فصل: الحديث الحَادِي بعد الثَّلَاثِينَ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّلَاثُونَ:

عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا دنا من منبره سلم عَلَى من عِنْد الْمِنْبَر، ثمَّ صعد فَإِذا اسْتقْبل النَّاس بِوَجْهِهِ سلم ثمَّ قعد».
هَذَا الحَدِيث ضَعِيف، رَوَاهُ ابْن عدي فِي كَامِله وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ: «كَانَ إِذا دنا من منبره يَوْم الْجُمُعَة سلم عَلَى من عِنْده من الْجُلُوس، فَإِذا صعد الْمِنْبَر اسْتقْبل النَّاس بِوَجْهِهِ ثمَّ سلم».
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: تفرد بِهِ عِيسَى بن عبد الله الْأنْصَارِيّ. قَالَ ابْن عدي: عَامَّة مَا يرويهِ لَا يُتَابع عَلَيْهِ، وَله أَحَادِيث مَنَاكِير. وَتَبعهُ عَلَى ذَلِك عبد الْحق فَقَالَ فِي أَحْكَامه بعد أَن أخرجه من طَرِيق ابْن عدي: وَلَا يُتَابع عِيسَى هَذَا عَلَى هَذَا الحَدِيث. وَقَالَ ابْن طَاهِر فِي تَذكرته: عِيسَى هَذَا يُخَالف الثِّقَات فَلَا يحْتَج بِهِ.

.الحديث الحَادِي بعد الثَّلَاثِينَ:

رُوِيَ «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتَوَى عَلَى الدرجَة الَّتِي تلِي المستراح قَائِما ثمَّ سلم».
هَذَا الحَدِيث كَأَنَّهُ تبع فِي إِيرَاده صَاحب الْمُهَذّب فَإِنَّهُ ذكره لَكِن بِدُونِ قَوْله: «قَائِما ثمَّ سلم» وبيض لَهُ الْمُنْذِرِيّ فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب.
وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شَرحه إِنَّه مَوْجُود فِي بعض نسخ الْمُهَذّب وَلَيْسَ مَوْجُودا فِي بعض نسخه الْمُقَابلَة بِأَصْل المُصَنّف، قَالَ: وَهُوَ حَدِيث صَحِيح. كَذَا قَالَ، وَلم أَقف أَنا عَلَى من خرجه وَإِن كَانَ الْوَاقِع كَذَلِك. وَأما سَلَامه عَلَى الْمِنْبَر فقد أسلفته لَك من حَدِيث ابْن عمر، وذكرته فِي تَخْرِيج أَحَادِيث الْمُهَذّب من حَدِيث جَابر مُتَّصِلا وَمن حَدِيث الشّعبِيّ وَعَطَاء مُرْسلا.
فَائِدَة: حُكيَ عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ: «إِذا وقف عَلَى الثَّالِثَة. أقبل بِوَجْهِهِ عَلَى النَّاس وَسلم» لِأَن هَذَا يرْوَى عَالِيا. وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي مُرَاده بالعالي، فَقيل: إِسْنَاد ذَلِك، وَقيل: أَرَادَ السَّلَام فَإِنَّهُ يُفعل عَالِيا، وَقيل غير ذَلِك.

.الحديث الثَّانِي بعد الثَّلَاثِينَ:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يخْطب خطبتين وَيجْلس جلستين».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَقد سلف لَك فِي الْبَاب مفرقًَا خلال الجلسة الأولَى فستعلمها فِي حَدِيث السَّائِب الْآتِي عَلَى الإثر، وَفِي مُسْتَدْرك الْحَاكِم من حَدِيث ابْن عمر قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا خرج يَوْم الْجُمُعَة فَقعدَ عَلَى الْمِنْبَر أذن بِلَال».
قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد.
قلت: فِيهِ مُصعب بن سَلام؛ وَقد لينه أَبُو دَاوُد وفِي معرفَة الصَّحَابَة لأبي نعيم فِي تَرْجَمَة سعيد بن حَاطِب الَّذِي ذكره البُخَارِيّ فِي الصَّحَابَة من حَدِيثه: «كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يخرج فيجلس عَلَى الْمِنْبَر يَوْم الْجُمُعَة، ثمَّ يُؤذن الْمُؤَذّن، فَإِذا فرغ قَامَ يخْطب».

.الحديث الثَّالِث بعد الثَّلَاثِينَ:

عَن السَّائِب بن يزِيد رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ النداء يَوْم الْجُمُعَة أَوله إِذا جلس الإِمَام عَلَى الْمِنْبَر عَلَى عهد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر وَعمر، فَلَمَّا كَانَ عُثْمَان وَكثر النَّاس زَاد النداء الثَّالِث عَلَى الزَّوْرَاء».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه كَذَلِك، وَفِي رِوَايَة لَهُ «أَن الَّذِي زَاد التأذين الثَّالِث يَوْم الْجُمُعَة عُثْمَان بن عَفَّان حِين كثر أهل الْمَدِينَة، وَلم يكن للنَّبِي مُؤذن غير وَاحِد، وَكَانَ التأذين يَوْم الْجُمُعَة حِين يجلس الإِمَام يَعْنِي عَلَى الْمِنْبَر» وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده من حَدِيث ابْن إِسْحَاق قَالَ: حَدثنِي الزُّهْرِيّ قَالَ: «لم يكن لرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا مُؤذن وَاحِد فِي الصَّلَوَات كلهَا فِي الْجُمُعَة وَغَيرهَا يُؤذن وَيُقِيم، وَكَانَ بِلَال يُؤذن إِذا جلس رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى الْمِنْبَر يَوْم الْجُمُعَة وَيُقِيم إِذا نزل، وَلأبي بكر وَعمر، حَتَّى كَانَ عُثْمَان» وَمن مَرَاسِيل عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج قَالَ: قَالَ سُلَيْمَان بن مُوسَى: «أول من زَاد الْأَذَان بِالْمَدِينَةِ عُثْمَان. فَقَالَ عَطاء: كلا، إِنَّمَا كَانَ يَدْعُو النَّاس دُعَاء وَلَا يُؤذن غير أَذَان وَاحِد» وَكَذَا حَكَى الشَّافِعِي عَن عَطاء أَنه أنكر أَن يكون عُثْمَان أحدثه وَالَّذِي فعله عُثْمَان إِنَّمَا هُوَ تذكير وَالَّذِي أَمر بِهِ إِنَّمَا هُوَ مُعَاوِيَة.
فَائِدَة: «الزَّوْرَاء»- بِالْفَتْح وَالْمدّ-: مَكَان مُتَّصِل بِالْمَدِينَةِ، قَالَه أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي الْأَمْكِنَة قَالَ: وَكَانَ بِهِ مَال لأحيحة بن الجلاح وَهُوَ الَّذِي عَنى بقوله:
إِن الْكَرِيم عَلَى الإخوان ذُو مَال إِنِّي مُقيم عَلَى الزَّوْرَاء أعمرها وَقَوله: «زَاد النداء الثَّالِث» إِنَّمَا سَمَّاهُ أذانًا لِأَن الْإِقَامَة تسمى أذانًا كَمَا فِي الحَدِيث الصَّحِيح: «بَين كل أذانين صَلَاة».

.الحديث الرَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «قصر الْخطْبَة وَطول الصَّلَاة مئنة من فقه الرجل».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ من حَدِيث عمار بن يَاسر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَلَفظه: «إِن طول صَلَاة الرجل وَقصر خطبَته مئنة من فقهه، فأطيلوا الصَّلَاة واقصروا الْخطْبَة، وَإِن من الْبَيَان سحرًا» واستدركه الْحَاكِم عَلَيْهِ وَعَلَى البُخَارِيّ وَقد علمت أَنه فِي مُسلم، نعم لَيْسَ هُوَ فِي البُخَارِيّ، وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «أمرنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِإِقْصَارِ الْخطْبَة».
فَائِدَة: «مَئِنَّة» بِفَتْح الْمِيم وَبعدهَا همزَة مَكْسُورَة ثمَّ نون مُشَدّدَة: أَي عَلامَة وَدلَالَة عَلَى فقهه.
قَالَ الْأَزْهَرِي: وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَن الْمِيم فِيهَا زَائِدَة وَهِي مفعلة. قَالَ الْأَزْهَرِي: وَغلط أَبُو عبيد فِي جعله الْمِيم أَصْلِيَّة. قَالَ الْأَصْمَعِي: لَوْلَا أَن الحَدِيث ورد كَذَلِك لَكَانَ صَوَابه مئينة عَلَى وزن مُعينَة. وَقَالَ أَبُو زيد: مئته- بِكَسْر الْهمزَة وتاء مثناة فَوق وهاء- حَكَاهُ الْجَوْهَرِي أَي مخلقة لذَلِك ومجدرة.

.الحديث الخَامِس بعد الثَّلَاثِينَ:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَت صلَاته قصدا وخطبته قصدا».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ من حَدِيث جَابر بن سَمُرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كنت أُصَلِّي مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَت صلَاته قصدا وخطبته قصدا» وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد بِإِسْنَاد صَحِيح: «كَانَ لَا يُطِيل الموعظة يَوْم الْجُمُعَة إِنَّمَا هِيَ كَلِمَات يسيرات».

.الحديث السَّادِس بعد الثَّلَاثِينَ:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «كَانَ إِذا خطب اسْتقْبل النَّاس بِوَجْهِهِ واستقبلوه، وَكَانَ لَا يلْتَفت».
هَذَا الحَدِيث كَأَنَّهُ تبع فِي إِيرَاده صَاحب الْمُهَذّب فَإِنَّهُ أوردهُ من حَدِيث سَمُرَة بن جُنْدُب «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا خَطَبنَا استقبلناه بوجوهنا واستقبلنا بِوَجْهِهِ».
وَلم يعزه الْمُنْذِرِيّ الْحَافِظ فِي تَخْرِيجه وَلَا النَّوَوِيّ فِي شَرحه وَإِنَّمَا بيضًا لَهُ بَيَاضًا، وَأنكر غَيرهمَا عَلَى الشَّيْخ إِيرَاده، وَقد رَأَيْت ذَلِك فِي عدَّة أَحَادِيث إِلَّا قَوْله: «لَا يلْتَفت».
أَحدهَا: عَن عدي بن ثَابت، عَن أَبِيه قَالَ: «كَانَ رَسُول إِذا قَامَ عَلَى الْمِنْبَر استقبله أَصْحَابه بِوُجُوهِهِمْ».
رَوَاهُ ابْن مَاجَه، وَقَالَ: أَرْجُو أَن يكون مُتَّصِلا.
ثَانِيهَا: عَن عَلْقَمَة، عَن عبد الله قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كَانَ عَلَى الْمِنْبَر استقبلناه بوجوهنا».
رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيث لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث مُحَمَّد بن الْفضل بن عَطِيَّة وَهُوَ ذَاهِب فِي الحَدِيث عِنْد أَصْحَابنَا. وَكَذَا ضعفه الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله من هَذَا الْوَجْه، وَكَذَا ابْن عدي فِي كَامِله أَيْضا.
ثَالِثهَا: عَن ابْن عمر، وَقد سلف قَرِيبا، وذكرته فِي تخريجي لأحاديث الْمُهَذّب من طَرِيقين آخَرين فَرَاجعهَا مِنْهُ.

.الحديث السَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ:

«أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يعْتَمد عَلَى قَوس فِي خطبَته».
هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طَرِيقين أَحدهمَا: من حَدِيث الحكم بن حزن الكلفي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «وفدت إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سَابِع سَبْعَة أَو تَاسِع تِسْعَة، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله، زرناك فَادع الله لنا بِخَير. فَأمر لنا بِشَيْء من التَّمْر، والشأن إِذْ ذَاك دون، فَأَقَمْنَا بهَا أَيَّامًا شَهِدنَا فِيهَا الْجُمُعَة مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَامَ متوكئًا عَلَى عَصَى أَو قَوس فَحَمدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ كَلِمَات خفيفات طَيّبَات مباركات، ثمَّ قَالَ: أَيهَا النَّاس، إِنَّكُم لن تُطِيقُوا ولن تَفعلُوا كل مَا أمرْتُم بِهِ وَلَكِن سددوا ويسروا». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه وَلم يُضعفهُ فَهُوَ حسن عِنْده، وَأخرجه ابْن السكن فِي سنَنه الصِّحَاح المأثورة لَكِن فِي سَنَده شهَاب بن خرَاش وَهُوَ من الْمُخْتَلف فيهم، وَوَثَّقَهُ ابْن الْمُبَارك وَغير وَاحِد كَأبي زرْعَة وَأبي حَاتِم وَأحمد وَيَحْيَى بن معِين، وَقَالَ ابْن عدي: فِي بعض رواياته مَا يُنكر. وَلم أر للْمُتَقَدِّمين فِيهِ كلَاما، وَقَالَ ابْن حبَان: يُخطئ كثيرا. وَاقْتصر ابْن الْجَوْزِيّ فِي ضُعَفَائِهِ عَلَى هَذِه القولة فِيهِ.
وَأما الذَّهَبِيّ فَقَالَ فِي الْمُغنِي: لم يُضعفهُ أَحْمد قطّ. وَرَأَيْت بِخَط ابْن عَسَاكِر فِي تَخْرِيجه لأحاديث الْمُهَذّب إِثْر سياقته لَهُ بِإِسْنَادِهِ: هَذَا حَدِيث غَرِيب وَإِسْنَاده لَيْسَ بِالْقَوِيّ.
قلت: وَأخرجه الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده وَلم يذكر لَهُ فِي تَرْجَمته سواهُ.
وَصرح الْمُنْذِرِيّ فِي تَخْرِيجه لأحاديث الْمُهَذّب بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَيْضا سواهُ، وَهُوَ الحكم بن حزن الكلفي مَنْسُوب إِلَى كلفة بن حَنْظَلَة بن مَالك بن زيد مَنَاة بن تَمِيم.
قَالَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ: وَيُقَال: كلفة فِي تَمِيم. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: كلفة فِي تَمِيم. وَنسبه مُحَمَّد بن أبي عُثْمَان الْحَافِظ فِي بني تَمِيم. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: وَيُقَال هُوَ من بني نصر بن مُعَاوِيَة بن بكر بن هوَازن. وَهَكَذَا ذكره أَبُو بكر البرقي وشباب وَغَيرهمَا.
وَقَالَ مُحَمَّد بن يُونُس الْحَافِظ: الصَّوَاب أَن الحكم بن حزن ينْسب إِلَى كلفة بن عَوْف بن نصر بن مُعَاوِيَة.
الطَّرِيق الثَّانِي: من حَدِيث الْبَراء رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كُنَّا جُلُوسًا نَنْتَظِر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْأَضْحَى، فجَاء فَسلم عَلَى النَّاس، وَقَالَ: إِن أول منسك يومكم هَذَا الصَّلَاة. فَتقدم فَصَلى بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ سلم فَاسْتقْبل الْقبْلَة بِوَجْهِهِ، ثمَّ أعطي قوسًا أَو عَصا اتكأ عَلَيْهَا، فَحَمدَ الله عَزَّ وَجَلَّ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَأمرهمْ ونهاهم» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه الْكَبِير عَن عَلّي بن عبد الْعَزِيز، نَا أَبُو نعيم، نَا أَبُو جناب الْكَلْبِيّ، حَدثنِي يزِيد بن الْبَراء، عَن أَبِيه بِهِ. وَأَبُو جناب هَذَا واهٍ كَمَا عرفت حَاله فِي صَلَاة النَّفْل.
وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده من حَدِيث زَائِدَة، ثَنَا أَبُو جناب الْكَلْبِيّ، ثَنَا يزِيد بن الْبَراء بن عَازِب، عَن الْبَراء... فَذكره أطول مِنْهُ، وَمن ضعَّفَ الْكَلْبِيّ هَذَا بالتدليس يلْزمه تَصْحِيح هَذَا الحَدِيث، فَإِنَّهُ صرح فِيهِ بِالتَّحْدِيثِ وَقد أخرجه أَبُو دَاوُد عَن الْحسن بن عَلّي، عَن عبد الرَّزَّاق، عَن ابْن عُيَيْنَة، عَن أبي جناب بِهِ مُخْتَصرا «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أعطي يَوْم الْعِيد قوسًا فَخَطب عَلَيْهِ» وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ عذر ابْن السكن؛ فَإِنَّهُ أوردهُ فِي سنَنه الصِّحَاح المأثورة من حَدِيث الْبَراء «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام خطب عَلَى قَوس أَو عَصا» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «كَانَ إِذا صعد الْمِنْبَر اعْتمد عَلَى قَوس أَو عَصا».
وَأخرجه الشَّيْخ فِي «كتاب أَخْلَاق رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم» من حَدِيث وَكِيع وَعبد الله بن دَاوُد عَن أبي جناب، عَن يزِيد بن الْبَراء، عَن أَبِيه «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خطبهم يَوْم عيد وَهُوَ مُعْتَمد عَلَى قَوس أَو عَصا» وَكَانَ أخرجه قبل ذَلِك من حَدِيث أبي إِسْحَاق الْفَزارِيّ، عَن الْحسن بن عمَارَة- أحد الهلكى- عَن الحكم، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «كَانَ رَسُول الله يخطبهم يَوْم الْجُمُعَة فِي السّفر متوكئًا عَلَى قَوس قَائِما» وَهَذَا طَرِيق ثَالِث بعد الْأَرْبَعين مَا يتَعَلَّق بِإِسْنَادِهِ، ثمَّ رَوَى خَ ذكر قصَّته من حَدِيث ابْن لَهِيعَة، نَا الْأسود، عَن عَامر بن عبد الله بن الزبير، عَن أَبِيه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يخْطب وَمَعَهُ مخصرة».

.الحديث الثَّامِن بعد الثَّلَاثِينَ:

رُوِيَ «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا خطب يعْتَمد عَلَى عنزته اعْتِمَادًا».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة بِهَذَا اللَّفْظ من حَدِيث لَيْث عَن عَطاء عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَذَا مُرْسل وَضَعِيف.

.الحديث التَّاسِع بعد الثَّلَاثِينَ:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الْجُمُعَة حق وَاجِب عَلَى كل مُسلم فِي جمَاعَة إِلَّا أَرْبَعَة: عبد أَو امْرَأَة أَو صبي أَو مَرِيض».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمْ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور من رِوَايَة طَارق بن شهَاب عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. وطارق هَذَا هُوَ ابْن شهَاب بن عبد شمس الأحمسي، عده أَبُو نعيم وَابْن مَنْدَه وَأَبُو عمر وَصَاحب الْكَمَال وَابْن حبَان فِي ثقاته فِي الصَّحَابَة.
وَرَوَى الْبَغَوِيّ وَأَبُو نعيم فِي معجميهما وَابْن أبي حَاتِم فِي مراسيله بِإِسْنَاد صَحِيح عَنهُ قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وغزوت مَعَ أبي بكر» وَفِي مَرَاسِيل ابْن أبي حَاتِم أَيْضا عَن عَلّي بن الْمَدِينِيّ وَأبي زرْعَة وَأبي حَاتِم أَنه رَأَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم زَاد أَبُو حَاتِم: وَلَيْسَت لَهُ صُحْبَة. وَلَعَلَّ مُرَاده بذلك طول الصُّحْبَة وعبارَة أبي زرْعَة: لَهُ رُؤْيَة وَلَيْسَت لَهُ رِوَايَة. وَقَالَ أَبُو حَاتِم فِي حَدِيثه «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ سُئِلَ: أَي الْجِهَاد أفضل؟ فَقَالَ: كلمة حق عِنْد سُلْطَان جَائِر»: هُوَ مُرْسل. قَالَ وَلَده: قلت لَهُ: أدخلته فِي مُسْند الوحدان قَالَ: إِنَّمَا أدخلته فِي الوحدان لما حُكيَ من رُؤْيَة النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَقَالَ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه: طَارق هَذَا مِمَّن يعد فِي الصَّحَابَة.
وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه: أَنه رَأَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يُعد فِي الصَّحَابَة. وَلم يسمع مِنْهُ. كَذَا رَأَيْته فِيهَا، وَعبارَة الْبَيْهَقِيّ فِي النَّقْل عَنهُ أَنه رَأَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يسمع مِنْهُ شَيْئا.
وَقَالَ الْخطابِيّ: لَيْسَ إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث بِذَاكَ، وطارق لَا يَصح لَهُ سَماع من النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا أَنه قد لَقِي النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَفِي قَول الْخطابِيّ: لَيْسَ إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث بِذَاكَ نظر؛ فَإِن رِجَاله كلهم ثِقَات.
قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب والْخُلَاصَة: إِسْنَاده صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَصرح ابْن الْأَثِير فِي جَامع الْأُصُول بِسَمَاع طَارق من النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: رَأَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَيْسَ لَهُ سَماع مِنْهُ إِلَّا شاذًّا. وَعبارَة الذَّهَبِيّ فِي مُخْتَصر كتاب ابْن الْأَثِير أُسْد الغابة: طَارق بن شهَاب لَهُ رُؤْيَة وَرِوَايَة. هَذَا لَفظه.
وَعبارَة النَّوَوِيّ فِي تهذيبه أَنه صَحَابِيّ أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَصَحب النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قلت: وَعَلَى تَقْدِير عدم سَمَاعه الْبَتَّةَ لَا يقْدَح ذَلِك فِي صِحَة الحَدِيث؛ لِأَن نهايته أَنه مُرْسل صَحَابِيّ وَهُوَ حجَّة بِالْإِجْمَاع إِلَّا من شَذَّ، وَقد رَوَاهُ طَارق مرّة أُخْرَى عَن أبي مُوسَى عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَالَ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه: ثَنَا أَبُو بكر بن إِسْحَاق الْفَقِيه- يَعْنِي ابْن خُزَيْمَة- ثَنَا عبيد بن مُحَمَّد الْعجلِيّ، حَدثنِي الْعَبَّاس بن عبد الْعَظِيم، حَدثنِي إِسْحَاق بن مَنْصُور، نَا هريم بن سُفْيَان، عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن الْمُنْتَشِر، عَن قيس بن مُسلم، عَن طَارق بن شهَاب، عَن أبي مُوسَى عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم... فَذكره بِاللَّفْظِ الْمُتَقَدّم، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، فقد اتفقَا جَمِيعًا عَلَى الِاحْتِجَاج بهريم بن سُفْيَان، وَلم يخرجَاهُ.
وقَالَ: وَرَوَاهُ ابْن عُيَيْنَة، عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن الْمُنْتَشِر، وَلم يذكر أَبَا مُوسَى فِي إِسْنَاده. وَأَشَارَ إِلَى رِوَايَة أبي دَاوُد السالفة أَولا، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه: حَدِيث طَارق هَذَا وَإِن كَانَ فِيهِ إرْسَال فَهُوَ إرْسَال جيد؛ فطارق من كبار التَّابِعين وَمِمَّنْ رَأَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يسمع مِنْهُ.
قلت: هَذَا الْكَلَام مِنْهُ مُخَالف لرأي الْجُمْهُور؛ فَإِن عِنْدهم أَن الصُّحْبَة تثبت بِالرُّؤْيَةِ فَقَط، وَقد عده من أسلفنا من الصَّحَابَة، ثمَّ قَالَ- أَعنِي الْبَيْهَقِيّ-: ولحديثه هَذَا شَوَاهِد فَذكرهَا بأسانيده:
من رِوَايَة تَمِيم الدَّارِيّ، وَمولى لآل الزبير يرفعهُ إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَابْن عمر. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر من سنَنه: رَوَى هَذَا الحَدِيث عبيد بن مُحَمَّد عَن الْعَبَّاس بن عبد الْعَظِيم، فوصله بِذكر أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَلَيْسَ بِمَحْفُوظ؛ فقد رَوَاهُ غير الْعَبَّاس- يُرِيد بِهِ الطَّرِيقَة السالفة عَن الْمُسْتَدْرك- عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور دون ذكر أبي مُوسَى فِيهِ.
قلت: وَلقَائِل أَن يَقُول لَا نجْعَل رِوَايَة الْعَبَّاس بن عبد الْعَظِيم غير مَحْفُوظَة بِهَذَا الْقدر؛ فقد يكون للْحَدِيث إسنادان فَيُؤَدِّي كل من رُوَاته مَا سمع، وَقد يكون عِنْد الشَّخْص الْوَاحِد إسنادان لحَدِيث وَاحِد فيرويه كل مرّة عَلَى نمط. وَقَالَ فِي كِتَابه فَضَائِل الْأَوْقَات: تفرد بوصله عَن طَارق عبيد بن مُحَمَّد الْعجلِيّ.
قلت: هُوَ ثِقَة فَلَا يضر تفرده إِذن، وَقد علم مَا فِي تعَارض الْوَصْل والإرسال، وَحَدِيث تَمِيم الَّذِي ذكره الْبَيْهَقِيّ خرجه الْعقيلِيّ وَالْحَاكِم أَبُو أَحْمد من حَدِيث ضرار بن عَمْرو عَن أبي عبد الله الشَّامي عَن تَمِيم بِزِيَادَة: «أَو مُسَافر» كَمَا هُوَ فِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ، قَالَ الْعقيلِيّ: وَلَا يُتَابع ضرار عَلَى ذَلِك. وَقَالَ البُخَارِيّ: فِيهِ نظر. وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو أَحْمد أَيْضا: لَا يُتَابع عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سُئِلَ أَبُو زرْعَة عَنهُ فَقَالَ: إِنَّه حَدِيث مُنكر.
وَقَالَ ابْن الْقطَّان: فِيهِ أَرْبَعَة أنفس يعل بِكُل وَاحِد مِنْهُم.

.الحديث الأَرْبَعُونَ:

عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَعَلَيهِ الْجُمُعَة إِلَّا امْرَأَة أَو مُسَافر أَو عبد أَو مَرِيض».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن لَهِيعَة، حَدثنِي معَاذ بن مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ، عَن أبي الزبير، عَن جَابر مَرْفُوعا بِهِ إِلَّا أَنَّهُمَا قَالَا بدل «عبد»: «مَمْلُوك» وَهُوَ، هُوَ وَزَاد «أَو صبي فَمن اسْتَغنَى بلهو أَو تِجَارَة اسْتَغنَى الله عَنهُ، وَالله غَنِي حميد».
وَهَذَا إِسْنَاد ضَعِيف، ابْن لَهِيعَة قد عرفت حَاله فِيمَا مَضَى، ومعاذ هَذَا مُنكر الحَدِيث غير مَعْرُوف. قَالَه أَبُو أَحْمد، وَأَبُو الزبير مُدَلّس وَقد عنعن، وَأَبُو أَحْمد ذكر معَاذًا بِهَذَا الحَدِيث، وَقَالَ: ابْن لَهِيعَة يحدث عَن أبي الزبير عَن جَابر نُسْخَة. وَلم يبين عبد الْحق مَوضِع عِلّة هَذَا الحَدِيث بل قَالَ: إِسْنَاده ضَعِيف. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَقَالَ ابْن عَسَاكِر فِي تَخْرِيجه لأحاديث الْمُهَذّب: هَذَا حَدِيث غَرِيب جدًّا لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث ابْن لَهِيعَة بِهَذَا الْإِسْنَاد وَهُوَ ضَعِيف.

.الحديث الحَادِي بعد الْأَرْبَعين:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا ابتلت النِّعَال فَالصَّلَاة فِي الرّحال».
هَذَا الحَدِيث تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي بَاب صَلَاة الْجَمَاعَة.
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَلم يصل النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الْجُمُعَة فِي حجَّة الْوَدَاع وَقد وَافق يَوْم عَرَفَة. وَلَا شكّ فِي ذَلِك وَلَا مرية، وستعلم ذَلِك فِي كتاب الْحَج.

.الحديث الثَّانِي بعد الْأَرْبَعين:

أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الْجُمُعَة عَلَى من سمع النداء».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى بن فَارس، نَا قبيصَة، ثَنَا سُفْيَان، عَن مُحَمَّد بن سعيد الطَّائِفِي، عَن أبي سَلمَة بن نبيه، عَن عبد الله بن هَارُون، عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف من وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: أَن فِي إِسْنَاده جماعات تكلم فيهم بِسَبَب جَهَالَة الْعين وَالْحَال والضعف، أما أَبُو سَلمَة بن نبيه فعينه مَجْهُولَة وكَذَا حَاله؛ فَإِنِّي لَا أعلم رَوَى عَنهُ إِلَّا مُحَمَّد بن سعيد الطَّائِفِي، وَلَا أعلم أحدا وَثَّقَهُ وَلَا ضعفه.
قَالَ ابْن الْقطَّان فِي علله: أَبُو سَلمَة هَذَا مَجْهُول لَا يعرف بِغَيْر هَذَا، وَلم أجد لَهُ ذكرا فِي شَيْء من مظان وجوده ووجود أَمْثَاله.
وَأما مُحَمَّد بن سعيد الطَّائِفِي فَقَالَ فِيهِ ابْن حبَان: إِنَّه يروي عَن الثِّقَات مَا لَيْسَ من حَدِيثهمْ، وَإنَّهُ لَا يحل الِاحْتِجَاج بِهِ بِحَال. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَهُوَ عِنْد ابْن أبي حَاتِم مَجْهُول الْحَال لم يزدْ فِي ذكره إِيَّاه، عَلَى أَن الثَّوْريّ يروي عَنهُ، وَهُوَ يروي عَن طَاوس.
قلت: لَكِن وَثَّقَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمَا، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: قَالَ لنا ابْن أبي دَاوُد: ومُحَمَّد بن سعيد الطَّائِفِي ثِقَة، وَهَذِه سنة تفرد بهَا أهل الطَّائِف.
وَأما عبد الله بن هَارُون فمجهول الْعين وَالْحَال، وَلَا يعلم رَوَى عَنهُ إِلَّا ابْن نبيه وَقد نَص ابْن الْقطَّان عَلَى جَهَالَة حَاله. وَأما قبيصَة فَهُوَ رجل صَالح إِلَّا أَنه كثير الْخَطَأ عَلَى الثَّوْريّ. قَالَه النَّسَائِيّ، وَكَذَا قَالَ ابْن معِين وَغَيره وهُوَ ثِقَة إِلَّا فِي الثَّوْريّ.
ثَانِيهمَا: قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَى هَذَا الحَدِيث جمَاعَة عَن سُفْيَان مَقْصُورا عَلَى عبد الله بن عمر وَلم يرفعوه، وَإِنَّمَا أسْندهُ قبيصَة.
وَقَالَ عبد الْحق: رُوِيَ مَوْقُوفا وَهُوَ الصَّحِيح.
قلت: وَله شَاهد بِإِسْنَاد جيد من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده. ذكره الْبَيْهَقِيّ شَاهدا لَهُ وَقَالَ: إِنَّه رُوِيَ مَوْقُوفا أَيْضا.

.الحديث الثَّالِث بعد الْأَرْبَعين:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث عبد الله بن رَوَاحَة فِي سَرِيَّة فَوَافَقَ ذَلِك يَوْم الْجُمُعَة، فغدا أَصْحَابه وتخلف هُوَ ليُصَلِّي ويلحقهم، فَلَمَّا صَلَّى قَالَ لَهُ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا خَلفك؟ قَالَ: أردْت أَن أُصَلِّي مَعَك وألحقهم. فَقَالَ: لَو أنفقت مَا فِي الأَرْض جَمِيعًا مَا أدْركْت فضل غدوتهم».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَهَذَا لَفظه عَن الْحجَّاج بن أَرْطَاة، عَن الحكم، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا بِهِ ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه. قَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: قَالَ يَحْيَى بن سعيد: قَالَ شُعْبَة: لم يسمع الحكم من مقسم إِلَّا خَمْسَة أَحَادِيث، وعدها شُعْبَة، وَلَيْسَ هَذَا الحَدِيث مِمَّا عدهَا شُعْبَة، وَكَأن هَذَا الحَدِيث لم يسمعهُ الحكم من مقسم. هَذَا آخر كَلَامه، وَجزم عبد الْحق فِي أَحْكَامه بِأَن الحكم لم يسمع هَذَا الحَدِيث من مقسم.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِسْنَاده ضَعِيف انْفَرد بِهِ الْحجَّاج بن أَرْطَاة وَهُوَ أَيْضا ضَعِيف. وَأعله بِهِ ابْن الْقطَّان أَيْضا.
قلت: فَالْحَدِيث ضَعِيف لهذين الْوَجْهَيْنِ.
فَائِدَة: نقل التِّرْمِذِيّ عَن شُعْبَة كَمَا ذَكرْنَاهُ عَنهُ آنِفا أَن الحكم لم يسمع من مقسم إِلَّا خَمْسَة أَحَادِيث، وَفِي خلافيات الْبَيْهَقِيّ أَنه لم يسمع مِنْهُ إِلَّا أَرْبَعَة وَكَذَلِكَ فِي «علل أَحْمد» عَنهُ وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: الَّذِي يَصح للْحكم عَن مقسم أَرْبَعَة أَحَادِيث: حَدِيث الْوتر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يُوتر» وَحَدِيث «عَزِيمَة الطَّلَاق والفيء الْجِمَاع» وَعَن مقسم عَن ابْن عَبَّاس «أَن عمر قنت فِي الْفجْر» وَأَيْضًا عَن مقسم رَأْيه «فِي محرم أصَاب صيدا قَالَ: عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ، فَإِن لم يكن عِنْده قوّم الْجَزَاء دَرَاهِم ثمَّ تقوم الدَّرَاهِم طَعَاما».
قَالَ عبد الله بن أَحْمد: قلت لأبي: فَمَا رووا غير هَذِه؟ قَالَ: مَا أعلم يَقُولُونَ هِيَ كتاب؛ أرَى حجاج رَوَى عَنهُ عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس نَحوا من خمسين حَدِيثا وَابْن أبي لَيْلَى يغلط فِي أَحَادِيث من أَحَادِيث الحكم.
قَالَ عبد الله: وَسمعت أبي مرّة يَقُول: قَالَ شُعْبَة: هَذِه الْأَرْبَعَة الَّتِي يصححها الحكم سَمَاعا من مقسم. وَنقل غَيره عَن عَلّي بن الْمَدِينِيّ أَنه قَالَ ليحيى بن سعيد: مَا هِيَ؟- يَعْنِي هَذِه الْأَحَادِيث الْخَمْسَة- فعدّ حَدِيث الْوتر، والقنوت، وعزيمة الطَّلَاق، وَجَزَاء مثل مَا قتل من النعم، وَالرجل يَأْتِي امْرَأَته وَهِي حَائِض، قَالَ: والحجامة للصَّائِم، وَلَيْسَ يَصح.
تَنْبِيه: قَالَ الرَّافِعِيّ: من لَا عذر لَهُ إِذا صَلَّى الظّهْر قبل فَوَات الْجُمُعَة فَفِي صِحَة ظَهره قَولَانِ: الْقَدِيم: الصِّحَّة، والجديد: لَا. وَذكر الْأَصْحَاب أَن الْقَوْلَيْنِ مبنيان عَلَى أَن الْفَرْض الْأَصْلِيّ يَوْم الْجُمُعَة مَاذَا؟ فعلَى الْقَدِيم الْفَرْض الْأَصْلِيّ الظّهْر، وَعَلَى الْجَدِيد الْجُمُعَة للْأَخْبَار الْوَارِدَة فِيهَا. انْتَهَى.
وَمن تِلْكَ الْأَخْبَار: حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: «صَلَاة الْجُمُعَة رَكْعَتَانِ، وَصَلَاة الْفطر رَكْعَتَانِ، وَصَلَاة الْأَضْحَى رَكْعَتَانِ، وَصَلَاة السّفر رَكْعَتَانِ، تَمام غير قصر عَلَى لِسَان نَبِيكُم مُحَمَّد».
رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ وَقَالَ النَّسَائِيّ: لم يسمعهُ ابْن أبي لَيْلَى من عمر. وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: لم يثبت عندنَا من جِهَة صَحِيحَة أَن ابْن أبي لَيْلَى سمع من عمر.
وَكَانَ شُعْبَة يُنكر سَمَاعه مِنْهُ، وَقَالَ ابْن معِين: لم يره، وَسُئِلَ عَن حَدِيثه هَذَا سَمِعت عمر يَقُول: «صَلَاة الْجُمُعَة رَكْعَتَانِ» فَقَالَ: لَيْسَ بِشَيْء.
وَرَوَى شُعْبَة، عَن الحكم، عَن ابْن أبي لَيْلَى أَنه قَالَ: ولدت لست بَقينَ من خلَافَة عمر. لَا جرم قَالَ الْبَيْهَقِيّ بعد أَن أخرجه: رَوَاهُ يَحْيَى الْقطَّان، عَن سُفْيَان، عَن زبيد، عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن الثِّقَة، عَن عمر. ثمَّ أخرجه بِإِسْنَاد صَحِيح عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن كَعْب بن عجْرَة، عَن عمر قَالَ: قَالَ عمر: «صَلَاة الْأَضْحَى رَكْعَتَانِ، وَصَلَاة الْفطر رَكْعَتَانِ، وَصَلَاة الْجُمُعَة رَكْعَتَانِ، وَصَلَاة الْمُسَافِر رَكْعَتَانِ تَمام غير قصر» زَاد ابْن السكن فِي صحاحه: «عَلَى لِسَان نَبِيكُم، وَقد خَابَ من افتَرَى» ثمَّ أخرج الرِّوَايَة الأولَى أَيْضا.