فصل: الحديث الثَّانِي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.كتاب التَّفْلِيس:

كتاب التَّفْلِيس:
ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ من الْأَحَادِيث تِسْعَة أَحَادِيث:

.أَحدهَا:

عَن كَعْب بن مَالك رَضي اللهُ عَنهُ «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حجر عَلَى معَاذ وَبَاعَ عَلَيْهِ مَاله».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث هِشَام بن يُوسُف، أبنا معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن ابْن كَعْب بن مَالك، عَن أَبِيه «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حجر عَلَى معَاذ بن جبل مَاله وَبَاعه فِي دين كَانَ عَلَيْهِ» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: كَذَا رَوَاهُ هِشَام بن يُوسُف الصَّنْعَانِيّ، عَن معمر وَخَالفهُ عبد الرَّزَّاق فِي إِسْنَاده فَرَوَاهُ مُرْسلا. قَالَ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عبد الله بن الْمُبَارك عَن معمر. وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي مَوَاضِع هُنَا وَقَالَ: إِنَّه حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَفِي كتاب الْأَحْكَام وَقَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَفِي تَرْجَمَة معَاذ وَقَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَقَالَ ابْن الطلاع: إِنَّه حَدِيث ثَابت. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مراسيله من حَدِيث عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن ابْن كَعْب بن مَالك وَهُوَ عبد الرَّحْمَن «أَن معَاذ بن جبل لم يزل يدَّان حَتَّى أغلق مَاله كُله، فَأَتَى غرماؤه إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَطلب معَاذ إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يسْأَل غرماءه أَن يضعوا لَهُ أَو يؤخروا، فَأَبَوا، فَلَو ترك لأحد من أجل أحد لترك لِمعَاذ من أجل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَبَاعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مَاله كُله فِي دينه حَتَّى قَامَ معَاذ بِغَيْر شَيْء» وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن عبد الرَّحْمَن «فَلم يزدْ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم غرماءه عَلَى أَن خلع لَهُم مَاله». وَرَوَاهُ أَيْضا مُرْسلا سعيد بن مَنْصُور وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَقَالَ عبد الْحق: إِنَّه أصح من الْمُتَّصِل. وَقَالَ صَاحب الْإِلْمَام: إِنَّه الْمَشْهُور فِيهِ. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من طَرِيق آخر مُتَّصِلا رَوَاهُ من حَدِيث عبد الله بن مُسلم بن هُرْمُز، عَن سَلمَة الْمَكِّيّ، عَن جَابر بن عبد الله «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خلع معَاذ بن جبل من غُرَمَائه ثمَّ اسْتَعْملهُ عَلَى الْيمن، فَقَالَ معَاذ: إِن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم استخلصني بِمَا لي ثمَّ استعملني» وَعبد الله هَذَا ضعفه أَحْمد وَغَيره، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَسَلَمَة لَا أعرف حَاله وَلَا رَوَى عَنهُ غير عبد الله وَلَا رَوَى عَن غير جَابر. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: رَوَى عَن جَابر من وَجْهَيْن ضعيفين.
فَائِدَة: كَانَ تفليس معَاذ سنة تسع من الْهِجْرَة كَمَا نبه عَلَيْهِ ابْن الطلاع فِي أَحْكَامه قَالَ: وَحصل لغرمائه خَمْسَة أَسْبَاع حُقُوقهم، فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، بِعْهُ لنا. فَقَالَ: «لَيْسَ لكم إِلَيْهِ سَبِيل». قلت: وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَقَالَ: تفرد بِبَعْض أَلْفَاظه الْوَاقِدِيّ. وبَعثه إِلَى الْيمن وَقَالَ: «لَعَلَّ الله أَن يجبرك» وَذَلِكَ فِي ربيع الآخر سنة تسع بعد أَن غزا غَزْوَة تَبُوك وَقدم بعد مَوته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ فِي خلَافَة الصّديق وَمَعَهُ غلْمَان، فَرَآهُمْ عمر فَقَالَ: مَا هم. فَقَالَ: أصبهم فِي وَجْهي. فَقَالَ عمر: من أَي وَجه؟ فَقَالَ: أهدوا إليّ وأكرمت بهم. فَقَالَ عمر: اذكرهم لأبي بكر. فَقَالَ معَاذ: فأذكر هَذَا لأبي بكر! فَنَامَ معَاذ فَرَأَى كَأَنَّهُ عَلَى شَفير جَهَنَّم وَعمر آخذ بحجزته من وَرَائه لِئَلَّا يَقع فِي النَّار، فَفَزعَ معَاذ فَذكرهمْ لأبي بكر كَمَا أمره عمر فسوغه إيَّاهُم أَبُو بكر، وَقَالَ: سَمِعت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «لَعَلَّ الله أَن يجبرك. فَقَضَى غرماءه بَقِيَّة دُيُونهم» وَرَوَى الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ لما حج بَعثه إِلَى الْيمن، وَأَنه أول من تجر فِي مَال الله حَتَّى إِذا كَانَ فتح مَكَّة بَعثه إِلَى الْيمن».
تَنْبِيه: لما ذكر عبد الْحق هَذَا الحَدِيث من مَرَاسِيل أبي دَاوُد تعقبه بِأَن قَالَ: أسْندهُ هِشَام بن يُوسُف والمرسل أصح. فَاعْترضَ ابْن الْقطَّان فَقَالَ: كَذَا ذكر هَذِه الرِّوَايَة وَلم يعزها وَلَا أعرف موقعها. هَذَا لَفظه، وَهُوَ عَجِيب مِنْهُ، فَهِيَ فِي الْكتب الْمَشْهُورَة كالدارقطني وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ كَمَا أسلفناها.

.الحديث الثَّانِي:

عَن أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا أفلس الرجل وَقد وجد البَائِع سلْعَته بِعَينهَا فَهُوَ أَحَق بهَا من الْغُرَمَاء».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ من هَذَا الْوَجْه وَلَفظ البُخَارِيّ «من أدْرك مَاله بِعَيْنِه عِنْد رجل أَو إِنْسَان قد أفلس فَهُوَ أَحَق بِهِ من غَيره» وَرَوَاهُ مُسلم بِأَلْفَاظ هَذَا أَحدهَا، وَثَانِيها: «إِذا أفلس الرجل فَوجدَ الرجل مَتَاعه بِعَيْنِه فَهُوَ أَحَق بِهِ».
ثَالِثهَا: إِلَّا أَنه قَالَ: «سلْعَته بِعَينهَا».
رَابِعهَا: «فَهُوَ أَحَق بِهِ من الْغُرَمَاء» وَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَن مَالك بِلَفْظ «أَيّمَا رجل أفلس فَأدْرك الرجل مَتَاعه بِعَيْنِه فَهُوَ أَحَق بِهِ» وَرَوَاهُ عَن غَيره بِلَفْظ «من أدْرك مَاله عِنْد رجل بِعَيْنِه قد أفلس فَهُوَ أَحَق بِهِ من غَيره» وَفِي رِوَايَة للبيهقي: «إِذا أفلس الرجل فَوجدَ البَائِع سلْعَته بِعَينهَا فَهُوَ أَحَق بهَا دون الْغُرَمَاء». قَالَ فِي الْمعرفَة: وإسنادها صَحِيح.

.الحديث الثَّالِث:

عَن أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ «أَنه قَالَ فِي مُفلس أَتَوْهُ بِهِ: هَذَا الَّذِي قَضَى فِيهِ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَيّمَا رجل مَاتَ- أَو أفلس- فَصَاحب الْمَتَاع أَحَق بمتاعه إِذا وجده بِعَيْنِه».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي الْمُخْتَصر عَن ابْن أبي فديك، عَن ابْن أبي ذِئْب قَالَ: أَخْبرنِي أَبُو الْمُعْتَمِر بن عَمْرو بن رَافع، عَن خلدَة- أَو ابْن خلدَة الزرقي، شكّ: الْمُزنِيّ- عَن أبي هُرَيْرَة «أَنه رَأَى رجلا أفلس فَقَالَ: هَذَا الَّذِي قَضَى فِيهِ...» فَذكره سَوَاء وَذكر الرّبيع هَذِه الرِّوَايَة عَن ابْن خلدَة من غير شكّ لَكِن عَن عَمْرو بن رَافع بدل نَافِع وَزَاد فِيهَا: أَن ابْن خلدَة كَانَ قَاضِيا بِالْمَدِينَةِ وَلَفظه «جِئْنَا أَبَا هُرَيْرَة فِي صَاحب قد أفلس فَقَالَ: هَذَا الَّذِي قَضَى فِيهِ...»
فَذكره وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة: وَكَذَا رَوَاهَا عَن عَمْرو بن رَافع حَرْمَلَة وَفِي بعض الرِّوَايَات عَن الرّبيع: عَمْرو بن نَافِع- بالنُّون- وَهِي أصح، وَابْن خلدَة هُوَ عَمْرو بن خلدَة وَيُقَال: عمر وَهُوَ أصح، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ وَغَيره عَن ابْن أبي ذِئْب وَفِيه من الزِّيَادَة «إِلَّا أَن يدع الرجل وَفَاء». وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه فَقَالَ: عَن أبي الْمُعْتَمِر عَن عمر بن خلدَة قَالَ: «أَتَيْنَا أَبَا هُرَيْرَة فِي صَاحب لنا أفلس، فَقَالَ: لأقضين فِيكُم بِقَضَاء رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، من أفلس أَو مَاتَ فَوجدَ رجل مَتَاعه بِعَيْنِه فَهُوَ أَحَق بِهِ». وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي سنَنه فَقَالَ عَن أبي الْمُعْتَمِر بن عَمْرو بن رَافع عَن ابْن خلدَة الزرقي وَكَانَ قَاضِيا بِالْمَدِينَةِ «جِئْنَا أَبَا هُرَيْرَة فِي صَاحب لنا قد أفلس فَقَالَ: هَذَا الَّذِي قَضَى فِيهِ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَيّمَا رجل...» فَذكره بِلَفْظ الْمُخْتَصر.
قلت: وأعل هَذَا الحَدِيث بِأبي الْمُعْتَمِر فَحَكَى عَن أبي دَاوُد أَنه قَالَ: من يَأْخُذ بِهَذَا وَأَبُو الْمُعْتَمِر من هُوَ لَا يعرف. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: لَا يُعرف من هُوَ، وَلَا سمعنَا لَهُ ذكرا إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث. انْتَهَى.
وَقد ذكره ابْن أبي حَاتِم وَقَالَ: رَوَى عَن ابْن خلدَة وَعَن عبيد الله بن عَلّي بن أبي رَافع، وَعَن الصَّلْت بن بهْرَام، وَعنهُ ابْن أبي ذِئْب سَمِعت أبي يَقُول ذَلِكَ، وَذكره الْحَاكِم أَبُو أَحْمد فِي كناه كَذَلِك إِلَّا أَنه أسقط الصَّلْت بن بهْرَام وَذكر لَهُ هَذَا الحَدِيث، وَذكره ابْن حبَان فِي ثقاته.
وَأخرج الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه هَذَا الحَدِيث من جِهَته من غير شكّ فِي ابْن خلدَة وَإِسْقَاط وَاو عَمْرو وبلفظ الْمُخْتَصر، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث عَال صَحِيح الْإِسْنَاد بِهَذَا اللَّفْظ، وَلم يخرجَاهُ. وَقَالَ الشَّافِعِي: خبر مَوْصُول. وَقَول ابْن الْمُنْذر: هَذَا حَدِيث مَجْهُول الْإِسْنَاد. قد تبين لَك ابْتِدَاء الْجَهَالَة عَنهُ فاعلمه.

.الحديث الرَّابِع:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «أَيّمَا رجل مَاتَ أَو أفلس فَصَاحب الْمَتَاع أَحَق بمتاعه إِذا وجده بِعَيْنِه مَا لم يخلف وَفَاء».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه بِإِسْنَاد الحَدِيث الَّذِي قبله من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَيْضا قَالَ: «قَضَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رجل مَاتَ أَو أفلس أَن صَاحب الْمَتَاع أَحَق بمتاعه إِذا وجده بِعَيْنِه إِلَّا أَن يتْرك مَا فِيهِ وَفَاء» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا بِلَفْظ «قَضَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن من أفلس أَو مَاتَ فَأدْرك رجل مَتَاعه بِعَيْنِه فَهُوَ أَحَق بِهِ إِلَّا أَن يدع الرجل مَا فِيهِ وَفَاء» وَفِي رِوَايَة لَهُ «إِلَّا أَن يتْرك صَاحبه وَفَاء».

.الحديث الخَامِس:

رُوِيَ «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا حجر عَلَى معَاذ بالتماس مِنْهُ دون طلب الْغُرَمَاء».
هَذَا الحَدِيث تبع فِيهِ الْغَزالِيّ فِي وسيطه فَإِنَّهُ قَالَ «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ حجر عَلَى معَاذ بالتماسه» وَتبع فِيهِ إِمَامه فَإِنَّهُ قَالَ فِي نهايته: قَالَ الْعلمَاء: مَا كَانَ حجر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى معَاذ من جِهَة استدعاء غرماءه، وَالْأَشْبَه أَن ذَلِكَ جَرَى باستدعائه، وَكَذَا هُوَ فِي الْبَسِيط للغزالي.
قلت: بل رِوَايَة أبي دَاوُد السالفة عَن مراسيله تدل عَلَى طلب الْغُرَمَاء فَإِن فِيهَا «فَأَتَى غرماؤه إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَطلب معَاذ...» الحَدِيث أما رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ فَفِيهَا «أَن معَاذًا أَتَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَلمهُ ليكلم غرماءه» فقد يتخيل فِيهَا طلب معَاذ، وَلَيْسَ كَذَلِك؛ لِأَن إِتْيَانه النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لأجل استدعائه مِنْهُم طلب الرِّفْق، كَمَا بَينه فِيهِ لَا للحجر عَلَيْهِ نبه عَلَى ذَلِكَ صَاحب الْمطلب.

.الحديث السَّادِس:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «أَيّمَا رجل بَاعَ مَتَاعا فأفلس الَّذِي بَاعه وَلم يقبض البَائِع من ثمنه شَيْئا فَوَجَدَهُ بِعَيْنِه فَهُوَ أَحَق بِهِ، وَإِن كَانَ قد اقْتَضَى من ثمنه شَيْئا فَهُوَ أُسْوَة الْغُرَمَاء».
هَذَا الحَدِيث كَذَا هُوَ ثَابت فِي بعض نسخ الرَّافِعِيّ الصَّحِيحَة وَفِي بَعْضهَا «أَيّمَا رجل بَاعَ سلْعَة فَأدْرك سلْعَته بِعَينهَا عِنْد رجل قد أفلس وَلم يكن قبض من ثمنهَا شَيْئا فَهِيَ لَهُ وَإِن كَانَ قبض من ثمنهَا شَيْئا فَهُوَ أُسْوَة الْغُرَمَاء». وَهُوَ حَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه عَن عبد الله بن مسلمة، عَن مَالك، عَن ابْن شهَاب، عَن أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «أَيّمَا رجل بَاعَ مَتَاعا فأفلس الَّذِي ابتاعه وَلم يقبض الَّذِي بَاعه من ثمنه شَيْئا فَوجدَ مَتَاعه بِعَيْنِه فَهُوَ أَحَق بِهِ، وَإِن مَاتَ المُشْتَرِي فَصَاحب الْمَتَاع أُسْوَة الْغُرَمَاء» قَالَ أَبُو دَاوُد: ثَنَا سُلَيْمَان بن دَاوُد، ثَنَا عبد الله- يَعْنِي- ابْن وهب قَالَ: أَخْبرنِي يُونُس، عَن ابْن شهَاب قَالَ: أَخْبرنِي أَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم...» فَذكر بِمَعْنى حَدِيث مَالك، وَزَاد «وَإِن كَانَ قد قَضَى من ثمنهَا شَيْئا فَهُوَ أُسْوَة الْغُرَمَاء» فِيهِ قَالَ: وثنا مُحَمَّد بن عَوْف، ثَنَا عبد الله بن عبد الْجَبَّار- يَعْنِي- الخبائري ثَنَا إِسْمَاعِيل- يَعْنِي- ابْن عَيَّاش عَن الزبيدِيّ، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحوه، قَالَ: «فَإِن كَانَ قَضَاهُ من ثمنهَا شَيْئا فَمَا بَقِي فَهُوَ أُسْوَة الْغُرَمَاء، وَأَيّمَا امْرُؤ هلك وَعِنْده مَتَاع امْرِئ بِعَيْنِه، اقْتَضَى مِنْهُ شَيْئا أَو لم يقتض فَهُوَ أُسْوَة الْغُرَمَاء» قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدِيث مَالك أصح. يَعْنِي الْمُرْسل وَقد أخرجه كَذَلِك فِي موطئِهِ وَكَذَا نَص غير وَاحِد من الْحفاظ عَلَى ذَلِكَ، قَالَ الشَّافِعِي: حَدِيث ابْن خلدَة الْمُتَقَدّم أولَى من هَذَا وَحَدِيث ابْن شهَاب مُنْقَطع. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش مُضْطَرب الحَدِيث وَلَا يثبت هَذَا عَن الزُّهْرِيّ مُسْندًا وَإِنَّمَا هُوَ مُرْسل. وَخَالفهُ الْيَمَان بن عدي فِي إِسْنَاده واليمان ضَعِيف الحَدِيث وَكَذَلِكَ قَالَ الْعقيلِيّ فِي تَارِيخ الضُّعَفَاء وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ- وَقد سَأَلَهُ عَنهُ ابْنه مَرْفُوعا بِذكر أبي هُرَيْرَة-: إِنَّمَا هُوَ مُرْسل وَالْأول خطأ فِيهَا الْيَمَان، وَهُوَ شيخ ضَعِيف الحَدِيث. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: رَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن الزبيدِيّ، عَن الزُّهْرِيّ مَوْصُولا وَلَا يَصح. وَقد أخرجه مُرْسلا إِمَام دَار الْهِجْرَة فِي موطئِهِ وَجزم بذلك الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب فَقَالَ: هُوَ مُرْسل. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الْإِلْمَام بعد نَقله مقَالَة الدَّارَقُطْنِيّ السالفة: «هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن الزبيدِيّ وَهُوَ شَامي» وَقد اشْتهر تَصْحِيح حَدِيث إِسْمَاعِيل عَن الشاميين إِلَّا أَنه شَامي رَوَى عَن الْحِجَازِيِّينَ.
قلت: وَله متابعات فَذكر صَاحب التَّمْهِيد أَنه رَوَاهُ عبد الله بن بركَة وَمُحَمّد بن عَلّي وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الصنعانيون، عَن عبد الرَّزَّاق، عَن مَالك، عَن ابْن شهَاب، عَن أبي بكر، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا مُسْندًا. وَكَذَا رَوَاهُ عرَاك بن مَالك عَن أبي هُرَيْرَة ذكره ابْن حزم، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: تَابع عبد الرَّزَّاق عَلَى إِسْنَاده عَن مَالك: أَحْمد بن مُوسَى، وَأحمد بن أبي طيبَة، وَرَوَى عبد الرَّزَّاق فِي مُصَنفه عَن مَالك الْمُرْسل الْمَذْكُور، ثمَّ قَالَ: ثَنَا أَبُو سُفْيَان، عَن هِشَام صَاحب الدستوَائي، حَدَّثَني قَتَادَة عَن بشير بن نهيك، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِمثل حَدِيث الزُّهْرِيّ.

.الحديث السَّابِع:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «ليُّ الْوَاجِد يحل عرضه وعقوبته».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه، وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمْ من حَدِيث عَمْرو بن الشريد، عَن أَبِيه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور.
وَأخرجه ابْن حبَان فِي صَحِيحه، وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي أَوَاخِر كتاب الْأَحْكَام أَيْضا، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد.
وَذكره البُخَارِيّ فِي بَاب لصَاحب الْحق مقَال، فَقَالَ: وَيذكر عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «ليُّ الْوَاجِد يُحلُّ عُقُوبَته وَعرضه».
فَائِدَة: الليُّ- بِفَتْح اللَّام وَتَشْديد الْيَاء- المطل، والواجد- بِالْجِيم- الْمُوسر، قَالَ سُفْيَان: يَعْنِي عرضه أَن يَقُول مطلني حَقي وعقوبته أَن يسجن. وَقَالَ ابْن الْمُبَارك: يحل عرضه يغلظ عَلَيْهِ وعقوبته يحبس لَهُ، وَنقل الإِمَام أَحْمد عَن وَكِيع: أَن عرضه شكايته، وعقوبته حَبسه. قَالَ الرَّافِعِيّ: قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: أَرَادَ بالعقوبة الْحَبْس والملازمة.

.الحديث الثَّامِن:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حبس رجلا أعتق شِقْصا لَهُ فِي عبد فِي قيمَة الْبَاقِي».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ بِنَحْوِهِ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث ابْن أبي لَيْلَى، عَن إِسْمَاعِيل، عَن أبي مجلز «أَن عبدا كَانَ بَين رجلَيْنِ فَأعتق أَحدهمَا نصِيبه فحبسه النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى بَاعَ فِيهِ غنمة لَهُ». قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا مُنْقَطع، قَالَ: وَقد رَوَاهُ الثَّوْريّ عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن، عَن أبي مجلز بِمَعْنَاهُ.
قَالَ: وَرُوِيَ من وَجه آخر عَن الْقَاسِم، عَن أَبِيه عَن عبد الله بن مَسْعُود وَهُوَ ضَعِيف.
وَذكر ابْن الطلاع فِي أقضيته عَن أَحْكَام بن زِيَاد، عَن الْفَقِيه أبي صَالح أَيُّوب بن سُلَيْمَان «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ سجن رجلا أعتق شركا لَهُ فِي عبد فَوَجَبَ عَلَيْهِ استتمام عتقه». قَالَ فِي الحَدِيث: «حَتَّى بَاعَ غنمة لَهُ».

.الحَدِيث التَّاسِع:

أَن رجلا ذكر للنَّبِي جَائِحَة أَصَابَته فَسَأَلَهُ أَن يُعْطِيهِ من الصَّدَقَة، فَقَالَ: «حَتَّى يشْهد ثَلَاثَة من ذَوي الحجمى من قومه».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث قبيصَة بن مُخَارق الْهِلَالِي قَالَ: «تحملت حمالَة فَأتيت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أسأله فِيهَا فَقَالَ: أقِم حَتَّى تَأْتِينَا الصَّدَقَة، فنأمر لَك بهَا. ثمَّ قَالَ: يَا قبيصَة إِن الْمَسْأَلَة لَا تحل إِلَّا لأحد ثلاثةٍ: رجل تحمل حمالَة فَحلت لَهُ الْمَسْأَلَة حَتَّى يُصِيبهَا أَو يمسك، وَرجل أَصَابَته جَائِحَة اجتاحت مَاله فَحلت لَهُ الْمَسْأَلَة حَتَّى يُصِيب قوامًا من عَيْش- أَو قَالَ: سدادًا من عَيْش- وَرجل أَصَابَته فاقة حَتَّى يقوم ثَلَاثَة من ذَوي الحجا من قومه لقد أَصَابَت فلَانا فاقة فَحلت لَهُ الْمَسْأَلَة، حَتَّى يُصيب قوامًا من عَيْش- أَو قَالَ: سدادًا من عَيْش- فَمَا سواهن من الْمَسْأَلَة يَا قبيصَة سحتًا يأكلها صَاحبهَا سحتا».
كَذَا وَقع فِي مُسلم «يقوم» وَوَقع فِي أبي دَاوُد «يَقُول» بِاللَّامِ. وَفِي صَحِيح ابْن حبَان فَيشْهد وَهَذَا الحَدِيث من أَفْرَاد مُسلم بل لم يخرج البُخَارِيّ عَن قبيصَة فِي كِتَابه شَيْئا والْحمالَة بِفَتْح الْحَاء الِاسْتِدَانَة.
والحجى مَقْصُور: الْعقل، والقِوام والسِداد بِكَسْر أَولهمَا قَالَ ابْن درسْتوَيْه: والعامة تَقول: هُوَ قوام الْأَمر- بِالْفَتْح- وَهُوَ خطأ.
قلت: قد حَكَاهُ يَعْقُوب فِي إِصْلَاحه وَأَبُو عبيد وَغَيرهمَا، وَقَالَ ابْن سَيّده: الْعَامَّة تَقول السَداد بِالْفَتْح، وَهُوَ خطأ. قلت: قد حَكَاهُ يَعْقُوب فِي إِصْلَاحه أَنه يُقَال: سداد، وَمن عَوَز بِالْفَتْح فَحصل وَجها من هَذَا فِي السداد، وَالْكَسْر أفْصح وَهُوَ مَا يسد بِهِ الْخلَّة، وَأما سِداد القارورة وَالْبَعِير فبالكسر لَا غير، والسداد بِمَعْنى الْإِصَابَة مَفْتُوح، وَكَذَلِكَ السدد أَيْضا بِغَيْر ألف حَكَاهُ الْجَوْهَرِي. هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب.
وَذكر فِيهِ من الْآثَار أثرا وَاحِدًا: وَهُوَ «أَن عمر رَضي اللهُ عَنهُ خطب النَّاس وَقَالَ: أَلا إِن الأسيفع أسيفع جُهَيْنَة قد رَضِي من دينه وأمانته أَن يُقَال سبق الْحَاج فادَّان معرضًا. فَأصْبح وَقد رين بِهِ فَمن كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دين فليحضر فَإنَّا بَايعُوا مَاله وقاسموه بَين غُرَمَائه».
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ مَالك فِي موطئِهِ فِي آخر بَاب جَامع الْقَضَاء عَن عمر بن عبد الرَّحْمَن بن دلاف عَن أَبِيه «أَن رجلا من جُهَيْنَة كَانَ يسْبق الْحَاج فيشتري الرَّوَاحِل فيغالي بهَا ثمَّ يسْرع السّير فَيَسْبق الْحَاج فأفلس، فَرفع أمره إِلَى عمر فَقَالَ: أما بعد، أَيهَا النَّاس، فَإِن الأسيفع، أسيفع جُهَيْنَة رَضِي من دينه وأمانته أَن يُقَال: سبق الْحَاج. أَلا وَإنَّهُ قد ادَّان معرضًا فَأصْبح قد رين بِهِ، فَمن كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دين فيلقانا بِالْغَدَاةِ نقسم مَاله بَين غُرَمَائه، وَإِيَّاكُم وَالدّين فَإِن أَوله هم وَآخره حَرَب».
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة: وَرَوَاهُ أَيُّوب فَقَالَ: نبئت عَن عمر بن الْخطاب مثل ذَلِكَ، وَقَالَ: «نقسم مَاله بَينهم بِالْحِصَصِ». قلت: وَرَوَاهُ أَبُو عبيد فِي غَرِيبه عَن أبي النَّضر، عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن أبي سَلمَة، عَن ابْن دلاف، عَن عمر... فَذكره بِمثلِهِ إِلَّا أَنه قَالَ: «سَابق الْحَاج»، أَو قَالَ: «سبق الْحَاج». وَفِي آخِره: «فَمن كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دين فليغد بِالْغَدَاةِ فلنقسم مَاله بَينهم بِالْحِصَصِ».
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَقد سُئِلَ عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: هُوَ حَدِيث يرويهِ عمر بن عبد الرَّحْمَن بن عَطِيَّة بن دلاف، عَن أَبِيه، عَن بِلَال بن الْحَارِث، عَن عمر حدث بِهِ زُهَيْر بن مُعَاوِيَة عَن عبيد الله عَن عمر كَذَلِك. وَتَابعه عَبدة بن سُلَيْمَان وَأَبُو حَمْزَة وَخَالفهُم يَحْيَى الْقطَّان، فَرَوَاهُ عَن عبيد الله، عَن عمر بن عبد الرَّحْمَن بن عَطِيَّة، عَن عَمه، عَن بِلَال بن الْحَارِث.
وَرَوَاهُ زِيَاد بن سعد عَن ابْن دلاف وَهُوَ عمر بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَن عمر. وَلم يذكر بِلَالًا. وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو بكر الْهُذلِيّ وَمَالك وَعبد الله الْعمريّ عَن ابْن دلاف.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَالْقَوْل قَول زُهَيْر وَمن تَابعه عَن عبيد الله. وَرَوَاهُ مُوسَى بن عُبَيْدَة عَن ابْن دلاف مُرْسلا عَن عمر.
فَائِدَة: الرَّوَاحِل: جمع رَاحِلَة يَعْنِي الْإِبِل. والأسيفع بِضَم الْهمزَة وَفتح السِّين وَإِسْكَان الْيَاء وَكسر الْفَاء، كَذَا قَيده جماعات: ابْن أبي عصرون فِي النَّص الْمَذْهَب عَلَى الْمَذْهَب وَابْن معن فِي تنقيبه والقلعي فِي تَحْرِير شَوَاهِد الْمُهَذّب. وَوَقع فِي تَهْذِيب الْأَسْمَاء واللغات للنووي تَقْيِيده بِفَتْحِهَا، وَلَعَلَّه من النَّاسِخ فقد ضَبطه بِكَسْرِهَا فِي كَلَامه عَلَى الْوَسِيط.
قَالَ ابْن الْأَثِير فِي جامعه: أسيفع تَصْغِير أسفع. قَالَ: والسَّفعة فِي اللَّوْن السوَاد. وجهينة: بطن من بطُون قضاعة بن مَالك بن حمير وَعَن قطرب أَنَّهَا منقولة من مصغرة جهانة عَلَى التَّرْخِيم، يُقَال: جَارِيَة جهانة، أَي: شَابة.
وَقَوله: ادَّان هُوَ بتَشْديد الدَّال وألفه ألف وصل أَي اسْتقْرض كَمَا قَالَه الرَّافِعِيّ. يُقَال: ادَّان الرجل ودانته إِذا بِعْت مِنْهُ بِأَجل. وَدنت وادّنت إِذا اشْتريت مِنْهُ إِلَى أجل. وَقَوله: «معرضًا» أَي يعْتَرض النَّاس فيستدين مِمَّن أمكنه قَالَه الرَّافِعِيّ، وَكَذَا قَالَ ابْن الْأَثِير: المعرض هُنَا بِمَعْنى الْمُعْتَرض أَي اعْترض لكل من يقْرضهُ.
يُقَال: عرض لي الشَّيْء وَأعْرض وَتعرض وَاعْترض بِمَعْنى وَاحِد. قَالَ: وَقيل: مَعْنَاهُ ادّان معرضًا عَمَّن يَقُول لَهُ لَا تستدن فَلَا يقبل.
قَالَ: وَقيل مَعْنَاهُ أَخذ الدَّين معرضًا عَن الْأَدَاء. وَحَكَى هَذِه الْأَقْوَال الثَّلَاثَة القلعي فِي مستغربه وَقَالَ ابْن معن فِي تنقيبه بِكَسْر الرَّاء الْمُشَدّدَة وَمَعْنَاهُ يتَعَرَّض النَّاس مستدينًا مِنْهُم قَالَ: رُوِيَ بتَخْفِيف الرَّاء، وَمَعْنَاهُ معرضًا عَن الْعدْل فَلَا يقبل إِذا نهي، وَقيل عَن الْأَدَاء.
وَقَوله: «وَقد رين بِهِ» أَي أحَاط بِهِ الدَّين، كَأَن الدَّين قد علاهُ وغطاه، يُقَال: رين بِالرجلِ رينًا إِذا وَقع فِيمَا لَا يَسْتَطِيع الْخُرُوج مِنْهُ. وَبِه جزم الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب وَنقل عَن أبي عبيد أَنه قَالَ: كل مَا غلبك فقد ران بك ورانك قَالَ تَعَالَى: {كلا بل ران عَلَى قُلُوبهم}.
و«الْحَرْب» بِسُكُون الرَّاء مَعْرُوف يَعْنِي أَنه تعقب الْخُصُومَة، وبفتح الرَّاء: السَّلب والنهب. قَالَه ابْن الْأَثِير. وَقَالَ المطرزي فِي الْغَرِيب: قَوْله حَرْب هُوَ بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ أَن يُؤْخَذ مَاله كُله كَذَا حَكَاهُ الْأَزْهَرِي عَن النَّضر بن شُمَيْل. قَالَ: وَيروَى حزن وَهُوَ هم وغم يُصِيب الْإِنْسَان بعد فَوَات المحبوب.

.كتاب الْحجر:

كتاب الْحجر:
ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا:

.أما الْأَحَادِيث:

فثمانية:

.الحديث الأول:

عَن ابْن عمر رَضي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: «عرضت عَلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جَيش وَأَنا ابْن أَربع عشرَة سنة فَلم يقبلني وَلم يرني بلغت، وَعرضت عَلَيْهِ من قَابل وَأَنا ابْن خمس عشرَة سنة فأجازني ورآني بلغت».
هَذَا الحَدِيث فِي الصَّحِيحَيْنِ بِدُونِ ذكر الْبلُوغ فيهمَا، وَهَذَا سياقته عَن ابْن عمر: «عرضت عَلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أحد وَأَنا ابْن أَربع عشرَة سنة فَلم يجزني وَعرضت عَلَيْهِ يَوْم الخَنْدَق وَأَنا ابْن خمس عشرَة سنة فأجازني» زَاد مُسلم بعد قَوْله «يَوْم أحد»: «فِي الْقِتَال» قَالَ نَافِع: فَقدمت عَلَى عمر بن عبد الْعَزِيز وَهُوَ يَوْمئِذٍ خَليفَة فَحَدَّثته هَذَا الحَدِيث. فَقَالَ: إِن هَذَا لحدُّ بَين الصَّغِير وَالْكَبِير وَكتب إِلَى عماله بذلك أَن يفرضوا لمن كَانَ ابْن خمس عشرَة سنة زَاد مُسلم: «وَمن كَانَ دون ذَلِكَ فَاجْعَلُوهُ فِي الْعِيَال».
وَفِي لفظ لمُسلم: «فاستصغرني» مَكَان «فَلم يجزني».
قَالَ الشَّافِعِي فِي سير الْوَاقِدِيّ: وَقد جعل ذَلِكَ مَعَ سَبْعَة عشر مِنْهُم زيد بن ثَابت وَرَافِع بن خديج.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ ابْن جريج عَن عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر وَزَاد فِيهِ عِنْد قَوْله: «فَلم يجزني»: «وَلم يرني بلغت» ثمَّ سَاقه بِإِسْنَادِهِ، ثمَّ قَالَ قَالَ ابْن صاعد: فِي هَذَا الحَدِيث حرف غَرِيب وَهُوَ قَوْله «وَلم يرني بلغت».
قلت: وَأخرجه بِهَذَا الْحَرْف أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه. وَفِي رِوَايَة للبيهقي: «عُرضت عَلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم بدر وَأَنا ابْن ثَلَاث عشرَة فَلم يجزني فِي الْمُقَاتلَة وَعرضت عَلَيْهِ يَوْم أحد فأجازني فِي الْمُقَاتلَة».
وَالْمرَاد بقوله: «وَأَنا ابْن أَربع عشرَة» أَي طعنت فِيهَا. وَبِقَوْلِهِ: «وَأَنا ابْن خمس عشرَة» أَي استكملتها وزدت عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ بَين أحد وَالْخَنْدَق سنتَانِ كَمَا نبه عَلَيْهِ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وخلافياته وَغَيرهمَا.

.الحديث الثَّانِي:

عَن أنس رَضي اللهُ عَنهُ أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا اسْتكْمل الْمَوْلُود خمس عشرَة سنة كتب مَا لَهُ وَمَا عَلَيْهِ، وأقيمت عَلَيْهِ الْحُدُود».
هَذَا الحَدِيث تبع فِي إِيرَاده الْغَزالِيّ فِي وسيطه فَإِنَّهُ قَالَ: ومعتمدنا مَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ... فَذكره، وَهُوَ تبع فِيهِ إِمَامه، فَإِنَّهُ كَذَلِك ذكره فِي كِفَايَته. وَقَالَ: إِن الدَّارَقُطْنِيّ رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ وَلم أره أَنا فِي سنَن الدَّارَقُطْنِيّ بعد الْبَحْث الشَّديد عَنهُ.
وَذكره الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه بِغَيْر إِسْنَاد. فَقَالَ: وَرَوَى قَتَادَة، عَن أنس مَرْفُوعا: «الصَّبِي إِذا بلغ خمس عشرَة أُقِيمَت عَلَيْهِ الْحُدُود» قَالَ: وَإِسْنَاده ضَعِيف وَهُوَ بِإِسْنَادِهِ فِي الخلافيات. وَهُوَ كَمَا قَالَ فقد رَأَيْته فِيهَا لَكِن من غير طَرِيق قَتَادَة عَنهُ ورَوَاهُ من حَدِيث مُحَمَّد بن عِيسَى الرَّاوِي، عَن سعيد بن عبد الْملك الدِّمَشْقِي، عَن حَمَّاد بن زيد، عَن عبد الْعَزِيز بن صُهَيْب، عَن أنس مَرْفُوعا: «الصَّبِي تكْتب لَهُ حَسَنَاته، وَلَا تكْتب عَلَيْهِ سيئاته حَتَّى إِذا بلغ ثَلَاث عشرَة كتب مَا لَهُ وَعَلِيهِ فَإِذا بلغ خمس عشرَة سنة أُقِيمَت عَلَيْهِ الْحُدُود أَو أخذت مِنْهُ الْحُدُود».

.الحديث الثَّالِث:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «رفع الْقَلَم عَن ثَلَاثَة، عَن الصَّبِي حَتَّى يبلغ».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح وَقد تقدم بَيَانه مَبْسُوطا فِي كتاب الصَّلَاة فَرَاجعه من ثَمَّ. وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة «رفع الْقَلَم عَن ثَلَاثَة عَن الْغُلَام حَتَّى يَحْتَلِم فَإِن لم يَحْتَلِم حَتَّى يكون ابْن ثَمَان عشرَة، وَعَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ فَإِن- يَعْنِي- طلق فِي مَنَامه لم يَقع الطَّلَاق، وَعَن الْمَجْنُون حَتَّى يَصح. قيل: يَا رَسُول الله، وَمن الْمَجْنُون؟ قَالَ: من أبلى شبابه فِي مَعْصِيّة الله». مَوْضُوع.
ذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي مَوْضُوعَاته وَقَبله الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَقَالَ: إِنَّه حَدِيث مَوْضُوع وَمُحَمّد بن الْقَاسِم الطائكاني الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده كَانَ مَعْرُوفا بِوَضْع الحَدِيث. نَعُوذ بِاللَّه من الخذلان وَكَذَا قَالَ الْحَاكِم: إِنَّه وَضاع. وَكَذَا الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته.