فصل: الحديث الثَّانِي عشر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث السَّادِس:

قَالَ الرَّافِعِيّ مَا مَعْنَاهُ: أَن للمستدل أَن يسْتَدلّ عَلَى أَن الْفَقِير أحسن حَالا من الْمِسْكِين بِمَا نقل وَبِه افتخر.
هَذَا الحَدِيث لَا أعرفهُ مرويًّا فِي كتاب حَدِيث، وَقَالَ الصغاني: إِن حَقه أَنه حَدِيث مَوْضُوع. وَكَذَا قَالَ غَيره مِمَّن أَدْرَكته من الْعلمَاء أَنه كذب لَا يعرف فِي شَيْء من كتب الْمُسلمين الْمَعْرُوفَة.

.الحديث السَّابِع:

«أَنه- عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ- وَالْخُلَفَاء بعده بعثوا السعاة لأجل الصَّدقَات».
هَذَا صَحِيح مستفيض عَنْهُم وَقد أوضحناه فِيمَا مَضَى من كتاب الزَّكَاة.

.الحديث الثَّامِن:

الرَّافِعِيّ: وَفِي إِعْطَاء مؤلفة الْكتاب من غير الزَّكَاة قَولَانِ:
أَحدهمَا: يُعْطون من خمس الْخمس؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يعطيهم وَلنَا فِيهِ أُسْوَة حَسَنَة.
هُوَ كَمَا قَالَ فَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث رَافع بن خديج وَعبد الله بن زيد الْمَازِني «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْطى الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم يَوْم حنين مائَة من الْإِبِل» وَسَيَأْتِي إِعْطَاؤُهُ صَفْوَان بن أُميَّة من غَنَائِم حنين وَكَانَ كَافِرًا إِذْ ذَاك، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث سهل بن أبي حثْمَة «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أدّى عبد الله بن سهل ثَمَانِيَة من إبل الصَّدَقَة» وَالْأَظْهَر أَنه- عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ- يؤلف بذلك قُلُوبهم لما أصيبوا بقتيلهم، وَأبْعد من تَأَوَّلَه بِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا من إبل الصَّدَقَة.

.الحديث التَّاسِع:

«أَنه- عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ- قَالَ لِمعَاذ: إِنَّك ستأتي قوما أهل كتاب فَإِذا جئتهم فادعهم إِلَى شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَإِنِّي رَسُول الله، فَإِن هم أطاعوا لَك بذلك فأعلمهم بِأَن عَلَيْهِم صَدَقَة تُؤْخَذ من أغنياءهم فَترد فِي فقرائهم».
هَذَا الحَدِيث كَرَّرَه الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب وَهُوَ حَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث ابْن عَبَّاس وَقد سبق بِطُولِهِ فِي الزَّكَاة.

.الحَدِيث الْعَاشِر:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْطى عُيَيْنَة بن حصن والأقرع بن حَابِس وَأَبا سُفْيَان بن حَرْب وَصَفوَان بن أُميَّة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث رَافع بن خديج قَالَ: «أعْطى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا سُفْيَان بن حَرْب وَصَفوَان بن أُميَّة وعيينة بن حصن والأقرع بن حَابِس وعلقمة بن علاثة كل إِنْسَان مِنْهُم مائَة، وَأعْطَى عَبَّاس بن مرداس دون ذَلِك، فَقَالَ عَبَّاس بن مرداس:
أَتجْعَلُ نَهبي ونَهب العُبَيْ د بَين عُيَيْنَة والأقرع فَمَا كَانَ بدر وَلَا حَابِس يَفُوقَانِ مرداس فِي مجمع وَمَا كنت دون امْرِئ مِنْهُمَا وَمن تخْفض الْيَوْم لَا يرفع قَالَ: فَأَتمَّ لَهُ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مائَة»
. هَذَا الحَدِيث من أَفْرَاد مُسلم، وَقد شهد لَهُ بذلك عبد الْحق أَيْضا، وَوهم صَاحب التنقيب فَادَّعَى أَن البُخَارِيّ رَوَاهُ، فاجتنبه، وَزَاد ابْن إِسْحَاق فِي السِّيرَة أبياتًا عَلَى ذَلِك فَقَالَ:
كَانَت نهابًا تلافيتهاِ بِكَرِّي عَلَى الْمهْر فِي الأجرع وإيقاظي الْقَوْم أَن يرقدوا إِذا هجع النَّاس لم أهجع فَأصْبح نَهْبي وَنهب العبيد بَين عُيَيْنَة والأقرع وَقد كنت فِي الْحَرْب ذَا تدرإ فَلم أعْط شَيْئا وَلم أمنع إِلَّا أفائل أعطيتهَا عديد قَوَائِمهَا الْأَرْبَع فَمَا كَانَ حصن وَلَا حَابِس... الْبَيْت وَقَالَ فِي الثَّانِي «وَمن تضع» بدل «وَمن تخْفض». فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «اذْهَبُوا بِهِ فَاقْطَعُوا عني لِسَانه». فَأَعْطوهُ حَتَّى رَضِي وَكَانَ ذَلِك قطع لِسَانه الَّذِي أَمر بِهِ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ ابْن هِشَام: وحَدثني بعض أهل الْعلم «أَن عباسًا أَتَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنْت الْقَائِل: فَأصْبح نَهْبي وَنهب العبيد بَين الْأَقْرَع وعيينة، قَالَ أَبُو بكر الصّديق: بَين عُيَيْنَة والأقرع. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: هما وَاحِد. فَقَالَ أَبُو بكر: أشهد أَنَّك كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {وَمَا علمناه الشّعْر وَمَا يَنْبَغِي لَهُ}».
تَنْبِيه:
قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: هَذَا خطأ، وَالصَّوَاب عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ مَرْفُوعا كَذَا قَالَ.
فَائِدَة: العُبيد- بِضَم الْعين وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة- اسْم فرس ابْن مرداس السّلمِيّ، وَكَانَ يُدعَى فِي الْإِسْلَام: فَارس العبيد، وَفِي الْجَاهِلِيَّة: فَارس فروه. وَذكر ابْن دَاوُد من أَصْحَابنَا أَن الشَّافِعِي أَشَارَ إِلَى تتميم النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمِائَة لَهُ إِلَى قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا: لأجل تألفه. ثَانِيهمَا: لِئَلَّا تنحط رتبته.

.الحديث الحَادِي عشر:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْطى عدي بن حَاتِم».
هَذَا الحَدِيث تبع فِي إِيرَاده صَاحب الْمُهَذّب وَلم يعزه النَّوَوِيّ فِي شَرحه وَلَا الْمُنْذِرِيّ فِي تَخْرِيجه لأحاديثه نعم جزم بِهِ النَّوَوِيّ فِي الأغاليط المنسوبة إِلَيْهِ، وَهُوَ غَرِيب لم أَجِدهُ فِي كتاب حَدِيث، وَالْمَعْرُوف أَن الصّديق هُوَ الَّذِي أعطَاهُ كَمَا ستعلمه فِي الْكَلَام عَلَى الْآثَار، وَكَانَت وفادة عدي بن حَاتِم عَلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سنة تسع فِي شعْبَان وَقيل: سنة عشر، فَأسلم وَكَانَ نَصْرَانِيّا، وقصة إِسْلَامه مَذْكُورَة فِي كُتب الصَّحَابَة، وَأَنه لمَّا بُعث رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كرهه أَشد الْكَرَاهَة، وَلما مَاتَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَدِم عَلَى الصّديق فِي وَقت الرِّدَّة، فصدَّقه قومه، وَثَبت عَلَى الْإِسْلَام وَلم يرْتَد، وَثَبت قومه مَعَه.... ذكره أَبُو حَاتِم السجسْتانِي فِي المعمرين قَالُوا: عَاشَ مائَة سنة وَثَمَانِينَ سنة. وَكَانَ أحد الخطاطة؛ إِذا ركب الْفرس كَادَت رِجْليه تخط الأَرْض، وَكَانَ يفت الْخبز للنمل وَيَقُول هِيَ جارات، ولهن حق.

.الحديث الثَّانِي عشر:

«أَنه أعْطى الزبْرِقَان بْنَ بدر».
هَذَا الحَدِيث تبع فِي إِيرَاده صَاحب المهذَّب أَيْضا، وَلم يَعْزه النَّوَوِيّ فِي شَرحه وَلَا الْمُنْذِرِيّ فِي تَخْرِيجه لأحاديثه نَعَمْ جزم بِهِ النَّوَوِيّ فِي الأغاليط عَلَى الْوَسِيط المنسوبة إِلَيْهِ، وَهُوَ غَرِيب أَيْضا، وَالْمَعْرُوف مِنْ حَاله: كَانَ سيِّدًا فِي الْجَاهِلِيَّة عَظِيم القدْر فِي الْإِسْلَام، وَكَانَ من السُّعَدَاء الْمُحْسِنِينَ، ووفد عَلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي وَفد بني سهم، مِنْهُم: قيس بن عَاصِم الْمنْقري، فأسلموا، وأجارهم رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وأحْسَنَ جوارهم، وَذَلِكَ سنة سَبْعٍ، وولاَّه رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صدقَات قومه فِي عَوْف؛ فأدّاها فِي الرِّدَّة إِلَى أبي بكر، فأقره أَبُو بكر عَلَى الصَّدَقَة، وَكَذَلِكَ عمر.
فَائِدَة: الزبْرِقَان اسْمه: الْحصين وَقيل: الْقَمَر، وَفِي كنيته قَولَانِ: أَحدهمَا: أَبُو عَبَّاس، وَثَانِيهمَا: للبسه عِمَامَة مزوَّقة بالزعفران.. حَكَاهُ ابْن السّكيت والجوهريُّ وغيرَهما والزبرقان: بِكَسْر الزَّاي وَالْبَاء الْمُوَحدَة، وَقَالَ ابْن البرزي فِي غَرِيب المهذَّب: يفتحان أَيْضا.
تَنْبِيه: أغرب ابْن معن فَقَالَ فِي تنقيبه فِي هَذَا الحَدِيث وَالَّذِي قبله: أخرجهُمَا البُخَارِيّ، وَمُسلم. وَهَذَا من الْعجب العجاب؛ فَالَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي فضل بني تَمِيم، فِيهِ:
«وَجَاءَت صَدَقَاتهمْ، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَذِه صدقَات قَومنَا».
هَذَا مَا فِيهِ وَلَيْسَ فِيهِ أَن أَعْطَاهُم مِنْهَا.
وَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث عديّ بن حَاتِم قَالَ: «أتيتُ عُمرَ فِي أناسٍ من قومِي، فَجعل يفْرض للرجل مِنْ طَيء فِي أَلفَيْنِ، ويُعرض عني، قَالَ: فاستقبلته فَأَعْرض عني، ثمَّ أَتَيْته من حِيَال وَجهه فَأَعْرض عني، قَالَ: فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ: أتعرفني؟ قَالَ: فَضَحِك حَتَّى اسْتَلْقَى لقفاه، قَالَ: نَعَمْ واللهِ إِنِّي لأعرفك، آمنتَ إِذْ كفرُوا، وأقبلتَ إِذْ أدبروا، ووافيتَ إِذْ غدروا» زَاد خَ: «وعرفتَ إِذا أَنْكَرُوا وَإِن أول صَدَقَة بيضت وَجه رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ووجوه أَصْحَابه صَدَقَة طَيء، جئتَ بهَا إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. ثمَّ أَخذ يعْتَذر، قَالَ: إِنَّمَا فرضتُ لقوم أجحفت بهم الْفَاقَة وَهُمْ سادة عَشَائِرهمْ لما ينوبهم من الْحُقُوق».
فصل: اعلمْ: أَن الرَّافِعِيّ- رَحِمَهُ اللَّهُ- لمّا ذكر أَن مؤلفة الْمُسلمين عَلَى أصنافٍ، مِنْهُم: مَنْ نِيَّته ضَعِيفَة فِي الْإِسْلَام، ويُرْجى بإعطائه ثباته.
وَمِنْهُم: مَنْ يُرْجى بإعطائه رَغْبَة نظرائه فِي الْإِسْلَام.
قَالَ: وَفِي هذَيْن الصِّنْفَيْنِ قَولَانِ: أَحدهمَا: يعطيان تأسيَّاً برَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِنَّهُ أعْطى بِالْمَعْنَى الأوَّل: عيينةَ بْنَ حصن، والأقرع بن حَابِس، وَأَبا سُفْيَان بن حَرْب، وَصَفوَان بن أُميَّة، وبالمعنى الثَّانِي: عديَّ بن حَاتِم، والزبرقان بن بدر.
هَذَا كَلَامه، وَكَذَا ذكره فِي الشَّرْح الصَّغِير أَيْضا، وقلَّد فِي الأول القَاضِي حُسَيْن وَصَاحب المهذَّب وَفِي الثَّانِي: صَاحب التَّتِمَّة وأعتدوهم كَانَ من الْغَنِيمَة؛ لِأَن ذَلِك كَانَ فِي وقْعَة حُنين من أَمْوَال هوَازن، لَا من الزَّكَاة. فأمَّا عُيَيْنَة بن حصن فَلَا إِشْكَال فِي عدّه من الْمُؤَلّفَة، وَقد نَصَّ عَلَى ذَلِك غيرُ وَاحِد، وَكَانَ أَيْضا من الْأَعْرَاب الجفاة، قيل: إِنَّه دخل عَلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من غير إِذن؛ فَقَالَ لَهُ: أَيْن الْإِذْن؟ فَقَالَ: مَا استأذنتُ عَلَى أحدٍ من مُضر. أسلم بعد الْفَتْح، وَقيل: قبله، وَكَانَ مِمَّن أرتد، وَتبع طَلْحَة وَقَاتل مَعَه، وَأخذ أَسِيرًا، وحُمل إِلَى أبي بكر، فَكَانَ صبيان الْمَدِينَة يَقُولُونَ: يَا عَدو الله أكفرت بعد إيمانك؟ فَيَقُول: مَا آمَنت بِاللَّه طرفَة. فَأسلم، فَأَطْلقهُ أَبُو بكر. وَأما الْأَقْرَع بن حَابِس فَلَا شكّ فِي عدّه من الْمُؤَلّفَة أَيْضا، وَقد تقدم إِعْطَاؤُهُ يَوْم حنين عَن صَحِيح مُسلم وَكَانَ حضر مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فتح مَكَّة وحُنينًا، وَحضر الطَّائِف، فلمَّا قَدِم وفْدُ بني تَمِيم كَانَ مَعَهم، فلمَّا قدم الْمَدِينَة ذكر قصَّة طَوِيلَة فِي آخرهَا: أَنه أسلم، فَقَالَ لَهُ- عَلَيْهِ السَّلَام-: «لَا يَضرك مَا كَانَ قبلهَا».
وَأما أَبُو سُفْيَان صَخْر بن حَرْب فَلَا إِشْكَال فِي عدّه مِنْهُم، وَقد أسلم عامَ الْفَتْح وحَسُنَ إِسْلَامه، وَأَعْطَاهُ من غَنَائِم حنين- وَقد شَهِدَهَا مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مائةَ بعير، كَمَا سلف، وَأَرْبَعين أُوقية، وَأعْطَى ابنيه يزِيد وَمُعَاوِيَة كلَّ واحدٍ مثله، وَكَذَا قَالَ النَّوَوِيّ فِي الأغاليط الَّذِي لَهُ عَلَى الْوَسِيط: إِن إِعْطَاؤُهُ أَبَا سُفْيَان كَانَ لضعف نِيَّته فِي الْإِسْلَام كالأقرع وعيينة، وَاعْترض ابْن معن في تنقيبه عَلَى المهذَّب فَقَالَ: جَعْله أَبَا سُفْيَان قسم من أسلم وَنِيَّته ضَعِيفَة، لَيْسَ كَذَلِك؛ لِأَنَّهُ أعطَاهُ قبل أَن يسلم، ثمَّ أسلم بَعْد. وَهُوَ كَمَا قَالَ.
وَأما صَفْوَان بن أُميَّة فَفِي عدِّه من مؤلفة الْمُسلمين وَفِيه أَيْضا فقد ثَبت فِي أَفْرَاد صَحِيح مُسلم من حَدِيث ابْن شهَاب قَالَ: «غزا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم غَزْوَة الفتحِ فَتْحَ مَكَّة، ثمَّ خرج رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بمَنْ مَعَه من الْمُسلمين، فَاقْتَتلُوا بحُنَين، فنصر الله دِيْنَه وَالْمُسْلِمين، وَأعْطَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمئِذٍ صَفْوَان بن أُميَّة مائَة مَِنَ النعم، ثمَّ مائَة، ثمَّ مائَة». قَالَ ابْن شهَاب: حَدثنِي سعيد بن الْمسيب: أَن صَفْوَان قَالَ: واللهِ لقد أَعْطَانِي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإنَّهُ لأبغض النَّاس إليَّ، فَمَا برح يعطيني حَتَّى إِنَّه لأحب النَّاس إليَّ.
وَالظَّاهِر أَنه كَانَ كَافِرًا وَالْحَالة هَذِه، بل صرَّح بذلك الرَّافِعِيّ نَفسه فِي كتاب السّير حَيْثُ قَالَ: شهد صَفْوَان حَرْبَ حنين مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ مُشْرك وَسَبقه بذلك الشَّافِعِي فَقَالَ فِي الْمُخْتَصر: وَأعْطَى صَفْوَان بن أُميَّة، وَلم يعلم، وَلكنه أَعَارَهُ أداته، فَقَالَ فِيهِ عِنْد الْهَزِيمَة أحسن مِمَّا قَالَ بعض من أسلم من أهل مَكَّة عَام الْفَتْح؛ وَذَلِكَ أَن الْهَزِيمَة كَانَت فِي أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم حنين أول النَّهَار، فَقَالَ لَهُ رجل: غلبت هوَازن، أَو قتل مُحَمَّد. فَقَالَ صَفْوَان: بفيك الْحجر، فواللهِ لرب من قُرَيْش أحب إليَّ من رب هوَازن. وَأسلم قومُه من قُرَيْش، وَكَأَنَّهُ لَا يشك فِي إِسْلَامه.
هَذَا لَفظه بِرُمَّتِهِ، وَهَذَا الرجل الْقَائِل عِنْد الْهَزِيمَة مَا تقدم هُوَ: أَبُو سُفْيَان كَمَا نبَّه الْمَاوَرْدِيّ وَابْن الصّباغ وَغَيرهمَا قَالُوا: وَكَانَ صَفْوَان داهية فِي الْإِسْلَام، واستعار مِنْهُ عَلَيْهِ السَّلَام فأعاره مائَة درع، وَحضر مَعَه حُنينًا، فلمّا انجلت الْوَقْعَة أعطَاهُ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهَا مائَة بعير، فألفَّه بهَا، فلمَّا رَآهَا وَقد امْتَلَأَ بهَا الْوَادي قَالَ: واللهِ هَذَا عَطاء مَنْ لَا يخَاف الْفقر. قَالَ: ثمَّ أسلم بعد ذَلِك. وَكَذَا نَصَّ الشَّافِعِي فِي الأمُ عَلَى أَنه أعطَاهُ قَبْل أَن يسلم.
وَكَذَا نَقله عَنهُ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة أَيْضا، فَقَالَ: أعْطى صفوانَ قبل أَن يسلم وَكَانَ كَأَنَّهُ لَا يشك فِي إِسْلَامه.
قلت: لأجْل نِيَّته فِي الْإِسْلَام، وَلِهَذَا «لمَّا ضَاعَ بعض أدراعه عرض عَلَيْهِ رَسُول أَن يضمنهَا لَهُ، فَقَالَ: أَنا الْيَوْم فِي الْإِسْلَام أرغبُ يَا رَسُول الله».
رَوَاهُ أَحْمد وَالنَّسَائِيّ.
وَفِي أبي دَاوُد: «لَا يَا رَسُول الله؛ لِأَن فِي قلبِي الْيَوْم مَا لم يكن يَوْمئِذٍ».
وَقد ذكر هَذَا الموضعَ الغزاليُّ فِي وسيطه عَلَى الصَّوَاب، فَقَالَ: وَقد أعْطى صَفْوَان بن أُميَّة فِي حَال كفره ارتقابًا لإسلامه.
وَخط النَّوَوِيّ عَلَيْهِ، فَقَالَ فِي الأغاليط المنسوبة إِلَيْهِ: هَذَا غلط صَرِيح بالِاتِّفَاقِ من أَئِمَّة النَّقْل وَالْفِقْه، بل إِنَّمَا أعطَاهُ بعد إِسْلَامه؛ لِأَن نيَّته كَانَت ضَعِيفَة في الْإِسْلَام... انْتَهَى.
وَهَذَا عجبٌ من النَّوَوِيّ؛ كَيفَ جعل الصَّوَاب غَلطا صَرِيحًا؟! ثمَّ ادَّعى الِاتِّفَاق عَلَيْهِ؟! وَقد سبق بالاستدراك عَلَيْهِ صَاحب الْمطلب فَقَالَ: عجيبٌ من النَّوَوِيّ، كَيفَ قَالَ ذَلِك؟! نَعَمْ الرافعيُّ وطائفةٌ- مِنْهُم: ابْن أبي الدَّم- قَالُوا: مَا ذكره، ثمَّ قَالَ: وَالله أعلم بِالصَّوَابِ. وَذكر فِي حَدِيث سعيد بن الْمسيب السالف عَن مُسلم، وَلكنه عزاهُ إِلَى التِّرْمِذِيّ وَحده، فِي قَول صَفْوَان بن أُميَّة السالف «أَعْطَانِي...» إِلَى آخِره احْتِمَالَيْنِ: أَحدهمَا: أَن يكون أعطَاهُ قبل أَن يسلم، ثمَّ قَالَ: وَهُوَ الْأَقْوَى. وَثَانِيهمَا: أَن يكون بعد إِسْلَامه.
قلت: وَهَذَا عجيبٌ، فقد رَوَى ابْن الْأَثِير فِي كِتَابه أُسْد الغابة: أَن الْإِعْطَاء قَبْل الْإِسْلَام، وَأَنه شهد حنينًا كَافِرًا؛ فارتفع الْخلاف، وَللَّه الْحَمد.
وَأما عدي بن حَاتِم، والزبرقان بن بدر؛ فَلم أر أحدا غَيرهمَا من الْمُؤَلّفَة، وَقد جمع ابْن الْجَوْزِيّ فِي تلقيحه الْمُؤَلّفَة من كَلَام ابْن عَبَّاس وَابْن إِسْحَاق وَمُقَاتِل، وَمُحَمّد بن حبيب فِي محبره، وَابْن قُتَيْبَة، فَلم يذكرهما فيهم.

.الحديث الثَّالِث عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا تحل الصَّدَقَة إِلَّا لخمسةٍ...» وَذكر مِنْهُم «الْغَارِم».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد في سنَنه مِنْ طَرِيقين:
أَحدهمَا: عَن عَطاء بن يسَار أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا تحل الصَّدَقَة لغنيٍّ، إِلَّا لخمسة: لغاز فِي سَبِيل الله، أَو لعامل عَلَيْهَا، أَو لغارم، أَو لرجل اشْتَرَاهَا بِمَالِه، أَو لرجلٍ كَانَ لَهُ جَاره مِسْكين فَتصدق عَلَى المسكينِ؛ فأهدى المسكينُ للغني».
وَكَذَلِكَ أخرجه مَالك فِي موطئِهِ مُرْسلا.
ثَانِيهَا: عَن عَطاء عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَعْنَاهُ، كَذَا قَالَ أَبُو دَاوُد، وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من هَذَا الْوَجْه مُتَّصِلا، كَمَا ذكره أَبُو دَاوُد بِاللَّفْظِ الأول مَعَ تقديمٌ وتأخيرٌ، وَقَالَ: «أَو غنيّ اشْتَرَاهَا بِمَالِه، أَو فَقير تصدق عَلَيْهِ فأهداها لَغَنِيّ» يدل عَلَى مَا تقدم.
وَرَوَاهُ الْبَزَّار مُتَّصِلا من طَرِيقين إِلَى أبي سعيد مَرْفُوعا، وَرَوَاهُ أَحْمد مُتَّصِلا أَيْضا، وَاخْتلف الْحفاظ أَيهمَا أصح: طَريقَة الْوَصْل أَو طَريقَة الْإِرْسَال؟ فصحح الثَّانِي طائفةٌ؛ فَفِي علل ابْن أبي حَاتِم: أَن الثَّوْريّ أرْسلهُ، وَنقل عَن أَبِيه أَن الْإِرْسَال أشبه. كَذَا نَقله عَن الثَّوْريّ، وَسَيَأْتِي عَن الْبَيْهَقِيّ مَا يُخَالِفهُ، وَسُئِلَ عَنهُ الدَّارَقُطْنِيّ فَقَالَ فِي علله: هَذَا الحَدِيث حدَّث بِهِ عبد الرَّزَّاق عَن معمر، وَالثَّوْري عَن زيد بن أسلم عَن عَطاء بن يسَار عَن أبي سعيدٍ، قَالَه ابْن عَسْكَر، وَقَالَ غيرُه: عَن عد الرَّزَّاق عَن معمر وَحده، وَهُوَ أصح. قَالَ: وَرَوَاهُ ابْن مهْدي، عَن الثَّوْريّ، عَن زيد بن أسلم قَالَ: حَدثنِي الثبْتُ عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم يسم رجلا، وَهُوَ الصَّحِيح.
وَصحح طَائِفَة الأول، قَالَ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه بعد أَن أخرجه فِيهِ من حَدِيث عَطاء عَن أبي سعيد مَرْفُوعا بِلَفْظ أبي دَاوُد الْمُرْسل: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، قَالَ: وَإِنَّمَا لم يخرجَاهُ لإرسال مَالك بن أنس إِيَّاه، عَن زيد بن أسلم، عَن عَطاء. قَالَ: وَهَذَا من شرطي أَنه صَحِيح، فقد يُرْسل مالكٌ الحديثَ أَو يصله أَو يَقِفُهُ فَالْقَوْل قَول الثِّقَة الَّذِي يصله ويسنده. وَقَالَ الْبَزَّار فِي مُسْنده: هَذَا الحَدِيث قد رَوَاهُ غيرُ واحدٍ، عَن زيد، عَن عَطاء مُرْسلا، وأسنده عبد الرَّزَّاق عَن: معمر، وَالثَّوْري قَالَ: وَإِذا حدَّث بِالْحَدِيثِ ثقةٌ كَانَ عِنْدِي الصَّوَاب، وَعبد الرَّزَّاق عِنْدِي ثِقَة، وَمعمر ثِقَة، وَقَالَ ابْن عبد الْبر: هَذَا الحَدِيث وَصله جمَاعَة من رِوَايَة زيد بن أسلم. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه: إِسْنَاده ثِقَات. وَجمع الْبَيْهَقِيّ طُرُقَهُ، وفيهَا: أَن مَالِكًا، وَابْن عُيَيْنَة أرسلا وَأَن معمرًا، وَالثَّوْري وصلا وهما من جُلَّة الْحفاظ المعتمدين، وَالصَّحِيح إِذن أَن الحُكم للمتصل كَمَا صرَّح بِهِ أهل هَذَا الْفَنّ والأصوليون.
تَنْبِيه: هَذَا الحَدِيث ذكره الرَّافِعِيّ هُنَا مُخْتَصرا، وَذكره بَعْدُ مطولا بِلَفْظ أبي دَاوُد، وَجُمْهُور المصنفين عَلَى جَوَاز تقطيع الحَدِيث إِذا لم يخل بِالْمَعْنَى، وَهَذَا مِنْهُ، ومِنْ أَكْثَرهم اسْتِعْمَالا لهَذَا البخاريُّ فِي صَحِيحه وناهيك بِهِ قُدْوَة.

.الحديث الرَّابِع عشر:

قَالَ الرَّافِعِيّ: لَا يُصْرَف شيءٌ من الصَّدقَات إِلَى المرتزقة كَمَا لَا يُصْرف شيٌ من الْفَيْء إِلَى المتطوعة، وَعَلَى ذَلِك جَرَى الْأَمر فِي عهد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
هُوَ كَمَا قَالَ، وَقد سبق بعض ذَلِك فِي الْبَاب قبله أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِنَّمَا هَذِه الصَّدقَات أوساخ النَّاس، وَإِنَّهَا لَا تحل لمحمدٍ وَلَا لآل مُحَمَّد».
هَذَا الحَدِيث بعض من حَدِيث طَوِيل، وَقد ذكر الرَّافِعِيّ مِنْهُ قطعا، فلنذكره هُنَا بِكَمَالِهِ، ونُحيل مَا نذكرهُ بعده عَلَيْهِ، فَنَقُول: رَوَى مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث عبد الْمطلب بن ربيعَة بن الْحَارِث قَالَ: «اجْتمع ربيعَة بن الْحَارِث وَالْعَبَّاس بن عبد الْمطلب فَقَالَا: لَو بعثنَا هذَيْن الغلامين- قَالَ لي وللفضل بن الْعَبَّاس- إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فكلَّماه، فأمَّرَهما عَلَى هَذِه الصَّدقَات، فأدَّيَا مَا يُؤدِّي النَّاس، وأصابا مَا يُصِيب النَّاس، فَبَيْنَمَا هما فِي ذَلِك إِذْ جَاءَ عَلّي بن أبي طَالب فَوقف عَلَيْهِمَا، فَذكر لَهُ ذَلِك، فَقَالَ عَلّي: لَا تفعلا، فواللهِ مَا هُوَ بفاعلٍ. فانْتَحَاهُ ربيعةُ بن الْحَارِث فَقَالَ: واللهِ مَا تصنع هَذَا إِلَّا نفاسة مِنْك علينا، فوَاللَّه لقد كنت صِهْرَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَا نفسناه عَلَيْك. قَالَ عَلّي: أرسلوهما. فَانْطَلقَا، واضطجع عَلّي، قَالَ: فلمَّا صَلَّى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الظُّهْرَ سبقناه إِلَى الْحُجْرَة، فقمنا عِنْدهَا حَتَّى جَاءَ فَأخذ بآذاننا، ثمَّ قَالَ: أخرجَا مَا تُصرران، ثمَّ دخل ودخلنا مَعَه وَهُوَ يَوْمئِذٍ عِنْد زَيْنَب بنت جحش، قَالَ: فتواكلنا الكلامَ، ثمَّ تكلم أحدُنا فَقَالَ: يَا رَسُول الله، أَنْت أبرُّ الناسِ وأوصلُ الناسِ، وَقد بلغْنَا النكاحَ؛ فَجِئْنَا لتؤمِّرنا عَلَى بعض هَذِه الصَّدقَات، فنؤدّي إِلَيْك كَمَا يُؤَدِّي الناسُ، وَنصِيب كَمَا يصبون. قَالَ: فَسكت طَويلا حَتَّى أردنَا أَن نكلمه، قَالَ: وجعلتْ زينبُ تُلمع إِلَيْنَا من وَرَاء الْحجاب: أَن لَا تكلماه ثمَّ قَالَ: إِن الصَّدَقَة لَا تنبغي لآل محمدٍ، إِنَّمَا هِيَ أوساخ النَّاس، ادْعُوا لي محمية- وَكَانَ عَلَى الخُمس- وَنَوْفَل بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب. قَالَ: فجاءاه، فَقَالَ لمحمية: أنكح هَذَا الْغُلَام ابْنَتك- للفضل بن عَبَّاس- فأنكحه، وَقَالَ لنوفل بن الْحَارِث: أنكح هَذَا الْغُلَام ابْنَتك لي فأنكحني، وَقَالَ لمحمية: أصدق عَنْهُمَا من الخُمس كَذَا وَكَذَا».
وَفِي رِوَايَة لَهُ: «إِن هَذِه الصَّدقَات إِنَّمَا هِيَ أوساخ النَّاس، وَإِنَّهَا لَا تحل لمحمدٍ وَلَا لآلِ مُحَمَّد» وَهَذَا الحَدِيث من أَفْرَاد مسلمٍ، بل لم يخرّج البُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَن عبد الْمطلب بن ربيعَة شَيْئا.
فَائِدَة:
مَعْنَى «انتحاه»: عرض لَهُ، وَقَوله: مَا تُصَرِّران: أَي: مَا جَمعْتُمَا فِي صدوركما وعزمتما عَلَى إِظْهَاره، وكلُّ شَيْء جمعته فقد صررته. والنفاسة: الْبُخْل، أَي بخلا مِنْك علينا. والتواكل: أَن يكل وَاحِد أمره إِلَى صَاحبه ويتكل عَلَيْهِ فِيهِ، يُرِيد: أنْ يَبْتَدِئ صَاحبه بالْكلَام دونه، وَقَوله: أَنا أَبُو حسن الْقَوْم: قَالَ الْخطابِيّ: أَكثر الرِّوَايَات «الْقَوْم» بِالْوَاو، وَلَا مَعْنَى لَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ «القرم» بالراء، يُرِيد بِهِ: المقدَّم فِي الرَّأْي والمعرفة بالأمور والتجارب.

.الحَدِيث السَّادِس عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «نَحن وَبَنُو الْمطلب شيءٌ وَاحِد، وَشَبك بَين أَصَابِعه».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه من حَدِيث جُبَير بن مطعم، كَمَا سلف فِي الْبَاب قَبْله وَاضحا.

.الحديث السَّابِع عشر:

«أَن الْفضل بن الْعَبَّاس، وَعبد الْمطلب بن ربيعَة سَأَلَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يؤمِّرُهما عَلَى بَعْض الصَّدَقَة، فَقَالَ: إِن الصَّدَقَة لَا تحل لآل مُحَمَّد؛ إِنَّمَا هِيَ أوساخ النَّاس». هَذَا الحَدِيث سلف بِطُولِهِ قَرِيبا.

.الحديث الثَّامِن عشر:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث عَاملا، فَقَالَ لأبي رَافع مولَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: اصحبني كَيْمَا نصيب من الصَّدَقَة، فَسَأَلَ أَبُو رَافع النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِن الصَّدَقَة لَا تحل لنا، وَإِن مولَى الْقَوْم من أنفسهم».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ فِي سُنَنهمْ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه بإسنادٍ عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ من حَدِيث أبي رَافع قَالَ: «بعث رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا عَلَى الصَّدَقَة من بني مَخْزُوم، قَالَ أَبُو رَافع: فَقَالَ لي: اصحبني؛ فإنَّكَ تُصيبُ مِنْهَا معي. قلت: حَتَّى أسأَل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَانْطَلق إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: مولَى الْقَوْم من أنفسهم، وَإِنَّا لَا تحل لنا الصَّدَقَة».
هَذَا لَفظهمْ خلا النَّسَائِيّ، وَلَفظه: «إِن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتعْمل رجلا من بني مَخْزُوم عَلَى الصَّدَقَة، فَأَرَادَ أَبُو رَافع أَن يتبعهُ، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الصَّدَقَة لَا تحل لنا، وَإِن مولَى الْقَوْم مِنْهُم».
قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه بِلَفْظ الْجَمَاعَة ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَسُئِلَ عَنهُ الدَّارَقُطْنِيّ فَقَالَ فِي علله: يرويهِ الحكم، وَاخْتلف عَنهُ؛ فَرَوَاهُ شُعْبَة عَن الحكم، عَن ابْن أبي رَافع عَن أَبِيه، وَقَالَ: عَمْرو بن مَرْزُوق عَن شُعْبَة مثله، وَكَذَلِكَ قَالَ: أُسَامَة عَن شُعْبَة، وَقَالَ الْحجَّاج بن أَرْطَاة: عَن الحكم «أَن أَبَا رَافع سَأَلَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا من الصَّدَقَة، فَقَالَ: لَا تحل للنَّبِي. وَلَا لأحدٍ من أَهله ومولاهم». فَيكون مُرْسلا.
فَائِدَة:
اسْم أبي رَافع: إِبْرَاهِيم، عَلَى أحدِ الْأَقْوَال، ثَانِيهَا: أسلم، ثَالِثهَا: ثَابت، رَابِعهَا: هُرْمُز، خَامِسهَا: صَالح... حَكَاهُ ابْن معن فِي تنقيبه، وَهُوَ قبْطِي.
فَائِدَة ثَانِيَة:
اسْم هَذَا الرجل الْمَبْعُوث: الأرقم بن أبي الأرقم المخزوميّ الْقرشِي، كَمَا صرَّح بِهِ النَّسَائِيّ والخطيب وَغَيرهمَا، وكنيته: أَبُو عبد الله، وَهُوَ الَّذِي استخفى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة فِي أَسْفَل الصَّفَا حَتَّى كملوا أَرْبَعِينَ رجلا آخِرهم الْفَارُوق، وَهِي الَّتِي تعرف بدار الخيزران.

.الحَدِيث التَّاسِع عشر:

قَالَ الرَّافِعِيّ لمَّا حَكَى عَن الْإِصْطَخْرِي: أَن آلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذا انْقَطع خُمس الخُمس عَنْهُم يجوز صرف الزَّكَاة إِلَيْهِم- عللَّه بِأَن الخُمْس عِوَض عَنْهَا عَلَى مَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي الحَدِيث: «أَلَيْسَ فِي خُمْس الخُمْس مَا يكفيكم عَن أوساخ النَّاس؟»
هَذَا الحَدِيث سبق أَصله بِطُولِهِ بِدُونِ هَذِه الزِّيَادَة، وَقد أخرجه مَعَ مُسلم أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ فَلم يذكراها، وبيض لَهَا الْمُنْذِرِيّ فِي تَخْرِيجه لأحاديث المهذَّب..... ورأيتُها فِي كتاب معرفَة الصَّحَابَة لِلْحَافِظِ أبي نعيم فِي تَرْجَمَة نَوْفَل بن الحارِث بن عبد الْمطلب الْهَاشِمِي، فَقَالَ أَنا حبيب بن الْحسن، ثَنَا يُوسُف القَاضِي، ثَنَا مُحَمَّد بن أبي بكر الْمقدمِي، ثَنَا مُعْتَمر بن سُلَيْمَان، عَن أَبِيه، عَن حَنش، عَن عِكْرِمَة: «أَن نوفلاً قَالَ لابْنَيْهِ: انْطَلقَا إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لَعَلَّه يستعملكما عَلَى الصَّدقَات. فَقَالَ لَهما النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا أُحل لكم أهل الْبَيْت من الصَّدقَات شَيْئا وَلَا غسالة الْأَيْدِي، إِن لكم فِي خُمْس الخُمْس مَا يكفيكم أَو يغنيكم».
قَالَ أَبُو نعيم: وَرَوَاهُ عَلّي بن عَاصِم، عَن حَنش نَحوه وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه عَن معَاذ بن الْمثنى، ثَنَا مُسَدّد، حَدثنَا مُعْتَمر بن سُلَيْمَان قَالَ: سَمِعت أبي يحدِّث، عَن حَنش، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس؛ فساقه بأطول مِمَّا تقدم، إِلَّا أَن اللَّفْظ وَقَالَ: «لما يكفيكم» بِاللَّامِ بدل «مَا يكفيكم». وحنش هَذَا إِن كَانَ ابْن الْمُعْتَمِر فَهُوَ لين الحَدِيث وَإِن كَانَ الرَّحبِي فقد ضَعَّفُوهُ.
تَنْبِيه:
رَوَى الْعقيلِيّ رِوَايَة غَرِيبَة فِي تَارِيخ الضُّعَفَاء وَهِي بعد قَوْله: «إِن الصَّدَقَة لَا تحل لمُحَمد وَلَا لآل مُحَمَّد»: و«لَكِن انْظُرُوا إِذا أخذتُ بِحَلقَة بَاب الْجنَّة هَل أُوثر عَلَيْكُم أحدا».
قَالَ الْعقيلِيّ: أما أوَّل الحَدِيث فقد رُوي بإسنادٍ جيدٍ، وَآخره لَا يُحْفظ إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث.