فصل: الحديث الأول:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث السَّادِس بعد الثَّلَاثِينَ:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن ثمن الْهِرَّة».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث معقل بن عبيد الله، عَن أبي الزبير قَالَ: «سَأَلت جَابِرا عَن ثمن الْكَلْب والسنور، فَقَالَ: زجر النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِكَ» وَرَوَاهُ أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة وَابْن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث جَابر أَيْضا قَالَ: «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ثمن الْكَلْب والسنور» قَالَ الْخطابِيّ: قد تكلم بعض الْعلمَاء فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث وَزعم أَنه غير ثَابت عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ ابْن عبد الْبر: حَدِيث بيع السنور لَا يثبت رَفعه وَلم يروه عَن أبي الزبير غير حَمَّاد بن سَلمَة ورد عَلَيْهِمَا النَّوَوِيّ فَقَالَ: هَذَا غلط مِنْهُمَا فَالْحَدِيث فِي صَحِيح مُسلم بِإِسْنَاد صَحِيح، قَالَ: وَقَول ابْن عبد الْبر إِنَّه لم يروه عَن أبي الزبير غير حَمَّاد. غلط أَيْضا؛ فقد رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه من رِوَايَة معقل، عَن أبي الزبير، فهذان ثقتان روياه، عَن أبي الزبير وَهُوَ ثِقَة. قلت: وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم من حَدِيث الْأَعْمَش، عَن أبي سُفْيَان، عَن جَابر مَرْفُوعا كَمَا سلف، قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. قَالَ: وَتَابعه أَبُو الزبير، عَن جَابر وَكَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه: إِنَّه حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم دون البُخَارِيّ فَإِن البُخَارِيّ لَا يحْتَج بِرِوَايَة أبي الزبير، وَلَا بِرِوَايَة أبي سُفْيَان، قَالَ: وَلَعَلَّ مُسلما إِنَّمَا لم يُخرجهُ فِي الصَّحِيح؛ لِأَن وَكِيع بن الْجراح رَوَاهُ عَن الْأَعْمَش، قَالَ: قَالَ جَابر... فَذكره، ثمَّ قَالَ: قَالَ الْأَعْمَش: أرَى أَبَا سُفْيَان ذكره، فالأعمش كَانَ يشك فِي وصل الحَدِيث فَصَارَت رِوَايَة أبي سُفْيَان بذلك ضَعِيفَة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد حمله بعض أهل الْعلم عَلَى الهر إِذا توحش فَلم يقدر عَلَى تَسْلِيمه. قَالَ: وَمِنْهُم من زعم أَن ذَلِكَ كَانَ فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام حِين كَانَ مَحْكُومًا بِنَجَاسَتِهِ، ثمَّ حِين صَار مَحْكُومًا بِطَهَارَة سؤره حل ثمنه. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَلَيْسَ عَلَى هذَيْن الْقَوْلَيْنِ دلَالَة بَيِّنَة. قلت: أجَاب بعض أَصْحَابنَا بِجَوَاب آخر وَهُوَ حمله عَلَى نهي التَّنْزِيه، وَالْمرَاد أَن يَبْقَى عَلَى الْعَادة يتَسَامَح النَّاس بِهِ ويتعاورنَّه فِي الْعَادة.

.الحديث السَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن بيع الْحبّ حَتَّى يفرك».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث يَحْيَى بن إِسْحَاق السالحيني وَحسن بن مُوسَى الأشيب، عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن حميد الطَّوِيل، عَن أنس بن مَالك «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن أَن تبَاع الثَّمر حَتَّى يبين صَلَاحهَا تحمر أَو تصفر، وَعَن بيع الْعِنَب حَتَّى يسود، وَعَن بيع الْحبّ حَتَّى يفرك» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ أَيْضا عَن أنس «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيع الْحبّ حَتَّى يفرك» أبانُ بن أبي عَيَّاش وَلَا يحْتَج بِهِ. قَالَ: وَرُوِيَ عَن أبي شبيبة، عَن أنس وَلَيْسَ بِشَيْء. وَذكر مثل ذَلِكَ فِي الْمعرفَة.
فَائِدَة: قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه: قَوْله: «حَتَّى يفرك» إِن كَانَ بخفض الرَّاء عَلَى إِضَافَة الإفراك إِلَى الْحبّ وَافق رِوَايَة من قَالَ: «حَتَّى يشْتَد» وَإِن كَانَ بِفَتْح الرَّاء وَضم الْيَاء عَلَى إِضَافَة الفرك إِلَى مَا لم يسم فَاعله خَالف ذَلِكَ وَاقْتَضَى تنقيته عَن السنبل حَتَّى يجوز بَيْعه. قَالَ: وَلم أر أحدا من محدثي زَمَاننَا ضبط ذَلِكَ، وَالْأَشْبَه الأول. وَكَذَا قَالَ فِي الْمعرفَة إِنَّه الْأَشْبَه، فقد رَوَاهُ عَفَّان وَأَبُو الْوَلِيد وحبان بن هِلَال، عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن حميد، عَن أنس قَالَ: «نهَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيع الْحبّ حَتَّى يشْتَد» وَهَذِه رِوَايَة حَسَنَة. وَكَذَا قَالَ فِي خلافياته: إِن الْأَشْبَه خفض الرَّاء. وَقَالَ الصَّيْمَرِيّ فِي شرح الْكِفَايَة: رُوِيَ بِكَسْر الرَّاء ونصبها.

.الحديث الثَّامِن بعد الثَّلَاثِينَ:

«رُوِيَ النَّهْي عَن بيع الْعِنَب حَتَّى يسود».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث أنس رَضي اللهُ عَنهُ «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن بيع الْعِنَب حَتَّى يسود، وَعَن بيع الْحبّ حَتَّى يشْتَد» وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه كَذَلِك وَكَذَا ابْن مَاجَه بِزِيَادَة: «نهَى عَن بيع الثَّمَرَة حَتَّى تزهو» فِي أول الحَدِيث. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة. قلت: وَهُوَ أحد الْأَعْلَام صَدُوق من فرسَان مُسلم، وَمِمَّنْ علق عَنهُ البُخَارِيّ، قَالَ ابْن معِين: إِذا رَأَيْت من يَقع فِيهِ فاتهمه عَلَى الْإِسْلَام. لَا جرم أخرجه الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ «نهَى عَن بيع الْعِنَب حَتَّى يسود، وَعَن بيع الْحبّ حَتَّى يشْتَد، وَعَن بيع الثَّمر حَتَّى يحمر ويصفر» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد عَلَى شَرط مُسلم. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: ذكر «الْحبّ حَتَّى يشْتَد وَالْعِنَب حَتَّى يسود» فِي هَذَا الحَدِيث مِمَّا تفرد بِهِ حَمَّاد بن سَلمَة، عَن حميد من بَين أَصْحَاب حميد. قَالَ: وَالصَّحِيح فِي هَذَا الْبَاب رِوَايَة أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر فِي النَّهْي عَن بيع النّخل حَتَّى يزهو، كَمَا سَاقه مُسلم، ثمَّ رِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة عَلَى مَا ذكرنَا فِي لَفظه.

.الحديث التَّاسِع بعد الثَّلَاثِينَ:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن بيع الثِّمَار حَتَّى تنجو من العاهة».
هَذَا الحَدِيث أخرجه مَالك فِي الْمُوَطَّأ بِهَذَا اللَّفْظ عَن عمْرَة مُرْسلا. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله رَوَاهُ أَبُو الرِّجَال، عَن عمْرَة عَن عَائِشَة، قَالَ: وَمن عَادَة مَالك أَن يُرْسل الْأَحَادِيث، قلت: وَأَبُو الرِّجَال هَذَا هُوَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن حَارِثَة، وَثَّقَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَله عشرَة إخْوَة، وَسَيَأْتِي فِي بَاب الْأَلْفَاظ الَّتِي تطلق فِي البيع إِن شَاءَ الله حَدِيث ابْن عمر فِي النَّهْي عَن بيع الثِّمَار حَتَّى يَبْدُو صَلَاحهَا إِن شَاءَ الله.
هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب، وينبه لأمرين: أَحدهمَا: قَالَ الرَّافِعِيّ: وَلَيْسَ من المناهي بيع الْعينَة... إِلَى آخِره، مُرَاده لَيْسَ من المناهي عندنَا، وَإِلَّا فقد ورد النَّهْي عَنْهَا من طرق وَقد عقد لَهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه بَابا وَذكره من حَدِيث عَطاء الْخُرَاسَانِي، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا، ثمَّ قَالَ: وَرُوِيَ من وَجْهَيْن ضعيفين، عَن عَطاء بن أبي رَبَاح، عَن ابْن عمر، وَرُوِيَ عَن ابْن عمر مَوْقُوفا أَنه كره ذَلِكَ.
ثَانِيهمَا: قَالَ الرَّافِعِيّ: وَلَيْسَ من المناهي بيع دور مَكَّة بل هُوَ جَائِز، وَعَن مَالك وَأبي حنيفَة أَنه لَا يجوز.
لنا اتِّفَاق الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ عَلَيْهِ.
قلت: رَوَى الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه «أَن عمر اشْتَرَى من صَفْوَان بن أُميَّة دَارا بِمَكَّة بأَرْبعَة آلَاف وَجعلهَا سجنًا» ذكره من طَرِيقين عَنهُ.
«وَأَن عبد الله بن الزبير اشْتَرَى حجرَة سَوْدَة» و«أَن حَكِيم بن حزَام بَاعَ دَار الندوة من مُعَاوِيَة بِمِائَة ألف، فَقَالَ عبد الله بن الزبير: يَا أَبَا خَالِد، بِعْت مأثرة قُرَيْش وكريمتها. فَقَالَ: هَيْهَات يَا ابْن أخي، ذهبت المكارم فَلَا مكرمَة الْيَوْم إِلَّا الْإِسْلَام، قَالَ: فَقَالَ: اشْهَدُوا أَنَّهَا فِي سَبِيل الله يَعْنِي الدَّرَاهِم». وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي أكبر المعاجم لما قيل لَهُ: أبعت دَارك بِمِائَة ألف؟ قَالَ: «وَالله إِن أَخَذتهَا فِي الْجَاهِلِيَّة إِلَّا بزق خمر، واشهدوا أَن ثمنهَا فِي سَبِيل الله» وَفِي رِوَايَة لَهُ «بستين ألفا» وَالْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي أَن دورها لَا تبَاع فِيهَا لين، لَيْسَ هَذَا مَوضِع الْخَوْض فِيهَا وَمحله الخلافيات.

.باب تَفْرِيق الصَّفْقَة:

ذكر فِيهِ حَدِيثا وَاحِدًا وَهُوَ «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر فِي بيع الْمُصراة برد الشَّاة وبدل اللَّبن الْهَالِك».
وَهُوَ حَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَسَيَأْتِي فِي بَابه إِن شَاءَ الله.

.باب خِيَار الْمجْلس وَالشّرط وَمَا يتَّصل بهما:

وَذكر فِيهِ رَحْمَة الله ثَمَانِيَة أَحَادِيث:

.الأول:

عَن ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهما أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الْمُتَبَايعَانِ كل وَاحِد مِنْهُمَا عَلَى صَاحبه بِالْخِيَارِ مَا لم يَتَفَرَّقَا إِلَّا بيع الْخِيَار».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح مسلسل بالفقهاء فِي سَنَده، قَالَ ابْن الْمُبَارك: هُوَ أثبت من هَذِه الأساطين. رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي الْأُم، عَن مَالك، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا بِهِ سَوَاء. وَرَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم من طرق فَفِي لفظ «إِذا تبَايع الرّجلَانِ فَكل وَاحِد مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لم يَتَفَرَّقَا، وَكَانَا جَمِيعًا، أَو يُخَيّر أَحدهمَا الآخر، فَإِن خير أَحدهمَا الآخر فتبايعا عَلَى ذَلِكَ فقد وَجب البيع وَإِن تفَرقا بعد أَن يتبايعا، وَلم يتْرك وَاحِد مِنْهُمَا البيع، فقد وَجب البيع». وَفِي آخر: «البيِّعان بِالْخِيَارِ مَا لم يَتَفَرَّقَا، أَو يَقُول أَحدهمَا للْآخر: اختر. وَرُبمَا قَالَ: أَو يكون بيع خِيَار» وَفِي آخر: «الْمُتَبَايعَانِ بِالْخِيَارِ فِي بيعهمَا مَا لم يَتَفَرَّقَا، أَو يكون البيع خيارًا. قَالَ نَافِع: وَكَانَ ابْن عمر إِذا اشْتَرَى شَيْئا يُعجبهُ فَارق صَاحبه» وَفِي رِوَايَة للبيهقي: «حَتَّى يَتَفَرَّقَا من مكانهما إِلَّا أَن يكون صَفْقَة خِيَار» رَوَاهَا من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي، وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «لَا يحل لَهُ أَن يُفَارق صَاحبه خشيَة أَن يستقيله».

.الحديث الثَّانِي:

عَن أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لن يَجْزِي ولد وَالِده إِلَّا أَن يجده مَمْلُوكا فيشتريه فيعتقه».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم كَذَلِك إِلَّا أَنه قَالَ: «لَا يَجْزِي» بدل «لن يَجْزِي» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «لَا يَجْزِي ولد والدًا...» إِلَى آخِره، وَهُوَ مَعْدُود من أَفْرَاده.

.الحديث الثَّالِث:

رُوِيَ فِي بعض الرِّوَايَات أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «أَو يَقُول أَحدهمَا للْآخر اختر».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث ابْن عمر كَمَا سلف.

.الحديث الرَّابِع:

قَالَ الرَّافِعِيّ: الأَصْل فِي خِيَار الشَّرْط الْإِجْمَاع، وَمَا رُوِيَ عَن ابْن عمر «أَن رجلا ذكر لرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه يُخدع فِي الْبيُوع، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا بَايَعت فَقل: لَا خلابة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا كَذَلِك، وَفِي لفظ: «فَكَانَ إِذا بَايع يَقُول: لَا خِيابة» وَرَوَاهُ أَحْمد وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة، وَالْحَاكِم من حَدِيث أنس بِنَحْوِهِ، قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث صَحِيح غَرِيب. وَقَالَ الْحَاكِم: صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَذكر أَن ذَلِكَ الرجل كَانَ حبَان بن منقذ، أَصَابَته آمة فِي رَأسه، فَكَانَ يخدع فِي البيع، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِذا بَايَعت فَقل: لَا خلابة. وَجعل لَهُ الْخِيَار ثَلَاثًا» قلت: هَذَا أحد الْقَوْلَيْنِ فِيهِ، وَبِه جزم ابْن الطلاع فِي أَحْكَامه، وَورد كَذَلِك مُصَرحًا فِي بعض رِوَايَات هَذَا الحَدِيث، وَفِي بَعْضهَا أَنه وَالِده منقذ، وَجزم بِهِ عبد الْحق فِي جمعه بَين الصَّحِيحَيْنِ، وَتردد فِي ذَلِكَ الْخَطِيب فِي مبهماته، وَابْن الْجَوْزِيّ فِي تلقيحه. وَقَالَ النَّوَوِيّ: الْأَشْهر الْأَصَح الثَّانِي. كَذَا ذكره البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَلم يذكر غَيره، وَهَذِه الرِّوَايَة الَّتِي ذكرهَا الرَّافِعِيّ، رَوَاهَا ابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنهمَا وَلَفْظهمَا «ثمَّ أَنْت فِي كل سلْعَة ابتعتها بِالْخِيَارِ ثَلَاث لَيَال، فَإِن رضيت فَأمْسك، وَإِن سخطت فارددها عَلَى صَاحبهَا» وَقد ذكرت طرق هَذَا الحَدِيث مستوفاة فِي تخريجي لأحاديث الْوَسِيط بِزِيَادَة فَوَائِد فَرَاجعهَا مِنْهُ فَإِنَّهَا من الْمُهِمَّات. وحَبَّان هَذَا بِفَتْح الْحَاء وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة بِلَا خلاف، وَمن كسر حاءه فقد صحف، و«منقذ» بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة، و«الآمة» بتَشْديد الْمِيم وَالْمدّ، كَذَا قَيده الصغاني وصاحبا الْمُحكم و«الْمَشَارِق»، وَمَعْنى «لَا خلابة» لَا خديعة أَي لَا يحل لَك خديعتي وَلَا تلزمني خديعتك. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَفِي رِوَايَة «وَجعل لَهُ ذَلِكَ ثَلَاثَة أَيَّام». وَفِي رِوَايَة فَقل: «لَا خلابة وَلَك الْخِيَار ثَلَاثًا»، وَهَذِه الرِّوَايَات كلهَا فِي كتب الْفِقْه، وَلَا تلقى فِي مشهورات كتب الحَدِيث سُوَى الرِّوَايَة المقتصرة عَلَى قَوْلهم «لَا خلابة» ثمَّ قَالَ بعد قَلِيل: وَأما اللَّفْظَة المروية فِي الْوَجِيز وَهِي قَوْله «ولي الْخِيَار ثَلَاثَة أَيَّام» فَلَا تكَاد تُوجد فِي كتاب حَدِيث وَلَا فقه، نعم فِي شرح مُخْتَصر الْمُزنِيّ للموفق ابْن طَاهِر «قل: لَا خلابة، وَاشْترط الْخِيَار ثَلَاثًا» وهما متقاربان فِي كتاب الْحَج وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: «وَاشْترط الْخِيَار ثَلَاثًا» وَالْمرَاد الْأَيَّام والليالي، وَكَذَا قَالَ فِي تذنيبه: أَن قَوْله: «وَلَك الْخِيَار ثَلَاثًا» لَا ذكر لَهُ فِي الرِّوَايَات، وَقَالَ فِي الشَّرْح الصَّغِير: لَا تكَاد تُوجد فِي كتب الحَدِيث، وَأَقُول: إِنَّمَا قَوْله: «وَلَك الْخِيَار ثَلَاثًا» فرواها الْحميدِي فِي مُسْنده عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «أَن منقذًا سفع فِي رَأسه فِي الْجَاهِلِيَّة مأمومة فخبلت لِسَانه، فَكَانَ إِذا بَايع يخدع فِي البيع، فَقَالَ لَهُ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: بَايع وَقل: لَا خلابة، وَأَنت بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا. قَالَ ابْن عمر: فَسَمعته يُبَايع وَيَقُول: لَا خدابة لَا خدابة» وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه شَاهدا لحَدِيث عقبَة بن عَامر «عُهْدَة الرَّقِيق أَربع لَيَال» وَفِي رِوَايَته حبَان بدل منقذ، وَأَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل لَهُ الْخِيَار فِيمَا اشْتَرَى ثَلَاثًا. وَرَوَاهَا البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَصرح فِيهِ بتصريح ابْن إِسْحَاق بِالتَّحْدِيثِ، وَقَالَ: منقذ بدل حبَان وَلَفظه: «إِذا بِعْت فَقل: لَا خلابة، وَأَنت فِي كل سلْعَة ابتعتها بِالْخِيَارِ ثَلَاث لَيَال...» الحَدِيث، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته بِدُونِ التحديث، وَقَالَ: «بِعْ وَقل: لَا خلابة» ثمَّ قَالَ: رُوَاته ثِقَات، وَأما الرِّوَايَة الأولَى فرواها الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث طَلْحَة بن يزِيد بن ركَانَة «أَنه كلم عمر بن الْخطاب فِي الْبيُوع، فَقَالَ: لَا أجد لكم شَيْئا أوسع مِمَّا جعل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لحبان بن منقذ، إِنَّه كَانَ ضَرِير الْبَصَر فَجعل لَهُ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عُهْدَة ثَلَاثَة أَيَّام، إِن رَضِي أَخذ، وَإِن سخط تَركه». وَرَوَاهَا الْبَيْهَقِيّ أَيْضا ثمَّ قَالَ: تفرد بِهِ ابْن لَهِيعَة. وَهُوَ ضَعِيف بإجماعهم. وَأما رِوَايَة «وَاشْترط الْخِيَار ثَلَاثًا» فَغَرِيبَة، قَالَ ابْن الصّلاح: مُنكرَة لَا أصل لَهَا.
تَنْبِيه: قَالَ الرَّافِعِيّ بعد ذَلِكَ: أما جَوَاز اشْتِرَاط الْخِيَار للْمُشْتَرِي فلحديث حبَان، وَأما للْبَائِع أَوْ لَهما فبالقياس عَلَيْهِ، وَمَا ذكره من أَن الحَدِيث ورد فِي حق المُشْتَرِي لَيْسَ كَذَلِك فاعلمه.
تَنْبِيه آخر: من الْأَحَادِيث الْوَاهِيَة مَا رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق من حَدِيث أبان بن أبي عَيَّاش- الْمَتْرُوك- عَن أنس «أَن رجلا اشْتَرَى من رجل بَعِيرًا وَاشْترط الْخِيَار أَرْبَعَة أَيَّام، فَأبْطل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم البيع وَقَالَ: الْخِيَار ثَلَاثَة أَيَّام».

.الحديث الخَامِس:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي المتخايرين: «لَا بيع بَينهمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا سلف أول الْبَاب، وَفِي صَحِيح ابْن حبَان من حَدِيث ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: «من ابْتَاعَ بيعا فَوَجَبَ لَهُ فَهُوَ فِيهِ بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحبه مَا لم يُفَارِقهُ إِن شَاءَ أخذو إِن شَاءَ ترك، فَإِن فَارقه فَلَا خِيَار لَهُ» قَالَ ابْن حبَان: والفراق هُنَا بالأبدان لَا بالْكلَام.

.الحديث السَّادِس:

عَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها «أَن رجلا اشْتَرَى غُلَاما فِي زمن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم؛ فَكَانَ عِنْده مَا شَاءَ الله، ثمَّ رده من عيب وجده».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن مُسلم بن خَالِد الزنْجِي، عَن هِشَام، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَضَى أَن الْخراج بِالضَّمَانِ» قَالَ فِي الْأُم: وَأَحْسبهُ- بل لَا أَشك إِن شَاءَ الله- أَن مُسلما نَص الحَدِيث فَذكر «أَن رجلا ابْتَاعَ عبدا فاستغله ثمَّ ظهر مِنْهُ عَلَى عيب فَقَضَى لَهُ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم برده بِالْعَيْبِ. فَقَالَ الْمقْضِي عَلَيْهِ: قد استغله. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْخراج بِالضَّمَانِ» قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة كَذَلِك رَوَاهُ مُسلم بن خَالِد كَمَا حَسبه الشَّافِعِي، وَذكر الْخَبَر بِلَفْظِهِ من رِوَايَة يَحْيَى بن يَحْيَى، عَن مُسلم بن خَالِد. قَالَ: وَقد أخرجه أَبُو دَاوُد فِي سنَنه بِإِسْنَاد آخر عَن مُسلم بن خَالِد، وَقد وثق يَحْيَى بن معِين مُسلما. قلت: وَقد أخرجه الْحَاكِم من طَرِيقه، وَقَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد. وَتَابعه عمر بن عَلّي الْمقدمِي- الثِّقَة- فَرَوَاهُ عَن هِشَام، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «الْخراج بِالضَّمَانِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ: حسن صَحِيح غَرِيب من حَدِيث هِشَام. قَالَ: وَاسْتَغْرَبَهُ البُخَارِيّ من حَدِيث عمر بن عَلّي، قلت: ترَاهُ مدلسًا؟ قَالَ: لَا. وَحَكَى التِّرْمِذِيّ أَنه ذكره لمُحَمد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ فَكَأَنَّهُ أعجبه، وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث مُسلم بن خَالِد مطولا. وَرَوَاهُ الشَّافِعِي مرّة من حَدِيث ابْن أبي ذِئْب، عَن مخلد بن خفاف، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة مطولا بالقصة كَمَا سَيَأْتِي فِي الْبَاب الْآتِي بعد هَذَا، وَبِمَعْنَاهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، عَن ابْن أبي ذِئْب، وَحَدِيث الشَّافِعِي أتم، وَرَوَاهُ من هَذَا الْوَجْه أَحْمد وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة، وَالْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك، وَحسنه التِّرْمِذِيّ، وَصَححهُ ابْن الْقطَّان وَقد أوضحت الْكَلَام عَلَى طرق هَذَا الحَدِيث فِي تخريجي لأحاديث الْوَسِيط فَبلغ عدَّة أوراق، فَرَاجعه مِنْهُ فَإِنَّهُ من الْمُهِمَّات، قَالَ أَبُو عبيد: وَمَعْنى الحَدِيث أَن الرجل يَشْتَرِي الْمَمْلُوك فيستغله ثمَّ يجد بِهِ عَيْبا كَانَ عِنْد البَائِع فَيَقْتَضِي أَنه يرد العَبْد عَلَى البَائِع بِالْعَيْبِ وَيرجع بِالثّمن فَيَأْخذهُ وَيكون لَهُ الْغلَّة طيبَة وَهِي الْخراج، وَإِنَّمَا طابت لَهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ ضَامِنا للْعَبد، لَو مَاتَ مَاتَ فِي مَال المُشْتَرِي لِأَنَّهُ فِي يَده. وَكَذَا قَالَ الرَّافِعِيّ مَعْنَاهُ أَن مَا يخرج من الْمَبِيع من فَائِدَة وغلة فَهُوَ للْمُشْتَرِي فِي مُقَابلَة أَنه لَو تلف كَانَ من ضَمَانه.

.الحديث السَّابِع:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَيْسَ منا من غَشنَا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مر فِي السُّوق عَلَى صبرَة طَعَام، فَأدْخل يَده فِيهَا، فنالت أَصَابِعه بللاً فَقَالَ: مَا هَذَا يَا صَاحب الطَّعَام؟ قَالَ: يَا رَسُول الله، أَصَابَته السَّمَاء. قَالَ: أَفلا جعلته فَوق الطَّعَام حَتَّى يرَاهُ النَّاس، من غَشنَا فَلَيْسَ منا». وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام مرّ بِرَجُل يَبِيع طَعَاما فَسَأَلَهُ: كَيفَ تبيع؟ فَأخْبرهُ، فأُوحي إِلَيْهِ أَن أَدخل يدك فِيهِ، فَأدْخل يَده فِيهِ، فَإِذا هُوَ مبلول، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَيْسَ منّا من غش» وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من هَذَا الْوَجْه أَيْضا بِلَفْظ «مرّ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم برجلٍ يَبِيع طَعَاما فأعجبه، فَأدْخل يَده فِيهِ، فَإِذا هُوَ بطعامٍ مبلول، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: لَيْسَ منا من غَشنَا» ثمَّ أخرجه من طرق، وَقَالَ: هَذِه الْأَسَانِيد كلهَا صَحِيحَة عَلَى شَرط مُسلم، قَالَ: وَإِنَّمَا أخرجه مُسلم من حَدِيث سُهَيْل، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «من غَشنَا فَلَيْسَ منَّا» قَالَ: وَأما شرح الْحَال فَلم يخرجَاهُ. قلت: بلَى قد أخرجه كَمَا سقته لَك، وَذكره عبد الرَّزَّاق مُرْسلا، فَقَالَ: نَا مُحَمَّد بن رَاشد قَالَ: سَمِعت مَكْحُولًا يَقُول: «مرّ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِرَجُل يَبِيع طَعَاما قد خلط جيدًّا بقبيح، فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا حملك عَلَى مَا صنعت؟ قَالَ: أردْت أَن ينْفق. فَقَالَ لَهُ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: ميز كل وَاحِد مِنْهُمَا عَلَى حِدته، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي ديننَا غش» وَله طرق أُخْرَى مِنْهَا: عَن ابْن عمر قَالَ: «مرّ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِطَعَام قد حسنه صَاحبه فَأدْخل يَده فِيهِ، فَإِذا الطَّعَام رَدِيء، فَقَالَ: بِعْ هَذَا عَلَى حِدة وَهَذَا عَلَى حِدة، من غَشنَا فَلَيْسَ منا» رَوَاهُ أَحْمد، عَن خلف بن الْوَلِيد، ثَنَا أَبُو معشر، عَن نَافِع عَنهُ، وَأَبُو معشر هَذَا هُوَ السندي ضَعَّفُوهُ ورَوَاهُ الدَّارمِيّ فِي مُسْنده، عَن مُحَمَّد بن الصَّلْت، ثَنَا أَبُو عقيل يَحْيَى بن المتَوَكل، أَخْبرنِي الْقَاسِم بن عبيد الله، عَن سَالم، عَن ابْن عمر «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مرّ بِطَعَام بسوق الْمَدِينَة، فأعجبه حسنه، فَأدْخل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَده فِي جَوْفه، فَأخْرج شَيْئا لَيْسَ بِالظَّاهِرِ فأفّف لصَاحب الطَّعَام، ثمَّ قَالَ: لَا غش بَين الْمُسلمين، من غَشنَا فَلَيْسَ منّا» وَالقَاسِم هَذَا ضَعَّفُوهُ، وَمِنْهَا عَن أبي الْحَمْرَاء، قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مرَّ بجنبات رجل عِنْده طَعَام فِي وعَاء، فَأدْخل يَده فِيهِ، فَقَالَ: لَعَلَّك غششته، من غشّنا فَلَيْسَ منّا» رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث أبي دَاوُد عَنهُ، وَأَبُو دَاوُد هَالك واسْمه نفيع، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه أَيْضا، وَمِنْهَا عَن ابْن مَسْعُود رَضي اللهُ عَنهُ مَرْفُوعا: «من غشّنا فَلَيْسَ منا، وَالْمَكْر والخديعة فِي النَّار» رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه، وَمِنْهَا: عَن أبي بردة بن نيار، قَالَ: «انْطَلَقت مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بَقِيع الْمُصَلى، فَأدْخل يَده فِي طَعَام، ثمَّ أخرجهَا فَإِذا هُوَ مغشوش- أَو مُخْتَلف- فَقَالَ: لَيْسَ منّا من غشَّنا» رَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث حجاج، نَا شريك، عَن عبد الله بن عِيسَى، عَن جَمِيع بن عُمَيْر، عَن خَاله أبي بردة.

.الحديث الثَّامِن:

عَن عقبَة بن عَامر رَضي اللهُ عَنهُ أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الْمُسلم أَخُو الْمُسلم، لَا يحل لمن بَاعَ من أَخِيه بيعا يعلم فِيهِ عَيْبا إلاّ بَينه لَهُ».
هَذَا الحَدِيث ذكره البُخَارِيّ فِي صَحِيحه مَوْقُوفا عَلَى عقبَة، فَقَالَ: وَقَالَ عقبَة بن عَامر «لَا يحل لامرئ يَبِيع سلْعَة يعلم أَن بهَا دَاء إِلَّا أخبر» وَرَوَاهُ مَرْفُوعا الْأَئِمَّة أَحْمد وَابْن مَاجَه وَالْحَاكِم وَالطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث ابْن شماسَة، عَن عقبَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «الْمُسلم أَخُو الْمُسلم، لَا يحل لامرئ مُسلم أَن يغيب مَا بسلعته، عَن أَخِيه إِن علم بهَا تَركهَا» هَذَا لفظ أَحْمد، وَلَفظ ابْن مَاجَه «الْمُسلم أَخُو الْمُسلم لَا يحل لمُسلم بَاعَ من أَخِيه بيعا وَفِيه عيب إلاّ بَينه لَهُ» وَلَفظ الْحَاكِم وَالطَّبَرَانِيّ «الْمُسلم أَخُو الْمُسلم، وَلَا يحل لمُسلم إِن بَاعَ من أَخِيه بيعا فِيهِ عيب إِلَّا بَينه لَهُ» قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَأقرهُ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته عَلَى تَصْحِيحه هَذَا حَدِيث صَحِيح وَفِي مُسْند الإِمَام أَحْمد وَحده ابْن لَهِيعَة وَقد عرفت حَاله فِيمَا مَضَى، وَابْن شماسَة هُوَ عبد الرَّحْمَن انْفَرد بِالْإِخْرَاجِ عَنهُ مُسلم وَثَّقَهُ الْعجلِيّ وَغَيره، وَفِي سَنَد الْحَاكِم مُحَمَّد بن سِنَان الْقَزاز، وَهُوَ شيخ شيخ الْحَاكِم، نسبه ابْن خرَاش وَأَبُو دَاوُد إِلَى الْكَذِب، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَا بَأْس بِهِ. وَقد تَابعه ابْن سيار الإِمَام الثِّقَة كَمَا هُوَ عِنْد ابْن مَاجَه، وَأما ابْن جرير الطَّبَرِيّ فَقَالَ: فِي إِسْنَاده نظر. قلت: وَله شَاهد من حَدِيث وَاثِلَة بن الْأَسْقَع، رَوَاهُ أَحْمد والْحَاكِم وَصحح إِسْنَاده، وَفِيه نظر، وَقد أوضحت الْكَلَام عَلَيْهِ فِي تخريجي لأحاديث الْمُهَذّب فَليُرَاجع مِنْهُ، هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب.
وَذكر فِيهِ من الْآثَار أثرا وَاحِدًا وَهُوَ «أَن ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهُ كَانَ إِذا ابْتَاعَ شَيْئا وَأَرَادَ أَن يُوجب البيع قَامَ وَمَشى قَلِيلا».
وَهُوَ أثر صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا كَمَا سلف فِي آخر الحَدِيث الأول من أَحَادِيث الْبَاب، وَفِي رِوَايَة لمُسلم قَالَ نَافِع: «فَكَانَ ابْن عمر إِذا بَايع رجلا فَأَرَادَ أَن لَا يقيله قَامَ فَمَشى هنيهة ثمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ» وَفِي رِوَايَة للموطأ «وَكَانَ ابْن عمر إِذا ابْتَاعَ بيعا وَهُوَ قَاعد قَامَ ليجب لَهُ» وَفِي رِوَايَة للشَّافِعِيّ: «كَانَ إِذا ابْتَاعَ الشَّيْء يُعجبهُ أَن يجب لَهُ، فَارق صَاحبه فَمَشى قَلِيلا ثمَّ رَجَعَ».

.باب الْمُصراة وَالرَّدّ بِالْعَيْبِ:

ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ من الْأَحَادِيث سَبْعَة أَحَادِيث:

.الحديث الأول:

عَن أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا تصرّوا الْإِبِل وَالْغنم للْبيع، فَمن ابتاعها بعد ذَلِكَ فَهُوَ بِخَير النظرين من بعد أَن يحلبها إِن رضيها أمْسكهَا، وَإِن سخطها ردهَا وصاعًا من تمر».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث مَالك عَن أبي الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة، وَرَوَاهُ الشَّافِعِي فِي الْمُخْتَصر عَن مَالك بِهِ، وَلَفظه كَمَا سَاقه الرَّافِعِيّ سَوَاء إِلَّا أَنه لم يقل «من»، وَقَالَ: «بعد أَن يحلبها»: بإسقاطها، وَرَوَاهُ الشَّافِعِي فِي الْأُم كَذَلِك إلاّ أَنه لم يذكر فِيهِ «للْبيع» وَلَا «فَمن ابتاعها»، بل قَالَ «فَإِن ابتاعها» بدله، وَرَوَاهُ الشَّافِعِي أَيْضا عَن سُفْيَان، عَن أبي الزِّنَاد بِهِ، وَقَالَ فِيهِ: «فَمن ابتاعها» وَلَفظ البُخَارِيّ «وَمن ابتاعها» وَلم يقل «بعد ذَلِكَ» وَلم يذكر فِيهِ «الْإِبِل» بل قَالَ: «وَلَا تصروا الْغنم»، وَفِي رِوَايَة لَهُ من حَدِيث اللَّيْث، عَن جَعْفَر بن ربيعَة، عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «لَا تصروا الْإِبِل وَالْغنم، فَمن ابتاعها بعد فَإِنَّهُ بِخَير النظرين بعد أَن يحلبها، إِن شَاءَ أمسك وَإِن شَاءَ ردهَا وصاعَ تمر» وَقَالَ البُخَارِيّ: وَيذكر عَن أبي صَالح، وَمُجاهد، والوليد بن رَبَاح ومُوسَى بن يسَار، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «صَاع تمر» وقَالَ بَعضهم: عَن ابْن سِيرِين: «صَاعا من طَعَام وَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا» وَقَالَ بَعضهم: عَن ابْن سِيرِين: «صَاعا من تمر» وَلم يذكر «ثَلَاثًا» وَالتَّمْر أَكثر. وَفِي رِوَايَة لَهُ «من اشْتَرَى غنما مصراة فاحتلبها فَإِن رضيها أمْسكهَا، وَإِن سخطها فَفِي حلبتها صَاع من تمر» وَرَوَاهُ مُسلم بِأَلْفَاظ مِنْهَا: «من اشْتَرَى شَاة مصراة فلينقلب بهَا فليحلبها، فَإِن رَضِي بهَا أمْسكهَا، وَإِلَّا ردهَا وَمَعَهَا صَاع من تمر» وَمِنْهَا: «من ابْتَاعَ شَاة مصراة فَهُوَ فِيهَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَة أَيَّام، إِن شَاءَ أمْسكهَا، وَإِن شَاءَ ردهَا ورد مَعهَا صَاعا من تمر» وَمِنْهَا: «من اشْتَرَى شَاة مصراة فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَة أَيَّام، فَإِن ردهَا رد مَعهَا صَاعا من طَعَام، لَا سمراء» قَالَ التِّرْمِذِيّ: مَعْنَى «لَا سمراء»: لَا بُرّ. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ «بعد أَن يحلبها ثَلَاثًا» قلت: هَذِه الرِّوَايَة غَرِيبَة، هَكَذَا لم أرها فِي كتاب حَدِيث، وَتبع فِي إيرادها الْغَزالِيّ فِي وسيطه، وَالْغَزالِيّ تبع إِمَامه فَإِنَّهُ أوردهُ كَذَلِك من طَرِيق الشَّافِعِي، وَقَالَ: إِنَّه صحت الرِّوَايَة بِهِ. وَالْإِمَام تبع القَاضِي حُسَيْنًا فَإِنَّهُ ادَّعَى ذَلِكَ، وَقَالَ ابْن دَاوُد شَارِح الْمُخْتَصر إِنَّه جَاءَ ذَلِكَ فِي بعض الْأَخْبَار كَمَا قلت، وَكَأَنَّهَا مركبة من الْمَعْنى، وَيجب تقديرها: فَهُوَ بِخَير النظرين ثَلَاثًا بعد أَن يحلبها.
فَائِدَة: قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «لَا تُصَرّوا» هُوَ بِضَم أَوله وَفتح ثَانِيه وَتَشْديد ثالثه عَلَى مِثَال لَا تزكوا، وَالْإِبِل مَنْصُوب، هَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي ضبط هَذِه اللَّفْظَة، وَمِنْهُم من يرويهِ بِفَتْح أَوله وَضم ثَانِيه من صر يصر إِذا ربط، والمصراة هِيَ الَّتِي يرْبط أخلافها فيجتمع اللَّبن، وَالْإِبِل عَلَى هَذَا مَنْصُوب أَيْضا، وَأما مَا حَكَاهُ بَعضهم من ضم أَوله وَفتح ثَانِيه وَضم لَام الْإِبِل عَلَى مَا لم يسم فَاعله فَلَا يَصح مَعَ اتِّصَال ضمير الْفَاعِل، وَإِنَّمَا يَصح مَعَ إِفْرَاد الْفِعْل، وَلَا تعرف رِوَايَة حذف فِيهَا هَذَا الضَّمِير.