فصل: الحديث الثَّامِن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.أما الْأَحَادِيث:

فَثَلَاثَة عشر حَدِيثا:

.الحديث الأول:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «يحرم من الرضَاعَة مَا يحرم من الْولادَة» وَيروَى «مَا يحرم من النّسَب».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا بِاللَّفْظِ الأول من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، وَبِالثَّانِي من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما، وَرَوَاهُ بِاللَّفْظِ الثَّانِي مُسلم أَيْضا من حَدِيث عَائِشَة وَفِي لفظ لَهُ وللبخاري: «حرمُوا من الرضَاعَة مَا يحرم من النّسَب».

.الحديث الثَّانِي:

عَن عبد الله بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من نكح امْرَأَة ثمَّ طلَّقهَا قَبْلَ أَن يْدخَلَ بهَا حرمت عَلَيْهِ أمهاتها، وَلم تحرم عَلَيْهِ بنتهَا».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي جامعه لَكِن من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو- بِالْوَاو فِي آخِره- رَوَاهُ من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، وَهُوَ عبد الله بن عَمْرو أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «أَيّمَا رجل نكح امْرَأَة فَدخل بهَا فَلَا يحل لَهُ نِكَاح ابْنَتهَا، وَإِن لم يكن دخل بهَا فَلْيَنْكِح ابْنَتهَا، وَأَيّمَا رجل نكح امْرَأَة فَلَا يحل لَهُ أَن ينْكح أمهَا دخل بهَا أَو لم يدْخل بهَا» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث لَا يَصح من قبل إِسْنَاده، وَإِنَّمَا رَوَاهُ ابْن لَهِيعَة والمثنى بن الصَّباح، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، وَابْن لَهِيعَة والمثنى يُضعفَانِ فِي الحَدِيث.

.الحديث الثَّالِث:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يجمع مَاءَهُ فِي رحم أُخْتَيْنِ» وَيروَى «مَلْعُون من جمع مَاءَهُ فِي رحم أُخْتَيْنِ» هَذَا الحَدِيث بلفظيه غَرِيب جدًّا لَا يحضرني من خرجه بعد الْبَحْث الشَّديد عَنهُ سِنِين، وَعَزاهُ ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه بِاللَّفْظِ الثَّانِي إِلَى اسْتِدْلَال أَصْحَابهم الْفُقَهَاء، والرافعي ذكره فِي حُرْمَة الْجمع بَين الْأُخْتَيْنِ. ويغني عَنهُ فِي الدّلَالَة حَدِيث فَيْرُوز الديلمي الْآتِي فِي الْبَاب الْآتِي بعد هَذَا إِن شَاءَ الله.

.الحديث الرَّابِع:

عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا تنْكح الْمَرْأَة عَلَى عَمَّتهَا، وَلَا الْعمة عَلَى بنت أَخِيهَا، وَلَا المرأةُ عَلَى خَالَتِها، وَلَا الْخَاَلةُ عَلَى بنْت أُختِهَا، وَلَا الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى، وَلَا الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ من هَذَا الْوَجْه من حَدِيث دَاوُد بن أبي هِنْد، عَن الشّعبِيّ عَنهُ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نهَى أَن تنْكح الْمَرْأَة عَلَى عَمَّتهَا، أَو الْعمة عَلَى ابْنة أَخِيهَا، وَالْمَرْأَة عَلَى خَالَتهَا، أَو الْخَالَة عَلَى ابْنة أُخْتهَا، لَا تنْكح الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى، وَلَا الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى».
وَلَيْسَ فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: «لَا تنْكح الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى....» إِلَى آخِره. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا الحَدِيث حسن صَحِيح. وَرَوَاهُ عَاصِم، عَن الشّعبِيّ، عَن جَابر لَا عَن أبي هُرَيْرَة، وَرَوَاهُ حَمَّاد بن سَلمَة، عَن عَاصِم، عَن الشّعبِيّ، عَن جَابر وَأبي هُرَيْرَة.
قلت: وَأخرجه ابْن حبَان فِي صَحِيحه بِلَفْظ «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تنْكح الْمَرْأَة عَلَى عَمَّتهَا، وَعَلَى خَالَتهَا، وَعَلَى بنت أَخِيهَا وَعَلَى بنت أُخْتهَا وَنَهَى أَن تنْكح الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى، وَالصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى».
وأصل حَدِيث أبي هُرَيْرَة هَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ بِلَفْظ «لَا تنْكح العمّة عَلَى بنت الْأَخ، وَلَا ابْنة الْأُخْت عَلَى الْخَالَة» هَذَا لفظ مُسلم، وَفِي رِوَايَة لَهُ: «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يجمع بَين الْمَرْأَة وعمتها، وَبَين الْمَرْأَة وخالتها» وَلَفظ البُخَارِيّ: «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تنْكح الْمَرْأَة عَلَى عَمَّتهَا، وَالْمَرْأَة عَلَى خَالَتهَا».
وَفِي رِوَايَة لَهما: «لَا يجمع بَين الْمَرْأَة وعمتها، وَلَا بَين الْمَرْأَة وخالتها» وَرَوَاهُ البُخَارِيّ بِنَحْوِهِ من حَدِيث جَابر أَيْضا، وَرَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان من حَدِيث ابْن عَبَّاس، قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن صَحِيح. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، وَفِي إِسْنَاده مُتَكَلم فِيهِ.
وَرَوَاهُ الْبَزَّار من حَدِيث عَلّي، وَابْن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث ابْن عمر قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَفِي الْبَاب عَن أبي سعيد وَأبي أُمَامَة وَابْن عمر وَعَائِشَة وَأبي مُوسَى، وَسمرَة بن جُنْدُب. قَالَ: وَعلي وَابْن عَمْرو وَجَابِر، وَهَؤُلَاء أسلفناهم.
قَالَ ابْن مَنْدَه: وَفِيه أَيْضا عَن سعد بن أبي وَقاص، وَزَيْنَب امْرَأَة ابْن مَسْعُود.
قلت: فَهَؤُلَاءِ أَرْبَعَة عشر صحابيًّا، وَاعْلَم أَن الشَّافِعِي قَالَ: لم يرو هَذَا الحَدِيث من وَجه يُثبتهُ أهل الحَدِيث عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا عَن أبي هُرَيْرَة. فَاعْترضَ الْبَيْهَقِيّ فَقَالَ: رُوِيَ عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة إِلَّا أَنَّهَا لَيست من شَرط الشَّيْخَيْنِ، وَقد أخرج البُخَارِيّ رِوَايَة عَاصِم الْأَحول عَن الشّعبِيّ، عَن جَابر إِلَّا أَنهم يرَوْنَ أَنَّهَا خطأ، وَأَن الصَّوَاب رِوَايَة دَاوُد بن أبي هِنْد، وَابْن عون، عَن الشّعبِيّ، عَن أبي هُرَيْرَة.
قلت: لقَائِل أَن يَقُول يحْتَمل أَن يكون الشّعبِيّ سَمعه مِنْهُمَا، وَيُؤَيِّدهُ إِخْرَاج البُخَارِيّ لَهما فِي صَحِيحه عَلَى أَن دَاوُد بن أبي هِنْد اخْتلف عَلَيْهِ فِيهِ، فرُوي عَنهُ عَن الشّعبِيّ كَمَا ذكره الْبَيْهَقِيّ، وَأخرجه مُسلم من حَدِيثه، عَن ابْن سِيرِين، عَن أبي هُرَيْرَة، وَلَا يلْزم من كَونهَا لَيست عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ ضعفها.
قَالَ الرَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَرَادَ عَلَيْهِ السَّلَام الْكُبْرَى وَالصُّغْرَى فِي الدرجَة لَا فِي السن، وَالصُّغْرَى بنت الْأَخ وَبنت الْأُخْت، والكبرى الْعمة وَالْخَالَة. قَالَ: وَالْمعْنَى أَن سَبَب تَحْرِيم الْجمع مَا فِيهِ من قطيعة الرَّحِم الموحشة، والمنافسة القوية بَين الضرتين.
رُوِيَ عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «أَنه أَشَارَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّكُم إِذا فَعلْتُمْ ذَلِك قطعْتُمْ أرحامهن».
قلت: وَهَذَا الْمَرْوِيّ هُوَ الحَدِيث الْخَامِس من أَحَادِيث الْبَاب.
أخرجه ابْن عدي من حَدِيث أبي حريز، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تزوج الْمَرْأَة عَلَى الْعمة أَو عَلَى الْخَالَة، وَقَالَ: إِنَّكُم إِذا فَعلْتُمْ ذَلِك قطعْتُمْ أَرْحَامكُم».
وَرَوَاهُ ابْن عبد الْبر من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يجمع بَين الْمَرْأَة وعمتها، وَبَين الْمَرْأَة وخالتها وَقَالَ: إنكن إِذا فعلتن ذَلِك قطعتن أرحامكن».
وَأخرجه كَذَلِك أَبُو مُحَمَّد الْأصيلِيّ- عَلَى مَا نَقله عَنهُ عبد الْحق، ثمَّ ابْن الْقطَّان- من هَذَا الْوَجْه أَيْضا بِلَفْظ ابْن عدي إِلَّا أَنه قَالَ: «إنكنّ إِذا فعلتن ذَلِك قطعتن أَرْحَامكُم» وَهَذَا الحَدِيث سكت عَلَيْهِ عبد الْحق، ومداره عَلَى أبي حريز وهَذَا بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة، ثمَّ زَاي فِي آخِره، واسْمه: عبد الله بن الْحُسَيْن، قَاضِي سجستان وحالته مُخْتَلف فِيهَا، قَالَ أَحْمد: كَانَ يَحْيَى بن سعيد يحمل عَلَيْهِ. وَلَا أرَاهُ إِلَّا كَمَا قَالَ، وَفِي رِوَايَة عَنهُ: حَدِيثه مُنكر، وضعّفه أَيْضا سعيد بن أبي مَرْيَم وَالنَّسَائِيّ وَأما ابْن معِين، وَأَبُو زرْعَة فوثقاه، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: حسن الحَدِيث لَيْسَ بمنكر يكْتب حَدِيثه. وَقَالَ ابْن عدي: عَامَّة مَا يرويهِ لَا يُتَابع عَلَيْهِ. ذكر ذَلِك إِثْر إِيرَاده هَذَا الحَدِيث، وَذكر لَهُ عدَّة أَحَادِيث غَيره.
وَأما التِّرْمِذِيّ فصحح حَدِيثا لَهُ، وَاسْتشْهدَ بِهِ البُخَارِيّ لَا جرم أخرجه ابْن حبَان فِي صَحِيحه من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ ابْن عدي، إِلَّا أَنه قَالَ: «إنكنّ إِذا فعلتن ذَلِك قطعتن أرحامكن» بدل ذَلِك، ثمَّ قَالَ: أَبُو حريز هَذَا اسْمه عبد الله بن الْحُسَيْن قَاضِي سجستان، وَأَبُو حريز مولَى الزُّهْرِيّ ضَعِيف اسْمه سليم، وجميعًا يرويان عَن الزُّهْرِيّ.

.الحديث السَّادِس:

«أَن غَيْلاَن أَسْلَمَ وتَحَتْهَ عَشْرُ نِسْوَةٍ، فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: اختر أَرْبعا مِنْهُنَّ وَفَارق سائرهنّ» هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن الثِّقَة- «فِي الْأُم»: ابْن علية أَو غَيره- قَالَ الرّبيع: أَحْسبهُ إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم كَمَا سَيَأْتِي عَن معمر، عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه «أَن غيلَان بن سَلمَة الثَّقَفِيّ أسلم وَعِنْده عشر نسْوَة فَقَالَ لَهُ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: أمسك أَرْبعا وَفَارق سائرهن» وَرَوَاهُ أَحْمد عَن إِسْمَاعِيل، أبنا معمر، عَن الزُّهْرِيّ بِهِ، وَلَفظه «اختر» بدل «أمسك» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مراسيله من حَدِيث معمر، عَن الزُّهْرِيّ «أَن غيلَان الثَّقَفِيّ أسلم وَعِنْده عشر نسْوَة، فَأمره النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَأْخُذ مِنْهُنَّ أَرْبعا» وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَأَبُو حَاتِم بن حبَان وَالْحَاكِم فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن أَبِيه «أَن غيلَان بن سَلمَة الثَّقَفِيّ أسلم وَله عشر نسْوَة فِي الْجَاهِلِيَّة، فأسلمن مَعَه وَأمره النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يتَخَيَّر مِنْهُنَّ أَرْبعا» هَذَا لفظ التِّرْمِذِيّ، وَلَفظ ابْن مَاجَه: «أسلم غيلَان بن سَلمَة وَتَحْته عشر نسْوَة، فَقَالَ لَهُ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خُذ مِنْهُنَّ أَرْبعا» وَلَفظ الْحَاكِم بِنَحْوِ هَذِه الرِّوَايَة، وَأما ابْن حبَان فَإِنَّهُ أخرجه بِأَلْفَاظ:
أَحدهَا: «فَأمره النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يتَخَيَّر مِنْهُنَّ أَرْبعا وَيتْرك سائرهن».
ثَانِيهَا: «أمسك أَرْبعا وَفَارق سائرهن».
ثَالِثهَا: «اختر مِنْهُنَّ أَرْبعا» ثمَّ قَالَ: ذكر الْخَبَر المدحض قَول من زعم أَن هَذَا الْخَبَر حدث بِهِ معمر بِالْبَصْرَةِ. ثمَّ سَاقه كَذَلِك، وَمُلَخَّصه: أَنه سَاقه من حَدِيث إِسْمَاعِيل ابْن علية، وَالْفضل بن مُوسَى، وَعِيسَى بن يُونُس كلهم عَن معمر، عَن الزُّهْرِيّ.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَكَذَا رَوَى هَذَا الحَدِيث معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن أَبِيه. قَالَ: وَسمعت البُخَارِيّ يَقُول: هَذَا حَدِيث غير مَحْفُوظ، وَالصَّحِيح: مَا رَوَاهُ شُعَيْب بن أبي حَمْزَة وَغَيره، عَن الزُّهْرِيّ، قَالَ: حدثت عَن مُحَمَّد بن سُوَيْد الثقفيٍ «أَن غيلَان بن سَلمَة الثَّقَفِيّ أسلم وَعِنْده عشر نسْوَة» قَالَ البُخَارِيّ: وَإِنَّمَا حَدِيث الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن أَبِيه «أَن رجلا من ثَقِيف طلق نِسَاءَهُ، فَقَالَ لَهُ عمر: لترجعنّ نِسَاءَك أَو لأرجمن قبرك كَمَا رجم قبر أبي رِغَال» انْتَهَى مَا ذكره التِّرْمِذِيّ.
وَقد جمع الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَته لهَذَا الحَدِيث وَكَذَا ابْن حبَان فِي إِحْدَى رواياته بَين هذَيْن الْحَدِيثين بِهَذَا السَّنَد، فَلَيْسَ مَا ذكره البُخَارِيّ، قَادِحًا فِي صِحَّته، وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: قَالَ أَبُو زرْعَة: الْمُرْسل أصح وَنَقَل نَحوه عَن وَالِده، وَقَالَ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه بعد أَن رَوَاهُ من طَرِيق معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن أَبِيه كَمَا تقدم.
هَكَذَا رَوَاهُ المتقدمون من أَصْحَاب سعيد بن أبي عرُوبَة وَيزِيد بن زُرَيْع وَإِسْمَاعِيل ابْن علية، وغندر، وَالْأَئِمَّة الْحفاظ من أهل الْبَصْرَة، وَقد حكم الإِمَام مُسلم بن الْحجَّاج أَن هَذَا الحَدِيث مِمَّا وهم فِيهِ معمر بِالْبَصْرَةِ، فَإِن رَوَاهُ عَنهُ ثِقَة خَارج الْبَصرِيين حكمنَا بِالصِّحَّةِ فَوجدت سُفْيَان الثَّوْريّ، وَعبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الْمحَاربي، وَعِيسَى بن يُونُس- وثلاثتهم كوفيون- حدثوا بِهِ عَن معمر ثمَّ سَاق ذَلِك الْحَاكِم عَنْهُم بأسانيده ثمَّ قَالَ: وَهَكَذَا وجدت الحَدِيث عِنْد أهل الْيَمَامَة، عَن معمر، وَعند الْأَئِمَّة الخراسانيين عَن معمر ثمَّ سَاق ذَلِك عَنْهُم بأسانيده ثمَّ قَالَ: وَالَّذِي يُؤَدِّي إِلَيْهِ اجتهادي أَن معمر بن رَاشد حدث بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ أرْسلهُ مرّة وَوَصله أُخْرَى.
وَالدَّلِيل عَلَيْهِ: أَن الَّذين وصلوه عَنهُ من أهل الْبَصْرَة أَرْسلُوهُ أَيْضا، والوصل أولَى من الْإِرْسَال؛ فَإِنَّ الزِّيَادَة من الثِّقَة مَقْبُولَة، انْتَهَى كَلَام الْحَاكِم أبي عبد الله.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن الثِّقَة، أَحْسبهُ إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم كَمَا قَالَه الرّبيع، وَرَوَاهُ سعيد بن أبي عرُوبَة بِمَعْنَاهُ، وتابعهما يزِيد بن زُرَيْع، وَمُحَمّد بن جَعْفَر غنْدر، وَهَؤُلَاء الْأَرْبَعَة من الْأَئِمَّة الْحفاظ من أهل الْبَصْرَة، ثمَّ ذكر كَلَام مُسلم الَّذِي نَقله الْحَاكِم، ثمَّ قَالَ: وجدنَا سُفْيَان الثَّوْريّ، وَعبد الرَّحْمَن الْمحَاربي، وَعِيسَى بن يُونُس- وثلاثتهم كوفيون- حدثوا بِهِ عَن معمر مُتَّصِلا.
وَهَكَذَا رُوِيَ عَن يَحْيَى بن أبي كثير وَهُوَ يماني، وَعَن الْفضل بن مُوسَى، وَهُوَ خراساني، عَن معمر مُتَّصِلا فصح الحديثان بذلك.
ثمَّ قَالَ: وَقد رُوِيَ عَن أَيُّوب بن أبي تَمِيمَة السّخْتِيَانِيّ، عَن نَافِع، وَسَالم، عَن ابْن عمر مُتَّصِلا رَوَاهُ عَنهُ سرّار بن مجشر.
قلت: وَكَذَلِكَ أخرجه س قَالَ أَبُو عَلّي الْحَافِظ: تفرد بِهِ سرار وَهُوَ بَصرِي ثِقَة وَكَذَا قَالَ يَحْيَى بن معِين إِنَّه ثِقَة قَالَ أَبُو عبد الله: رُوَاة هَذَا الحَدِيث كلهم ثِقَات تقوم الْحجَّة بروايتهم. وَذكر الْحَافِظ عبد الْحق فِي الْأَحْكَام هَذَا الحَدِيث من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، وَأتبعهُ بقول البُخَارِيّ الْمُتَقَدّم، ثمَّ قَالَ: قَالَ ابْن عبد الْبر: الْأَحَادِيث فِي تَحْرِيم نِكَاح مَا زَاد عَلَى الْأَرْبَع كلهَا معلولة.
قَالَ ابْن الْقطَّان فِي علله: لم يبين عبد الْحق علّة حَدِيث غيلَان، ولنبينها كَمَا يُرِيد مضعفوه، وَإِن كَانَت عِنْدِي لَيست بعلة؛ فَاعْلَم أَنه حَدِيث مُخْتَلف فِيهِ عَلَى الزُّهْرِيّ، فقوم رَوَوْهُ عَنهُ مُرْسلا فَمنهمْ مَالك كَمَا سَيَأْتِي، وَمِنْهُم معمر عَنهُ، قَالَ: أسلم غيلَان. فهذان قَولَانِ، وَقَول ثَالِث: عَن ابْن وهب، عَن يُونُس، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُثْمَان بن مُحَمَّد بن أبي سُوَيْد «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لغيلان...» الحَدِيث.
وَقَول ثَان عَن يُونُس: رَوَاهُ اللَّيْث، عَن يُونُس، عَن ابْن شهَاب، قَالَ: بَلغنِي عَن عُثْمَان بن أبي سُوَيْد «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم...» فَذكره.
وَقَول ثَالِث عَنهُ- أَعنِي: الزُّهْرِيّ- وَهُوَ قَول البُخَارِيّ الْمُتَقَدّم الَّذِي نَقله التِّرْمِذِيّ عَنهُ.
وَقَول رَابِع عَنهُ: رَوَاهُ معمر عَنهُ، عَن سَالم، عَن أَبِيه «أَن غيلَان...» الحَدِيث كَمَا تقدم يرويهِ عَن معمر هَكَذَا مَرْوَان بن مُعَاوِيَة وسعيد بن أبي عرُوبَة وَيزِيد بن زُرَيْع، وَقد ذكرهَا التِّرْمِذِيّ فِي علله بِإِسْنَادِهِ، وَقد رَوَاهُ أَيْضا الثَّوْريّ، عَن معمر ذكر ذَلِك الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله من رِوَايَة يَحْيَى بن سعيد عَنهُ، وَذكر جمَاعَة أَيْضا رَوَوْهُ عَن معمر كَذَلِك إِلَّا أَنه لم يُوصل بهَا الْأَسَانِيد وَذكر أَن يَحْيَى بن سَلام رَوَاهُ عَن مَالك، عَن الزُّهْرِيّ كَذَلِك. قَالَ ابْن القطّان.
وَهَذَا هُوَ الحَدِيث الَّذِي اعْتَمدهُ هَؤُلَاءِ فِي تخطئة معمر فِيهِ وَمَا ذَاك بالبين؛ فَإِن معمرًا حَافظ، وَلَا بعد فِي أَن يكون عِنْد الزُّهْرِيّ فِي هَذَا كل مَا رَوَى عَنهُ وَإِنَّمَا اتجهت تخطئتهم رِوَايَة معمر هَذِه من حَيْثُ الاستبعاد أَن يكون الزُّهْرِيّ يرويهِ بِهَذَا الْإِسْنَاد الصَّحِيح عَن سَالم، عَن أَبِيه مَرْفُوعا، ثمَّ يحدث بِهِ عَلَى تِلْكَ الْوُجُوه الْوَاهِيَة؛ تَارَة يُرْسِلهُ من قبله، وَتارَة عَن عُثْمَان بن مُحَمَّد بن أبي سُوَيْد وَهُوَ لَا يعرف الْبَتَّةَ، وَتارَة يَقُول: بَلغنِي عَن عُثْمَان هَذَا، وَتارَة عَن مُحَمَّد بن سُوَيْد الثَّقَفِيّ، وَهَذَا عِنْدِي غير مستبعد أَن يحدث بِهِ عَلَى هَذِه الْوُجُوه كلهَا فيعلق كل وَاحِد من الروَاة عَنهُ مِنْهَا بِمَا تبين لَهُ حفظه، فَرُبمَا اجْتمع كل ذَلِك عِنْد أحدهم أَو أَكْثَره أَو أَقَله، وأمَّا مَا قَالَ البُخَارِيّ إِن الزُّهْرِيّ إِنَّمَا رَوَى عَن سَالم، عَن أَبِيه «أَن عمر قَالَ لرجل من ثَقِيف طلق نِسَاءَهُ: لتراجعن نِسَاءَك أَو لأرجمنك كَمَا رجم قبر أبي رِغَال» فَإِنَّهُ قد رُوِيَ من غير رِوَايَة الزُّهْرِيّ أَن عمر قَالَ ذَلِك لَهُ فِي حَدِيث وَاحِد ذكر فِيهِ «تخيَّر النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ إِيَّاه حِين أسلم».
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ثَنَا مُحَمَّد بن نوح الجنديسابوري، ثَنَا عبد القدوس بن مُحَمَّد، وثنا مُحَمَّد بن مخلد، ثَنَا حَفْص بن عَمْرو بن يزِيد، قَالَا: ثَنَا سيف بن عبيد الله الْجرْمِي ثَنَا سرار بن مجشر، عَن أَيُّوب، عَن نَافِع وَسَالم، عَن ابْن عمر «أَن غيلَان بن سَلمَة الثَّقَفِيّ أسلم وَعِنْده عشر نسْوَة، فَأمره النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يمسك مِنْهُنَّ أَرْبعا، فَلَمَّا كَانَ زمن عمر طلقهن، فَقَالَ لَهُ عمر: راجعهن وَإِلَّا ورثتهن مَالك وَأمرت بقبرك» زَاد ابْن نوح: «فَأسلم وأسلمن مَعَه» فَهَذَا أَيُّوب يرويهِ، عَن سَالم، كَمَا رَوَاهُ الزُّهْرِيّ عَنهُ فِي رِوَايَة معمر، وَزَاد إِلَى سَالم نَافِعًا، وسرار بن مجشر أحد الثِّقَات، وَسيف بن عبيد الله قَالَ فِيهِ عَمْرو بن عَلّي: من خِيَار الْخلق، وَلم يذكرهُ ابْن أبي حَاتِم وَلَا أعرفهُ عِنْد غَيره، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله: تفرد بِهِ سيف بن عبيد الله الْجرْمِي عَن سرار، وسرار ثِقَة من أهل الْبَصْرَة. قَالَ ابْن القطّان: والمتحصل من هَذَا هُوَ أَن حَدِيث الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن أَبِيه من رِوَايَة معمر فِي قصَّة غيلَان صَحِيح وَلم يعتل عَلَيْهِ من ضعفه بِأَكْثَرَ من الِاخْتِلَاف عَلَى الزُّهْرِيّ.
وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الْإِلْمَام: ذكر البُخَارِيّ أَن هَذَا الحَدِيث غير مَحْفُوظ وَعلله، وَكَذَلِكَ مُسلم حكم فِي التَّمْيِيز عَلَى معمر بالوهم فِيهِ، قَالَ: وَمن صَححهُ يعْتَمد عَلَى عَدَالَة معمر وجلالته، انْتَهَى.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد روينَا عَن عُرْوَة بن مَسْعُود وَصَفوَان بن أُميَّة مَعْنَى حَدِيث غيلَان بن سَلمَة، وَقَالَ الشَّافِعِي: دلّت سنة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم المبينة عَن الله عَلَى تَحْرِيم أَن يجمع غير رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين أَكثر من أَربع نسْوَة قَالَ الْأَثْرَم: ذكرت لأبي عبد الله هَذَا الحَدِيث قَالَ: مَا هُوَ صَحِيح، هَذَا حَدِيث معمر بِالْبَصْرَةِ فأسنده لَهُم وَقد حدث بأَشْيَاء بِالْبَصْرَةِ أَخطَأ فِيهَا وَالنَّاس يهمون.
وَقَالَ: سَأَلت الإِمَام أَحْمد عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: لَيْسَ بِصَحِيح وَالْعَمَل عَلَيْهِ.
فَائِدَتَانِ:
الأولَى: وَقع فِي هَذَا الحَدِيث فِي موطأ مَالك، وَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَنهُ عَن ابْن شهَاب قَالَ: «بَلغنِي أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لرجل من ثَقِيف أسلم وَعِنْده عشر نسْوَة: أمسك أَرْبعا وَفَارق سائرهن».
وَفِي اسْم هَذَا الرجل ثَلَاثَة أَقْوَال حَكَاهَا الْخَطِيب فِي مبهماته:
أَحدهَا: أَنه غيلَان بن سَلمَة الْمَذْكُور.
ثَانِيهَا: أَنه عُرْوَة بن مَسْعُود.
ثَالِثهَا: أَنه مَسْعُود بن ياليل بن عَمْرو بن عَمْرو بن عبيد.
الثَّانِيَة: وَقعت فِي وسيط الْغَزالِيّ: ابْن غيلَان بدل غيلَان وَهَذَا خلاف الصَّوَاب؛ فَتنبه لَهُ، وَقد أوضحته فِي تَخْرِيج أحاديثي لَهُ.

.الحديث السَّابِع:

«أَن نَوْفَل بن مُعَاوِيَة أسلم وَتَحْته خمس نسْوَة فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: أمسك أَرْبعا وَفَارق الْأُخْرَى».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي كَمَا عزاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه إِلَيْهِ، أبنا بعض أَصْحَابنَا عَن أبي الزِّنَاد، عَن عبد الْمجِيد بن سُهَيْل بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، عَن عَوْف بن الْحَارِث، عَن نَوْفَل بن مُعَاوِيَة، قَالَ: «أسلمت وتحتي خمس نسْوَة، فَسَأَلت النبى فَقَالَ: فَارق وَاحِدَة وَأمْسك أَرْبعا. فعمدت إِلَى أقدمهن عِنْدِي عاقرًا مُنْذُ سِتِّينَ سنة ففارقتها».

.الحديث الثَّامِن:

عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَ: «جَاءَت امْرَأَة رِفَاعَة الْقرظِيّ إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: إِنِّي كنت عِنْد رِفَاعَة، فطلقني فَبت طَلَاقي، فَتزوّجت بعده عبد الرَّحْمَن بن الزبير وَإِنَّمَا مَعَه مثل هدبة الثَّوْب. فَتَبَسَّمَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ: أَتُرِيدِينَ أَن تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَة؟ لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَته وَيَذُوق عُسَيْلَتك».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا كَذَلِك وَمَعْنى «بت طَلَاقي» طَلقنِي ثَلَاثًا.
وَالزبير بِفَتْح الزَّاي، وهدبة الثَّوْب: طرفه الَّذِي لم يُنْسجْ، وَفِي رِوَايَة للشَّافِعِيّ «فنكحها عبد الرَّحْمَن بن الزبير، فَأَعْرض عَنْهَا فَلم يسْتَطع أَن يَمَسهَا، ففارقها».
وَفِي اسْم امْرَأَة رِفَاعَة أَقْوَال أوضحتها فِي شرحي للعمدة فَليُرَاجع مِنْهُ.

.الحديث التَّاسِع:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لعن الله الْمُحَلّل والمحلل لَهُ».
هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق:
إِحْدَاهَا: من حَدِيث ابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَعَلِيهِ اقْتصر صَاحب الْمُهَذّب وهُوَ حَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ،- وَالنَّسَائِيّ- وَقَالَ: حسن صَحِيح.
قَالَ ابْن الْقطَّان: وَلم يلْتَفت التِّرْمِذِيّ إِلَى أبي قيس عبد الرَّحْمَن بن مَرْوَان- يَعْنِي- الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده.
وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي آخر الاقتراح: إِنَّه عَلَى شَرط البُخَارِيّ. وَقَالَ ابْن حزم إِنَّه خبر لَا يَصح فِي هَذَا الْبَاب سواهُ وَثمّ آثَار بِمَعْنَاهُ إِلَّا أَنَّهَا هالكة.
ثَانِيهَا: من حَدِيث ابْن عَبَّاس، رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي سنَنه وَفِي إِسْنَاده زَمعَة بن صَالح، وَقد تكلم فِيهِ بَعضهم، وَرَوَى لَهُ مُسلم فِي صَحِيحه مَقْرُونا بِغَيْرِهِ.
ثَالِثهَا: من حَدِيث عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه، وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ: إِنَّه حَدِيث مَعْلُول، وَإِسْنَاده لَيْسَ بالقائم؛ لِأَن مجَالد بن سعيد الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده قد ضعفه بعض أهل الْعلم؛ مِنْهُم الإِمَام أَحْمد. قَالَ: وَرَوَى عبد الله بن نمير هَذَا الحَدِيث، عَن مجَالد، عَن عَامر، عَن جَابر بن عبد الله، عَن عَلّي. وَهَذَا وهم قد وهم فِيهِ ابْن نمير، والْحَدِيث الأول أصح. وَقَالَ أَيْضا الْمَقْدِسِي فِي أَحْكَامه رَوَى حَدِيث عَلّي هَذَا غير وَاحِد من الْأَئِمَّة، وَأما ابْن السكن؛ فَإِنَّهُ ذكره فِي سنَنه الصِّحَاح.
رَابِعهَا: من حَدِيث جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، وَقَالَ إِنَّه حَدِيث مَعْلُول؛ فِيهِ مجَالد.
خَامِسهَا: من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَوَاهُ أَحْمد، وَالْبَيْهَقِيّ، وَابْن أبي حَاتِم فِي علله بِإِسْنَاد جيد، وَأَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيّ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن أبي هُرَيْرَة. وأسنده فِي علله ثمَّ قَالَ: سَأَلت البُخَارِيّ عَنهُ فَقَالَ: حَدِيث حسن.
سادسها: من حَدِيث عقبَة بن عَامر ذكره الْغَزالِيّ فِي وسيطه وَهُوَ حَدِيث حسن، رَوَاهُ ابْن مَاجَه، وَالْحَاكِم وَقَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد. وَقد أوضحته فِي تخريجى لأحاديثه، وَمِمَّا لم أذكرهُ هُنَاكَ أَن ابْن أبي حَاتِم نقل فِي علله عَن أبي زرْعَة أَنه قَالَ: أنكر هَذَا الحَدِيث يَحْيَى بن عبد الله بن بكير إنكارًا شَدِيدا؛ لما ذكرته لَهُ، وَقَالَ: لم يسمع اللَّيْث من مشرح بن هاعان شَيْئا وَلَا رَوَى عَنهُ شَيْئا، وَإِنَّمَا حَدثنِي اللَّيْث بن سعد بِهَذَا الحَدِيث، عَن سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن «أَن رَسُول الله....» قَالَ أَبُو زرْعَة: وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي علله: سَأَلت البُخَارِيّ عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ عبد الله بن صَالح: لم يكن أخرجه فِي أيامنا، مَا أرَى اللَّيْث سَمعه من مشرح، لِأَن حَيْوَة رَوَى عَن بكر بن عَمْرو عَن مشرح.
قلت: قد ذكر الْحَاكِم فِي رِوَايَته لهَذَا الحَدِيث سَمِعت مشرح بن هاعان، وَقَالَ قبله: قد ذكر كَاتب اللَّيْث سَمَاعه فِيهِ. وَكَونه لم يُخرجهُ فِي أَيَّامه لَا يضر إِذا، وَقَوله: «لِأَن حَيْوَة رَوَى عَن بكر بن عَمْرو، عَن مشرح» يُرِيد بِهِ أَن حَيْوَة من أَقْرَان اللَّيْث أَو أكبر مِنْهُ، وَإِنَّمَا يروي عَن بكر عَن مشرح، وَهَذَا غير لَازم؛ لِأَن اللَّيْث كَانَ معاصرًا لمشرح، وَقد صرّح بِسَمَاعِهِ مِنْهُ.
الطَّرِيق السَّابِع من حَدِيث عبيد بن عُمَيْر اللَّيْثِيّ، عَن أَبِيه عُمَيْر بن قَتَادَة- وَكَانَ من أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لعن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُحَلّل والمحلل لَهُ».
رَوَاهُ ابْن قَانِع فِي مُعْجم الصَّحَابَة عَن مُحَمَّد بن يُونُس، ثَنَا مُعلى بن الْفضل، ثَنَا دَاوُد بن عبد الرَّحْمَن الْعَطَّار، عَن عبد الله بن عُثْمَان بن خثيم، عَن نَافِع بن سرجس، عَن عبيد بِهِ.

.الحديث العَاشِر:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «نهَى أَن تُنكح الْأمة عَلَى الْحرَّة».
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيروَى عَن عَلّي وَجَابِر مَوْقُوفا.
هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طريقيه، أما الْمَرْفُوع فَرَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور، ثَنَا إِسْمَاعِيل ابْن علية، حَدثنِي من سمع الْحسن يَقُول: «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تنْكح الْأمة عَلَى الْحرَّة».
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث يزِيد بن سِنَان، ثَنَا معَاذ بن هِشَام، حَدثنِي أبي، عَن عَامر الْأَحول عَن الْحسن بِهِ.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ بعد أَن أخرجه من طريقيه هَذَا مُرْسل، قَالَ: إِنَّه فِي مَعْنَى الْكتاب؛ أَي: قَوْله: {وَمن لم يسْتَطع مِنْكُم طولا}. الْآيَة وَمَعَهُ قَول جمَاعَة من الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم.
وَرَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي علله كَمَا تقدم، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث غَرِيب، إِنَّمَا رَوَاهُ عَمْرو بن عبيد، وَهُوَ غَرِيب من حَدِيث عَامر الْأَحول، وَقَالَ عبد الْحق فِي أَحْكَامه: حَدِيث الْحسن هَذَا مُرْسل ومنقطع. وَأما الْمَوْقُوف فأثر عَلّي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث الْمنْهَال بن عَمْرو عَن زر بن حُبَيْش عَنهُ «إِذا تزوجت الْحرَّة عَلَى الْأمة قسم لَهَا يَوْمَيْنِ وللأمة يَوْمًا، إِن الْأمة لَا يَنْبَغِي لَهَا أَن تزوج عَلَى الْحرَّة».
وَأثر جَابر، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من حَدِيث الْحجَّاج؛ ثَنَا لَيْث، حَدثنِي أَبُو الزبير عَنهُ، قَالَ: «لَا تنْكح الْأمة عَلَى الْحرَّة، وَتنْكح الْحرَّة عَلَى الْأمة، وَمن وجد صدَاق حرَّة فَلَا ينكحن أمة أبدا» ثمَّ قَالَ: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح. وَرَوَى الشَّافِعِي، عَن مَالك أَنه بلغه «أَن ابْن عمر وَابْن عَبَّاس سئلا عَن رجل كَانَ تَحْتَهُ امْرَأَة حرَّة، فَأَرَادَ أَن ينْكح عَلَيْهَا أمة فكرها لَهُ أَن يجمع بَينهمَا».

.الحديث الحَادِي عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «سنوا بهم سنة أهل الْكتاب».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ وَالشَّافِعِيّ عَنهُ، عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه «أَن عمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ذكر الْمَجُوس، فَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا أصنع فِي أَمرهم. فَقَالَ لَهُ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف: أشهد لسمعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: سنوا بهم سنة أهل الْكتاب» وَهَذَا مُنْقَطع؛ لِأَن مُحَمَّد بن عَلّي لم يلق عمر وَلَا عبد الرَّحْمَن، كَمَا نبه عَلَيْهِ ابْن عبد الْبر فِي تمهيده.
وَرَوَاهُ الْخَطِيب فِي كتاب من رَوَى عَن مَالك من حَدِيث عبيد الله بن عبد الْمجِيد الْحَنَفِيّ، عَن مَالك قَالَ: أَخْبرنِي جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه، عَن جده أَن عمر بن الْخطاب قَالَ: «مَا أَدْرِي مَا أصنع بالمجوس أهل الذِّمَّة. فَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول:
سنتهمْ سنة أهل الْكتاب»
قَالَ مَالك يَعْنِي: فِي الْجِزْيَة.
قَالَ الْخَطِيب: وَهَكَذَا رَوَاهُ غير عَبَّاس بن مُحَمَّد الدوري، عَن أبي عَلّي، وَتفرد بقوله: عَن جده.
وَرَوَاهُ الْخلق، عَن مَالك، عَن جَعْفَر، عَن أَبِيه وَلم يَقُولُوا: عَن جده. وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الْمُوَطَّأ.
قلت: وَهُوَ أَيْضا مُنْقَطع؛ لِأَن عَلّي بن الْحُسَيْن لم يلق عمر وَلَا عبد الرَّحْمَن، وَقد رُوِيَ هَذَا عَن عبد الرَّحْمَن من أوجه مُتَّصِلَة لَكِن فِي إِسْنَاده من يجهل حَاله.
قَالَ ابْن أبي عَاصِم: ثَنَا إِبْرَاهِيم بن الْحجَّاج السَّامِي، ثَنَا أَبُو رَجَاء- جارٌ كَانَ لحماد بن سَلمَة- ثَنَا الْأَعْمَش، عَن زيد بن وهب، قَالَ: «كنت عِنْد عمر بن الْخطاب فَذكر من عِنْده علم من الْمَجُوس، فَوَثَبَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، قَالَ: أشهد بِاللَّه عَلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لسمعته يَقُول: إِنَّمَا الْمَجُوس طَائِفَة من أهل الْكتاب فاحملوهم عَلَى مَا تحملون عَلَيْهِ أهل الْكتاب».