهِي بَين ظهراني عمَارَة الْأَنْصَار من الْمنَازل» والدُّور يُقَال: إِنَّه اسْم مَوضِع، وَيُقَال: الْمَعْنى أَنه أقطعه تِلْكَ الْبقْعَة ليتخذها دورًا.
هَذَا الحَدِيث تبع فِي إِيرَاده الإِمَام الشَّافِعِي؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْمُخْتَصر: «وَقد أقطع رَسُول الدُّور، فَقَالَ حَيّ من بني زهرَة- وَيُقَال لَهُم: بَنو عبد بن زهرَة-: نكِّب عَنَّا ابْن أم عبد. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَلِمَ ابتعثني الله إِذا؟! إِن الله لَا يقدِّس أمة لَا يوخذ للضَّعيف فيهم حَقه».
قَالَ الشَّافِعِي: وَفِي ذَلِك دلَالَة عَلَى أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أقطع الْمَدِينَة بَين ظهراني عمَارَة الْأَنْصَار من الْمنَازل والنخيل.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه ومَعْرفَته من حَدِيث الرّبيع عَنهُ، ثَنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن يَحْيَى بن جعدة قَالَ: «لما قدم رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة أقطع الناسَ الدّور، فَقَالَ حَيّ من بني زهرَة- يُقَال لَهُم: بَنو عبد بن زهرَة-: نكب عَنَّا ابْن أم عبد. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَلم ابتعثني الله إِذا؟! إِن الله لَا يقدس أُمَّة لَا يُؤْخَذ للضعيف فيهم حَقه».
وَهَذَا مُرْسل، قَالَ ابْن معِين وَأَبُو حَاتِم: يَحْيَى بن جعدة لم يلق ابْن مَسْعُود وَإِنَّمَا يُرْسل عَنهُ، وَقد وَصله الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه فَقَالَ: ثَنَا أَبُو خَليفَة الْفضل بن الْحباب، ثَنَا عبد الرَّحْمَن بن سَلام الجُمَحِي، ثَنَا سُفْيَان، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن يَحْيَى بن جعدة، بن هُبَيْرَة عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: «لمَّا قدم رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة أقطع الدَّور، وأقطع ابْن مَسْعُود فِيمَن أقطع، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابه: يَا رَسُول الله، نَكِّبه عَنَّا. قَالَ: فَلِمَ بَعَثَنِي الله إِذا؟! إِن الله لَا يقدس أُمَّة لَا يُعْطون الضَّعِيف مِنْهُم حَقه».
وهُبَيْرَة: حَالَته جَيِّدَة كَمَا قررتها في أَوَائِل كتَابنَا هَذَا فِي بَاب: بَيَان النَّجَاسَات وَالْمَاء النَّجس، لَا كَمَا زعم من يُضعفهُ.
فَائِدَة: وَقع فِي مُخْتَصر الْمُزنِيّ: «فجَاء حيٌّ من بني عذرة» كَمَا أسلفناه بدل بني عبد وَهُوَ غلط؛ لِأَن عبد بن زهرَة لَا يَكُونُوا من بني عذرة.
وَإِنَّمَا هم من قُرَيْش، وهم رَهْط عبد الرَّحْمَن بن عَوْف. قَالَه الإِمَام فِي نهايته وَقَالَ القَاضِي حُسَيْن: بَنو عذرة من الْأَنْصَار. وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، وَإِنَّمَا هم من الْيمن، منسوبون إِلَى عذرة بن زيد اللات، وعبد بن زهرَة هُوَ عبد بن الْحَارِث بن زهرَة، وَابْن مَسْعُود من قُرَيْش، وَالظَّاهِر أَن قُريْشًا لَا تكره مجاورته، وَلَكِن ذَلِك الْحَيّ لمَّا كَانُوا من الْيمن وهم قريبون من الْأَنْصَار، سكنوا بَينهم؛ فكرهوا مجاورة ابْن مَسْعُود، قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب: كَانَت الْمَدِينَة نصفهَا عَامر وَنِصْفهَا خراب، فأقطع الْأَنْصَار الخراب، وأقطع ابْن مَسْعُود بَين ظهرانيهم، وَأَرَادُوا إبعاده بقَوْلهمْ: نكِّب هُوَ بِكَسْر الْكَاف، وَقَالَ بَعضهم: مَعْنَى نكِّب: عدِّل، تَقْدِيره: عدل هُنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بإقطاعه.