فصل: الحديث الأول:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّامِن:

«أَن عقبَة بن الْحَارِث نكح بِنْتا لأبي إهَاب بن عَزِيز فَأَتَتْهُ امْرَأَة، فَقَالَت: قد أرضعت عقبَة وَالَّتِي نَكَحَهَا، فَقَالَ لَهَا عقبَة: لَا أعلم أَنَّك أرضعتني وَلَا أخبرتيني، فارسل إِلَى آل أبي إهَاب فَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا: مَا علمنَا أَرْضَعتك صَاحبَتك، فَركب إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ فَسَأَلَهُ عَن ذَلِكَ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: كَيفَ وَقد قيل، ففارقها ونكحت زوجا غَيره».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه وَهَذَا اللَّفْظ الَّذِي سقناه هُوَ لَفظه فِي كتاب الشَّهَادَات من صَحِيحه، وَفِي رِوَايَة لَهُ: تَعْرِيف الْمَنْكُوحَة بِأم يَحْيَى، وَاسْمهَا غنية كَمَا أَفَادَهُ ابْن مَاكُولَا. وَفِي رِوَايَة لَهُ أَعنِي البُخَارِيّ وَأَن الْمَرْأَة أمَة سَوْدَاء، وَفِي رِوَايَة لَهُ: وَكَانَت تَحْتَهُ ابْنة أبي إهَاب. من الأوهام عزو هَذَا الحَدِيث إِلَى مُسلم أَيْضا كَمَا وَقع فِيهِ صَاحب التنقيب وَهُوَ ظَاهر سكُوت عُمْدَة الْأَحْكَام عَنهُ فَتنبه لَهُ، وَقد استدركته عَلَيْهِ فِي شرحي وَللَّه الْحَمد هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب بِحَمْد الله.

.كتاب النَّفَقَات:

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم.
{وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه عَلَيْهِ توكلت}.
كتاب النَّفَقَات.
ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ من الْأَحَادِيث أحد عشر حَدِيثا:

.الحديث الأول:

«أَن هندًا امْرَأَة أبي سُفْيَان جَاءَت إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: يَا رَسُول الله، إِن أَبَا سُفْيَان رجل شحيح لَا يعطيني من النَّفَقَة مَا يَكْفِينِي وَوَلَدي إِلَّا مَا أَخَذته سرًّا وَهُوَ لَا يعلم، فَهَل عليَّ فِي ذَلِك شَيْء فَقَالَ: خذي مَا يَكْفِيك وولدك بِالْمَعْرُوفِ».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها وَقد كرر الرَّافِعِيّ بعضه فِي الْبَاب، وَفِي رِوَايَة لَهما: «مُمْسك» بدل «شحيح»، وَفِي أُخْرَى: «مِسِّيك» وَفِي أُخْرَى: «فَهَل عليَّ حرج أَن أنْفق عَلَى عِيَاله من مَاله بِغَيْر إِذْنه؟ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلام: لَا حرج عَلَيْك أَن تنفقي عَلَيْهِم بِالْمَعْرُوفِ». وَفِي أُخْرَى للْبُخَارِيّ: «أَن أطْعم من الَّذِي لَهُ؟ قَالَ: إِلَّا بِالْمَعْرُوفِ». وَلم يذكر «من تطعم». وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي أكبر معاجمه من حَدِيث عُرْوَة بن الزبير، عَن هِنْد قلت: «يَا رَسُول الله، أفنطعم عبيدنا من مَاله؟ قَالَ: نعم».
قَالَ الرَّافِعِيّ: واستخرج الْأَصْحَاب من الْخَبَر وَرَاء وجوب نَفَقَة الزَّوْجَة وَالْولد فَوَائِد، مِنْهَا: أَنه يجوز للْمَرْأَة الْخُرُوج من بَيتهَا لتستفتي.
قلت: فِي هَذَا نظر؛ لِأَنَّهَا خرجت عَام الْفَتْح مُتَقَدّمَة عَلَى سَائِر النِّسَاء لما نزل: يَا أَيهَا النَّبِي إِذا جَاءَك الْمُؤْمِنَات يبايعنك فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: «أُبايعُكُنَّ عَلَى أَن لَا تُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئا. فَقَالَت هِنْد: لَو أشركنا بِاللَّه شَيْئا مَا دَخَلنَا فِي الْإِسْلَام. وَقَالَ: أُبايعُكُنَّ عَلَى أَن لَا تقتلنَّ أولادكنَّ. فَقَالَت هِنْد: هَل تركْتُم لنا من ولد، رَبَّيْنَاهُمْ صغَارًا وَقَتَلْتُمُوهُمْ كبارًا. فَقَالَ: أبُايعُكُنَّ عَلَى أَن لَا تزنين. فَقَالَت هِنْد: أُفٍّ أوَ تَزني الْحرَّة؟!
فَقَالَ: أبُايعُكُنَّ عَلَى أَن لَا تسرقنَ شَيْئا. فَقَالَت هِنْد: إِن أَبَا سُفْيَان رجل شحيح...»
الحَدِيث. وَظَاهر هَذَا، أَنه لم تكن خرجت لتستفتي عَنْهُم. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَمِنْهَا أَنه يجوز للْقَاضِي أَن يقْضِي بِعِلْمِهِ عَلَى الْغَائِب، وَأجِيب عَنْهَا بِأَنَّهُ أفتَى وَلم يقْض. هَذَا لَفظه وَهُوَ يَقْتَضِي بِأَنَّهُ أفتَى وَهُوَ مَا رَجحه فِي بَاب نَفَقَة الْأَقَارِب، وَجزم فِي أول الْقَضَاء عَلَى الْغَائِب بِأَنَّهُ حكم عَلَى غَائِب، وَسَيَأْتِي هُنَالك قصَّة لَهُ، ثمَّ ذكر عَنْهُم فَوَائِد أُخْرَى ذكرتها فِي شرحي للعمدة، مَعَ زيادات فليُراجع مِنْهُ.

.الحديث الثَّانِي:

أَنه عَلَيْهِ السَّلام قَالَ: «إِن الله أَعْطَاكُم ثلث أَمْوَالكُم فِي آخر أعماركم».
هَذَا الحَدِيث، تقدم بَيَانه وَاضحا فِي الْوَصَايَا فَرَاجعه من تَمَّ.

.الحديث الثَّالِث:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، سُئل عَن حق الزَّوْجَة عَلَى الزَّوْج، فَقَالَ: أَن تطعمها إِذا طعمت، وتكسوها إِذا اكتسيت».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه من حَدِيث أبي قزعة سُوَيْد بن حُجَيْر، عَن حَكِيم بن مُعَاوِيَة، عَن أَبِيه مُعَاوِيَة بن حيْدَة، قَالَ: قلت: «يَا رَسُول الله مَا حق زَوْجَة إحدانا عَلَيْهِ؟ قَالَ: أَن تطعمها إِذا طعمت، وتكسوها إِذا اكتسيت أَو كُسِيت، وَلَا تقبح، وَلَا تهجر إِلَّا فِي الْبَيْت».
وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه أَيْضا من حَدِيث حَكِيم بن مُعَاوِيَة أَيْضا، عَن أَبِيه «أَن رجُلاً سَأَلَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا حق الْمَرْأَة عَلَى الزَّوْج؟ قَالَ: أَن يطْعمهَا إِذا أطْعم وَأَن تكسوها إِذا اكتسيت، وَلَا يضْرب الْوَجْه وَلَا يقبح وَلَا يهجر إِلَّا فِي الْبَيْت». وَعَزاهُ المزِّيُّ فِي أَطْرَافه إِلَى النَّسَائِيّ فِي عشرَة النِّسَاء وَفِي التَّفْسِير بأتم مِنْهُ، ورأيته فِي الْموضع الأول من رِوَايَة ابْن الْأَحْمَر. وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه بِلَفْظ أبي دَاوُد، بِزِيَادَة: «وَلَا يضْرب الْوَجْه». ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. وألزم الدَّارَقُطْنِيّ الشَّيْخَيْنِ تَخْرِيج هَذِه التَّرْجَمَة، وَهِي: حَكِيم بن مُعَاوِيَة عَن أَبِيه. وَقَالَ فِي علله فِي حَدِيث مُعَاوِيَة: إِنَّه حَدِيث صَحِيح. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضا من حَدِيث بهز بن حَكِيم، عَن أَبِيه، عَن جده، قلت: «يَا رَسُول الله، نساؤنا، مَا نأتي مِنْهَا وَمَا ندر؟ قَالَ: أئت حرثك أنَّى شِئْت، وأطعمها إِذا طعمت، واكسوها إِذا اكتسيت. قَالَ: وَلَا تقبح الْوَجْه وَلَا تضرب» قَالَ: وَرَوَاهُ شُعْبَة: «إِذا طعمت وتكسوها إِذا اكتسيت. قَالَ: وَلَا تقبح أَن تَقول: قبحك الله». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضا من حَدِيث بهز بن حَكِيم بن مُعَاوِيَة، عَن أَبِيه، عَن جده مُعَاوِيَة، قَالَ: «أتيت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقلت: مَا تَقول فِي نسائنا؟ فَقَالَ: أطعموهنَّ مِمَّا تَأْكُلُونَ، واكسوهنَّ مِمَّا تلبسُونَ، وَلَا تضربوهنَّ، وَلَا تقبحوهنَّ». وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي عشرَة النِّسَاء من سنَنه من حَدِيث بهز أَيْضا فِي رِوَايَة ابْن الْأَحْمَر كَمَا سلف.

.الحَدِيث الرَّابِع:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لفاطمة بنت قيس: «لَا نَفَقَة لَك عَلَيْهِ» وَكَانَت مبتوتة حَائِلا.
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه مُسلم فِي صَحِيحه وَقد تقدم قِطْعَة مِنْهُ فِي بَاب: «النَّهْي عَن الْخطْبَة عَلَى الْخطْبَة». فَإِن قلتَ: كَيفَ تَعمل فِي رِوَايَة مُسلم الْأُخْرَى عَنْهَا: «فَلم يَجْعَل لي سُكْنى وَلَا نَفَقَة». قلتُ: هِيَ من رِوَايَة مجَالد وَحده عَن الشّعبِيّ، كَمَا بَينه الْحسن بن عَرَفَة، عَن هشيم، وكما بَينه سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَعَبدَة بن سُلَيْمَان وَمُسلم، وَالدَّارَقُطْنِيّ سَاقهَا من طَرِيق جمَاعَة وَمِنْهُم مجَالد وقرنه بهم، وَهُوَ يُوهم أَنه من رِوَايَة جَمِيعهم وَقد سبق أَنهم لم يرووها، وَإِنَّمَا انْفَرد بهَا مجَالد، وَقد تولى بَيَان ذَلِك الْخَطِيب فِي كِتَابه غنية الملتمس فِي أيضاح الملتبس وَتَبعهُ ابْن الْقطَّان، فَإِن قيلَ: قد رويت هَذِه الزِّيَادَة من غير طَرِيق مجَالد، رَوَاهَا النَّسَائِيّ، من حَدِيث سعيد بن يزِيد الأحمسي، ثَنَا الشّعبِيّ، عَن فَاطِمَة... فَذكره.
قلتُ: سعيد هَذَا كُوفِي لم تثبت عَدَالَته كَمَا قَالَه ابْن الْقطَّان فِي كِتَابه وَقَالَ أَبُو حَاتِم فِي حَقه: شيخ.

.الحديث الخَامِس:

قَالَ: «أَلا لَا تُوطأ حَامِل حَتَّى تضع».
هَذَا الحَدِيث سلف بَيَانه فِي الْحيض وَغَيره كَمَا مر.

.الحديث السَّادِس:

قَالَ الرَّافِعِيّ بعد أَن قرر أَنه إِذا سلم النَّفَقَة عَلَى ظن الْحمل فَبَان خِلَافه أَن لَهُ الرُّجُوع، مَا نَصه: وَعَن القَاضِي الْحُسَيْن أَنه احْتج لذَلِك بِمَا رُوِي «أَن أبي بن كَعْب رضى الله عَنهُ علم رجلا الْقُرْآن أَو شَيْئا مِنْهُ، فأهدى لَهُ قوسًا، فَقَالَ لَهُ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن أَخَذتهَا أخذت قوسًا من النَّار». وَقَالَ: إِن ذَلِك الرجل ظن وجوب الْأُجْرَة عَلَيْهِ من غير شَرط وَكَانَ يُعْطي الْقوس عَلَى ظن أَنه عَن الْوَاجِب عَلَيْهِ، فَمنع النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَخذه.
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن مَاجَه عَن سهل بن أبي سهل، ثَنَا يَحْيَى بن سعيد، عَن ثَوْر بن يزِيد، قَالَ: حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بن سلم، عَن عَطِيَّة الكلَاعِي، عَن أبي بن كَعْب قَالَ: «علمت رجلا من الْقُرْآن فأهدى لي قوسًا، فَذكرت ذَلِك لرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِن أَخَذتهَا أخذت قوسًا من نارٍ. فرددتها». عبد الرَّحْمَن هَذَا لَيْسَ بالمشهور، رَوَى لَهُ ابْن مَاجَه هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي علله: إِنَّه ضَعِيف، وَإِن هَذَا الحَدِيث لَا يَصح لأَجله. وَكَذَا جزم بضعفه فِي كِتَابه الضُّعَفَاء والمتروكين، من غير نِسْبَة ذَلِك لأحدٍ، لَكِن خَالف ذَلِك فاستدل بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور فِي تَحْقِيقه لمذهبه. وَذكر الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي فِي أَطْرَافه بَين عبد الرَّحْمَن وثورٍ «خَالِد بن معدان» وَلم أره فِي نُسْخَة من نسخ ابْن مَاجَه، وَقد وهم فِي ذَلِك ثمَّ ذكر اضطرابًا فِي إِسْنَاده، فَقَالَ: رَوَاهُ مُوسَى بن عَلّي بن رَبَاح، عَن أَبِيه، عَن أبي بن كَعْب، وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن جحادة، عَن رجل يُقَال لَهُ: أبان، عَن أُبي، وَرَوَاهُ بنْدَار، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن عبد الرَّحْمَن بن مُسلم، عَن عطيَّة بِهِ، وَرَوَى هِشَام بن عمار، عَن عَمْرو بن وَاقد، عَن إِسْمَاعِيل بن عبيد الله، عَن أم الدَّرْدَاء، عَن أبي الدَّرْدَاء «أَن أُبي بن كَعْب أَقرَأ رجلا من أهل الْيمن سُورَة، فَرَأَى عِنْده قوسًا، فَقَالَ: تبيعها؟ فَقَالَ: لَا، بل هِيَ لَك. فَسَأَلَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِن كنت تُرِيدُ أَن تقلَّد قوسًا من نَار فَخذهَا». وَرَوَى إِسْمَاعِيل بن عيَّاش، عَن عبد ربه بن سُلَيْمَان بن عُمير بن زيتون، عَن الطُّفَيْل بن عَمْرو الدوسي: «أَقْرَأَنِي أبي بن كَعْب الْقُرْآن، فأهديتُ لَهُ قوسًا، فغدا إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ متقلدها» فَذكر الحَدِيث.
انْتَهَى مَا ذكره الْحَافِظ جمال الدَّين، وَقد رَوَاهُ مُحَمَّد بن هَارُون الرَّوْيَانِيّ، عَن بنْدَار بِخِلَاف مَا ذكره عَنهُ حَيْثُ قَالَ: ثَنَا مُحَمَّد بن بشار، ثَنَا يَحْيَى بن سعيد، ثَنَا ثَوْر بن يزِيد، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي مُسلم، عَن عَطِيَّة بن قيس الكلَاعِي، عَن أُبيّ بن كَعْب «أَنه علَّم رجلا من الْقُرْآن، فأهدى إِلَيْهِ قوسًا، فَوَقع فِي نَفسِي شَيْء، فَذكرت ذَلِك لرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِن أَخَذتهَا فَخذهَا قوسًا من نَار». وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه فِي أثْنَاء الْإِجَارَة من حَدِيث مُحَمَّد بن أبي بكر، ثَنَا يَحْيَى بن سعيد، عَن ثَوْر، حَدثنِي عبد الرَّحْمَن... فَذكره، وَقَالَ: إِنَّه مُنْقَطع. وَلم يبين سَبَب انْقِطَاعه، ورماه بالانقطاع أَيْضا ابْن عبد الْبر، وَبَينه الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي، فَقَالَ: عَطِيَّة بن قيس الرَّاوِي عَن أبي، أرسل عَنهُ وَهُوَ ثِقَة أخرج لَهُ مُسلم فِي صَحِيحه.
قلت: وعطيَّة هَذَا تَابِعِيّ، وَذكر صَاحب والكمال عَن أبي مسْهر أَنه ولد فِي حَيَاة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، فعلَى هَذَا رِوَايَته عَن أبي مَحْمُولَة عَلَى الِاتِّصَال.
قلت: وَله طَرِيق آخر عِنْد عبد الْحق، رَوَاهُ قَاسم بن أصبغ بِإِسْنَاد ضَعِيف ومنقطع، وبيَّن ذَلِك ابْن الْقطَّان فِي علله بِأَن قَالَ: فِيهِ عبد الله بن روح، وَلَا يُعرف حَاله، وَرَوَاهُ عَن أُبي بن كَعْب أَبُو إِدْرِيس الْخَولَانِيّ، وَلم يُشَاهد أَبُو إِدْرِيس ذَلِك فَإِنَّهُ لَا صُحْبَة لَهُ، إِلَّا أَن يكونُ أبيِّ أخبرهُ بِمَا اتّفق لَهُ وَلَيْسَ ذَلِك فِيهِ. قَالَ: وَرُوِيَ من طرقٍ، وَلَيْسَ فِيهَا شَيْء يثبت الْبَتَّةَ، ذكرهَا بقيّ بن مخلد.
قلت: وَمِنْهَا حَدِيث عُبادة بن الصَّامِت وَأبي الدَّرْدَاء: أما حَدِيث عُبادة؛ فَأخْرجهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه من حَدِيث مُغيرَة بن زِيَاد، عَن عُبادة بن نُسَي، عَن الْأسود بن ثَعْلَبَة، عَن عُبادة بن الصَّامِت، قَالَ: «علَّمت نَاسا من أهل الصّفة الْكِتَابَة وَالْقُرْآن، فأهدى إليَّ رجل مِنْهُم قوسًا، فَقلت: أرمي عَنْهَا فِي سَبِيل الله، فَسَأَلت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِن سرك أَن تُطوق طوقًا من نَار فاقبلها» أُعلَّ بِوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: الْمُغيرَة بن زِيَاد، جزم بضعفه ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه وَقَالَ فِي علله: إِنَّه حَدِيث لَا يَصح، وَيَنْبَغِي أَن يعلم أَنه مِمَّن اخْتلف فِي حَاله. وَقد وَثَّقَهُ وَكِيع وَابْن معِين وَالْعجلِي وَغَيرهم، وَتكلم فِيهِ البُخَارِيّ وَأَبُو حَاتِم وَغَيرهمَا، قَالَ أَحْمد: كل حديثٍ رَفعه فَهُوَ مُنكر. وَقَالَ أَبُو عمر: هُوَ مَعْرُوف بِحمْل الْعلم، وَله مَنَاكِير، مِنْهَا هَذَا. وَأما الْحَاكِم، فصحح حَدِيثه هَذَا، وَخَالف مرّة، وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: الْمُغيرَة بن زِيَاد، صَاحب مَنَاكِير، لم يخْتَلف أحد فِي تَركه، وَيُقَال: إِنَّه حدث عَن عُبادة بن نُسَي بِحَدِيث مَوْضُوع. الْوَجْه الثَّانِي: أَن الْأسود بن ثَعْلَبَة، مَجْهُول لَا يعرف. قَالَه ابْن الْمَدِينِيّ وَابْن الْقطَّان، وَزَاد: أَنه لَا يعرف رَوَى عَنهُ غير عُبادة بن نُسي. وَتبع ابْن حزم فِي نَقله ذَلِك عَن ابْن الْمَدِينِيّ وَالَّذِي نَقله غير ابْن حزم عَنهُ: لَا أعرف لَهُ إِلَّا هَذَا الحَدِيث. وَأسْندَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَنهُ- أَعنِي عَلّي بن الْمَدِينِيّ- أَنه قَالَ: إِسْنَاده كُله مَعْرُوف، إِلَّا الْأسود بن ثَعْلَبَة، فَإِنَّهُ لَا يحفظ عَنهُ إِلَّا هَذَا الحَدِيث.
قلت: لَهُ حديثان آخرَانِ: «أَنْتُم الْيَوْم عَلَى بَيِّنَة من ربكُم». رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ فِي ثَوَاب الْأَعْمَال. وَالثَّانِي: فِيهِ ذكر الشُّهَدَاء. رَوَاهُ الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ. وَذكر الأسودَ ابنُ حبّان فِي ثقاته وَتَابعه جُنادة بن أبي أُميَّة؛ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث بَقِيَّة، ثَنَا بشر بن عبد الله بن يسَار، عَن عُبادة بن نُسي، عَن جُنادة بن أبي أُميَّة، عَن عُبادة، وتابع بَقِيَّة أَبُو الْمُغيرَة عبد القدوس بن الْحجَّاج، عَن بشر بن عبد الله؛ أخرجه أَحْمد وَأما حَدِيث أبي الدَّرْدَاء؛ فقد تقدم. وَله طَرِيق آخر صَحِيح الْإِسْنَاد رَوَاهُ الدَّارمِيّ، عَن عبد الرَّحْمَن بن يَحْيَى بن إِسْمَاعِيل بن عبد الله، ثَنَا الْوَلِيد بن مُسلم، ثَنَا سعيد بن عبد الْعَزِيز، عَن إِسْمَاعِيل بن عبيد الله، عَن أم الدَّرْدَاء عَن أبي الدَّرْدَاء، أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من أَخذ قوسًا عَلَى تَعْلِيمه الْقُرْآن قلَّده الله قوسًا من نَار». وَهَذَا إِسْنَاد كُله عَلَى شَرط مُسلم إِلَّا عبد الرَّحْمَن، فَقَالَ أَبُو حَاتِم: صَدُوق. وَقد أخرج مُسلم بالسَّند الْمَذْكُور حَدِيثا عَن دَاوُد بن رُشيد، عَن الْوَلِيد بن مُسلم بِهِ فِي الصَّوْم فِي السّفر. وَأما الْبَيْهَقِيّ، فَقَالَ قبل أَن أخرج هَذَا الحَدِيث من طَرِيق الدَّارمِيّ: رُوِيَ من وجهٍ ضَعِيف عَن أبي الدَّرْدَاء. ثمَّ سَاقه من طَرِيقه، ثمَّ نقل عَن الدَّارمِيّ، عَن دُحَيْم، أَنه قَالَ: حَدِيث أبي الدَّرْدَاء، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «من تقلَّد قوسًا عَلَى تَعْلِيم الْقُرْآن». لَيْسَ لَهُ أصل. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ عقب حَدِيث عُبادة بن الصَّامِت: هَذَا حَدِيث مُخْتَلف فِيهِ عَلَى عُبادة بن نُسي كَمَا ترَى، وَحَدِيث ابْن عَبَّاس وَأبي سعيد أصح إِسْنَادًا مِنْهُ. وَمرَاده بِحَدِيث ابْن عَبَّاس وَأبي سعيد فِي قصَّة اللديغ، وَالْأول فِي خَ، وَالثَّانِي فِي خَ وم. وَكَذَا قَالَ عبد الْحق فِي أَحْكَامه: لَيْسَ هَذِه الطّرق تعَارض مَا قد صَحَّ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «إِن أَحَق مَا أَخَذْتُم عَلَيْهِ أجرا كتاب الله» وَهُوَ كَمَا قَالَا.

.الحَدِيث السَّابِع:

عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي الرجل لَا يجد مَا ينْفق عَلَى امْرَأَته: يفرق بَينهمَا». وَيروَى: «من أعْسر بِنَفَقَة امْرَأَته، فرق بَينهمَا» و«سُئِلَ سعيد بن الْمسيب عَن رجل لَا يجد مَا ينْفق عَلَى امْرَأَته، قَالَ: يفرق بَينهمَا. فَقَالَ لَهُ: سنة؟ قَالَ: نعم سنة». قَالَ الشَّافِعِي: الَّذِي يشبه قَول ابْن الْمسيب أَنه سنة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بعد أَن رَوَى من جِهَة الشَّافِعِي ثَنَا سُفْيَان، عَن أبي الزِّنَاد قَالَ: «سَأَلت سعيد بن الْمسيب عَن الرجل لَا يجد مَا ينْفق عَلَى امْرَأَته، قَالَ: يفرق بَينهمَا. قَالَ أَبُو الزِّنَاد: قلت: سنة؟ فَقَالَ سعيد: سنة». قَالَ الشَّافِعِي: وَالَّذِي يشبه قَول سعيد سنة أَن يكون سنة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. ثمَّ رَوَى من جِهَة الدَّارَقُطْنِيّ ثَنَا عُثْمَان بن أَحْمد بن السماك وَعبد الْبَاقِي بن قَانِع، وَإِسْمَاعِيل بن عَلّي قَالُوا: ثَنَا أَحْمد بن عَلّي الخزاز، ثَنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الباوردي، ثَنَا إِسْحَاق بن مَنْصُور، ثَنَا حَمَّاد بن سَلمَة، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن سعيد بن الْمسيب «فِي الرجل لَا يجد مَا ينْفق عَلَى امْرَأَته، قَالَ: يفرق بَينهمَا» قَالَ: وثنا حَمَّاد بن سَلمَة، عَن عَاصِم بن بَهْدَلَة، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِمثلِهِ. هَذَا مَا فِي سنَن الْبَيْهَقِيّ عَن الدَّارَقُطْنِيّ، وَأَنت إِذا تَأَمَّلت مَا ذكره الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه وجدته مُخَالفا لما أوردهُ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: حَدثكُمْ القَاضِي الْحُسَيْن بن إِسْمَاعِيل، ثَنَا عبد الله بن أَحْمد بن أبي ميسرَة، ثَنَا أَبُو عبد الرَّحْمَن الْمُقْرِئ، ثَنَا سعيد بن أبي أَيُّوب، حَدثنِي مُحَمَّد بن عجلَان، عَن زيد بن أسلم، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «خير الصَّدَقَة مَا كَانَ عَن ظهر غنى، وَالْيَد الْعليا خير من الْيَد السُّفْلَى، وابدأ بِمن تعول. قَالَ: وَمن أعول يَا رَسُول الله؟ قَالَ: امْرَأَتك تَقول: أَطْعمنِي وَإِلَّا فارقني. خادمك يَقُول: أَطْعمنِي واستعملني. ولدك يَقُول: إِلَى من تتركني». ثمَّ قَالَ:
حَدثكُمْ أَبُو بكر الشَّافِعِي، ثَنَا مُحَمَّد بن بشر بن مطر، ثَنَا شَيبَان بن فروخ، ثَنَا حَمَّاد بن سَلمَة، عَن عَاصِم، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الْمَرْأَة تَقول لزَوجهَا: أَطْعمنِي وَإِلَّا طَلقنِي. وَيَقُول عَبده: أَطْعمنِي واستعملني. وَيَقُول وَلَده: إِلَى من تكلنا». قَالَ- يَعْنِي: شَيبَان بن فروخ-: وثنا حَمَّاد بن سَلمَة، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن سعيد بن الْمسيب، أَنه قَالَ «فِي الرجل يعجز عَن نَفَقَة امْرَأَته قَالَ: إِن عجز فرق بَينهمَا» ثمَّ قَالَ: حَدثكُمْ عُثْمَان بن أَحْمد بن السماك وَعبد الْبَاقِي بن قَانِع وَإِسْمَاعِيل بن عَلّي قَالُوا: ثَنَا أَحْمد بن عَلّي الخزار، ثَنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الباوردي، ثَنَا إِسْحَاق بن مَنْصُور، ثَنَا حَمَّاد بن سَلمَة، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن سعيد بن الْمسيب «فِي الرجل لَا يجد مَا ينْفق عَلَى امْرَأَته، قَالَ: يفرق بَينهمَا». ثمَّ قَالَ: حَدثكُمْ عُثْمَان بن أَحْمد وَعبد الْبَاقِي وَإِسْمَاعِيل بن عَلّي، قَالُوا: ثَنَا أَحْمد بن عَلّي الخزاز، قَالَ: ثَنَا إِسْحَق بن إِبْرَاهِيم ثَنَا إِسْحَاق بن مَنْصُور، ثَنَا حَمَّاد بن سَلمَة، عَن عَاصِم بن بَهْدَلَة، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، مثله. هَذَا نَص مَا فِي الدَّارَقُطْنِيّ برمتِهِ، وَالظَّاهِر أَن قَوْله «مثله» عَائِد إِلَى الْمَتْن السالف الَّذِي ذكره عَن زيد بن أسلم، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة، ثمَّ عقبه بِكَلَام ابْن الْمسيب، ثمَّ الْعَطف عَلَى الأول، فَذكر من وَجه آخر عَن حَمَّاد بِسَنَدِهِ الأول، وَلَيْسَ رَاجعا إِلَى مَا نَقله سعيد بن الْمسيب.
وَالْبَيْهَقِيّ لم يذكر الأول بل ذكر كَلَام ابْن الْمسيب من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، ثمَّ ذكر السَّنَد الآخر الْمَرْفُوع وَفِي آخِره «مثله» ففهم عَن الدَّارَقُطْنِيّ أَن المُرَاد بقوله: «مثله» كَلَام ابْن الْمسيب، وَأَن ذَلِك من هَذَا الْوَجْه مَرْفُوع، وَكَذَا وَقع للبيهقي هَذَا فِي الْمعرفَة فَإِنَّهُ قَالَ- لما أسْند أَبُو سعيد من طَرِيق الشَّافِعِي كَمَا سلف-: وَقد رُوِيَ عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور، عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن سعيد بن الْمسيب «فِي الرجل لَا يجد مَا ينْفق عَلَى امْرَأَته قَالَ: يفرق بَينهمَا». قَالَ: وثنا حَمَّاد بن سَلمَة، عَن عَاصِم بن بَهْدَلَة، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِمثلِهِ. ثمَّ أسْندهُ عَن الدَّارَقُطْنِيّ إِلَى إِسْحَاق بن مَنْصُور. وَكَذَا وَقع لَهُ فِي خلافياته أَيْضا بِزِيَادَة فَإِنَّهُ لما رَوَى كَلَام سعيد من طَرِيق الشَّافِعِي رَوَاهُ من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ كَمَا سلف، ثمَّ قَالَ: وثنا حَمَّاد بن سَلمَة، ثَنَا عَاصِم بن بَهْدَلَة، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل ألفاظهم سَوَاء. هَذَا نَص مَا ذكره فَتنبه لذَلِك ثمَّ رَأَيْت بعد ذَلِك فِي علل ابْن أبي حَاتِم سَأَلت أبي عَن حَدِيث أبي هُرَيْرَة... فَذكر كَمَا سلف مَرْفُوعا، فَقَالَ: وهِمَ إِسْحَاق رَاوِيه فِي اختصاره، إِنَّمَا الحَدِيث: «ابدأ بِمن تعول، تَقول امْرَأَتك: أنْفق عليَّ أَو طَلقنِي» ثمَّ اعْلَم أَن ابْن حزم ضعف مَا سلف عَن سعيد بِأَن قَالَ: روينَا من طَرِيق عبد الرَّزَّاق، عَن الثَّوْريّ، عَن يَحْيَى الْأنْصَارِيّ، عَن ابْن الْمسيب، قَالَ: «إِذا لم يجد الرجل مَا ينْفق عَلَى امْرَأَته أجبر عَلَى طَلاقهَا»، ثمَّ قَالَ: لم نجد لأهل هَذِه الْمقَالة حجَّة أصلا إِلَّا تعلقهم بقول ابْن الْمسيب: «إِنَّه سنة» وَقد صَحَّ عَنهُ قَولَانِ: أَحدهمَا: يجْبر عَلَى مفارقتها. و: أَلا يفرق بَينهمَا. وهما قَولَانِ مُخْتَلِفَانِ وَلم يقل: إِنَّه سنة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَلَو قَالَ ذَلِك كَانَ مُرْسلا، وَلَعَلَّه أَرَادَ سنة عمر كَمَا روينَا من فعله. ثمَّ ذكر عَن جمع من التَّابِعين مثل ذَلِك، ثمَّ قَالَ: وَلَا نَأْخُذ بقول من يفرق بَينهمَا كَأبي حنيفَة؛ لِأَن الله تَعَالَى قَالَ: {لينفق ذُو سَعَة من سعته} الْآيَة. وَلِأَن أَبَا بكر قَالَ: «يَا رَسُول الله، لَو رَأَيْت ابْنة خَارِجَة سَأَلتنِي النَّفَقَة فَقُمْت إِلَيْهَا فَوَجَأْت عُنُقهَا. فَضَحِك رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ: هن حَولي كَمَا ترَى يَسْأَلْنَنِي النَّفَقَة. فَقَامَ أَبُو بكر إِلَى عَائِشَة يجَأ عُنُقهَا، وَقَامَ عمر إِلَى حَفْصَة يجَأ عُنُقهَا، كِلَاهُمَا يَقُول: تسألن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا لَيْسَ عِنْده». الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث جَابر، قَالَ: وَمن الْمحَال الْمُبين أَن يضربا عَلَى حق.
تنبيهُُ: مَا نقل عَن الشَّافِعِي كَون من لفظ السّنة مَرْفُوعا قد نقل عَنهُ الدَّاودِيّ فِي شرح الْمُخْتَصر نَحوه أَيْضا، وَلَكِن فِي الْقَدِيم خَاصَّة فَقَالَ فِي بَاب أَسْنَان إبل الْخَطَأ: إِن الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم كَانَ يرَى أَن ذَلِك مَرْفُوع إِذا صدر من الصَّحَابِيّ أَو التَّابِعِيّ، ثمَّ رَجَعَ عَنهُ لأَنهم قد يطلقونه ويريدون سنة الْبَلَد. وَفِي الْأُم مَا يُوَافق الأول فِي بَاب ذكر الْكَفَن حَيْثُ قَالَ: وَابْن عَبَّاس وَالضَّحَّاك بن قيس صحابيان لَا يَقُولَانِ السّنة إِلَّا سنة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكر بعده بِقَلِيل مثله، وَظَاهره يَقْتَضِي أَن التَّابِعِيّ لَيْسَ كَذَلِك، وَحِينَئِذٍ يتَحَصَّل فِي الْمَسْأَلَة ثَلَاثَة أَقْوَال أنَّ الرّفْع بِالنِّسْبَةِ إِلَى الصَّحَابِيّ مَنْصُوص عَلَيْهِ فِي الْجَدِيد وَالْقَدِيم مَعًا فَيكون أرجح من عَكسه.
تَنْبِيه آخر: قَول الرَّافِعِيّ بعد إِيرَاده الحَدِيث السالف: وَيروَى: «من أعْسر بِنَفَقَة امْرَأَته فرق بَينهمَا». لَا أعلمهُ مرويًا بِهَذَا اللَّفْظ أصلا بعد الفحص عَنهُ.

.الحديث الثَّامِن:

ورد فِي الْخَبَر: «طَعَام الْوَاحِد يَكْفِي الِاثْنَيْنِ».
هَذَا صَحِيح، فَفِي صَحِيح مُسلم، من حَدِيث جَابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «طَعَام الْوَاحِد يَكْفِي الِاثْنَيْنِ، وَطَعَام الِاثْنَيْنِ يَكْفِي الْأَرْبَعَة، وَطَعَام الْأَرْبَعَة يَكْفِي الثَّمَانِية». وَهَذَا الحَدِيث وَقع ذكره فِي الْوَجِيز أَيْضا، وبيَّن الرَّافِعِيّ فِي تذنيبه رَاوِيه وَعَزاهُ إِلَى التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه من رِوَايَة جَابر وَإِلَى ابْن مَاجَه من رِوَايَة عمر، وَلَا شكّ أَن عزوه إِلَى صَحِيح مُسلم أولَى.

.الحديث التَّاسِع:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِن أطيب مَا أكل الرجل من كَسبه، وَولده من كَسبه فَكُلُوا من أَمْوَالهم».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة، وَابْن حبَان وَالْحَاكِم فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، قَالَت: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِن أطيب مَا أكلْتُم من كسبكم، وَإِن أَوْلَادكُم من كسبكم». هَذَا لَفظهمْ خلا ابْن مَاجَه فَإِن لَفظه: «مَا أطيب مَا أكل الرجل من كَسبه، وَإِن وَلَده من كَسبه» وَإِلَّا إِحْدَى روايتي أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم فَإِن لَفظهمْ: «ولد الرجل من كَسبه وَأطيب كَسبه فَكُلُوا من أَمْوَالهم».
وَلَيْسَ فِي رِوَايَة الْحَاكِم «وَأطيب كَسبه» وَفِي رِوَايَة لَهُ كَمَا أوردهُ الرَّافِعِيّ سَوَاء إِلَّا قَوْله: «فَكُلُوا من أَمْوَالهم». قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن. وَقَالَ الْحَاكِم فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة: هَذَا حَدِيث صَحِيح، عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: صَحَّ رَفعه من رِوَايَة يَحْيَى الْقطَّان وَلم يرفعهُ غَيره. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر من علله: سَأَلت أبي وَأَبا زرْعَة عَنهُ فَقَالَ: رُوِيَ عَن الْأسود، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا، وَعَن عمَارَة، عَن عمته، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا. فَقَالَ أبي: عَن عمَارَة أشبه وَأَرْجُو أَن يَكُونَا صَحِيحَيْنِ. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: رُوِيَ عَن إِبْرَاهِيم، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا أَيْضا. وَخَالف ابْن الْقطَّان فَقَالَ فِي كِتَابه الْوَهم والإِيهام: رُوِيَ تَارَة عَن عمَارَة عَن عمته، وَتارَة عَنهُ عَن أمه، وكلتاهما لَا تعرف. وَفِي رِوَايَة للْحَاكِم: «إنَّ أَوْلَادكُم هبة الله لكم، يهبُ لمن يَشَاء إِنَاثًا ويهبُ لمن يَشَاء الذُّكُور وَأَوْلَادكُمْ وَأَمْوَالهمْ لكم إِذا احتجتم إِلَيْهَا». ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح، عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ هَكَذَا، إِنَّمَا اتفقَا عَلَى حَدِيث: «أطيب مَا أكل الرجل من كَسبه وَولده من كَسبه».
هَذَا لَفظه، وَهُوَ عَجِيب مِنْهُ فَلم يُخرجهُ وَاحِد مِنْهُمَا، وَالزِّيَادَة وَهِي: «إِذا احتجتم إِلَيْهَا» رَوَاهَا الْبَيْهَقِيّ، وَقَالَ: لَيست بمحفوظة. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: إِنَّهَا مُنكرَة.