فصل: الحديث الثَّانِي بعد الثَّلَاثِينَ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث السَّابِع بعد الْعشْرين:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا تقتلُوا النِّسَاء وَلَا أَصْحَاب الصوامع».
هَذَا الحَدِيث رَوَى أَحْمد بعضه من حَدِيث ابْن أبي حَبِيبَة، عَن دَاوُد بن الْحصين، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا بعث جيوشه قَالَ: اخْرُجُوا بِسم الله، قَاتلُوا فِي سَبِيل الله من كفر، لَا تغلوا، وَلَا تغدروا، وَلَا تمثلوا، وَلَا تقتلُوا الْولدَان وَلَا أَصْحَاب الصوامع» أعله ابْن حزم فِي محلاه بِابْن أبي حَبِيبَة. لكنه وَقع فِي النُّسْخَة: إِبْرَاهِيم بن أبي لَبِيبَة وَهُوَ تَصْحِيف من النَّاسِخ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث خَالِد بن زيد. قَالَ: «خرج رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مشيعًا لأهل مُؤْتَة حَتَّى بلغ ثنية الْوَدَاع فَوقف ووقفوا حوله فَقَالَ: اغزوا بِسم الله، فَقَاتلُوا عَدو الله وَعَدُوكُمْ بِالشَّام، وستجدون فيهم رجَالًا فِي الصوامع معتزلين من النَّاس فَلَا تعرضوا لَهُم، وستجدون آخَرين للشَّيْطَان فِي رُءُوسهم مفاحص فافلقوها بِالسُّيُوفِ، وَلَا تقتلُوا امْرَأَة وَلَا صَغِيرا ضرعًا وَلَا كَبِيرا فانيًا، وَلَا تقطعن شَجَرَة، وَلَا تعقرن نخلا، وَلَا تهدموا بَيْتا».
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الحَدِيث مُنْقَطع وَضَعِيف. وَفِي رِوَايَة لَهُ من حَدِيث عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا بعث جَيْشًا من الْمُسلمين إِلَى الْمُشْركين قَالَ: انْطَلقُوا بِسم الله» وَفِيه: «لَا تقتلُوا وليدًا طفْلا وَلَا امْرَأَة وَلَا شَيخا كَبِيرا، وَلَا تغورنَّ عينا، وَلَا تعقرن شَجرا إِلَّا شَجرا يمنعكم قتالاً أَو يحجز بَيْنكُم وَبَين الْمُشْركين، وَلَا تمثلوا بآدمي وَلَا بَهِيمَة، وَلَا تعذبوا وَلَا تغلوا». قَالَ الْبَيْهَقِيّ: فِي إِسْنَاده إرْسَال وَضعف. قَالَ: وَهُوَ بشواهده مَعَ مَا فِيهِ من الْإِرْسَال يقوى.
وَفِي علل ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَن حَدِيث جرير قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا بعث سَرِيَّة قَالَ: بِسم الله وَفِي سَبِيل الله وَعَلَى مِلَّة رَسُول الله، لَا تغلوا، وَلَا تغدروا، وَلَا تمثلوا، وَلَا تقتلُوا الْولدَان» فَقَالَ: هَذَا حَدِيث مُنكر بِهَذَا الْإِسْنَاد، فِيهِ ابْن لَهِيعَة وَغَيره، وَلَيْسَ لَهُ أصل بالعراق.

.الحديث الثَّامِن بعد الْعشْرين:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لخَالِد بن الْوَلِيد: لَا تقتل عسيفًا وَلَا امْرَأَة».
هَذَا الحَدِيث سلف بَيَانه قَرِيبا وَاضحا.

.الحديث التَّاسِع بعد الْعشْرين:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قطع نخل بني النَّضِير».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحهمَا من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حرق نخل بني النَّضِير وَقطع وَحرق البويرة» قَالَ: وَلها يَقُول حسان بن ثَابت:
- وَهَان عَلَى سراة لوي حريق بالبويرة مستطير.
فَأَجَابَهُ أَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث:
أدام الله ذَلِك من صَنِيع وَحرق فِي نَوَاحِيهَا السعير ستعلم أَيّنَا لنا مِنْهَا بنزه وَتعلم أَي أرضينا تصير هَذَا لفظ إِحْدَى روايتي البُخَارِيّ وَلَفظ مُسلم. وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى لَهُ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قطع نخل بني النَّضِير وَحرق» وَلها يَقُول حسان: وَهَان... الْبَيْت.
وَفِي ذَلِك نزلت {مَا قطعْتُمْ من لينَة أَو تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَة عَلَى أُصُولهَا فبإذن الله} الْآيَة.
وَفِي رِوَايَة للبيهقي بعد.
وَهَان عَلَى سراة... الْبَيْت.
تركْتُم قدركم لَا شَيْء فِيهَا وَقدر الْقَوْم حامية تَفُور وَزَاد ابْن إِسْحَاق فِي الْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلين بعد تصير:
فَلَو كَانَ النّخل بهَا ركانا لقالوا لَا مقَام لكم فسيروا قَالَ ابْن إِسْحَاق: وأجابه جبل بن حوار الثَّعْلَبِيّ أَيْضا فَذكر أبياتًا آخرهَا: تركْتُم قدركم... الْبَيْت.
فَائِدَة: قَالَ الْحَازِمِي فِي المؤتلف والمختلف: البويرة- بِضَم الْبَاء وَفتح الْوَاو- من منَازِل الْيَهُود بِالْمَدِينَةِ.

.الحديث الثَّلَاثُونَ:

«أَن دُريد بن الصمَّة قتل يَوْم حنين وَقد نَيف عَلَى الْمِائَة، وَكَانُوا قد استحضروه ليدبر لَهُم الْحَرْب فَلم يُنكر النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم».
هَذَا الحَدِيث ذكره الإِمَام الشَّافِعِي فَقَالَ: «قتل يَوْم حنين دُرَيْد بن الصمَّة ابْن خمسين وَمِائَة سنة فِي شجار وَلَا يَسْتَطِيع الْجُلُوس، فَذكر للنَّبِي فَلم يُنكر قَتله».
وَالْمَاوَرْدِيّ قَالَ: «إِنَّه قتل وَرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يرَاهُ فَلم ينْه عَنهُ». ثمَّ قَالَ: كَانَ عُمره مائَة وخمس وَعِشْرُونَ سنة.
وَرَوَى بِإِسْنَادِهِ عَن مُحَمَّد بن يسَار فِي قصَّة أَوْطَاس: «فَأدْرك ربيعَة بن رفيع دُرَيْد بن الصمَّة فَأخذ بِخِطَام جمله وَهُوَ يظنّ أَنه امْرَأَة، وَذَلِكَ أَنه كَانَ فِي شجار لَهُ فَإِذا هُوَ بِرَجُل، فَأَنَاخَ بِهِ فَإِذا هُوَ شيخ كَبِير وَإِذا هُوَ دُرَيْد بن الصمَّة وَلَا يعرفهُ الْغُلَام، فَقَالَ دُرَيْد: مَاذَا تُرِيدُ؟ قَالَ: قَتلك. قَالَ: وَمن أَنْت؟ قَالَ أَنا ربيعَة بن رفيع السّلمِيّ. ثمَّ ضربه بِسَيْفِهِ فَلم يغن شَيْئا. قَالَ دُرَيْد: بئس مَا سلحتّك أمك، خُذ سَيفي هَذَا من مُؤخر الشجار، ثمَّ اضْرِب بِهِ، وارفع عَن الْعِظَام، واخفض عَن الدِّمَاغ فَإِنِّي بذلك كنت اقْتُل الرِّجَال. فَقتله». وأصل قتلة دُرَيْد ثَابِتَة فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «لما فرغ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من حنين بعث أَبَا عَامر عَلَى جَيش إِلَى أَوْطَاس فلقي دُرَيْد بن الصمَّة فَقتله وَهزمَ الله أَصْحَابه».

.الحديث الحَادِي بعد الثَّلَاثِينَ:

عَن ابْن مَسْعُود رضى الله عَنهُ: «أَن رجلَيْنِ أَتَيَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رسولين لمُسَيْلمَة، فَقَالَ لَهما: أتشهدان أَنِّي رَسُول الله؟ فَقَالَا: نشْهد أَن مُسَيْلمَة رَسُول الله. فَقَالَ: إِنِّي لَو كنت قَاتلا رَسُولا لضَرَبْت أعناقكما». فجرت السّنة أَن لَا تقتل الرُّسُل.
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ هَكَذَا الإمامان أَحْمد فِي مُسْنده، وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه. وَقَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، وسميا فِي روايتهما الرجلَيْن أَحدهمَا: عبد الله ابْن النواحة، وَالثَّانِي: ابْن أَثَال وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد «أَن ابْن مَسْعُود قَالَ لخرشة: قُم فَاضْرب عُنُقه. فَقَامَ فَضرب عُنُقه بعد موت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم».
وَرَوَاهُ أَيْضا أَبُو دَاوُد من حَدِيث سَلمَة بن نعيم بن مَسْعُود، عَن أَبِيه قَالَ: «سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول حِين جَاءَهُ رَسُولا مُسَيْلمَة الْكذَّاب بكتابه وَرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَهما: وأنتما تقولان مثل مَا يَقُول؟ قَالَا: نعم. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَوْلَا أَن الرُّسُل لَا تقتل لضَرَبْت أعناقكما» فَكَمَا قَالَ الْحَاكِم هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، ذكر ذَلِك فِي أَوَاخِر كتاب فَضَائِل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من مُسْتَدْركه وَذكره فِي كتاب قسم الْفَيْء وَالْغنيمَة من هَذَا الْوَجْه أَيْضا، ثمَّ قَالَ فِي هَذَا: حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم.
قلت: وَفِي إِسْنَاد كل مِنْهُمَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق صَاحب الْمَغَازِي وَهُوَ من رجال مُسلم مُتَابعَة لَا اسْتِقْلَالا، وَقد عنعن فِي هَذَا الْموضع، وَصرح بِالتَّحْدِيثِ فِي الْموضع الأول فانجبر أَحدهمَا بِالْآخرِ، وَعَزاهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الْإِلْمَام إِلَى رِوَايَة الشَّافِعِي فَقَالَ: وَعند الشَّافِعِي عَن عبد الله أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَوْلَا أَنَّك رَسُول- يَعْنِي: رَسُول مُسَيْلمَة- لقتلتك» قَالَ الشَّيْخ: وَهُوَ فِي الصَّحِيح فِي قصَّة بِمَعْنَاهُ. وَرَوَى أَبُو نعيم فِي معرفَة الصَّحَابَة فِي تَرْجَمَة وبر بن مشهر الْحَنَفِيّ أَن مُسَيْلمَة بَعثه هُوَ وَابْن شغَاف الْحَنَفِيّ وَابْن نواحة، فَأَما وبر فَإِنَّهُ أسلم، وَأما الْآخرَانِ فَإِنَّهُمَا شَهدا أَنه رَسُول الله وَأَن مُسَيْلمَة من بعده فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «خذوهما. فأُخذا، فأُخرج بهما إِلَى الْمبيت فحبسا. فَقَالَ رجل: هبهما لي يَا رَسُول الله. فَفعل».
وَفِي إِسْنَاده مُوسَى بن يَعْقُوب وَالظَّاهِر أَنه الزمعِي الَّذِي لَيْسَ بِالْقَوِيّ.

.الحديث الثَّانِي بعد الثَّلَاثِينَ:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حَصَر أهل الطَّائِف شهر».
أمَّا كَونه عَلَيْهِ السَّلَام حاصَر أهل الطَّائِف فَذَلِك ثَابت فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو، وَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث أنس بن مَالك بعد أَن ذكر قصَّة فتح مَكَّة «ثمَّ انطلقنا إِلَى الطَّائِف فحاصرناهم أَرْبَعِينَ لَيْلَة ثمَّ رَجعْنَا إِلَى مَكَّة» وَفِي مُسْتَدْرك الْحَاكِم أبي عبد الله، عَن مُصعب بن عبد الرَّحْمَن، عَن أَبِيه قَالَ: «افْتتح رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة ثمَّ انْصَرف إِلَى الطَّائِف فَحَاصَرَهُمْ سَبْعَة أَو ثَمَانِيَة» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد.
قلت: فِيهِ نظر؛ لِأَن فِي إِسْنَاده طَلْحَة بن جبر وَلَيْسَ بعمدة.
قَالَ السَّعْدِيّ: هُوَ مَذْمُوم فِي حَدِيثه غير ثِقَة، وَاخْتلف قَول يَحْيَى فِيهِ فَقَالَ مرّة: لَا شَيْء. وَقَالَ مرّة: ثِقَة. وَأما كَونه حاصرها شهرا فَأخْرجهُ أَبُو دَاوُد فِي مراسيله، عَن ابْن بشار، ثَنَا يَحْيَى بن سعيد، عَن سُفْيَان، عَن ثَوْر، عَن مَكْحُول «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نصب عَلَى أهل الطَّائِف المنجنيق» ثمَّ رَوَى أَيْضا، عَن أبي صَالح- وَهُوَ مَحْبُوب بن مُوسَى- عَن أبي إِسْحَاق الْفَزارِيّ، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن يَحْيَى- وَهُوَ ابْن أبي كثير- قَالَ: «حَاصَرَهُمْ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم شهرا» فَقلت: أبلغك أَنه رماهم بالمجانيق؟ فَأنْكر ذَلِك وَقَالَ: مَا نَعْرِف مَا هَذَا. وَرَوَى فِي سنَنه من طَرِيقين «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام حَاصَرَهُمْ بضعَة عشر لَيْلَة» وَمن طَرِيق ثَالِث عَن أبي عُبَيْدَة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام حاصر أهل الطَّائِف وَنصب عَلَيْهِم المنجنيق سَبْعَة عشر يَوْمًا» قَالَ أَبُو قلَابَة: وَكَانَ يُنكر عَلَيْهِ هَذَا الحَدِيث. قَالَ الْبَيْهَقِيّ كَأَنَّهُ أَرَادَ أَنه كَانَ يُنكر عَلَيْهِ وصل إِسْنَاده قَالَ: وَيحْتَمل أَنه إِنَّمَا أنكر رميهم يَوْمئِذٍ بالمجانيق فقد رَوَى أَبُو دَاوُد فِي مراسيله ثمَّ ذكر الْمُرْسل الثَّانِي لأبي دَاوُد ثمَّ قَالَ: كَذَا قَالَ: لم يبلغهُ. وَزعم غَيره أَنه بلغه، ثمَّ ذكر الْمُرْسل الأول من مَرَاسِيل أبي دَاوُد، ثمَّ قَالَ: وَقد ذكره الشَّافِعِي أَيْضا فِي الْقَدِيم. ثمَّ قَالَ: وَقد ذكره الْوَاقِدِيّ عَن شُيُوخه كَمَا ذكره مَكْحُول، وَزعم أَن الَّذِي أَشَارَ بِهِ سلمَان الْفَارِسِي.
فَائِدَة: الطَّائِف بلد مَعْرُوف عَلَى مرحلَتَيْنِ من مَكَّة من جِهَة الْمشرق.

.الحديث الثَّالِث بعد الثَّلَاثِينَ:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم شن الْغَارة عَلَى بني المصطلق».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحهمَا من حَدِيث عبد الله بن عون. قَالَ: «كتبت إِلَى نَافِع أسأله عَن الدُّعَاء قبل الْقِتَال. فَكتب إليَّ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِك فِي أول الْإِسْلَام، وَقد أغار رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى بني المصطلق وهم غَارونَ وأنعامهم تسقى عَلَى المَاء، فَقتل مُقَاتلَتهمْ وسبى ذَرَارِيهمْ، وَأصَاب يَوْمئِذٍ جوَيْرِية». حَدثنِي بِهِ عبد الله بن عمر وَكَانَ فِي ذَلِك الْجَيْش.
فَائِدَة: غَزْوَة بني المصطلق هِيَ غَزْوَة الْمُريْسِيع. قَالَه البُخَارِيّ. قَالَ: وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: وَذَلِكَ سنة سِتّ. وَقَالَ مُوسَى بن عقبَة: سنة أَربع. وَقَالَ النُّعْمَان بن رَاشد، عَن الزُّهْرِيّ: كَانَ حَدِيث الْإِفْك فِي غَزْوَة الْمُريْسِيع.
فَائِدَة أُخْرَى: ادَّعَى ابْن شاهين فِي ناسخه ومنسوخه نسخ حَدِيث ابْن عَبَّاس: «مَا قَاتل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قوما حَتَّى دعاهم» بِحَدِيث ابْن عمر هَذَا، قَالَ: والناسخ هُوَ قَول نَافِع «إِنَّمَا كَانَ ذَلِك فِي أول الْإِسْلَام» وَهَذَا عَجِيب مِنْهُ، وَقد تعقبه عَلَيْهِ ابْن الْجَوْزِيّ الْحَافِظ فِي كِتَابه الْإِعْلَام فِي الْفَنّ الْمَذْكُور، فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا قَول من يعرف النَّاسِخ والمنسوخ بِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام لم يُقَاتل قوما إِلَّا بعد أَن دعاهم؛ لِأَنَّهُ لما شاعت الدعْوَة افْتتح اتساعها ومرورها عَلَى أسماعهم مرَارًا، فَلَمَّا أصروا عَلَى الْكفْر صَارَت الإغارة عَلَيْهِم عَلَى غرتهم من غير تَحْدِيد دَعْوَة حِينَئِذٍ.

.الحديث الرَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بالبيات».
الَّذِي ورد فِي التبييت مَا أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحهمَا من حَدِيث الصعب بن جثَّامة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه سمع رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْأَل أهل الدَّار من الْمُشْركين يبيتُونَ فيصاب من نِسَائِهِم وذراريهم. فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: هم مِنْهُم» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا مَا ورد فِي إِبَاحَة التبييت. قَالَ: وَاحْتج الشَّافِعِي أَيْضا فِي إِبَاحَة التبييت بِحَدِيث ابْن عمر فِي قصَّة بني المصطلق الحَدِيث الَّذِي قبله.
فَائِدَة: كَانَ الزُّهْرِيّ إِذا حدث بِهَذَا الحَدِيث يَقُول إِنَّه مَنْسُوخ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيح «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قتل النِّسَاء وَالصبيان» وَكَذَا ادَّعَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه وقبلهما سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَأنكر الشَّافِعِي ذَلِك. وَلما نَقله ابْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه الْإِعْلَام نَاسخ الحَدِيث ومنسوخه، عَن الزُّهْرِيّ. قَالَ: لَيْسَ قَوْله بِصَحِيح، وَإِنَّمَا النَّهْي عَن تعمد النِّسَاء وَالصبيان بِالْقَتْلِ، وَحَدِيث الصعب فِيمَا لم يتَعَمَّد، فَلَا تنَاقض.

.الحديث الخَامِس بعد الثَّلَاثِينَ:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نصب المنجنيق عَلَى أهل الطَّائِف».
هَذَا الحَدِيث سلف قَرِيبا وَاضحا.
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي جامعه فِي بَاب الاسْتِئْذَان عَن قُتَيْبَة، عَن وَكِيع، عَن رجل، عَن ثَوْر بن يزِيد الْحِمصِي «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نصب المنجنيق عَلَى أهل الطَّائِف».
قَالَ قُتَيْبَة: قلت لوكيع: من هَذَا- يَعْنِي الرجل؟ قَالَ: صَاحبكُم عمر بن هَارُون. قلت: وَهُوَ ضَعِيف.

.الحديث السَّادِس بعد الثَّلَاثِينَ:

«أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن الْمُشْركين يبيتُونَ فيصاب من نِسَائِهِم وذراريهم؟ فَقَالَ هم مِنْهُم».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا سلف.

.الحديث السَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن قتل النِّسَاء وَالصبيان».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح وَقد سلف قَرِيبا.

.الحديث الثَّامِن بعد الثَّلَاثِينَ:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «زَوَال الدُّنْيَا أَهْون عِنْد الله من قتل مُسلم».
هَذَا الحَدِيث سلف بَيَانه فِي أول الْخراج وَاضحا.

.الحديث التَّاسِع بعد الثَّلَاثِينَ:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عدَّ الْفِرَار من الزَّحْف من الْكَبَائِر».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَقد سلف بَيَانه فِي بَاب حد الْقَذْف.

.الحديث الأَرْبَعُونَ:

«أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله، أَرَأَيْت لَو انغمست فِي الْمُشْركين فقاتلتهم حَتَّى قتلت، أَلِي الْجنَّة؟ قَالَ: نعم. فانغمس الرجل فِي صف الْمُشْركين فقاتل حَتَّى قتل».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك من رِوَايَة ثَابت عَن أنس «أَن رجلا أسود أَتَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي رجل أسود، منتن الرّيح، قَبِيح الْوَجْه، لَا مَال لي، فَإِن أَنا قَاتَلت هَؤُلَاءِ حَتَّى أقتل فَأَيْنَ أَنا؟ قَالَ: فِي الْجنَّة. فقاتل حَتَّى قتل. فَأَتَاهُ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: قد بيض الله وَجهك، وَطيب رِيحك، وَأكْثر مَالك- وَقَالَ لهَذَا أَو لغيره-: لقد رَأَيْت زَوجته من الْحور الْعين نازعة جُبَّة لَهُ من صوف تدخل بَينه وَبَين جبته» وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم.
وَقَالَ الشَّافِعِي: «حمل رجل من الْأَنْصَار حاسرًا عَلَى جمَاعَة الْمُشْركين يَوْم بدر بعد إِعْلَام النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِيَّاه بِمَا فِي ذَلِك من الْخَيْر فَقتل» قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه: هُوَ عَوْف بن عفراء فِيمَا ذكره ابْن إِسْحَاق عَن عمر بن عَاصِم، عَن قَتَادَة قَالَ: «وَلما التقَى النَّاس يَوْم بدر قَالَ عَوْف بن عفراء بن الْحَارِث: يَا رَسُول الله، مَا يضْحك الرب- تبَارك وَتَعَالَى- من عَبده؟ قَالَ: أَن يرَاهُ غمس يَده فِي الْقِتَال يُقَاتل حاسرًا فَنزع عَوْف درعه ثمَّ تقدم فقاتل حَتَّى قتل».
قلت: وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث جَابر بن عبد الله قَالَ: «قَالَ رجل: أَيْن أَنا يَا رَسُول الله إِن قتلت؟ قَالَ: فِي الْجنَّة؟ فَألْقَى تمرات كن فِي يَده، ثمَّ قَاتل حَتَّى قتل» وَفِي رِوَايَة «قَالَ رجل للنَّبِي يَوْم أحد....».

.الحديث الحَادِي بعد الْأَرْبَعين:

«أَن عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَحَمْزَة وَعبيدَة بن الْحَارِث رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم بارزوا يَوْم بدر عتبَة وَشَيْبَة ابْني ربيعَة والوليد بن عتبَة فَأمر النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لما طلبُوا أُولَئِكَ ذَلِك».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث عَلّي- كرم الله وَجهه- قَالَ: «لما كَانَ يَوْم بدر تقدم عتبَة بن ربيعَة وَتَبعهُ ابْنه وَأَخُوهُ فَنَادَى: من يبارز؟ فَانْتدبَ لَهُ شباب من الْأَنْصَار. فَقَالَ: مِمَّن أَنْتُم؟ فَأَخْبرُوهُمْ. فَقَالُوا: لَا حَاجَة لنا فِيكُم، إِنَّمَا أردنَا بني عمنَا. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: قُم يَا حَمْزَة، قُم يَا عَلّي، قُم يَا عُبَيْدَة بن الْحَارِث. فَأقبل حَمْزَة إِلَى عتبَة، وَأَقْبَلت إِلَى شيبَة، وَاخْتلفت بَين عُبَيْدَة والوليد ضربتان فأثخن كل وَاحِد مِنْهُمَا صَاحبه، ثمَّ ملنا عَلَى الْوَلِيد فقتلناه واحتملنا عُبَيْدَة» وَفِي رِوَايَة للبيهقي فَقَالُوا: «نعم أكفاء كرام، ثمَّ أقبل حَمْزَة...» بِمثل مَا تقدم، وَرَوَى البُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَن قيس بن عبَادَة، عَن عليّ قَالَ: «أَنا أول من يجثو للخصومة بَين يَدي الرَّحْمَن يَوْم الْقِيَامَة». قَالَ قيس بن عباد: «وَنزلت فيهم هَذِه الْآيَة {هَذَانِ خصمان اخْتَصَمُوا فِي رَبهم} قَالَ: هم الَّذين تبارزوا يَوْم بدر: عليّ وَحَمْزَة وَعبيدَة بن الْحَارِث، وَشَيْبَة بن ربيعَة وَعتبَة بن ربيعَة والوليد بن عتبَة». وَفِي رِوَايَة لَهُ «أَن عليًّا قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي مبارزتنا يَوْم بدر {هَذَانِ خصمان اخْتَصَمُوا فِي رَبهم}».
وَرَوَى هُوَ وَمُسلم وَهُوَ أحسن حَدِيث فِيهِ، عَن قيس بن عباد قَالَ: «سَمِعت أَبَا ذَر يقسم قسما أَن هَذَانِ خصمان اخْتَصَمُوا فِي رَبهم أَنَّهَا نزلت فِي الَّذين بارزوا يَوْم بدر: حَمْزَة وعليّ وَعبيدَة بن الْحَارِث وَعتبَة وَشَيْبَة ابْني ربيعَة والوليد بن عتبَة».

.الحديث الثَّانِي بعد الْأَرْبَعين:

قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ «أَن عليًّا- كرم الله وَجهه- بارز يَوْم الخَنْدَق عَمْرو بن عبد ود».
هُوَ كَمَا قَالَ، وَقد ذكره الإِمَام الشَّافِعِي هَكَذَا وأسنده الْحَاكِم من حَدِيث ابْن عَبَّاس ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى ابْن إِسْحَاق. قَالَ: «خرج- يَعْنِي يَوْم الخَنْدَق- عَمْرو بن عبد ود فَنَادَى: من يبارز؟ فَقَامَ عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَهُوَ مقنع فِي الْحَدِيد. فَقَالَ: أَنا لَهَا يَا نَبِي الله. فَقَالَ: إِنَّه عَمْرو، أَجْلِس. فَنَادَى عَمْرو: أَلا رجل وَهُوَ يؤنبهم وَيَقُول: أَيْن جنتكم الَّتِي تَزْعُمُونَ أَنه من قتل مِنْكُم دَخلهَا، أَفلا تُبْرِزوا إليَّ رجلٌ؟ فَقَامَ عليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. فَقَالَ: أَنا يَا رَسُول الله. فَقَالَ: اجْلِسْ. فَنَادَى الثَّالِثَة وَذكر شعرًا. فَقَامَ عَلّي فَقَالَ: أَنا يَا رَسُول الله. فَقَالَ: إِنَّه عَمْرو. قَالَ: وَإِن كَانَ عمرا. فَأذن لَهُ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَشى إِلَيْهِ حَتَّى أَتَاهُ وَذكر شعرًا. فَقَالَ لَهُ عَمْرو: من أَنْت؟ فَقَالَ: أَنا عَلّي.
قَالَ: ابْن عبد منَاف؟ فَقَالَ: أَنا عَلّي بن أبي طَالب. فَقَالَ: غَيْرك يَا ابْن أخي من أعمامك من هُوَ أسن مِنْك؛ فَإِنِّي أكره أَن أهريق دمك. فَقَالَ عليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: لكني وَالله مَا أكره أَن أهريق دمك. فَغَضب وَنزل وسل سَيْفه كَأَنَّهُ شعلة نَار، ثمَّ أقبل نَحْو عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مغضبًا، واستقبله عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بدرقته، فَضَربهُ عَمْرو فِي الدرقة فقدها وَأثبت فِيهَا السَّيْف، وَأصَاب رَأسه فَشَجَّهُ، وضربه عَلّي كرم الله وَجهه عَلَى حَبل العاتق فَسقط، وثار العجاج، وَسمع رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم التَّكْبِير فَعرف أَن عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَتله»
وَفِي مُسْتَدْرك الْحَاكِم من حَدِيث بهز بن حَكِيم، عَن أَبِيه، عَن جده مَرْفُوعا: «لمبارزة عَلّي لعَمْرو بن عبد ود يَوْم الخَنْدَق أفضل من أَعمال أمتِي إِلَى يَوْم الْقِيَامَة».
قَالَ الْحَاكِم: هَذَا شَاهد عَجِيب لما تقدم.

.الحديث الثَّالِث بعد الْأَرْبَعين:

قَالَ الرَّافِعِيّ: «وبارز مُحَمَّد بن مسلمة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه يَوْم خَيْبَر مرْحَبًا».
هُوَ كَمَا قَالَ، وَقد ذكره الشَّافِعِي أَيْضا، فَقَالَ: «بارز مُحَمَّد بن مسلمة مرْحَبًا يَوْم خَيْبَر بِأَمْر النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم»، وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى ابْن إِسْحَاق- وَمن السِّيرَة نقلت وَإنَّهُ أكمل رِوَايَة من الْبَيْهَقِيّ- قَالَ: حَدثنِي عبد الله بن سهل أَخُو بني حَارِثَة، عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: «خرج مرحب الْيَهُودِيّ من حصن خَيْبَر قد جمع سلاحه، وَهُوَ يرتجز، وَيَقُول:
قد علمت خَيْبَر أَنِّي مرحب شاكي السِّلَاح بَطل مجرب أطعن أَحْيَانًا وحينًا أضْرب إِذا الكثوب أَقبلت تحرَّب إِن حِمَاي للحما لَا لَا يقرب وَهُوَ يَقُول: من يبارز. فَأَجَابَهُ كَعْب بن مَالك. فَقَالَ:
قد علمت خَيْبَر أَنِّي كَعْب مفرج الغمى جريء صلب إِذا نشبت الْحَرْب ثمَّ الْحَرْب معي حسام كالعقيق عضب نطؤكم حَتَّى يذلَّ الصعب نعطي الْجَزَاء أَو نفي النهب بكف مَاض لَيْسَ فِيهِ عيب فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: من لهَذَا؟ فَقَالَ مُحَمَّد بن مسلمة: أَنا لَهُ يَا رَسُول الله، أَنا واللهِ الموتور الثائر؛ قتلوا أخي بالْأَمْس. قَالَ: قُم إِلَيْهِ، اللَّهُمَّ أعنه عَلَيْهِ. قَالَ: فَلَمَّا دنا أَحدهمَا من صَاحبه دخلت بَينهمَا شَجَرَة عمرية من شجر العُشر، فَجعل أَحدهمَا يلوذ بهَا من صَاحبه، كلما لَاذَ بهَا مِنْهُ اقتطع صَاحبه بِسَيْفِهِ مَا دونه مِنْهَا، حَتَّى برز كل وَاحِد مِنْهُمَا لصَاحبه وَصَارَت بَينهمَا كَالرّجلِ الْقَائِم مَا فِيهَا فنن، ثمَّ حمل مرحب عَلَى مُحَمَّد بن مسلمة فَضَربهُ، فاتقاه بالدرقة فَوَقع بِسَيْفِهِ فِيهَا فعضت بِهِ فأمسكته، وضربه مُحَمَّد بن مسلمة حَتَّى قَتله»
.
وَرَوَاهُ بِنَحْوِهِ أَحْمد فِي مُسْنده وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه ثمَّ قَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: عَلَى أَن الْأَخْبَار متواترة بأسانيد كَثِيرَة أَن قَاتل مرحب أَمِير الْمُؤمنِينَ عَلّي كرم الله وَجهه.

.الحديث الرَّابِع بعد الْأَرْبَعين:

قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيروَى أَنه بارزه عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَيْضا.
هُوَ كَمَا قَالَ، وَهِي روايه صَحِيحَة أخرجهَا مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث سَلمَة بن الْأَكْوَع قَالَ: قدمنَا مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر الحَدِيث بِطُولِهِ. قَالَ: فَأرْسل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه يَدعُوهُ وَهُوَ أرمد. فَقَالَ: «لَأُعْطيَن الرَّايَة الْيَوْم رجلا يحب الله وَرَسُوله وَيُحِبهُ الله وَرَسُوله» فَقَالَ: فَأتيت عليًّا فَجئْت بِهِ أقوده وَهُوَ أرمد حَتَّى أتيت بِهِ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فبصق فِي عينه فبرئ. وَخرج مرحب فَقَالَ:
قد علمت خَيْبَر أَنِّي مرحب

شاكي السِّلَاح بَطل مجرب

إِذا الحروب أَقبلت تلهَّب

فَقَالَ عَلّي رضى الله عَنهُ:
أَنا الَّذِي سمتني أُمِّي حيدرة

كليث غابات كريه المنظرة

أوفيهم بالصاع كيل السندرة

قَالَ: فَضرب رَأس مرحب فَقتله، ثمَّ كَانَ الْفَتْح عَلَى يَده.
وَأما الْحَاكِم فَأخْرجهُ بأخصر من هَذَا. ثمَّ قَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم وَلم يخرجَاهُ بِهَذِهِ السِّيَاقَة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَيروَى وَفِي رِوَايَة: «فاختلفا ضربتين فبدره عَلّي فَضَربهُ فقدَّ الْحجر والمغفر وَرَأسه وَوَقع فِي الأضراس» وَفِي رِوَايَة. قَالَ: «فَجئْت بِرَأْسِهِ إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم» وَقد أسلفنا فِي بَاب قسم الْفَيْء الِاخْتِلَاف فِي أَن عليًّا هُوَ الَّذِي قتل أم مُحَمَّد بن مسلمة، وَذكرنَا أَن الْأَصَح الَّذِي عَلَيْهِ أَكثر السّير أَن عليًّا هُوَ الَّذِي قَتله.

.الحديث الخَامِس بعد الْأَرْبَعين:

قَالَ الرَّافِعِيّ: «وبارز الزبير رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ياسرًا».
هُوَ كَمَا قَالَ. وَقد ذكره الشَّافِعِي كَذَلِك. قَالَ ابْن إِسْحَاق ثمَّ الْبَيْهَقِيّ فِي قصَّة الخَنْدَق: «ثمَّ خرج يَاسر فبرز لَهُ الزبير. فَقَالَت صَفِيَّة لما برز إِلَيْهِ الزبير: يَا رَسُول الله، يقتل ابْني. فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: بل ابْنك يقْتله إِن شَاءَ الله. فَخرج الزبير وَهُوَ يرتجز، ثمَّ التقيا فَقتله الزبير». قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ ابْن إِسْحَاق: وَكَانَ ذكر أَن عليًّا هُوَ الَّذِي قتل ياسرًا.