فصل: الحديث الخَامِس عشر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الرَّابِع:

قَالَ الرَّافِعِيّ: وَإِذا خَالعَ الحائضَ أَو طلَّقَهَا عَلَى مالٍ فَهُوَ غير مُحرَّم، وَاحْتج عَلَيْهِ بِإِطْلَاق قَوْله تَعَالَى: {فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}.
وَبِأَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أطلق الإذْنَ لِثَابِت بن قيس فِي الْخلْع، عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي أوَّل كتاب الخُلْع، من غير بحثٍ واستفصال عَن حَال الزَّوْجَة، وَلَيْسَ الْحيض بأمرٍ نَادِر الْوُجُود فِي حق النِّسَاء.
هَذَا كَلَام الرَّافِعِيّ، وَسلف الحَدِيث فِي بَابه وَاضحا، وَتبع فِي ذَلِك الشَّافِعِي؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْمُخْتَصر عقب ذكْر الْخَبَر: وَلم يَقُلْ لَهُ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تأخذْهُ مِنْهَا إِلَّا فِي قبل عدتهَا، كَمَا أَمر المطلِّقَ غَيره.
وَذَلِكَ إِشَارَة إِلَى مَا ذكره الرَّافِعِيّ.
لَكِن فِي رِوَايَة الشَّافِعِي وَغَيره «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام خرج إِلَى الصُّبْح، فَوجدَ حَبِيبَة بنت سهل عِنْد بَابه فِي الْغَلَس» وَبِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون الَّذِي فِي الْمَسْجِد، ويقوى بِقَرِينَة خُرُوجه مِنْهُ إِلَى الصَّلَاة، وَإِذا كَانَ كَذَلِك لم يكن فِي تَركه السُّؤَال عَن الْحَال دلَالَة عَلَى عُمُوم الْمقَال لِأَن دُخُولهَا الْمَسْجِد دَلِيل عَلَى كَونهَا طَاهِرَة.

.الحديث الخَامِس:

حَدِيث ابْن عمر: «مُرْهُ، فليراجِعْهَا». هَذَا الحَدِيث صَحِيح، كَمَا سلف مَبْسُوطا.

.الحديث السَّادِس:

«أَن عُوَيْمِر الْعجْلَاني لما لَاعن عِنْد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كذبت عَلَيْهَا إِن أمسكْتهَا، هِيَ طَالِق ثَلَاثًا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث سهل بن سعد رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَسَيَأْتِي بِطُولِهِ فِي اللّعان- إِن شَاءَ الله ذَلِك وقدَّره.

.الحديث السَّابِع:

رُوي فِي قصَّة ابْن عُمر فِي بعض الرِّوَايَات: أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «مُرْهُ، فليراجِعْهَا حَتَّى تحيض، ثمَّ تطهر».
هَذَا الحَدِيث ذكره الرَّافِعِيّ دَلِيلا لأحد الْوَجْهَيْنِ: أَنه إِذا رَاجَعَهَا لَهُ أَن يطلقهَا فِي الطُّهْر الثَّانِي لتِلْك الْحَيْضَة، وَقد سلفت هَذِه الرِّوَايَة فِي أثْنَاء الحَدِيث الثَّانِي، ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك: وأظهرها لَا. فليمسكُهَا إِلَى أَن تحيض، وتطهر مرّة أُخْرَى. قَالَ: وَهَذَا مَا ورد فِي الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة فِي الْقِصَّة عَلَى مَا قدمْنَاهُ.
قلت: وَقد أسلفنا ذَلِك.

.الحديث الثَّامِن:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن قَوْله تَعَالَى: {الطَّلَاق مَرَّتَانِ}: فَأَيْنَ الثَّالِثَة يَا رَسُول الله؟ قَالَ: {أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان}».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مراسيله عَن إِسْمَاعِيل بن سميع قَالَ: سمعتُ أَبَا رزين الْأَسدي يَقُول: «جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا سَوَّلَ الله: أرأيتَ قَول الله تَعَالَى: {الطَّلَاق مَرَّتَانِ فإمساك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان} فَأَيْنَ الثَّالِثَة؟ قَالَ: تَسْرِيح بِإِحْسَان».
وَهَذَا مُرْسل، فَإِن أَبَا رزين هَذَا من التَّابِعين. قَالَه الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابه معرفَة الصَّحَابَة قَالَ: وَلم يذكرهُ فِي الصَّحَابَة غير ابْن شاهين، قَالَ عبد الْحق: وقد أسْند هَذَا عَن إِسْمَاعِيل بن سميع، عَن أنس، وَعَن قَتَادَة، عَن أنس، والمرسل أصح، وَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله: إِن الْمُرْسل هُوَ الصَّوَاب.
وَرَوَاهُ أَيْضا الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه عَن الْحُسَيْن بن إِسْمَاعِيل، ثَنَا عبيد الله بن جرير بن جبلة، ثَنَا عبيد الله بن عَائِشَة، ثَنَا حَمَّاد بن سَلمَة، ثَنَا قَتَادَة، عَن أنس، «أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله، أَلَيْسَ قَالَ الله تَعَالَى: {الطَّلَاق مَرَّتَانِ} فَلم صَار ثَلَاثًا؟! قَالَ: إمْسَاك بِمَعْرُوف، أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان».
ثمَّ رَوَاهُ عَن أَحْمد بن مُحَمَّد بن زِيَاد الْقطَّان، ثَنَا إِدْرِيس بن عبد الْكَرِيم الْمُقْرِئ، ثَنَا لَيْث بن حَمَّاد، ثَنَا عبد الْوَاحِد بن زِيَاد، ثَنَا إِسْمَاعِيل بن سميع الْحَنَفِيّ، عَن أنس: «قَالَ رجل للنَّبِي: إِنِّي أسمع الله تَعَالَى يَقُول: {الطَّلَاق مَرَّتَانِ} فَأَيْنَ الثَّالِثَة؟ قَالَ: إمْسَاك بِمَعْرُوف، أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان».
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: كَذَا قَالَ: عَن أنس، وَالصَّوَاب: عَن إِسْمَاعِيل، عَن أبي رزين مُرْسلا عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَالَ ابْن الْقطَّان وَعِنْدِي أَن هذَيْن الْحَدِيثين صَحِيحَانِ؛ فَإِن عبيد الله ابْن عَائِشَة ثِقَة، قد برِئ مِمَّا قذف بِهِ من الْقدر، وَهُوَ أحد الأجواد الْمَشْهُورين بالجود، وأخباره فِي ذَلِك كَثِيرَة، وَهُوَ سيد من سَادَات أهل الْبَصْرَة، وَكَانَ عَالما بِالْعَرَبِيَّةِ وَأَيَّام النَّاس، وَكَانَ عِنْده عَن حَمَّاد بن سَلمَة تِسْعَة آلَاف حديثٍ. وعبيد الله بن جرير بن جبلة قَالَ الْخَطِيب: كَانَ ثِقَة.
وَأما الحَدِيث الثَّانِي: فَإِن مَدَاره عَلَى إِسْمَاعِيل بن سميع، وَعَلِيهِ اخْتلفُوا؛ فَمن قَائِل عَنهُ عَن أبي رزين مَرْفُوعا كالثوري، وَمن قَائِل عَنهُ عَن أنس كَعبد الْوَاحِد بن زِيَاد، وَعبد الْوَاحِد ثِقَة، وَلَيْث بن حَمَّاد هَذَا صَدُوق. قَالَه الْخَطِيب، وَإِدْرِيس ثِقَة وَفَوق الثِّقَة بِدَرَجَة، قَالَه الْخَطِيب وَقَالَ ابْن الْمُنَادِي: كتب النَّاس عَنهُ لِثِقَتِهِ وجلالته، وَإِسْمَاعِيل بن سميع فِي نَفسه كُوفِي ثِقَة مَأْمُون، قَالَه ابْن معِين. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: صَدُوق، صَالح الحَدِيث. وَقَالَ يَحْيَى بن سعيد: لم يكن بِهِ بَأْس. وَقَالَ أَحْمد: صَالح الحَدِيث. قَالَ ابْن الْقطَّان: فالحديثان صَحِيحَانِ.
قلت: وأمَّا الْبَيْهَقِيّ، فَإِنَّهُ وَهَّى طَريقَة الدَّارَقُطْنِيّ عَن قَتَادَة، عَن أنس، فَقَالَ بعد أَن أخرج حديثَ إِسْمَاعِيل بن سميع عَن أنس فَقَالَ: «إِن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي أسمع الله تَعَالَى يَقُول: {الطَّلَاق مَرَّتَانِ} فَلِمَ صَار ثَلَاثًا؟ قَالَ: إمْسَاك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان هِيَ الثَّالِثَة».
كَذَا قَالَ: عَن أنس، وَالصَّوَاب: عَن إِسْمَاعِيل، عَن أبي رزين، عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مُرْسلا، كَذَا رَوَاهُ جمَاعَة من الثِّقَات عَن إِسْمَاعِيل، ثمَّ سَاقه من حَدِيث أبي رزين، ثمَّ قَالَ: يُرْوى عَن قَتَادَة، عَن أنس، وَلَيْسَ بِشَيْء.

.الحديث التَّاسِع:

«أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَى منزل حَفْصَة، فَلم يجدهَا، وَكَانَت قد خرجتْ إِلَى بَيت أَبِيهَا، فَدَعَا ماريةَ إِلَيْهِ، وأتتْ حفصةُ فعرفتِ الحالَ، فَقَالَت: يَا رَسُول الله، فِي بَيْتِي وَفَى يومي وَعَلَى فِرَاشِي! فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يسترضيها: إِنِّي أُسِرُّ إِلَيْك سرًّا فاكْتُميْه هِيَ عليَّ حرَام. فَنزل قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم مَا أحل الله لَك} الْآيَة».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمْ، وَاللَّفْظ الْمَذْكُور قريبٌ من لفظ الْبَيْهَقِيّ.
وَهَذَا لَفظه عَن سعيد بن مَنْصُور: ثَنَا هشيم، أَنا عُبَيْدَة، عَن إِبْرَاهِيم وجويبر، عَن الضَّحَّاك «أَن حَفْصَة أم الْمُؤمنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها زارت أَبَاهَا ذَات يَوْم، وَكَانَ يَوْمهَا، فلمَّا جَاءَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يرهَا فِي الْمنزل: أرسل إِلَى أَمَتِهِ ماريةَ القبطيةِ، فَأصَاب مِنْهَا فِي بَيت حَفْصَة، فَجَاءَت حفصةُ عَلَى تِلْكَ الْحَال فَقَالَت: يَا رَسُول الله، أتفعلُ هَذَا فِي بَيْتِي وفِي يومي؟! قَالَ: فَإِنَّهَا حرَام عليَّ، لَا تُخْبِرِي بذلك أحدا. فَانْطَلَقت حَفْصَة إِلَى عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها فَأَخْبَرتهَا بذلك، فَأنْزل الله تَعَالَى فِي كِتَابه: {يَا أَيهَا النَّبِي لِمَ تحرم مَا أحل الله لَك} إِلَى قَوْله: {وَصَالح الْمُؤمنِينَ} فأُمر أَن يكفِّر عَن يَمِينه وَيُرَاجع أَمَتَه».
وَلَفظ الدَّارَقُطْنِيّ: عَن عمر قَالَ: «دخل النبيُّ بأُمِّ وَلَده مَارِيَة فِي بَيت حَفْصَة، فوجدتْه حفصةُ مَعهَا» ثمَّ ذكر الحديثَ نَحْو رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ، وَقَالَ فِي آخِره: فذكرتْه لعَائِشَة، فآلى أَن لَا يدْخل عَلَى نِسَائِهِ شهرا، فاعتزلهن تسعا وَعشْرين لَيْلَة، فَأنْزل الله تَعَالَى: {يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم مَا أحل الله لَك} الْآيَة.
وَلَفظ النَّسَائِيّ: عَن أنس: «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كانتْ لَهُ أَمَة يَطَؤُهَا، فَلم تزل بِهِ عَائِشَة وَحَفْصَة حَتَّى حرَّمها عَلَى نَفسه، فَأنْزل الله تَعَالَى: {يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرِّم} الْآيَة».
وَرَوَاهُ الْحَاكِم بِهَذَا اللَّفْظ، وَقَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم.
وَرَوَاهُ أَبُو داو أَيْضا فِي مراسيله عَن قَتَادَة قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَيت حَفْصَة، فدخلتْ فرأتْ مَعَه فَتَاتَهُ، فَقَالَت: فِي بَيْتِي ويومي، فَقَالَ: اسكتي، فواللَّهِ لَا أَقْرَبُهَا، وَهِي عليَّ حرامٌ».
فَائِدَة: قَالَ القَاضِي عِيَاض: اخْتلف فِي سَبَب نزُول قَوْله تَعَالَى: {لم تحرم مَا أحلَّ الله لَك} فَقَالَت عَائِشَة: فى قصَّة الْعَسَل. وَعَن زيد بن أسلم: «فى تَحْرِيم مَارِيَة» وَالصَّحِيح: أَنه فِي الْعَسَل، لَا فِي قصَّة مَارِيَة، الَّتِي لم تأت من طَرِيق صَحِيح. هَذَا لَفظه.

.الحديث العَاشِر:

عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: «أَن النبىَّ حرَّم مَارِيَة عَلَى نَفسه، فَنزل قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم} الْآيَة، فَأمر النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كلَّ مَنْ حرَّم عَلَى نَفسه مَا كَانَ حَلَالا أَن يعْتق رَقَبَة، أَو يطعم عشرَة مَسَاكِين، أَو يكسوهم».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من رِوَايَة مُعَاوِيَة بن أبي صَالح، عَن ابْن أبي طَلْحَة، عَن ابْن عَبَّاس: «أَنه قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: {قد فرض الله لكم تَحِلَّة أَيْمَانكُم}: أَمر اللَّه نبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْمُؤمنِينَ إِذا حرَّموا شَيْئا مِمَّا أحل الله: أَن يكفِّروا عَن أَيْمَانهم بإطعام عشرَة مَسَاكِين، أَو كسوتهم، أَو تَحْرِير رَقَبَة، وَلَيْسَ يدْخل فِي ذَلِك طَلَاق».

.الحديث الحَادِي عشر:

«أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خيَّر نساءَه بَين المُقَام مَعَه وَبَين مُفَارقَته، لمَّا نزل قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا النبى قل لِأَزْوَاجِك} الْآيَة وَالَّتِي بعْدهَا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم من رِوَايَة عَائِشَة، كَمَا تقدَّم في الخصائص، فراجِعْه مِنْهُ.
وَفَى مُسْند أَحْمد من حَدِيث عليّ بإسنادٍ ضَعِيف: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام خيَّر نِسَاءَهُ بَين الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، وَلم يخيِّرهن الطَّلَاق».

.الحديث الثَّانِي عشر:

«أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لعَائِشَة لمَّا أَرَادَ تَخْيِير نِسَائِهِ: إِنِّي ذاكرٌ لَك أمرا، فَلَا تبادريني بِالْجَوَابِ حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك».
هَذَا الحَدِيث بعضٌ مِنَ الذي قبْله، وَقد أَشَرنَا إِلَى موضِعين، ثمَّ اعلمْ: أَن الرافعى نقل عَن الْأَصْحَاب: أَن الأَصْل فِي تَجْوِيز تَفْوِيض الطَّلَاق إِلَى زَوجته تخييره- عَلَيْهِ السَّلَام- نِسَائِهِ، كَمَا تقدم، ثمَّ ذكر هَذَا الحديثَ وَقَالَ: إِنَّه احْتُجَّ بِهِ عَلَى جَوَاز تَأْخِير التَّطْلِيق وَالْحَالة هَذِه، وَلَا يشْتَرط فِيهِ التورية. وَفِيه نظر؛ فَإِن ظَاهر الْآيَة يَقْتَضِي أَنه لم يكن الْقَصْد تَفْوِيض الطَّلَاق إِلَيْهَا وَلَا توكيلها، فندب إعلامها بذلك، حَتَّى إِذا أجازتِ الفراقَ أنشأ رسولُ الله فراقَهَا بعد ذَلِك.

.الحديث الثَّالِث عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «رفع الْقَلَم عَن ثلاثٍ: عَن الصَّبِي حَتَّى يبلغ...» الحديثَ.
هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي كتاب: الصَّلَاة، فراجِعْه.

.الحديث الرَّابِع عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «ثَلَاث جَدُّهن جَدٌّ وهزلهُنَّ جَدٌّ: الطَّلَاق، وَالنِّكَاح، وَالْعتاق».
هَذَا الحَدِيث تبع فِي إِيرَاده الغزاليّ فِي الوسيطِ، والوسيطُ تبع النهايةَ. والوارد فِي كتب الحَدِيث الْمَشْهُورَة: «الرُّجْعة» بدل «الْعتاق».
رَوَاهُ هَكَذَا: أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَابْن مَاجَه، وَالْحَاكِم، وَالدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة: عَطاء بن أبي رَبَاح، عَن يُوسُف بن مَاهك الْمَكِّيّ، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا.
وَقد ذكره الرافعيُّ بَعْدُ عَلَى الصَّوَاب؛ حَيْثُ قَالَ: ويُرْوَى بدل «الْعتاق»: «الرّجْعَة».
وَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يُورِدهُ عَلَى الْعَكْس، فيذكره أَولا بِلَفْظ: «الرّجْعَة»، ثمَّ يَقُول: ويُرْوى بدل «الرّجْعَة»: «الْعتاق». فَإِنَّهُ مرويٌّ أَيْضا بِهِ.
إِسْنَاده ضَعِيف، كَمَا ستعلمه، قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب، قَالَ ابْن الْقطَّان: لم يُصَحِّحهُ، لِأَنَّهُ من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن حبيب بن أردك مولَى بني مَخْزُوم، وَإِن كَانَ قد رَوَى عَنهُ جماعةٌ؛ فَإِنَّهُ لَا يعرف حَاله.
قلت: قد عرفت. قَالَ النَّسَائِيّ: مُنكر الحَدِيث، وَذكره ابْن حبَان فِي ثقاته، قَالَ الْحَاكِم: إِنَّه من ثِقَات الْمَدَنِيين، وَإنَّهُ حَدِيث صَحِيح. وَأقرهُ عَلَى ذَلِك صاحبُ الْإِلْمَام، وَخَالف ابْن الْعَرَبِيّ فَقَالَ: رُوي فِيهِ أَيْضا: «وَالْعِتْق»، وَلَا يَصح مِنْهُ شَيْء. وَأنكر عَلَيْهِ الْمُنْذِرِيّ الْحَافِظ بتحسين التِّرْمِذِيّ لَهُ، وَقَالَ: إِن أَرَادَ لَيْسَ مِنْهُ شَيْء عَلَى شَرط الصَّحِيح؛ فَلَا كَلَام، وَإِن أَرَادَ أَنه ضَعِيف؛ فَفِيهِ نظر، فَإِنَّهُ حسنٌ كَمَا قَالَه التِّرْمِذِيّ.
قلت: وصحيحٌ كَمَا قَالَه الْحَاكِم، وَلَعَلَّ ابْن الْعَرَبِيّ أَرَادَ بِهَذِهِ الرِّوَايَة مَا أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث ابْن لَهِيعَة، حَدثنِي عبد الله بن أبي جَعْفَر، عَن حَنش بن عبد الله السبائي، عَن فضَالة بن عبيد الْأنْصَارِيّ، عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «ثَلَاث لَا يجوز اللّعب فِيهِنَّ: الطَّلَاق، وَالنِّكَاح، وَالْعِتْق» مِمَّن عرف.
وَعبد الله هَذَا فِيهِ خلاف، وثَّقه أَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم، وَقَالَ مُحَمَّد بن حميد: كَانَ فَاسِقًا. قَالَ ابْن عدي: فِي بعض حَدِيثه مَا لَا يتُابع عَلَيْهِ. ثمَّ تنبه بعد ذَلِك لوهن فَاحش وَقع لِابْنِ الْجَوْزِيّ فِي هَذَا الحَدِيث؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابه التَّحْقِيق بعد أَن أخرجه من طَرِيق التِّرْمِذِيّ: فِي إِسْنَاده عَطاء، وَهُوَ ابْن عجلَان، مَتْرُوك الحَدِيث. وَهَذَا عَجِيب مِنْهُ، فعطاء هَذَا ابْن أبي رَبَاح كَمَا وَقع مُبَيَّنًا فِي سنَن أبي دَاوُد، وابْن مَاجَه، وَالدَّارَقُطْنِيّ، ومُسْتَدْرك الْحَاكِم، وَكَذَا الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من ثَلَاث طرق، وَكَذَا بيَّنه الحافظان ابْن طَاهِر، والمزي فِي أطرافهما وَسبب هَذِه الْمقَالة مِنْهُ أَنه وَقع فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ غير مَنْسُوب، وَهِي الَّتِي سَاقهَا، وَكَذَا فِي إِحْدَى رِوَايَات الدَّارَقُطْنِيّ.

.الحديث الخَامِس عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «رُفع عَن أُمتي الْخَطَأ، وَالنِّسْيَان، وَمَا اسْتُكْرهوا عَلَيْهِ».
هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه وَاضحا فِي بَاب شُرُوط الصَّلَاة فراجِعْه مِنْ ثَمَّ.

.الحديث السَّادِس عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا طَلَاق فِي إغلاق».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد من رِوَايَة عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «لَا طَلَاق فِي إغلاق».
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد كَذَلِك بِزِيَادَة: «وَلَا إِعْتَاق». وَفِي إسنادهما مُحَمَّد بن عبيد بن أبي صَالح، وَقد ضعفه أَبُو حَاتِم، ووثَّقه ابْن حبَان.
وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك من هَذَا الطَّرِيق بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم- أَي فِي ابْن إِسْحَاق-
لَكِن لم يحْتَج بِهِ مُسلم، وَوَقع فِي رِوَايَة الْحَاكِم: مُحَمَّد بن عبيد بن صَالح، بِإِسْقَاط أبي، وَكَأن الصَّوَاب الأوَّل.
قَالَ الْحَاكِم بعد أَن أخرجه من طَرِيقه: قد تَابع أَبُو صَفْوَان الْأمَوِي مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَلَى رِوَايَته عَن ثَوْر بن يزِيد، فأسقط من الْإِسْنَاد مُحَمَّد بن عبيد، فَرَوَاهُ عَن ثَوْر بن يزِيد، عَن صَفِيَّة، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا.
قلت: لَكِن فِيهِ نعيم بن حَمَّاد، وَهُوَ صَاحب مَنَاكِير، وَضعف هَذَا الحَدِيث عبد الْحق فِي أَحْكَامه بِسَبَب مُحَمَّد بن عبيد الْمَذْكُور، وَقَالَ: إِنَّه ضعيفٌ.
وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي سنَنه عَنهُ، وَلَكِن فِي إِسْنَاده عبيد بن أبي صَالح، بِإِسْقَاط مُحَمَّد.
وَرَوَاهُ أَبُو يعْلى من رِوَايَة ثَوْر، عَن عُبَيْدَة بن سُفْيَان عَن صَفِيَّة بنت شيبَة، عَن عَائِشَة، قَالَ الْمزي فِي تهذيبه: وَرِوَايَة أبي دَاوُد هَذَا الحَدِيث عَن ثَوْر، عَن مُحَمَّد بن عبيد بن أبي صَالح أصوب من رِوَايَة ابْن مَاجَه، قَالَ: وَكَذَا قَالَه ابْن أبي حَاتِم وَغَيره.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من طَرِيق آخر لَيْسَ فِيهَا مُحَمَّد بن عبيد الْمَذْكُور، وَرَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ إِلَى زَكَرِيَّا بن إِسْحَاق، وَمُحَمّد بن عُثْمَان جَمِيعًا، عَن صَفِيَّة بنت شيبَة، أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا طَلَاق وَلَا إِعْتَاق فِي إغلاق».
وسَاق ابْن الْجَوْزِيّ هَذَا الحَدِيث من طَرِيق الإِمَام أَحْمد محتجًا بِهِ، وَلم يضعِّف محمدَ بن عبيد هَذَا، وَلَا ذكره فِي ضُعَفَائِهِ، وَلَيْسَ بجيِّدٍ مِنْهُ.
تَنْبِيه: قَالَ الرَّافِعِيّ: فَسَّرَ علماءُ الْعَرَبيَّة الإغلاق بِالْإِكْرَاهِ وَهُوَ كَمَا قَالَ، فقد قَالَه الإِمَام أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ عَلَى مَا نَقله ابْنه فِي علله عَنهُ، وَكَذَا قَالَ ابْن قُتَيْبَة وَغَيره: إِنَّه الْإِكْرَاه عَلَى الطَّلَاق وَالْعتاق، وَهُوَ مِنْ أغلقت الْبَاب، كَأَن الْمَكْرُوه أُغْلق عَلَيْهِ حَتَّى يفعل، قَالَ المطرزي فِي الْمغرب: ومَنْ أوَّله بالجنون، وَأَن الْجُنُون هُوَ المغلق عَلَيْهِ، فقد أبْعَدَ.
قَالَ: وَفِي سنَن أبي دَاوُد الإغلاق: أَظُنهُ الْغَضَب. وَمِنْه: إياك والمغلق، أَي الضجر والغلق، وَمَعْنَاهُ: لَا تغلق التطليقات كلهَا دفْعَة حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهَا شَيْء، لَكِن تُطَلِّق طَلَاق السّنة.

.الحديث السَّابِع عشر:

ورد الْخَبَر بِأَن «مَنْ أعتق شِقْصا من عبد أعتق كُله إِن كَانَ لَهُ مَال، وَإِلَّا يستسعى غير مشقوق عَلَيْهِ».
وَفَى سنَن أبي دَاوُد من حَدِيث همام، عَن قَتَادَة، عَن أبي الْمليح عَن أَبِيه: أَن رجلا أعتق شِقْصا من غُلَام، فَذكر ذَلِك للنبيِ، فَقَالَ: لَيْسَ لله شريك.
قَالَ أَبُو دَاوُد: زَاد ابْن كثير فِي حَدِيثه: «فَأجَاز- عَلَيْهِ السَّلَام- عِتْقه». وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا من هَذَا الْوَجْه، وَمن حَدِيث سعيد بن أبي عرُوبَة، وَهِشَام، عَن قَتَادَة، عَن أبي الْمليح بِدُونِ ذكر أَبِيه، ثمَّ قَالَ: هِشَام، وَسَعِيد أثبت فِي قَتَادَة من همام، وحديثهما أَوْلى بِالصَّوَابِ.
قلت: قد رَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث عبد الله بن بكر السَّهْمِي: ثَنَا سعيد، عَن قَتَادَة، عَن أبي الْمليح عَن أَبِيه: «أَن رجلا من قومه أعتق شِقْصا لَهُ من مَمْلُوك، فَرفع ذَلِك إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَجعل عَلَيْهِ خُلَاصَة فِي مَاله وقَالَ: لَيْسَ لله شريك».
فَهَذَا عبد الله بن بكر رَوَاهُ عَن سعيد، وَقَالَ فِيهِ عَن أَبِيه: «أَن رجلا من هُذَيْل أعتق سقصًا لَهُ من مَمْلُوك، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: هُوَ حر كُله، لَيْسَ لله شريك».

.الحديث الثَّامِن عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا طَلَاق إِلَّا بعد نِكَاح، وَلَا عِتْق إِلَّا بعد مِلْك».
هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من عدَّة طرق:
مِنْهَا: طَرِيق جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا طَلَاق لمَنْ لَا يملك، وَلَا عتاق لمَنْ لَا يملك».
رَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من هَذَا الْوَجْه، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، قَالَ: وَشَاهده الْمَشْهُور فِي الْبَاب: عَن عَمرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لَا طَلَاق قَبْل نِكَاح».
وَفِي حَدِيث هشيم: «لَا نَذْرَ لابْنِ آدم فِيمَا لَا يملك، وَلَا طَلَاق فِيمَا لَا يملك، وَلَا عتاق فِيمَا لَا يملك».
ثمَّ أسْند الحاكمُ من طَرِيق ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: «مَا قَالَهَا ابْن مَسْعُود، وَإِن يكن قَالَهَا فَزَلّةٌٌ من عالمٍ، فِي الرجل يَقُول: إِن تزوجتُ فُلَانَة فَهِيَ طالقٌ، فَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نكحتم الْمُؤْمِنَات ثمَّ طلقتموهن} وَلم يقل: إِذا طلّقْتُم الْمُؤْمِنَات ثمَّ نكحتموهن».
ثمَّ قَالَ- أَعنِي: الْحَاكِم-: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، هَذَا آخر مَا ذكره هِشَام، ثمَّ أعَاد قَول ابْن عَبَّاس فِي أثْنَاء كتاب التَّفْسِير، فِي سُورَة الْأَحْزَاب لَكِن بِلَفْظ آخر وَهُوَ: «أَن ابْن عَبَّاس تلى قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نكحتم الْمُؤْمِنَات ثمَّ طلقتموهن من قبل أَن تمَسُّوهُنَّ}: فَلَا يكون طَلَاق حَتَّى يكون نِكَاح».
ثمَّ قَالَ: حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ، قَالَ الْحَاكِم: أَنا متعجبٌ من الشَّيْخَيْنِ والإمامين- يعْنى: البُخَارِيّ وَمُسلمًا-، كَيفَ أهملا هَذَا الحَدِيث وَلم يخرجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ؟!، فقد صَحَّ عَلَى شَرطهمَا: حديثُ ابْنِ عُمر، وعائشةَ، وعَبْدِ الله بن عَبَّاس، ومعاذِ بن جبل، وجابرِ بْنِ عبد الله.
أما حَدِيث ابْن عمر: فَرَوَاهُ نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا: «لَا طَلَاق إِلَّا بعد نِكَاح».
قلت: وَنقل الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته عَن صاعد أَنه قَالَ: هَذَا حَدِيث غَرِيب، لَا أعرف لَهُ عِلّة.
وَأما حَدِيث عَائِشَة: فَرَوَاهُ عُرْوَة عَنْهَا مَرْفُوعا بِهِ وَزِيَادَة: «وَلَا عتق إِلَّا بَعْدَ مِلْك».
قلت: قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سَأَلت أبي عَنهُ، فَقَالَ: حَدِيث مُنكر، وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي علله من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ: «لَا طَلَاق قبل نِكَاح، وَلَا عتق قَبْل مِلْك».
ثمَّ قَالَ: إِنَّه لَا يَصح، فِيهِ بشر بن السّري. قَالَ الحميدى: لَا يحل أَن يكْتب عَنهُ.
وَأما حَدِيث عبد الله بن عَبَّاس: فَرَوَاهُ عَطاء بن أبي رَبَاح عَنهُ مَرْفُوعا: «لَا طَلَاق لمَنْ لَا يملك».
وَأما حَدِيث معَاذ: فَرَوَاهُ طَاوس عَنهُ مَرْفُوعا: «لَا طَلَاق إِلَّا بعد نِكَاح، وَلَا عتق إِلَّا بعد مِلْك».
وَأما حَدِيث جَابر بن عبد الله فَرَوَاهُ مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَنهُ مَرْفُوعا «لَا طَلَاق لما لَا يملك، وَلَا عتق لما لَا يملك».
وَفَى رِوَايَة عَنهُ: «لَا طَلَاق وَلَا نِكَاح».
قلت: وَرَوَاهُ أَبُو الزبير عَنهُ، كَذَا أخرجه أَبُو يَعْلى الْموصِلِي فِي مُسْنده عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن سهم الْأَنْطَاكِي، ثَنَا بَقِيَّة بن الْوَلِيد، ثَنَا مُبشر بن عبيد، عَن أبي الزبير عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله: «لَا تنْكح النِّسَاء إِلَّا من الْأَكفاء، وَلَا يُزَوِّجُهُنَّ إِلَّا الْأَوْلِيَاء، وَلَا مهر دون عدَّة دَرَاهِم».
وَعَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لَا طَلَاق قَبْلَ نِكَاح، وَلَا عتق قَبْلَ ملك، وَلَا نِكَاح إِلَّا بوليٍّ».
قَالَ الْحَافِظ مُحَمَّد الْمَقْدِسِي: رجال إِسْنَاده ثِقَات، كَذَا نَقله عَنهُ الْحَافِظ شرف الدِّين الدمياطي وَأقرهُ، وَهُوَ عَجِيب مِنْهُ، ف مُبشر بن عبيد: وضَّاع، هَالك.
وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي علله من حَدِيث جَابر مَرْفُوعا «لَا طَلَاق قَبْلَ نِكَاح، وَلَا عتق لمن لَا يملك، وَلَا صمت يَوْم إِلَى اللَّيْل، وَلَا وصال فِي صِيَام، وَلَا رضَاع بعد فِطَام، وَلَا يُتْمَ بعد حُلُم، وَلَا رَهْبَانِيَّة فِينَا».
ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث لَا يَصح، لأجْلِ سعيد بن المزبان الْبَقَّال: مَتْرُوك.
قَالَ الْحَاكِم: مدَار سَنَد هَذَا الحَدِيث، يَعْنِي: أصل حَدِيث: «لَا طَلَاق قبل نِكَاح، وَلَا عتق قبل ملك»: عَلَى إسنادين ذاهبَيْن؛ جُوَيْبِر، عَن الضَّحَّاك، عَن النزال بن سُبْرَة، عَن عَلّي، وَعَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده، فَلذَلِك لم يَقع الِاسْتِقْصَاء من الشَّيْخَيْنِ فِي طلب هَذِه الْأَسَانِيد الصَّحِيحَة.
قلت: وَطَرِيق جُوَيْبِر: أخرجهَا ابْن مَاجَه بِلَفْظ: «لَا طَلَاق قبل النِّكَاح».
وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي علله من وَجه آخر عَن عليِّ مَرْفُوعا بِلَفْظ: «لَا طَلَاق إِلَّا بعد ملك، وَلَا عتاق إِلَّا بعد ملك».
ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث لَا يَصح، لأجْل عبد الله بن زِيَاد بن سمْعَان الكذَّاب، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث، وَإِنَّمَا رَوَاهُ ابْن الْمُنْكَدر مُرْسلا عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ الصَّوَاب.
قَالَ: وَرَوَاهُ ابْن الْمُنْكَدر، عَن جَابر، وَلَا يَصح، عَن جَابر، وَنقل بَعْد عَن الدَّارَقُطْنِيّ: أَن الْمَحْفُوظ فِيهِ وَقفه عَلَى جُوَيْبِر، بعد أَن أردفه بِلَفْظ: «لَا يُتْمَ بعد حُلُم، وَلَا طَلَاق إِلَّا بعد نِكَاح، وَلَا عتق إِلَّا بعد ملك، وَلَا وصال فِي صِيَام، وَلَا صَمْت يَوْم إِلَى اللَّيْل».
ثمَّ ذكر الْحَاكِم حَدِيث عَمرو بن شُعَيْب فِي كتاب: الْأَيْمَان وَالنُّذُور، فَرَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ إِلَى عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث، عَن عَمرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن عبد الله بن عَمرو: أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «مَنْ طلق مَا لَا يملك فَلَا طَلَاق لَهُ، ومَنْ أعتق مَنْ لَا يملك فَلَا عتاق لَهُ، ومَنْ نذر فِيمَا لَا يملك فَلَا نذر لَهُ، ومَنْ حلف عَلَى معصيةٍ فَلَا يَمِين لَهُ، ومَنْ حلف عَلَى قطيعة رحم: فَلَا يَمِين لَهُ».
ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، وَلم يخرجَاهُ.
قلت: وَعبد الرَّحْمَن هَذَا قَالَ فِيهِ أَحْمد: مَتْرُوك. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: شيخ.
قَالَ الْحَاكِم: وعِنْد عَمْرو بن شُعَيْب فِيهِ إسنادٌ آخر، فَذكره بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ، عَن سعيد بن الْمسيب: «أَن أَخَوَيْنِ من الْأَنْصَار كَانَ بَينهمَا مِيرَاث، فَسَأَلَ أحدُهُما صَاحبه الْقِسْمَة، فَقَالَ: لَئِن عُدَّتَ سَأَلتنِي الْقِسْمَة: لم أكلِّمك أبدا، وكل ماليِ فِي رتاج الْكَعْبَة، فَقَالَ عمر بن الْخطاب: إِن الْكَعْبَة لغَنِيَّة عَن مَالك، كفر عَن يَمِينك وكلِّمْ أَخَاك، فَإِنِّي سمعتُ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَا يَمِين عَلَيْك، وَلَا نذر فِي مَعْصِيّة الرب، وَلَا فِي قطيعة الرَّحِم، وَلَا فِيمَا لَا يملكهُ ابْن آدم».
قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، وَلم يخرجَاهُ.
قلت: وَحَدِيث عَمرو بن شُعَيْب هَذَا أخرجه أَحْمد وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث مطر الْوراق عَنهُ بِلَفْظ د: «لَا طَلَاق إِلَّا فِيمَا تملك، وَلَا عتق إِلَّا فِيمَا تملك، وَلَا بيع إِلَّا فِيمَا تملك، وَلَا وَفَاء نذر فِيمَا لَا تملك».
وَلَفظ النَّسَائِيّ: «لَيْسَ عَلَى رجلٍ بيعٌ فِيمَا لَا يملك».
وَلَفظ أَحْمد: «لَيْسَ عَلَى رجلٍ طَلَاق فِيمَا لَا يملك وَلَا عتاق فِيمَا لَا يملك، وَلَا بيع فِيمَا لَا يملك».
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ من حَدِيث الْأَحول عَنهُ مَرْفُوعا: «لَا نذر لِابْنِ آدم فِيمَا لَا يملك، وَلَا عتق لَهُ فِيمَا لَا يملك، وَلَا طَلَاق لَهُ فِيمَا لَا يملك».
قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، قَالَ: وَهُوَ أحسن شَيْء رُوِيَ فِي هَذَا الْبَاب وَهُوَ قَول أَكثر أهل الْعلم من أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ البُخَارِيّ أَنه: أصح شَيْء فِي الطَّلَاق قَبْل النِّكَاح. وَقَالَ الْخطابِيّ: أسعد النَّاس بِهَذَا الحَدِيث مَنْ قَالَ بِظَاهِرِهِ وأجْرَاه عَلَى عُمُومه، إذْ لَا حُجَّة مَعَ مَنْ فرق بَين حالٍ وحالٍِ، والْحَدِيث حسن.
قلت: وَفَى الْبَاب أَيْضا عَن الْمسور بن مخرمَة، رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيثه مَرْفُوعا: «لَا طَلَاق قبل نِكَاح، وَلَا عتق قبل ملك».
وَفَى إِسْنَاده عليّ بن حُسَيْن بن وَاقد: ضعَّفه أَبُو حَاتِم، وقوَّاه عُرْوَة، وَهِشَام بن سعد المَخْزُومِي: وَهُوَ من رجال مُسلم فِي الشواهد، وَقد ضَعَّفُوهُ، وَاقْتصر عَلَى هَذِه الطَّرِيقَة صَاحب الْإِلْمَام، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو بكر الصدِّيق، وعليُّ بن أَبَى طَالب، وَابْن عَبَّاس، ومعاذ، وَزيد، وَأَبُو سعيد، وَعمْرَان، وَأَبُو مُوسَى، وَأَبُو هُرَيْرَة، والمسور، وَعَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، قَالَ: وَأَصَح حَدِيث فِيهِ وأشْهَرُه: حديثُ عَمرو بن شُعَيْب المتقدِّم، وحديثُ الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة.... قَالَه البُخَارِيّ.
قَالَ: وروُي مِثْلُ ذَلِك عَن جماعات من التَّابِعين فَذكرهمْ، وَفَى علل ابْن أَبَى حَاتِم: سَمِعت أبي يَقُول: سَمِعت مُحَمَّد بن خلف الْعَسْقَلَانِي يَقُول قَالَ ليِ يَحْيَى بْنُ معِين: لَا يَصح عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لَا طَلَاق قبل نِكَاح»، وَأَصَح شَيْء فِيهِ: حديثُ الثَّوْريّ عَن ابْن الْمُنْكَدر عَمَّنْ سمع طاوسًا أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا طَلَاق قبل نِكَاح».
وَقَالَ ابْن عبد الْبر فِي استذكاره: إِن هَذَا الحَدِيث قد رُوي من وُجُوه، إِلَّا أَنَّهَا عِنْد أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ، معلولة.
قلت: وَقد عرفتَ صِحَة بَعْضهَا من كَلَام التِّرْمِذِيّ، وَالْحَاكِم، وَالْبَيْهَقِيّ وَغَيرهم، وَلَا يقْدَح فِيهَا بعض طرقها الضعيفة.