فصل: الحديث الثَّانِي عشر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّامِن:

عَن ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «كُنَّا نشتري الطَّعَام من الركْبَان جزَافا فنهانا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نبيعه حَتَّى ننقله من مَكَانَهُ».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا سلف بَيَانه أول الْبَاب.

.الحديث التَّاسِع:

رُوِيَ مُرْسلا وَمُسْندًا «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن بيع الطَّعَام حَتَّى يجْرِي فِيهِ الصاعان: صَاع البَائِع وَصَاع المُشْتَرِي».
هُوَ كَمَا قَالَ، أما الْمسند فَمن طَرِيق جَابر رَضي اللهُ عَنهُ وَغَيره أخرجه ابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَفِي إِسْنَاده ابْن أبي لَيْلَى وَقد سَاءَ حفظه بآخرة لاشتغاله بِالْقضَاءِ كقيس بن الرّبيع، وَحَفْص بن غياث، وَشريك النَّخعِيّ، وَفِيه أَيْضا أَبُو الزبير عَن جَابر وَيحْتَاج إِلَى دعامة، وَلم يُصَرح بِالتَّحْدِيثِ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ من وَجه آخر عَن أبي هُرَيْرَة «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن بيع الطَّعَام حَتَّى يجْرِي فِيهِ الصاعان فَيكون للْبَائِع الزِّيَادَة وَعَلِيهِ النُّقْصَان». وَأما الْمُرْسل فَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَن الْحسن فَقَالَ: هَكَذَا رَوَاهُ الْحسن عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «نهَى عَن بيع الطَّعَام حَتَّى يجْرِي فِيهِ الصاعان فَيكون لَهُ زِيَادَته وَعَلِيهِ نقصانه» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة عَن الْحَاكِم أبي عبد الله، عَن أبي الْوَلِيد، نَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق، نَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الأحمسي، نَا وَكِيع، عَن الرّبيع بن صبيح عَن الْحسن. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رُوِيَ ذَلِكَ مَوْصُولا من أوجه إِذا ضم بَعْضهَا إِلَى بعض قوي مَعَ مَا ثَبت عَن ابْن عمر، وَابْن عَبَّاس يُشِير إِلَى حَدِيثهمَا السَّابِق أول الْبَاب، وَفِي البُخَارِيّ بِغَيْر إِسْنَاد قَول النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «يَا عُثْمَان، إِذا ابتعت فاكتل وَإِذا بِعْت فكِل» وأسنده أَحْمد وَالْبَزَّار وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن لَهِيعَة، نَا مُوسَى بن وردان، قَالَ: سَمِعت سعيد بن الْمسيب يَقُول: «سَمِعت عُثْمَان يخْطب عَلَى الْمِنْبَر، وَهُوَ يَقُول: كنت أبتاع التَّمْر من بطن من الْيَهُود يُقَال لَهُم بَنو قينقاع وأبيعه بِرِبْح، فَبلغ ذَلِكَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا عُثْمَان، إِذا اشْتريت فاكتل، وَإِذا بِعْت فكِل» وَابْن لَهِيعَة قد علمت مَا فِيهِ غير مرّة، وَرَوَاهُ جمَاعَة من الْكِبَار عَنهُ كَمَا قَالَه الْبَيْهَقِيّ، وَرَوَاهُ إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي فَرْوَة، عَن سعيد كَمَا قَالَه الْبَيْهَقِيّ، وَأما مُوسَى بن وردان فَثِقَة، وَإِن نقل الذَّهَبِيّ عَن ابْن معِين تَضْعِيفه فقد قَالَ فِي رِوَايَة عَبَّاس عَنهُ: كَانَ يقص بِمصْر وَهُوَ صَالح. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه بِمَعْنَاهُ من هَذَا الْوَجْه أَيْضا، قَالَ الْبَزَّار: هَذَا الحَدِيث لَا نعلمهُ يرْوَى عَن عُثْمَان إِلَّا من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا الْإِسْنَاد. قلت: بل لَهُ إِسْنَاد آخر رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث أبي صَالح كَاتب اللَّيْث، حَدَّثَني يَحْيَى بن أَيُّوب، عَن عبيد الله بن الْمُغيرَة، عَن منقذ مولَى سراقَة، عَن عُثْمَان أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لعُثْمَان: «إِذا ابتعت فاكتل وَإِذا بِعْت فكِل» وَأَبُو صَالح مُتَكَلم فِيهِ، وَيَحْيَى هُوَ الغافقي يغرب، وعبيد الله بن الْمُغيرَة وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِم، ومنقذ ذكره ابْن حبَان فِي ثقاته، وَقَالَ عبد الْحق: منقذ لَيْسَ بِمَشْهُور وَقَبله من لَا يحْتَج بِهِ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَرُوِيَ من وَجه آخر مُرْسلا عَن عُثْمَان فَذكره. وَفِي علل ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ مُحَمَّد بن حمير، قَالَ: حَدَّثَني الْأَوْزَاعِيّ قَالَ: حَدَّثَني ثَابت بن ثَوْبَان، قَالَ: حَدَّثَني مَكْحُول عَن أبي قَتَادَة، قَالَ: كَانَ عُثْمَان يَشْتَرِي الطَّعَام ويبيعه قبل أَن يقبضهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِذا ابتعت فاكتل وَإِذا بِعْت فَكل». فَقَالَ: هَذَا حَدِيث مُنكر بِهَذَا الْإِسْنَاد.

.باب الْأُصُول وَالثِّمَار:

ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ خَمْسَة عشر حَدِيثا:

.الحديث الأول:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من بَاعَ نَخْلَة بعد أَن تؤبر فثمرتها للْبَائِع إِلَّا أَن يشْتَرط الْمُبْتَاع».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي الْمُخْتَصر عَن ابْن عُيَيْنَة، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن أَبِيه مَرْفُوعا بِهِ.
وَرَوَاهُ الشَّافِعِي فِي الْأُم عَن سُفْيَان وَهُوَ ابْن عُيَيْنَة بالسند الْمَذْكُور، وَمن رِوَايَة مَالك، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «من بَاعَ نخلا قد أبرت فثمرتها للْبَائِع إِلَّا أَن يشْتَرط الْمُبْتَاع» وَقد أخرج مُسلم الراوية الأولَى عَن يَحْيَى بن يَحْيَى وَغَيره عَن سُفْيَان، وَأخرج لَهُ الشَّيْخَانِ الرِّوَايَة الثَّانِيَة من حَدِيث مَالك وَهُوَ كَمَا قَالَ، قَالَ الشَّافِعِي: وَهَذَا الحَدِيث ثَابت عندنَا عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبِه نَأْخُذ.
فَائِدَة: «أبرت» قَالَ الْجَوْهَرِي: هُوَ بِالتَّخْفِيفِ. قَالَ الزبيدِيّ: وبالتشديد أَيْضا.
تَنْبِيه: قَوْله: «بعد أَن تؤبر» هَكَذَا صَوَابه، وَوَقع فِي بعض نسخ الرَّافِعِيّ بدل «بعد» «قبل» وَهُوَ من النَّاسِخ، وَكَذَا وَقع فِي الْمطلب عَن رِوَايَة الْمُخْتَصر لَكِن الَّذِي رَأَيْته فِيهِ بِلَفْظ «بعد» فَقَط وَكَذَا هُوَ فِي النِّهَايَة عَنهُ.

.الحديث الثَّانِي:

«رُوِيَ أَن رجلا ابْتَاعَ نخلا من آخر وَاخْتلفَا، فَقَالَ الْمُبْتَاع: أَنا أَبرته بعد مَا ابتعت وقَالَ البَائِع: أَنا أَبرته قبل البيع. فتحاكما إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَضَى بالثمرة لمن أبر مِنْهُمَا».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي مُرْسلا فَقَالَ فِيمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة إِلَيْهِ: نَا سعيد بن سَالم، عَن ابْن جريج أَن عَطاء أخبرهُ «أَن رجلا بَاعَ عَلَى عهد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حَائِطا مثمرًا وَلم يشْتَرط الْمُبْتَاع الثَّمر وَلم يسْتَثْن البَائِع الثَّمر وَلم يذكراه، فَلَمَّا ثَبت البيع اخْتلفَا فِي الثَّمر واحتكما فِيهِ إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَضَى بالثمر الَّذِي لقح النّخل للْبَائِع» وَفِي الدَّلَائِل للأصيلي عَلَى مَا حَكَاهُ ابْن الطلاع عَنهُ عَن ابْن عمر «أَن رجلا اشْتَرَى نخلا قد أبرها فتخاصما إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَضَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الثَّمَرَة لصَاحِبهَا الَّذِي أبرها إِلَّا أَن يشْتَرط الْمُبْتَاع».

.الحديث الثَّالِث:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن بيع الثِّمَار حَتَّى تنجو من العاهة».
هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي آخر الْبيُوع الْمنْهِي عَنْهَا.

.الحديث الرَّابِع:

عَن ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهما «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن بيع الثِّمَار حَتَّى يَبْدُو صَلَاحهَا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّافِعِي عَن مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن بيع الثِّمَار حَتَّى يَبْدُو صَلَاحهَا، نهَى البَائِع وَالْمُشْتَرِي». وَأخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث مَالك، وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «نهَى عَن بيع النّخل حَتَّى تزهى، وَعَن السنبل حَتَّى يبيض ويأمن العاهة، نهَى البَائِع وَالْمُشْتَرِي». وَفِي رِوَايَة لَهُ: «لَا تتبايعوا الثَّمَرَة حَتَّى يَبْدُو صَلَاحهَا وَتذهب عَنْهَا الآفة. قَالَ: يَبْدُو صَلَاحه، حمرته وصفرته». وَفِي رِوَايَة لَهُ: «قيل لِابْنِ عمر: مَا صَلَاحه؟ قَالَ: تذْهب عاهته». وَفِي رِوَايَة للشَّافِعِيّ حَتَّى تذْهب العاهة، قيل لِابْنِ عمر: مَتى ذَاك؟ قَالَ: طُلُوع الثريا وَقد جَاءَ هَذَا الْخَبَر من غير طَرِيق ابْن عمر رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث جَابر وَأبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا تبتاعوا الثَّمر حَتَّى يَبْدُو صَلَاحه».
فَائِدَة: مَعْنَى يَبْدُو: يظْهر وَهُوَ بِلَا همز، وَوَقع فِي كثير من كتب الْمُحدثين وَغَيرهم «حَتَّى يبدوا» هَكَذَا بِالْألف وَهُوَ خطأ، وَالصَّوَاب حذفهَا، وَإِنَّمَا اخْتلفُوا فِي إِثْبَاتهَا إِذا لم يكن ناصب مثل «زيد يبدوا» وَالِاخْتِيَار حذفهَا أَيْضا وَيَقَع مثله فِي حَتَّى يزهوا، وَصَوَابه حذف الْألف كَمَا ذكرنَا.

.الحديث الخَامِس:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «أَرَأَيْت إِذا منع الله الثَّمَرَة فَبِمَ يسْتَحل أحدكُم مَال أَخِيه».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث أنس رَضي اللهُ عَنهُ «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن بيع الثِّمَار حَتَّى تزهى، قيل: وَمَا تزهى؟ قَالَ: تحمر. قَالَ: أَرَأَيْت إِن منع الله الثَّمَرَة بِمَ يَأْخُذ أحدكُم مَال أَخِيه» وَهَذَا لفظ البُخَارِيّ، وَفِي رِوَايَة لَهُ «نهَى أَن تبَاع ثَمَرَة النّخل حَتَّى تزهو- يَعْنِي حَتَّى تحمر» وَفِي رِوَايَة لَهُ «نهَى عَن بيع الثَّمَرَة حَتَّى يَبْدُو صَلَاحهَا أَو عَن النّخل حَتَّى تزهو. قيل: وَمَا تزهو؟ قَالَ: تحمار وتصفار» وَفِي رِوَايَة لَهُ «نهَى عَن بيع الثَّمر حَتَّى يزهو، فَقُلْنَا لأنس: مَا هُوَ زهوها؟ قَالَ: تحمر وَتَصْفَر، أَرَأَيْت إِن منع الله الثَّمَرَة بِمَ يسْتَحل أحدكُم مَال أَخِيه».
وَرَوَاهُ مُسلم بِأَلْفَاظ: أَحدهَا: «نهَى عَن بيع ثَمَر النّخل حَتَّى يزهو فَقيل لأنس: مَا زهوها؟ قَالَ: تحمر وَتَصْفَر أَرَأَيْت إِن منع الله الثَّمَرَة بِمَ تستحل مَال أَخِيك؟».
ثَانِيهَا: «نهَى عَن بيع الثَّمَرَة حَتَّى تزهى، قَالُوا: وَمَا تزهى؟ قَالَ: تحمر. قَالَ: إِذا منع الله الثَّمَرَة بِمَ تستحل مَال أَخِيك؟».
ثَالِثهَا: «إِن لم يثمرها الله فَبِمَ يسْتَحل أحدكُم مَال أَخِيه؟».
وَاعْلَم إِن الْحفاظ اخْتلفُوا فِي قَوْله: «أَرَأَيْت إِن منع الله الثَّمَرَة...» إِلَى آخِره، هَل هُوَ من قَول أنس، أَو مَرْفُوع كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ وسُفْيَان الثَّوْريّ وَإِسْمَاعِيل بن جَعْفَر إِلَى الأول. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله: هَذَا الحَدِيث يرويهِ مَالك بن أنس والدراوردي مُسْندًا كُله وَإِبْرَاهِيم بن أبي حَمْزَة وَيَحْيَى بن سُلَيْمَان وَإِسْمَاعِيل بن جَعْفَر وَبشر بن الْمفضل وَأَبُو خَالِد الْأَحْمَر وَمعمر بن سُلَيْمَان، وهشيم، وَعبيدَة بن معتب وسُفْيَان بن حبيب وَيَحْيَى بن أَيُّوب ومروان بن مُعَاوِيَة وَيزِيد بن هَارُون جعلُوا آخر الحَدِيث من قَول أنس وَهُوَ الصَّوَاب. وَقَالَ الْحَاكِم فِي كِتَابه عُلُوم الحَدِيث: هَذِه الزِّيَادَة فِي هَذَا الحَدِيث «أَرَأَيْت...» إِلَى آخِره عَجِيبَة فَإِن مَالِكًا ينْفَرد بهَا لم يذكرهَا غَيره فِيمَا علمت فِي هَذَا الْخَبَر وَقد قَالَ بعض أَئِمَّتنَا إِنَّهَا من قَول أنس، فَسمِعت ابْن خُزَيْمَة يَقُول: رَأَيْت مَالك بن أنس فِي النّوم شَيخا أسمرَ طوَالًا، فَقلت أحدثكُم حميد الطَّوِيل عَن أنس أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «أَرَأَيْت إِن منع الله الثَّمَرَة...» الحَدِيث قَالَ: نعم. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله سَأَلت أبي وَأَبا زرْعَة عَن ذَلِكَ فَقَالَا: رَفعه خطأ إِنَّمَا هُوَ من كَلَام أنس. قَالَ أَبُو زرْعَة: والدراوردي وَمَالك بن أنس يرويانه مَرْفُوعا وَالنَّاس يرونه مَوْقُوفا من كَلَام أنس.
وَقَالَ الْخَطِيب فِي كِتَابه الْفَصْل للوصل المدرج فِي النَّقْل: رَوَاهُ مَالك عَن حميد مَرْفُوعا بِكُل هَذِه الْأَلْفَاظ، وَوهم فِي ذَلِكَ لِأَن قَوْله «أَرَأَيْت...» إِلَى آخِره من كَلَام أنس، بَين ذَلِكَ يزِيد بن هَارُون والدراوردي وَأَبُو خَالِد الْأَحْمَر وَإِسْمَاعِيل بن جَعْفَر كلهم عَن حميد فِي روايتهم هَذَا الحَدِيث عَن حميد وفصلوا كَلَام أنس من كَلَام رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَرَوَاهُ الْأنْصَارِيّ وهشيم وَابْن الْمُبَارك وَعبيدَة عَن حميد فاقتصروا عَلَى الْمَرْفُوع هُنَا دون كَلَام أنس. قَالَ الْبَغَوِيّ: رَوَى هَذَا الحَدِيث جمَاعَة كلهم عَن حميد من قَول أنس، وَلَا نعلم أحدا رَفعه إِلَّا الدَّرَاورْدِي. قَالَ الْخَطِيب: قد رَوَاهُ إِبْرَاهِيم بن حَمْزَة الزبيري عَن الدَّرَاورْدِي مَوْقُوفا، وَإِبْرَاهِيم أتقن من مُحَمَّد بن عباد وَلَيْسَ يَصح أَن أحدا رَفعه سُوَى مَالك.
وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِي: جعل مَالك والدراوردي قَول أنس «أَرَأَيْت إِن منع الله» مَرْفُوعا، وأظن حميدا حدث بِهِ فِي الْحجاز كَذَلِك وَقَالَ عبد الْحق فِي جمعه: قَوْله: «أَرَأَيْت..» إِلَى آخِره لَيْسَ بموصول عَنهُ فِي كل طَرِيق.
قلت: فَتحصل أَن الْمُعظم عَلَى وَقفه عَلَيْهِ خلاف مَا وَقع فِي الْكتاب.

.الحديث السَّادِس:

«نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيع الثِّمَار حَتَّى تزهى، فَقيل: يَا رَسُول الله، وَمَا تزهى؟ قَالَ: تحمر أَو تصفر».
هَذَا الحَدِيث أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث أنس كَمَا سلف فِي الحَدِيث قبله.
وَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَن مَالك عَن حميد عَن أنس مَرْفُوعا بِمثل مَا ذكره الرَّافِعِيّ سَوَاء إِلَى قَوْله تحمر، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن والْمعرفَة عَنهُ، وَقَالَ: أَخْرجَاهُ فِي الصَّحِيح من حَدِيث مَالك إِلَّا أَنَّهُمَا لم يَقُولَا: «يَا رَسُول الله» بل قَالَا: «قيل: وَمَا تزهى أَو قيل لأنس: مَا زهوها» وَأخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث جَابر قَالَ: «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تبَاع الثَّمَرَة حَتَّى تشقح. قيل: وَمَا تشقح؟ قَالَ: تحمار وتصفار، ويؤكل مِنْهَا».
فَائِدَة: مَعْنَى تزهى: تصير زهوًا وَهُوَ ابْتِدَاء أرطابها وطيبها، يُقَال: زهت وأزهت، وَأنكر بَعضهم زهت.

.الحديث السَّابِع:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن بيع الْحبّ حَتَّى يشْتَد».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا تقدم بَيَانه فِي آخر بَاب الْبيُوع الْمنْهِي عَنْهَا.

.الحديث الثَّامِن:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن المحاقلة والمزابنة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحهمَا من طرق كَمَا ستعلمه عَلَى الإثر.

.الحديث التَّاسِع:

عَن جَابر رَضي اللهُ عَنهُ «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن المحاقلة والمزابنة، والمحاقلة أَن يَبِيع الرجل الرجل الزَّرْع بِمِائَة فرق من الْحِنْطَة، والمزابنة أَن يَبِيع الثَّمر عَلَى رُءُوس النّخل بِمِائَة فرق من تمر».
قَالَ الرَّافِعِيّ: فَهَذَا التَّفْسِير إِن كَانَ من النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذَاك، وَإِن كَانَ من الرَّاوِي فَهُوَ أعرف بتفسير مَا رَوَاهُ.
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي الْمُخْتَصر فَقَالَ: أبنا سُفْيَان، عَن ابْن جريج عَن عَطاء عَن جَابر... فَذكره بالتفسير الْمَذْكُور سَوَاء، ثمَّ قَالَ: عَن ابْن جريج قَالَ: قلت لعطاء: مَا المحاقلة؟ فَقَالَ: المحاقلة فِي الْحَرْث كَهَيئَةِ الْمُزَابَنَة فِي النّخل سَوَاء، بيع الزَّرْع بالقمح. وَقَالَ ابْن جريج: قلت لعطاء: أفسّر لكم جَابر المحاقلة كَمَا أَخْبَرتنِي؟ قَالَ: نعم. وَرَوَى الرَّبيع حَدِيث جَابر لكنه أبدل «الْمُزَابَنَة» «بالمخابرة» وَفِي آخِره: «وَالْمُخَابَرَة كِرَاء الأَرْض بِالثُّلثِ وَالرّبع». وَأخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث سُفْيَان بِنَحْوِهِ.
وَرَوَى الرّبيع أَيْضا أبنا الشَّافِعِي، أبنا مَالك، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن الْمُزَابَنَة، والمزابنة بيع الثَّمر بِالتَّمْرِ كَيْلا، وَبيع الْكَرم بالزبيب كَيْلا» وخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث مَالك.
وَرَوَى الرَّبيع عَن الشَّافِعِي، أبنا سعيد بن سَالم، عَن ابْن جريج «أَنه قَالَ لعطاء: وَمَا المحاقلة...» فَذكره كَمَا تقدم من طَرِيق الْمُخْتَصر، ثمَّ قَالَ الرّبيع: قَالَ الشَّافِعِي: وَتَفْسِير المحاقلة والمزابنة فِي الْأَحَادِيث يحْتَمل أَن يكون عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنْصُوصا، وَيحْتَمل أَن يكون عَن رِوَايَة من رَوَاهُ.
قلت: وَأخرج النَّهْي عَن المحاقلة والمزابنة غير من قدمنَا من الصَّحَابَة جمَاعَة مِنْهُم: أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن الْمُزَابَنَة والمحاقلة».
والمزابنة: اشْتِرَاء الثَّمر عَلَى رُءُوس النّخل، والمحاقلة: كِرَاء الأَرْض أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا.
وَمِنْهُم ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهُ أَخْرجَاهُ أَيْضا بِذكر الْمُزَابَنَة فَقَط.
وَمِنْهُم ابْن عَبَّاس فَأخْرجهُ البُخَارِيّ بِذكر «المحاقلة والمزابنة».
وَمِنْهُم أنس أخرجه البُخَارِيّ بِذكر «المحاقلة» فَقَط.
وَأَخْرَجَاهُ أَيْضا من حَدِيث سعيد بن الْمسيب، وَأخرجه النَّسَائِيّ من حَدِيث رَافع بن خديج، وَسَيَأْتِي من حَدِيث سهل بن سعد أَيْضا.
فَائِدَة: ذكر الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب أَن المحاقلة مَأْخُوذَة من الحقل وَهِي المساحة الَّتِي تزرع. كَذَا قَالَ: «المساحة» بِالْإِفْرَادِ، وَالصَّوَاب الساحات؛ لِأَن الحقل جمع حقلة كَمَا قَالَه الْجَوْهَرِي فَلَا يَصح تَفْسِيره بالمفردة.

.الحديث العَاشِر:

عَن جَابر رَضي اللهُ عَنهُ «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن الْمُزَابَنَة وَهِي بيع الثَّمر بِالتَّمْرِ إِلَّا أَنه رخص فِي العريّة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّافِعِي عَن سُفْيَان، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء، عَن جَابر «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن الْمُزَابَنَة، والمزابنة: بيع الثَّمر بِالتَّمْرِ إِلَّا أَنه أرخص فِي الْعَرَايَا» وَأَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيح من هَذَا الْوَجْه، رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي كتاب الشّرْب عَن عبد الله بن مُحَمَّد، عَن سُفْيَان، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء، سمع جَابر بن عبد الله «نهَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن المخابرة والمحاقلة وَعَن الْمُزَابَنَة، وَعَن بيع التَّمْر حَتَّى يَبْدُو صَلَاحه، وَأَن لَا يُبَاع إِلَّا بالدينار وَالدِّرْهَم إِلَّا الْعَرَايَا».
وَرَوَاهُ مُسلم كَذَلِك أَيْضا.

.الحديث الحَادِي عشر:

عَن سهل بن أبي حثْمَة «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن بيع الثَّمر بِالتَّمْرِ إِلَّا أَنه رخص فِي الْعرية أَن تبَاع بِخرْصِهَا تَمرا يأكلها أَهلهَا رطبا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن سُفْيَان عَن يَحْيَى بن سعيد عَن بشير بن يسَار عَن سهل بِهِ سَوَاء كَذَا أخرجه أَحْمد فِي مُسْنده سَوَاء، وَأخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحهمَا من حَدِيث سُفْيَان، وَلَفظ مُسلم «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن بيع الثَّمر بِالتَّمْرِ وَقَالَ: ذَلِكَ الرِّبَا، تِلْكَ الْمُزَابَنَة إِلَّا أَنه رخص فِي بيع الْعرية النَّخْلَة والنخلتين يَأْخُذهَا أهل الْبَيْت بِخرْصِهَا تَمرا يأكلونها رطبا».
وَفِي رِوَايَة لَهُ «ذَلِك الزَّبْنَ» مَكَان «ذَلِكَ الرِّبَا» وَلَفظ البُخَارِيّ «نهَى عَن بيع الثَّمر بِالتَّمْرِ، وَرخّص فِي الْعرية أَن تبَاع بِخرْصِهَا يأكلها أَهلهَا رطبا».
فَائِدَة: الثَّمر الْمَذْكُور أَولا بِالْمُثَلثَةِ وَالْمرَاد الرطب، وَالْمَذْكُور ثَانِيًا بِالْمُثَنَّاةِ. وَقَوله «بِخرْصِهَا» هُوَ بِفَتْح الْخَاء وَكسرهَا كَمَا حَكَاهُ النَّوَوِيّ، وَالْفَتْح أشهر، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَالْمُرَاد المخروص.

.الحديث الثَّانِي عشر:

رَوَى الشَّافِعِي عَن مَالك، عَن دَاوُد- هُوَ ابْن الْحصين- عَن أبي سُفْيَان مولَى ابْن أبي أَحْمد، عَن أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أرخص فِي بيع الْعَرَايَا بِخرْصِهَا فِيمَا دون خَمْسَة أوسق أَو فِي خَمْسَة أوسق» شكّ دَاوُد.
هُوَ كَمَا قَالَ رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي الْأُم، والْمُخْتَصر عَن مَالك كَذَلِك وَرَوَاهُ مُسلم عَن القعْنبِي وَيَحْيَى بن يَحْيَى عَن مَالك كَذَلِك، وَرَوَاهُ البُخَارِيّ عَن عبد الله بن عبد الْوَهَّاب قَالَ: سَمِعت مَالِكًا وَسَأَلَهُ عبيد الله بن الرّبيع: أحَدثك دَاوُد عَن أبي سُفْيَان عَن أبي هُرَيْرَة «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رخص فِي بيع الْعَرَايَا فِي خَمْسَة أوسق أَو دون خَمْسَة أوسق»؟ قَالَ: نعم. وَلم يذكر قَوْله: شكّ دَاوُد هُنَا، وَذكرهَا فِي كتاب الشّرْب من صَحِيحه.

.الحديث الثَّالِث عشر:

عَن زيد بن ثَابت رَضي اللهُ عَنهُ «أَنه سَمّى رجَالًا مُحْتَاجين من الْأَنْصَار شكوا إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الرطب يَأْتِي وَلَا نقد بِأَيْدِيهِم يبتاعون بِهِ رطبا يَأْكُلُونَهُ مَعَ النَّاس، وَعِنْدهم فضول قوت من ثَمَر فَرخص لَهُم أَن يبتاعوا الْعَرَايَا بِخرْصِهَا من التَّمْر».
هَذَا الحَدِيث ذكره الشَّافِعِي فِي اخْتِلَاف الحَدِيث بِغَيْر إِسْنَاد بِنَحْوِهِ فَقَالَ: «والعرايا الَّتِي أرخص رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهَا فِيمَا ذكر مَحْمُود بن لبيد قَالَ: سَأَلت زيد بن ثَابت فَقلت: مَا عراياكم هَذِه الَّتِي تحلونها؟ فَقَالَ: فلَان وَأَصْحَابه شكوا إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الرطب يحضر وَلَيْسَ عِنْدهم ورق وَلَا ذهب يشْتَرونَ بهَا وَعِنْدهم فضل تمر من قوت سنتهمْ، فأرخص لَهُم رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يشتروا الْعَرَايَا بِخرْصِهَا من التَّمْر يأكلونها رطبا» وَذكره الشَّافِعِي فِي الْأُم والْمُخْتَصر أَيْضا وَقَالَ: وَقيل لمحمود بن لبيد أَو قَالَ مَحْمُود بن لبيد لرجل من أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِمَّا زيد بن ثَابت وَإِمَّا غَيره: «مَا عراياكم هَذِه؟ قَالَ: فلَان وَفُلَان وَسَمَّى رجَالًا مُحْتَاجين من الْأَنْصَار شكوا إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الرطب يَأْتِي وَلَا نقد بِأَيْدِيهِم يبتاعون بِهِ رطبا يَأْكُلُونَهُ مَعَ النَّاس وَعِنْدهم فضول من قوتهم من التَّمْر فَرخص لَهُم أَن يبتاعوا الْعَرَايَا بِخرْصِهَا من التَّمْر الَّذِي فِي أَيْديهم يأكلونها رطبا». قَالَ الْمُزنِيّ: وَفِي الْإِمْلَاء «أَن قوما شكوا إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه لَا نقد عِنْدهم وَلَهُم تمر من فضل قوتهم فأرخص لَهُم فِيهِ» وَكَذَا ذكره الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة عَن الشَّافِعِي مُعَلّقا وَلم يذكر لَهُ إِسْنَادًا يتَّصل بِهِ، قَالَ الشَّافِعِي وَحَدِيث سُفْيَان- يَعْنِي- السالف يدل عَلَى مثل هَذَا الحَدِيث. وَذكره التِّرْمِذِيّ من غير تعْيين رَاوِيه فَقَالَ لما ذكر حَدِيث الْعَرَايَا: وَمَعْنى هَذَا عِنْد أهل الْعلم: أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرَادَ التَّوسعَة عَلَيْهِم فِي هَذَا؛ لأَنهم شكوا إِلَيْهِ وَقَالُوا: مَا نجد مَا نشتري من التَّمْر إِلَّا بِالتَّمْرِ فَرخص لَهُم فِيمَا دون خَمْسَة أوسق أَن يشتروها فيأكلوها رطبا. وَيحْتَمل أَن يكون مُرَاد التِّرْمِذِيّ بِبَعْض الْعلمَاء الشَّافِعِي. قَالَ الْمَاوَرْدِيّ: لم يُسند الشَّافِعِي هَذَا؛ لِأَنَّهُ نَقله من السّير.
قلت: وَأَشَارَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم الظَّاهِرِيّ إِلَى تَضْعِيف هَذَا بقوله: إِن الشَّافِعِي ذكر فِيهِ حَدِيثا لَا يدْرِي أحد منشأه وَلَا مبدأه وَلَا طَرِيقه، وَذكره أَيْضا بِغَيْر إِسْنَاد، فَبَطل أَن يكون فِيهِ حجَّة- يَعْنِي فِي اخْتِصَاص الْعَرَايَا بالفقراء.
قلت: وَأنكر رِوَايَته عَلَى الشَّافِعِي ابْن دَاوُد الظَّاهِرِيّ ورد عَلَيْهِ ابْن شُرَيْح فِي إِنْكَاره مُقَابل هَذَا قَول الْمُوفق الْحَنْبَلِيّ فِي كافيه لما سَاقه بِهَذِهِ المساقة مُتَّفق عَلَيْهِ، وَهُوَ عَجِيب فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلَا فِي السّنَن، نعم أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث زيد بن ثَابت بِلَفْظ «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رخص فِي الْعرية يَأْخُذهَا أهل الْبَيْت بِخرْصِهَا تَمرا يأكلونها رطبا» وَفِي لفظ «رخص فِي الْعَرَايَا أَن تبَاع بِخرْصِهَا كَيْلا».
فَائِدَة: مَحْمُود بن لبيد هَذَا صَحَابِيّ ابْن صَحَابِيّ، وَوَقع فِي الوافي فِي شرح الْمُهَذّب فِيهِ شَيْء لايمكن التفوه بِهِ فليحذر وليترك مِنْهُ.

.الحديث الرَّابِع عشر:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بِوَضْع الجوائح».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم بِهَذَا اللَّفْظ من حَدِيث جَابر رَضي اللهُ عَنهُ. وَفِي رِوَايَة للنسائي «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وضع الجوائح» وَاعْتذر الشَّافِعِي عَن هَذَا الحَدِيث بِمَا ذكرته عَنهُ فِي تَخْرِيج أَحَادِيث الْوَسِيط فاطلبه مِنْهُ.

.الحديث الخَامِس عشر:

«أَن رجلا ابْتَاعَ ثَمَرَة فأذهبتها الْجَائِحَة، فَسَأَلَهُ أَن يضع عَنهُ، فَأَبَى أَن لَا يفعل، فَذكر للنَّبِي فَقَالَ: تألى أَن لَا يفعل خيرا. فَأخْبر البَائِع بِمَا ذكر النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فسمح بِهِ للْمُبْتَاع».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن الشَّافِعِي عَن مَالك عَن أبي الرِّجَال مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن عَن أمه عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن أَنه سَمعهَا تَقول: «ابْتَاعَ رجل ثَمَر حَائِط فِي زمَان رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فعالجه وَقَامَ عَلَيْهِ حَتَّى تبين لَهُ النُّقْصَان، فَسَأَلَ رب الْحَائِط أَن يضع عَنهُ أَو أَن يقيله، فَحلف أَن لَا يفعل، فَذَهَبت أم المُشْتَرِي إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرت ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم تألى أَن لَا يفعل خيرا. فَسمع ذَلِكَ رب الْحَائِط فَأَتَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: هُوَ لَهُ». قَالَ الرّبيع: قَالَ الشَّافِعِي: حَدِيث عمْرَة هَذَا مُرْسل وَأهل الحَدِيث وَنحن لَا نثبت الْمُرْسل، فَلَو ثَبت حَدِيث عمْرَة كَانَت فِيهِ- وَالله أعلم- دلَالَة عَلَى أَن لَا تُوضَع الْجَائِحَة، لقولها: «قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: تألى أَن لَا يفعل خيرا» وَلَو كَانَ الحكم عَلَيْهِ أَن يضع الْجَائِحَة لَكَانَ أشبه أَن يَقُول ذَلِكَ لَازم لَهُ حلف أَو لم يحلف. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قد أسْندهُ حَارِثَة بن أبي الرِّجَال، فَرَوَاهُ عَن أَبِيه عَن عمْرَة عَن عَائِشَة إِلَّا أَن حَارِثَة ضَعِيف لَا يحْتَج بِخَبَرِهِ. قَالَ: وأسنده يَحْيَى بن سعيد عَن أبي الرِّجَال إِلَّا أَنه مُخْتَصر لَيْسَ فِيهِ ذكر الثَّمر. فَرَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ عَن عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن قَالَت: سَمِعت عَائِشَة تَقول: «سمع رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صَوت خصوم بِالْبَابِ عالية أَصْوَاتهم، وَإِذا أحدهم يستوضع الآخر ويسترفقه فِي شَيْء، وَهُوَ يَقُول: وَالله لَا أفعل. فَخرج النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِمَا فَقَالَ: أَيْن المتألي عَلَى الله لَا يفعل الْمَعْرُوف؟ فَقَالَ: يَا رَسُول الله، أَنا، فَلهُ أَي ذَلِكَ أحب» رَوَاهُ البُخَارِيّ عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس، وَرَوَاهُ مُسلم عَن بعض أَصْحَابه عَن إِسْمَاعِيل.

.باب معاملات العبيد:

ذكر فِيهِ حَدِيثا وَاحِدًا وَهُوَ:
قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: «من بَاعَ عبدا وَله مَال».
وَهُوَ حَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهما أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من ابْتَاعَ عبدا فَمَاله للَّذي بَاعه إِلَّا أَن يشْتَرط الْمُبْتَاع» وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ فِي كتاب الشّرْب من صَحِيحه: «من ابْتَاعَ عبدا وَله مَال...» الحَدِيث، وَفِي رِوَايَة للشَّافِعِيّ وَالتِّرْمِذِيّ «من بَاعَ عبدا لَهُ مَال..» الحَدِيث. ثمَّ قَالَ: حَدِيث حسن صَحِيح. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث جَابر مَرْفُوعا: «من بَاعَ عبدا وَله مَال فَمَاله للْبَائِع إِلَّا أَن يشْتَرط الْمُبْتَاع» وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه بِلَفْظ «من ابْتَاعَ عبدا وَله مَال فَلهُ مَاله وَعَلِيهِ دينه إِلَّا أَن يشْتَرط الْمُبْتَاع» وَرَوَاهَا الْبَيْهَقِيّ أَيْضا إِلَّا أَنه قَالَ: «من بَاعَ» بدل «من ابْتَاعَ» ثمَّ قَالَ: إِن صَحَّ هَذَا الحَدِيث فَإِنَّمَا أَرَادَ- وَالله أعلم- العَبْد الْمَأْذُون لَهُ فِي التِّجَارَة إِذا كَانَ فِي يَده مَال وَفِيه دين يتَعَلَّق بِهِ، فالسيد يَأْخُذ مَاله وَيَقْضِي دينه. وَفِي سنَن أبي دَاوُد أَيْضا من حَدِيث ابْن وهب، عَن ابْن لَهِيعَة وَاللَّيْث بن سعد بِسَنَدِهِ إِلَى ابْن عمر مَرْفُوعا: «من أعتق عبدا وَله مَال فَمَال العَبْد لَهُ إِلَّا أَن يَشْتَرِطه السَّيِّد» قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الْإِلْمَام: وَمن عدَّ ابْن لَهِيعَة من رجال الصَّحِيح؟! وَأخرجه ابْن مَاجَه من وَجْهَيْن أَحدهمَا: عَن ابْن لَهِيعَة. وَالثَّانِي: عَن اللَّيْث وَفِيه «إِلَّا أَن يشْتَرط السَّيِّد مَاله فَيكون لَهُ مَال». وَقَالَ ابْن لَهِيعَة: «إِلَّا أَن يستثنيه السَّيِّد».