فصل: الحديث الحَادِي عشر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث التَّاسِع:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «قدِّموا قُريْشًا».
هَذَا الحَدِيث تقدَّم بَيَانه فِي بَاب صَلَاة الْجَمَاعَة وَاضحا.

.الحديث العَاشِر:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ فِي حلف الفضول».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الْحميدِي عَن سُفْيَان، عَن عبد الله، عَن مُحَمَّد، وَعبد الرَّحْمَن بن أبي بكر قَالَا: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لقد شهدتُ فِي دَار عبد الله بن جدعَان حلفا، لَو دعيت بِهِ فِي الْإِسْلَام لَأَجَبْت، تحالفوا أَن يردوا الفضول عَلَى أَهلهَا، وَأَن لَا يَعُد ظَالِم مَظْلُوما».
وَرَوَاهُ ابْن أبي أُسَامَة فِي مُسْنده أَيْضا، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث طَلْحَة بن عبد الله بن عَوْف.
قَالَ السُّهيْلي: وَهَذَا أَقْوَى وَأولَى مَا ورد فِي تَفْسِير حلف الفضول. قَالَ: وَقَول ابْن قُتَيْبَة فِيهِ حسنٌ، وَهُوَ كَانَ قد سبق قُريْشًا إِلَى مثل هَذَا الْحلف جرهم فِي الزَّمن الأوَّل فتحالف مِنْهُم ثَلَاثَة، هم ومَنْ تَبِعَهُمْ: الْفضل بن فضَالة، وَالْفضل بن ودَاعَة، وَالْفضل بن الْحَارِث- وَقيل: ابْن رِفَاعَة- فلمَّا أشبه فعل قُرَيْش الآخر فعل هَؤُلَاءِ الجرهميين سُمِّي حِلف الفضول، وَكَانَ ذَلِك فِي ذِي الْقعدَة قبل المبعث بِعشْرين سنة، ثمَّ ذكر السُّهيْلي سَبَب ذَلِك وأوضحه كعادته.
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَكَذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْحلف الأول وَكَانَ مَعَ المطيبين.
قلت: فِي مُسْند أَحْمد من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «شهدتُ حِلْفَ المطيبين مَعَ عمومتي، وَأَنا غُلَام، فَمَا أُحِبُّ أَن لي حُمْرَ النّعم وَأَنِّي أنكثه».
وَفِي سنَن الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَيْضا رَفَعَهُ: «شهِدت وَأَنا غُلَام حلف المطيبين، فَمَا أُحب أَن أنكثه وَأَن لي بِهِ حُمْرَ النعم».
وَفِي رِوَايَة لَهُ: «شهدتُ مَعَ عمومتي» وَرَوَى هَذَا الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه بِلَفْظ «شهِدت غُلَاما مَعَ عمومتي حلف المطيبين، فَمَا ترَى أَن لي حُمْر النعم وَإِنِّي أنكثه». ثمَّ قَالَ: حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَكَذَا أخرجه ابْن حبَان فِي صَحِيحه.
وَفِي سنَن الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَفعه: «مَا شهِدت حلفا إِلَّا حلف قُرَيْش من حلف المطيبين، وَمَا أحب لي بِهِ حمر النعم، وَأَنِّي كنت نقضته». والمطيبون: هَاشم وأُميَّة وزهرة، ومخزوم، وَرَوَى هَذَا ابْن حبَان فِي صَحِيحه بِلَفْظ: «مَا شهدتُ مِنْ حلف قُرَيْش إِلَّا حلف المطيبين، وَمَا أحب أَن لي حمر النعم، وَإِنِّي كنت نقضته».
قَالَ ابْن حبَان: والمطيبون: هَاشم وأُميَّة وزهرة، ومخزوم.
قَالَ: وَلم يشْهد حلف المطيبين؛ لِأَنَّهُ كَانَ قَبْل مولده، وَإِنَّمَا شهد حلف الفضول، وهُمْ كالمطيبين.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: لَا أَدْرِي هَذَا التَّفْسِير من قَول أبي هُرَيْرَة أَو من دونه. قَالَ: وَبَلغنِي أَنه قد قيل: حلف المطيبين؛ لأَنهم غمسوا أَيْديهم فِي طِيْبٍ. قَالَ الشَّافِعِي: وَقَالَ بَعضهم: حلفٌ من الفضول.
قَالَ مُحَمَّد بن نصر الْمروزِي: قَالَ بعض أهل الْمعرفَة بالسير وَأَيَّام النَّاس: إِن قَوْله فِي الحَدِيث: «حلف المطيبين» غلط؛ إِنَّمَا هُوَ حلف الفضول، وَذَلِكَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لم يدْرك حلف المطيبين؛ لِأَن ذَلِك كَانَ قَدِيما قبل أَن يُولد بِزَمَان. وَكَذَا ذكر هَذَا الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وابْنُ عدي فِي كَامِله، وَفِي المستعذب عَلَى المهذَّب: حلف المطيبين والفضول حلفان كَانَا فِي الْجَاهِلِيَّة من قُرَيْش:
أما الأول: فَلِأَن عَاتِكَة بنت عبد الْمطلب عملت لَهُم طيبا فِي جِفْنَةٍ وتركتها فِي الحِجْر؛ فغمسوا أَيْديهم فِيهَا وتحالفوا، وَقيل: إِنَّهُم مسحوا بِهِ الْكَعْبَة توكيدًا عَلَى أنفسهم. ولأي أمرٍ تحالفوا؟ قيل: عَلَى مَنْع الظَّالِم ونصْر الْمَظْلُوم. وَقيل: كَانَ بَنُو عَبْدِ الدَّار أَرَادوا أخْذَ السِّقَايَة والرفادة من بني هَاشم، فتحالفوا عَلَى مَنعهم، وَنحر الْآخرُونَ جَزُورًا، وغمسوا أَيْديهم فِي الدَّم، وَقيل: سُمُّوا المطيبين لأَنهم تحالفوا عَلَى أَن ينفقوا ويطعموا الْوُفُود من طيب أَمْوَالهم. وَفِي حلف الفضول وَجْهَان:
الأول: أَنه اجْتمع فِيهِ رجال أَسمَاؤُهُم الْفضل: ابْن الْحَارِث، وَابْن ودَاعَة، وَابْن فضَالة كَمَا سلف.
والفضول جَمْع فضل، قَالَ الْهَرَوِيّ: يُقَال: فضل وفضول، كَمَا يُقَال: سعد وسعود. وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: هم قوم من جرهم تحالفوا يُقَال لَهُم: فِضال وفُضال وفضالة، فلمَّا تحالفت قُرَيْش عَلَى مثله سُمُّوا حلف الفضول. ولأي أمْرٍ تحالفوا؟ فَقيل: عَلَى أَن لَا يَجدوا بِمَكَّة مَظْلُوما من أَهلهَا، أَو من غَيرهَا إِلَّا قَامُوا مَعَه.
وَقيل: عَلَى أَنهم يُنْفقُونَ من فضول أَمْوَالهم، فسمُّوا بذلك حلف الفضول.
وَقيل: سُمُّوا بذلك لفاضلِ ذَلِك الطِيْب.
تَنْبِيه خَاتِمَة قَالَ الرَّافِعِيّ: وَكَانَ فِي قُرَيْش حِلفان قبل المبعث- وَالْحلف: الْعَهْد والبيعة- أَحدهمَا: أَنه وَقع نزاع بَين عبد منَاف وَبني عبد الدَّار، فِيمَا كَانَ إِلَى قُصي من الحجابة والسقاية والرفادة واللواء، فتبع عبد منَاف قبائل.. إِلَى آخِره. وَقد بَيَّنَّاها.
وَعبد منَاف وَعبد الدَّار ولدان لقُصيّ وَلَهُمَا أَخ ثَالِث اسْمه عبد الْعُزَّى، وَالْمرَاد بالحجابة: حجاب الْكَعْبَة، وَهِي ولَايَة فتحهَا وغلقها وَخدمتهَا، ويُعبَّر عَن ذَلِك بالسِّدَانةِ أَيْضا وَهِي بكَسْر السِّين الْمُهْملَة، وَالْمرَاد بالسقاية: الْقيام بتهيئة المَاء من زَمْزَم، وطرْح الزَّبِيب فِيهِ لسقي الْحجَّاج، والرِّفادة- بكَسْر الرَّاء- مَال كَانَت قُرَيْش تجمعه فِيمَا بَينهم عَلَى قدر طَاقَة كلٍّ مِنْهُم، فيشترون بِهِ الطَّعَام وَالزَّبِيب لإطعام الْحجَّاج وسقيهم، مَأْخُوذ من الرفد وَهُوَ الْإِعَانَة.

.الحديث الحَادِي عشر:

«أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ نفل فِي بعض الْغَزَوَات دون بعض».
هُوَ كَمَا قَالَ، قَالَ التِّرْمِذِيّ: قَالَ مَالك بن أنس: بَلغنِي «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نفل فِي بعض مغازيه، وَلم ينفل فِي مغازيه كلِّها».
قَالَ: وَإِنَّمَا ذَلِك عَلَى وَجه الِاجْتِهَاد من الإِمَام فِي أوَّل الْمغنم وَآخره.
قلت: وفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ ينفل بعض من يبْعَث من السَّرَايَا لأَنْفُسِهِمْ خَاصَّة سُوَى قَسم عامَّة الْجَيْش».
وَفِيهِمَا أَيْضا من حَدِيثه: «التَّنْفِيل فِي السّريَّة الَّتِي بعثها قبل نجد».

.الحديث الثَّانِي عشر:

عَن عبَادَة بن الصَّامِت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نَفَّلَ فِي البدأة الرّبع، وَفِي الرّجْعَة الثُّلثُ».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ: حسن. وَصَححهُ ابْنُ حبَان، وَقد أوضحت الْكَلَام عَلَيْهِ فِي تخريجي لأحاديث الْوَسِيط، وذكرته ثمَّ من طَرِيقين آخَرين أَيْضا، وَذكرت اخْتِلَاف الْأَصْحَاب فِي المُرَاد بالبدأة وَالرَّجْعَة، فراجِعه من ثمَّ، تجدُ مَا يشفي العليل.
والرافعي نقل عَن بَعضهم أَنه فسر البدأة بالسَّرية الأولَى، وَالرَّجْعَة بِالثَّانِيَةِ، ثمَّ قَالَ: وَالْمَشْهُور أَن البدأة ابْتِدَاء السَّفَر. قَالَ الْخطابِيّ عَن ابْن الْمُنْذر: إِنَّمَا فرَّق عَلَيْهِ السَّلَام بَينهمَا لقُوَّة الظُّهُور عِنْد دُخُولهمْ، وَضَعفه عِنْد خُرُوجهمْ؛ لأَنهم وهم داخلون أنشط وأشهى للسير والإمعان فِي بِلَاد الْعَدو، وهُمْ عِنْد القفول أَضْعَف لضَعْف دوابهم وأبدانهم، وهم أشهى للرُّجُوع إِلَى أوطانهم وأهاليهم لطول عَهدهم بهم وحبهم للرُّجُوع إِلَيْهِم فزادَهُمْ فِي الرُّجُوع لذَلِك ثمَّ اعْترض عَلَى ابْن الْمُنْذر؛ فَقَالَ: كَلَامه هَذَا لَيْسَ بالبَيِّن؛ لِأَن فَحْوَاه يُوهم أَن مَعْنَى الرّجْعَة هُوَ القفول إِلَى أوطانهم، وَلَيْسَ الْمَعْنى كَذَلِك؛ إِنَّمَا الْبِدَايَة هِيَ ابْتِدَاء السّفر لغزوٍ، فَإِذا نهضت سريةٌ من جملَة العَسْكر فأوقعت بطَائفَة الْعَدو نَفَلَهَا الرُّبْعَ، فَإِن قَفَلُوا من الْغُزَاة ثمَّ رجعُوا؛ فأوقعوا بالعَدُوِّ ثَانِيَة كَانَ لَهُم الثُّلُث من الْغَنِيمَة؛ لِأَن نهوضهم بعد القفول أشقُّ عَلَيْهِم وأخطر.

.الحديث الثَّالِث عشر:

رُوي أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الْغَنِيمَة لمن شهد الْوَقْعَة».
هَذَا الحَدِيث ذكره الرافعيُّ فِيمَا مَضَى قَبْل الحَدِيث الثَّامِن، كَمَا أسلفته، وَهُوَ غريبٌ مَرْفُوعا؛ إِنَّمَا نعرفه مَوْقُوفا، كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ أَيْضا، وستعلمه آخر الْبَاب.
وأمَّا ابْن الرّفْعَة فَذكره فِي كِتَابيه مَرْفُوعا، ثمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ بَعضهم مَوْقُوفا، قيل: عَلَى أبي بكر، وَقيل: عَلَى أبي بكر وعُمر، وَقيل: عَلَى أبي بكر وَعُثْمَان. وَقَالَ فِي مطلبه: كَذَا ذكره الرافعيُّ- يَعْنِي: مَرْفُوعا- وغيرهُ يوقفه عَلَيْهِمَا. وَفِي هَذِه الْعبارَة نظر؛ فَإِن الرافعيَّ ذكره أَولا مَرْفُوعا ثمَّ مَوْقُوفا، كَمَا ستعلمه آخر الْبَاب.
وَفِي الْمَسْأَلَة حديثان صَحِيحَانِ دالان عَلَى أَنه لَا يُسهم إِلَّا لمن حضر الْوَقْعَة:
أَحدهمَا: حَدِيث أبي مُوسَى الثَّابِت فِي الصَّحِيحَيْنِ: «أَنه لمَّا وافى هُوَ وَأَصْحَابه من الْحُدَيْبِيَة النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين افْتتح خَيْبَر فَأَسْهم لَهُم مَعَ من شَهِدَهَا، وَلم يُسهم لمن غَابَ عَنْهَا غَيرهم».
ثَانِيهمَا: حَدِيث سعيد بن الْعَاصِ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام بعث أبان بن سعيد بن الْعَاصِ فِي سَرِيَّة قِبل نجد، فَقدم أبانُ وأصحابُه عَلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعْدَمَا فتح خَيْبَر، فَأَبَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُسهم شَيْئا». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بإسنادٍ صَحِيح، وغلَّطه البخاريُّ، قَالَ الذَّهَبِيّ: وَهُوَ مَحْفُوظ من طَرِيقه.

.الحديث الرَّابِع عشر:

قَالَ الرَّافِعِيّ: إِذا قَالَ الإِمَام: من أَخذ شَيْئا فَهُوَ لَهُ. فعلَى قَوْلَيْنِ:
أَحدهمَا: أَنه يَصح شَرطه؛ لما رُوي: «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ذَلِك يَوْم بدر». وأصحهما: الْمَنْع. والْحَدِيث مِمَّا تكلمُوا فِي ثُبُوته، وَبِتَقْدِير ثُبُوته فَإِن غَنَائِم بدر كَانَت لَهُ خَاصَّة يَضَعهَا حَيْثُ شَاءَ.
هَذَا الحَدِيث تبع فِي إِيرَاده وتضعيفه الْغَزالِيّ فِي وسيطه فَإِنَّهُ أوردهُ كَذَلِك ثمَّ قَالَ: والْحَدِيث غير صَحِيح، وَقد قيل: إِن غَنَائِم بَدْر كَانَت لَهُ خَاصَّة، يفعل فِيهَا مَا يَشَاء.
وتبعا فِي ذَلِك الشافعيُّ؛ فَإِنَّهُ ذكره وَأفهم أَنه لَا يَصح عِنْده، فَقَالَ- عَلَى مَا نَقله الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة-: قَالَ بعض أهل الْعلم: إِذا بعث الإِمَام سَرِيَّة أَو جَيْشًا؛ فَقَالَ لَهُم قبل اللِّقَاء: مْن غنم شَيْئا فَهُوَ لَهُ بعد الخُمْس. فَذَلِك لَهُم عَلَى مَا شَرط، لأَنهم عَلَى ذَلِك غزوا، وَبِه رَضوا، وذهبوا فِي هَذَا إِلَى أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَوْم بدر: «من أَخذ شَيْئا فَهُوَ لَهُ».
وَذَلِكَ قبل نزُول الخُمْس، وَالله أعلم، وَلم أعلم شَيْئا يثبت عندنَا عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهَذَا. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قد رُوِيَ عَن عبَادَة بن الصَّامِت «أَنه سُئِلَ عَن الْأَنْفَال، قَالَ: فِينَا نزلت أصحابُ بدر، وَذَلِكَ أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين التقَى النَّاس ببدرٍ نفل كلَّ امرئٍ مَا أصَاب، ثمَّ ذكر نزُول الْآيَة والقَسْمَ بَينهم».
رَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه وَقَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. وَفِيه نظر؛ فَإِنَّهُ من رِوَايَة مَكْحُول عَن أبي أُمَامَة عَن عبَادَة، وَمَكْحُول لم ير أَبَا أُمَامَة كَمَا قَالَ أَبُو حَاتِم.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: ورُوي عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَوْم بدر: «مَنْ قَتَلَ قَتِيْلاً فَلهُ كَذَا، ومَنْ أسر أَسِيرًا فَلهُ كَذَا وَكَذَا» ثمَّ ذَكَرَ تنازعهم، ونزول الْآيَة فِي الْأَنْفَال، وقِسْمَةَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الْغَنِيمَة بَينهم.
قلت: حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الصَّحِيح، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه وَقَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح. فقد احْتج البُخَارِيّ بِعِكْرِمَةَ، ومسلمُ بداودِ بْنِ أبي هِنْد- يَعْنِي: المذكورَيْن فِي إِسْنَاده- وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدِّين فِي الاقتراح: أَنه عَلَى شَرط البُخَارِيّ.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وروينا فِي حَدِيث سعد بن أبي وَقاص فِي بعث عبد الله بن جحش، وَكَانَ الْفَيْء إِذْ ذَاك: من أَخذ شَيْئا فَهُوَ لَهُ. قد كَانَ ذَلِك قبل وقْعَة بدر، وَقد صَار الْأَمر بعد نزُول الْآيَة إِلَى مَا اخْتَارَهُ الشَّافِعِي فِي قسْمَة أَرْبَعَة أَخْمَاس الْغَنِيمَة بَين من حضر الْقِتَال، وَأَرْبَعَة أَخْمَاس الخُمس عَلَى أَهله، وَأَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يضع سَهْمه حَيْثُ أرَاهُ الله، وَهُوَ خُمس الخُمس.

.الحديث الخَامِس عشر:

عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه سُئل عَن النِّسَاء هَل كُنَّ يشهدن الْحَرْب مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ وَهل كَانَ يُضرب لَهُنَّ سهم؟ فَقَالَ: كُنَّ يشهدن الْحَرْب، وَأما أنْ يُضْرب لَهُنَّ سهمٌ فَلَا».
هَذَا الحَدِيث أخرجه مُسلم فِي صَحِيحه من هَذَا الْوَجْه مطولا بِلَفْظ: كتبت تَسْألني يَعْنِي: نجدة بن عَامر الحروري التَّابِعِيّ «هَل كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَغْزُو بِالنسَاء؟ وَقد كَانَ يَغْزُو بهنَّ؛ فيداوين الجَرْحَى، ويُحْذَيْنَ من الْغَنِيمَة، وأمَّا بِسَهْم فَلم يضْرب لَهُنَّ».
وَفِي رِوَايَة لَهُ: «لَيْسَ لَهما- يَعْنِي: العَبْد وَالْمَرْأَة- شَيْء إِلَّا أَن يُحْذيَا».
وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «فَأَما أَن يضْرب لَهُنَّ بِسَهْم فَلَا، وَقد كَانَ يُرْضَخُ لَهُنَّ».
مَعْنَى «يُحْذَيْن»: يُعْطَيْن. وادَّعى الرافعيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ لم يتْرك الرَّضْخَ قَط، وَلنَا بِهِ أُسْوَة حَسَنَة.
فَائِدَة: حَدِيث ابْن عَبَّاس هَذَا دالٌّ عَلَى ضَعْف حَدِيث حشرج بن زِيَاد عَن جدَّته أُمِّ أَبِيه: «أَنَّهَا غزت مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ستَّة نسْوَة، قَالَ: فَأَسْهم لَهَا عَلَيْهِ السَّلَام كَمَا أسْهم للرِّجَال».
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وحشرج مَجْهُول.

.الحديث السَّادِس عشر:

«أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أعْطى سلب مرحب يَوْم خَيْبَر من قَتله».
هَذَا الحَدِيث مَشْهُور، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه قَالَ: وَاخْتلفُوا فِي قَاتل مرحب، فَقيل: عَلّي بن أبي طَالب، وَقيل: مُحَمَّد بن مسلمة الْأنْصَارِيّ.
قلت: وبالأوَّل قَالَ جماعةٌ، وَرَوَاهُ الحاكمُ فِي مُسْتَدْركه بإسنادٍ لِلْوَاقِدِي مَا يجمع بَين الْقَوْلَيْنِ، قَالَ: «ضرب مُحَمَّد بن مسلمة ساقي مرحب؛ فقطعهما وَلم يُجهز عَلَيْهِ، فَمر بِهِ عليٌ فَضرب عُنُقه؛ فَأعْطَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سلبه مُحَمَّد بن مسلمة: سَيْفه وَدِرْعه ومِغْفره وبيضته، وَقد كَانَ عِنْد مُحَمَّد بْنِ مسلمة سَيْفه».
وَرَوَى الْحَاكِم إِلَى الْوَاقِدِيّ أَيْضا، قَالَ: «وَقيل: إِن مُحَمَّد بن مسلمة ضَرَبَ ساقي مرحب، فقطعهما، فَقَالَ مرحبُ: أجْهزْ عليَّ يَا مُحَمَّد. فَقَالَ مُحَمَّد: ذُق الْمَوْت كَمَا ذاقه أخي مَحْمُود. فَمر بِهِ عليٌّ فَضرب عُنُقه وَأخذ سلبه؛ فاختصما إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ مُحَمَّد: يَا رَسُول الله، وَالله مَا قطعتُ رجلَيْهِ وَتركته إِلَّا ليذوق الْمَوْت، وَكنت قَادِرًا عَلَى أَن أُجهز عَلَيْهِ. فَقَالَ عليُّ: صدق، ضربتُ عُنُقه بعد أَن قطع رجلَيْهِ. فَأعْطَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سلبه مُحَمَّد بن مسلمة: سَيْفه وَدِرْعه ومِغفره وبيضته، وَكَانَ عِنْد مُحَمَّد بن مسلمة سَيْفه فِيهِ كِتَابَة لَا يدْرِي مَا هُوَ، حَتَّى قَرَأَهُ يهوديُّ مِنَ الْيَهُود؛ فَإِذا فِيهِ: هَذَا سيف مرحب، مَنْ يذقه يعطب».
وَقيل: إِن قَاتله أَبُو دجَاجَة، رَوَاهُ الحاكمُ بِسَنَدِهِ إِلَى الْوَاقِدِيّ بإسنادٍ مُنْقَطع أَيْضا.
وَفِي صَحِيح مُسلم بِإِسْنَادِهِ عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع التَّصْرِيح بِأَن عليًّا هُوَ الَّذِي قَتله.
وَفِي مُسْند أَحْمد عَن عليّ قَالَ: «لمَّا قتلتُ مرْحَبًا جئتُ بِرَأْسِهِ إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم».
قَالَ ابْن الْأَثِير: وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أكثرُ أهل السّير والْحَدِيث. وَقَالَ ابْن عبد الْبر فِي مُخْتَصر السِّيرَة: إِنَّه الصَّحِيح. وَقَالَ بِالثَّانِي محمدُ بن إِسْحَاق والشافعيُّ؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْمُخْتَصر: «نفل النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم خَيْبَر مُحَمَّد بن مسلمة سلب مرحب». هَذَا تَصْرِيح مِنْهُ بِأَنَّهُ قَاتله.
فَائِدَة: مَرحَب: بِفَتْح الْمِيم والحاء، مِنَ الرَّحَب، بِمَعْنى السعَة، وَهُوَ يَهُودِيّ قُتل كَافِرًا يَوْم خَيْبَر.

.الحديث السَّابِع عشر:

عَن أبي قَتَادَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «خرجنَا مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم حُنَيْن، فرأيتُ رجلا من الْمُشْركين عَلَى رجلٍ من الْمُسلمين، فاستدرتُ لَهُ حَتَّى أَتَيْته مِنْ وَرَائه، فضربته عَلَى حَبْلِ عَاتِقه ضَرْبَة، فَأقْبَلَ عليَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وجدتُ مِنْهَا ريح الْمَوْت، ثمَّ أدْركهُ الموتُ، فأرسلني إِلَى أَن مَاتَ فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قتل قَتِيلا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَة فَلهُ سلبه. فَقُمْت فَاقْتَصَصْت عَلَيْهِ الْقِصَّة، فَقَالَ رجل: صدق يَا رَسُول الله، وسلب ذَلِك الْقَتِيل عِنْدِي. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: فأعْطِهِ إيَّاه. فأعْطَانِيْهِ، فابتعتُ بِهِ مَخْرَفًا فِي بني سَلمَة؛ فَإِنَّهُ لأوَّلُ مالٍ تأثلته فِي الْإِسْلَام».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِنْ هَذَا الْوَجْه، قَالَ: «خرجنَا مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام حنين، فلمَّا الْتَقَيْنَا كَانَ للْمُسلمين جَوْلَة، قَالَ: فرأيتُ رجلا من الْمُشْركين قد علا رجلا من الْمُسلمين، فابتدرتُ إِلَيْهِ حَتَّى أتيتَهُ مِنْ وَرَائه، فضربتُه عَلَى حَبْلِ عَاتِقه، فَأقبل عليَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وجدتُ مِنْهَا ريح الْمَوْت، ثمَّ أدْركهُ الموتُ فأرسلني، فلحقتُ عمرَ بْنَ الْخطاب، فَقلت: مَا بالُ النَّاس؟ فَقَالَ: أَمْرُ الله، ثمَّ إِن الناسَ رجعُوا، وَجلسَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَنْ قتل قَتِيلا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلهُ سلبه. فَقُمْتُ فقلتُ: مَنْ يشْهد لي؟ ثمَّ جلستُ ثمَّ قَالَ ذَلِك ثَلَاثَة، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا لَكَ يَا أَبَا قَتَادَة؟ فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّة، فَقَالَ رجل مِنْ الْقَوْم: صَدَقَ يَا رَسُول الله؛ سَلَبُ ذَلِك الْقَتِيل عِنْدي، فأرْضِهِ مِنْ حقِّه. فَقَالَ أَبُو بكر الصّديق: لَاها الله إِذن، لَا يعمدُ إِلَى أَسد من أَسد الله يُقَاتل عَن الله وَرَسُوله فيعطيك سلبه؟ فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: صَدَقَ، فأعْطِهِ إِيَّاه فَأَعْطَانِي: قَالَ فَبِعْت الدرْع وابتعتُ بِهِ مَخْرَفًا فِي بني سَلمَة، فَإِنَّهُ لأوَّلُ مالٍ تأثلته فِي الْإِسْلَام».
وَفِي رِوَايَة لَهما: «لمَّا كَانَ يَوْم حنين نظرتُ إِلَى رجلٍ من الْمُسلمين يُقَاتل رجلا من الْمُشْركين، وَآخر من الْمُشْركين يختله مِنْ وَرَائه ليَقْتُلهُ، فأسرعتُ إِلَى الَّذِي يختله فَرفع يَده ليضربني، فَضربت يَده فقطعتها، ثمَّ أَخَذَنِي فضمني ضمًّا شَدِيدا حَتَّى تخوفت، ثمَّ بزك فتحلَّل، ودفعتُه ثمَّ قَتَلْتُه، وَانْهَزَمَ الْمُسلمُونَ وانهزمتُ مَعَهم؛ فَإِذا بعمر بن الْخطاب فِي النَّاس، فقلتُ لَهُ: مَا شَأْن النَّاس؟ قَالَ: أَمر الله. ثمَّ تراجع الناسَ إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم...» ثمَّ ذكر النَّاس بنَحْوِ مَا تقدم.
فَائِدَة: قَوْله: «كَانَ للْمُسلمين جَوْلَة»: أَي نُفُور وانكشاف. «حَبْل العاتق» بِسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة: مَوضِع الرِّدَاء من العاتق. قَالَه الأصمعيُّ، يذكَّر ويؤنَّث. وَقَوله: «لَاها الله إِذا»: هَكَذَا رُوي، قَالَ الْخطابِيّ: وَالصَّوَاب: «لَاها الله ذَا» بِغَيْر ألف قبل الذَّال، وَمَعْنَاهُ فِي كَلَامهم: لَا وَالله يكون ذَا، يجْعَلُونَ الْهَاء مَكَان الْوَاو. وَوَقع فِي مُسْند أَحْمد نَحْو هَذَا القَوْل من عمر فِي حق أبي قَتَادَة من حَدِيث أنس، وَهُوَ وهم كَمَا قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي جَامع المسانيد وَإِنَّمَا قَالَه أَبُو بكر.
والمَخرف- بِفَتْح الْمِيم، وَإِسْكَان الْخَاء الْمُعْجَمَة، وَفتح الرَّاء- حَائِط النّخل، وَقيل: المَخرف: نَخْلَة وَاحِدَة أَو نخلات يسيرَة إِلَى عشر، فَمَا فَوق ذَلِك فَهُوَ بُسْتَان أَو حديقة، مَأْخُوذ من الخَرف- بِفَتْح الْخَاء- وَهُوَ الْقطع؛ لِأَن الرطب والثَّمر يقْطَعَانِ مِنْهُ، والمخرفية- بِزِيَادَة الْيَاء- اسْم للبستان أَيْضا، كَمَا قَالَه فِي الصِّحَاح والمِخْرَف- بِكَسْر الْمِيم- هِيَ مَا يجتنى فِيهِ الثِّمَار، وَمِنْه الخريف للفصل الْمَعْرُوف؛ لكَون الثِّمَار تُقْطع فِيهِ، وبالمد مَعْنَاهُ: عللته. وَالْحَبل: الْكر. والجدع وحنين: واديين بِمَكَّة، والطائف وَرَاء عَرَفَات، بَينه وَبَين مَكَّة بضعَة عشر ميلًا، وَهُوَ مصروفٌ كَمَا نطق بِهِ الْقُرْآن الْعَزِيز. وَقَوله: فِي بني سلِمة: هُوَ بِكَسْر اللَّام. قَالَه ابْن الْأَعرَابِي، بني سَلمَة بِكَسْر اللَّام فِي الأزد، وَبِفَتْحِهَا فِي يُسيْر.

.الحديث الثَّامِن عشر:

«أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يُعط ابْن مَسْعُود سلب أبي جهل؛ لِأَنَّهُ كَانَ قد أثخنه فتيَان من الْأَنْصَار، وهما: معَاذ ومعوَّذ ابْنا عَفْراء».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا لكنهما قَالَا: «معَاذ بن عَمرو بن الجموح، ومعاذ بن عفراء» بدل مَا ذكره الرافعيُّ.
أَخْرجَاهُ من حَدِيث أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «مَنْ ينظر مَا صنع أَبُو جهل؟ فَانْطَلق ابْنُ مَسْعُود فَوَجَدَهُ قد ضربه ابْنا عفراء حَتَّى برد، قَالَ: فَأخذ بلحيته، فَقَالَ: آنت أَبُو جهل؟». وللبخاري: «آنت أَبَا جهل؟ قَالَ: وَهل فَوق رجل قَتَلْتُمُوهُ- أَو قَالَ: قَتله قومُهُ». وَفِي لفظ لَهما: «قَالَ أَبُو جهل: فَلَو غيرُ أكَّار يقتلني؟».
وابنا عفراء هما معَاذ بن عَمرو بن الجموح، ومعاذ بن عفراء، كَمَا أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ: «إِنِّي لواقفٌ فِي الصَّفّ يَوْم بدر، فنظرتُ عَن يَمِيني وَعَن شمَالي، فَإِذا أَنا بغلامين من الْأَنْصَار حَدِيثَة أسنانهما، فتمنيتُ أَن أكون بَين أضلع مِنْهُمَا، فغمزني أَحدهمَا فَقَالَ: أيْ عَمّ، تعرف أَبَا جهل؟ قلت: نعم، مَا حَاجَتك إِلَيْهِ يَا ابْن أخي؟ قَالَ: أخْبرت أَنه يسب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَئِن رَأَيْته لَا يُفَارق سوَادِي سوَاده حَتَّى يَمُوت الأعجل منا. قَالَ: فتعجبت لذَلِك، قَالَ: وغمزني الآخر فَقَالَ لي مثلهَا، فَلم أنشب أَن نظرت إِلَى أبي جهل يجول فِي النَّاس، فَقلت: أَلا تريان؛ هَذَا صاحبكما الَّذِي تسألاني عَنهُ. قَالَ: فابتدراه بسيفيهما فضرباه حَتَّى قتلاه، ثمَّ انصرفا إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرَاهُ، فَقَالَ: أيكما قَتله؟ قَالَ كلُّ واحدٍ مِنْهُمَا: أَنا قتلته. فَقَالَ: هَل مسحتما سيفيكما؟ قَالَا: لَا. فَنظر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى السيفين، فَقَالَ: كلاكما قَتله. وَقَضَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بسلبه لِمعَاذ بن عَمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء».
فَائِدَة: «أثخنه» فِي طَرِيق الرَّافِعِيّ بمثلثة، ثمَّ خاء مُعْجمَة، أَي أضعفه بالجراحة.
تَنْبِيهَات: أَحدهَا: قد علمتَ أَن فِي الحَدِيث «معَاذ بن عَمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء» خلاف مَا وَقع فِي الرَّافِعِيّ وعفراء أُمُّهما، كَمَا قَالَه ابْن الْأَثِير وغيرُه فِي جامعه.
ثَانِيهَا: معَاذ ومعوذ ابْنا الْحَارِث بن رِفَاعَة، وَتَبعهُ ابْنُ الرّفْعَة فِي الْكِفَايَة وَقَالَ ابْن معِين فِي سنَنه: هُمَا: عَوْف ومسعود. وَقَالَ التغلبي: عَوْف ومعاذ. قَالَا: فالاتفاق عَلَى عَوْف وَالِاخْتِلَاف فِي الآخر.
قلت: وَأَيْنَ الِاتِّفَاق؟ وَقد علمت أَنه خلاف مَا وَقع فِي الصَّحِيح وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي تهذيبه: هما عوذ ومعوذ، الأول بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَإِسْكَان الْوَاو وَبعدهَا ذال مُعْجمَة، ثمَّ نقل عَن ابْنِ عَبْدِ البَرِّ وغيرُه أَنهم فِي عوذ: عَوْف بِالْفَاءِ بدل الذَّال. هَذَا مَا ذكره فِي النَّوْع السَّابِع الْمَعْقُود لبَيَان المبهمات، وَذكر فِي الْأَسْمَاء فِي تَرْجَمَة معَاذ بن الْحَارِث أخي عوذ ومعوذ. أَن معَاذًا هُوَ الَّذِي شَارك فِي قتل أبي جهل، كَمَا ثَبت فِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن أنس.
فَائِدَة: تُوفي معاذُ بْنُ عفراء فِي زمن عليّ، عَام صِفِّيْن، كَمَا قَالَه الواقديُّ، وَقَالَ ابْن مَنْدَه: قُتِل ببدر. وَهُوَ غلط بالِاتِّفَاقِ؛ إِنَّمَا قُتِلَ ببدر أَخَوَاهُ، قَالَ كثيرُ بن أَفْلح: أعتق معاذُ بن عفراء ألف نَسْمَة، سُوَى مَا ابْتَاعَ لَهُ. نَقله أَبُو نُعَيْم فِي الْمعرفَة.
ثَالِثهَا: حَكَى ابْن الرّفْعَة خلافًا فِي كِفَايَته «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أعْطى سلب أبي جهل لَهما أَو لأَحَدهمَا». وَهُوَ خلاف غَرِيب.
وَفِي مُسْند الإِمَام أَحْمد من حَدِيث أبي عُبَيْدَة عَن عبد الله بن مَسْعُود: «أَنه وجده- يَعْنِي: أَبَا جهل- يَوْم بدر وَقد ضُرِبَتْ رِجْله وَهُوَ صريع، وَهُوَ يَذُبُّ الناسَ عَنهُ بسيفٍ لَهُ، فأخذتُه فقتلتُه بِهِ، فَنَفَلَني سلبه».
وَهَذَا مُنْقَطع، أَبُو عُبَيْدَة لم يسمع مِنْ أَبِيه.

.الحديث التَّاسِع عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من قتل قَتِيلا فَلهُ سلبه».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، كَمَا سلف لَك قَرِيبا.
وَفِي مُسْند أَحْمد: حدَّثنا أَبُو مُعَاوِيَة، ثَنَا أَبُو مَالك الْأَشْجَعِيّ، عَن نعيم بن أبي هِنْد، عَن ابْن سَمُرَة بن جُنْدُب، عَن أَبِيه رَفعه: «من قتل قَتِيلا فَلهُ السَّلب».