فصل: الحديث الثَّامِن بعد الْخمسين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الخَامِس بعد الثَّلَاثِينَ:

عَن عَمْرو بن حزم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ «وَفِي الشفتين الدِّيَة».
هَذَا الحَدِيث سلف بِطُولِهِ فِي بَاب مَا يجب بِهِ الْقصاص.

.الحديث السَّادِس بعد الثَّلَاثِينَ:

عَن عَمْرو بن حزم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «فِي اللِّسَان الدِّيَة».
هَذَا الحَدِيث تقدم فِي الْبَاب الْمشَار إِلَيْهِ وَاضحا، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن مَكْحُول أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «فِي اللِّسَان الدِّيَة».

.الحديث السَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن الْجمال، فَقَالَ: هُوَ اللِّسَان».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي تَرْجَمَة الْعَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن مُحَمَّد بن صَالح بن هَانِئ، ثَنَا الْحُسَيْن بن الْفضل ثَنَا مُوسَى بن دَاوُد الضَّبِّيّ، ثَنَا الحكم بن الْمُنْذر، عَن مُحَمَّد بن بشير الْخَثْعَمِي، عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَلّي بن الْحُسَيْن، عَن أَبِيه قَالَ: «أقبل الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَلِيهِ حلتان، وَله ظفيرتان وَهُوَ أَبيض، فَلَمَّا رَآهُ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم تَبَسم. فَقَالَ الْعَبَّاس: يَا رَسُول الله، مَا أضْحكك؟ أضْحك الله سنك. فَقَالَ: أعجبني جمال عَم النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ الْعَبَّاس: مَا الْجمال فِي الرجل؟ قَالَ: اللِّسَان» وَهَذَا مُرْسل لَا جرم، قَالَ ابْن طَاهِر فِي تَخْرِيج أَحَادِيث الشهَاب: إِنَّه مُنْقَطع ثمَّ سرد السَّند الَّذِي ذكرته، ثمَّ قَالَ: هَذَا إِسْنَاد مَجْهُول.
قلت: وَله طَرِيق آخر بإسنادٍ مظلم رَوَاهُ الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ من حَدِيث أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن الْجَارُود الرقي، ثَنَا هِلَال بن الْعَلَاء، ثَنَا مُحَمَّد بن مُصعب، ثَنَا الْأَوْزَاعِيّ، عَن ابْن الْمُنْكَدر، عَن جَابر، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «جمال الرجل فصاحة لِسَانه». ثمَّ قَالَ: أَحْمد هَذَا كَانَ كذابا، وَمن بلاياه هَذَا الحَدِيث، وذكره ابْن طَاهِر أَيْضا فِي الْكتاب الْمَذْكُور وقَالَ: لَعَلَّه من ابْن الْجَارُود، فَإِنَّهُ غير مُعْتَمد، وَمُحَمّد بن مُصعب لَيْسَ بِشَيْء.

.الحديث الثَّامِن بعد الثَّلَاثِينَ:

عَن عَمْرو بن حزم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «وَفِي السن خمس من الْإِبِل».
هَذَا الحَدِيث سلف بِطُولِهِ فِي بَاب مَا يجب بِهِ الْقصاص.

.الحديث التَّاسِع بعد الثَّلَاثِينَ:

عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «فِي كل سنّ خمس من الْإِبِل».
هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي الْبَاب فِي الحَدِيث الْخَامِس عشر مِنْهُ.

.الحديث الأَرْبَعُونَ:

عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «جعل رَسُول أَصَابِع الْيَد وَالرجل سَوَاء وَقَالَ: الْأَسْنَان سَوَاء، الثَّنية والضرس سَوَاء، وَهَذِه وهَذِه سَوَاء».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه أَبُو دَاوُد فِي سنَنه بِإِسْنَاد صَحِيح، كَذَلِك سَوَاء إِلَّا أَنه قَالَ فِي أَوله «الْأَصَابِع سَوَاء» بدل «أَصَابِع الْيَد وَالرجل سَوَاء». وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «هَذِه وَهَذِه» يَعْنِي: الْخِنْصر والإبهام. وَفِي رِوَايَة للإسماعيلي: «دِيَتهمَا سَوَاء» وَفِي أخري: «وَأَشَارَ إِلَى الْخِنْصر والإبهام» وَفِي رِوَايَة لِلتِّرْمِذِي قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «فِي دِيَة الْأَصَابِع الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ عشر من الْإِبِل لكل إِصْبَع» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب. قَالَ ابْن الْقطَّان: كَذَا قَالَ، وَلَا أعلم لَهُ عِلّة تمنع من تَصْحِيحه، فرجاله كلهم ثِقَات، وَلَا يَنْبَغِي أَن يعل بِعِكْرِمَةَ؛ لِأَن مَا قيل فِيهِ فِي الْحَقِيقَة شَيْء لَا يلْتَفت إِلَيْهِ وَلَا يعرج أهل الْعلم عَلَيْهِ.
قلت: لَا جرم، أخرجه ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَلَفظه «دِيَة الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ سَوَاء عشر من الْإِبِل لكل إِصْبَع». وَفِي رِوَايَة لَهُ: «الْأَسْنَان سَوَاء، والأصابع سَوَاء». وَفِي رِوَايَة لَهُ: «الْأَصَابِع سَوَاء هَذِه وَهَذِه». وَلابْن مَاجَه مِنْهُ: «الْأَسْنَان سَوَاء الثَّنية والضرس سَوَاء» وَرُوِيَ أَيْضا من غير طَرِيق ابْن عَبَّاس، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه، من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، مَرْفُوعا: «فِي كل إِصْبَع عشر من الْإِبِل، وَفِي كل سنّ خمس من الْإِبِل، والأصابع والأسنان سَوَاء» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَابْن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث أبي مُوسَى، قَالَ: «قَضَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الْأَصَابِع سَوَاء عشرا عشرا من الْإِبِل».

.الحديث الحَادِي بعد الْأَرْبَعين:

عَن معَاذ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: «فِي الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ الدِّيَة، وَفِي إِحْدَاهمَا نصفهَا».
هَذَا الحَدِيث من هَذَا الْوَجْه غَرِيب، ويغني عَنهُ حَدِيث عَمْرو بن حزم، وَعَمْرو بن شُعَيْب السالفين مَعَ الْإِجْمَاع.

.الحديث الثَّانِي بعد الْأَرْبَعين:

عَن عَمْرو بن حزم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «فِي الْيَدَيْنِ مائَة من الْإِبِل، وَفِي الْيَد خَمْسُونَ، وَفِي كل أصْبع من أَصَابِع الْيَد وَالرجل: عشر من الْإِبِل» وَفِي لفظ: «كل أصْبع مِمَّا هُنَالك عشر من الْإِبِل»
هَذَا الحَدِيث سلف فِي بَاب مَا يجب بِهِ الْقصاص فَرَاجعه مِنْهُ.

.الحديث الثَّالِث بعد الْأَرْبَعين:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قطع السَّارِق من الْكُوع».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده: «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بِقطع السَّارِق من الْمفصل» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِمثلِهِ من حَدِيث عدي بن ثَابت وَجَابِر بن عبد الله، وَرَوَاهُ ابْن عدي، ثمَّ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عبد الله بن عمر قَالَ: «قطع رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سَارِقا من الْمفصل» وَفِي إِسْنَاده عبد الرَّحْمَن بن سَلمَة وَلَا يعرف لَهُ حَال كَمَا قَالَ ابْن الْقطَّان، وَلَيْث حَاله مَعْرُوف.

.الحديث الرَّابِع بعد الْأَرْبَعين:

عَن عَمْرو بن حزم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «وَفِي الذّكر الدِّيَة، وَفِي الْأُنْثَيَيْنِ الدِّيَة» وَيروَى: «فِي البيضتين».
هَذَا الحَدِيث سلف فِي بَاب مَا يجب بِهِ الْقصاص، فَرَاجعه مِنْهُ، وَفِي مَرَاسِيل أبي دَاوُد من حَدِيث معمر، عَن الزُّهْرِيّ «قَضَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الذّكر الدِّيَة» وفيهَا أَيْضا من حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن مَكْحُول، أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «فِي الذّكر الدِّيَة، وَفِي الْأُنْثَيَيْنِ الدِّيَة».

.الحديث الخَامِس بعد الْأَرْبَعين:

عَن عَمْرو بن حزم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «فِي الرجلَيْن الدِّيَة، وَفِي الْوَاحِدَة نصفهَا».
هَذَا الحَدِيث سلف فِي الْبَاب الْمشَار إِلَيْهِ قبل، فَرَاجعه مِنْهُ.

.الحديث السَّادِس بعد الْأَرْبَعين:

عَن عَمْرو بن حزم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «فِي الْعقل الدِّيَة».
هَذَا الحَدِيث لَا أعلم من رَوَاهُ فِي كتاب عَمْرو بن حزم هَذَا بعد الْبَحْث عَنهُ، وكأنَّ الرَّافِعِيّ تبع الْمَاوَرْدِيّ فَإِنَّهُ رَوَاهُ كَذَلِك، وَالَّذِي أعرفهُ أَنه من رِوَايَة معَاذ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كَمَا أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه، وَقَالَ: إِن إِسْنَاده لَيْسَ بِالْقَوِيّ أَي لِأَن فِي إِسْنَاده رشدين بن سعد، وَعبد الرَّحْمَن الأفريقي وَقد ضعفا، وَعبادَة بن نسي وَفِيه ضعف كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ. قَالَ: وروينا، عَن عمر بن الْخطاب مَا دلّ عَلَى «أَنه قَضَى فِي الْعقل بِالدِّيَةِ». وَعَن زيد بن ثَابت مثله، وَفِي روايةٍ لَهُ عَن زيد: «مَضَت السّنة فِي الْعقل إِذا ذهب الدِّيَة»، وإسنادها صَحِيح.

.الحديث السَّابِع بعد الْأَرْبَعين:

عَن معَاذ بن جبل رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «فِي الْبَصَر الدِّيَة».
هَذَا الحَدِيث غَرِيب، لَا أعلم من خرجه بعد الْبَحْث عَنهُ.

.الحديث الثَّامِن بعد الْأَرْبَعين:

عَن معَاذ بن جبل رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «فِي السّمع الدِّيَة».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَفِي إِسْنَاده مَا فِي حَدِيث: «فِي الْعقل الدِّيَة» وَقد سلف قَرِيبا بَيَانه. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وروينا عَن عمر بن الْخطاب مَا دلّ عَلَى «أَنه قَضَى فِي السّمع بِالدِّيَةِ». قَالَ: وَعَن زيد بن ثَابت وَسَعِيد بن الْمسيب وَرَبِيعَة وَمَكْحُول وَيَحْيَى بن سعيد وَالشعْبِيّ وَإِبْرَاهِيم وَغَيرهم مثله.

.الحديث التَّاسِع بعد الْأَرْبَعين:

عَن عَمْرو بن حزم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «فِي الشم الدِّيَة».
هَذَا الحَدِيث غَرِيب، لَا أعلم من خرجه لَا من هَذَا الْوَجْه، وَلَا من غَيره بعد الْبَحْث عَنهُ، وَكَأن الرَّافِعِيّ قلد الْمَاوَرْدِيّ فِي إِيرَاده فَإِنَّهُ قَالَ: حَكَى بعض الروَاة عَن عَمْرو بن حزم أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة والسَّلام قَالَ: «و فِي الشم الدِّيَة».

.الحديث الخَمْسُونَ:

عَن عَمْرو بن حزم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «فِي الصلب الدِّيَة».
هَذَا الحَدِيث سلف بَيَانه فِي بَاب مَا يجب بِهِ الْقصاص. وَفِي مَرَاسِيل أبي دَاوُد من حَدِيث يزِيد بن عبد الله بن الْهَاد اللَّيْثِيّ، عَن الزُّهْرِيّ: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَضَى فِي الصلب بِالدِّيَةِ».

.الحديث الحَادِي وَالْخَمْسُونَ:

أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الْبِئْر جَبَّار».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مطولا: «العجماء جرحها جُبَار، والبئر جُبَار، والمعدن جُبَار، وفِي الرِّكَاز الْخمس».
فَائِدَة: فِي رِوَايَة لأبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه: «وَالنَّار جُبَار». لَكِنَّهَا وهيت، قَالَ أَحْمد فِيمَا نَقله الْبَيْهَقِيّ: هَذِه الرِّوَايَة لَيست بِشَيْء، لم تكن فِي الْكتب وَهِي بَاطِلَة لَيست صَحِيحَة. وَقَالَ الْخطابِيّ: لم أزل أسمع أهل الحَدِيث، يَقُولُونَ: غلط فِيهِ عبد الرَّزَّاق، إِنَّمَا هُوَ «الْبِئْر جُبَار» حَتَّى وجدته لأبي دَاوُد، عَن عبد الْملك الصَّنْعَانِيّ، عَن معمر، فَدلَّ أَن الحَدِيث لم ينْفَرد بِهِ عبد الرَّزَّاق.
قلت: وَعبد الْملك هَذَا ضعفه همام بن يُوسُف وَأَبُو الْفَتْح الْأَزْدِيّ. وَقَالَ بَعضهم: هُوَ تَصْحِيف «الْبِئْر» فَإِن أهل الْيمن يميلون الْيَاء ويكسرون النُّون، فَسَمعهُ بَعضهم عَلَى الإمالة فَكَتبهُ بِالْيَاءِ فنقلوه مُصحفا. فعلَى هَذَا، الَّذِي ذكره هُوَ عَلَى الْعَكْس مِمَّا قَالَه، فَإِن صَحَّ نَقله فَهِيَ النَّار يوقدها الرجل فِي ملكه لأربٍ فيطيرها الرّيح فتتلف مَتَاعا لغيره بِحَيْثُ لَا يملك ردهَا فَيكون هدرا. وَكَذَا قَالَ ابْن معِين عَلَى مَا حَكَاهُ صَاحب التَّمْهِيد أَصله «الْبِئْر جَبَّار» وَلكنه صحفه معمر. ثمَّ قَالَ أَبُو عمر: فِي قَوْله نظر، وَلَا يسلم لَهُ حَتَّى يَتَّضِح. وَقَالَ فِي الاستذكار: لم يَأْتِ ابْن معِين عَلَى ذَلِك بِدَلِيل، وَلَيْسَ هَكَذَا ترد أَحَادِيث الثِّقَات. وَخَالف أَبُو مُحَمَّد بن حزم فَقَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح تقوم بِهِ الْحجَّة.
فَائِدَة ثَانِيَة: فِي رِوَايَة لأبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ: «وَالرجل جُبَار» وَهِي واهية أَيْضا. قَالَ الشَّافِعِي: هَذِه الرِّوَايَة غلط؛ لِأَن الْحفاظ لم يحفظوها هَكَذَا. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ: لم يروها غير سُفْيَان بن حُسَيْن وَخَالفهُ الْحفاظ عَن الزُّهْرِيّ فَلم يذكرُوا هَذِه الزِّيَادَة وَبسط الْبَيْهَقِيّ القَوْل فِي تضعيفها فِي خلافياته وسنَنه. وَقَالَ الْخطابِيّ: تكلم النَّاس فِي هَذَا الحَدِيث، وَقيل: إِنَّه غير مَحْفُوظ وسُفْيَان بن حُسَيْن مَعْرُوف بِسوء الْحِفْظ.
فَائِدَة ثَالِثَة: فِي رِوَايَة للطبراني فِي أكبر معاجمه من حَدِيث ابْن مَسْعُود مَرْفُوعا: «والسائمة جُبَار» وَفِي إسنادها الْحسن بن عمَارَة أحد الهلكى، وَرَوَاهَا أَحْمد فِي مُسْنده عَن خلف بن الْوَلِيد، ثَنَا عباد بن عباد، عَن مجَالد، عَن الشّعبِيّ، عَن جَابر رَفعه: «السَّائمة جَبَّار والمعدن جَبَّار، وَفِي الرِّكَاز الْخمس».
فَائِدَة رَابِعَة: «العجماء» مَمْدُود: الْبَهِيمَة، سميت بذلك لِأَنَّهَا لَا تنطق و«الجُبَار»: الهدر، وَقد رَأَيْت هَذَا التَّفْسِير فِي آخر الحَدِيث. قَالَ عبد الله بن أَحْمد فِي الْمسند: ثَنَا أَبُو كَامِل الجحدري حَدثنَا الْفضل بن سُلَيْمَان، حَدثنِي مُوسَى بن عقبَة، عَن إِسْحَاق بن يَحْيَى بن الْوَلِيد بن عبَادَة بن الصَّامِت أَنه، قَالَ:
«إِن من قَضَاء رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الْبِئْر جُبار، والمعدن جُبَار، والعجماء جرحها جَبَّار» والعجماء: الْبَهِيمَة من الْأَنْعَام وَغَيرهَا، والجبار: هُوَ الهدر الَّذِي لَا يغرم ثمَّ ذكره مطولا، كَذَا رَأَيْت فِي الْمسند إِسْحَاق بن يَحْيَى بن الْوَلِيد بن عبَادَة بن الصَّامِت، وَلَعَلَّه عَن عبَادَة، فَإِن الْمَعْرُوف أَنه يروي عَن جد أَبِيه عبَادَة كَمَا هُوَ فِي ابْن مَاجَه، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: لم يُدْرِكهُ. قَالَ الذَّهَبِيّ: وَعنهُ مُوسَى بن عقبَة فَقَط وقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: إِسْحَاق بن يَحْيَى بن أخي عبَادَة بن الصَّامِت. وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان: إِسْحَاق بن يَحْيَى، عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى بن عبَادَة بن الصَّامِت، قَالَ ابْن عدي: أَحَادِيثه غير مَحْفُوظَة. وَقَوله: «جرحها»: قَالَ بَعضهم هُوَ هُنَا بِفَتْح الْجِيم عَلَى الْمصدر لَا غير قَالَ: فَأَما الجُرح بِالضَّمِّ فالاسم. قَالَ الْمُنْذِرِيّ: وَأكْثر مَا يقْرَأ هَذَا بِالضَّمِّ.

.الحديث الثَّانِي بعد الْخمسين:

«أَن عمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مر تَحت ميزاب الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب فقطر عَلَيْهِ قطرات، فَأمر بنزعه، فَخرج الْعَبَّاس فَقَالَ: أتقلع ميزابًا نَصبه رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَدِهِ! فَقَالَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: وَالله لَا ينصبنه إِلَّا من يرقى عَلَى ظَهْري. وانحنى للْعَبَّاس حَتَّى رقي عَلَيْهِ فَأَعَادَهُ إِلَى مَوْضِعه».
هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي كتاب الصُّلْح، وَاضحا من حَدِيث ابْن عَبَّاس، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مراسيله عَن أَحْمد بن عَبدة، عَن سُفْيَان عَن أبي هَارُون الْمدنِي، قَالَ: «كَانَ فِي دَار الْعَبَّاس ميزاب يصب فِي الْمَسْجِد، فجَاء عمر فقلعه، فَقَالَ الْعَبَّاس: إِن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ الَّذِي صنعه بِيَدِهِ. فَقَالَ لَهُ عمر: لَا يكون لَك سلم إِلَّا ظَهْري حَتَّى ترده مَكَانَهُ».

.الحديث الثَّالِث بعد الْخمسين:

رُوِيَ: «أَن نَاسا بِالْيمن حفروا زُبية للأسد فَوَقع الْأسد فِيهَا، فازدحم النَّاس عَلَيْهَا، فتردى فِيهَا وَاحِد فَتعلق بِوَاحِد فَجَذَبَهُ، وجذب الثَّانِي ثَالِثا، وَالثَّالِث رَابِعا، فَرفع ذَلِك إِلَى عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَقَالَ: للْأولِ ربع الدِّيَة، وَللثَّانِي الثُّلُث، وللثالث النّصْف، وللرابع الْجَمِيع. فَرفع ذَلِك إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَمْضَى قَضَاءَهُ».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار فِي مسنديهما، وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من رِوَايَة حَنش بن الْمُعْتَمِر الْكِنَانِي الصَّنْعَانِيّ قَالَ: ثَنَا عَلّي بن أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «لما بَعَثَنِي النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْيمن انتهينا إِلَى قوم قد بنوا زُبية للأسد فَبينا هم كَذَلِك يتدافعون إِذْ سقط رجل فَتعلق بآخر، ثمَّ تعلق الرجل بآخر حَتَّى صَارُوا أَرْبَعَة، فجرحهم الْأسد، فَانْتدبَ لَهُ رجل بِحَرْبَة فَقتله، وماتوا من جراحهم كلهم فَقَامُوا أَوْلِيَاء الأول إِلَى أَوْلِيَاء الآخر فأخرجوا السِّلَاح ليقتتلوا، فَأَتَاهُم عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَلَى تفيئة ذَلِك فَقَالَ: تُرِيدُونَ أَن تقتتلوا وَرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حيُُّ؟ إِنِّي أَقْْضِي بَيْنكُم قَضَاء إِن رَضِيتُمْ بِهِ فَهُوَ الْقَضَاء وَإِلَّا يحْجر بَعْضكُم عَلَى بعض حَتَّى تَأْتُوا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيكون هُوَ الَّذِي يقْضِي بَيْنكُم فَمن عدا بعد ذَلِك فَلَا حق لَهُ، اجْمَعُوا من قبائل الْعَرَب الَّذين حفروا الْبِئْر ربع الدِّيَة وَثلث الدِّيَة وَنصف الدِّيَة وَالدية كَامِلَة، فللأول ربع الدِّيَة، لِأَنَّهُ هلك من فَوْقه ثَلَاثَة، وَللثَّانِي ثلث الدِّيَة، وللثالث نصف الدِّيَة، وللرابع الدِّيَة كَامِلَة فَأَبَوا أَن يرْضوا، فَأتوا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ عِنْد مقَام إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فقصوا عَلَيْهِ الْقِصَّة فَقَالَ: أَنا أَقْْضِي بَيْنكُم، واحتبى، فَقَالَ رجل من الْقَوْم: إِن عليا قَضَى فِينَا فقصوا عَلَيْهِ الْقِصَّة فَأَجَازَهُ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم». هَذَا لفظ أَحْمد، وَلَفظ الْبَزَّار وَالْبَيْهَقِيّ بِنَحْوِهِ، وَفِي روايتهما: «للْأولِ ربع الدِّيَة من أجل أَنه هلك من فَوْقه ثَلَاثَة، وَالثَّانِي ثلث دِيَة لِأَنَّهُ هلك من فَوْقه اثْنَان، وللثالث نصف دِيَة لِأَنَّهُ هلك من فَوْقه وَاحِد، وَللْآخر الدِّيَة كَامِلَة». وَفِي رِوَايَة: «وَجعل الدِّيَة عَلَى قبائل الَّذين ازدحموا». وحنش هَذَا هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَبَعْضهمْ يَقُول: ابْن ربيعَة، تَابِعِيّ رَوَى عَنهُ سماك وَالْحكم بن عتيبة قَالَ البُخَارِيّ: يَتَكَلَّمُونَ فِي حَدِيثه. وَأورد لَهُ فِي ضُعَفَائِهِ هَذَا الحَدِيث، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن حبَان: لَا يحْتَج بِهِ، ينْفَرد عَن عليّ بأَشْيَاء لَا تشبه حَدِيث الثِّقَات. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِنَّه غير مُحْتَج بِهِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: كَانَ عبدا صَالحا، وَلَيْسَ أَرَاهُم يحتجون بحَديثه. وَوَثَّقَهُ أَبُو دَاوُد، وَقَالَ الْبَزَّار فِي حَدِيثه هَذَا: لَا نعلمهُ يروي إِلَّا عَن عَلّي، وَلَا نعلم لَهُ طَرِيقا عَن عليٍّ إِلَّا هَذَا الطَّرِيق وَقَالَ الرَّافِعِيّ: الناصرون للأصح فِي الْمَسْأَلَة لم يثبتوا قصَّة عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَرُبمَا تكلفوا تَأْوِيلهَا. وَقَالَ صَاحب الشَّامِل: إِنَّه حَدِيث ضَعِيف لَا يُثبتهُ أهل النَّقْل، وَالْقِيَاس خِلَافه، وَكَذَا فِي الْبَيَان أَيْضا.

.الحديث الرَّابِع بعد الْخمسين:

«أَن امْرَأتَيْنِ من هُذَيْل اقتتلتا، فرمت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى بِحجر- وَيروَى بعمود فسطاط- فقتلتها فَأسْقطت جَنِينا فَقَضَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَة القاتلة، وَفِي الْجَنِين بغرة عبدٍ أَو أمة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا. من حَدِيث أبي هُرَيْرَة والمغيرة بن شُعْبَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما مطولا، وَقد سلف فِي أَوَائِل الْبَاب طرفا مِنْهُ.

.الحديث الخَامِس بعد الْخمسين:

عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن امْرَأتَيْنِ من هُذَيْل اقتتلتا، فقتلت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى وَلكُل وَاحِدَة مِنْهُمَا زوج وَولد، فَقَضَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بدية المقتولة عَلَى عَاقِلَة القاتلة، وبرأ الزَّوْج وَالْولد، ثمَّ مَاتَت القاتلة فَجعل النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مِيرَاثهَا لبنيها وَالْعقل عَلَى الْعصبَة».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن يَحْيَى بن حسان، أبنا اللَّيْث بن سعد، عَن ابْن شهَاب، عَن ابْن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة: «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَضَى فِي جَنِين امْرَأَة من بني لحيان سقط مَيتا بغرة عبد أَو أمة، ثمَّ إِن الْمَرْأَة الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا بالغرة توفيت، فَقَضَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن مِيرَاثهَا لابنتها وَزوجهَا، وَالْعقل عَلَى عصبتها». وَرَوَاهُ الشَّيْخَانِ كَذَلِك فِي صَحِيحَيْهِمَا، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد: «ثمَّ إِن الْمَرْأَة الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا بالغرة توفيت فَقَضَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَن مِيرَاثهَا لبنيها، وَأَن الْعقل عَلَى عصبتها». وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه من حَدِيث مجَالد، عَن الشّعبِيّ، عَن جَابر بن عبد الله: «أَن امْرَأتَيْنِ من هُذَيْل قتلت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى، وَلكُل وَاحِدَة مِنْهُمَا زوج وَولد، قَالَ: فَجعل النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم دِيَة المقتولة عَلَى عَاقِلَة القاتلة وبرأ زَوجهَا وَوَلدهَا قَالَ: فَقَالَت عَاقِلَة المقتولة: مِيرَاثهَا لنا. قَالَ: فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا مِيرَاثهَا لزَوجهَا وَوَلدهَا» مجَالد ضعَّفوه، وَقَالَ يَحْيَى بن معِين مرّة: صَالح. وَوَقع فِي أصل الرَّوْضَة تَصْحِيح هَذَا الحَدِيث، وَهَذَا لَفظه: وَفِي الحَدِيث الصَّحِيح «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَضَى بدية المقتولة عَلَى عَاقِلَة القاتلة وبرأ زَوجهَا وَوَلدهَا» انْتَهَى. وَقد عرفت مَا فِيهِ، وَفِي الطَّبَرَانِيّ الْكَبِير ومعرفَة الصَّحَابَة لأبي نُعَيْم- والسياق لَهُ- من حَدِيث الْمنْهَال بن خَليفَة، عَن سَلمَة بن تَمام، عَن أبي الْمليح الْهُذلِيّ، عَن أَبِيه قَالَ: «كَانَ فِينَا رجل يُقَال لَهُ: حمل بن مَالك، لَهُ امْرَأَتَانِ إِحْدَاهمَا هذلية وَالْأُخْرَى عامرية، فَضربت الهذلية بطن العامرية بعمود...» الحَدِيث. وَفِيه. فَقَالَ عمرَان بن عُوَيْمِر أَخُو الضاربة أندي من لَا أكل إِلَى آخِره، وَفِيه: «دَعْنِي من رجز الْأَعْرَاب، فِيهِ غُرَّةٌ: عَبْدٌ أَو أمة، أَو خَمْسمِائَة، أَو فرس، أَو عشرُون وَمِائَة شَاة. فَقَالَ: يَا نَبِي الله! إِن لَهَا ابْنَيْنِ هما سادة الْحَيّ وهما أَحَق أَن يعقلوا عَن أمّهم قَالَ: أَنْت أَحَق أَن تعقل عَن أختك من وَلَدهَا. قَالَ: مَالِي شَيْء أَعقل فِيهِ. فَقَالَ: يَا حمل بن مَالك- وَهُوَ يَوْمئِذٍ عَلَى صدقَات هُذَيْل، وَهُوَ زوج الْمَرْأَتَيْنِ وَأَبُو الْجَنِين الْمَقْتُول- اقبض من تَحت يدك من صدقَات هُذَيْل عشْرين وَمِائَة شَاة. فَفعل».

.الحديث السَّادِس بعد الْخمسين:

«أَن رجلا أَتَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَهُ ابْنه فَقَالَ: من هَذَا؟ فَقَالَ: ابْني. فَقَالَ: أما إِنَّه لَا يجني عَلَيْك وَلَا تجني عَلَيْهِ».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم من رِوَايَة أبي رمثة قَالَ «خرجت مَعَ أبي حَتَّى أتيت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَرَأَيْت بِرَأْسِهِ ردع حناء، وَقَالَ لأبي: هَذَا ابْنك؟ قَالَ: نعم. قَالَ: أما إِنَّه لَا تجني عَلَيْهِ وَلَا يجني عَلَيْك وَقَرَأَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى}» وَلَيْسَ فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: وَقَرَأَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَأخرجه أَحْمد أَيْضا وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث عَمْرو بن الْأَحْوَص «أَنه شهد حجَّة الْوَدَاع مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يجني جَان إِلَّا عَلَى نَفسه، لَا يجني وَالِد عَلَى وَلَده، وَلَا مَوْلُود عَلَى وَالِده». قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث صَحِيح. وَأخرجه أَحْمد وَابْن مَاجَه من رِوَايَة الخشخشاش الْعَنْبَري قَالَ: «أتيت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعِي ابْني، فَقَالَ: ابْنك هَذَا؟ فَقلت: نعم. قَالَ: لَا يجني عَلَيْك وَلَا تجني عَلَيْهِ». وَلأَحْمَد وَالنَّسَائِيّ- مَعْنَى هَذَا الحَدِيث- من رِوَايَة ثَعْلَبَة من زَهْدَم الْيَرْبُوعي، وللنسائي وَابْن مَاجَه وَابْن حبَّان من رِوَايَة طَارق الْمحَاربي، وَلابْن مَاجَه بن رِوَايَة أُسَامَة بن شريك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم.
فَائِدَة: قَالَ الرَّافِعِيّ: لَيْسَ المُرَاد من الحَدِيث الْمَذْكُور نفي نَفْس الْجِنَايَة، وَإِنَّمَا الْمَعْنى أَنه لَا يلزمك مُوجب جِنَايَته، وَلَا يلْزمه مُوجب جنايتك.

.الحديث السَّابِع بعد الْخمسين:

عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «مَا كَانَت تقطع الْيَد فِي عهد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الشَّيْء التافه».
هَذَا الحَدِيث سلف الْكَلَام عَلَيْهِ فِي كتاب اللّقطَة فَرَاجعه مِنْهُ.

.الحديث الثَّامِن بعد الْخمسين:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل الدِّيَة عَلَى الْعَاقِلَة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَقد سلف قَرِيبا فَرَاجعه.

.الحديث التَّاسِع بعد الْخمسين:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا تحمل الْعَاقِلَة عمدا وَلَا اعترافًا».
هَذَا الحَدِيث غَرِيب بِهَذَا اللَّفْظ وَعَزاهُ الإِمَام فِي نهايته إِلَى رِوَايَة الْفُقَهَاء، فَقَالَ: قد رَوَى الْفُقَهَاء، أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا تحمل الْعَاقِلَة عبدا وَلَا اعترافًا»، وغالب ظَنِّي أَن الصَّحِيح الَّذِي أوردهُ أَئِمَّة الحَدِيث: «لَا تحمل الْعَاقِلَة عمدا وَلَا اعترافًا» فَلَو صَحَّ النَّقْل فِي العَبْد عَسُر التَّأْوِيل. وكأنَّ الرَّافِعِيّ تبعه فَإِنَّهُ قَالَ فِي أَوَاخِر الْبَاب إِن هَذَا الحَدِيث مِمَّا تكلمُوا فِي ثُبُوته، وَنقل ابْن الصّباغ أَن الْخَبَر لم يثبت مُتَّصِلا، وَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوف عَلَى ابْن الْعَبَّاس.
قلت: وَالْمَعْرُوف فِي كتب الحَدِيث مَا فِي سنَن الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث ابْن وهب عَن الْحَارِث بن نَبهَان، عَن مُحَمَّد بن سعيد عَن رَجَاء بن حَيْوَة، عَن جُنَادَة بن أبي أُميَّة، عَن عبَادَة بن الصَّامِت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا تجْعَلُوا عَلَى الْعَاقِلَة من دِيَة الْمُعْتَرف شَيْئا». وَهَذَا إِسْنَاد ضَعِيف، الْحَارِث مَتْرُوك مُنكر الحَدِيث، كَمَا قَالَه أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ. وَمُحَمّد بن سعيد- أَظُنهُ المصلوب- الشَّامي الْكذَّاب الوضاع، قَالَ أَحْمد: حَدِيثه حَدِيث مَوْضُوع. وَاعْترض ابْن الْقطَّان عَلَى عبد الْحق حَيْثُ أعل الحَدِيث بِمُحَمد بن سعيد، وَقَالَ: أَظُنهُ المصلوب وَأصَاب فِي تشككه فِيهِ. وَلكنه ترك من لَا يشك فِي تَعْلِيله بِهِ وَهُوَ الْحَارِث بن نَبهَان.
وَرُوِيَ عَن جماعات مَوْقُوفا عَلَيْهِم رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة عَامر عَن عمر أَنه قَالَ: «الْعمد وَالْعَبْد وَالصُّلْح وَالِاعْتِرَاف لَا تعقله الْعَاقِلَة». قَالَ الْبَيْهَقِيّ: كَذَا قَالَ: عَن عَامر، عَن عمر، وَهُوَ عَن عمر مُنْقَطع. قلت: وَضَعِيف، فَإِن فِيهِ عبد الْملك بن حُسَيْن وَقد ضَعَّفُوهُ قَالَ: وَالْمَحْفُوظ أَنه عَن عَامر الشّعبِيّ من قَوْله: «لَا تعقل الْعَاقِلَة عبدا وَلَا عمدا وَلَا صلحا وَلَا اعترافًا». وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من هَذِه الطَّرِيق، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَيْضا أَنه قَالَ: «لَا تحمل الْعَاقِلَة عمدا وَلَا صلحا وَلَا اعترافًا وَلَا مَا جنَى الْمَمْلُوك» وَرَوَى مَالك فِي الْمُوَطَّأ عَن الزُّهْرِيّ أَنه قَالَ: «مَضَت السّنة أَن الْعَاقِلَة لَا تحمل شَيْئا من دِيَة الْعمد إِلَّا أَن تعينه الْعَاقِلَة من طيب نَفْس» قَالَ مَالك: وحَدثني يَحْيَى بن سعيد مثل ذَلِك، قَالَ يَحْيَى: وَلم أدْرك النَّاس إِلَّا عَلَى ذَلِك، وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن أبي الزِّنَاد، عَن الْفُقَهَاء من أهل الْمَدِينَة أَنهم كَانُوا يَقُولُونَ: «لَا تحمل الْعَاقِلَة مَا كَانَ عمدا وَلَا بصلح وَلَا اعْتِرَاف وَلَا ماجنى الْمَمْلُوك، إِلَّا أَن يُحِبُّوا ذَلِك طولا مِنْهُم».