فصل: الحديث الخَامِس عشر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث السَّادِس:

عَن طَاوس أَنه قَالَ: «لم يُوَقت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات عرق وَلم يكن حِينَئِذٍ أهل الشرق أَي مُسلمين».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن مُسلم وَسَعِيد، عَن ابْن جريج قَالَ: فراجعت عَطاء، فَقلت لَهُ: «إِنَّه عَلَيْهِ السَّلَام- زَعَمُوا- لم يُوَقت ذَات عرق، وَلم يكن أهل مشرق حِينَئِذٍ. قَالَ: وَكَذَلِكَ سمعنَا أَنه وَقت ذَات عرق أَو العقيق لأهل الْمشرق.
قَالَ: وَلم يكن عراق وَلَكِن لأهل الْمشرق. وَلم يعزه إِلَى أحد دون النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلكنه يَأْبَى إِلَّا أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَّتَهُ»
. قَالَ الشَّافِعِي: وأَنا مُسلم بن خَالِد، عَن ابْن جريج عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن ابْن طَاوس، عَن أَبِيه، قَالَ: «لم يُوَقت رَسُول الله ذَات عرق وَلم يكن أهل مشرق حِينَئِذٍ فوقت النَّاس ذَات عرق». قَالَ الشافعيُّ: وَلَا أَحْسبهُ إِلَّا كَمَا قَالَ طَاوس. ذكرهمَا عَنهُ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة، وَذكر الأول فِي سنَنه ثمَّ قَالَ: هَذَا هُوَ الصَّحِيح عَن عَطاء، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مُرْسلا. وَقد رَوَاهُ الْحجَّاج بن أَرْطَاة،- وضَعْفُه ظَاهر- عَن عَطاء وَغَيره فوصله.
فَائِدَة: ذَات عرق عَلَى مرحلَتَيْنِ من مَكَّة. كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ، قَالَ الْحَازِمِي: وَهِي الْحَد بَين نجد وتهامة.

.الحديث السَّابِع:

فِي الصَّحِيح عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «لما فتح هَذَانِ المصران أَتَوْا عُمَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَقَالُوا: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدَّ لأهل نجد قرنا، وَهُوَ جور عَن طريقنا، وَإِنَّا إِن أردناه شقّ علينا، قَالَ: فانظروا حذوها من طريقكم. فحدَّ لَهُم ذَات عرق».
هُوَ كَمَا قَالَ، وَقد أخرجه البُخَارِيّ فِي صَحِيحه مُنْفَردا بِهِ، والمصران: الْبَصْرَة والكوفة. وَالْمرَاد بفتحهما لِأَنَّهُمَا إسلاميتان بُنيا فِي خلَافَة عمر. وَقَوله: «جور عَن طريقنا» أَي: مائل منحرف، وَمِنْه جور فِي الْأُمُور وَغَيرهَا. وَقَوله: «حذوها» أَي: مَا يدانيها وَيقرب مِنْهَا، وأصل الْمُحَاذَاة الْمُقَابلَة.

.الحديث الثَّامِن:

عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقت لأهل الْمشرق ذَات عرق».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ فِي سُنَنهمَا بِإِسْنَاد صَحِيح من رِوَايَة أَفْلح بن حميد الْمدنِي، عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد، عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقت لأهل الْعرَاق ذَات عرق» هَذَا لفظ أبي دَاوُد، وَلَفظ النَّسَائِيّ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام وَقت لأهل الْمَدِينَة ذَا الحليفة، وَلأَهل الشَّام ومصر الْجحْفَة، وَلأَهل الْعرَاق ذَات عرق، وَلأَهل الْيمن يَلَمْلَم»
وأفلح هَذَا نقل ابْن عدي وَغَيره، عَن أَحْمد بن حَنْبَل أَنه أنكر عَلَيْهِ رِوَايَته هَذَا الحَدِيث وانفراده بِهِ، لكنه ثِقَة فَلَا يضر تفرده. فقد احْتج بِهِ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَوَثَّقَهُ يَحْيَى بن معِين، وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: لَا بَأْس بِهِ. وَنقل عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل أَنه سَأَلَ أَبَاهُ عَنهُ، فَقَالَ: صَالح. وَقَالَ ابْن عدي: هُوَ عِنْدِي صَالح، وَهَذَا الحَدِيث تفرد بِهِ الْمعَافى بن عمرَان، عَن الْقَاسِم، عَن عَائِشَة. وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي مِيزَانه: هُوَ حَدِيث صَحِيح غَرِيب.
قلت: وَرُوِيَ هَذَا الحَدِيث من طرق أُخْرَى غير طَرِيق عَائِشَة.
إِحْدَاهَا: من طَرِيق جَابر، رَوَاهُ مُسلم وَابْن مَاجَه.
ثَانِيهَا: من طَرِيق الْحَارِث بن عَمْرو السَّهْمي الصَّحَابِيّ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه.
ثَالِثهَا: من طَرِيق أنس، رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ فِي أَحْكَام الْقُرْآن.
رَابِعهَا: من طَرِيق ابْن عَبَّاس، رَوَاهُ ابْن عبد الْبر فِي تمهيده.
خَامِسهَا: من طَرِيق عبد الله بن عَمْرو، رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده وَفِيه: حجاج بن أَرْطَاة.
سادسها: من طَرِيق عَطاء مُرْسلا، وَهُوَ كَمَا سلف، وَعَطَاء من كبار التَّابِعين، وَمذهب الشَّافِعِي- رَحِمَهُ اللَّهُ- الِاحْتِجَاج بمرسل كبار التَّابِعين إِذا اعتضد بِأحد أُمُور: مِنْهَا أَن يَقُول بِهِ بعض الصَّحَابَة أَو أَكثر الْعلمَاء، وَقد اتّفق عَلَى الْعَمَل بِهِ الصَّحَابَة فَمن بعدهمْ، وَقد وَصله عَطاء بِضعْف كَمَا تقدم.

.الحديث التَّاسِع:

عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقت لأهل الْمشرق العقيق».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، من طَرِيق يزِيد بن أبي زِيَاد، عَن مُحَمَّد بن عَلّي بن عبد الله بن عَبَّاس، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا، كَذَلِك قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن.
قلت: يزِيد هَذَا ضَعَّفُوهُ، وَقد تفرد بِهِ كَمَا قَالَه الْبَيْهَقِيّ، قَالَ ابْن فُضَيْل: كَانَ من أَئِمَّة الشِّيعَة الْكِبَار. وَقَالَ أَحْمد: لم يكن بِالْحَافِظِ لَيْسَ بِذَاكَ. وَقَالَ ابْن معِين: لَا يحْتَج بحَديثه. وَقَالَ مرّة: ضَعِيف الحَدِيث. قيل لَهُ: أَيّمَا أحب إِلَيْك هُوَ أَو عَطاء بن السَّائِب؟ قَالَ: مَا أقربهما. وَقَالَ مرّة: لَيْسَ بِذَاكَ. وَقَالَ مرّة: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَكَذَا قَالَ أَبُو حَاتِم، وَقَالَ أَبُو زرْعَة: لَيِّن يكْتب حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ ضَعِيف. وَقَالَ الْجوزجَاني: سمعتهم يضعفون حَدِيثه. وَأخرج لَهُ مُسلم مَقْرُونا، وَالْبُخَارِيّ تَعْلِيقا. وَقَالَ الْعجلِيّ: جَائِز الحَدِيث وَكَانَ بِأخرَة يُلقَّن. وَقَالَ جرير: كَانَ أحسن حفظا من عَطاء بن السَّائِب. وَقَالَ عبد الله بن الْمُبَارك: أَكْرِمْ بِهِ. ووقعَ فِي كلامِ ابْن حزم وَابْن الْجَوْزِيّ عَنهُ: «ارْمِ بهِ» بدل «أَكْرِمْ بِهِ» وَقَالَ أَبُو دَاوُد: لَا أعلم أحدا ترك حَدِيثه. وَقَالَ ابْن عدي: مَعَ ضعفه يكْتب حَدِيثه. وَاعْترض النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب، فَقَالَ: يزِيد هَذَا ضَعِيف بِاتِّفَاق الْمُحدثين. قَالَ: وَقَول التِّرْمِذِيّ هَذَا حَدِيث حسن لَيْسَ كَمَا قَالَ. وَأَشَارَ إِلَى الْإِنْكَار عَلَى التِّرْمِذِيّ أَيْضا الْمُنْذِرِيّ فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب وَلَا إِنْكَار عَلَيْهِ فِي ذَلِك؛ فَإِنَّهُ لأجل اخْتِلَاف الْأَئِمَّة فِيهِ حسن حَدِيثه، نعم الشَّأْن فِيمَا أبداه ابْن الْقطَّان فِي كتاب الْوَهم وَالْإِيهَام وَهُوَ أَن هَذَا الحَدِيث مَشْكُوك فِي اتِّصَاله؛ لِأَن مُحَمَّد بن عَلّي بن عبد الله بن عَبَّاس إِنَّمَا هُوَ مَعْرُوف بالرواية عَن أَبِيه، عَن جده ابْن عَبَّاس، وَبِذَلِك ذكر فِي كتب الرِّجَال وَفِي حديثين ذكرهمَا كَذَلِك، أَحدهمَا فِي كتاب مُسلم، وَالْآخر فِي كتاب الْبَزَّار، ثمَّ قَالَ: وَلَا أعلمهُ يروي عَن جده إِلَّا هَذَا الحَدِيث، وأخاف أَن يكون مُنْقَطِعًا وَلم يذكر البُخَارِيّ. وَلَا ابْن أبي حَاتِم أَنه يروي عَن جده، وَقد ذكر أَنه رَوَى عَن أَبِيه، وَقَالَ مُسلم فِي كتاب الكنى: لَا يعلم لَهُ سَماع من جده ولَا أَنه لَقِيَهُ. هَذَا آخر مَا أبداه، ولقاؤه لَهُ مُمكن؛ فَإِنَّهُ ولد فِي سنة سِتِّينَ وجده توفّي سنة سبعين، أَو سنة ثَمَان وَسِتِّينَ، أَو تسع وَسِتِّينَ.
تَنْبِيه: جملَة مَا يَجِيء فِي رُوَاة الحَدِيث يزِيد بن أبي زِيَاد أَرْبَعَة:
أحدهم هَذَا وَأَهْمَلَهُ الْحَافِظ جمال الدَّين ابْن الْجَوْزِيّ فِي ضُعَفَائِهِ.
ثانيهم: الشَّامي الْمَتْرُوك. وَاقْتصر عَلَيْهِ.
ثالثهم: يروي عَن الشّعبِيّ، قَالَ أَبُو حَاتِم: لَا تقوم بِهِ حجَّة.
رابعهم: الْوَاقِع فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة «كَانَ يَمِين رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا وَأَسْتَغْفِر الله» يرويهِ عَن مُحَمَّد بن هِلَال، عَن أَبِيه عَنهُ بِهِ. قَالَ ابْن أبي حَاتِم: ضَعِيف، وَكَانَ هَذَا مَوْضُوعا.
فَائِدَة: العَقِيقُ وادٍ يدفق مَاؤُهُ فِي غَوْرَى تهَامَة، كَذَا ذكره الْأَزْهَرِي فِي تَهْذِيب اللُّغَة، وَفِي بِلَاد الْعَرَب أَرْبَعَة أَعِقَّة، وَهِي أَوديَة عَارِية، وَالْمَذْكُور هُنَا أبعد من ذَات عرق بِقَلِيل، وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي نكته عَلَى مُخْتَصره لصحيح مُسلم: العقيق: وَاد عَلَيْهِ أَمْوَال أهل الْمَدِينَة، وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَة أَمْيَال، وَقيل: ميلين، وَقيل: أَرْبَعَة، وَقيل: سِتَّة، وَقيل: سَبْعَة، وهما عقيقان: أَحدهمَا عقيق الْمَدِينَة عَقَّ عَن حَرَّتِها أَي: قطع، فَهُوَ عقيق بِمَعْنى معقوق، وَهُوَ العَقيق الْأَصْغَر وَفِيه بِئْر رومة وَالْآخر أكبر من هَذَا، وَفِيه بِئْر عُرْوَة الَّذِي ذكره الشُّعَرَاء، وثَمَّ عَقِيق بقُرْبه وَهُوَ من بِلَاد مزينة، وَهُوَ الَّذِي أَقْطَعَهُ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بلالَ بن الْحَارِث، ثمَّ أَقْطَعَهُ عُمر بن الْخطاب الناسَ، والعَقِيق الَّذِي جَاءَ فِيهِ أَنه مهلّ أهل الْعرَاق هُوَ من ذَات عرق، وكل مَسِيلٍ شقَّهُ ماءُ السَّيْل يوسّعه فَهُوَ عقيق، وَالْجمع أَعِقَّة، وعَقَائِق، والمواضع الَّتِي تسمى بالعقيق عشرَة مَوَاضِع أشهرها عقيق الْمَدِينَة، وَأكْثر مَا يذكر فِي الْأَشْعَار، وإيَّاه يعنون.

.الحديث العَاشِر:

عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما مَوْقُوفا عَلَيْهِ وَمَرْفُوعًا: «من ترك نسكا فَعَلَيهِ دم».
هَذَا الحَدِيث لَا أعلم من رَوَاهُ مَرْفُوعا بعد الْبَحْث عَنهُ، وَوَقفه عَلَيْهِ هُوَ الَّذِي نعرفه عَن ابْن عَبَّاس، كَذَلِك رَوَاهُ إِمَام دَار الْهِجْرَة مَالك فِي موطئِهِ عَن أَيُّوب- هُوَ ابْن أبي تَمِيمَة- عَن سعيد بن جُبَير، أَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «من نسي من نُسكه شَيْئا أَو تَركه، فليهرق دَمًا» قَالَ مَالك: لَا أَدْرِي قَالَ: «ترك» أم «نسي». قَالَ الْبَيْهَقِيّ:
فَكَأَنَّهُ قالهما جَمِيعًا. وَفِي الْبَيْهَقِيّ أَن أَو لَيست للشَّكّ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ مَالك؛ بل للتقسيم، وَالْمرَاد: يريق دَمًا سَوَاء تَركه عمدا أم سَهوا. وَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَن مَالك كَمَا سلف، وَكَذَا الْبَيْهَقِيّ من جِهَته، ثمَّ قَالَ: وَرَوَى لَيْث بن أبي سليم، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: «إِذا جَاوز الْوَقْت فَلم يحرم فَإِن خشِي أَن يرجع إِلَى الْوَقْت فَإِنَّهُ يحرم وأهراق دَمًا لذَلِك».

.الحديث الحَادِي الْعشْر:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يحرم إِلَّا من الْمِيقَات».
هَذَا لَا شكّ فِيهِ وَلَا ريب، وَمن تَأمل الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا فِي حجَّته حجَّة الْوَدَاع وجده مطابقًا لذَلِك.

.الحديث الثَّانِي عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من أحرم من الْمَسْجِد الْأَقْصَى إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام بِحجَّة أَو عمْرَة غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد من حَدِيث ابْن لَهِيعَة، عَن جَعْفَر بن ربيعَة، عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي صعصعة، عَن أم حَكِيم السلمِيَّة، عَن أم سَلمَة زوج النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من أَحْرَمَ من بَيت الْمُقَدّس غفر الله لَهُ مَا تقدم من ذَنبه» وَفِي لفظ: «من أَهَلَّ من الْمَسْجِد الْأَقْصَى بِعُمْرَة، أَو بِحجَّة» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، عَن أَحْمد بن صَالح نَا ابْن أبي فديك، عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن يُحَنَّس، عَن يَحْيَى بن أبي سُفْيَان الأخنسي، عَن جدَّته حُكيمة أم حَكِيم، عَن أم سَلمَة أم الْمُؤمنِينَ أَنَّهَا سَمِعت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «من أَهَلَّ بحجةٍ أَو عُمرةٍ من الْمَسْجِد الْأَقْصَى إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام؛ غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر، أَو وَجَبت لَهُ الْجنَّة» شكّ عبد الله السالف أَيهمَا قَالَ. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من طَرِيقين، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، إِحْدَاهمَا: عَنهُ قَالَ: حَدثنِي سُلَيْمَان بن سحيم، عَن أم حَكِيم بنت أُميَّة، عَن أم سَلمَة أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من أَهَلَّ بِعُمْرَة من بَيت الْمُقَدّس غفر لَهُ». ثَانِيهمَا: عَنهُ، عَن يَحْيَى بن أبي سُفْيَان، عَن أمه أم حَكِيم بنت أُميَّة، عَن أم سَلمَة، قَالَت: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «من أهل بِعُمْرَة من بَيت الْمُقَدّس، كَانَت كَفَّارَة لما قبلهَا من الذُّنُوب. قَالَت: فَخَرَجْتُ- أَي من بيتِ المقدسِ- بعمرةٍ» وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه من طرق إِحْدَاهَا: طَرِيق أبي دَاوُد وَلَفظه، إِلَّا أَنه قَالَ: «بحجٍّ» بدل «بحجَّةٍ»
وَقَالَ: «وَوَجَبَت لَهُ الْجنَّة» من غير شكّ. ثَانِيهَا كَذَلِك إِلَّا أَنه قَالَ: عَن يَحْيَى، عَن أمه، عَن أم سَلمَة- رفعته-: «من أقدم من بَيت الْمُقَدّس بِحَجّ أَو عمْرَة كَانَ من ذنُوبه كَيَوْم وَلدته أمه» وَفِي سَنَد هَذِه: الْوَاقِدِيّ، عَن عبد الله بن يحنس.
ثَالِثهَا: من طَرِيق ابْن مَاجَه الأولَى، لكنه قَالَ: عَن سُلَيْمَان بن سليم، عَن يَحْيَى بن أبي سُفْيَان، عَن أمه أم حَكِيم، عَن أم سَلمَة مَرْفُوعا: «من أهل بِحجَّة أَو عمْرَة من بَيت الْمُقَدّس غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه» وأعل هَذَا الحَدِيث أَبُو مُحَمَّد بن حزم فَإِنَّهُ ذكره فِي محلاه من طَرِيق أبي دَاوُد وَمن طَرِيق ابْن مَاجَه الأولَى، ثمَّ قَالَ: هَذَانِ الأثران لَا يشْتَغل بهما من لَهُ أدنَى علم بِالْحَدِيثِ لِأَن يَحْيَى بن أبي سُفْيَان الأخنسي، وجدته حكيمة، وَأم حَكِيم بنت أُميَّة لَا يُدْرى من هم من النَّاس، وَلَا يجوز مُخَالفَة مَا صَحَّ بِيَقِين بِمثل هَذِه المجهولات الَّتِي لم تصح قطّ. هَذَا آخر كَلَامه ومقتضاهُ أنَّ أم حَكِيم غير حكيمة وَهِي هِيَ؛ فَإِنَّهَا أم حَكِيم حكيمة بنت أُميَّة بن الْأَخْنَس بن عبيد جدة يَحْيَى بن أبي سُفْيَان، وَقيل: أمه، وَقيل: خَالَته، رَوَى عَنْهَا يَحْيَى بن أبي سُفْيَان، وَسليمَان بن سحيم ذكرهَا ابْن حبَان فِي ثقاته. وَيَحْيَى بن أبي سُفْيَان الأخنسي رَوَى عَنهُ جمَاعَة، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: شيخ من شُيُوخ الْمَدِينَة لَيْسَ بالمشهور. وَذكره ابْن حبَان فِي ثقاته، رَوَى عَن أم حَكِيم فارتفعت عَنْهَا الْجَهَالَة العينية والحالية، لَا جرم أخرجه ابْن حبَان فِي صَحِيحه من طَرِيق سُلَيْمَان بن سُحيم عَن يَحْيَى بن أبي سُفْيَان الأخنسي عَن أمه أم حَكِيم، عَن أم سَلمَة سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «من أهل من الْمَسْجِد الْأَقْصَى بِعُمْرَة غُفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه. قَالَ: فركبَتْ أمُّ حَكِيم إِلَى بَيت الْمُقَدّس حَتَّى أَهَلَّتْ بِعُمْرَة». وأعلَّه عبد الْحق بِمَا ناقشهُ فِيهِ ابْن الْقطَّان فَإِن عبد الْحق قَالَ: فِي إِسْنَاده يَحْيَى الأخنسي، قَالَ أَبُو حَاتِم فِيهِ: إِنَّه شيخ من شُيُوخ الْمَدِينَة، لَيْسَ بالمشهور مِمَّن يحْتَج بِهِ. قَالَ ابْن الْقطَّان: كَذَا ذكر عَن أبي حَاتِم، وَلَيْسَ عِنْده فِي كِتَابه لَفْظَة: «مِمَّن يحْتَج بِهِ». وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَلَعَلَّ الإشبيلي ظَفَر بِهَذِهِ اللَّفْظَة فِي غير الْجرْح وَالتَّعْدِيل، وأَعَلَّه غَيرهمَا بأمرٍ آخر، ذكر الدارقطني فِي علله أَنه اختُلِف فِي إِسْنَاده، وَهُوَ كَمَا قَالَ كَمَا شاهدته، وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: اخْتلفت الروَاة فِي مَتنه وَإِسْنَاده اخْتِلَافا كثيرا. وَقَالَ فِي كَلَامه عَلَى الْمُهَذّب: إِنَّه حَدِيث غَرِيب. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب: إِسْنَاده لَيْسَ بِالْقَوِيّ. ثمَّ أنكر عَلَى صَاحب الْمُهَذّب حَيْثُ رَوَى حَدِيث أم سَلمَة هَذَا بِلَفْظ: «وَوَجَبَت لَهُ الْجنَّة» بِالْوَاو، فَقَالَ: كَذَا وَقع فِي أَكثر كتب الْفِقْه. قَالَ: وَالصَّوَاب «أَو وَجَبت» ب أو بِالشَّكِّ، أَي كَمَا تقدم عَن أبي دَاوُد، قَالَ: وَكَذَا هُوَ ب أو فِي كتب الحَدِيث، وصرحوا بِأَنَّهُ شكّ من عبد الله بن عبد الرَّحْمَن. وَقد أسلفناه لَك من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث عبد الله الْمَذْكُور من غير شكّ، وَقَالَ البُخَارِيّ فِي تَارِيخه: مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن يحنس حَدِيثه فِي الْإِحْرَام من بَيت الْمُقَدّس لَا يثبت. وجزمَ بِهَذَا الذَّهَبِيّ فِي ضُعَفَائِهِ، فِي حرف الْمِيم، لكنه قَالَ: لَا يُتَابع عَلَيْهِ. وَلم أر أَنا هَذَا فِي طَرِيق الحَدِيث، وَالَّذِي فِيهِ عبد الله بن عبد الرَّحْمَن لَا مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن فَلْيتَأَمَّل.

.الحديث الثَّالِث عشر:

«أَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها لما أَرَادَت أَن تعتمر بعد التحلُّل أمرهَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَن تخرج إِلَى الْحل فتُحْرِم».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيثهَا.

.الحديث الرَّابِع عشر:

نقلوا «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام اعْتَمر من الْجِعِرَّانَة مرَّتَيْنِ: مرّة عمْرَة الْقَضَاء، وَمرَّة عمْرَة هوَازن».
هَذَا الحَدِيث غَرِيب غير مُسْتَقِيم فِي عمْرَة الْقَضَاء مِنْهَا؛ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام خرج من الْمَدِينَة عَلَى قصد الْإِحْرَام، وميقاتها: ذُو الحليفة حجًّا وَعمرَة وَالْمَعْرُوف فِي الْأَحَادِيث «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام اعْتَمر من الْجِعِرَّانَة مرّة وَاحِدَة». فَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أنس: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام اعْتَمر أَربع عُمَر، كُلهنَّ فِي ذِي الْقعدَة إِلَّا الَّتِي مَعَ حجَّته عمْرَة من الْحُدَيْبِيَة- أَو زمن الْحُدَيْبِيَة فِي ذِي الْقعدَة- وَعمرَة من الْعَام الْمقبل فِي ذِي الْقعدَة، وَعمرَة من الْجِعِرَّانَة حَيْثُ قسّم غَنَائِم حنين فِي ذِي الْقعدَة، وَعمرَة مَعَ حجَّته». وَقَالَ البُخَارِيّ: «من الْحُدَيْبِيَة» وَلم يقل «أَو زمن الْحُدَيْبِيَة» وَله فِي لفظ آخر «عمْرَة الْحُدَيْبِيَة فِي ذِي الْقعدَة حَيْثُ صده الْمُشْركُونَ، وَعمرَة من الْعَام الْمقبل فِي ذِي الْقعدَة حَيْثُ صَالحهمْ...» وَذكر الحَدِيث، وأَتْبَعَه مُسلم بِحَدِيث قَتَادَة «سَأَلت أنسا: كم حج رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: حجَّة وَاحِدَة، وَاعْتمر أَربع عمر» ثمَّ أَحَالَ فِي تَمام الحَدِيث عَلَى مَا تقدَّم، وَسَاقه البخاريُّ بِطُولِهِ، وَفِي أَفْرَاد البُخَارِيّ من حَدِيث الْبَراء بن عَازِب قَالَ: «اعْتَمر النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذِي الْقعدَة قبل أَن يحجّ مرَّتَيْنِ». وَفِي سنَن أبي دَاوُد وابْن مَاجَه وجَامع التِّرْمِذِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس، قَالَ «اعْتَمر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَربع عُمَر: عمْرَة الْحُدَيْبِيَة، وَالثَّانيَِة: حِين تواطئوا عَلَى عمْرَة قَابل، وَالثَّالِثَة: من الْجِعِرَّانَة، وَالرَّابِعَة: الَّتِي قرن مَعَ حجَّته» وَأخرجه ابْن حبَان فِي صَحِيحه، وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه وَقَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الاقتراح: إِنَّه عَلَى شَرط البُخَارِيّ. وَذكر التِّرْمِذِيّ أَنه رُوِيَ مُرْسلا. وَرَوَى الشَّافِعِي وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ اعتماره عَلَيْهِ السَّلَام من الْجِعِرَّانَة من رِوَايَة مُحَرِّش الكعبي الْخُزَاعِيّ الصَّحَابِيّ، ثمَّ حسنه، قَالَ: وَلَا يعرف لَهُ عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم غَيره. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَإِنَّمَا لم يُصَحِّحهُ؛ لِأَن فِيهِ مُزَاحم بن أبي مُزَاحم وَهُوَ لَا يعرف لَهُ حَال.
قلت: بلَى ذكره ابْن حبَان فِي ثقاته، وَقد أسلفنا فِي بَاب صَلَاة الْمُسَافِر عَن أبي حَاتِم بن حبَان أَن عمْرَة الْجِعِرَّانَة كَانَت فِي شَوَّال وَأَن عمْرَة الْقَضَاء فِي رَمَضَان، وَهُوَ غَرِيب مِنْهُ وَالْمَعْرُوف أَنَّهُمَا كَانَتَا فِي ذِي الْقعدَة. وَذكر ابْن سعد بِسَنَدِهِ إِلَى عتبَة مولَى ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: «لما قدم رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من الطَّائِف نزل الْجِعِرَّانَة فقسم بهَا الْغَنَائِم، ثمَّ اعْتَمر مِنْهَا، وَذَلِكَ لليلتين بَقِيَتَا من شَوَّال» وكأَنَّ ابْن حبَان تَبِع هَذَا، وَالْمَعْرُوف عِنْد أهل السِّير «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام انْتَهَى إِلَى الْجِعِرَّانَة لَيْلَة الْخَمِيس لخمس لَيَال خلون من ذِي الْقعدَة، فَأَقَامَ بهَا ثَلَاث عشرَة لَيْلَة، فَلَمَّا أَرَادَ الِانْصِرَاف إِلَى الْمَدِينَة خرج لَيْلَة الْأَرْبَعَاء لِاثْنَتَيْ عشرَة بقيت من ذِي الْقعدَة لَيْلًا، فَأحْرم بِعُمْرَة وَدخل مَكَّة» وَمن الْغَرِيب رِوَايَة نَافِع «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لم يعْتَمر من الْجِعِرَّانَة» وَرَوَاهُ البُخَارِيّ وَهُوَ وهم، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث عَائِشَة الْإِنْكَار عَلَى ابْن عمر فِي كَونه عَلَيْهِ السَّلَام اعْتَمر فِي رَجَب، وَأجَاب ابْن حبَان فِي صَحِيحه بِأَن الْحَبْر الْفَاضِل قد ينسَى بعض مَا يسمع من السّنَن أَو يشهدها. وَفِي سنَن أبي دَاوُد عَنْهَا «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام اعْتَمر عمرتين: عمْرَة فِي ذِي الْقعدَة، وَعمرَة فِي شَوَّال».
فَائِدَة: الجِعْرانة بِكَسْر الْجِيم وَإِسْكَان الْعين، وَتَخْفِيف الرَّاء، وَكَذَا الْحُدَيْبِيَة بتَخْفِيف الْبَاء، هَذَا قَول الشَّافِعِي فيهمَا، وَبِه قَالَ أهل اللُّغَة وَالْأَدب وَبَعض الْمُحدثين، وَقَالَ ابْن وهب- صَاحب مَالك-: هما بِالتَّشْدِيدِ. وَهُوَ قَول أَكثر الْمُحدثين، وَالصَّحِيح تخفيفهما، قَالَ صَاحب الْمطَالع: الْجِعِرَّانَة مَا بَين الطَّائِف وَمَكَّة وَهِي إِلَى مَكَّة أقرب. قَالَ: وَالْحُدَيْبِيَة عَلَى نَحْو مرحلة من مَكَّة. وَقَالَ الرَّافِعِيّ: الْجِعِرَّانَة وَالْحُدَيْبِيَة كِلَاهُمَا عَلَى سِتّ فراسخ من مَكَّة، وَالْحُدَيْبِيَة قَرْيَة لَيست بالكبيرة، سميت ببئر هُنَاكَ عِنْد مَسْجِد الشَّجَرَة، وَقد جَاءَ فِي الحَدِيث هِيَ بِئْر، قَالَ مَالك: هِيَ من الْحرم، وَقيل: بَعْضهَا من الحِلِّ.

.الحديث الخَامِس عشر:

«أَن عَائِشَة لما أَرَادَت أَن تعتمر أَمر أخاها عبد الرَّحْمَن أَن يعمرها من التَّنْعِيم فأعْمَرَها مِنْهُ».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ وَقد سلف.

.الحديث السَّادِس عشر:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أحرم عَام الْحُدَيْبِيَة وَأَرَادَ الدُّخُول مِنْهَا للْعُمْرَة، فَصَدَّه الْمُشْركُونَ عَنْهَا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث ابْن عمر: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام خرج مُعْتَمِرًا، فحال كفارُ قُرَيْش بَينه وَبَين الْبَيْت، فَنحر هَدْيه وحَلَق رَأسه بِالْحُدَيْبِية» وَوَقع فِي بسيط الْغَزالِيّ وَغَيره: «أَنه هَمَّ بِالْإِحْرَامِ بالعُمرة من الْحُدَيْبِيَة فصد» وَهُوَ غلط؛ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام وردهَا بعد أَن أحرم من ذِي الحليفة، رَوَى ذَلِك البُخَارِيّ فِي صَحِيحه فِي كتاب الْمَغَازِي عَن الْمسور ومروان قَالَا: «خرج النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام الْحُدَيْبِيَة فِي بضع عشرَة مائَة من أَصْحَابه فَلَمَّا كَانَ بِذِي الحليفة قلد الْهَدْي وأشعر وَأحرم بِالْعُمْرَةِ بهَا» وخرجه فِي الْحَج أَيْضا من صَحِيحه هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب.
وَذكر فِيهِ من الْآثَار: «أَن عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فسر الْإِتْمَام فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله} أَن يحرم بهما من دويرة أَهله».
وَهَذَا أثر صَحِيح، رَوَاهُ الْحَاكِم فِي كتاب التَّفْسِير من مُسْتَدْركه من حَدِيث عَمْرو بن مرّة، عَن عبد الله بن سَلمَة «سُئِلَ عَلّي عَن قَوْله تَعَالَى: {وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله} قَالَ: يحرم بهما من دُوَيْرةِ أَهْلِهِ» ثمَّ قَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ.
وَذكر فِيهِ أَيْضا عَن عمر مثله وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الشَّافِعِي فِيمَا نَقله الْبَيْهَقِيّ عَنهُ فِي الْمعرفَة.

.باب بَيَان وُجُوه الْإِحْرَام وآدابه وسننه:

ذكر فِيهِ أَحَادِيث وأثرًا وَاحِدًا، أما الْأَحَادِيث فتسعة عشر حَدِيثا:

.الحديث الأول:

عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَنَّهَا قَالَت: «خرجنَا مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام حجَّة الْوَدَاع، فمِنَّا منَ أهلَّ بِالْحَجِّ، وَمنا من أهل بِالْعُمْرَةِ وَمنا من أهل بِالْحَجِّ وَالْعمْرَة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا كَذَلِك بِزِيَادَة «وأَهَلَّ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْحَجِّ فَأَما من أهل بِعُمْرَة فحلّ، وَأما من أهل بِالْحَجِّ أَو جمع الْحَج وَالْعمْرَة فَلم يحلّوا حَتَّى كَانَ يَوْم النَّحْر».

.الحديث الثَّانِي:

عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «سَمِعت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يصْرخ بهما صراخًا: لبيْك بِحجَّة وَعمرَة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا بِمَعْنَاهُ من حَدِيث بكر بن عبد الله عَن أنس قَالَ: «سَمِعت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يُلَبِّي بِالْحَجِّ وَالْعمْرَة جَمِيعًا. قَالَ بكر: فَحدثت بذلك ابْن عمر فَقَالَ: لَبَّى بِالْحَجِّ وَحده. فَلَقِيت أنسا فَحَدَّثته بقول ابْن عمر، فَقَالَ أنس: مَا تعدوننا إِلَّا صبيانًا، سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لبيْك عمْرَة وحجًّا» وَهَذَا لفظ مُسلم، وَفِي رِوَايَة لَهُ: «فَسَأَلت ابْن عمر فَقَالَ: أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ». وَقَالَ البُخَارِيّ عَن أنس: «كنت رِدْفَ أبي طَلْحَة وَإِنَّهُم يصرخون بهما جَمِيعًا الْحَج وَالْعمْرَة» خرَّجَهُ فِي الْجِهَاد فِي الارْتداف فِي الْغَزْو عَن أبي قلَابَة عَنهُ، فِي بَاب الْخُرُوج بعد الظّهْر من كتاب الْجِهَاد: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام صَلَّى الظّهْر بِالْمَدِينَةِ أَرْبعا، وَالْعصر بِذِي الحليفة رَكْعَتَيْنِ، وسمعتهم يصرخون بهما جَمِيعًا» وخرَّجَهُ فِي الْحَج أَيْضا وَقَالَ: «بهما». وَلمُسلم عَن يَحْيَى بن أبي إِسْحَاق وَعبد الْعَزِيز بن صُهَيْب وَحميد الطَّوِيل، وَهُوَ حميد بن عبد الرَّحْمَن أَنهم سمعُوا أنسا قَالَ: «سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أهل بهما: لبيْك عمْرَة وحجًّا». وَرَوَاهُ حميد بن هِلَال أَيْضا، رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق، وَرَوَاهُ يَحْيَى بن سعيد الْأنْصَارِيّ عَن أنس قَالَ: سَمِعت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «لبيْك بِحَجّ وَعمرَة مَعًا» رَوَاهُ أَبُو يُوسُف القَاضِي، وَرَوَاهُ أَيْضا أَبُو أَسمَاء عَن أنس قَالَ: «سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يُلبِّي بهما» رَوَاهُ النَّسَائِيّ. وَرَوَاهُ أَيْضا الْحسن وَسليمَان التَّيْمِيّ عَن أنس مثله، رَوَاهُمَا النَّسَائِيّ أَيْضا. وَرَوَاهُ وَكِيع من حَدِيث مُصعب بن سليم وثابت عَن أنس مثله، وَرَوَاهُ أَيْضا قَتَادَة، وَزيد بن أسلم، وَأَبُو قدامَة عَاصِم عَنهُ، وَوَافَقَ أنسا من الصَّحَابَة فِي كَونه عَلَيْهِ السَّلَام قرن: عَائِشَة، وَجَابِر، وَابْن عَبَّاس فِي رِوَايَة عَنْهُم، وَعمر، وَعلي، وَعُثْمَان وَعمْرَان بن الْحصين والبراء بن عَازِب، وَحَفْصَة، وَأَبُو قَتَادَة، وَابْن أبي أَوْفَى، والهرماس بن زِيَاد الْبَاهِلِيّ، وَأم سَلمَة، وَسعد بن أبي وَقاص، قَالَ ابْن حزم: ذكر اثْنَا عشر من الصَّحَابَة بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ قَارنا» وهم: عمر، وَابْنه، وَعلي، وَابْن عَبَّاس، وَجَابِر، وَعمْرَان، والبراء، وَأنس، وَعَائِشَة، وَحَفْصَة، وَأَبُو قَتَادَة، وَابْن أبي أَوْفَى، وَرُوِيَ أَيْضا عَن سراقَة وأبي طَلْحَة، وَأم سَلمَة، والهرماس.