فصل: الحديث الثَّانِي عشر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّالِث:

«أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث خَالِد بن الْوَلِيد إِلَى أكيدر فَأَخَذُوهُ فَأتوا بِهِ، فحقن دَمه وَصَالَحَهُ عَلَى الْجِزْيَة».
هَذَا الحَدِيث حسن رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من طَرِيق أنس بن مَالك وَعُثْمَان بن أبي سُلَيْمَان «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث خَالِد بن الْوَلِيد إِلَى أكيدر دومة، فَأَخَذُوهُ وَأتوا بِهِ، فحقن لَهُ دَمه وَصَالَحَهُ عَلَى الْجِزْيَة». وَفِي هَذَا الْإِسْنَاد عنعنة ابْن إِسْحَاق، وَإِنَّمَا حسنا حَدِيثه هَذَا؛ لِأَنَّهُ صرح بِالتَّحْدِيثِ فِي طَرِيق آخر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيثه فَقَالَ: حَدثنِي يزِيد بن رُومَان وَعبد الله بن أبي بكر «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث خَالِد بن الْوَلِيد إِلَى أكيدر بن عبد الْملك- رجل من كِنْدَة كَانَ ملكا عَلَى دومة، وَكَانَ نَصْرَانِيّا- فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لخَالِد: إِنَّك ستجده يصيد الْبَقر فَخرج خَالِد حَتَّى إِذا كَانَ من حصنه منظر الْعين، وَفِي لَيْلَة مُقْمِرَة صَافِيَة وَهُوَ عَلَى سطح وَمَعَهُ امْرَأَته، فَأَتَت الْبَقر تحك بقرونها بَاب الْقصر فَقَالَت لَهُ امْرَأَته: هَل رَأَيْت مثل هَذَا قطّ؟! قَالَ: لَا وَالله. قَالَت: فَمن يتْرك مثل هَذَا؟ قَالَ: لَا أحد. فَنزل فَأمر بفرسه فأسرج وَركب مَعَه نفر من أهل بَيته فيهم أَخ لَهُ يُقَال لَهُ: حسان، فَخَرجُوا مَعَه بمطاردهم- فلقيتهم خيل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخَذته وَقتلُوا أَخَاهُ حسان، وَكَانَ عَلَيْهِ قبَاء ديباج مخوص بِالذَّهَب فاستلبه إِيَّاه خَالِد بن الْوَلِيد، فَبعث بِهِ إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل قدومه عَلَيْهِ ثمَّ إِن خَالِدا قدم بالأكيدر عَلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فحقن لَهُ دَمه، وَصَالَحَهُ عَلَى الْجِزْيَة، وخلى سَبيله، فَرجع إِلَى قريته».
فَائِدَة: «أكيدر» بِضَم الْهمزَة تَصْغِير أكدر، وَهُوَ الَّذِي فِي لَونه كدرة. وَفِي «دومة» ثَلَاث لُغَات: دومة ودمة ودوما وَهِي من بِلَاد الشَّام، قَالَ الْحَازِمِي فِي المؤتلف والمختلف فِي أَسمَاء الْأَمَاكِن: دُوما بِضَم الدَّال- وَيُقَال: بِفَتْحِهَا-: دومة الجندل فِي أَرض الشَّام، وَبَينهَا وَبَين دمشق خمس لَيَال، وَبَينهَا وَبَين الْمَدِينَة خمس عشرَة لَيْلَة، وصاحبها أكيدر.
فَائِدَة: يُسْتَفَاد من هَذَا الحَدِيث أَن الْجِزْيَة لَا تخْتَص بالعجم؛ لِأَن أكيدر دومة عَرَبِيّ من غَسَّان وَقيل: من كِنْدَة. وَيُقَال: إِنَّه أسلم ثمَّ ارْتَدَّ إِلَى النَّصْرَانِيَّة، فَقتل عَلَى نصرانيته.

.الحديث الرَّابِع:

قَالَ الرَّافِعِيّ: لَو قَالَ الإِمَام أَو الْوَالِي: أقركم مَا شِئْت. قَالَ الإِمَام: من لم يمْنَع التَّأْقِيت بِالْوَقْتِ الْمَعْلُوم لم يمْنَع هَذَا، وَمن منع ذَلِك اخْتلفُوا فِي هَذَا، وَسبب الِاخْتِلَاف مَا رُوِيَ «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأهل الْكتاب فِي جَزِيرَة الْعَرَب: أقركم مَا أقركم الله». وَالْوَجْه منع هَذَا منا، وَحمل قَول النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى توقع النّسخ وانتظار الْوَحْي، وَحَكَى صَاحب الْوَجِيز نَحْو هَذَا، وَالَّذِي أوردهُ غَيرهمَا أَن قَوْله: «أقركم مَا أقركم الله» جَرَى فِي المهادنة حِين وادع يهود خَيْبَر لَا فِي عقد الذِّمَّة، وَأَنه لَو قَالَ غير النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «أقركم مَا أقركم الله، أَو هادنتكم إِلَى أَن يَشَاء الله» لَا يَصح؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام يعلم مَا عِنْد الله بِالْوَحْي بِخِلَاف غَيره. انْتَهَى.
وَالْأَمر كَمَا قَالَ غير الإِمَام وَمن تبعه؛ فَفِي الْمُوَطَّأ ومُسْند الشَّافِعِي عَنهُ عَن ابْن شهَاب عَن سعيد بن الْمسيب «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ليهود خَيْبَر يَوْم افْتتح خَيْبَر: أقركم مَا أقركم الله عَلَى أَن الثَّمر بَيْننَا وَبَيْنكُم. قَالَ: وَكَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يبْعَث عبد الله بن رَوَاحَة الْأنْصَارِيّ فيخرص بَينه وَبينهمْ ثمَّ يَقُول: إِن شِئْتُم فلكم، وَإِن شِئْتُم فلي. فَكَانُوا يأخذونه» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن عمر أجلى الْيَهُود وَالنَّصَارَى من أَرض الْحجاز، وَأَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لما ظهر عَلَى خَيْبَر أَرَادَ إِخْرَاج الْيَهُود مِنْهَا، فَسَأَلت الْيَهُود رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يقرهم بهَا عَلَى أَن يكفوا الْعَمَل وَلَهُم نصف الثَّمر، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: نقركم بهَا عَلَى ذَلِك مَا شِئْنَا. فقروا بهَا. حَتَّى أجلاهم عمر فِي إمارته إِلَى تيماء وأريحاء». وَفِي أَفْرَاد البُخَارِيّ من حَدِيث ابْن عمر أَيْضا قَالَ: «لما فَدَع أهل خَيْبَر عبد الله بن عمر قَامَ عمر خَطِيبًا، فَقَالَ: إِن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ عَامل أهل خَيْبَر عَلَى أَمْوَالهم وَقَالَ: نقركم مَا أقركم الله...» وَذكر الحَدِيث.

.الحديث الخَامِس:

فِي الحَدِيث «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول لمن يؤمِّره: إِذا لقِيت عَدوك من الْمُشْركين فادعهم إِلَى الْإِسْلَام، فَإِن أجابوك فاقبل مِنْهُم وكف عَنْهُم، وَإِن أَبَوا فادعهم إِلَى إِعْطَاء الْجِزْيَة، فَإِن أجابوك فاقبل مِنْهُم».
هَذَا الحَدِيث هُوَ حَدِيث بُرَيْدَة وَقد تقدم أول الْبَاب.

.الحديث السَّادِس:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لِمعَاذ: خُذ من كل حالم دِينَارا».
هَذَا الحَدِيث سلف فِي أول الْبَاب وَاضحا. قَالَ الرَّافِعِيّ: «وَكتب عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه إِلَى أُمَرَاء الأجناد أَن لَا يَأْخُذُوا الْجِزْيَة من النِّسَاء وَالصبيان».
وَهَذَا الْأَثر صَحِيح رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من طَرِيق زيد بن أسلم عَنهُ «أَنه كتب إِلَى أُمَرَاء أهل الْجِزْيَة أَن لَا يضْربُوا الْجِزْيَة إِلَّا عَلَى من جرت عَلَيْهِ الموسى. قَالَ: وَكَانَ لَا يضْرب الْجِزْيَة عَلَى النِّسَاء وَالصبيان» قَالَ يَحْيَى بن آدم: وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوف عِنْد أَصْحَابنَا.
وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: رَوَاهُ نَافِع، عَن أسلم، عَن عمر. وَرَوَاهُ الثَّوْريّ، عَن عبيد الله، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر. قلت: فَأَيّهمَا الصَّحِيح؟ قَالَ: الثَّوْريّ حَافظ، وَأهل الْمَدِينَة أعلم بِحَدِيث نَافِع من أهل الْكُوفَة.
وَفِي رِوَايَة للبيهقي عَن أسلم أَيْضا قَالَ: «كتب عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه إِلَى أُمَرَاء الْجِزْيَة أَن لَا يضعوا الْجِزْيَة إِلَّا عَلَى من جرت عَلَيْهِ المواسي، وَلَا يضعوا عَلَى النِّسَاء وَالصبيان، وَكَانَ عمر يخْتم أهل الْجِزْيَة فِي أَعْنَاقهم».

.الحديث السَّابِع:

رُوِيَ عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وموقوفًا عَلَى عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «لَا جِزْيَة عَلَى العَبْد».
هَذَا الحَدِيث لَا يحضرني من خرجه مَرْفُوعا وَلَا مَوْقُوفا، وَقد ورد عَلَيْهِ فِي عدَّة أَحَادِيث كلهَا ضَعِيفَة من طَرِيق ابْن عَبَّاس، وَعَمْرو بن حزم عَن أَبِيه عَن جده، وَأبي زرْعَة بن سيف بن ذِي يزن أخرجهَا الْبَيْهَقِيّ وَلَكِن ضعفها.

.الحديث الثَّامِن:

عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه كَانَ لَا يَأْخُذ الْجِزْيَة من الْمَجُوس حَتَّى شهد لَهُ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخذ الْجِزْيَة من مجوس هجر».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه البُخَارِيّ فِي صَحِيحه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور من رِوَايَة بجالة بن عَبَدة الْبَصْرِيّ- وَيُقَال: الْمَكِّيّ- قَالَ: «كنت كَاتبا لجزء بن مُعَاوِيَة عَم الْأَحْنَف بن قيس آنِفا فجاءنا كتاب عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قبل مَوته بِسنة اقْتُلُوا كل سَاحر وَفرقُوا بَين كل ذِي محرم من الْمَجُوس. وَلم يكن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَخذ الْجِزْيَة من الْمَجُوس حَتَّى شهد الحَدِيث».
فَائِدَة: هجر هَذِه هِيَ هجر الْبَحْرين، قَالَ الْحَازِمِي: بَين هجر الْبَحْرين وسِرَّين سَبْعَة أَيَّام. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: هجر اسْم بلد مُذَكّر مَعْرُوف. قَالَ: وَالنِّسْبَة إِلَيْهَا هاجري. وَقَالَ الزجاجي فِي الْجمل: هجر تذكر وتؤنث.
تَنْبِيه: حَدِيث أبي دَاوُد عَن ابْن عَبَّاس «أَن رَسُول الله قَضَى فيهم بِالْإِسْلَامِ أَو الْقَتْل» ضَعِيف؛ لِأَن فِيهِ قُشَيْر بن عَمْرو وَهُوَ مَجْهُول الْحَال.
فَائِدَة أُخْرَى: قَالَ الرَّافِعِيّ: يهود خَيْبَر كغيرهم فِي ضرب الْجِزْيَة، وَسُئِلَ ابْن سُرَيج فِيمَا يدَّعونه أَن عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كتب لَهُم كتابا باسقاطها، فَقَالَ: لم ينْقل ذَلِك أحد من الْمُسلمين. قَالَ ابْن الصّباغ: وَفِي زَمَاننَا هَذَا أظهرُوا كتابا وَذكروا أَنه بِخَط عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، وَأَنه كتب عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَان تزويرهم وكذبهم فِيهِ؛ فَإِنَّهُ كَانَ فِيهِ شَهَادَة سعد بن معَاذ وَمُعَاوِيَة، وتاريخه بعد موت سعد وَقبل إِسْلَام مُعَاوِيَة. وَفِي الْبَحْر أَن ابْن أبي هُرَيْرَة أسقط الْجِزْيَة عَنْهُم؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام ساقاهم وجعلهم بذلك حولا، وَلِأَنَّهُ قَالَ: «أقركم مَا أقركم الله» فَأَمنَهُمْ بذلك، وَهَذَا شَيْء تفرد بِهِ، وَأَيْضًا فَإِنَّهَا مُعَاملَة لَا تقتضى إِسْقَاط الْجِزْيَة. وَقَوله: «أقركم» أَي بالجزية.

.الحديث التَّاسِع:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا يجْتَمع دينان فِي جَزِيرَة الْعَرَب».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده من رِوَايَة عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «آخر مَا عهد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن قَالَ: لَا ينزك بِجَزِيرَة الْعَرَب دينان» وَرَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ عَن إِسْمَاعِيل بن أبي حَكِيم أَنه سمع مُسلم بن عبد الْعَزِيز يَقُول: «بَلغنِي أَنه كَانَ من آخر مَا تكلم بِهِ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن قَالَ: قَاتل الله الْيَهُود وَالنَّصَارَى اتَّخذُوا قُبُور أَنْبِيَائهمْ مَسَاجِد، لَا يبْقين دينان بِأَرْض الْعَرَب» قَالَ مَالك: وَعَن ابْن شهَاب أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا يجْتَمع دينان فِي جَزِيرَة الْعَرَب» قَالَ ابْن شهَاب: ففحص عَن ذَلِك عمر بن الْخطاب حَتَّى أَتَاهُ الثَّلج وَالْيَقِين عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: «لَا يجْتَمع دينان فِي جَزِيرَة الْعَرَب. فَأَجْلَى يهود خَيْبَر» قَالَ مَالك: وَقد أجلى عمر بن الْخطاب أَيْضا يهود نَجْرَان وفدك.

.الحديث العَاشِر:

أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «لَئِن عِشْت إِلَى قَابل لأخْرجَن الْيَهُود وَالنَّصَارَى من جَزِيرَة الْعَرَب».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور من حَدِيث عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَزَاد فِي آخِره: «حَتَّى لَا أدع فِيهَا إِلَّا مُسلما» ثمَّ عزاهُ إِلَى صَحِيح مُسلم وَكَذَا عزاهُ من الْمُتَأَخِّرين ابْن الْجَوْزِيّ فِي جَامع المسانيد وَأَرَادَ أَصله، فَإِنَّهُ فِيهِ من حَدِيث أبي الزبير أَنه سمع جَابِرا يَقُول: أَخْبرنِي عمر بن الْخطاب أَنه سمع رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «لأخْرجَن الْيَهُود وَالنَّصَارَى من جَزِيرَة الْعَرَب حَتَّى لَا أدع فِيهَا إِلَّا مُسلما». وَلَيْسَ فِيهَا: «لَئِن عِشْت»
وَأخرجه أَحْمد بِلَفْظ: «لَئِن عِشْت لأخْرجَن الْيَهُود والنصاري من جَزِيرَة الْعَرَب حَتَّى لَا أترك فِيهَا إِلَّا مُسلما».
قَالَ الشَّافِعِي: كَأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام وقف عَلَى الْحَال حِين قَالَ: «لَئِن عِشْت» فَلم يَعش إِلَى قَابل، وَلم يتفرغ أَبُو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه لإخراجهم لقصر مدَّته واشتغاله بِقِتَال أهل الرِّدَّة ومانعي الزَّكَاة، فَأخْرجهُمْ عمر بعد صدر من خِلَافَته فَيُقَال: إِنَّه أخرج من الْيَهُود زُهاء أَرْبَعِينَ ألفا، وَإِن بَعضهم الْتحق بأطراف الشَّام وَبَعْضهمْ بأطراف الْكُوفَة.

.الحديث الحَادِي عشر:

عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَوْصَى فَقَالَ: أخرجُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى من جَزِيرَة الْعَرَب».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث سعيد بن جُبَير عَنهُ أَنه قَالَ: «اشْتَدَّ الوجع برَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَوْصَى عِنْد مَوته بِثَلَاث: أخرجُوا الْمُشْركين من جَزِيرَة الْعَرَب، وأجيزوا الْوَفْد بِنَحْوِ مَا كنت أجيزهم. ونسيت الثَّالِثَة».
فَائِدَة: قيل: الثَّالِثَة تجهيز أُسَامَة. وَقيل: «لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي وثنًا» حَكَاهُمَا الْمُنْذِرِيّ. قَالَ: فِي الْمُوَطَّأ مَا يُشِير إِلَى الثَّانِي.

.الحديث الثَّانِي عشر:

عَن جَابر عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لأخْرجَن الْيَهُود وَالنَّصَارَى من جَزِيرَة الْعَرَب، وَلَا أدع أَن ينزلها إِلَّا مُسلم».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم وَقد سلف أَيْضا.

.الحديث الثَّالِث عشر:

عَن أبي عُبَيْدَة بن الْجراح رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «آخر مَا تكلم بِهِ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن قَالَ: أخرجُوا الْيَهُود من الْحجاز، وَأهل نَجْرَان من جَزِيرَة الْعَرَب».
أخرجه أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ وَلَفْظهمَا عَن أبي عُبَيْدَة قَالَ: «آخر مَا تكلم بِهِ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أخرجُوا يهود أهل الْحجاز، وَأهل نَجْرَان من جَزِيرَة الْعَرَب» وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي كتاب التَّمْيِيز أَيْضا.
فَائِدَة: «نَجْرَان» بِفَتْح أَوله وَإِسْكَان ثَانِيه: مَدِينَة بالحجاز من شقّ الْيمن مَعْرُوفَة. قَالَه الْبكْرِيّ فِي مُعْجَمه قَالَ الْحَازِمِي فِي مؤتلفه: وَهِي من مخاليف مَكَّة من جنوب الْيمن. قَالَ الْبكْرِيّ: وَسميت بِنَجْرَان بن زيد بن يشجب بن يعرب، وَهُوَ أول من نزلها، وَأطيب الْبِلَاد نَجْرَان من الْحجاز، وَصَنْعَاء من الْيمن، ودمشق من الشَّام، والري من خُرَاسَان.

.الحديث الرَّابِع عشر:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صَالح أهل نَجْرَان عَلَى أَن لَا يَأْكُلُوا الرِّبَا، فنقضوا الْعَهْد وأكلوه».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحْمَن الْقرشِي، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «صَالح رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أهل نَجْرَان عَلَى ألفي حُلة، النّصْف فِي صفر وَالنّصف فِي رَجَب، يؤدونها إِلَى الْمُسلمين وعارية ثَلَاثِينَ درعًا، وَثَلَاثِينَ فرسا، وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا، وَثَلَاثِينَ من كل صنف من أَصْنَاف السِّلَاح يغزون بهَا، والمسلمون ضامنون لَهَا حَتَّى يردوها عَلَيْهِم إِن كَانَ بِالْيمن كيدُ أَو غُدرة عَلَى أَن لَا تهدم لَهُم بيعَة، وَلَا يخرج لَهُم قس، وَلَا يفتنوا عَن دينهم مَا لم يحدثوا حَدثا أَو يَأْكُلُوا الرِّبَا».
قَالَ إِسْمَاعِيل: فقد أكلُوا الرِّبَا. وَإِسْمَاعِيل هَذَا هُوَ السُدي الْكَبِير وَفِيه مقَال، قَالَ أَبُو حَاتِم: لَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ ابْن معِين: فِي حَدِيثه ضعف.
وَقَالَ ابْن مهْدي: ضَعِيف. وذمه الشّعبِيّ فِي التَّفْسِير، ورماه بَعضهم بِالْكَذِبِ، وَبَعْضهمْ بالتشيع. وَقَالَ أَحْمد: هُوَ ثِقَة. وَقَالَ ابْن الْقطَّان: لَا بَأْس بِهِ، مَا رَأَيْت أحدا يذكرهُ إِلَّا بِخَير، وَمَا تَركه أحد. وَقَالَ ابْن عدي: هُوَ عِنْدِي صَدُوق. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: لين.
قلت: وَفِيه عِلّة وَهِي أَن فِي سَماع السّديّ من ابْن عَبَّاس نظر؛ كَمَا قَالَ الْمُنْذِرِيّ، وَإِنَّمَا قيل: إِنَّه رَآهُ وَرَأَى ابْن عمر وَسمع من أنس.
فَائِدَة: الكيدُ الْمَذْكُور فِي الحَدِيث: الْحَرْب. والبيعة- بِكَسْر الْبَاء- لِلنَّصَارَى أَو للْيَهُود أَو كَنِيسَة أهل الْكتاب، أَقْوَال حكاهن الْمُنْذِرِيّ. والقس- بِفَتْح الْقَاف وَتَشْديد السِّين الْمُهْملَة- والقسيسين- بِكَسْرِهَا وَتَشْديد السِّين-: رَئِيس النَّصَارَى فِي الدَّين وَالْعلم.

.الحديث الخَامِس عشر:

«رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخذ من مجوس هجر ثَلَاثمِائَة دِينَار، وَكَانُوا ثَلَاثمِائَة نفر».
هَذَا الحَدِيث لَا أعلم من خرجه كَذَلِك، ويغني عَنهُ مَا ذكره الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وخلافياته عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ: سَأَلت مُحَمَّد بن خَالِد وَعبد الله بن عَمْرو بن مُسلم وعددًا من عُلَمَاء أهل الْيمن وَكلهمْ يَحْكِي لي عَن عدد مضوا قبلهم كلهم ثِقَة، يحكون عَن عدد مضوا قبلهم كلهم ثِقَة «أَن صلح النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لأهل ذمَّة الْيمن عَلَى دِينَار لكل سنة» وَفِي سنَن الْبَيْهَقِيّ عقب حَدِيث ابْن عَبَّاس السالف قبل هَذَا عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ: قد سَمِعت بعض أهل الْعلم من الْمُسلمين وَمن أهل الذِّمَّة من أهل نَجْرَان يذكر أَن قيمَة مَا أَخذ من كل وَاحِد أَكثر من دِينَار.

.الحديث السَّادِس عشر:

«رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صَالح أهل أَيْلَة عَلَى ثَلَاثمِائَة دِينَار- فَكَانُوا ثَلَاثمِائَة رجل- وَعَلَى ضِيَافَة من يمر بهم من الْمُسلمين».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الشَّافِعِي، أبنا إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، عَن أبي الْحُوَيْرِث «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ضرب عَلَى نَصْرَانِيّ بِمَكَّة يُقَال لَهُ موهب دِينَارا كل سنة، وَأَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ضرب عَلَى نَصَارَى أَيْلَة ثَلَاثمِائَة دِينَار كل سنةٍ، وَأَن يضيفوا من مر بهم من الْمُسلمين ثَلَاثًا، وَأَن لَا يغشوا مُسلما».
قَالَ الشَّافِعِي: وأنبأنا إِبْرَاهِيم قَالَ: أبنا إِسْحَاق بن عبد الله «أَنهم كَانُوا ثَلَاثمِائَة فَضرب النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمئِذٍ ثَلَاثمِائَة دِينَار كل سنة».
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهَذَا الحَدِيث مُنْقَطع، والاعتماد فِي ذَلِك عَلَى مَا سَاق بِإِسْنَادِهِ إِلَى الشَّافِعِي: أبنا مَالك، عَن نافعٍ، عَن أسلم مولَى عمر بن الْخطاب «أَن عمر بن الْخطاب ضرب الْجِزْيَة عَلَى أهل الذَّهَب أَرْبَعَة دَنَانِير، وَعَلَى أهل الْوَرق أَرْبَعِينَ درهما، وَمَعَ ذَلِك أرزاق الْمُسلمين، وضيافة ثَلَاثَة أَيَّام» ثمَّ سَاق بِإِسْنَادِهِ أَيْضا إِلَى الشَّافِعِي: أَنا سُفْيَان بن عيينةٍ، عَن أبي إسحاقٍ، عَن حَارِثَة بن مضرب «أَن عمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فرض عَلَى أهل السوَاد ضِيَافَة يَوْم وليلةٍ، فَمن حَبسه مطر أَو مرض أنْفق من مَاله» قَالَ الشَّافِعِي: حَدِيث أسلم بضيافة ثَلَاثَة أَيَّام أشبه؛ لِأَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل الضِّيَافَة ثَلَاثَة، وَقد يجوز أَن يكون جعلهَا عَلَى قوم ثَلَاثًا، وَعَلَى قوم يَوْمًا وَلَيْلَة، وَلم يَجْعَل عَلَى آخَرين ضِيَافَة، كَمَا يخْتَلف صلحه لَهُم فَلَا يرد بعض الحَدِيث بَعْضًا.
فَائِدَة: «أَيْلَة» الْمَذْكُورَة فِي هَذَا الحَدِيث بِفَتْح الْهمزَة وَإِسْكَان الْيَاء الْمُثَنَّاة تَحت وَفتح اللَّام: بَلْدَة مَعْرُوفَة فِي طرف الشَّام عَلَى سَاحل الْبَحْر متوسطة بَين الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة ودمشق وَبَلَدنَا مصر، بَينهَا وَبَين الْمَدِينَة نَحْو خمس عشرَة مرحلة، وَبَينهَا وَبَين دمشق نَحْو اثْنَتَا عشرَة مرحلة، وَبَينهَا وَبَين بلدنا مصر نَحْو ثَمَان مراحل.
قَالَ صَاحب الْمطَالع: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هِيَ مَدِينَة بَين الشَّام.
وَقَالَ الْحَازِمِي فِي مؤتلفه: هِيَ بَلْدَة بحريّة، قيل: هِيَ آخر الْحجاز وَأول الشَّام.

.الحديث السَّابِع عشر:

يرْوَى فِي الْخَبَر «أَن الضِّيَافَة ثَلَاثَة أَيَّام».
وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَهُوَ حَدِيث صَحِيح اتّفق الشَّيْخَانِ عَلَى إِخْرَاجه من حَدِيث أبي شُرَيْح الْخُزَاعِيّ أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَليُكرم ضَيفه جائزته. قَالُوا: وَمَا جائزته يَا رَسُول الله؟ قَالَ: يَوْمه وَلَيْلَته، والضيافة ثَلَاثَة أَيَّام، فَمَا كَانَ وَرَاء ذَلِك فَهُوَ صَدَقَة عَلَيْهِ، وَلَا يحل لرجل مُسلم يُقيم عِنْد أَخِيه حَتَّى يؤثمه. قَالُوا: يَا رَسُول الله، وَكَيف يؤثمه؟ قَالَ: يُقيم عِنْده وَلَا شَيْء لَهُ يقريه بِهِ».
وَأما الْحَاكِم فَإِنَّهُ أخرجه فِي كتاب الْبر والصلة من مُسْتَدْركه ثمَّ قَالَ: هَذَا صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. قَالَ وَقد صحت الرِّوَايَة فِيهِ أَيْضا عَن أبي هُرَيْرَة، وأظنهما قد خرجاه. قَالَ: وَعِنْدِي أَن الشَّيْخَيْنِ أهملا حَدِيث أبي شُرَيْح لرِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق، عَن سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة، ثمَّ أخرجه وَذكر لَهُ مُتَابعًا، وَهَذَا عَجِيب مِنْهُ، فقد أخرجَا حَدِيث أبي شُرَيْح كَمَا سَاقه، وَلم يخرجَاهُ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة كَمَا ظن أَنَّهُمَا أَخْرجَاهُ.
فَائِدَة: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مَعَ أبي شُرَيْح وَأبي هُرَيْرَة، جَابر بن عبد الله، وَعَائِشَة، وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ، وَأَبُو مَسْعُود، وَابْن عمر، وَعقبَة بن عَامر، وأَحْمد بن خَالِد كَمَا أَفَادَهُ ابْن مَنْدَه فِي مستخرجه.
فَائِدَة ثَانِيَة: رَوَى أَبُو دَاوُد فِي سنَنه عَن أَشهب قَالَ: سُئِلَ مَالك عَن قَول النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «جائزته يَوْم وَلَيْلَة» قَالَ: يُكرمهُ ويتحفه ويحفظه يَوْمًا وَلَيْلَة وَثَلَاثَة أَيَّام ضِيَافَة.
وَقَالَ الْخطابِيّ: مَعْنَاهُ أَنه يتَكَلَّف لَهُ فِي الْيَوْم الأول مَا اتَّسع لَهُ من بر وإلطاف، وَأما فِي الْيَوْم الثَّانِي وَالثَّالِث فَيقدم مَا كَانَ بِحَضْرَتِهِ وَلَا يزِيد عَلَى عَادَته، وَمَا كَانَ بعد الثَّلَاثَة فَهُوَ صَدَقَة ومعروف، إِن شَاءَ فعل وَإِن شَاءَ ترك. قَالَ: وَقَوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: «وَلَا يحل أَن يُقيم عِنْده حَتَّى يؤثمه» مَعْنَاهُ: لَا يحل للضيف أَن يُقيم عِنْده بعد الثَّلَاث من غير استدعاء مِنْهُ حَتَّى يوقعه فِي الْإِثْم.

.الحديث الثَّامِن عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الْإِسْلَام يَعْلُو وَلَا يعْلى عَلَيْهِ».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أَصْغَر معاجمه من حَدِيث عمر بن الْخطاب فِي حَدِيث الْأَعرَابِي الَّذِي صَاد ضبًّا، وَأَن الضَّب حكم للنَّبِي وَشهد لَهُ بالرسالة، وَأَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ للأعرابي: «الْحَمد لله الَّذِي هداك إِلَى هَذَا الدَّين الَّذِي يَعْلُو وَلَا يعْلى» وَهُوَ حَدِيث طَوِيل. قَالَ الطَّبَرَانِيّ: ثَنَا مُحَمَّد بن عَلّي بن الْوَلِيد السُلمي الْبَصْرِيّ، ثَنَا مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى الصَّنْعَانِيّ، ثَنَا مُعْتَمر بن سُلَيْمَان، ثَنَا كهمس بن الْحسن، ثَنَا دَاوُد بن أبي هِنْد، عَن الشّعبِيّ، عَن عبد الله بن عمر، عَن أَبِيه عمر ابْن الْخطاب بِحَدِيث الضَّب «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ فِي محفل من أَصْحَابه إِذْ جَاءَ أَعْرَابِي من بني سُليم قد صَاد ضبًّا وَجعله فِي كمه فَذهب بِهِ إِلَى رَحْله فَأَتَى جمَاعَة فَقَالَ: عَلَى من هَذِه الْجَمَاعَة؟ فَقَالُوا: عَلَى الَّذِي يزْعم أَنه نَبِي. فشق النَّاس، ثمَّ أقبل عَلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّد، مَا اشْتَمَلت الدُّنْيَا عَلَى ذِي لهجة أكذب مِنْك وَأبْغض إليَّ مِنْك وَلَوْلَا أَن يسميني قومِي عجولاً لعجلت عَلَيْك فقتلتك، فسررت بقتلك النَّاس أَجْمَعِينَ. فَقَالَ عمر: يَا رَسُول الله، دَعْنِي أَقتلهُ. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: أما علمت أَن الْحَلِيم كَاد يكون نبيًّا. ثمَّ أقبل عَلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: وَاللات والعزى لَا آمَنت بك. وَقد قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا أَعْرَابِي، مَا حملك عَلَى أَن قلت مَا قلت، وَقلت غير الْحق، وَلم تكرم مجلسي؟ قَالَ: وتكلمني أَيْضا- اسْتِخْفَافًا برَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاللات والعزى لَا آمَنت بك، أَو يُؤمن بك هَذَا الضَّب. فَأخْرج الضَّب من كمه فطرحه بَين يَدي النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ: إِن آمن بك هَذَا الضَّب آمَنت بك. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا ضَب. فَتكلم الضَّب بِلِسَان عَرَبِيّ مُبين يفهمهُ الْقَوْم جَمِيعًا: لبيْك وَسَعْديك يَا رَسُول رب الْعَالمين. فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: من تعبد؟ قَالَ: الَّذِي فِي السَّمَاء عَرْشه، وَفِي الأَرْض سُلْطَانه، وَفِي الْبَحْر سَبيله، وَفِي الْجنَّة رَحمته، وَفِي النَّار عَذَابه. قَالَ: فَمن أَنا يَا ضَب؟ فَقَالَ: أَنْت رَسُول الله رب الْعَالمين وَخَاتم النَّبِيين، قد أَفْلح من صدقك وَقد خَابَ من كَذبك. فَقَالَ الْأَعرَابِي: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنَّك رَسُول الله حقًّا، وَالله لقد أَتَيْتُك وَمَا عَلَى وَجه الأَرْض أحد هُوَ أبْغض إليَّ مِنْك، وَالله لأَنْت السَّاعَة أحب إليَّ من نَفسِي وَمن وَلَدي وَقد آمَنت بك بشعري وبشري وداخلي وخارجي وسري وعلانيتي. فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْحَمد لله الَّذِي هداك إِلَى هَذَا الدَّين الَّذِي يَعْلُو وَلَا يعْلى، لَا يقبله الله إِلَّا بِصَلَاة، وَلَا يقبل الصَّلَاة إِلَّا بقرآن. فَعلمه رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحَمد و{قل هُوَ الله أحد} فَقَالَ: يَا رَسُول الله، وَالله مَا سَمِعت فِي الْبَسِيط وَلَا فِي الرجز أحسن من هَذَا. فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن هَذَا كَلَام رب الْعَالمين، وَلَيْسَ بِشعر وإِذا قَرَأت {قل هُوَ الله أحد} مرّة فَكَأَنَّمَا قَرَأت ثلث الْقُرْآن، وَإِذا قَرَأت {قل هُوَ الله أحد} مرَّتَيْنِ فَكَأَنَّمَا قَرَأت ثُلثي الْقُرْآن، وَإِذا قَرَأت {قل هُوَ الله أحد} ثَلَاث مَرَّات فَكَأَنَّمَا قَرَأت الْقُرْآن كُله. فَقَالَ الْأَعرَابِي: نِعْمَ إِلَه إلهنا؛ يقبل الْيَسِير وَيُعْطِي الجزيل. ثمَّ قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: أعْطوا الْأَعرَابِي. فَأَعْطوهُ حَتَّى أبطروه، فَقَامَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي أُرِيد أَن أعْطِيه نَاقَة أَتَقَرَّب بهَا إِلَى الله- عَزَّ وَجَلَّ- دون البختي وَفَوق الْأَعرَابِي وَهِي عشراء. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّك قد وصفت مَا تُعْطِي فأصف لَك مَا يعطيك الله- عَزَّ وَجَلَّ- جَزَاء؟ قَالَ: نعم. قَالَ: لَك نَاقَة من درة جوفاء، قَوَائِمهَا من زبرجد أَخْضَر، وعنقها من زبرجد أصفر، عَلَيْهَا هودج، وَعَلَى الهودج السندس والإستبرق، تمر بك عَلَى الصِّرَاط كالبرق الخاطف. فَخرج الْأَعرَابِي من عِنْد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَقِيَهُ ألف أَعْرَابِي عَلَى ألف دَابَّة بِأَلف رمح وَألف سيف، فَقَالَ لَهُم: أَيْن تُرِيدُونَ؟ فَقَالُوا: نُقَاتِل هَذَا الَّذِي يكذب وَيَزْعُم أَنه نَبِي. فَقَالَ الْأَعرَابِي: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله. فَقَالُوا: صبوت؟! فَقَالَ: مَا صبوت. وَحَدَّثَهُمْ هَذَا الحَدِيث فَقَالُوا بأجمعهم: لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله فَبلغ ذَلِك النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتَلقاهُمْ فِي رِدَاء فنزلوا عَن ركبهمْ يقبلُونَ مَا ولوا مِنْهُ وهم يَقُولُونَ: لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله. فَقَالُوا: مرنا بِأَمْرك يَا رَسُول الله. فَقَالَ: تدخلون تَحت راية خَالِد بن الْوَلِيد. قَالَ: وَلَيْسَ أحد من الْعَرَب آمن مِنْهُم ألف جَمِيعًا إِلَّا بَنو سليم».
قَالَ الطَّبَرَانِيّ: لم يروه عَن دَاوُد بن أبي هِنْد بِهَذَا التَّمام إِلَّا كهمس، وَلَا عَن كهمس إِلَّا مُعْتَمر، تفرد بِهِ مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى.
قلت: وَأخرجه أَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ فِي كِتَابَيْهِمَا دَلَائِل النُّبُوَّة.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: الْحمل فِيهِ عَلَى السّلمِيّ. قَالَ الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان: صدق وَالله الْبَيْهَقِيّ فَإِنَّهُ خبر بَاطِل.