فصل: الحديث الثَّامِن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث السَّادِس:

عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا نِكَاح إِلَّا بولِي».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده عَن معمر بن سُلَيْمَان الرقي، عَن الْحجَّاج، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا نِكَاح إِلَّا بولِي، وَالسُّلْطَان ولي من لَا ولي لَهُ» وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه، عَن أبي كريب، عَن ابْن الْمُبَارك، عَن الْحجَّاج بِهِ، دون الْقطعَة الثَّانِيَة، وَالْحجاج هُوَ ابْن أَرْطَاة، وَقد سلف حَاله، وَفِي سَمَاعه من عِكْرِمَة نظر، قَالَ حَنْبَل: ذكرت هَذَا لأبي عبد الله فَقَالَ: لم يسمع حجاج من عِكْرِمَة شَيْئا؛ إِنَّمَا يحدث عَن دَاوُد بن الْحصين، عَن عِكْرِمَة.
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ عَن الْحُسَيْن بن إِسْحَاق التسترِي ثَنَا سهل بن عُثْمَان، ثَنَا ابْن الْمُبَارك، عَن خَالِد الْحذاء، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لَا نِكَاح إِلَّا بولِي» وَعَزاهُ الْحَافِظ شرف الدَّين الدمياطي إِلَى الطَّبَرَانِيّ بِلَفْظ: «لَا نِكَاح إِلَّا بِإِذن ولي مرشد وسلطان» ثمَّ قَالَ: وَإِسْنَاده لَا بَأْس بِهِ. قَالَه الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْمَقْدِسِي، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث سهل، عَن ابْن الْمُبَارك، عَن حجاج. قَالَ ابْن مَنْدَه فِي مستخرجه: وَرَوَاهُ الحكم عَن عِكْرِمَة، وَأُسَامَة عَن عِكْرِمَة، وَسماك بن حَرْب عَن عِكْرِمَة، وَرَوَاهُ عَطاء بن أبي رَبَاح عَن ابْن عَبَّاس، وَعَن عَطاء بن جريج، وَعمر بن قيس، وَالْحجاج بن أَرْطَاة وَعبد القدوس بن حبيب، وَابْن أبي نجيح، وَمُقَاتِل بن سُلَيْمَان، والنهاس بن قهم، وَرَوَاهُ عبد الله بن أبي مليكَة، وَجَابِر بن زيد، وَنَافِع بن جُبَير بن مطعم، وَمَيْمُون بن مهْرَان، عَن ابْن عَبَّاس. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه وَقد رَوَى هَذَا الحَدِيث عدي بن الْفضل، عَن عبد الله بن عُثْمَان بن خثيم، عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس إِلَّا أَن عديًّا وَعبد الله لَا يحْتَج بهما.
قلت: عدي مَتْرُوك، وَابْن خثيم رَوَى لَهُ مُسلم، وَرَوَاهُ الْعقيلِيّ من حَدِيث الرّبيع بن بدر عَن النهاس، عَن عَطاء بن أبي رَبَاح، عَن ابْن عَبَّاس رَفعه: «البغايا اللَّاتِي ينكحن أَنْفسهنَّ، لَا يجوز النِّكَاح إِلَّا بولِي وشَاهِدين». الرّبيع هُوَ ابْن عليلة وَقد ضَعَّفُوهُ، وَكَذَا النهاس، أسْندهُ الْحَافِظ شرف الدَّين الدمياطي من حَدِيث مُؤَمل بن إِسْمَاعِيل، عَن سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن عبد الله بن عُثْمَان، عَن خُثيم عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لَا نِكَاح إِلَّا بولِي مرشد وسلطان» ثمَّ قَالَ: قَالَ أَبُو الْفَتْح بن أبي الفوارس الْحَافِظ:
هَذَا حَدِيث غَرِيب من حَدِيث سُفْيَان الثَّوْريّ عَن أبي عُثْمَان تفرد بِهِ مُؤَمل بن إِسْمَاعِيل عَن سُفْيَان، وَالْمَحْفُوظ عَن سُفْيَان مَوْقُوف. قَالَ الدمياطي: دفن مُؤَمل كتبه وَكَانَ يحدث من حفظه فَكثر خَطؤُهُ.

.الحديث السَّابِع:

عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «أَيّمَا امْرَأَة نكحت نَفسهَا بِغَيْر إِذن وَليهَا فنكاحها بَاطِل، فنكاحها بَاطِل، فنكاحها بَاطِل! فَإِن دخل بهَا فلهَا الْمهْر بِمَا اسْتحلَّ من فرجهَا، وَإِن اشتجروا فالسلطان ولي من لَا ولي لَهُ».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الشَّافِعِي، وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه فِي سُنَنهمْ وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن، وَقد رَوَى يَحْيَى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، وَيَحْيَى بن أَيُّوب، وسُفْيَان الثَّوْريّ، وَغير وَاحِد من الْحفاظ عَن ابْن جريج نَحْو هَذَا قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن جريج، عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة مَرْفُوعا بِهِ، وَرَوَاهُ الْحجَّاج بن أَرْطَاة وجعفر بن ربيعَة، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا بِهِ، وَرَوَاهُ هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا بِهِ، قَالَ: وَقد تكلم بعض أهل الْعلم فِي حَدِيث الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة، قَالَ ابْن جريج: ثمَّ لقِيت الزُّهْرِيّ فَسَأَلته، فَأنكرهُ. فضعفوا هَذَا الحَدِيث من أجل هَذَا. قَالَ: وَذكر عَن يَحْيَى بن معِين أَنه قَالَ: لم يذكر هَذَا الْحَرْف عَن ابْن جريج إِلَّا ابْن علية. قَالَ يَحْيَى: وَسَمَاع ابْن علية من ابْن جريج لَيْسَ بِذَاكَ مَا سمع من ابْن جريج، وَإِنَّمَا صحّح كتبه عَلَى كتب عبد الْمجِيد بن عبد الْعَزِيز بن أبي رواد، وَضعف يَحْيَى رِوَايَة ابْن عُلية عَن ابْن جريج. وَقَالَ الْحَاكِم فِي عُلُوم الحَدِيث: هَذَا حَدِيث مَحْفُوظ من حَدِيث ابْن جريج، عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى الأشرق، وَقَالَ فِي مُسْتَدْركه: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم، قَالَ: وَقد تَابع أَبَا عَاصِم عَلَى ذكر سَماع ابْن جريج من سُلَيْمَان بن مُوسَى وَسَمَاع سُلَيْمَان بن مُوسَى من الزُّهْرِيّ عبد الرَّزَّاق بن همام ويَحْيَى بن أَيُّوب، وَعبد الله بن لَهِيعَة، وحجاج بن مُحَمَّد المصيصى ثمَّ ذكر ذَلِك عَنْهُم بأسانيده، ثمَّ قَالَ: فقد صَحَّ وَثَبت بروايات الْأَئِمَّة الْأَثْبَات سَماع رِوَايَة الروَاة بَعضهم من بعض، فَلَا تعلل هَذِه الرِّوَايَات بِحَدِيث ابْن علية وسؤاله ابْن جريج عَنهُ وَقَوله: إِنِّي سَأَلت الزُّهْرِيّ عَنهُ فَلم يعرفهُ، فقد ينسَى الثِّقَة الْحَافِظ الحَدِيث بعد أَن حدث بِهِ، وَقد فعله غير وَاحِد من حفاظ الحَدِيث.
قَالَ أَبُو حَاتِم مُحَمَّد بن إِدْرِيس: سَمِعت أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول: وَذكر عِنْده أَن ابْن علية يذكر حَدِيث ابْن جريج فِي «لَا نِكَاح إِلَّا بولِي» قَالَ ابْن جريج: فَلَقِيت الزُّهْرِيّ فَسَأَلته عَنهُ فَلم يعرفهُ، وَأَثْنَى عَلَى سُلَيْمَان بن مُوسَى، قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: كَانَ ابْن جريج لَهُ كتب مدونة وَلَيْسَ هَذَا فِي كتبه- يَعْنِي: حِكَايَة ابْن علية عَن ابْن جريج. وَقَالَ الدوري: سَمِعت يَحْيَى بن معِين يَقُول فِي حَدِيث «لَا نِكَاح إِلَّا بولِي»: الذي يرويهِ ابْن جريج، فَقلت لَهُ: إِن ابْن عُلية يَقُول: قَالَ ابْن جريج: فَسَأَلت عَنهُ الزُّهْرِيّ فَقَالَ: لست أحفظه. قَالَ يَحْيَى: لَيْسَ يَقُول هَذَا إِلَّا ابْن علية؛ وَإِنَّمَا عرض ابْن علية كتب ابْن جريج عَلَى عبد الْمجِيد بن عبد الْعَزِيز بن أبي رواد، فأصلحها لَهُ وَلَكِن لم يبْذل نَفسه للْحَدِيث.
وَقَالَ شُعَيْب بن أبي حَمْزَة: قَالَ الزُّهْرِيّ: إِن مَكْحُولًا مَا ينسَى وَسليمَان بن مُوسَى ولَعَمْرُو اللَّهِ إِن سُلَيْمَان لأَحفظهما.
وَقَالَ ابْن مَنْدَه فِي مستخرجه: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن جريج، عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة.
وَرَوَاهُ عَن ابْن جريج ابْن الْمُبَارك، وَعِيسَى بن يُونُس، وحجاج بن مُحَمَّد، وَيَحْيَى بن أَيُّوب، وَيَحْيَى بن سعيد، وسُفْيَان الثَّوْريّ، وَعبيد الله بن مُوسَى، وَأَبُو قُرَّة، وَعبد الرَّزَّاق، وَأَبُو عَاصِم النَّبِيل، وَمُحَمّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ، ومعاذ بن معَاذ الْعَنْبَري، وَعبد الْمجِيد بن عبد الْعَزِيز بن أبي رواد، وَمُسلم بن خَالِد الزنْجِي، وَالْفضل بن مُوسَى السينَانِي وَعبد الْوَارِث بن سعيد، وَأَبُو يُوسُف القَاضِي، وَيَحْيَى بن سعيد الْأمَوِي، وَسَعِيد بن سَالم القداح، وَابْن عُلية.
وَرَوَاهُ عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى معمر بن رَاشد، وَعبيد الله بن زحر.
وَرَوَاهُ عَن الزُّهْرِيّ الْحجَّاج بن أَرْطَاة، وَأَبُو بكر الْهُذلِيّ، وَمُحَمّد بن أبي قيس، وقرة بن عبد الرَّحْمَن بن جِبْرِيل، وَأَيوب بن مُوسَى، وَعُثْمَان بن عبد الرَّحْمَن، وَهِشَام بن سعد، ومُوسَى بن عقبَة، وَابْن إِسْحَاق، وَسليمَان بن يسَار، وَمَالك بن أنس، وهشيم بن بشير، وَمُعَاوِيَة بن سَلمَة الْبَصْرِيّ، وَعبد الرَّحْمَن بن رُزَيْق النَّوْفَلِي، وجعفر بن ربيعَة، وَإِبْرَاهِيم بن سعد، وسُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَابْن جريج.
وَرَوَاهُ أَبُو مَالك الجَنْبي عَمْرو بن هِشَام، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة.
وَتَابعه فِيهِ نوح بن دراج، وَالْحجاج بن أَرْطَاة، وَإِسْمَاعِيل بن أبي زِيَاد، وَسَعِيد بن خَالِد العثماني، وَيزِيد بن سِنَان، وَالْحسن بن علوان، وَصدقَة بن عبد الله، وَأَبُو الخصيب نَافِع بن ميسرَة، وَأَبُو الزِّنَاد، وجعفر بن برْقَان، وَزَمعَة بن صَالح، وَابْن جريج، ومندل بن عَلّي، وَعبد الله بن الْحَارِث الْحَاطِبِيُّ، وَعبد الله بن حَكِيم، وَأَبُو حَازِم سَلمَة بن دِينَار، كلهم عَن هِشَام.
وَرَوَاهُ أَبُو الْغُصْن ثَابت بن قيس، عَن عُرْوَة، وَعبد الرَّحْمَن غير مَنْسُوب، عَن عُرْوَة.
وَرَوَاهُ عبد الله بن أبي مليكةَ، عَن عَائِشَة.
وَعبيد الله بن زَمعَة، عَن عَائِشَة.
وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن، عَن عَائِشَة.
وَعبد الله بن شَدَّاد عَنْهَا، وَأم سَلمَة عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم ابْن حبَان فِي صَحِيحه: هَذَا الْخَبَر وهم من لم يحكم صناعَة الحَدِيث أَنه مُنْقَطع أَو لَا أصل لَهُ بحكاية حَكَاهَا ابْن علية فِي عقب هَذَا الْخَبَر، قَالَ: ثمَّ لقِيت الزُّهْرِيّ فَذكرت ذَلِك لَهُ فَلم يعرفهُ، قَالَ: وَلَيْسَ مِمَّا يهي الْخَبَر بِمثلِهِ، وَذَلِكَ أَن الْخَيْر الْفَاضِل المتقن الضَّابِط من أهل الْعلم قد يحدث بِالْحَدِيثِ ثمَّ ينساه، وَإِذا سُئِلَ عَنهُ لم يعرفهُ، فَلَيْسَ بنسيان الشَّيْء الَّذِي حدث بِهِ بدال عَلَى بطلَان أصل الْخَبَر، قَالَ: والمصطفى عَلَيْهِ السَّلَام خير الْبشر وَوَقع لَهُ النسْيَان فِي الصَّلَاة فَقيل لَهُ: يَا رَسُول الله، أقصرت الصَّلَاة أم نسيت؟! فَقَالَ: «كل ذَلِك لم يكن» فَلَمَّا جَازَ عَلَيْهِ النسْيَان فِي أَعم الْأُمُور حَتَّى نسي فَلَمَّا استثبتوه أنكر ذَلِك، وَلم يكن نسيانه بَدِالٍّ عَلَى بطلَان الحكمُ الَّذِي نَسيَه- كَانَ من بعده من أمته فِيهِ أجوز.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج، عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى، عَن الزُّهْرِيّ وَكلهمْ ثِقَة حَافظ. وَقَالَ فِي الْمعرفَة: الْعجب أَن من يُسَوِّي الْأَخْبَار عَلَى مذْهبه يَحْكِي عَن ابْن جريج أَنه سَأَلَ ابْن شهَاب عَن هَذَا الحَدِيث فَأنكرهُ ثمَّ يرويهِ عَن ابْن أبي عمرَان عَن يَحْيَى بن معِين عَن ابْن علية عَن ابْن جريج وَلَو ذكر حِكَايَة ابْن معِين عَلَى وَجههَا علم أَصْحَابه أَن لَا مغمز فِي رِوَايَة سُلَيْمَان، وَيَحْيَى بن معِين إِنَّمَا ضعف رِوَايَة منْدَل عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه، وَصحح رِوَايَة سُلَيْمَان.
وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه: إِن قيل: قد قَالَ ابْن جريج: لقِيت الزُّهْرِيّ وأخبرته بِهَذَا الحَدِيث فَأنْكر قُلْنَا هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَرِجَاله رجال الصَّحِيح، وَقد أخرجه الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ، وَمَا ذكر عَن ابْن جريج فَلَيْسَ فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ، قَالَ التِّرْمِذِيّ- أَي حِكَايَة عَن يَحْيَى بن معِين-: لم يذكرهُ عَن ابْن جريج إِلَّا ابْن عليّة، وسماعه من ابْن جريج لَيْسَ بِذَاكَ. ثمَّ رَوَى ابْن الْجَوْزِيّ الحَدِيث من طَرِيق أَحْمد فِي مُسْنده وَفِي آخِره قَالَ ابْن جريج: فَلَقِيت الزُّهْرِيّ فَسَأَلته عَن هَذَا الحَدِيث، فَلم يعرفهُ. قَالَ: وَكَانَ سُلَيْمَان بن مُوسَى ذُكر فَأَثْنَى عَلَيْهِ. قَالَ: وَإِذا ثَبت هَذَا عَن الزُّهْرِيّ كَانَ نِسْيَانا مِنْهُ وَذَلِكَ لَا يدل عَلَى الطعْن فِي سُلَيْمَان؛ لِأَنَّهُ ثِقَة. قَالَ: وَيدل عَلَى أَنه نسي أَن الحَدِيث قد رَوَاهُ عَنهُ جَعْفَر بن ربيعَة وقرة بن عبد الرَّحْمَن وَابْن إِسْحَاق، فَدلَّ عَلَى ثُبُوته عَنهُ، وَالْإِنْسَان قد يحدث وينسى، قَالَ أَحْمد: كَانَ ابْن عُيَيْنَة يحدث بأَشْيَاء ثمَّ يَقُول: هَذَا لَيْسَ من حَدِيثي وَلَا أعرفهُ! وَرُوِيَ عَن سُهَيْل بن أبي صَالح أَنه ذكر لَهُ حَدِيث فَأنكرهُ، فَقَالَ ربيعَة: أَنْت حَدَّثتنِي بِهِ عَن أَبِيك! فَكَانَ سُهَيْل يَقُول: حَدثنِي ربيعَة عني! ذَلِك وَقد جمع الدَّارَقُطْنِيّ جُزْءا فِيمَن حدث وَنسي.
وَقَالَ عبد الْحق فِي أَحْكَامه: هَذَا الحَدِيث أصح شَيْء فِي هَذَا الْبَاب كَذَا قَالَ ابْن معِين: وَإِن كَانَ بعض أهل الْعلم قد تكلم فِيهِ وَذَلِكَ أَنه رَوَاهُ سُلَيْمَان، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة، وَذكر ابْن جريج أَنه سَأَلَ الزُّهْرِيّ عَن هَذَا فَأنكرهُ، وضَعَّفَ الحديثَ من ضَعفَهُ من أجل هَذَا.
وَقَالَ آخَرُونَ: بل نسي الزُّهْرِيّ، وَلَا يُنكر عَلَى الْحَافِظ أَن يحدث بِالْحَدِيثِ ثمَّ ينسَى، فَإِذا حدث بِهِ عَنهُ ثِقَة وَثَبت عَلَى حَدِيثه أَخذ بِهِ، وَسليمَان ثِقَة عِنْد أهل الحَدِيث وَلم يتَكَلَّم فِيهِ أحد من الْمُتَقَدِّمين إِلَّا البُخَارِيّ وَحده؛ فَإِنَّهُ تكلم فِيهِ من أجل أَحَادِيث انْفَرد بهَا، وَكَذَا قَالَ التِّرْمِذِيّ: لم يتَكَلَّم فِيهِ إِلَّا البُخَارِيّ. وَذكره دُحَيْم فَقَالَ: فِي حَدِيثه بعض الِاضْطِرَاب قَالَ: وَلم يكن فِي أَصْحَاب مَكْحُول أثبت مِنْهُ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: وَفِي حَدِيثه شَيْء. وَقَالَ الْبَزَّار: أجل من ابْن جريج. وَقَالَ الزُّهْرِيّ: إِنَّه أحفظ من مَكْحُول.
وَقَالَ ابْن عبد الْبر: لم يقل أحدٌ من حكايته وَلم يعرجوا عَلَيْهَا وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ من أَصْحَابنَا فِي حاويه: الْجَواب عَمَّا أعل بِهِ من وُجُوه:
أَحدهَا: أَنه رَوَاهُ عَن الزُّهْرِيّ أَرْبَعَة أنفس؛ أحدهم: سُلَيْمَان بن مُوسَى، وَرَوَى عَن عروةَ ثَلَاثَة؛ أحدهم: الزُّهْرِيّ؛ فَلَا يَصح إِضَافَة إِنْكَاره إِلَى الزهْري مَعَ هَذَا الْعدَد، وَلَو صَحَّ إِنْكَاره لَهُ لما أثر فِيهِ مَعَ رِوَايَة غير الزُّهْرِيّ لَهُ عَن عُرْوَة.
ثَانِيهَا: أَن الزُّهْرِيّ أنكر سُلَيْمَان بن مُوسَى وَقَالَ: لَا أعرفهُ، وَإِلَّا فَالْحَدِيث أشهر من أَن يُنكره الزُّهْرِيّ وَلَا يعرفهُ وَلَيْسَ جهل الْمُحدث بالراوي عَنهُ مَانِعا من قبُول رِوَايَته عَنهُ، وَلَيْسَ اسْتِدَامَة ذكره شرطا فِي صِحَة حَدِيثه.
قلت: لَكِن سُلَيْمَان مَعْرُوف كَمَا مر.
ثَالِثهَا: أَنه لَا اعْتِبَار بإنكار الْمُحدث للْحَدِيث بعد رِوَايَته وَلَيْسَ اسْتِدَامَة ذكره شرطا فِي صِحَة حَدِيثه. ثمَّ ذكر قصَّة ربيعَة فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس فِي الْقَضَاء بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِد، وَسَيَأْتِي- إِن شَاءَ الله- هُنَاكَ.
وَقَول الْمَاوَرْدِيّ: لَا اعْتِبَار بإنكار الْمُحدث أطلقهُ، وَقد قَالَ ابْن الْحَاجِب فِي مُخْتَصره: إِذا كذَّب الأَصْلُ الفَرْعَ سَقَطَ كِكَذِبِ وَاحِدٍ غيرِ مُعيَّنٍ. وَلَا يقْدَح فِي عدالتهما؛ فَإِن قَالَ: لَا أَدْرِي، فالأكثر يعْمل بِهِ خلافًا لبَعض الْحَنَفِيَّة، وَلأَحْمَد رِوَايَتَانِ، وَمحل الْخَوْض فِي الْمَسْأَلَة عُلُوم الحَدِيث أَيْضا، وَقد أوضحناها فِي مختصري لكتاب ابْن الصّلاح الْجَامِع بَين عُيوُبه وَالزِّيَادَة الْمُهِمَّات عَلَيْهِ، وَحَاصِل كَلَام هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة الْحفاظ الَّذين أطلنا ذكرهم- وَهُوَ من الْمُهِمَّات- صِحَّته والاحتجاج بِهِ، لَا جرم ذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الْإِلْمَام وَعَزاهُ إِلَى أبي دَاوُد وَحده، قَالَ: وَبَعْضهمْ يعله بِمَا خُولِفَ فِي تَأْثِيره. وَاعْترض بَعضهم بِوَجْه آخر، فَقَالَ: قد صحَّ عَن عَائِشَة «أَنَّهَا أنكحت بنت أَخِيهَا عبد الرَّحْمَن وَهُوَ مُسَافر بِالشَّام قريب الأوبه بِغَيْر إِذْنه؛ بل أنكر إِذْ بلغه» فَلم تَرَ عَائِشَة ذَلِك مُبْطلًا لما وَقع؛ بل قَالَت للَّذي زَوجهَا مِنْهُ- وَهُوَ الْمُنْذر بن الزبير-: «اجْعَل أمرهَا إِلَيْهِ. فَفعل فأنفذه عبد الرَّحْمَن» وبوجه آخر وَهُوَ أَن الزُّهْرِيّ رَاوِي هَذَا الحَدِيث أفتَى بِخِلَاف ذَلِك.
فروَى عبد الرَّزَّاق عَن معمر أَنه قَالَ: سَأَلت الزُّهْرِيّ، عَن الرجل يتَزَوَّج بِغَيْر إِذن ولي، فَقَالَ: إِن كَانَ كُفؤًا لَهَا لم يفرق بَينهمَا.
وَالْجَوَاب عَن الأول: أَنه قد تقرر أَن الْعَمَل بِمَا رَوَاهُ الرَّاوِي لَا بِمَا رَآهُ، كَيفَ وَقد رَوَى الطَّحَاوِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهَا أَنَّهَا أنكحت رجلا من بني أَخِيهَا جَارِيَة من بني أَخِيهَا فَضربت بَينهُنَّ سترا، ثمَّ تَكَلَّمت حَتَّى إِذا لم يبْق إلاّ النِّكَاح أمرت رجلا فأنكح ثمَّ قَالَت: «لَيْسَ إِلَى النِّسَاء النِّكَاح»
وَعَن الثَّانِي: أَنه مُخْتَلف عَلَيْهِ فِيهِ، وَالْعَمَل بِمَا رَوَاهُ لَا بِمَا رَآهُ.
تَنْبِيه: ذكر الْمَاوَرْدِيّ من أَصْحَابنَا فَوَائِد هَذَا الحَدِيث فِي حاويه فَقَالَ: ذكر الشَّافِعِي بعد استدلاله بِهَذَا الحَدِيث مَا تضمنه، وَدلّ عَلَيْهِ من الْفَوَائِد وَالْأَحْكَام نصًّا واستنباطًا فَذكر خَمْسَة أَحْكَام وَذكر أَصْحَابه ثَلَاثِينَ حكما سواهَا فَصَارَت خَمْسَة وَثَلَاثِينَ حكما أخذت دلائلها من الْخَبَر بِنص واستنباط ثمَّ عَددهَا، فَمن أرادها رَاجع كِتَابه وحذفتها هُنَا خشيَة الطول، وَلِأَن كتَابنَا لَيْسَ مَوْضُوعا لذَلِك، وَيُزَاد عَلَيْهَا أَحْكَام أخر عِنْد التَّأَمُّل.

.الحديث الثَّامِن:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا تنْكح الْمَرْأَة الْمَرْأَة وَلَا نَفسهَا؛ إِنَّمَا الزَّانِيَة الَّتِي تنْكح نَفسهَا». هَذَا الحَدِيث مَدَاره عَلَى أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَله عَنهُ طرق مِنْهَا:
طَرِيق عبيد بن يعِيش، ثَنَا عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الْمحَاربي، عَن عبد السَّلَام بن حَرْب، عَن هِشَام بن حسَّان، عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن أَبَى هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «لَا تزوج الْمَرْأَة الْمَرْأَة، وَلَا تزوج الْمَرْأَة نَفسهَا، وكنّا نقُول إِن الَّتِي تزوج نَفسهَا هِيَ الزَّانِيَة».
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَهَذَا الطَّرِيق عَلَى شَرط مُسلم، والمحاربي وَإِن كَانَ قد قَالَ ابْن معِين فِيهِ إِنَّه يروي الْمَنَاكِير عَن المجاهيل؛ فقد وَثَّقَهُ مرّة أُخْرَى، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: صَدُوق يروي عَن مجهولين أَحَادِيث مُنكرَة فَيفْسد حَدِيثه بذلك.
قلت: لم يرو هُنَا عَن مَجْهُول، فَحَدِيثه هَذَا جيد عَلَى أَن الْمحَاربي هَذَا قد أخرج لَهُ الشَّيْخَانِ فَجَاز القنطرة، وَلم ينْفَرد بِهِ؛ بل توبع، رَوَاهُ مُحَمَّد بن سعيد بن الْأَصْبَهَانِيّ، عَن عبد السَّلَام بِهِ، وَمُحَمّد ثِقَة كَمَا قَالَ النَّسَائِيّ وَيَعْقُوب بن شيبَة، وَخرج لَهُ البُخَارِيّ، وَقد أخرج هَذِه الْمُتَابَعَة الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا بِلَفْظ: «لَا تُنكح الْمَرْأَة الْمَرْأَة، وَلَا تنْكح الْمَرْأَة نَفسهَا» ثمَّ قَالَ: وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة: «كَانَ يُقَال: الزَّانِيَة تنْكح نَفسهَا». وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من رِوَايَة مُسلم بن أبي مُسلم، عَن مخلد بن الْحُسَيْن عَن هِشَام بن حسَّان بِهِ: «لَا تنْكح الْمَرْأَة الْمَرْأَة، وَلَا تنْكح الْمَرْأَة نَفسهَا، إِن الَّتِي تنْكح نَفسهَا هِيَ الْبَغي» قَالَ ابْن سِيرِين: وَرُبمَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: «هِيَ الزَّانِيَة» وَمُسلم هَذَا جُرْمِي ووالده عبد الرَّحْمَن، ومخلد وَثَّقَهُ الْعجلِيّ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَرَوَى عَن مُسلم هَذَا الحَدِيث الْحسن بن سُفْيَان أَيْضا، وَقَالَ: سَأَلت يَحْيَى بن معِين عَن رِوَايَة مخلد بن الْحُسَيْن، عَن هِشَام بن حسّان، فَقَالَ: ثِقَة. فَذكرت لَهُ هَذَا الحَدِيث قَالَ: نعم قد كَانَ شيخ عندنَا يرفعهُ عَن مخلد.
قلت: وَتَابعه عبد السَّلَام بن حَرْب كَمَا سلف، وَمُحَمّد بن مَرْوَان كَمَا سَيَأْتِي.
وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: وَمُسلم بن عبد الرَّحْمَن الْجرْمِي من شيخ الْغُزَاة، رَوَى عَن مخلد بن الْحُسَيْن، رَوَى عَنهُ الْمُنْذر بن شَاذان الرَّازِيّ الصَّادِق، قَالَ: إِنَّه قَتل من الرّوم مائَة ألف.
وَمِنْهَا: طَرِيق جميل بن الْحسن الْعَتكِي، ثَنَا مُحَمَّد بن مَرْوَان الْعقيلِيّ، ثَنَا هِشَام بن حسان، عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «لَا تزوج الْمَرْأَة الْمَرْأَة، وَلَا تزوج الْمَرْأَة نَفسهَا؛ فَإِن الزَّانِيَة هِيَ الَّتِي تزوج نَفسهَا».
رَوَاهُ ابْن مَاجَه، وَجَمِيل هَذَا قَالَ فِي حَقه عَبْدَانِ: كَاذِب فَاسق فَاجر. وَقَالَ ابْن عدي: لَا أعلم لَهُ حَدِيثا مُنْكرا، وَإِنَّمَا عَبْدَانِ نسبه إِلَى الْفسق.
وأمّا ابْن حبَان: فَذكره فِي ثقاته وَرَوَى عَنهُ ابْن خُزَيْمَة هَذَا الحَدِيث.
وَأما ابْن الْجَوْزِيّ فَقَالَ فِي تَحْقِيقه إِنَّه لَا يعرف فأغرب، وَقد نَاقض هَذِه الْمقَالة فِي كِتَابه الضُّعَفَاء فَنقل فِيهِ مَا قدمْنَاهُ أَولا، وَشَيْخه مُحَمَّد بن مَرْوَان، قَالَ أَبُو زرْعَة: لَيْسَ بِذَاكَ عِنْدِي. وَقَالَ أَحْمد: رَأَيْته وَقد حدث بِأَحَادِيث فَلم أَكتبهَا عَلَى عمد.
وَأما أَبُو دَاوُد، فَقَالَ: صَدُوق. وَقَالَ ابْن معِين: صَالح. وَأخرجه من هَذِه الطَّرِيق أَيْضا الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه وَلم يعقبه بِشَيْء، وَنقل عبد الْحق فِي الْأَحْكَام عَنهُ أَنه قَالَ فِيهِ: إِنَّه حَدِيث صَحِيح. ثمَّ قَالَ- كالمعترض عَلَيْهِ-: كَذَا قَالَه! وَقد رُوِيَ مَوْقُوفا. وَلم أر أَنا هَذِه القولة لَهُ فِي سنَنه بل وَلَا فِي علله فِيمَا يغلب، عَلَى ظَنِّي، وَلم يعقبه ابْن الْقطَّان وَلَا من تبعه؛ فَتنبه لَهُ، ثمَّ اعْلَم أَن الْحَافِظ شرف الدَّين الدمياطي ذكر الطَّرِيق الأول فِي الْجُزْء الْخَامِس من «الْأَعْيَان الْجِيَاد من مشيخة بَغْدَاد» ثمَّ ذكر طَرِيق ابْن مَاجَه هَذَا وَعَزاهُ إِلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: وَإِسْنَاده كلهم ثِقَات مُتَّفق عَلَيْهِم إِلَّا عبيدا؛ فَإِنَّهُ من أَفْرَاد مُسلم. وَهَذَا عَجِيب مِنْهُ؛ فَإِن الِاتِّفَاق عَلَى ثِقَة الْحسن بن جميل الْوَاقِع فِي رِوَايَة ابْن مَاجَه، وَالظَّاهِر أَن مُرَاده الطَّرِيق الأول، ولهَذَا اسْتثْنى عبيدا.
وَمِنْهَا: طَرِيق النَّضر بن شُمَيْل، أبنا ابْن حسّان، عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن أبي هُرَيْرَة قَوْله، وَلم يرفعهُ.
وَمِنْهَا:
طَرِيق حَفْص بن غياث، عَن هِشَام، عَن ابْن سِيرِين، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: «كنّا نتحدث أَن الَّتِي تنْكح نَفسهَا هِيَ الزَّانِيَة».
أخرجهُمَا الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من طَرِيق مَرْفُوعا.
وَمن طَرِيق مَوْقُوفا عَلَى أبي هُرَيْرَة، ثمَّ قَالَ: كَذَا قَالَ ابْن عُيَيْنَة، عَن هِشَام بن حسّان، عَن ابْن سِيرِين مَرْفُوعا، وَعبد السَّلَام بن حَرْب قد ميّز الْمسند من الْمَوْقُوف، فَيُشبه أَن يكون قد حفظه.
وَالشَّافِعِيّ فِي الْأُم أخرجه مَوْقُوفا، فَقَالَ: أبنا ابْن عُيَيْنَة، عَن هِشَام بن حسان... فَذكره كَمَا سلف.
فَائِدَة:
قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «لَا تُنكح الْمَرْأَة الْمَرْأَة» المُرَاد مِنْهُ النَّهْي، وصيغته الْخَبَر لوروده مضموم الْحَاء؛ إِذْ لَو كَانَ نهيا لَكَانَ مَجْزُومًا مكسورًا عَلَى أصل التقاء الساكنين.
هَذَا آخر مَا ذكره الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب من الْأَحَادِيث، وَذكر فِيهِ أثرين:

.أَحدهمَا:

«أَن ابْن عَبَّاس كَانَ يجوّز نِكَاح الْمُتْعَة، ثمَّ رَجَعَ عَنهُ».
وَهَذَا الْأَثر مَشْهُور عَنهُ، قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي جامعه: رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس شَيْء من الرُّخْصَة فِي الْمُتْعَة، ثمَّ رَجَعَ عَن قَوْله حَيْثُ أخبر عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَالَ: بَاب رُجُوع ابْن عَبَّاس عَن نِكَاح الْمُتْعَة ثمَّ سَاق بِإِسْنَادِهِ إِلَى مُوسَى بن عُبَيْدَة عَن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ ابْن عَبَّاس: «إِنَّمَا كَانَت الْمُتْعَة فِي أول الْإِسْلَام؛ كَانَ الرجل يقدم الْبَلدة لَيْسَ لَهُ بهَا معرفَة فَيَتَزَوَّج الْمَرْأَة بِقدر مَا يرَى أَنه يُقيم لتحفظ لَهُ مَتَاعه وَتصْلح لَهُ شَأْنه، حَتَّى نزلت هَذِه الْآيَة: إلاّ عَلَى أَزوَاجهم أَو مَا ملكت أَيْمَانهم قَالَ ابْن عَبَّاس: فَكل فرج سواهُمَا حرَام».
قَالَ الْحَازِمِي: إِسْنَاده صَحِيح لَوْلَا مُوسَى بن عُبَيْدَة- وَهُوَ الربذي- كَانَ يسكن الربذَة- وَعزا الْمجد ابْن تَيْمِية فِي أَحْكَامه إِلَى البُخَارِيّ أَنه رَوَى عَن أبي جَمْرَة، عَن ابْن عَبَّاس «أَنه سُئِلَ عَن مُتْعَة النِّسَاء، فَرخص فِيهِ فَقَالَ مولَى لَهُ: إِنَّمَا ذَلِك فِي الْحَال الشَّديد وَفِي النِّسَاء قلَّة- أَو نَحوه- فَقَالَ ابْن عَبَّاس: نعم».
وَلم أر هَذَا فِي البُخَارِيّ وَلَا أعلم من رَوَاهُ أَيْضا، وَقد استغربه ابْن الْأَثِير فَعَزاهُ فِي جامعه إِلَى رزين وَحده.

.الْأَثر الثَّانِي:

«أَن امْرَأَة كَانَت فِي ركب، فَجعلت أمرهَا إِلَى رجل فَزَوجهَا، فَبلغ ذَلِك عمر، فجلد الناكح والمنكح».
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن مُسلم بن خَالِد وَسَعِيد بن سَالم، عَن ابْن جريج، قَالَ: أَخْبرنِي عِكْرِمَة بن خَالِد قَالَ: «جمعت الطَّرِيق رفقه فيهم امْرَأَة ثيّب، فولَّت رجلا مِنْهُم أمرهَا فَزَوجهَا رجلا، فجلد عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه الناكح والمنكح ورد نِكَاحهَا».
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه من حَدِيث روح، ثَنَا ابْن جريج، أَخْبرنِي عبد الحميد بن جُبَير بن شيبَة، عَن عِكْرِمَة بن خَالِد قَالَ: «جمعت الطَّرِيق ركبًا، فَجعلت امْرَأَة مِنْهُم ثيب أمرهَا بيد رجل غير ولي فَأَنْكحهَا، فَبلغ ذَلِك عمر فجلد الناكح والمنكح ورد نِكَاحهَا».
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه أَيْضا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَفِي رِوَايَة لَهُ «أَن عمر رد نِكَاح امْرَأَة نكحت بِغَيْر ولي».
وَرَوَى هَذِه الشَّافِعِي أَيْضا.

.باب فِي الْأَوْلِيَاء وأحكامهم:

ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا، أما الْأَحَادِيث فعشرون حَدِيثا:

.الحديث الأول:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الثّيّب أَحَق بِنَفسِهَا من وَليهَا، وَالْبكْر يُزَوّجهَا أَبوهَا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ بِهَذَا اللَّفْظ سَوَاء من حَدِيث ابْن عَبَّاس- رَضِي اللّه عَنْهُمَا- وَهُوَ فِي صَحِيح مُسلم عَن ابْن عَبَّاس أَيْضا بِأَلْفَاظ:
أَحدهَا: «الأيم أَحَق بِنَفسِهَا من وَليهَا، وَالْبكْر تستأذن فِي نَفسهَا، وإذنها صماتها».
ثَانِيهَا: «الثّيّب أَحَق بِنَفسِهَا من وَليهَا، وَالْبكْر تستأمر وإذنها سكُوتهَا».
ثَالِثهَا: «الْبكر يستأذنها أَبوهَا فِي نَفسهَا، وإذنها صماتها- وَرُبمَا قَالَ:- وصمتها إِقْرَارهَا».
وَفَى رِوَايَة لِأَحْمَد: «واليتيمة تستأمر فِي نَفسهَا».
وَفِي رِوَايَة للدارمي فِي مُسْنده: «الأيم أملك بأمرها من وَليهَا، وَالْبكْر تستأمر فِي نَفسهَا وصمتها إِقْرَارهَا».
وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «وَالْبكْر يستأمرها أَبوهَا» قَالَ أَبُو دَاوُد: أَبوهَا لَيْسَ بِمَحْفُوظ.
قلت: وَرَوَاهُ بِهَذِهِ الزِّيَادَة مُسلم كَمَا سلف، وفِي الْبَيْهَقِيّ أَن الشَّافِعِي قَالَ: زَاد ابْن عُيَيْنَة فِي حَدِيثه: «وَالْبكْر يُزَوّجهَا أَبوهَا» قَالَ ذَلِك بعد أَن نقل عَن أبي دَاوُد أَنَّهَا زِيَادَة غير مَحْفُوظَة.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَا نعلم أحدا وَافق ابْن عُيَيْنَة عَلَيْهَا، وَلَعَلَّه ذكره من حفظه، فَسبق إِلَيْهِ لِسَانه.

.الحديث الثَّانِي:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَيْسَ للْوَلِيّ مَعَ الثيّب أَمر».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ فِي سنَنَيْهِمَا وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث ابْن عَبَّاس- رَضِي اللّه عَنْهُمَا- كَذَلِك بِزِيَادَة: «واليتيمة تستأمر وصمتها إِقْرَارهَا» وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: «واليتيمة تستأذن فِي نَفسهَا».
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته: هَذَا الحَدِيث رُوَاته ثِقَات. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الْإِلْمَام: رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث صَالح بن كيسَان، عَن نَافِع بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لَيْسَ للْوَلِيّ مَعَ الثّيّب أَمر».
قَالَ الشَّيْخ: وَرِجَاله ثِقَات عِنْدهم، إِلَّا أَن الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ: لم يسمعهُ صَالح من نَافِع؛ إِنَّمَا سَمعه من عبد الله بن الْفضل عَنهُ، ثمَّ قَالَ الشَّيْخ: عبد الله بن الْفضل ثِقَة.
قلت: رَأَيْته فِي سنَن الدَّارَقُطْنِيّ وَزَاد فِي آخِره اتّفق عَلَى ذَلِك مُحَمَّد بن إِسْحَاق وَسَعِيد بن سَلمَة، عَن صَالح، سَمِعت النَّيْسَابُورِي يَقُول: الَّذِي عِنْدِي أَن معمرًا أَخطَأ فِيهِ.
وَقَالَ ابْن حبَان فِي صَحِيحه: ذكر الْخَبَر المدحض قَول من زعم أَن هَذَا الْخَبَر تفرد بِهِ عبد الله بن الْفضل، عَن نَافِع بن جُبَير بن مطعم... ثمَّ ذكره من رِوَايَة صَالح، عَن نَافِع، وَلم يصنع شَيْئا؛ فَإِن صَالحا إِنَّمَا سَمعه من عبد الله بن الْفضل، وَذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي كتاب الاقتراح فِي الْقسم الرَّابِع فِي أَحَادِيث رَوَاهَا من أخرج لَهُ البُخَارِيّ وَمُسلم فِي صَحِيحَيْهِمَا وَلم يخرجَا تِلْكَ الْأَحَادِيث.
فَائِدَة: قَالَ ابْن حبَان فِي صَحِيحه أَرَادَ باستئمار الْيَتِيمَة الرِّضَا فِيمَن عزم لَهُ عَلَى العقد عَلَيْهَا؛ فَإِن صمتت فَهُوَ إِقْرَارهَا، وَالْإِذْن لَا يكون إِلَّا للبالغة.