فصل: الحديث الثَّانِي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّانِي:

عَن عَمرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَوْدع ضَمَان».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه بِهَذَا اللَّفْظ وَزِيَادَة؛ وَهَذِه سياقته: لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِير غير الْمغل ضَمَان، وَلَا عَلَى الْمُسْتَوْدع غير الْمغل ضَمَان، وَالضَّمان الخائن.
وَفِي إِسْنَاده عَمرو بن عبد الْجَبَّار وعُبَيْدَة بن حسان قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هما ضَعِيفان. قَالَ: وَإِنَّمَا يُروى هَذَا عَن شُرَيْح القَاضِي غير مَرْفُوع. وَقَالَ ابْن عدي: عَمْرو بن عبد الْجَبَّار رَوَى عَن عمِّه عُبَيْدَة بن حسان مَنَاكِير، وَله أَحَادِيث غير مَحْفُوظَة. وَقَالَ ابْن حبَان: عُبَيْدَة- بِضَم الْعين وَقيل: بِفَتْحِهَا- يَرْوي الموضوعات عَن الثِّقَات؛ لَا يحل الِاحْتِجَاج بِهِ بِحَال. وَضَعفه ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه وعبدُ الْحق بِمَا ضَعَّفْنَاه.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من رِوَايَة عبد الله بن شبيب عَن إِسْحَاق بن مُحَمَّد، عَن يزِيد بْنِ عبد الْملك، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الحَجبي عَن عَمرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جدِّه مَرْفُوعا: «لَا ضَمَان عَلَى مؤتمن».
وَهَذَا ضَعِيف أَيْضا فعبد الله بن شبيب واهٍ؛ وَيزِيد هُوَ النَّوْفَلِي وَقد أسلفت حَاله فِي بَاب الْأَحْدَاث وَلِهَذَا كلِّه قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه: هَذَا الحَدِيث إِسْنَاده ضَعِيف.
فَائِدَة: الْمَشْهُور فِي تَفْسِير الْمغل هُنَا أَنه الخائن، وَقيل: إِنَّه المستغل، وَهُوَ القابِضُ، وَمَعْنَاهُ: أَن الْعَارِية لَا تُضمن إِلَّا بِالْقَبْضِ، وادَّعوا أَن هَذَا حَقِيقَة الْمغل، وَالْمَعْرُوف مَا تقدم، وَقد جَاءَ تَفْسِيره فِي آخر الحَدِيث أَنه الخائن، وَهُوَ إِمَّا مِنْ عِنْد رَاوِيه، أَو مَرْفُوعا، فَهُوَ مقدَّم عَلَى كل حالِهِ.

.الحديث الثَّالِث:

رُوي أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «مَنْ أودع وَدِيعَة فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي سنَنه من حَدِيث عَمرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَفِي إِسْنَاده أَيُّوب بن سُوَيْد، وَهُوَ ضَعِيف كَمَا سلف، والمثنى بن الصَّباح ضعَّفه ابْن معِين، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك. وَقَالَ ابْن سعد: كَانَ عابدًا، وَله أَحَادِيث، وَهُوَ ضَعِيف.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَى ابْنُ لَهِيعَة عَن عَمرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده مَرْفُوعا: «مَنِ استودع وَدِيعَة فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ». وَابْن لَهِيعَة ضَعِيف، كَمَا سلف.

.الحديث الرَّابِع:

رُوي «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَت عِنْده ودائع، فلمَّا أَرَادَ الهجرةَ سَلَّمَهَا إِلَى أُمِّ أَيمن وَأمر عليًّا برَدِّها».
أمَّا تَرْكُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ عليًّا بِمَكَّة رد الودائع إِلَى أَرْبَابهَا فَهُوَ مَشْهُور فِي السّير وَغَيرهَا، قَالَ ابْن إِسْحَاق فِيمَا رَوَيْنَاهُ عَنهُ وَحَكَاهُ عَنهُ أَيْضا الْبَيْهَقِيّ وَغَيره: حَدثنِي من لَا أتهم عَن عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة فِي هِجْرَة النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت: وَأمر- تَعْنِي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عليًّا أَن يتَخَلَّف عَنهُ بِمَكَّة حَتَّى يؤدِّي عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الودائع الَّتِي كَانَت عِنْده للنَّاس، قَالَ: وَأَخْبرنِي مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير عَن عُرْوَة بن الزبير عَن عبد الرَّحْمَن بن عويم بن سَاعِدَة قَالَ: حَدثنِي رجالُ قَوْمِي من أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم... فَذكر الحديثَ فِي خُرُوج النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِيهِ: وَخرج النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأقَام عَلّي بن أبي طَالب ثَلَاث ليالٍ وأيامها؛ حَتَّى أدَّى عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الودائع الَّتِي كَانَت عِنْده للنَّاس، حَتَّى إِذا فرغ مِنْهَا لحق برَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَأما كَونه سلَّمها إِلَى أُمِّ أَيمن فَلَا يَحْضُرُني ذَلِك بعد البَحْثِ عَنهُ.

.الحديث الخَامِس:

قَالَ الرافعيُّ: وَفِي الحَدِيث «إِن الْمُسَافِر وَمَاله لعَلَى قَلْتٍ، إِلَّا مَنْ وَقَى الله».
هَذَا الحَدِيث غَرِيب؛ لَيْسَ فِي الْكتب السِّتَّة وَلَا المسانيد، وَتبع ابْنُ الرّفْعَة الرافعيَّ فَذكره فِي مطلبه كَذَلِك مَرْفُوعا، وَصَاحب الْمُهَذّب ذكره فِي بَاب الْحجر وَالْقَرْض بِلَفْظ: يرْوَى «أَن الْمُسَافِر وَمَاله عَلَى قلتٍ».
قَالَ النَّوَوِيّ فِي تهذيبه: لَيْسَ هَذَا خبر عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم؛ إِنَّمَا هُوَ من كَلَام بعض السّلف، قيل: إِنَّه عَن عليّ بن أبي طَالب. وَذكر ابْنُ السّكيت والجوهريُّ فِي صحاحه: أَنه عَن بعض الْأَعْرَاب قَالَ: والقلت: بِفَتْح الْقَاف وَاللَّام وَآخره تَاء مثناة فَوق، وَهُوَ الْهَلَاك، قَالَ الْجَوْهَرِي: تَقول مِنْهُ: قَلِت- بِكَسْر اللَّام- والمَقلتة- بِفَتْح الْمِيم- المَهلكة.
قلت: وظفرتُ بِهِ فِي رحلتي الثَّانِيَة إِلَى الشَّام المحروس مَرْفُوعا إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، ذَاكَرَني بِهِ بعضُ الحُفَّاظ، وَأَنه فِي أَخْبَار أبي الْعَلَاء المعري لِلْحَافِظِ أبي طَاهِر السلفيّ، فَأحْضرهُ لي، فرأيتهُ ساقة، فَقَالَ: ثَنَا أَبُو إِبْرَاهِيم الْخَلِيل بن عبد الْجَبَّار بن عبد الله القرائي بقزوين- وَكَانَ ثِقَة- ثَنَا أَبُو الْعَلَاء أَحْمد بن عبد الله بن سُلَيْمَان التنوخي المعري بمعرة النُّعْمَان، ثَنَا أَبُو الْفَتْح مُحَمَّد بن الْحسن بن روح، حَدثنَا خَيْثَمَة بن سُلَيْمَان الْقرشِي، نَا أَبُو عتبَة الْحِمصِي، نَا بشر بن زَاذَان، عَن أبي عَلْقَمَة، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لَو علم الناسُ رحمةَ الله بالمسافر لأصبح النَّاس وهم عَلَى سفرٍ، إِن الْمُسَافِر ورحْلِهِ عَلَى قَلَتٍ، إِلَّا من وقَى الله تَعَالَى».
قَالَ الْخَلِيل: لم أسمع من أبي الْعَلَاء غير هَذَا الحَدِيث وَلم يرو لي أَنا عَنهُ حَدِيثا سُوَى الْخَلِيل. والقلت: الْهَلَاك، يُقَال مِنْهُ: قلت قلتًا. قَالَ السلَفِي قبل ذَلِك: أَبُو إِبْرَاهِيم هَذَا رأيتُه بقزوين، وَرَوَى لي عَنهُ حَدِيثا وَاحِدًا مُسْندًا، يرويهِ عَن صاحبٍ لخيثمة بن سُلَيْمَان الْقرشِي الأطرابلسي، فَذكره، فاسْتَفِدْ ذَلِك؛ فَإِنَّهُ من المهم الَّذِي مَنَّ الله بِالْوُقُوفِ عَلَيْهِ.

.الحديث السَّادِس:

قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: «عَلَى الْيَد مَا أخذتْ حَتَّى تَرُدَّ».
هَذَا الحَدِيث سبق بَيَانه فِي الْعَارِية وَاضحا؛ فراجِعْهُ.
هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب.

.وأمَّا آثاره:

فَأَرْبَعَة:
عَن أبي بكر، وعليّ، وَابْن مَسْعُود، وَجَابِر: «إِنَّهَا- يَعْنِي: الْوَدِيعَة- أمانةٌ».

.أما أثر أبي بكر:

فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث سعيد بن مَنْصُور، ثَنَا أَبُو شهَاب، عَن حجاج بن أَرْطَاة، عَن أبي الزبير، عَن جَابر: «أَن أَبَا بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَضَى فِي وديعةٍ كَانَت فِي جِرَابٍ فضاعتْ مِنْ حَولي الجِرَاب أَن لَا ضَمَان فِيهَا». وَالْحجاج ضَعِيف.

.وَأما أثر عليّ وَابْن مَسْعُود:

فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عبد الله بن الْوَلِيد، ثَنَا سُفْيَان، عَن جَابر، عَن الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن أَن عليًّا وابْنَ مَسْعُود- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما- قَالَا: «لَيْسَ عَلَى مؤتمن ضَمَان».

.وَأما أثر جَابر:

فَغَرِيب، لَا يحضرني مَنْ خَرَّجَهُ.

.كتاب قَسْمِ الْفَيْء وَالْغنيمَة:

كتاب قَسْمِ الْفَيْء وَالْغنيمَة:
ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا.

.أما الْأَحَادِيث:

فتسعة وَعِشْرُونَ:

.الحديث الأول:

أَن آيَة الْفَيْء أَي وَهِي قَوْله تَعَالَى: {مَا أَفَاء الله عَلَى رَسُوله} نزلتْ فِي بني النَّضِير؛ وَقد رُوي «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ صَالحهمْ عَلَى أَن يتْركُوا الْأَرَاضِي والدُّور، ويحملوا كلَّ صفراء وبيضاء، وَمَا تحمله الركائب».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه بِنَحْوِهِ، من حَدِيث معمر عَن الزُّهْرِيّ «فِي قَوْله- عز وَجل- فَمَا أَوجَفْتُمْ عَلَيْهِ من خيل وَلَا ركاب قَالَ: صالحَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أهل فدك وقرًى قد سمَّاها لَا أحْفَظها، وَهُوَ محاصِرٌ قَوْمًا آخَرين، فأرسلوا إِلَيْهِ بِالصُّلْحِ، قَالَ: فَمَا أَوجَفْتُمْ عَلَيْهِ من خيلٍ وَلَا ركاب يَقُول: بِغَيْر قتال. قَالَ الزُّهْرِيّ: وَكَانَت بَنو النَّضِير للنَّبِي خَالِصا، لم يفتحوها عنْوَة وافتتحوها عَلَى صلح، فقسم النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين الْمُهَاجِرين، لم يُعط الْأَنْصَار مِنْهَا شَيْئا، إِلَّا رجلَيْنِ كَانَت بهما حَاجَة».
وَأخرجه بِنَحْوِهِ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه وَرَوَى مُوسَى بن عقبَة عَن ابْن شهَاب، قَالَ: وَهَذَا حَدِيث رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «خرج رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رجالٍ من أَصْحَابه إِلَى بني النَّضِير...» وَذكر الْقِصَّة، إِلَى أَن قَالَ: «ففاجأهم رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى أَن يجليهم، وَلَهُم أَن يحملوا مَا اسْتَقَلت من الْإِبِل الَّذِي كَانَ لَهُم، إِلَّا مَا كَانَ من حليةٍ أَو سلَاح، وطاروا كل مُطارٌ...» ثمَّ ذكر بَاقِي الْقِصَّة.

.الحديث الثَّانِي:

قَالَ الرَّافِعِيّ: وأربعةُ أخماسِ الْفَيْء كَانَت لرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَيَاته، مَضْمُومَة إِلَى خُمْس الخُمْس، فجُمْلة مَا كَانَ لَهُ أحد وَعِشْرُونَ سَهْما مِنْ خمسةٍ وَعشْرين سَهْما، وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يصرف الْأَخْمَاس الْأَرْبَعَة إِلَى الْمصَالح.
هُوَ كَمَا قَالَ: وَفِي سنَن الْبَيْهَقِيّ فِي بَاب بَيَان مَصْرف أَرْبَعَة أَخْمَاس الْفَيْء فِي زمَان رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنَّهَا كَانَت لَهُ خَاصةً دون الْمُسلمين، يَضَعهَا حَيْثُ أرَاهُ الله- عَزَّ وَجَلَّ- ثمَّ سَاق بِسَنَدِهِ الحديثَ الثَّانِي الَّذِي سَنذكرُهُ، والحديثَ السَّابِق فِي هَذَا الْبَاب.

.الحديث الثَّالِث:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ ينْفق من سَهْمه عَلَى نَفسه وَأَهله ومصالحه، وَمَا فضل جعله فِي السِّلَاح عدَّة فِي سَبِيل الله- عَزَّ وَجَلَّ- وَفِي سَائِر الْمصَالح».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث عُمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَت أَمْوَال بني النَّضِير مِمَّا أَفَاء الله عَلَى رَسُوله، مِمَّا لم يوجف عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ بخيلٍ وَلَا ركاب، فَكَانَت للنَّبِي خَاصَّة؛ فَكَانَ ينْفق عَلَى نَفسه وَأَهله نفقةَ سَنَةٍ».
وَفِي رِوَايَة لَهما: «وَيحبس لأَهله قوت سَنَتِهِمْ، وَمَا بَقِي جعله فِي الكراع وَالسِّلَاح عدَّة فِي سَبِيل الله».
وَقَوله: «وَفِي سَائِر الْمصَالح» لَا يحضرني من خرَّجه فِي الحَدِيث بعد الْبَحْث عَنهُ.
فَائِدَة: الكراع اسْم لجَمِيع الْخَيل وَالسِّلَاح إِذا ذكر مَعَ السِّلَاح والكراع الْخَيل نَفسهَا. قَالَه اللَّيْث. فَائِدَة أُخْرَى قَالَ الشافعيُّ: قَول عمر «وَكَانَت للنَّبِي خَاصَّة». يُرِيد: مَا كَانَ يكون للموجفين، وَذَلِكَ أَرْبَعَة أخماسه.

.الحديث الرَّابِع:

قَالَ الرَّافِعِيّ بعد أَن قرر أَن سهم الرَّسُول صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ الخُمْس من الْفَيْء، وَأَن هَذَا السهْم كَانَ لَهُ يعْزل مِنْهُ نَفَقَة أَهله، وَمَا فضل جعله فِي الكراع كَمَا سلف: لم يكن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يملكهُ، وَلَا ينْتَقل مِنْهُ إِلَى غَيره إِرْثا، بل مَا يملكهُ الْأَنْبِيَاء- عَلَيْهِم السَّلَام- لَا يورَّث عَنْهُم، كَمَا اشْتهر فِي الْخَبَر.
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من طرق:
أَحدهَا: عَن أبي بكر الصدِّيق رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا نُورَّث، مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة».
وَلابْن حبَان فِي صَحِيحه: «إِنَّا لَا نُورَّث، مَا تركنَا صَدَقَة». وللترمذي فِي غير جامعه بإسنادٍ عَلَى شَرط مُسلم، عَن عُمر عَن أبي بكر، رَفعه: «إِنَّا معاشر الْأَنْبِيَاء لَا نورَّث، مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة». وَلأَحْمَد عَن أبي بكر، رَفعه: «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يورَّث، وَإِنَّمَا مِيرَاثه فِي فُقَرَاء الْمُسلمين وَالْمَسَاكِين».
ثَانِيهَا: عَن عُمر: «أَنه قَالَ لعُثْمَان وعَبْدِ الرَّحْمَن بن عَوْف والزبير وَسعد وَعلي وَالْعَبَّاس: أُنْشِدُكُمْ بِاللَّه الَّذِي تقوم السَّمَوَات وَالْأَرْض بأَمْره؛ أتعلمون أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا نورَّث، مَا تركنَا صَدَقَة؟ قَالُوا: نعم».
وللنسائي فِي سنَنه الْكُبْرَى من حَدِيث سُفْيَان، عَن عَمرو بن دِينَار، عَن الزُّهْرِيّ، عَن مَالك بن أَوْس بن الْحدثَان قَالَ: «قَالَ عمر لعبد الرَّحْمَن وَسعد وَعُثْمَان وَطَلْحَة وَالزبير: أنشِدُكم بِاللَّه الَّذِي قَامَت لَهُ السَّمَوَات وَالْأَرْض، سَمِعْتُمْ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِنَّا معشر الْأَنْبِيَاء لَا نورَّث، مَا تركنَا فَهُوَ صَدَقَة؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نعَمْ».
ثَالِثهَا: عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: «أَن أَزوَاج النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين تُوفِّي أردن أَن يَبْعَثْنَ عثمانَ إِلَى أبي بكر يسألنه ميراثهن، فَقَالَت عَائِشَة: أَلَيْسَ قَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا نورَّث، مَا تركنَا صَدَقَة».
رَابِعهَا: عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لَا يقتسم ورثتي دِينَارا، مَا تركتُ بَعْدَ نَفَقَة نسَائِي وَمؤنَة عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَة».
وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد: «وَلَا درهما». وَلأَحْمَد، وَالتِّرْمِذِيّ، وصحَّحه عَن أبي هُرَيْرَة: «أَن فَاطِمَة قَالَت لأبي بكر: مَنْ يرثكَ إِذا مت؟ قَالَ: وَلَدي وَأَهلي. قَالَت: فَمَا لنا لَا نَرِثُ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: سمعتُ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَا نورَّث، وَلَكِن أعول مَنْ كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يعول، وَأنْفق عَلَى مَنْ كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ينْفق عَلَيْهِ».
وَفِي علل الدَّارَقُطْنِيّ: أَنه سُئِلَ عَن حَدِيث فَاطِمَة- رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- عَن أبي بكر، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «أَن الْأَنْبِيَاء لَا يُورَّثون، مَا تَرَكُوهُ فَهُوَ صَدَقَة» قَالَ: هُوَ حَدِيث يرويهِ الْكَلْبِيّ، فَاخْتلف عَنهُ؛ فَقَالَ إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش: عَن الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح، عَن أُمِّ هَانِئ، عَن فَاطِمَة «أَنَّهَا دخلت عَلَى أبي بكر فَقَالَت: أرأيتَ لَو مت مَنْ كَانَ يَرِثُك؟» وَخَالفهُ سُفْيَان الثَّوْريّ والمغيرة فروياه: عَن الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن أُمِّ هَانِئ «أَن أَبَا بكر قَالَ لفاطمة».
فَائِدَة: قَوْله: «مَا تركنَا صَدَقَة» هُوَ فِي مَوضِع رفع بِالِابْتِدَاءِ، و«صَدَقَة» مرفوعٌ خبرٌ، خلافًا للإمامية فِي قَوْلهم: إِنَّمَا هُوَ «يَرث» بِالْمُثَنَّاةِ تَحت.
و«صَدَقَة» بِالْفَتْح، أَي: مَا تركنَا صَدَقَة؛ فَلَا نورَّث، و«مَا» فِي مَوضِع الْمَفْعُول، و«صَدَقَة» مَنْصُوب عَلَى الْحَال وَعَلَى التَّفْسِير، وَهَذَا مُخَالف لما فهم مِنْهُ أهل اللِّسَان، وَلما حمله عَلَيْهِ أئمةُ الصَّحَابَة من رِوَايَة هَذَا الحَدِيث، وَمَا وَقع فِي سَائِر الرِّوَايَات فِي قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: «لَا نورّث، مَا تركنَا فَهُوَ صَدَقَة».
قَالَ أَبُو جَعْفَر النّحاس: فِي قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: «مَا تركنَا صَدَقَة» ثَلَاثَة أقوالٍ للْعُلَمَاء:
أَحدهَا: أَنه بِمَنْزِلَة الصَّدَقَة، أَي: لَا يورَّث، إِنَّمَا هُوَ فِي مصَالح الْمُسلمين.
ثَانِيهَا: أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ تصدَّق بِهِ.
ثَالِثهَا: أَن تكون الرِّوَايَة: «لَا نورَّث، مَا تركنَا صَدَقَة» بِالنّصب، وَتَكون مَا بِمَعْنى الَّذِي، وَتَكون فِي مَوضِع جَرٍّ أَيْضا. قَالَ: والمعاني فِي هَذَا مقاربة لِأَن الْمَقْصُود أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ لَا يورَّث.

.الحديث الخَامِس:

عَن جُبَير بن مطعم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «لمَّا قَسَّمَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سَهْمَ ذَوي الْقُرْبَى بَين بني هَاشم وبَين بني الْمطلب، أتيتُ أَنا وَعُثْمَان بن عَفَّان رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله، إِخْوَاننَا بَنو هاشمٍ لَا ننكر فَضلهمْ لِمَكَانِك الَّذِي وضعك الله بِهِ مِنْهُم، فَمَا بَال إِخْوَاننَا من بني الْمطلب أَعطيتهم وَتَركنَا؛ وَإِنَّمَا قرابتنا وقرابتهم وَاحِد؟ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: إِنَّمَا بَنو هَاشم وَبَنُو الْمطلب شَيْء وَاحِد. وشبَّك بَين أَصَابِعه». ويُروْى أَنه قَالَ: «لم يُفَارِقُونِي فِي جاهليةٍ وَلَا إِسْلَام».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الشافعيُّ كَذَلِك باخْتلَاف قريب؛
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْبرْقَانِي كَذَلِك أَيْضا، إِلَّا أَنهم قَالُوا فِي أوَّلِهِ: «لمَّا كَانَ يَوْم خَيْبَر وضع رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سهم ذَوي الْقُرْبَى فِي بني هَاشم وَبني الْمطلب، وَترك بني نَوْفَل وَبني عبد شمس فانطلقتُ أَنا وَعُثْمَان...» ثمَّ ذَكرُوهُ إِلَى آخِره. قَالَ البرقاني: وَهُوَ عَلَى شَرط مُسلم.
وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده عَن عُثْمَان بن عمر، ثَنَا يُونُس، عَن الزُّهْرِيّ، عَن ابْن الْمسيب، عَن جُبَير بن مطعم: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يقسم لبني عَبْدِ شمس وَلَا لبني نَوْفَل مِنَ الخُمْس شَيْئا، كَمَا كَانَ يُقسم لبني هاشمٍ ولبني الْمطلب، وَأَن أَبَا بكر كَانَ يُقسم الْخمس نَحْو قسم رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، غير أَنه لم يكن يُعْطي قرباء رَسُول الله كَمَا كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يعطيهم، وَكَانَ عمر يعطيهم، وَعُثْمَان من بعده».
وَرَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَن جُبَير أَيْضا قَالَ: «مشيتُ أَنا وعثمانُ بْنُ عَفَّان إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقلت: يَا رَسُول الله، أعطيتَ بني الْمطلب، وَتَرَكتنَا وَنحن وهم بمنزلةٍ وَاحِدَة؟ فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّمَا بَنو الْمطلب وَبَنُو هَاشم شَيْء وَاحِد».
وَفِي رِوَايَة لَهُ: «فَقُلْنَا: أَعْطَيْت بني الْمطلب مِنْ خُمْس خَيْبَر وَتَرَكتنَا؟ قَالَ جُبَير: وَلم يقسم النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لبني عَبْدِ شمسٍ، وَلَا لبني نَوْفَل شَيْئا».
وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: عبدُ شمس وَالْمطلب وهَاشِم إخْوَة لأُمٍّ، وأُمُّهُمْ عَاتِكَة بنت مُرَّة، وَكَانَ نَوْفَل أَخَاهُم لأبيهم.
قَالَ الشَّافِعِي فِي الرسَالَة: فقسم النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سهم ذَوي الْقُرْبَى فِي بني هَاشم، وَبني الْمطلب، وَلم يُعط الآخرين شَيْئا، وَإِن كَانَا أخويِّ هَاشم وَالْمطلب؛ لأجل الْفرق الَّذِي ذكره رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ: أَن بني هَاشم وَبني الْمطلب شَيْء وَاحِد، وَلم يفارقوهم فِي جَاهِلِيَّة وَلَا إِسْلَام، وحلوا مَعَهم فِي الشّعب دون بني أُميَّة بن عبد شمس وَبني نَوْفَل.
وَقَالَ الرَّافِعِيّ: كَانَ عُثْمَان من بني عبد شمس، وَجبير من بني نَوْفَل، فَأَشَارَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا ذكره إِلَى بَيَان الصَّحِيفَة القاطعة الَّتِي كتبْتَها قريشُ عَلَى أَن لَا يُجَالسوا بني هَاشم وَلَا يبايعوهم وَلَا يناكحوهم، وبقوا عَلَى ذَلِك سَنَةً، لم يدْخل فِي بيعتهم بَنو الْمطلب، بل خَرجُوا مَعَ بني هَاشم إِلَى بعض الشِّعَاب.
قلت: هَذَا مَشْهُور بَين أَرْبَاب الْمَغَازِي، وَمِمَّنْ ذكره ابْنُ إِسْحَاق فِي السِّيرَة وَحَكَاهُ عَنهُ الْبَيْهَقِيّ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ.
فَائِدَة: قَوْله فِي الحَدِيث: «شَيْء»: رُوي بالشين الْمُعْجَمَة الْمَفْتُوحَة، وبالسين الْمُهْملَة الْمَكْسُورَة ثُمَّ يَاء مشدَّدة بِلَا همز، قَالَ الْخطابِيّ: كَانَ يَحْيَى بن معِين يرويهِ بِالسِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء- وَهُوَ أَجود- أَي: سَوَاء، يُقَال: هَذَا سِيّ هَذَا. أَي مِثْلُه ونَظِيْرُه، قَالَ: وَالرِّوَايَة بالشين الْمُعْجَمَة، وَذكره الهرويُّ فِي غَرِيبه بِالسِّين الْمُهْملَة.

.الحديث السَّادِس:

رُوي أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا يُتْمَ بعد احْتِلَام».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن أَحْمد بن صَالح، ثَنَا يَحْيَى بن مُحَمَّد الْمدنِي، حَدثنِي عبد الله بن خَالِد بن سعيد بن أبي مَرْيَم، عَن أَبِيه، عَن سعيد بن عبد الرَّحْمَن بن رُقَيْش أَنه سمع شُيُوخًا من بني عَمرو بن عَوْف وَمن خَاله عبد الله بن أبي أَحْمد قَالَ: قَالَ عليُّ: حفظت عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لَا يتم بعد احْتِلَام، وَلَا صمَات يَوْم إِلَى اللَّيْل».
أَحْمد هَذَا هُوَ المِصْريُّ الْحَافِظ الثِّقَة، لم يتَكَلَّم فِيهِ النَّسَائِيّ بحُجَّة، وَيَحْيَى الْمدنِي مُخْتَلف فِيهِ، وَقَالَ الْعقيلِيّ: فِي حَدِيثه مَنَاكِير وأغاليط. وَعبد الله بن خَالِد ضعفه الْأَزْدِيّ وَقَالَ: لَا يكْتب حَدِيثه ووالده ثِقَة كَمَا جزم بِهِ الذَّهَبِيّ فِي الكاشف، وَذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات وَسَعِيد بن عبد الرَّحْمَن ثِقَة وَعبد الله بن أبي أَحْمد هُوَ ابْن جحش، تابعيُّ.
فَهَذَا إِسْنَاد يَقْرُب من الْحسن لَوْلَا عبد الله بن خَالِد، وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي كِتَابه رياض الصَّالِحين: إِسْنَاده حسن. وَكَأَنَّهُ اعْتمد فِي ذَلِك عَلَى سكُوت أبي دَاوُد عَلَيْهِ، وَأما ابْن الْقطَّان فضعَّفه حَيْثُ قَالَ فِي الْوَهم والإِيهام: عبد الله بن خَالِد ووالده مَجْهُولَانِ، وَيَحْيَى بن مُحَمَّد الْمدنِي إِمَّا مَجْهُول، وَإِمَّا ضَعِيف إِن كَانَ ابْن هَانِئ، وَعبد الله بن أبي أَحْمد مَجْهُول أَيْضا.
قَالَ: وَلَيْسَ بوالد بكير بن عبد الله بن الْأَشَج كَمَا ظَنّه ابْنُ أبي حَاتِم، حِين جمع بَينهمَا، وَالْبُخَارِيّ قد فصل بَينهمَا. قَالَ: وَأيهمَا كَانَ فحالته مَجْهُولَة أَيْضا، هَذَا كَلَامه.
وكل هَؤُلَاءِ مَعْلُوم الْعين مَعْلُوم الْحَال كَمَا قَرّرته لَك، إِلَّا عبد الله بن أبي أَحْمد؛ فَإِنِّي لَا أعلم حَاله، وَأعله عبد الْحق، بِوَجْه آخر، فَقَالَ: الْمَحْفُوظ عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. وَأعله الْمُنْذِرِيّ فِي حَوَاشِيه بِيَحْيَى بن مُحَمَّد الْمدنِي، وَقد قَالَ البُخَارِيّ: تُكُلِّم فِيهِ. وَقَالَ ابْن حبَان: يجب التنكب عَمَّا انْفَرد بِهِ من الرِّوَايَات. وَذكر هَذَا الحديثَ العقيليُّ وَقَالَ: لَا يُتابع عَلَيْهِ يَحْيَى.
قلت: ورُوي من طَرِيق آخر عَن عليٍّ، قَالَ الطَّبَرَانِيّ فِي أَصْغَر معاجمه: ثَنَا مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الصُّوفِي، ثَنَا مُحَمَّد بن عبيد بن مَيْمُون التبَّان الْمَدِينِيّ، حَدثنِي أبي، عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن أبي كثير، عَن مُوسَى بن عقبَة، عَن أبان بن تغلب، عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، عَن عَلْقَمَة بن قيس، عَن عليّ مَرْفُوعا: «لَا رضَاع بعد فصَال، وَلَا يُتم بعد حلم».
ثمَّ قَالَ: لم يروه عَن أبان إِلَّا مُوسَى بن عقبَة، وَلَا عَن مُوسَى إِلَّا مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَلَا عَن مُحَمَّد إِلَّا عبيد، تفرد بِهِ محمدُ بن سُلَيْمَان عَن مُحَمَّد بن عبيد. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي مُسْنده.
قلت: وَلِحَدِيث عَلّي شَوَاهِد من حَدِيث جمَاعَة من الصَّحَابَة:
أحدهم: جَابر بن عبد الله، رَفعه: «لَا يتم بعد حُلُم».
وَهُوَ قِطْعَة من حديثٍ طَوِيل رَوَاهُ ابْن عدي فِي تَرْجَمَة حرَام بن عُثْمَان، وَالرِّوَايَة عَن حرَام حرَام.
ثانيهم: أنس، قَالَ الْمُنْذِرِيّ عقب كَلَامه السالف: وَقد رُوي هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة جَابر وَأنس، وَلَيْسَ فيهمَا شَيْء يثبت.
ثالثهم: حَنْظَلَة، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه مَرْفُوعا، وَذكره الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابه معرفَة الصَّحَابَة من حَدِيث حَنْظَلَة بن حنيفَة عَن جدَّته مَرْفُوعا: «لَا يتم بعد احْتِلَام، وَلَا يتم عَلَى جَارِيَة، إِذا هِيَ حَاضَت».
ثمَّ قَالَ: كَذَا أوردهُ ابْن شاهين، وَهُوَ وهم وتصحيف، وَلَعَلَّه أَرَادَ عَن جده فصحفه بجدته، واسْمه: حَنْظَلَة، ثمَّ سَاقه بِإِسْنَادِهِ كَذَلِك.

.الحديث السَّابِع:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «نُصرت بِالرُّعْبِ مسيرَة شهر، وأُحلت لي الْغَنَائِم وَلم تحل لأحدٍ قَبْلي».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «أُعطيت خمْسا لم يُعطهنَّ أحدٌ من الْأَنْبِيَاء قَبْلي: نُصِرْتُ بالرُّعْبِ مسيرَة شهرٍ، وَجعلت لي الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا، فأيُّما رجل من أُمَّتي أَدْرَكته الصَّلَاة فليصلّ، وأحلِّت لي الْغَنَائِم وَلم تحل لأحدٍ قبلي، وأُعطيت الشَّفَاعَة، وَكَانَ النَّبِي يُبعث إِلَى قومه خَاصَّة وبُعثت إِلَى النَّاس عَامَّة».
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَكَانَت الْغَنَائِم فِي أول الْأَمر لَهُ خَاصَّة، يَفْعل بهَا مَا شَاءَ، وَفِي ذَلِك نزل قَوْله تَعَالَى: {يَسْأَلُونَك عَن الْأَنْفَال قل الْأَنْفَال لله وَالرَّسُول} صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لمَّا تنَازع فِيهَا الْمُهَاجِرُونَ والأنصارُ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم- يَوْم بدر.
قلت: رَوَى ذَلِك الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه لكنه لم يصرِّح بالمهاجرين.
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَعَلِيهِ يُحْمَل إِعْطَاؤُهُ من لم يَشهد الْوَقْعَة، ثمَّ نُسخ ذَلِك، فَجعل خُمسها مقسومًا بِخَمْسَة أسْهم، قَالَ الله تَعَالَى: {فَإِن لله خمسه وَلِلرَّسُولِ} الْآيَة، وَجعل أَرْبَعَة أخماسها للغانمين؛ لحَدِيث: «الْغَنِيمَة لمن شهد الْوَقْعَة».
وَهَذَا الحَدِيث سَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ- إِن شَاءَ الله وقدَّره.

.الحديث الثَّامِن:

رُوي «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عرَّف عَام حنين عَلَى كل عشرَة عريفًا، وَذَلِكَ فِي استطابة قُلُوبهم فِي سَبْي هوَازن».
هَذَا الحَدِيث ذكره الشَّافِعِي فِيمَا نَقله الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة عَنهُ عَن الزُّهْرِيّ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام عرَّف عَام حنين عَلَى كلِّ عشرَة عريفًا».
وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ من حَدِيث عُرْوَة بن الزبير أَن مَرْوَان بن الحكم والمسور بن مخرمَة أخبرا: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين أذن للنَّاس فِي عِتْقِ سَبي هوَازن؛ قَالَ: إِنِّي لَا أَدْرِي مَنْ أذن مِنْكُم مِمَّن لم يَأْذَن، فَارْجِعُوا حَتَّى يرفع إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمركُم. فَرجع النَّاس وكلَّمهم عُرَفَاؤُهُمْ، فَرَجَعُوا إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فأخبروه أَن النَّاس قد طيبُوا وأذنوا».
وَرَوَى الشَّافِعِي الْقِصَّة فِي سير الْوَاقِدِيّ من كتاب الْأُم بأطول من ذَلِك، وفيهَا: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام ترك حَقَّه وحَقَّ أهل بَيته، فَسمع بذلك الْمُهَاجِرُونَ، فتركوا لَهُم حَقهم وَسمع بذلك الْأَنْصَار فتركوا لَهُم حَقهم، ثمَّ بَقِي قوم من الْمُهَاجِرين الآخرين، وَأَنه عرَّف عَلَى كل عشرَة وَاحِدًا...» ثمَّ سَاق الحَدِيث.