فصل: الحديث الثَّامِن عشر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث العَاشِر:

عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام جَاءَ إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَعرف صَوته وَهُوَ خارجٌ، فَقَالَ: ادخلْ. فَقَالَ: إِن فِي الْبَيْت سترا فِيهِ تماثيل؛ فَاقْطَعُوا رءوسَهَا واجعلوه بسطًا أَو وسائد».
هَذَا الحَدِيث يُرْوَى عَنهُ بألفاظٍ:
مِنْهَا: «أَن جِبْرِيل جَاءَ فسلَّم عَلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَعرف رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صَوْتَه فَقَالَ: ادخلْ، فَقَالَ: إِن فِي الْبَيْت سترا فِيهِ تماثيل، فَاقْطَعُوا رءوسها واجعلوه بسطًا أَو وسائد؛ فأوطئوه؛ فَإنَّا لَا ندخلُ بَيْتا فِيهِ تصاوير».
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه.
وَمِنْهَا: «أَن جِبْرِيل أَتَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي بَيت نبيِّ الله سترٌ فِيهِ تماثيل، فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: ادخلْ. فَقَالَ: إِنَّا لَا ندخل بَيْتا فِيهِ تماثيل، فَإِن كنتَ لابد جاعلًا فِي بَيْتك فاقطعْ رءوسها، أَو اقطعْهَا وسائد، واجعلْهَا بسطًا».
رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه.
وَمِنْهَا: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: أَتَانِي جبريلُ فَقَالَ: إِنِّي أتيتُكَ البارحة فَلم يَمْنعنِي أَن أكون دخلتُ إِلَّا أَنه كَانَ فِي الْبَيْت قرام ستر فِيهِ تماثيل، وَكَانَ فِي الْبَيْت كلب، وَعَلَى الْبَاب تِمْثَال الرِّجَال. فَمر بِرَأْس التمثال فَيُقْطع، فَيصير كَهَيئَةِ الشَّجَرَة، وَمر بالقرام فَيُجعل مِنْهُ وسادتين تُوطآن، وبالكلب فليُخرج- قَالَ: وَكَانَ الْكَلْب جَرْوًا لِلْحسنِ- أَو للحسين- بْنِ عليّ يلْعَب بِهِ، كَانَ تَحت نضد لَهُ، فَأمر بِهِ فأُخْرجَ».
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ. وَقَالَ حَدِيث صَحِيح.
وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه بِمَعْنَاهُ، وَفِي آخرِهِ: «ثمَّ أَتَانِي جِبْرِيل، فَمَا زَالَ يوصيني بالجار، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنه سيورِّثه».
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ بِلَفْظ: «اسْتَأْذن جبريلُ عَلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: ادخلْ، فَقَالَ: كَيفَ أَدخل وَفِي بَيْتك سترٌ فِيهِ تصاوير، إِمَّا أَن تُقطع رءوسها، أَو تجْعَل بسطًا توطأُ؛ فَإنَّا معشر الْمَلَائِكَة لَا ندخل بَيْتا فِيهِ تصاوير».
وَرَوَاهُ مُسلم مُخْتَصرا بِلَفْظ: أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «لَا تدخل الْمَلَائِكَة بَيْتا فِيهِ تصاوير أَو تماثيل».

.الحديث الحَادِي عشر:

عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: «أَنه لما رَوَى أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَنْ صوَّر صُورَة عُذِّب وكُلِّف أَن ينْفخ الرّوح فِيهَا، وَلَيْسَ بنافخ فِيهَا أَتَاهُ رجلٌ مصوِّرٌ فَقَالَ: مَا أعرفُ صَنْعَة غَيرهَا. قَالَ ابْن عَبَّاس: إِن لم يكن لَك بُدٌّ فصوِّر الْأَشْجَار».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث سعيد بن أبي الْحسن قَالَ: «جَاءَ رجل إِلَى ابْن عَبَّاس فَقَالَ: إِنِّي رجل أصوِّرُ هَذِه الصُّور، فأفتني فِيهَا. فَقَالَ لَهُ: ادْنُ منِّي، فَدَنَا مِنْهُ، ثمَّ قَالَ: ادن مني. فَدَنَا حَتَّى وضع يَده عَلَى رَأسه، فَقَالَ: أنبئك بِمَا سمعتُ من رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: كل مصوِّرٍ فِي النَّار، يَجْعَل لَهُ بِكُل صورةٍ صورها نفسٌ، فتعذبه فِي جَهَنَّم فَقَالَ: إِن كنْتَ لابد فَاعِلا فَاصْنَعْ الشّجر وَمَا لَا نَفْس لَهُ».
وَأخرجه مُسلم من حَدِيث النَّضر بن أنس بن مَالك قَالَ: «كنتُ جَالِسا عِنْد ابْن عَبَّاس فَجعل يُفْتِي وَلَا يَقُول قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى سَأَلَهُ رجل فَقَالَ: إِنِّي رجل أصوِّرُ هَذِه الصُّور. فَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس: ادْنُهُ. فَدَنَا الرجل، فَقَالَ ابْن عَبَّاس: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: مَنْ صوَّر صُورَة فِي الدُّنْيَا كُلِّف أَن ينْفخ فِيهَا الرّوح يَوْم الْقِيَامَة وَلَيْسَ بنافخٍ».
وللبخاري: «مَنْ صوَّر صُورَة فَإِن الله معذِّبه حَتَّى ينْفخ فِيهَا الرّوح، وَلَيْسَ بنافخٍ فِيهَا أبدا».

.الحديث الثَّانِي عشر:

قَالَ الرَّافِعِيّ: وَفِي نَسْج الثِّيَاب المصوَّرة وَجْهَان:
أَحدهمَا: التجويز، وَإِلَيْهِ ذهب الْجُوَيْنِيّ، لِأَنَّهَا قد لَا تُلبْس.
وَثَانِيهمَا: الْمَنْع، وَرجحه الإمامُ، والغزاليُّ فِي الْوَسِيط تمسكًا بِمَا ورد فِي الْخَبَر مِنْ لْعنِ المصوِّرين.
وَهَذَا صَحِيح، فَفِي البُخَارِيّ من حَدِيث عون بن أبي جُحَيْفَة قَالَ: «رأيتُ أبي اشْتَرَى غُلَاما حجَّامًا، فَأمر بمحاجمه فَكُسِرَتْ، فَسَأَلته عَن ذَلِك قَالَ: إِن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن ثمن الدَّم، وَثمن الْكَلْب، وكَسْب الأَمَة، وَلعن آكل الرِّبَا، وموكله، والواشمة، والمستوشمة، وَلعن المصوِّر».
هَذَا لَفظه قبل بَاب السّلم، وَلَفظه فِي بَاب مهر الْبَغي وَالنِّكَاح الْفَاسِد من كتاب النِّكَاح من صَحِيحه عَن عون بن أبي جُحَيْفَة، عَن أَبِيه قَالَ: «لعن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الواشمة، والمستوشمة، وآكل الرِّبَا، وموكله، وَنَهَى عَن ثمن الْكَلْب، وكَسْب الْبَغي، ولَعَن المصورين».

.الحديث الثَّالِث عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا دُعي أحدُكم إِلَى طَعَام فليُجب، فَإِن كَانَ مُفطرا فَلْيَطْعَمْ، وَإِن كَانَ صَائِما فَلْيُصَلِّ» أَي: فَلْيَدْعُ.
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَفِي رِوَايَة لِابْنِ السّني: «وَإِن كَانَ صَائِما دَعَا لَهُ بِالْبركَةِ». وَهِي شاهدة لِمَا فسَّره الرَّافِعِيّ- رَحِمَهُ اللَّهُ.

.الحديث الرَّابِع عشر:

رُوي: «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حضر دارَ بَعضهم، فلمَّا قدِّمَ الطعامُ أمسكُ بعضُ الْقَوْم قَالَ: إِنِّي صَائِم. فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: يتكلَّفُ لكَ أَخُوك الْمُسلم وَتقول: إِنِّي صَائِم، أَفْطِرْ ثمَّ اقْضِ يَوْمًا مَكَانَهُ».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ ثمَّ الْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمَا من حَدِيث مُحَمَّد بن أبي حميد، عَن إِبْرَاهِيم بن عبيد قَالَ: «صنع أَبُو سعيد الخدريُّ طَعَاما، فَدَعَا النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وأصحابَه، فَقَالَ رجل من الْقَوْم: إِنِّي صَائِم...».
فَذَكَرَاهُ، زَاد الْبَيْهَقِيّ فِي كتاب الصَّوْم: «وصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ إِن شِئْت».
قَالَ هُنَا: وَرَوَاهُ ابْن أبي فديك عَن ابْن أبي حميد، وَزَاد فِيهِ: «إنْ أحَبَبْتَ- يَعْنِي: القضاءَ». قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَهُوَ مُرْسل.
قلت: لِأَن إِبْرَاهِيم رَاوِيه تابعيٌّ، كَمَا قَالَه الْحَافِظ أَبُو مُوسَى فِي كِتَابه معرفَة الصَّحَابَة وأبْعَدَ عَبْدان حَيْثُ ذكره فيهم، وَقَالَ أَحْمد فِي حَقِّه: لَيْسَ بمشهورٍ بالعلْم.
قلت: وَمَعَ إرْسَاله فمحمد بن أبي حميد: واهٍ، قَالَ البُخَارِيّ وَغَيره: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ ابْن عدي: مَعَ ضعفه يُكْتب حَدِيثه. لَا جرم قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته: إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث مظلم، وَمُحَمّد بن أبي حميد ضَعِيف الحَدِيث.
قلت: وَشَيخ الدَّارَقُطْنِيّ فِيهِ هُوَ: أَحْمد بن مُحَمَّد بن سَواد قَالَ هُوَ فِيهِ: يُعتبر بحَديثه وَلَا يُحتج بِهِ. وَقَالَ الْخَطِيب: مَا رَأَيْت أَحَادِيثه إِلَّا مُسْتَقِيمَة. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، عَن مُحَمَّد بن أبي حميد، عَن إِبْرَاهِيم، عَن عبيد بن رِفَاعَة، عَن أبي سعيد... فَذكره. كَذَا رأيتُه، عَن إِبْرَاهِيم، عَن عبيد: وَهُوَ وهم فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيم بن عبيد بن رِفَاعَة، فَتَنَبَّهْ لَهُ.
وَأغْرب ابْن السكن، فَأخْرج حَدِيث أبي سعيد هَذَا فِي سنَنه الصِّحَاح المأثورة، وَهَذَا لَفظه: عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ «أَنه صنع طَعَاما، فَدَعَا النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وأصحابَه، فَقَالَ رجل من الْقَوْم: إِنِّي صَائِم. فَقَالَ النبى: تكلَّف أَخُوك وصنع، فَانْظُر مَاذَا بدا لَك، أَن تَصُوم يَوْمًا مَكَانَهُ فَصم».
قلت: وَلِحَدِيث أبي سعيد هَذَا شَاهد من حَدِيث جَابر بن عبد الله، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ هُنَا، وَالْبَيْهَقِيّ فِي الصَّوْم، من حَدِيث عَمرو بن خليف بن إِسْحَاق الْخَثْعَمِي، ثَنَا أبي، ثَنَا إِسْمَاعِيل بن مرسال، ثَنَا مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: «صنع...» فَذكره كَمَا سلف، وَذكره ابْن عدي أَيْضا وَقَالَ: عَمْرو هَذَا مُتَّهم بِوَضْع الحَدِيث. وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ يضع الحديثَ. وَكَذَا قَالَ البيهقيُّ أَيْضا.
قلت: وَهُوَ مِنْ حتاوة قَرْيَة بعسقلان، ووالد عَمرو وَإِسْمَاعِيل: لَا أعرف حَالهمَا.

.الحديث الخَامِس عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا دُعي أحدُكم إِلَى طَعَام فليُجِبْ، فَإِن شَاءَ طعم، وَإِن شَاءَ ترك».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه مُسلم فِي صَحِيحه بِهَذَا اللَّفْظ من حَدِيث جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه.

.الحديث السَّادِس عشر:

«أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ طعم عِنْد سعد بن عبَادَة، فَلَمَّا فرغ قَالَ: أكل طَعَامكُمْ الْأَبْرَار، وصلَّت عَلَيْكُم الْمَلَائِكَة، وَأفْطر عنْدكُمْ الصائمون».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث معمر، عَن ثَابت، عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم جَاءَ سعد بن عبَادَة، فجَاء بِخبْز وزيت، فَأكل، ثمَّ قَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: أفطر عنْدكُمْ الصائمون، وَأكل طَعَامكُمْ الْأَبْرَار، وصلَّتْ عَلَيْكُم الْمَلَائِكَة».
وَإِسْنَاده صَحِيح.
وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده أَيْضا، وَرَوَاهُ الدَّارمِيّ فِي مُسْنده، وَهَذَا لَفظه: عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ إِذا أفطر عِنْد أُناسٍ قَالَ: أفطر عنْدكُمْ الصائمون، وَأكل طَعَامكُمْ الْأَبْرَار، وتنزلتْ عَلَيْكُم الْمَلَائِكَة».
وَذكره ابْن السكن فِي سنَنه الصِّحَاح ثمَّ، قَالَ: لَا يَصح سَماع يَحْيَى بن أبي كثير من أنس.
وَفِي سنَن ابْن مَاجَه وصَحِيح ابْن حبَان من حَدِيث عبد الله بن الزبير قَالَ: «أفطر النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد سعد بن معَاذ فَقَالَ: أفطر عنْدكُمْ الصائمون...» الحَدِيث.
فكأنهما قضيتان جرتا لسعد بن معَاذ وَسعد بن عبَادَة.

.الحديث السَّابِع عشر:

قَالَ الرَّافِعِيّ: وَلَا يكره الشّرْب قَائِما.
وَحمل مَا ورد من النَّهْي عَلَى حَالَة السَّيْر.
أما النَّهْي عَن الشّرْب قَائِما فَصَحِيح ثَابت، أخرجه مُسلم من حَدِيث أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى أَن يشرب الرجل قَائِما قَالَ قَتَادَة: فَقلت لأنس: فالأكل؟ قَالَ: ذَلِك أشرُّ وأخبث» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «زجر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الشّرْب قَائِما».
وَأخرجه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَيْضا: أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «لَا يِشربنَّ مِنْكُم أحدٌ قَائِما، فَمَنْ نسي فَلْيَسْتَقئْ».
وَرَوَى عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عبيد الله بن عبد الله، عَن أبي هُرَيْرَة رَفعه: «لَو يعلم الَّذِي يشرب وَهُوَ قَائِم مَا فِي بَطْنه لاستقاء» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا.
وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس: «سقيت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من زَمْزَم؛ فَشرب وَهُوَ قَائِم». رَوَاهُ خَ م.
وَحَدِيث عَلّي «أَنه شرب قَائِما، وَقَالَ: إِنِّي رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فعل كَمَا رَأَيْتُمُونِي فعلت».
رَوَاهُ خَ، فيُحْمل عَلَى بَيَان الْجَوَاز. وحمل الْبَيْهَقِيّ النَّهْي عَلَى التَّنْزِيه أَو عَلَى التَّحْرِيم، ثمَّ النّسخ بِهَذَيْنِ الْحَدِيثين، وَأنكر ذَلِك عَلَيْهِ أَن لَا يُصَار إِلَى النّسخ إِلَّا عِنْد تعذُّر الْجمع لَو ثَبت التَّارِيخ، وأنَّى لَهُ ذَلِك.
وَأما حمل الرَّافِعِيّ النَّهْي عَلَى حَالَة السّير، وصرَّح بِأَنَّهُ لَا يكره الشّرْب قَائِما، فتبع فِيهِ المتولى وَابْن قُتَيْبَة، وَالْمُخْتَار أَن الشّرْب قَائِما بِلَا عذر خلافُ الأَوْلى كَمَا سلف.

.الحديث الثَّامِن عشر:

عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حضر فِي إملاكٍ، فأُتي بأطباق عَلَيْهَا جوز ولوز وتمر، فَنثرَتْ، فقبضنا أَيْدِينَا، فَقَالَ: مَا لكم لَا تأخذون؟ فَقَالُوا: لِأَنَّك نهيت عَن النهبى. فَقَالَ: إِنَّمَا نهيتُكم عَن نهبى العساكر، خُذُوا عَلَى اسْم الله فجاذَبَنَا وجاذَبْنَاهُ».
هَذَا الحَدِيث كَذَا أوردهُ من حَدِيث جَابر تبعا للْقَاضِي حُسَيْن والإمامِ فِي نهايته، والغزاليِّ فِي وسيطه، وَإِنَّمَا هُوَ مَرْوِيّ من حَدِيث معَاذ وَأنس.
أما حَدِيث معَاذ فَلهُ طَرِيقَانِ:
أَحدهمَا: من طَرِيق خَالِد بن معدان عَنهُ قَالَ: «شهد النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إملاك رجلٍ من أَصْحَابه، فَقَالَ: عَلَى الخيرِ والبركةِ، والألفةِ، والطائر الميمون، والسعةِ فِي الرزق، بَارك الله لكم، دفِّفُوا عَلَى رَأسه. قَالَ: فجيء بِدُفٍّ فَضرب بِهِ، وأقبلنا لأطباقٍ عَلَيْهَا فَاكِهَة، فنثر عَلَيْهِ، فكفَّ الناسُ أَيْديهم، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا لكم لَا تنهبون؟ فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، أولم تنهنا عَن النهبة؟ فَقَالَ: إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ عَن نهبى العساكر، أما العرسان، فَلَا. قَالَ فجاذبهم النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وجاذبوه».
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث لمازة بن الْمُغيرَة عَن ثَوْر بن يزِيد، عَن خَالِد بِهِ.
وَقَالَ: فِي إِسْنَاده مَجَاهِيل وَانْقِطَاع. وَقَالَ فِي الْمعرفَة: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ عون بن عمَارَة، وعصمَة بن سُلَيْمَان، عَن لمازة، وَكِلَاهُمَا لَا يحْتَج بحَديثه، ولمازة بن الْمُغيرَة مَجْهُول، وخَالِد بن معدان، عَن معَاذ مُنْقَطع. وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي مَوْضُوعَاته، وَقَالَ: فِي إِسْنَاده: حَازِم، ولمازة، وهما: مَجْهُولَانِ، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رُوي بإسنادٍ آخرٍ مجهولٍ، عَن عَائِشَة، عَن معَاذ. وَقَالَ الْعقيلِيّ: هَذَا حَدِيث مَوْضُوع. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَلَا يثبت فِي هَذَا الْبَاب شَيْء.
الطَّرِيق الثَّانِي: من حَدِيث عَائِشَة، عَن معَاذ، وَقد عرفت حَالهَا وأخرجها ابْن الْجَوْزِيّ أَيْضا فِي مَوْضُوعَاته، ووهَّاها.
وَأما حَدِيث أنس فَرَوَاهُ الْخَطِيب فِي كتاب من رَوَى عَن مَالك وَابْن الْجَوْزِيّ فِي مَوْضُوعَاته بِلَفْظ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام شهد إملاك رجلٍ وامرأةٍ من الْأَنْصَار، فَقَالَ: «أَيْن شاهدكم؟ قَالُوا: يَا رَسُول الله وَمَا شاهدُنا؟ قَالَ: الدُّف، فَأتوا بِهِ فَقَالَ: اضربوا عَلَى رَأس صَاحبكُم، ثمَّ جَاءُوا بأطباقهم، فنثروها، فهاب الْقَوْم أَن يتناولوا، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: مَا أزين الْحلم، مَا لكم لَا تتناولون؟ قَالُوا: يَا رَسُول الله، ألم تَنْه عَن النهبة؟ قَالَ: نهيتُكم عَن النهبة فِي العساكر، فَأَما هَذَا وأشباهها فَلَا». قَالَ الْخَطِيب: لَا يثبت عَن مَالك، وَفِيه مَجْهُولَانِ: خَالِد بن إِسْمَاعِيل وَأحمد بن يَعْقُوب. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: هَذَا حَدِيث لَا يَصح، فِيهِ خَالِد بن إِسْمَاعِيل. قَالَ ابْن عدي: كَانَ يضع الحَدِيث عَلَى ثِقَات الْمُسلمين. وَأغْرب صَاحب النِّهَايَة- من أَصْحَابنَا- فصحَّح الحَدِيث لمَّا أوردهُ من حَدِيث جَابر حَيْثُ قَالَ عقب إِيرَاده من طَرِيقه: فَثَبت الأَصْل بِهَذَا الْخَبَر الصَّحِيح هَذَا لَفظه.

.كتاب الْقسم والنشوز:

كتاب الْقسم والنشوز:
ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ اثْنَي عشر حَدِيثا، وأثرًا وَاحِدًا:

.أَحدهَا:

عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا كَانَت عِنْد الرجل امْرَأَتَانِ، فَلم يعدل بَينهمَا، جَاءَ يومَ الْقِيَامَة وشِقُّه مائل أَو سَاقِط».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَحْمد، والدارمي فِي مسنديهما وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه، وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي مُسْتَدْركه قَالَ التِّرْمِذِيّ: لَا نعرفه مَرْفُوعا إِلَّا من حَدِيث همام.
قلت: هُوَ ثِقَة، من رجال الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا من بَاقِي الْكتب السِّتَّة لَا جرم.
قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَكَذَا قَالَ صَاحب الاقتراح أَيْضا، وَقَالَ عبد الْحق: أسْندهُ همام، وَهَمَّام ثِقَة حَافظ. وَقَالَ: إِنَّه خبر ثَابت. وَاللَّفْظ الَّذِي ذكره الرَّافِعِيّ هُوَ لفظ الْحَاكِم.
وَلَفظ أبي دَاوُد: «مَنْ كَانَت لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَال إِلَى إِحْدَاهمَا جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة وشِقُّه مائل».
وَلَفظ أَحْمد: «من كَانَت لَهُ امْرَأَتَانِ يمِيل لإحداهما عَن الْأُخْرَى، جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة يجر أحد شِقيه ساقطًَا أَو مائلًا».
شكّ يزِيد أحد رُوَاته.
وَلَفظ الدَّارمِيّ: «من كَانَت لَهُ امْرَأَتَانِ، فَمَال إِلَى إِحْدَاهمَا: جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة وشِقُّه مائل».
وَلَفظ النَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه: «يمِيل لإحداهما عَلَى الْأُخْرَى جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة أحد شقيه مائل».
وَلَفظ التِّرْمِذِيّ: «من كَانَت لَهُ امْرَأَتَانِ فَلم يعدل بَينهمَا جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة وَشقه سَاقِط» وَلَفظ ابْن حبَان «من كَانَت لَهُ امْرَأَتَانِ، مَالَ مَعَ إِحْدَاهمَا عَلَى الْأُخْرَى جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة وَأحد شقيه سَاقِط».

.الحديث الثَّانِي:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقسم بَين نِسَائِهِ فيعدل وَيَقُول: اللَّهُمَّ هَذَا قسمي فِيمَا أملك، فَلَا تلمني فِيمَا تملك وَلَا أملك».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، كَمَا سلف فِي بَاب الخصائص وَاضحا، وَذكره الشَّافِعِي فِي مُخْتَصره بلاغًا، فَقَالَ: يَعْنِي- وَالله أعلم- قلبه. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: فسَّره بعض أهل الْعلم بالحُبِّ والمودة.

.الحديث الثَّالِث:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يمْضِي إِلَى نِسَائِهِ لأجْل الْقسم».
هَذَا صَحِيح عَنهُ مَشْهُور، متكرر فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة، وستعلم بَعْضهَا عَلَى الإثر.

.الحديث الرَّابِع:

عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «كَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يطوف علينا جَمِيعًا فيُقَبِّلُ ويلمس، فَإِذا جَاءَ وَقت الَّتِي هِيَ نوبتها أَقَامَ عِنْدهَا».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده، وَأَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنَيْهِمَا، وَلَفظ الإِمَام أَحْمد عَن عَائِشَة قَالَت: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا مِنْ يَوْم إِلَّا وَهُوَ يطوف علينا جَمِيعًا، امْرَأَة امْرَأَة، فيدنو ويلمس من غير مَسِيس، حَتَّى يُفْضِي إِلَى الَّتِي هِيَ يَوْمهَا فيبيت عِنْدهَا».
وَلَفظ أبي دَاوُد: قَالَت: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يفضِّل بَعْضنَا عَلَى بعض فِي الْقسم من مُكْثه عندنَا، وَكَانَ قلَّ يَوْم يَأْتِي إِلَّا وَهُوَ يطوف علينا جَمِيعًا، فيدنو من كل امْرَأَة من غير مَسِيس، حَتَّى يبلغ الَّتِي هُوَ يَوْمهَا فيبيت عِنْدهَا».
وَلَقَد قَالَت سَوْدَة بنت زَمعَة حِين أسَنَّتْ وفرقتْ أَن يفارقها رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت: «يَا رَسُول الله، يومي لعَائِشَة. فَقَبِلَ ذَلِك رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهَا، قَالَت: تَقول: فِي ذَلِك أنزل الله عَزَّ وَجَلَّ وَفِي أشباهها {وَإِن امْرَأَة خَافت}».
وَلَفظ الْبَيْهَقِيّ: عَن عَائِشَة قَالَت: «مَا كَانَ- أَو قلَّ- يَوْم إِلَّا وَرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يطوف علينا جَمِيعًا، فَيُقَبِّلُ ويلمس مَا دون الوِقاع، فَإِذا جَاءَ الَّتِي هُوَ يَوْمهَا يبيت عِنْدهَا».
وَفِي إِسْنَاده «عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد»: وَقد تكلم فِيهِ غير وَاحِد، وَوَثَّقَهُ مَالك، وَاسْتشْهدَ بِهِ البُخَارِيّ، لَا جرم أخرجه الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه بقريبٍ من لفظ أبي دَاوُد، ثمَّ قَالَ هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد.

.الحديث الخَامِس:

وَقَالَ الرَّافِعِيّ: والأَولى أَن لَا يزِيد عَلَى لَيْلَة وَاحِدَة، اقْتِدَاء برَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
هَذَا حَدِيث صَحِيح، فَفِي صَحِيح البُخَارِيّ من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنَّهَا قَالَت: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَرَادَ سفرا أَقرع بَين نِسَائِهِ، فأيَّتُهُنَّ خرج سهمها خرج بهَا مَعَه، وَكَانَ يقسم لكل امْرَأَة مِنْهُنَّ يَوْمهَا وليلتها، غير أَن سَوْدَة بنت زَمعَة وَهَبَتْ يَوْمهَا وليلتها لعَائِشَة زوج النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم تبتغي بذلك رضَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم».
وَفِيه غير ذَلِك من الْأَحَادِيث.

.الحديث السَّادِس:

رُوي مُرْسلا أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا تُنْكح الأَمَة عَلَى الْحرَّة، وللحرة ثُلثان من الْقسم».
هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي بَاب «مَا يحرم من النِّكَاح» بِدُونِ الزِّيَادَة الْأَخِيرَة.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث سُلَيْمَان بن يسَار: «من السُّنَّة أَن الْحرَّة إِن أَقَامَت عَلَى ضرار فلهَا يَوْمَانِ، وللأَمة يَوْم».
وَذكره الْمَاوَرْدِيّ من حَدِيث الْحسن الْبَصْرِيّ عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لَا تنْكح أمة عَلَى حرَّة، وللحرة الثُّلُثَانِ، وللأَمة الثُّلُث».
وَذكره أَيْضا من هَذَا الْوَجْه الغزاليُّ وإمامُهُ، وَقد أسلفناه هُنَاكَ مُخْتَصرا بِدُونِ القَسم.
وَفِي معرفَة الصَّحَابَة لأبي نعيم مَا نَصه: الْأسود بن عويم السدُوسِي، رَوَى حَدِيثه: عَلّي بن قرين، عَن حبيب بن عَامر بن مُسلم السدُوسِي، عَن الْأسود بن عويم قَالَ: «سَأَلت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْجمع بَين الْحرَّة وَالْأمة، فَقَالَ: للْحرَّة يَوْمَانِ، وللأمة يَوْم».
و«الْأسود بن عويم» ذكره ابْن مَنْدَه أَيْضا فِي الصَّحَابَة، وَآفَة هَذَا الْخَبَر من ابْن قرين، فَإِنَّهُ كذَّاب.
قَالَ الرَّافِعِيّ: رُوِيَ ذَلِك عَن عَلّي بن أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فاعتضد بِهِ الحَدِيث.
قلت: قد أسلفناه هُنَاكَ عَن رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ، وَرَوَاهُ هُنَا من طَرِيق آخر عَنهُ، رَوَاهَا من طَرِيق سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن الْمنْهَال بن عَمْرو، عَن عباد بن عبد الله الْأَسدي قَالَ: قَالَ عَلّي: «إِذا نكحت الْحرَّة عَلَى الأَمة، فلهذه الثُّلُثَانِ، وَهَذِه الثُّلُث». و«عباد» هَذَا مُخْتَلف فِيهِ، قَالَ خَ: فِيهِ نظر. وقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: ضَعِيف الحَدِيث. وَذكره ابْن حبَان فِي ثقاته، وَقَالَ ابْن حزم: إِنَّه لَا يَصح؛ لِأَن ابْن أَبَى لَيْلَى سيئ الْحِفْظ، والمنهال: ضَعِيف، وَرُوِيَ عَن الْمُغيرَة بن مقسم أَنه قَالَ: لم يثبت للمنهال شَهَادَة فِي الْإِسْلَام. وَلكنه صَحِيح من قَول إِبْرَاهِيم، وَسَعِيد بن الْمسيب، ومسروق، وَالشعْبِيّ، وَالْحسن الْبَصْرِيّ.
وَلما ذكره الْمَاوَرْدِيّ من قَول عَلّي قَالَ: لم يُخَالِفهُ غَيره، فَكَانَ إِجْمَاعًا.

.الحديث السَّابِع:

عَن أنس رَضِي اللهُ عَنْهُ مَوْقُوفا «للبِكْر سبع، وللثيب ثَلَاث».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ من حَدِيث أبي قلَابَة عَن أنس: «من السُّنَّة إِذا تزوج الرجل الْبكر عَلَى الثّيّب أَقَامَ عِنْدهَا سبعا، وَقسم، وَإِذا تزوج الثّيّب عَلَى الْبكر أَقَامَ عِنْدهَا ثَلَاثًا ثمَّ قسم». قَالَ أَبُو قلَابَة: وَلَو شِئْت لَقلت: إِن أنسا رَفعه إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن أبي قلَابَة عَن أنس: وَلَو شِئْت أَن أَقُول: قَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَكِن قَالَ: «السُّنة إِذا تزوج البِكْرَ أَقَامَ عِنْدهَا سبعا، وَإِذا تزوج الثّيّب أَقَامَ عِنْدهَا ثَلَاثًا».
وَرَوَاهُ مُسلم من طَرِيقين بِنَحْوِهِ، وَفِيه قَالَ خَالِد: لَو شِئْت قلت رَفعه إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
ثمَّ اعْلَم أَن تَسْمِيَة الرَّافِعِيّ لهَذَا الحَدِيث مَوْقُوفا وَهُوَ خلاف مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ، حَيْثُ قَالُوا: إِن الصَّحَابِيّ إِذا قَالَ: «من السُّنة كَذَا» كَانَ مَرْفُوعا، عَلَى أَنه رُوِيَ مَرْفُوعا صَرِيحًا.
من طريقٍ صحيحةٍ أخرجهَا الدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ، فِي سنَنَيْهِمَا وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه وَهَذَا لَفظه: عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ سبع للبِكْر، وَثَلَاث للثيب».
وَلَفظ الدَّارَقُطْنِيّ: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «للبكر سَبْعَة أَيَّام، وللثيب ثَلَاثَة أَيَّام، ثمَّ يعود إِلَى نِسَائِهِ».
وَلَفظ الْبَيْهَقِيّ: عَن أنس أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا تزوَّج البِكْرَ عَلَى الثّيّب أَقَامَ عِنْدهَا سبعا، وَإِذا تزوَّج الثّيّب عَلَى الْبكر أَقَامَ عِنْدهَا ثَلَاثًا».
وَأخرجه الدَّارمِيّ فِي مُسْنده بِلَفْظ: «للبكر سبع، وللثيب ثَلَاث».