فصل: الحديث الأول:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث السَّابِع بعد الْأَرْبَعين:

أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة فَلَا صَلَاة إِلَّا الْمَكْتُوبَة».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم بِهَذَا اللَّفْظ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَهُوَ مَعْدُود من أَفْرَاده.
هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب.

.أما آثاره:

فعشر:

.أَولهَا:

«أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كَانَ يضْرب عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ قبل الْمغرب».
وَهَذَا عَلَى هَذَا الْوَجْه لَا أعرفهُ، وَإِنَّمَا فِي الصَّحِيح عَنهُ أَنه كَانَ يضْرب عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر. كَمَا أخرجه مُسلم عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه سَأَلَ الْمُخْتَار بن فلفل عَن التَّطَوُّع بعد الْعَصْر قَالَ: كَانَ عمر يضْرب الْأَيْدِي عَلَى صَلَاة بعد الْعَصْر، وَكُنَّا نصلي عَلَى عهد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رَكْعَتَيْنِ بعد غرُوب الشَّمْس قبل صَلَاة الْمغرب، فَقلت لَهُ: «أَكَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صلاهما؟ قَالَ: قد كَانَ يَرَانَا نصليهما فَلم يَأْمُرنَا وَلم ينهنا».
وَفِي مُسْند أَحْمد ثَنَا عبد الرَّزَّاق، نَا معمر، عَن ابْن جريج قَالَ: سَمِعت أَبَا سعد الْأَعْمَى يخبر عَن رجل يُقَال لَهُ: السَّائِب- مولَى الفارسيين- وَعَن زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ «أَنه رَآهُ عمر بن الْخطاب- وَهُوَ خَليفَة- ركع رَكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر فَمَشى إِلَيْهِ فَضَربهُ بِالدرةِ وَهُوَ يُصَلِّي كَمَا هُوَ، فَلَمَّا انْصَرف قَالَ زيد: وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فوَاللَّه لَا أدعهما أبدا بعد إِذْ رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّيهمَا قَالَ: فَجَلَسَ إِلَيْهِ عمر وَقَالَ: يَا زيد بن خَالِد، لَوْلَا أَن نخشى أَن يتخذها النَّاس سلما إِلَى الصَّلَاة حَتَّى اللَّيْل لم أضْرب فيهمَا».
نعم فِي الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن طَاوس، عَن أَبِيه «أَن أَبَا أَيُّوب الْأنْصَارِيّ صَلَّى مَعَ أبي بكر بعد غرُوب الشَّمْس قبل الصَّلَاة، ثمَّ لم يكن يُصَلِّي مَعَ عمر، ثمَّ صَلَّى مَعَ عُثْمَان. فَذكر ذَلِك لَهُ فَقَالَ: إِنِّي صليت مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ صليت مَعَ أبي بكر ثمَّ فرقت من عمر فَلم أصل مَعَه، وَصليت مَعَ عُثْمَان؛ إِنَّه لين».
قلت: وَظَاهر هَذَا أَن عمر كَانَ لَا يراهما.

.الْأَثر الثَّانِي:

«أَن ابْن عمر كَانَ يسلم وَيَأْمُر بَينهمَا- يَعْنِي: بَين الشفع وَالْوتر- بحاجته».
وَهَذَا الْأَثر صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ من رِوَايَة نَافِع «أَن عبد الله بن عمر كَانَ يسلم بَين الرَّكْعَة والركعتين فِي الْوتر، حَتَّى يَأْمر بِبَعْض حَاجته».

.الْأَثر الثَّالِث:

عَن أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه كَانَ يُوتر قبل أَن ينَام، فَإِذا قَامَ تهجد وَلم يعد الْوتر».
وَهَذَا الْأَثر سلف فِي أثْنَاء طرق الحَدِيث الثَّالِث بعد الْعشْرين عَن رِوَايَة بَقِي بن مخلد فِي مُسْنده وَرَوَاهُ ابْن الْمُنْذر أَيْضا.
وَوَافَقَ الصّديق عَلَى هَذَا- أَعنِي: عدم نقض الْوتر- الْفَارُوق وَسعد وعمار وَابْن عَبَّاس وَأَبُو هُرَيْرَة وَعَائِشَة وَجُمْهُور الْعلمَاء، وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن نصر بن عمرَان الضبعِي قَالَ: «سَأَلت عَائِذ بن عَمْرو الصَّحَابِيّ: هَل ينْقض الْوتر؟ قَالَ: إِذا أوترت من أَوله فَلَا توتر من آخِره».

.الْأَثر الرَّابِع:

«أَن ابْن عمر كَانَ ينْقض الْوتر، فيوتر أول اللَّيْل فَإِذا قَامَ ليتجهد صَلَّى رَكْعَة شفع بهَا تِلْكَ ثمَّ يُوتر آخر اللَّيْل».
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن مَالك. قَالَ ابْن الصّلاح: وَهُوَ ثَابت عَنهُ.
وَرَوَاهُ أَحْمد وَلَفظه: عَن ابْن عمر «أَنه كَانَ إِذا سُئِلَ عَن الْوتر قَالَ: أما أَنا لَو أوترت قبل أَن أَنَام ثمَّ أردْت أَن أُصَلِّي بِاللَّيْلِ شفعت وَاحِدَة مَا مَضَى من وتري، ثمَّ صليت مثنى مثنى، فَإِذا قضيت صَلَاتي أوترت بِوَاحِدَة؛ إِن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أمرنَا أَن نجْعَل آخر صَلَاة اللَّيْل الْوتر».
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عَمْرو بن مرّة «أَنه سَأَلَ سعيد بن الْمسيب عَن الْوتر، فَقَالَ: كَانَ عبد الله بن عمر يُوتر أول اللَّيْل؛ فَإِذا قَامَ نقض وتره، ثمَّ صَلَّى ثمَّ أوتر آخر صلَاته- أَو آخر اللَّيْل. وَكَانَ عمر يُوتر آخر اللَّيْل، وَكَانَ خير مني وَمِنْهَا أَن أَبَا بكر يُوتر من أول اللَّيْل ويشفع فِي آخِره، يُوتر بذلك يُصَلِّي مثنى مثنى وَلَا ينْقض وتره».
قلت: وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِك عُثْمَان وَعلي وَابْن مَسْعُود وَعَمْرو بن مَيْمُون وَابْن سِيرِين وَإِسْحَاق وحَكَاهُ ابْن الْمُنْذر عَنهُ.

.الْأَثر الْخَامِس:

«أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه جمع النَّاس عَلَى أبيّ بن كَعْب فِي صَلَاة التَّرَاوِيح ولم يقنت إِلَّا فِي النّصْف الثَّانِي».
وَهَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه من طَرِيقين:
أولاهما: عَن الْحسن الْبَصْرِيّ «أَن عمر بن الْخطاب جمع النَّاس عَلَى أبيّ بن كَعْب وَكَانَ يُصَلِّي لَهُم عشْرين لَيْلَة ولَا يقنت بهم إِلَّا فِي النّصْف الثَّانِي فَإذْ كَانَ الْعشْر الْأَوَاخِر تخلف فَيصَلي فِي بَيته، وَكَانُوا يَقُولُونَ: أبق أبيٌّ!».
ثَانِيهمَا: عَن ابْن سِيرِين، عَن بعض أَصْحَابه «أَن أبي بن كَعْب أمّهم- يَعْنِي: فِي رَمَضَان- وَكَانَ يقنت فِي النّصْف الْأَخير مِنْهُ».
وَهَذَا فِيهِ جَهَالَة كَمَا ترَى، وَالْأول مُنْقَطع؛ لِأَن الْحسن لم يدْرك عمر، بل ولد لِسنتَيْنِ من خِلَافَته.
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَوَافَقَهُ الصَّحَابَة.
يَعْنِي عمر عَلَى جمعه النَّاس عَلَى أبيّ. وَهُوَ كَمَا قَالَ.

.الْأَثر السَّادِس:

قَالَ الرَّافِعِيّ: تسْتَحب الْجَمَاعَة فِي التَّرَاوِيح، تأسيًا بعمر.
قلت: قد عَرفته أَيْضا، وَفِي البُخَارِيّ أَيْضا أَنه جمعهم عَلَيْهِ.

.الْأَثر السَّابِع:

عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «السّنة إِذا انتصف شهر رَمَضَان أَن يلعن الْكَفَرَة فِي الْوتر بَعْدَمَا يَقُول: سمع الله لمن حَمده».
وَهَذَا غَرِيب، لم أره فِي كتاب حَدِيثي مُعْتَمد، والرافعي ذكره تبعا للشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ؛ فَإِنَّهُ ذكره فِي مهذبه وحذفه النَّوَوِيّ فِي شَرحه فَلم يذكرهُ، وَذكر مَكَانَهُ مَا هُوَ مَشْهُور فِي أبي دَاوُد من فعل عمر، مَعَ انْقِطَاعه.
وَأما الْمُنْذِرِيّ؛ فَإِنَّهُ أسْندهُ فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب من حَدِيث السلَفِي، أَنا ابْن البطر، أَنا ابْن رزقويه، نَا عُثْمَان بن أَحْمد الدقاق، ثَنَا مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن كَامِل، نَا سعيد بن حَفْص الْهُذلِيّ أَبُو عَمْرو، قَالَ: قَرَأنَا عَلَى معقل، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة بن الزبير، عَن عَائِشَة... فَذكر حَدِيثا فِي قيام رَمَضَان السالف، وَقَالَ فِي آخِره: فَأَخْبرنِي عبد الرَّحْمَن بن عبيد الْقَارِي- وَكَانَ من عُمَّال عمر، وَكَانَ مَعَ عبد الله بن الأرقم عَلَى بَيت مَال الْمُسلمين- «أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه خرج لَيْلَة فِي شهر رَمَضَان، وَخرج مَعَه عبد الرَّحْمَن فَرَأَى أهل الْمَسْجِد يصلونَ أوزاعًا مُتَفَرّقين، فَأمر أبيّ بن كَعْب أَن يقوم بهم فِي شهر رَمَضَان فَخرج عمر وَالنَّاس يصلونَ بِصَلَاة قارئهم، فَقَالَ: نعم الْبِدْعَة، وَالَّتِي ينامون عَنْهَا أفضل من الَّتِي يقومُونَ- يُرِيد من آخر اللَّيْل. وَكَانُوا يقومُونَ فِي أولهِ. فَقَالَ: السّنة إِذا انتصف شهر رَمَضَان أَن يلعن الْكَفَرَة فِي آخر رَكْعَة من الْوتر بَعْدَمَا يَقُول الْقَارئ: سمع الله لمن حَمده، ثمَّ يَقُول: اللَّهُمَّ قَاتل الْكَفَرَة».
ثمَّ قَالَ الْمُنْذِرِيّ: هَذَا حَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم فِي صَحِيحَيْهِمَا. قَالَ: وَوَقع فِي كتابي: معقل، عَن الزُّهْرِيّ، وَهُوَ خطأ، وَالصَّوَاب: عقيل.
هَذَا كَلَامه، وَهُوَ عَجِيب مِنْهُ فَالْحَدِيث جَمِيعه لَيْسَ فِي البُخَارِيّ وَلَا فِي مُسلم؛ بل وَلَا أعرفهُ فِي غَيرهمَا من بَاقِي الْكتب السِّتَّة وَالْمَسَانِيد، نعم صدر الحَدِيث وَهُوَ صلَاته عَلَيْهِ السَّلَام فِي رَمَضَان مَذْكُور فيهمَا وَكَذَا إِلَى قَوْله: «ويقومون فِي أَوله» فِي أَفْرَاد البُخَارِيّ والشأن فِي هَذِه الزِّيَادَة الَّتِي هِيَ من كَلَام عمر وَهِي قَوْله: «السّنة إِذا انتصف...» إِلَى آخِره؛ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودَة، وَلَا أحمل كَلَامه عَلَى أَن مُرَاده أَنَّهُمَا أخرجَا أَصله؛ لبعد ذَلِك هُنَا، ثمَّ عَلَيْهِ اعْتِرَاض آخر وَرَاء هَذَا وَهُوَ تخطئة مَا وَقع فِي كِتَابه، وَقَوله إِن الصَّوَاب: أَنا عقيل. وَلم يبرهن لَهُ، وَلم يظْهر لي وَجهه؛ فَإِن كِلَاهُمَا يروي عَن الزُّهْرِيّ، وَقد أخرج لكل مِنْهُمَا فِي الصَّحِيح لَكِن عقيل- وَهُوَ ابْن خَالِد بن عقيل- من رجال الصَّحِيحَيْنِ وَقد وَثَّقَهُ النَّاس. وَمَعْقِل بن عبيد الله الْجَزرِي من رجال مُسلم، وَقد اخْتلف قَول يَحْيَى بن معِين فِي توثيقه.
قلت: ورد بِإِسْنَاد ضَعِيف من حَدِيث أنس «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يقنت فِي النّصْف من رَمَضَان...» إِلَى آخِره.
رَوَاهُ ابْن عدي، وَسبب ضعفه أَن رَاوِيه عَن أنس أَبُو عَاتِكَة طريف بن سلمَان وَهُوَ ذَاهِب الحَدِيث، لَا جرم قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا حَدِيث ضَعِيف لَا يَصح إِسْنَاده.

.الْأَثر الثَّامِن:

عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه قنت بِهَذَا، وَهُوَ: اللَّهُمَّ إِنَّا نستعينك ونستغفرك ونستهديك، ونؤمن بك ونتوكل عَلَيْك، ونثني عَلَيْك الْخَيْر كُله، نشكرك وَلَا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك، اللَّهُمَّ إياك نعْبد، وَلَك نصلي ونسجد، وَإِلَيْك نسعى ونحفد، وَنَرْجُو رحمتك ونخشى عذابك إِن عذابك الْجد بالكفار مُلْحق، اللَّهُمَّ عذب كفرة أهل الْكتاب الَّذين يصدون عَن سَبِيلك، ويكذبون رسلك، ويقاتلون أولياءك، اللَّهُمَّ اغْفِر للْمُؤْمِنين وَالْمُؤْمِنَات وَالْمُسْلِمين وَالْمُسلمَات، وَأصْلح ذَات بَينهم، وَألف بَين قُلُوبهم، وَاجعَل فِي قُلُوبهم الْإِيمَان وَالْحكمَة، وثبتهم عَلَى مِلَّة رَسُولك، وأوزعهم أَن يشكروا نِعْمَتك وأَن يوفوا بعهدك الَّذِي عاهدتهم عَلَيْهِ، وانصرهم عَلَى عَدوك وعدوهم إِلَه الْحق واجعلنا مِنْهُم».
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث سُفْيَان حَدثنِي ابْن جريج، عَن عَطاء، عَن عبيد بن عُمَيْر أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قنت بعد الرُّكُوع فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِر لنا وللْمُؤْمِنين وَالْمُؤْمِنَات، وَالْمُسْلِمين وَالْمُسلمَات، وَألف بَين قُلُوبهم وَأصْلح ذَات بَينهم، وانصرهم عَلَى عَدوك وعدوهم، اللَّهُمَّ الْعَن كفرة أهل الْكتاب الَّذين يصدون عَن سَبِيلك، ويكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك، اللَّهُمَّ خَالف بَين كلمتهم، وزلزل أَقْدَامهم، وَأنزل بهم بأسك الَّذِي لَا ترده عَن الْقَوْم الْمُجْرمين، بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، اللَّهُمَّ إِنَّا نستعينك ونستغفرك، ونثني عَلَيْك وَلَا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك، بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، اللَّهُمَّ إياك نعْبد، وَلَك نصلي ونسجد، وَإِلَيْك نسعى ونحفد، نخشى عذابك الْجد، وَنَرْجُو رحمتك، إِن عذابك بالكفار مُلْحق».
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا عَن عمر مَوْصُول صَحِيح. قَالَ ذَلِك بعد أَن رَوَى بعضه مَرْفُوعا وَحكم عَلَيْهِ بِالْإِرْسَال، وَهُوَ كَمَا قَالَ.
وَقد أخرجه أَبُو دَاوُد فِي مراسيله من حَدِيث خَالِد بن أبي عمرَان قَالَ: «بَينا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدْعُو عَلَى مُضر إِذْ جَاءَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَأَوْمأ إِلَيْهِ أَن اسْكُتْ فَسكت، فَقَالَ: يَا مُحَمَّد، إِن الله لم يَبْعَثك سبابًا وَلَا لعانًا، وَإِنَّمَا بَعثك رَحْمَة وَلم يَبْعَثك عذَابا لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء أَو يَتُوب عَلَيْهِم أَو يعذبهم فَإِنَّهُم ظَالِمُونَ قَالَ ثمَّ علمه هَذَا الْقُنُوت: اللَّهُمَّ إِنَّا نستعينك ونستغفرك، ونؤمن بك ونخضع لَك، ونخلع ونترك من يكفرك، اللَّهُمَّ إياك نعْبد، وَلَك نصلي ونسجد، وَإِلَيْك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخاف عذابك، إِن عذابك بالكافرين مُلْحق».
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَى- يَعْنِي: أثر عمر- سعيد بن عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى، عَن أَبِيه، عَن عمر بن الْخطاب فَخَالف فِي بعضه ثمَّ أسْندهُ إِلَى وَالِد سعيد قَالَ: «صليت خلف عمر بن الْخطاب صَلَاة الصُّبْح فَسَمعته يَقُول بعد الْقِرَاءَة قبل الرُّكُوع: اللَّهُمَّ إياك نعْبد، وَلَك نصلي ونسجد، وَإِلَيْك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك إِن عذابك بالكافرين مُلْحق، اللَّهُمَّ إِنَّا نستعينك ونستغفرك، ونثني عَلَيْك الْخَيْر كُله وَلَا نكفرك، ونؤمن بك ونخضع لَك، ونخلع من يكفرك».
ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: كَذَا قَالَ: «قبل الرُّكُوع» وَهُوَ وَإِن كَانَ إِسْنَادًا صَحِيحا؛ فَمن رَوَى عَن عمر قنوته بعد الرُّكُوع أَكثر؛ فقد رَوَاهُ أَبُو رَافع وَعبيد بن عُمَيْر وَأَبُو عُثْمَان النَّهْدِيّ وَزيد بن وهب، وَالْعدَد أولَى بِالْحِفْظِ من الْوَاحِد، وَفِي حسن سِيَاق عبيد بن عُمَيْر للْحَدِيث دلَالَة عَلَى حفظه وَحفظ من حفظ عَنهُ. قَالَ: وروينا عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه قنت فِي الْفجْر فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا نستعينك ونستغفرك».
وَرَأَيْت فِي مُسْند الفردوس لِابْنِ شهرديار من زوائده عَلَى وَالِده وَهُوَ فِي مجلدات صغَار أَن الْحَارِث- يَعْنِي: ابْن أبي أُسَامَة- رَوَى عَن الْعَبَّاس، عَن عبد الْوَارِث، عَن حَنْظَلَة، عَن أنس مَرْفُوعا: «اللَّهُمَّ عذب كفرة أهل الْكتاب الَّذين يحادون رسلك ويصدون عَن سَبِيلك وألق بَينهم الْعَدَاوَة والبغضاء».
وَأَن ابْن منيع رَوَى عَن أبي نصر البابي عَن أبي هِلَال عَن حَنْظَلَة أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَدْعُو مُدَّة فِي صَلَاة الْفجْر بعد الرُّكُوع: «اللَّهُمَّ عذب كفرة أهل الْكتاب وَاجعَل قُلُوبهم كقلوب النِّسَاء الكوافر».
قَالَ: وَرَوَاهُ الْموصِلِي عَن إِسْحَاق بن إِسْرَائِيل، عَن حَمَّاد بن زيد، عَن حَنْظَلَة مثله.
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَنقل الرَّوْيَانِيّ عَن أبي الْعَاصِ أَنه كَانَ يزِيد فِي آخر الْقُنُوت: {رَبنَا لَا تؤخذنا} إِلَى آخر السُّورَة. وَاسْتَحْسنهُ. وَهَذَا من عِنْده وَلم أره فِي حَدِيث، لَا جرم استغربه النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب واستضعفه بِأَن الْمَشْهُور كَرَاهَة الْقِرَاءَة فِي غير الْقيام. قَالَ: وَإِنَّمَا قَالَ: «عذب كفرة أهل الْكتاب» لأَنهم كَانُوا هم الَّذين يُقَاتلُون الْمُسلمين حِينَئِذٍ وَأما الْيَوْم فَيُقَال: عذب الْكَفَرَة وَغَيرهم ليعمهم وَغَيرهم؛ لِأَن الْحَاجة إِلَى الدُّعَاء عَلَى غَيرهم كالحاجة إِلَى الدُّعَاء عَلَيْهِم أَو أَكْثَرهم.
وَأَشَارَ بذلك إِلَى إِدْخَال التتار؛ فَإِنَّهُم كَانُوا قد استولوا فِي زَمَانه عَلَى كثير من أقاليم الْمُسلمين، وَكَانُوا إِذْ ذَاك كفَّارًا لَا كتاب لَهُم.
وَقد تَكَلَّمت عَلَى ضبط الْأَلْفَاظ الْوَاقِعَة فِي هَذَا الْقُنُوت، وَمَعْنَاهَا فِي تخريجي لأحاديث الْمُهَذّب؛ فراجع ذَلِك مِنْهُ.

.الْأَثر التَّاسِع:

عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه مر بِالْمَسْجِدِ فَصَلى رَكْعَة، فَتَبِعَهُ رجل فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِنَّمَا صليت رَكْعَة! فَقَالَ: إِنَّمَا هِيَ تطوع؛ فَمن شَاءَ زَاد، وَمن شَاءَ نقص».
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من رِوَايَة قَابُوس بن أبي ظبْيَان- بِكَسْر الظَّاء الْمُعْجَمَة- أَن أَبَاهُ حَدثهُ قَالَ: «مر عمر بن الْخطاب فِي مَسْجِد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرَكَعَ رَكْعَة وَاحِدَة ثمَّ انْطلق، فَلحقه رجل فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، مَا ركعت إِلَّا رَكْعَة وَاحِدَة! قَالَ: هُوَ التَّطَوُّع، فَمن شَاءَ زَاد، وَمن شَاءَ نقص».
وقابوس هَذَا لَيْسَ بِالْقَوِيّ، كَمَا قَالَه النَّسَائِيّ وَغَيره.

.الْأَثر الْعَاشِر:

عَن بعض السّلف أَنه قَالَ: «الَّذِي صليت لَهُ يعلم كم صليت».
وَهَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي ذَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه صَلَّى عددا كثيرا فَلَمَّا سلم قَالَ لَهُ الْأَحْنَف بن قيس: هَل تَدْرِي أنصرفت عَلَى شفع أَو عَلَى وتر؟ قَالَ: إِن لَا أكن أَدْرِي فَإِن الله يدْرِي، إِنِّي سَمِعت خليلي أَبَا الْقَاسِم يَقُول: ثمَّ بَكَى ثمَّ قَالَ: إِنِّي سَمِعت خليلي أَبَا الْقَاسِم يَقُول: مَا من عبد يسْجد لله سَجْدَة إِلَّا رَفعه الله بهَا دَرَجَة، وَحط عَنهُ بهَا خَطِيئَة».
وَعَزاهُ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب إِلَى الدَّارمِيّ فِي مُسْنده وَقَالَ: إِسْنَاده صَحِيح إِلَّا رجلا اخْتلفُوا فِي عَدَالَته. وَذكره فِي فصل الضَّعِيف من خلاصته.
وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده عَن عَفَّان، ثَنَا حَمَّاد بن سَلمَة، عَن عَلّي بن زيد، عَن مطرف قَالَ: «قعدت إِلَى نفر من قُرَيْش، فجَاء رجل فَجعل يُصَلِّي يرْكَع وَيسْجد ثمَّ يقوم، ثمَّ يرْكَع وَيسْجد لَا يقْعد، فَقلت: وَالله مَا أرَى هَذَا يدْرِي أينصرف عَلَى شفع أَو وتر فَقَالُوا: أَلا تقوم إِلَيْهِ فَتَقول لَهُ. فَقُمْت فَقلت: يَا عبد الله، مَا أَرَاك تَدْرِي تَنْصَرِف عَلَى شفع أَو وتر. فَقَالَ: لَكِن الله يدْرِي، سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من سجد لله سَجْدَة كتب الله لَهُ بهَا حَسَنَة، وَحط عَنهُ بهَا خَطِيئَة، وَرفع لَهُ بهَا دَرَجَة. فَقلت: من أَنْت؟ قَالَ: أَبُو ذَر. فَرَجَعت إِلَى أَصْحَابِي فَقلت: جزاكم الله من جلساء شرًّا أَمرْتُمُونِي أَن أعلم رجلا من أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم!».

.كتاب صَلَاة الْجَمَاعَة:

كتاب صَلَاة الْجَمَاعَة:
ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا:

.أما الْأَحَادِيث:

فَثَلَاثٌ وَخَمْسُونَ حَدِيثا:

.الحديث الأول:

عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «صَلَاة الْجَمَاعَة أفضل من صَلَاة الْفَذ بِسبع وَعشْرين دَرَجَة».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، أخرجه الشَّيْخَانِ من هَذَا الْوَجْه كَذَلِك وَلَفظ رِوَايَة الشَّافِعِي: «تفضل عَلَى صَلَاة الْفَذ». وَهِي مَا فِي الْكتاب. وَأَخْرَجَاهُ أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بِلَفْظ: «الضعْف» بدل «الدرجَة» وبلفظ «الْجُزْء» أَيْضا.
وَأخرجه مُسلم بِلَفْظ: «الدرجَة» وَأخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث أبي سعيد بِلَفْظ: «الدرجَة».
وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد من هَذَا الْوَجْه: «الصَّلَاة فِي جمَاعَة تعدل خمْسا وَعشْرين صَلَاة؛ فَإِذا صلاهَا فِي فلاة فَأَتمَّ ركوعها وسجودها بلغت خمسين صَلَاة».
قَالَ أَبُو دَاوُد: وَقَالَ عبد الْوَاحِد بن زِيَاد فِي هَذَا الحَدِيث: «صَلَاة الرجل فِي الفلاة تضَاعف عَلَى صلَاته فِي الْجَمَاعَة».
وَرَوَى هَذِه الرِّوَايَة الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور.
وَرَوَاهَا ابْن حبَان فِي صَحِيحه بِلَفْظ: «صَلَاة الرجل فِي جمَاعَة تزيد عَلَى صلَاته وَحده بِخمْس وَعشْرين دَرَجَة، فَإِن صلاهَا بأرضٍ قِيٍّ فَأَتمَّ وضوءها وركوعها وسجودها تكْتب صلَاته بِخَمْسِينَ دَرَجَة».
وَقَوله: «قيّ» هُوَ بِالْقَافِ الْمَكْسُورَة وَهُوَ الفلاة كَمَا فِي رِوَايَة أبي دَاوُد وَالْحَاكِم.
قَالَ الْحَاكِم عقب رِوَايَته للْحَدِيث: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ؛ فقد اتفقَا عَلَى الْحجَّة بروايات هِلَال بن أبي هِلَال وَيُقَال ابْن أبي مَيْمُونَة: وَيُقَال: ابْن عَلّي، وَيُقَال: ابْن أُسَامَة. وَكله وَاحِد. انْتَهَى كَلَامه.
وَاعْلَم أَن الْوَاقِع فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث إِنَّمَا هُوَ هِلَال بن مَيْمُون، وَهُوَ غير هَذَا، وَلَيْسَ من رجال الصَّحِيحَيْنِ، وَإِنَّمَا هُوَ من رجال د ق وَقد اخْتلف فِيهِ أَيْضا.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم فِي حَقه: لَيْسَ بِالْقَوِيّ، يكْتب حَدِيثه. لَكِن وَثَّقَهُ ابْن معِين وَغَيره، وَذكره ابْن حبَان فِي ثقاته.
وَأما هِلَال بن أبي هِلَال الَّذِي حَكَى الْخلاف فِيهِ فَهُوَ غير هَذَا فليتنبه لَهُ.
تَنْبِيهَانِ:
الأول: ذكرت فِي شرحي للعمدة ثَلَاثَة عشر وَجها فِي الْجمع بَين رِوَايَة «خمس وَعشْرين» و«سبع وَعشْرين» فَرَاجعهَا مِنْهُ؛ فَإِنَّهُ من الْمُهِمَّات وظفرت فِي هَذِه الْحَالة بِوَجْهَيْنِ آخَرين:
أَحدهمَا: أَنه حسب فِي أَحدهمَا دَرَجَة الِابْتِدَاء والانتهاء، وَفِي الْأُخْرَى أسقطهما.
ثَانِيهمَا: أَنه يحمل أَحدهمَا عَلَى دَرَجَات كبار تعدل سبعا وَعشْرين دونهَا، ونظيرها: أَنه جمع بَين كَلَام الشَّافِعِي بذلك فِي حد السّفر الطَّوِيل حَيْثُ قَالَ مرّة: إِنَّه سِتَّة وَأَرْبَعُونَ ميلًا- وَقَالَ مرّة: ثَمَانِيَة وَأَرْبَعُونَ.
الثَّانِي: فِي ضعفاء الْعقيلِيّ من حَدِيث عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «الْجَمَاعَة ثَلَاثَة كلهم خمس وَعِشْرُونَ دَرَجَة؛ فَكلما زَاد رجل مِنْهُم فَلهُ دَرَجَة فِي عشرَة». ثمَّ قَالَ الْعقيلِيّ: الحَدِيث ثَابت عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي فضل صَلَاة الْجَمَاعَة عَلَى صَلَاة الْفَذ بضع وَعشْرين دَرَجَة من غير وَجه، فَأَما هَذَا اللَّفْظ فَلَيْسَ بِمَحْفُوظ.

.الحديث الثَّانِي:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «صَلَاة الرجل مَعَ الرجل أفضل من صلَاته وَحده، وَصلَاته مَعَ الرجلَيْن أفضل من صلَاته مَعَ الرجل، وَمَا زَاد فَهُوَ أحب إِلَى الله».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه فِي سُنَنهمْ من رِوَايَة أبيّ بن كَعْب بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور إِلَّا أَنهم قَالُوا: «أَزْكَى» بدل «أفضل».
وَرَوَاهُ أَحْمد باللفظين وَقَالَ فِي إِحْدَى روايتيه «وحيثما كثرت جمَاعَة فَهُوَ أفضل».
وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من طرق، ثمَّ قَالَ: فقد اخْتلفُوا فِيهِ عَلَى أبي إِسْحَاق من أَرْبَعَة أوجه، وَالرِّوَايَة فِيهَا عَن أبي بَصِير وَابْنه عبد الله كلهَا صَحِيحَة. ثمَّ برهن عَلَى ذَلِك بأسانيد ثمَّ قَالَ: وَقد حكم أَئِمَّة الحَدِيث: ابْن معِين وَعلي بن الْمَدِينِيّ وَمُحَمّد بن يَحْيَى الذهلي وَغَيرهم لهَذَا الحَدِيث بِالصِّحَّةِ. ثمَّ رَوَى عَن يَحْيَى بن معِين أَنه قَالَ: حَدِيث أبي إِسْحَاق، عَن أبي بَصِير، عَن أبيِّ بن كَعْب هَذَا يَقُوله زُهَيْر بن مُعَاوِيَة، وَشعْبَة يَقُول: عَن أبي إِسْحَاق، عَن عبد الله بن أبي بَصِير، وَعَن أَبِيه، عَن أبيّ بن كَعْب. فَالْقَوْل قَول شُعْبَة وَهُوَ أثبت من زُهَيْر.
وَعَن عَلّي بن الْمَدِينِيّ أَنه قَالَ فِي حَدِيث أبيّ بن كَعْب هَذَا: رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاق، عَن شيخ لم يسمع مِنْهُ غير هَذَا وَهُوَ عبد الله بن أبي بَصِير، فقد قَالَ شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق إِنَّه سَمعه من أَبِيه وَمِنْه.
وَقَالَ أَبُو الْأَحْوَص: عَن أبي إِسْحَاق، عَن الْعيزَار بن حُرَيْث. وَمَا أرَى الحَدِيث إِلَّا صَحِيحا.
وَعَن عَلّي بن الْمَدِينِيّ أَنه قَالَ: سمع أَبُو إِسْحَاق من عبد الله بن أبي بَصِير، وَمن أَبِيه أبي بَصِير. وَعَن مُحَمَّد بن يَحْيَى الذهلي أَنه قَالَ: رَوَاهُ يَحْيَى بن سعيد، وَخَالف ابْن الْحَارِث عَن شُعْبَة، وَقَول أبي الْأَحْوَص عَن أبي إِسْحَاق، عَن الْعيزَار بن حُرَيْث كلهَا مَحْفُوظَة.
قَالَ الْحَاكِم: فقد ظهر بأقاويل أَئِمَّة الحَدِيث صِحَة الحَدِيث.
وَأما البُخَارِيّ وَمُسلم فَإِنَّهُمَا لم يخرجَاهُ لهَذَا الْخلاف.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: أَقَامَ إِسْنَاده: شُعْبَة وَالثَّوْري وَإِسْرَائِيل فِي آخَرين وَعبد الله بن بَصِير سَمعه من أُبيٍّ مَعَ أَبِيه وسَمعه أَبُو إِسْحَاق مِنْهُ وَمن أَبِيه. قَالَه شُعْبَة وَعلي بن الْمَدِينِيّ.
قلت: وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه من هذَيْن الْوَجْهَيْنِ- أَعنِي رِوَايَة عبد الله بن أبي بَصِير، عَن أبيّ بن كَعْب، وبَين رِوَايَة عبد الله بن أبي بَصِير عَن أَبِيه- ثمَّ قَالَ: قَالَ شُعْبَة: وَقد قَالَ إِسْحَاق: سمعته مِنْهُ وَمن أَبِيه، ثمَّ ساقهما.
وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو جَعْفَر الْعقيلِيّ: هَذَا الحَدِيث من حَدِيث شُعْبَة صَحِيح.
وَقَالَ الْحَافِظ عبد الْحق فِي أَحْكَامه، عبد الله بن أبي بَصِير، عَن أَبِيه لَيْسَ بالمشهور فِيمَا أعلم لَا هُوَ وَلَا أَبوهُ.
ونحا نَحوه النَّوَوِيّ فَقَالَ فِي شرح الْمُهَذّب والْخُلَاصَة: هَذَا الحَدِيث إِسْنَاده صَحِيح، إِلَّا رجلا وَاحِدًا وَهُوَ عبد الله بن أبي بَصِير الرَّاوِي عَن أبيّ، فَسَكَتُوا عَنهُ وَلم يُضعفهُ أَبُو دَاوُد، وَقد أَشَارَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَغَيرهمَا إِلَى صِحَّته.
قلت: عبد الله هَذَا ذكره ابْن حبَان فِي ثقاته فَقَالَ: عبد الله بن أبي بَصِير الْعَبْدي يروي عَن أبيّ بن كَعْب، وعَن أَبِيه عَن أبيّ، وَعنهُ أَبُو إِسْحَاق السبيعِي. وَرَوَى الحَدِيث فِي صَحِيحه من جِهَته كَمَا سلف.
قَالَ صَاحب والكمال: وَلَا نعلم رَوَى عَنهُ غير أبي إِسْحَاق السبيعِي. وتوبع عَلَى ذَلِك، وَقد أسلفنا أَن الْعيزَار بن حُرَيْث رَوَى عَنهُ أَيْضا، وَنَصّ عَلَى رِوَايَته عَنهُ ابْن مَاكُولَا فِي إكماله أَيْضا.
وَأما وَالِده أَبُو بَصِير فروَى عَنهُ جمَاعَة، وَهُوَ ثِقَة أَيْضا، فتلخص من هَذَا كُله صِحَّته وَللَّه الْحَمد.
وَلِلْحَدِيثِ طَرِيق آخر بِمَعْنَاهُ من حَدِيث قباث- بِضَم الْقَاف وَفتحهَا، ثمَّ بَاء مُوَحدَة مُخَفّفَة، ثمَّ ألف، ثمَّ مُثَلّثَة- ابْن أَشْيَم الصَّحَابِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَرْفُوعا «صَلَاة الرجلَيْن يؤم أَحدهمَا صَاحبه أَزْكَى عِنْد الله من صَلَاة أَرْبَعَة تترى، وَصَلَاة أَرْبَعَة يؤم أحدهم صَاحبه أَزْكَى عِنْد الله من صَلَاة ثَمَانِيَة، وَصَلَاة ثَمَانِيَة يؤم أحدهم صَاحبه أَزْكَى عِنْد الله من صَلَاة مائَة تترى تترى» ذكره الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي تَرْجَمَة: قباث من حَدِيث مُعَاوِيَة بن صَالح، عَن يُونُس بن سيف، عَن عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد، عَن قباث بِهِ.
وَمُعَاوِيَة من رجال مُسلم وَإِن ضعفه أَبُو حَاتِم، وَكَذَا يُونُس وَإِن لينه ابْن معِين.