فصل: الحديث الخَامِس:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّامِن:

«أَنه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن بيع الْغرَر».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ وَهُوَ من أَفْرَاده، وَرَوَاهُ أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي علله من حَدِيث ابْن عمر، وَصَححهُ ابْن حبَان وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث ابْن عَبَّاس، وَفِي إِسْنَاده أَيُّوب بن عتبَة قَاضِي الْيَمَامَة وَقد ضَعَّفُوهُ وَرَوَاهُ أَحْمد من هَذَا الْوَجْه، وَفِيه قَالَ أَيُّوب: وَفسّر يَحْيَى بن أبي كثير بيع الْغرَر قَالَ: إِن من الْغرَر ضَرْبَة الغائص، وَبيع العَبْد الْآبِق، وَبيع الْبَعِير الشارد وَمَا فِي بطُون الْأَنْعَام، وَمَا فِي ضروعها إِلَّا بكيل وَبيع تُرَاب الْمَعَادِن.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالطَّبَرَانِيّ من حَدِيث سهل بن سعد، وَأَبُو يعْلى الْموصِلِي من حَدِيث أنس، وَأحمد وَأَبُو دَاوُد من رِوَايَة عَلّي.
وَرَوَاهُ أَبُو بكر أَحْمد بن عَمْرو بن أبي عَاصِم فِي كتاب الْبيُوع من حَدِيث عمرَان بن الْحصين كَمَا نَقله عَنهُ الضياء فِي أَحْكَامه، وَرَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ مُرْسلا، عَن سعيد بن الْمسيب، وَكَذَا الشَّافِعِي فِي الْمُخْتَصر وَقد ذَكرْنَاهُ مَوْصُولا من رِوَايَة جماعات من الصَّحَابَة.

.الحديث التَّاسِع:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من اشْتَرَى مَا لم يره فَلهُ الْخِيَار إِذا رَآهُ».
هَذَا الحَدِيث علق الشَّافِعِي فِي الْأُم فِي كتاب الصَدَاق القَوْل بِهِ عَلَى تَقْدِير ثُبُوته، وَقد خرجه الدَّارَقُطْنِيّ، ثمَّ الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة داهر بن نوح، عَن عمر بن إِبْرَاهِيم بن خَالِد عَن وهب الْيَشْكُرِي، عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَأَخْرَجَاهُ أَيْضا من رِوَايَة أبي بكر بن عبد الله بن أبي مَرْيَم عَن مَكْحُول، عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من اشْتَرَى شَيْئا لم يره فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِذا رَآهُ، إِن شَاءَ أَخذه وَإِن شَاءَ تَركه». وهما ضعيفان لَا يثبتان، أما الأول: فداهر بن نوح لَا يعرف كَمَا قَالَه ابْن الْقطَّان قَالَ: وَلَعَلَّ الْجِنَايَة مِنْهُ. وَعمر بن إِبْرَاهِيم بن خَالِد بن عبد الرَّحْمَن أَبُو حَفْص الْكرْدِي مولَى بني هَاشم، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: كَانَ كذابا يضع الحَدِيث. وَقَالَ ابْن حبَان: يروي عَن الثِّقَات مَا لم يحدثوا بِهِ قطّ، لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِخَبَرِهِ. وَقَالَ الْخَطِيب: كَانَ غير ثِقَة، يروي الْمَنَاكِير عَن الْأَثْبَات. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه:
هَذَا الحَدِيث بَاطِل. لم يروه غير عمر بن إِبْرَاهِيم وَهُوَ يضع الحَدِيث وَإِنَّمَا يروي هَذَا عَن ابْن سِيرِين من قَوْله. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه قبل أَن ينْقل كَلَام الدَّارَقُطْنِيّ: حَدِيث لَا يَصح، وَقَالَ فِي خلافياته: هَذَا بَاطِل لَا يَصح. وَنقل النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب اتِّفَاق الْحفاظ عَلَى ضعفه وَإِمَّا بِسَبَب ضعف الْإِرْسَال؛ لِأَن مَكْحُولًا تَابِعِيّ، وَضعف أبي بكر الْمَذْكُور فِيهِ، واسْمه بكر، وَقيل: بكير، وَقيل: عَمْرو، فَإِنَّهُ ضَعِيف بالِاتِّفَاقِ؛ لِكَثْرَة غلطه، وَفِي رِوَايَة عَن يَحْيَى أَنه صَدُوق، وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ من خِيَار أهل الشَّام وَلكنه كَانَ رَدِيء الْحِفْظ يحدث بالشَّيْء فَيَهِم، وَكثر ذَلِكَ حَتَّى اسْتحق التّرْك. وَقد ضعفه الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه من هذَيْن الْوَجْهَيْنِ، فَقَالَ: هَذَا الحَدِيث مُرْسل وَأَبُو بكر بن أبي مَرْيَم ضَعِيف. وَكَذَا الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه ومَعْرفَته وَعبارَته فِيهَا: وَأما حَدِيث «من اشْتَرَى مَا لم يره فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِذا رَآهُ» فَإِنَّهُ إِنَّمَا رَوَاهُ أَبُو بكر بن أبي مَرْيَم، عَن مَكْحُول رَفعه، وَهُوَ مُرْسل، وَأَبُو بكر ضَعِيف، وأسنده عمر بن إِبْرَاهِيم الْكرْدِي من أوجه عَن ابْن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة، وَإِنَّمَا رَوَاهُ الثِّقَات من أَصْحَاب ابْن سِيرِين من قَوْله، وَعمر بن إِبْرَاهِيم كَانَ يضع الحَدِيث. ثمَّ عزاهُ إِلَى الدَّارَقُطْنِيّ، وَالْحَاصِل أَنه حَدِيث لَا يصلح الِاحْتِجَاج بِمثلِهِ، وَإِن كَانَ الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة أَعنِي مَالِكًا، وَأَبا حنيفَة، وَأحمد قَالُوا بوقفه.

.الحديث العَاشِر:

عَن ابْن عَبَّاس رَضي اللهُ عَنهما «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى أَن يُبَاع صوف عَلَى ظهر، أَو لبن فِي ضرع».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمَا من رِوَايَة عمر بن فروخ، عَن حبيب بن الزبير، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تبَاع الثَّمَرَة حَتَّى يَبْدُو صَلَاحهَا، أَو يُبَاع صوف عَلَى ظهر، أَو سمن فِي لبن، أَو لبن فِي ضرع».
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: تفرد بِهِ عمر بن فروخ مَرْفُوعا وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ، قلت: تفرد بِهَذِهِ الْمقَالة فِيهِ، وَقد وَثَّقَهُ ابْن معِين وَأَبُو حَاتِم، ورضيه أَبُو دَاوُد، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد أرْسلهُ عَنهُ وَكِيع، وَرَوَاهُ غَيره مَوْقُوفا عَلَى ابْن عَبَّاس «لَا تشتري اللَّبن فِي ضروعها وَلَا الصُّوف عَلَى ظُهُورهَا» وَقَالَ: وَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ جماعات مَوْقُوفا عَلَيْهِ، قلت: وَكَذَا أخرجه الشَّافِعِي فِي الْأُم وَأَبُو دَاوُد فِي مراسيله. وَقَالَ عبد الْحق: هَذَا حَدِيث أسْندهُ يَعْقُوب الْحَضْرَمِيّ، عَن عمر بن فروخ وأرسله وَكِيع عَنهُ، وَلم يذكر السّمن وَاللَّبن، وأرسله ابْن الْمُبَارك عَن عِكْرِمَة بِمَعْنَاهُ، وَأما النَّهْي عَن بيع الثَّمَرَة حَتَّى يَبْدُو صَلَاحهَا فَصَحِيح مجمع عَلَيْهِ.
هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب بِحَمْد الله وَمَنِّه.

.وَأما أَثَره:

فَهُوَ مَا رُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود رَضي اللهُ عَنهُ أَنه قَالَ: «لَا تشتروا السّمك فِي المَاء فَإِنَّهُ غرر»، وَهَذَا الْأَثر صَحِيح، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن أَولا من حَدِيث أَحْمد بن حَنْبَل، وَهُوَ فِي مُسْنده ثَنَا مُحَمَّد بن السماك، عَن يزِيد بن أبي زِيَاد عَن الْمسيب بن رَافع، عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لَا تشتروا» فَذكره، قَالَ أَحْمد: وثنا بِهِ هشيم، عَن يزِيد بن أبي زِيَاد وَلم يرفعهُ وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ أَيْضا فِي مُعْجَمه الْكَبِير وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ هَكَذَا رُوِيَ مَرْفُوعا، وَفِيه إرْسَال بَين الْمسيب وَابْن مَسْعُود، وَالصَّحِيح مَا رَوَاهُ هشيم عَن يزِيد مَوْقُوفا عَلَى عبد الله، وَرَوَاهُ سُفْيَان الثَّوْريّ عَن يزِيد مَوْقُوفا عَلَى عبد الله أَنه كره بيع السّمك فِي المَاء. قلت: وَيزِيد هَذَا ضَعَّفُوهُ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله: يرويهِ يزِيد بن أبي زِيَاد، عَن الْمسيب بن رَافع، وَاخْتلف عَنهُ فرفعه أَحْمد بن حَنْبَل، عَن أبي الْعَبَّاس مُحَمَّد بن السماك، عَن يزِيد وَوَقفه غَيره، وزائدة وهشيم، عَن يزِيد بن أبي زِيَاد وَالْمَوْقُوف أصح، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي علله: إِنَّه حَدِيث لَا يَصح مَرْفُوعا، وَإِنَّمَا هُوَ من قَول ابْن مَسْعُود، قَالَ: وَرَوَاهُ هشيم وزائدة كِلَاهُمَا عَن يزِيد فَلم يرفعهُ قَالَ: فَيمكن أَن يكون يزِيد قد رَفعه فِي وَقت فَإِنَّهُ كَانَ يلقن فيتلقن وَقَالَ: وَيُمكن أَن يكون الْغَلَط من ابْن السماك، وَقد كَانَ عَلّي وَيَحْيَى وَغَيرهمَا لَا يحتجون بِهِ.

.باب الرِّبَا:

ذكر فِيهِ من الْأَحَادِيث أحد عشر حَدِيثا، وَمن الْآثَار أثرا وَاحِدًا.

.الحديث الأول:

«أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لعن آكل الرِّبَا وموكله وكاتبه وَشَاهده».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث جَابر رَضي اللهُ عَنهُ بِهَذَا اللَّفْظ زَاد وَقَالَ: «هم سَوَاء» وَرَوَاهُ مُسلم أَيْضا من حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «لعن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم آكل الرِّبَا وموكله» قَالَ مُغيرَة: قلت: لإِبْرَاهِيم: وشاهديه وكاتبه. فَقَالَ: إِنَّمَا نُحدث بِمَا سمعنَا. وَرَوَاهُ أَحْمد وَابْن حبَان وَابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالُوا: «لعن آكل الرِّبَا وموكله وشاهديه وكاتبه» وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَقَالَ: «آكل الرِّبَا وموكله وكاتبه إِذا علمُوا ذَلِكَ ملعونون عَلَى لِسَان مُحَمَّد يَوْم الْقِيَامَة» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد كَذَلِك وَقَالَ: «وَشَاهده» بِالْإِفْرَادِ كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ، وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك من حَدِيث مَسْرُوق. قَالَ: قَالَ عبد الله: «آكل الرِّبَا وموكله، وشاهداه إِذا علماه. والواشمة والمتوشمة ولاوي الصَّدَقَة وَالْمُرْتَدّ أَعْرَابِيًا بعد الْهِجْرَة ملعونون عَلَى لِسَان مُحَمَّد يَوْم الْقِيَامَة» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. وَرَوَاهُ ابْن حبَان أَيْضا من حَدِيث الْحَارِث بن عبد الله، عَن ابْن مَسْعُود، وَزَاد: «وكاتبه» وَزَاد بعد «المتوشمة»: «لِلْحسنِ» وَزَاد «و لاوي الصَّدَقَة». وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث الشّعبِيّ، عَن الْحَارِث، عَن عَلّي «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لعن آكل الرِّبَا وموكله..» الحَدِيث.

.الحديث الثَّانِي:

رَوَى الشَّافِعِي فِي الْمُخْتَصر أبنا عبد الْوَهَّاب، عَن أَيُّوب، عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن مُسلم بن يسَار، وَرجل آخر عَن عبَادَة بن الصَّامِت رَضي اللهُ عَنهُ أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا تَبِيعُوا الذَّهَب بِالذَّهَب وَلَا الْوَرق بالورق، وَلَا الْبر بِالْبرِّ، وَلَا الشّعير بِالشَّعِيرِ، وَلَا التَّمْر بِالتَّمْرِ، وَلَا الْملح بالملح إلاّ سَوَاء بِسَوَاء، عينا بِعَين، يدا بيد، وَلَكِن بيعوا الذَّهَب بالورق، وَالْوَرق بِالذَّهَب، وَالشعِير بِالْبرِّ، وَالْبر بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْر بالملح، وَالْملح بِالتَّمْرِ يدا بيد كَيفَ شِئْتُم» قَالَ الشَّافِعِي: وَنقص أَحدهمَا: «التَّمْر» أَو «الْملح» وَزَاد الآخر: «فَمن زَاد أَو اسْتَزَادَ فقد أَرْبَى».
هَذَا صَحِيح، رَوَاهُ الشَّافِعِي كَمَا ترَى فِي الْكتاب الْمَذْكُور، وَرَوَاهُ أَيْضا فِي كِتَابه السّنَن المأثورة الَّتِي رَوَاهَا الْمُزنِيّ عَنهُ، وَكَذَا رَوَاهُ عَنهُ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة والسّنَن وَهُوَ فِي صَحِيح مُسلم من أَفْرَاده من حَدِيث أبي قلَابَة، عَن أبي الْأَشْعَث، عَن عبَادَة بِلَفْظ: «الذَّهَب بِالذَّهَب، وَالْفِضَّة بِالْفِضَّةِ، وَالْبر بِالْبرِّ، وَالشعِير بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْر بِالتَّمْرِ، وَالْملح بالملح مثلا بِمثل سَوَاء بِسَوَاء، يدا بيد، فَإِذا اخْتلفت هَذِه الْأَجْنَاس فبيعوا كَيفَ شِئْتُم إِذا كَانَ يدا بيد» وَفِي رِوَايَة لَهُ من حَدِيث أَيُّوب، عَن أبي قلَابَة، قَالَ: كنت بِالشَّام فِي حَلقَة فِيهَا مُسلم بن يسَار فجَاء أَبُو الْأَشْعَث فَحدث عَن عبَادَة «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيع الذَّهَب بِالذَّهَب...» إِلَى أَن ذكر الْأَصْنَاف السِّتَّة وَزَاد: «إِلَّا سَوَاء بسواءٍ عينا بِعَين، فَمن زَاد أَو ازْدَادَ فقد أَرْبَى». وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه أَيْضا بِلَفْظ: «الذَّهَب بِالذَّهَب تِبْرها وعينها، وَالْفِضَّة بِالْفِضَّةِ تِبْرها وعينها، والبُرُّ بالبِّر مُدْيٌ بُمدْيٍ وَالشعِير بِالشَّعِيرِ مُديٌ بمُديٍ، وَالتَّمْر بِالتَّمْرِ مُديٌ بمديٍ وَالْملح بالملح مُديٌ بمديٍ فَمن زَاد أَو ازْدَادَ فقد أَرْبَى، وَلَا بَأْس بِبيع الذَّهَب بِالْفِضَّةِ، وَالْفِضَّة أكثرهما يدا بيد، وأمَّا النَّسِيئَة فَلَا». قَالَ الرَّافِعِيّ: وَفِي آخر حَدِيث عبَادَة «فبيعوا كَيفَ شِئْتُم إِذا كَانَ يدا بيد».
قلت: هَذِه الزِّيَادَة رَوَاهَا مُسلم كَمَا أسلفته لَك، قَالَ فِي أثْنَاء الْبَاب، وَفِي رِوَايَة بعد ذكر النَّقْدَيْنِ وَغَيرهمَا «إلاَّ يدا بيد» قلت: قد سلفت أَيْضا.
تَنْبِيهَات:
أَحدهَا: فِي هَذَا الرجل الْمُبْهم فِي رِوَايَة الشَّافِعِي أَرْبَعَة أَقْوَال أَحدهَا: عبد الله بن عبيد. قَالَه الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه، وَيُقَال: ابْن عَتيق، وَيُقَال: ابْن عتِيك.
ثَانِيهَا: عبد الله بن عبيد الله الْمَعْرُوف بِابْن هُرْمُز. حَكَاهُ الرَّافِعِيّ عَن بعض الشَّارِحين وَأَرَادَ بِهِ ابْن دَاوُد.
ثَالِثهَا: عبيد الله الْمدنِي حَكَاهُ القَاضِي حُسَيْن.
رَابِعهَا: أَبُو الْأَشْعَث الصَّنْعَانِيّ، حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ وَفِيه نظر؛ لِأَن الْبَيْهَقِيّ قَالَ فِي الْمعرفَة: زَعَمُوا أَن مُسلم بن يسَار لم يسمعهُ من عبَادَة نَفسه، إِنَّمَا سَمعه من أبي الْأَشْعَث الصَّنْعَانِيّ، عَن عبَادَة قَالَ: والْحَدِيث ثَابت من هَذَا الْوَجْه مخرج فِي كتاب مُسلم وَجزم فِي سنَنه بِهَذِهِ الْمقَالة.
ثَانِيهَا: قَوْله: وَنقص أَحدهمَا التَّمْر أَو الْملح يَعْنِي أحد الرجلَيْن وَلم يبين الَّذِي نقص مِنْهُمَا كَأَنَّهُ شكّ مِنْهُ، وَشك أَيْضا فِي أَن مَا نَقصه التَّمْر أَو الْملح، قَالَه الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب.
وَقَوله: «وَزَاد الآخر» يَعْنِي الَّذِي لم ينقص.
وَقَوله: «فَمن زَاد أَو اسْتَزَادَ» فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال:
أَحدهَا: أَنه شكّ آخر من الشَّافِعِي.
ثَانِيهَا: أَنه عَلَيْهِ السَّلَام تلفظ بهما جَمِيعًا، وَأَرَادَ بقوله «زَاد»: أعْطى الزِّيَادَة وَبِقَوْلِهِ «اسْتَزَادَ» أَخذ الزِّيَادَة أَو طلبَهَا، وَشبه ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «الراشي والمرتشي فِي النَّار» حَكَاهُمَا الرَّافِعِيّ.
ثَالِثهَا: أَن هَذَا من بَاب بكر وابتكر، وَأَنه للتَّأْكِيد حَكَاهُ القَاضِي عَن بَعضهم.
التَّنْبِيه الثَّالِث: «التبر» الْمَذْكُور فِي رِوَايَة أبي دَاوُد فِيهِ اضْطِرَاب لأهل اللُّغَة، كَمَا ذكرته فِي تخريجي لأحاديث الْمُهَذّب فَرَاجعه مِنْهُ.

.الحديث الثَّالِث:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الراشي والمرتشي فِي النَّار».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجم شُيُوخه، عَن أَحْمد بن سهل بن أَيُّوب، ثَنَا عَلّي بن بَحر، ثَنَا هِشَام بن يُوسُف، أبنا ابْن جريج، عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن الْحَارِث بن عبد الرَّحْمَن، عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن، عَن ابْن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «الراشي والمرتشي فِي النَّار» ثمَّ قَالَ الطَّبَرَانِيّ: لم يروه من حَدِيث ابْن جريج إلاّ عَلّي بن بَحر، عَن هِشَام.
قلت: وَإِسْنَاده جيد قَالَ: لَا أعلم بِهِ بَأْسا، والْحَارث لم يرو عَنهُ غير ابْن أبي ذِئْب، وَحَكَى عَنهُ الفضيل بن عِيَاض وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْن معِين: مَشْهُور. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَا بَأْس بِهِ. وَذكره ابْن حبَان فِي ثقاته وَفِي آخر كتاب الْفَضَائِل من صَحِيح الْحَاكِم، من حَدِيث الْحسن بن بشر بن سلم ثَنَا سَعْدَان بن الْوَلِيد، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من ولي عَلَى عشرَة فَحكم بَينهم أَحبُّوا أَو كَرهُوا جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة يَده مغلولة إِلَى عُنُقه، فَإِن حكم بِمَا أنزل الله وَلم يرتش فِي حكمه وَلم يحف فك الله عَنهُ يَوْم الْقِيَامَة، يَوْم لَا ظلّ إلاّ ظله، وَإِن حكم بِغَيْر مَا أنزل الله وارتشى فِي حكمه وحابى شدت يسَاره إِلَى يَمِينه، ثمَّ رمي بِهِ فِي جَهَنَّم فَلم يبلغ قعرها خَمْسمِائَة عَام» قَالَ الْحَاكِم: سَعْدَان بن الْوَلِيد البَجلِيّ كُوفِي قَلِيل الحَدِيث لم يخرجَا عَنهُ. قلت: وَالْحسن بن بشر من رجال البُخَارِيّ. وَقَالَ أَبُو حَاتِم وَغَيره:
صَدُوق. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن خرَاش: مُنكر الحَدِيث.

.الحديث الرَّابِع:

عَن معمر بن عبد الله قَالَ: «كنت أسمع النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: الطَّعَام بِالطَّعَامِ مثلا بِمثل».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث معمر بن عبد الله بن نَافِع بِهَذَا اللَّفْظ، وَفِيه قصَّة حذفهَا الرَّافِعِيّ وَهِي: «أَنه أرسل غُلامه بِصَاع قَمح فَقَالَ: بِعْهُ ثمَّ اشْتَرِ بِهِ شَعِيرًا. فَذهب الْغُلَام، فَأخذ صَاعا وَزِيَادَة بعض صَاع، فَلَمَّا جَاءَ معمر أخبرهُ بذلك، فَقَالَ لَهُ معمر: لم فعلت ذَلِكَ؟ انْطلق فَرده، وَلَا تأخذن إلاّ مثلا بِمثل، فَإِنِّي كنت أسمع رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: الطَّعَام بِالطَّعَامِ مثلا بِمثل، وَكَانَ طعامنا يومئذٍ الشّعير. قيل لَهُ: فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمثلِهِ. قَالَ: إِنِّي أَخَاف أَن يضارع».

.الحديث الخَامِس:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الذَّهَب بِالذَّهَب وزنا بِوَزْن، وَالْبر بِالْبرِّ كَيْلا بكيل».
هَذَا الحَدِيث كَرَّرَه الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب وَهُوَ حَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِهَذَا اللَّفْظ بإسنادٍ صَحِيح من رِوَايَة أبي الْأَشْعَث الصَّنْعَانِيّ أَنه شَاهد عبَادَة يحدث عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: «الذَّهَب بِالذَّهَب وزنا بِوَزْن، وَالْفِضَّة بِالْفِضَّةِ وزنا بِوَزْن، وَالْبر بِالْبرِّ كَيْلا بكيل، وَالشعِير بِالشَّعِيرِ كَيْلا بكيل، وَالتَّمْر بِالتَّمْرِ، وَالْملح بالملح، فَمن زَاد أَو اسْتَزَادَ فقد أَرْبَى» وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من هَذَا الْوَجْه بِإِسْنَاد صَحِيح بِلَفْظ: «الذَّهَب بِالذَّهَب تبره وعينه وزنا بِوَزْن، وَالْفِضَّة بِالْفِضَّةِ تبره وعينه وزنا بِوَزْن، وَالْملح بالملح وَالتَّمْر بِالتَّمْرِ وَالْبر بِالْبرِّ وَالشعِير بِالشَّعِيرِ كَيْلا بكيل، فَمن زَاد أَو ازْدَادَ فقد أَرْبَى».
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد كَمَا سلف فِي الحَدِيث الثَّانِي.

.الحديث السَّادِس:

عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: «أَمرنِي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن أَشْتَرِي بَعِيرًا ببعيرين إِلَى أجل».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة عَن ابْن إِسْحَاق، عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن مُسلم بن جُبَير، عَن أبي سُفْيَان، عَن عَمْرو بن حريش، عَن عبد الله بن عَمْرو «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أمره أَن يُجهز جَيْشًا فنفدت الْإِبِل، فَأمره أَن يَأْخُذ فِي قلاص الصَّدَقَة فَكَانَ يَأْخُذ الْبَعِير بالبعيرين إِلَى إبل الصَّدَقَة» سكت عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد، وَمُسلم بن جُبَير، وَعَمْرو بن حريش لَا أعلم حَالهمَا، وَلما ذكره عبد الْحق قَالَ: هَذَا الحَدِيث يرويهِ مُحَمَّد بن إِسْحَاق، وَقد اخْتلف عَلَيْهِ فِي إِسْنَاده قَالَ: والْحَدِيث مَشْهُور. وَاعْترض ابْن الْقطَّان عَلَيْهِ، فَقَالَ: هَذَا قَول تبع غَيره- يَعْنِي يَحْيَى بن معِين- والشهرة لَا تَنْفَعهُ، فَإِن الضَّعِيف قد يشْتَهر، وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرب. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد كَمَا تقدم، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث ابْن إِسْحَاق أَيْضا، عَن أبي سُفْيَان، عَن مُسلم، عَن عَمْرو بن حريش، قَالَ: سَأَلت ابْن عَمْرو، رَوَاهُ جرير بن حَازِم، عَن ابْن إِسْحَاق فأسقط يزِيد بن أبي حبيب، وَقدم أَبَا سُفْيَان عَلَى مُسلم.
قلت: وَكَذَا أخرجه أَحْمد فِي مُسْنده، وَرَوَاهُ عَفَّان، عَن حَمَّاد بن سَلمَة، فَقَالَ فِيهِ: عَن ابْن إِسْحَاق، عَن يزِيد، عَن مُسلم، عَن عَمْرو أَنه قَالَ لِابْنِ عَمْرو، رَوَاهُ عبد الْأَعْلَى، عَن ابْن إِسْحَاق، عَن أبي سُفْيَان، عَن مُسلم بن كثير، عَن عَمْرو بن حريش.. فَذكره، رَوَاهُ عَن عبد الْأَعْلَى أَبُو بكر بن أبي شيبَة، فأسقط يزِيد بن أبي حبيب، وَقدم أَبَا سُفْيَان، وَقَالَ مُسلم بن كثير بدل ابْن أبي حبيب، قَالَ ابْن القطَّان: وَبعد هَذَا الِاضْطِرَاب فعمرو بن حريش مَجْهُول الْحَال، وَمُسلم بن جُبَير: لم أجد لَهُ ذكرا وَلَا أعلمهُ فِي غير هَذَا الْإِسْنَاد، وَكَذَلِكَ مُسلم بن كثير مَجْهُول الْحَال أَيْضا إِذا كَانَ عَن أبي سُفْيَان وَأَبُو سُفْيَان فِيهِ نظر، وَذَلِكَ أَنه بِحَسب هَذَا الِاضْطِرَاب تَارَة يروي عَن ابْن إِسْحَاق وَتارَة يروي ابْن إِسْحَاق عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن مُسلم بن جُبَير، وَتارَة أَبُو سُفْيَان عَن مُسلم بن كثير، وَذكره ابْن أبي حَاتِم، فَقَالَ: أَبُو سُفْيَان مُسلم بن كثير، عَن عَمْرو بن حريش، رَوَى عَنهُ ابْن إِسْحَاق. فبحسب هَذَا الِاضْطِرَاب فِيهِ لم يتَحَصَّل من أمره شَيْء يجب أَن يعْتَمد عَلَيْهِ، وَلَكِن مَعَ هَذَا فَإِن عُثْمَان الدَّارمِيّ قَالَ: قلت لِابْنِ معِين: ابْن إِسْحَاق، عَن أبي سُفْيَان مَا حَال أبي سُفْيَان هَذَا؟ فَقَالَ: ثِقَة مَشْهُور. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِيهِ: عَن مُسلم بن كثير، عَن عَمْرو بن حريش، هَذَا حَدِيث مَشْهُور. فَالله أعلم إِن كَانَ الْأَمر هَكَذَا، وَقد اسْتَقل تَعْلِيل الحَدِيث بِغَيْرِهِ، فَهُوَ لَا يَصح. هَذَا آخر كَلَام ابْن الْقطَّان، وَقد عنعن ابْن إِسْحَاق فِي هَذَا الحَدِيث، فَمن لَا يرَى الِاحْتِجَاج بِهِ إِلَّا إِذا صرح بِالْحَدِيثِ أعلّه بِهِ.
وأمّا الْحَاكِم فَأخْرجهُ فِي مُسْتَدْركه من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة كَمَا أخرجه أَبُو دَاوُد إِسْنَادًا ومتنًا، إِلَّا أَنه قَالَ: من بدل فِي ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم وَلم يخرجَاهُ. وَقد أسلفنا غير مرّة أَن مُسلما لم يخرج لَهُ اسْتِقْلَالا، وَإِنَّمَا أخرج لَهُ مُتَابعَة، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وخلافياته: اخْتلفُوا عَلَى مُحَمَّد بن إِسْحَاق فِي إِسْنَاده، وَحَمَّاد بن سَلمَة أحْسنهم سِيَاقَة لَهُ، قَالَ: وَله شَاهد بِإِسْنَاد صَحِيح، فَذكره من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أمره أَن يُجهز جَيْشًا، قَالَ عبد الله: وَلَيْسَ عندنَا ظهر، قَالَ: فَأمره النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يبْتَاع ظهرا إِلَى خُرُوج الْمُصدق، فَابْتَاعَ عبد الله الْبَعِير بالبعيرين والأبعرة إِلَى خُرُوج الْمُصدق». وَكَذَا قَالَ فِي خلافياته: لَهُ شَاهد بِإِسْنَاد صَحِيح... فَذكره.
فَائِدَة: القِلاص- بِكَسْر الْقَاف- جمع قُلُص، والقُلُص جمع قَلُوص، وَهِي النَّاقة الشَّابَّة، ذكره الْجَوْهَرِي وَغَيره، وَقَوله: «فِي قلاص الصَّدَقَة» كَذَا هُوَ فِي سنَن أبي دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ والمعجم الْكَبِير للطبراني، وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه: «من قلاص الصَّدَقَة» بدل فِي وَمَعْنَاهَا: السّلف عَلَى إبل الصَّدَقَة إِلَى أجل مَعْلُوم.

.الحديث السَّابِع:

«أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر عَامل خَيْبَر أَن يَبِيع الْجمع بِالدَّرَاهِمِ، ثمَّ يبْتَاع بهَا جنيبًا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ وَأبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «اسْتعْمل رجلا عَلَى خَيْبَر فَجَاءَهُمْ بِتَمْر جنيب، فَقَالَ: أكل تمر خَيْبَر هَكَذَا؟ قَالَ: إِنَّا لنأخذ الصَّاع بالصاعين والصاعين بِالثَّلَاثَةِ. قَالَ: لَا تفعل، بِعْ الْجمع بِالدَّرَاهِمِ، ثمَّ ابتع بِالدَّرَاهِمِ جنيبًا». وَقَالَ فِي الْمِيزَان مثل ذَلِكَ وَلمُسلم عَن أبي سعيد: «كُنَّا نبيع تمر الْجمع صَاعَيْنِ بِصَاع من تمر الجنيب، فَقَالَ رَسُول الله: لَا صاعي تمر بِصَاع تمر، وَلَا صاعي حِنْطَة بِصَاع حِنْطَة وَلَا دِرْهَمَيْنِ بدرهم».
فَائِدَة: الجنيب- بجيم مَفْتُوحَة، ثمَّ نون مَكْسُورَة، ثمَّ مثناة تَحت، ثمَّ بَاء مُوَحدَة- وَهُوَ نوع من التَّمْر أَعْلَاهُ، وَعبارَة الرَّافِعِيّ أَنه أجوده.
وَالْجمع- بِفَتْح الْجِيم وَإِسْكَان الْمِيم- وَهُوَ تمر رَدِيء، قَالَ ابْن الْأَثِير: هُوَ تمر رَدِيء مختلط من أَنْوَاع مُتَفَرِّقَة من التمور وَلَيْسَ مرغوبًا فِيهِ لما فِيهِ من الِاخْتِلَاط وَمَا يخلط إِلَّا لرداءته فَإِنَّهُ مَتى كَانَ نوعا جيدا أفرد عَلَى حِدته ليرغب فِيهِ. وَقَالَ الْهَرَوِيّ: كل نوع من النّخل لَا يعرف اسْمه فَهُوَ جمع، يُقَال: كثر الْجمع فِي أَرض بني فلَان. وَتَبعهُ الرَّافِعِيّ فِي هَذِه الْمقَالة حَيْثُ قَالَ: الْجمع كل لون من التَّمْر لَا يعرف لَهُ اسْم.
فَائِدَة ثَانِيَة: هَذَا الرجل الَّذِي اسْتعْمل عَلَى خَيْبَر هُوَ: سَواد بن غزيَّة فِيمَا قَالَه الْخَطِيب فِي مبهماته، وَقيل: مَالك بن صعصعة، وَحَكَى مجلى الأول عَن الدَّارَقُطْنِيّ، وَأَنه أَخُو بني عَوْف من الْأَنْصَار شهد بَدْرًا وأحدًا والمشاهد كلهَا، لَهُ صُحْبَة.

.الحديث الثَّامِن:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن بيع الصُّبْرَة من التَّمْر لَا يعلم مكيلها بِالْكَيْلِ الْمُسَمَّى من التَّمْر».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث جَابر رَضي اللهُ عَنهُ بِهَذَا اللَّفْظ، وَأغْرب الْحَاكِم فاستدركه، وَقَالَ إثره: صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم وَهُوَ فِيهِ سندًا ومتنًا، وَلما أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن شَيْخه الْحَاكِم بِإِسْنَادِهِ. قَالَ عقبَة: رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه.

.الحديث التَّاسِع:

عَن فضَالة بن عبيد، قَالَ: «أُتي النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بِخَيْبَر بقلادة فِيهَا خرز وَذهب وَهِي من الْغَنَائِم تبَاع بِالذَّهَب، فَأمر النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالذَّهَب الَّذِي فِي القلادة فَنزع وَحده، ثمَّ قَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: الذَّهَب بِالذَّهَب وزنا بِوَزْن».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه بِهَذَا اللَّفْظ وَلم يقل فِيهِ «تبَاع»، وَقَالَ الرَّافِعِيّ: رُوِيَ «لَا يُبَاع مثل هَذَا حَتَّى يفصل ويميز» قلت: هَذِه الرِّوَايَة رَوَاهَا مُسلم فِي صَحِيحه أَيْضا، وَهَذَا لَفظه: «اشْتريت يَوْم خَيْبَر قلادة بِاثْنَيْ عشر دِينَارا. فِيهَا ذهب وخرز ففصلتها، فَوجدت فِيهَا أَكثر من اثْنَي عشر دِينَارا، فَذكرت ذَلِكَ للنَّبِي، فَقَالَ: لَا تبَاع حَتَّى تُفَصَّل» وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد بِإِسْنَاد عَلَى شَرط مُسلم «أُتِي النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام خَيْبَر بقلادة فِيهَا ذهب وخرز ابتاعها رجل بِتِسْعَة دَنَانِير أَو بسبعة دَنَانِير، فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا، حَتَّى تميز بَينه وَبَينه، فَقَالَ: إِنَّمَا أردْت الْحِجَارَة. فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا، حَتَّى تميز بَينهمَا». قَالَ: فَرده حَتَّى يُمَيّز بَينهمَا وَأغْرب صَاحب التَّتِمَّة فعزاها إِلَى مُسلم، وَعَزاهَا إِلَى مُسلم أَيْضا الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَلَا اعْتِرَاض عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ فَإِن مُرَاده أصل الحَدِيث، وطرق هَذَا الحَدِيث للطبراني فِي مُعْجَمه الْكَبِير من وُجُوه كَثِيرَة فَفِي بَعْضهَا «قلادة فِيهَا ذهب وخرز» وَفِي بَعْضهَا «خرز وَذهب» وَفِي بَعْضهَا «فِيهَا ذهب وجوهر، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: الْجَوْهَر عَلَى حِدة، وَالذَّهَب عَلَى حِدة» وَفِي بَعْضهَا: «بقلادة فِيهَا خرز معلقَة بِذَهَب» وَاعْلَم أَنه قد جَاءَ فِي بعض رِوَايَات هَذَا الحَدِيث «أَن القلادة أبيعت بِتِسْعَة دَنَانِير أَو سَبْعَة دَنَانِير»، وَجَاء فِي بَعْضهَا «اثْنَي عشر دِينَارا» كَمَا سلف، وَأجَاب الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن هَذَا الِاخْتِلَاف، بِأَن قَالَ: سِيَاق هَذِه الْأَحَادِيث مَعَ عَدَالَة رواتها يدل عَلَى أَنَّهَا كَانَت بيوعًا شَهِدَهَا فضَالة كلهَا وَالنَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ينْهَى عَنْهَا، فأدَّاها كلهَا.

.الحديث العَاشِر:

عَن سعد بن أبي وَقاص رَضي اللهُ عَنهُ «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن بيع الرطب بِالتَّمْرِ، فَقَالَ: أينقص الرطب إِذا يبس؟ قَالُوا: نعم. قَالَ: فَلَا إِذن» وَيروَى «فَنَهَى عَن ذَلِكَ».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الْأَئِمَّة مَالك فِي الْمُوَطَّأ، وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَالْبَزَّار فِي مسانيدهم وَالشَّافِعِيّ أَيْضا فِي السّنَن المأثورة الَّتِي رَوَاهَا الطَّحَاوِيّ عَن الْمُزنِيّ عَنهُ، وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة، وَابْن حبَان فِي صَحِيحه، وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه، وَالْبَيْهَقِيّ فِي كتبه الثَّلَاثَة: السّنَن، والْمعرفَة، والخلافيات، وَعَزاهُ غير وَاحِد إِلَى صَحِيح ابْن خُزَيْمَة، رَوَوْهُ كلهم من حَدِيث أبي عَيَّاش- بِالْمُثَنَّاةِ تَحت وبالشين الْمُعْجَمَة- مولَى بني زهرَة، وَقيل: بني مَخْزُوم، واسْمه زيد. قَالَ الإِمَام أَحْمد: ابْن النُّعْمَان. وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو أَحْمد: ابْن الصَّامِت «أَنه سَأَلَ سعد بن أبي وَقاص عَن الْبَيْضَاء بالسلت، فَقَالَ لَهُ سعد: أَيهمَا أفضل؟ قَالَ: الْبَيْضَاء. فَنَهَاهُ عَن ذَلِكَ، وَقَالَ سعد: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يُسأل عَن اشْتِرَاء التَّمْر بالرطب، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: أينقص الرطب إِذا يبس؟» قَالُوا: نعم، فَنَهَاهُ عَن ذَلِكَ وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد سمع سعد بن أبي وَقاص يَقُول: «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيع الرطب بِالتَّمْرِ نَسِيئَة». وَفِي أُخْرَى لَهُ عَن مولَى لبني مَخْزُوم، عَن سعد، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم... نَحوه. وَفِي رِوَايَة للْحَاكِم عَن أبي عَيَّاش، قَالَ: «تبَايع رجلَانِ عَلَى عهد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ببسر وَرطب، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل ينقص الرطب إِذا يبس؟ قَالُوا: نعم. قَالَ: فَلَا، إِذن». وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن أبي عَيَّاش، عَن سعد بن مَالك، قَالَ: «سُئِلَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: عَن الرطب بِالتَّمْرِ، فَقَالَ أينقص إِذا يبس؟ قَالُوا: نعم. قَالَ: فَنَهَى عَنهُ». وَفِي رِوَايَة ابْن حبَان سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن بيع التَّمْر بالرطب، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: «أينقص الرطب إِذا جف؟ قَالَ: نعم فَنَهَاهُ عَن ذَلِكَ» وَفِي رِوَايَة الْحَاكِم أَيْضا عَن أبي عَيَّاش أَنه سمع سعد بن أبي وَقاص يَقُول: «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيع الرطب بِالتَّمْرِ نَسِيئَة» قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح لإِجْمَاع أَئِمَّة النَّقْل عَلَى إِمَامَة مَالك بن أنس، وَأَنه مُحكم فِي كل مَا يرويهِ من الحَدِيث إِذْ لم يُوجد فِي رواياته إِلَّا الصَّحِيح خُصُوصا فِي حَدِيث أهل الْمَدِينَة ثمَّ لمتابعة هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة إِسْمَاعِيل بن أُميَّة، وَيَحْيَى بن أبي كثير، وغَيرهمَا إِيَّاه فِي رِوَايَته عَن عبد الله بن يزِيد. قَالَ: والشيخان لم يخرجَاهُ لما خشياه من جَهَالَة زيد أبي عَيَّاش. ثمَّ رَوَاهُ من طَرِيق آخر لَيْسَ فِيهِ عبد الله بن يزِيد وَذكر بدله عمرَان بن أبي أنس، قَالَ: سَمِعت أَبَا عَيَّاش يَقُول: «سَأَلت سعد بن أبي وَقاص عَن اشْتِرَاء السلت بِالتَّمْرِ، فَقَالَ سعد: أبينهما فضل؟ قَالُوا: نعم. قَالَ: لَا يصلح. وَقَالَ سعد: سُئِلَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن اشْتِرَاء الرطب بِالتَّمْرِ، فَقَالَ: أبينهما فضل؟ قَالُوا: نعم الرطب ينقص. قَالَ: فَلَا يصلح» قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله وَقد سُئِلَ عَنهُ من حَدِيث أبي عَيَّاش زيد، عَن سعد بن أبي وَقاص، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «أَنه نهَى عَن بيع التَّمْر بالرطب»: هَذَا حَدِيث يرويهِ عبد الله بن يزِيد مولَى الْأسود بن سُفْيَان، عَن زيد أبي عَيَّاش، وَاخْتلف عَنهُ فِي لَفظه؛ فَرَوَاهُ مَالك بن أنس وَدَاوُد بن حُصَيْن وَإِسْمَاعِيل بن أُميَّة وَالضَّحَّاك بن عُثْمَان وَأُسَامَة بن زيد اللَّيْثِيّ، عَن عبد الله بن يزِيد، عَن أبي عَيَّاش، عَن سعد «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن بيع التَّمْر بالرطب» وَرَوَاهُ يَحْيَى بن أبي كثير عَن عبد الله بن يزِيد بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَقَالَ فِيهِ: «إِن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن بيع الرطب بِالتَّمْرِ نَسِيئَة» وَلم يقل ذَلِكَ، الْآخرُونَ عَن عبد الله بن يزِيد؛ وَرَوَاهُ عمرَان بن أبي أنس عَن مولَى لبني مَخْزُوم، لم يسمه عَن سعد نَحْو قَول يَحْيَى بن أبي كثير. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: رَوَى يَحْيَى بن أبي كثير هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة عبد الله بن عَيَّاش، عَن سعد، قَالَ: وَيُقَال: إِن عبد الله هَذَا هُوَ أَبُو عَيَّاش الَّذِي قَالَه مَالك، وَأَن يَحْيَى بن أبي كثير أَخطَأ فِي اسْمه بِلَا شكّ وَفِي مَوضِع إِذا شكّ فِيهِ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: رَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ، عَن عبد الله بن يزِيد، عَن زيد أبي عَيَّاش. قَالَ: وَرَوَاهُ عبد الله بن جَعْفَر الْمَدِينِيّ، عَن مَالك، عَن دَاوُد بن الْحصين، عَن عبد الله بن يزِيد. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ عَلّي بن عبد الله: وَسَمَاع أبي، عَن مَالك قديم قبل أَن يسمعهُ هَؤُلَاءِ، فأظن أَن مَالِكًا كَانَ علقه أَولا، عَن دَاوُد بن الْحصين، عَن عبد الله بن يزِيد ثمَّ سَمعه من عبد الله بن يزِيد فَحدث بِهِ قَدِيما، عَن دَاوُد ثمَّ نظر فِيهِ فصححه، عَن عبد الله بن يزِيد وَترك دَاوُد بن الْحصين. ثمَّ رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن أُميَّة، عَن عبد الله بن يزِيد وَمن رِوَايَة يَحْيَى بن أبي كثير عَنهُ، عَن أبي عَيَّاش، عَن سعد قَالَ: «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيع الرطب بِالتَّمْرِ نَسِيئَة» قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: خَالف يَحْيَى بن أبي كثير مَالك وَإِسْمَاعِيل بن أُميَّة وَالضَّحَّاك بن عُثْمَان وَأُسَامَة بن زيد، رَوَوْهُ عَن عبد الله بن يزِيد وَلم يَقُولُوا فِيهِ «نَسِيئَة» واجتماع هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة عَلَى خلاف مَا قَالَه يَحْيَى يدل عَلَى ضبطهم للْحَدِيث، وَفِيهِمْ إِمَام حَافظ وَهُوَ مَالك بن أنس. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: والعلّة المنقولة فِي هَذَا الْخَبَر تدل عَلَى خطأ هَذِه اللَّفْظَة. قَالَ: وَقد رَوَاهُ عمرَان بن أبي أنس عَن أبي عَيَّاش نَحْو رِوَايَة الْجَمَاعَة. فَذكرهَا بِإِسْنَادِهِ، ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث عبد الله بن وهب، عَن سُلَيْمَان بن بِلَال، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن عبد الله بن أبي سَلمَة «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن رطب بِتَمْر، فَقَالَ: أينقص الرطب إِذا يبس؟ قَالُوا: نعم. قَالَ: فَلَا يُبَاع رطب بيابس» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا مُرْسل جيد شَاهد لما تقدم. قلت: فقد ظهر صِحَة حَدِيث سعد بِطرقِهِ وشواهده ومتابعاته وَللَّه الْحَمد وَقد طعن فِيهِ بَعضهم، قَالَ عبد الْحق: اخْتلف فِي صِحَة هَذَا الحَدِيث، وَيُقَال: إِن زيدا أَبَا عَيَّاش هَذَا مَجْهُول، وَتبع فِي ذَلِكَ أَبَا مُحَمَّد بن حزم فَإِنَّهُ قَالَ فِي الرسَالَة الَّتِي لَهُ فِي إبِْطَال الْقيَاس: هَذَا حَدِيث لَا يَصح لجَهَالَة أبي عَيَّاش. وَكَذَا قَالَ أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ أَن أَبَا عَيَّاش لَا يعرف، وَذكر الِاخْتِلَاف الَّذِي وَقع فِي الحَدِيث ثمَّ قَالَ: فَبَان بِحَمْد الله فَسَاد هَذَا الحَدِيث إِسْنَادًا ومتنًا وَأَنه لَا حجَّة فِيهِ عَلَى من خَالفه من أبي حنيفَة وَمن تَابعه. قلت: ومدار تَضْعِيف من ضعفه عَلَى جَهَالَة أبي عَيَّاش، وَأول من رده بذلك أَبُو حنيفَة. قَالَ: هُوَ مَجْهُول؛ لما سُئِلَ عَن هَذِه الْمَسْأَلَة عِنْد دُخُوله بَغْدَاد، وَقَالَ الطَّبَرِيّ فِي تهذيبه: علل هَذَا الْخَبَر بِأَن زيدا تفرد بِهِ، وَهُوَ غير مَعْرُوف فِي نَقله الْعلم. وَالْجَوَاب عَن ذَلِكَ أَن أَبَا عَيَّاش لَيْسَ بِمَجْهُول بل هُوَ مَعْرُوف، رَوَاهُ عَنهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ وَهُوَ لَا يروي إِلَّا عَن ثِقَة وَذكره ابْن حبَان فِي ثِقَات التَّابِعين وَقَالَ: رَوَى عَن سعد بن أبي وَقاص، وَرَوَى عَنهُ عبد الله بن يزِيد مولَى الْأسود بن سُفْيَان، وَذكره فِي صَحِيحه من جِهَته وَصَححهُ التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم كَمَا سلف، وَقَالَ الصريفيني عَن الدَّارَقُطْنِيّ: إِنَّه ثِقَة ثَبت. وَأخرجه عَنهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه كَمَا سلف، وَقد علم شدَّة تحريه فِي الرِّجَال واجتهاده حَتَّى لقب بِإِمَام الْأَئِمَّة، وَانْفَرَدَ بذلك من بَين أقرانه، قَالَ الْخطابِيّ: قد تكلم بعض النَّاس فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث، وَقَالَ: زيد أَبُو عَيَّاش رَاوِيه ضَعِيف، ومثل هَذَا الحَدِيث عَلَى أصل الشَّافِعِي لَا يجوز أَن يحْتَج بِهِ. قَالَ: وَلَيْسَ الْأَمر عَلَى مَا توهمه، وَأَبُو عَيَّاش هَذَا هُوَ مولَى لبني زهرَة مَعْرُوف، وَقد ذكره مَالك فِي الْمُوَطَّأ وَهُوَ لَا يروي عَن رجل مَتْرُوك الحَدِيث بِوَجْه، هَذَا من شَأْن مَالك، وعادته مَعْلُومَة. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه: إِن قيل: قد قَالَ أَبُو حنيفَة زيد أَبُو عَيَّاش مَجْهُول، قُلْنَا: إِن كَانَ هُوَ لَا يعرفهُ فقد عرفه أهل النَّقْل، فَذكر رِوَايَته التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وصححاها، وَذكره مُسلم فِي كتاب الكنى وَقَالَ: سمع من سعد، وَرَوَى عَنهُ عبد الله بن يزِيد. وَذكره ابْن خُزَيْمَة فِي رِوَايَة الْعدْل، عَن الْعدْل، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هُوَ ثِقَة. وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي مُخْتَصره لسنن أبي دَاوُد: حُكيَ عَن بَعضهم أَنه قَالَ: زيد أَبُو عَيَّاش مَجْهُول، قَالَ: وَكَيف يكون مَجْهُولا؟ وَقد رَوَى عَنهُ اثْنَان ثقتان: عبد الله بن يزِيد مولَى الْأسود بن سُفْيَان، وَعمْرَان بن أبي أنس، وهما مِمَّن احْتج بهما مُسلم فِي صَحِيحه وَقد عرفه أَئِمَّة هَذَا الشَّأْن، هَذَا الإِمَام مَالك قد أخرج حَدِيثه فِي موطئِهِ مَعَ شدَّة تحريه فِي الرِّجَال، ونقده، وتتبعه لأحوالهم، وَالتِّرْمِذِيّ قد أخرج حَدِيثه وَصَححهُ، وَكَذَلِكَ الْحَاكِم، وَذكره مُسلم فِي الكنى وَذكر أَنه سمع من سعد وَكَذَا الْكَرَابِيسِي فِي كناه أَيْضا، وَذكره أَيْضا النَّسَائِيّ فِي كناه. قَالَ الْمُنْذِرِيّ: وَمَا علمت أحدا طعن فِيهِ. وَهُوَ كَمَا قَالَ. قَالَ ابْن عبد الْبر فِي استذكاره وتمهيده: وَقد قيل: إِن زيدا أَبَا عَيَّاش هَذَا هُوَ أَبُو عَيَّاش الزرقي، واسْمه عِنْد طَائِفَة من أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ زيد بن الصَّامِت، وَقيل: زيد بن نعْمَان، وَهُوَ من صغَار الصَّحَابَة، وَمِمَّنْ حفظ عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرَوَى عَنهُ، وَشهد بعض مشاهده، وَلذَلِك جعله صَاحب الْمغرب من الْحَنَفِيَّة وَهُوَ المطرزي أَنه هُوَ الَّذِي تكلم فِيهِ أَبُو حنيفَة، وأحال الطَّحَاوِيّ أَن يكون هُوَ الزرقي قَالَ: لِأَنَّهُ من جملَة الصَّحَابَة وَلم يُدْرِكهُ عبد الله بن يزِيد، وَأَبُو عَيَّاش عَاشَ إِلَى زمن مُعَاوِيَة بعد الْأَرْبَعين، وَقيل بعد الْخمسين. وأعلّه بَعضهم بِوَجْه آخر فَقَالَ: إِنَّه تضمن مَا لَا يُمكن نسبته إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من الِاسْتِفْهَام عَمَّا لَا يخْفَى. وَهَذَا عَجِيب من قَائِله، فَالْحَدِيث لَفظه لفظ اسْتِفْهَام، وَمَعْنَاهُ التَّقْرِير والتنبيه لينبه عَلَى ثَلَاثَة: الحكم وعلته ليعتبروها فِي نظائرها وَأَخَوَاتهَا، وَذَلِكَ أَنه لَا يجوز أَن يخْفَى عَلَيْهِ عَلَيْهِ السَّلَام أَن الرطب ينقص إِذا يبس فَيكون سُؤال تعرف واستفهام، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الْوَجْه الَّذِي ذكرته وَهَذَا كَقَوْل جرير:
ألستم خير من ركب المطايا وأندى الْعَالمين بطُون رَاح وَلَو كَانَ استفهامًا لم يكن فِيهِ مدح وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: أَنْتُم خير من ركب المطايا، وَهَذَا جَوَاب الْخطابِيّ والاستفهام بِمَعْنى التَّقْرِير كثير، مَوْجُود فِي الْقُرْآن الْعَظِيم فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَا تِلْكَ بيمينك يَا مُوسَى} و{ألم نشرح لَك صدرك} إِلَى آخر ذَلِكَ.
فَائِدَة: قَالَ ابْن حبَان فِي صَحِيحه: الْبَيْضَاء الرطب من السلت باليابس من السلت. وَفِي الغريبين: السلت حب بَين الْحِنْطَة وَالشعِير لَا قشر لَهُ. وَفِي الصِّحَاح: أَنه ضرب من الشّعير لَيْسَ لَهُ قشر، كَأَنَّهُ الْحِنْطَة. وَفِي الْمُجْمل: أَنه ضرب من الشّعير، رَقِيق القشرة، صغَار الْحبَّة.