فصل: الحديث الرَّابِع بعد الْعشْرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث التَّاسِع عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا يغرنَّكم الْفجْر المستطيل؛ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يطلع الْفجْر المستطير».
هَذَا الحَدِيث تبع فِي إِيرَاده كَذَلِك الإِمَام فِي تهذيبه، وَالْغَزالِيّ فِي و«سيطه»، وَله طرق أَحدهَا: عَن سَمُرَة بن جُنْدُب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لَا يغرنَّكم من سحوركم أَذَان بِلَال، وَلَا بَيَاض الْفجْر المستطيل هَكَذَا، حَتَّى يستطير هَكَذَا» وَحَكَاهُ حَمَّاد بن زيد رَاوِيه بيدَيْهِ قَالَ:- يعْنى: مُعْتَرضًا- وَفِي لفظ: «وَلَا هَذَا الْبيَاض لعمود الصُّبْح وَفِي آخر وَلَا هَذَا الْبيَاض حَتَّى يَبْدُو الْفجْر- أَو قَالَ: حَتَّى ينفجر الْفجْر...» وَفِي آخر: «لَا يغرنَّ أحدكُم نِدَاء بِلَال من السّحُور، وَلَا هَذَا الْبيَاض حَتَّى يستطير». رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه بِكُل هَذِه الْأَلْفَاظ، وَهُوَ مَعْدُود من أَفْرَاده، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ بِلَفْظ: «لايغرنَّكم من سحوركم أَذَان بِلَال، وَلَا الْفجْر المستطيل، وَلَكِن الْفجْر المستطير فِي الْأُفق» ثمَّ قَالَ: حَدِيث حسن، وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده كَذَلِك، لكنه قَالَ: «لَا يمنعكم» بدل «يغرنَّكم» وَفِي رِوَايَة: «لَا يغرنَّكم نداءُ فلَان؛ فَإِن فِي بَصَره شَيْئا وَلَا بَيَاض يرُى عَلَى السحر».
ثَانِيهَا: عَن ابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لَا يمنعن أحدا مِنْكُم نِدَاء بِلَال من سحوره؛ فَإِنَّهُ يُؤذن- أَو قَالَ: يُنَادي- ليرْجع قائمكم، ويوقظ نائمكم». وَقَالَ: «لَيْسَ أَن يَقُول هَكَذَا وَهَكَذَا- وَصوب بِيَدِهِ ورفعها- حَتَّى يَقُول هَكَذَا- وَفرج بَين أَصَابِعه» وَفِي لفظ آخر: «إِن الْفجْر لَيْسَ الَّذِي يَقُول هَكَذَا- وَجمع أَصَابِعه ثمَّ نكسها إِلَى الأَرْض- وَلَكِن الذي يَقُول هَكَذَا- وَوضع المسبحة عَلَى المسبحة وَمد يَده» مُتَّفق عَلَيْهِ، زَاد البُخَارِيّ: «عَن يَمِينه وشماله» وَفِي لفظ: وَمد يَحْيَى بن سعيد بالسبابتين وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «وَلَيْسَ أَن يَقُول هَكَذَا، وَلَكِن يَقُول هَكَذَا- يعْنى: الْفجْر- هُوَ الْمُعْتَرض وَلَيْسَ بالمستطيل».
ثَالِثهَا: عَن ابْن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الْفجْر فجران: فجر يحرم فِيهِ الصَّلَاة وَيحل فِيهِ الطَّعَام، وفجر يحرم فِيهِ الطَّعَام وَيحل فِيهِ الصَّلَاة» حَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه فِي كتاب الصَّوْم ثمَّ قَالَ: لم يرفعهُ غير أبي أَحْمد الزبيري، عَن الثَّوْريّ، وَوَقفه الْفرْيَابِيّ وَغَيره عَن الثَّوْريّ، وَوَقفه أَصْحَاب ابْن جريج عَنهُ أَيْضا، وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي هَذَا الْبَاب بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ فِي عَدَالَة الروَاة، وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: وأظن أَنِّي قد رويته عَن عبد الله بن الْوَلِيد، عَن الثَّوْريّ مَوْقُوفا قَالَ: وَله شَاهد بِلَفْظِهِ وَإِسْنَاده صَحِيح... فَذكر حَدِيث جَابر الْآتِي، وَرَوَاهُ فِي كتاب الصَّوْم من حَدِيث ابْن عَبَّاس بِلَفْظ: «الْفجْر فجران: فَأَما الأول فَإِنَّهُ لَا يحرم فِيهِ الطَّعَام وَلَا يحل الصَّلَاة، وَأما الثَّانِي فَإِنَّهُ يحرم الطَّعَام وَيحل الصَّلَاة» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: وَشَاهده حَدِيث سَمُرَة مَرْفُوعا «لَا يغرنَّكم أَذَان بِلَال، وَلَا هَذَا الْبيَاض لعمود الصُّبْح حَتَّى يستطير» وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه بِلَفْظ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم.
رَابِعهَا: عَن قيس بن طلق بن عَلّي، عَن أَبِيه رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «كلوا وَاشْرَبُوا وَلَا يهيدنَّكم الساطع المصعد، وكلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يعْتَرض لكم الْأَحْمَر» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ: حسن غَرِيب.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ كَذَلِك إِلَّا أَنه قَالَ: «وَلَا يغرنَّكم» بدل «وَلَا يهيدنَّكم» ثمَّ قَالَ: قيس بن طلق لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَرِوَايَة أَحْمد بِلَفْظ: «لَيْسَ الْفجْر المستطيل فِي الْأُفق، وَلكنه الْمُعْتَرض الْأَحْمَر».
خَامِسهَا: عَن جَابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «الْفجْر فجران: فَأَما الْفجْر الَّذِي يكون كذنب السرحان فَلَا يحل الصَّلَاة وَلَا يحرم الطَّعَام، وَأما الَّذِي يذهب مستطيلًا فِي الْأُفق؛ فَإِنَّهُ يحل الصَّلَاة وَيحرم الطَّعَام». رَوَاهُ الْحَاكِم وَالدَّارَقُطْنِيّ وَقَالا: إِسْنَاده صَحِيح، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَقَالَ: رُوِيَ مَوْصُولا ومرسلًا، والمرسل أصح.
سادسها: عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان أَنه بلغه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الْفجْر فجران: فَأَما الَّذِي كَأَنَّهُ ذَنْب السرحان فَإِنَّهُ لَا يحل شَيْئا وَلَا يحرمه، وَأما المستطيل الَّذِي عَارض الْأُفق فَفِيهِ تحل الصَّلَاة وَيحرم الطَّعَام» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ: هَذَا مُرْسل. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مراسيله إِلَّا أَنه قَالَ: «المستطير» بالراء. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ مُسْندًا وموقوفًا وَقَالَ: الْمَوْقُوف أصح.
سابعها: عَن ربيعَة بن يزِيد قَالَ: سَمِعت عبد الرَّحْمَن بن عائش- هُوَ الْحَضْرَمِيّ- صَاحب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «الْفجْر فجران: فَأَما المستطيل فِي السَّمَاء فَلَا يمنعنَّ السّحُور وَلَا يحل فِيهِ الصَّلَاة؛ فَإِذا اعْترض فقد حرم الطَّعَام فصل صَلَاة الْغَدَاة» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ: إِسْنَاده صَحِيح.
ثامنها: عَن أنس مَرْفُوعا: «لَا يغرنَّكم أَذَان بِلَال؛ فَإِن فِي بَصَره شَيْئا». رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ بِسَنَد جيد.
فَائِدَة: لما ترْجم التِّرْمِذِيّ بَاب مَا جَاءَ فِي بَيَان الْفجْر، ذكر الحَدِيث من حَدِيث طلق بن عَلّي وَسمرَة ثمَّ قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن عدي بن حَاتِم وَأبي ذَر وَلم يزدْ عَلَى ذَلِك، وَقد سقناه لَك من طرق أُخْرَى غير مَا ذكر فاستفدها.

.الحديث العشْرُونَ:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من أدْرك رَكْعَة من الصُّبْح قبل أَن تطلع الشَّمْس فقد أدْرك الصُّبْح».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته كَمَا سلف فِي الحَدِيث الثَّامِن من أَحَادِيث الْبَاب.

.الحديث الحَادِي بعد الْعشْرين:

عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِن بِلَالًا يُؤذن بلَيْل، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادي ابْن أم مَكْتُوم».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، أخرجه الشَّيْخَانِ وَاللَّفْظ للْبُخَارِيّ بِزِيَادَة: «وَكَانَ ابْن مَكْتُوم رجلا أَعْمَى لَا يُنَادي حَتَّى يُقَال لَهُ: أَصبَحت أَصبَحت»، خرجه فِي كتاب الصَّلَاة وَفِي الشَّهَادَات فِي بَاب شَهَادَة الْأَعْمَى.
وخرجه مُسلم فِي الصَّوْم بِلَفْظ: «إِن بِلَالًا يُؤذن بلَيْل؛ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تسمعوا تأذين ابْن أم مَكْتُوم» وَفِي لفظ: «حَتَّى يُؤذن» بدل «حَتَّى تسمعوا تأذين» قَالَ: «وَلم يكن بَينهمَا إِلَّا أَن ينزل هَذَا ويرقى هَذَا».
قَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب فِي كِتَابه الْفَصْل للوصل المدرج فِي النَّقْل. قَوْله وَكَانَ... إِلَى آخِره مدرجة، جعلهَا بَعضهم من قَول ابْن شهَاب، وَآخره من قَول سَالم.
فَائِدَة: لهَذَا الحَدِيث طَرِيق ثانٍ مُتَّفق عَلَيْهِ أَيْضا من حَدِيث عَائِشَة رضى الله عَنْهَا «أَن بِلَالًا كَانَ يُؤذن بلَيْل، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: كلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤذن ابْن أم مَكْتُوم؛ فَإِنَّهُ لَا يُؤذن حَتَّى يطلع الْفجْر» قَالَ الْقَاسِم: وَلم يكن بَين أذانيهما إِلَّا أَن ينزل ذَا ويرقى ذَا، وَهَذَا السِّيَاق للْبُخَارِيّ، وَفِي رِوَايَة لَهُ من طَرِيق الْحَمَوِيّ «أَن بِلَالًا يُؤذن بلَيْل» وَسِيَاق مُسلم كسياق الرِّوَايَة الثَّانِيَة الَّتِي أخرجناها عَنهُ من طَرِيق ابْن عمر.
فَائِدَة ثَانِيَة: لما أخرج التِّرْمِذِيّ حَدِيث ابْن عمر قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن ابْن مَسْعُود، وَعَائِشَة، وأنيسة، وَأنس، وَأبي ذَر، وَسمرَة.
قلت: وَعقبَة بن أنيس كَمَا ذكره ابْن مَنْدَه فِي مستخرجه وَحَدِيث أنيسَة بنت خبيب قد رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد، وَابْن حبَان عَلَى عكس حَدِيث عَائِشَة السالف، وَهُوَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «إِن ابْن أم مَكْتُوم يُؤذن بلَيْل؛ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤذن بِلَال».
وَرَوَى ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه من حَدِيث عَائِشَة مثلهَا قَالَت: «وَكَانَ بِلَال لَا يُؤذن حَتَّى يطلع الْفجْر».
وعنهما جوابان: أَحدهمَا: مَا ذكره الْبَيْهَقِيّ، عَن الْحَاكِم، عَن ابْن خُزَيْمَة أَنه قَالَ: إِن صحت هَذِه الرِّوَايَة- يَعْنِي: رِوَايَة عَائِشَة- فَيجوز أَن يكون بَين ابْن أم مَكْتُوم وَبَين بِلَال نوب، وَكَانَ بِلَال إِذا كَانَت نوبَته أذن بلَيْل، وَكَانَ ابْن أم مَكْتُوم إِذا كَانَت نوبَته يُؤذن بلَيْل، وَهَذَا جَائِز صَحِيح، وَإِن لم يَصح؛ فقد صَحَّ خبر ابْن عمر، وَابْن مَسْعُود، وَسمرَة، وَعَائِشَة، أَن بِلَالًا كَانَ يُؤذن بلَيْل، وَلما رَوَى ابْن حبَان فِي صَحِيحه حَدِيث أنيسَة جمع بَينهمَا بِهَذَا الْجمع.
الْجَواب الثَّانِي: قَالَه ابْن الْجَوْزِيّ فِي جَامع المسانيد عقب حَدِيث أنيسَة: هَكَذَا رَوَوْهُ كَأَنَّهُ مقلوب؛ إِنَّمَا هُوَ «إِن بِلَالًا يُنَادي بلَيْل».
وَقَالَ ابْن عبد الْبر: اخْتلف فِي حَدِيث أنيسَة عَلَى شُعْبَة، وَالْمَحْفُوظ وَالصَّوَاب- إِن شَاءَ الله- رِوَايَة: «إِن بِلَالًا يُنَادي بلَيْل». وَتَبعهُ الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي.

.الحديث الثَّانِي بعد الْعشْرين:

عَن سعد الْقرظ قَالَ: «كَانَ الْأَذَان عَلَى عهد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الشتَاء لسبُع بَقِي من اللَّيْل، وَفِي الصَّيف لنصف سُبع».
هَذَا الحَدِيث تبع فِي إِيرَاده إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزالِيّ، وَلَا أعرفهُ عَلَى هَذَا الْوَجْه، نعم فِي الْمعرفَة للبيهقي نقلا، عَن الزَّعْفَرَانِي. قَالَ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم: أبنا بعض أَصْحَابنَا، عَن الْأَعْرَج إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عمَارَة، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن سعد الْقرظ قَالَ: «أذنا فِي زمن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بقباء، وَفِي زمن عمر بِالْمَدِينَةِ، فَكَانَ أذاننا للصبح لوقت وَاحِد، وَفِي الشتَاء لسبع وَنصف يَبْقَى، وَفِي الصَّيف لسبع يَبْقَى مِنْهُ».
وَكَذَا أوردهُ صَاحب التَّقْرِيب، قَالَ ابْن الصّلاح عقب إِيرَاد لفظ الْغَزالِيّ للْحَدِيث: هَذَا الحَدِيث غَرِيب وضَعِيف، غير مَعْرُوف عِنْد أهل الحَدِيث.
وَقد رَوَاهُ الشَّافِعِي بِإِسْنَاد لَا يقوى فِي كِتَابه الْقَدِيم عَن سعد الْقرظ... فَذكره كَمَا سلف، ثمَّ قَالَ: فَهَذَا الْوَاقِع فِي الْكتاب- يَعْنِي: الْوَسِيط- وَغَيره فِيهِ تَغْيِير، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى علاته «سبع وَنصف سبع» وَكَذَلِكَ ذكره صَاحب التَّقْرِيب، وَذكر إِمَام الْحَرَمَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ من غير تعرض لما نبهنا عَلَيْهِ، وَتَبعهُ النَّوَوِيّ فَقَالَ فِي «تنقيحه عَلَى الْوَسِيط»: هَذَا حَدِيث ضَعِيف مُنكر، وَقد رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم بِإِسْنَاد ضَعِيف عَن سعد الْقرظ. فَذكره كَمَا قَدمته. وَقَالَ فِي شرح الْمُهَذّب: هَذَا الحَدِيث بَاطِل غير مَعْرُوف عِنْد أهل الحَدِيث.
وَقد رَوَاهُ الشَّافِعِي بِإِسْنَاد ضَعِيف... فَذكره وَقَالَ فِي الرَّوْضَة: حَدِيث بَاطِل محرف وَهَذَا الْمَنْقُول مَعَ ضعفه مُخَالف لما اسْتدلَّ بِهِ فَإِنَّهُ اسْتدلَّ بِهِ عَلَى أَنه فِي الشتَاء يُؤذن لسُبع تبقى، وَفِي الصَّيف لنصف سبُع وَهَذَا هُوَ التحريف، والْحَدِيث لَا يطابقه فَظهر ضعف دَلِيل هَذَا الْوَجْه، وَإِن رَجحه الرَّافِعِيّ فِي كتبه.
فَائِدَة: سعد الْقرظ، مُضَاف إِلَى الْقرظ- بِفَتْح الْقَاف وَالرَّاء وَهُوَ الَّذِي يدبغ بِهِ، وَهُوَ ورق السّلم- كَمَا قَالَه الْجَوْهَرِي: لقب بِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ إِذا اتّجر فِي شَيْء خسر فِيهِ؛ فاتجر فِي الْقرظ فربح فِيهِ بِأَمْر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا رَوَاهُ ابْن قَانِع فَلَزِمَ التِّجَارَة فِيهِ فأضيف إِلَيْهِ، وَيَقَع فِي بعض نسخ الْكتاب وَكثير من نسخ الْوَسِيط: الْقرظِيّ بِضَم الْقَاف وبالراء وبالياء آخِره وَهُوَ تَصْحِيف، قَالَ ابْن الصّلاح: كثير من الْفُقَهَاء صحفوه كَذَلِك اعتقادًا لكَونه مَنْسُوبا إِلَى بني قُرَيْظَة، وَهُوَ غلط.
فَائِدَة ثَانِيَة: سعد هَذَا جعله النَّبِي مُؤذنًا بقباء، فَلَمَّا ولي الصّديق وَترك بِلَال الْأَذَان نَقله إِلَى مَسْجِد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ليؤذن فِيهِ، وَقيل: إِنَّمَا نَقله الْفَارُوق فَلم يزل يُؤذن فِيهِ حَتَّى مَاتَ فِي أَيَّام الْحجَّاج بن يُوسُف الثَّقَفِيّ، وتوارث بنوه الْأَذَان.

.الحديث الثَّالِث بعد الْعشْرين:

«أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ لمسجده مؤذنان، يُؤذن أَحدهمَا قبل الْفجْر وَالْآخر بعده».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: كَانَ لرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مؤذنان: بِلَال وَابْن أم مَكْتُوم الْأَعْمَى، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِن بِلَالًا يُؤذن بلَيْل؛ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤذن ابْن أم مَكْتُوم قَالَ: وَلم يكن بَينهمَا إِلَّا أَن ينزل هَذَا، ويرقى هَذَا».
وَعَن عَائِشَة، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله، وَقد أسلفت لَك رِوَايَة البُخَارِيّ لهذين الْحَدِيثين وسياقه وَلَفظه.

.الحديث الرَّابِع بعد الْعشْرين:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا أدْرك أحدكُم سَجْدَة من صَلَاة الْعَصْر قبل أَن تغيب الشَّمْس فليتم صلَاته، وَإِذا أدْرك أحدكُم سَجْدَة من صَلَاة الصُّبْح قبل أَن تطلع الشَّمْس فليتم صلَاته».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه بِهَذَا اللَّفْظ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، كَمَا أسلفناه فِي الْكَلَام عَلَى الحَدِيث الثَّامِن.

.الحديث الخَامِس بعد الْعشْرين:

عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: «الصَّلَاة أول الْوَقْت رضوَان الله، وَآخر الْوَقْت عَفْو الله».
هَذَا الحَدِيث ذكره الشَّافِعِي فِي الْبُوَيْطِيّ والْمُخْتَصر، هَكَذَا بِغَيْر إِسْنَاد؛ لَكِن بِصِيغَة جزم وَذكره أَيْضا كَذَلِك ابْن السكن فِي صحاحه وَهُوَ مَرْوِيّ من طرق كلهَا ضَعِيفَة.
أَحدهَا: من طَرِيق ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «الْوَقْت الأول من الصَّلَاة رضوَان الله، وَالْوَقْت الآخر عَفْو الله».
رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، وَالدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث يَعْقُوب بن الْوَلِيد الْمدنِي، عَن عبد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر. وَيَعْقُوب هَذَا أحد الهلكى، قَالَ أَحْمد: كَانَ من الْكَذَّابين الْكِبَار يضع الحَدِيث، وَقَالَ يَحْيَى: لم يكن بِشَيْء كَذَّاب. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: غير ثِقَة وَلَا مَأْمُون، وَفِي رِوَايَة: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: مُنكر الحَدِيث ضَعِيف الحَدِيث، وَهُوَ مَتْرُوك الحَدِيث، وَفِي رِوَايَة والحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ مَوْضُوع. وَقَالَ ابْن عدي: عَامَّة مَا يرويهِ لَيْسَ بِمَحْفُوظ، وَهُوَ بَين الْأَمر فِي الضُّعَفَاء. وَقَالَ ابْن حبَان: مَا رَوَى هَذَا الحَدِيث إِلَّا يَعْقُوب، وَهُوَ يضع الحَدِيث عَلَى الثِّقَات، لَا يحل كتب حَدِيثه إِلَّا عَلَى جِهَة التَّعَجُّب.
قلت: وَقد نَص غير وَاحِد من الْحفاظ عَلَى ضعف هَذَا الحَدِيث قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته: قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: الْحمل فِي هَذَا الحَدِيث عَلَى يَعْقُوب بن الْوَلِيد؛ فَإِنَّهُ شيخ من أهل الْمَدِينَة قدم عَلَيْهِم بَغْدَاد، فَنزل الرصافة، وَحدث عَن هِشَام بن عُرْوَة ومُوسَى بن عقبَة وَمَالك بن أنس وَغَيرهم من أَئِمَّة الْمُسلمين بِأَحَادِيث كَثِيرَة مَنَاكِير.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا فِي سنَنه: هَذَا حَدِيث يعرف بِيَعْقُوب بن الْوَلِيد الْمدنِي، وَيَعْقُوب مُنكر الحَدِيث، ضعفه يَحْيَى بن معِين، وَكذبه أَحْمد بن حَنْبَل وَسَائِر الْحفاظ، ونسبوه إِلَى الْوَضع، ونعوذ بِاللَّه من الخذلان.
قَالَ ابْن عدي: وَكَانَ ابْن حميد يَقُول لنا فِي هَذَا الْإِسْنَاد عبيد الله بدل عبد الله، وَالصَّوَاب الثَّانِي، قَالَ: عَلَى أَن هَذَا الحَدِيث بِهَذَا الْإِسْنَاد بَاطِل إِن قيل فِيهِ عبد الله أَو عبيد الله.
وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي علله: هَذَا حَدِيث لَا يَصح. وَأعله عبد الْحق فِي أَحْكَامه بِأَن قَالَ: يرويهِ عبد الله بن عمر الْعمريّ، وَقد تكلمُوا فِيهِ، وَتعقبه ابْن الْقطَّان فَقَالَ فِي بَاب ذكر أَحَادِيث أعلها عبد الْحق بِرِجَال: وفيهَا من هُوَ مثلهم، أَو أَضْعَف مِنْهُم، أَو مَجْهُول لَا يعرف، إِنَّمَا الْعجب أَن يكون هَذَا هُوَ عبد الله بن عمر الْعمريّ، وَهُوَ رجل صَالح قد وَثَّقَهُ قوم وأثنوا عَلَيْهِ، وَضَعفه آخَرُونَ من أجل حفظه لَا من أجل صدقه وأمانته، وَيَرْوِيه عَنهُ يَعْقُوب بن الْوَلِيد الْمدنِي وَهُوَ كَذَّاب، فَلَعَلَّهُ كذب عَلَيْهِ، ثمَّ شرع بعد ذَلِك فعلله بِهِ- أَعنِي: يَعْقُوب- كَمَا أسلفناه.
الطَّرِيق الثَّانِي: عَن جرير بن عبد الله مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الَّذِي ذكره الرَّافِعِيّ سَوَاء.
رَوَاهُ الدارقطني من حَدِيث الْحُسَيْن بن حميد بن الرّبيع، عَن فرج بن عبيد المهلبي، عَن عبيد بن الْقَاسِم، عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد، عَن قيس بن أبي حَازِم، عَن جرير بِهِ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته: إِسْنَاده لَيْسَ بِشَيْء.
قلت: لِأَن إِسْنَاده اشْتَمَل عَلَى مَجْهُول وَضَعِيف، أما الْمَجْهُول: فَفرج بن عبيد، وَأما الضَّعِيف فحسين بن حميد بن الرّبيع، قَالَ ابْن عدي: هُوَ مُتَّهم فِي كل مَا يرويهِ كَمَا قَالَه مطين وَقَالَ: سَمِعت مُحَمَّد بن أَحْمد بن سعيد قَالَ: سَمِعت مطينًا يَقُول وَمر عَلَيْهِ أَبُو عَلّي الْحُسَيْن بن حميد بن الرّبيع فَقَالَ: هَذَا كَذَّاب بن كَذَّاب بن كَذَّاب. وَذكره ابْن عدي أَيْضا واتهمه.
الطَّرِيق الثَّالِث: عَن إِبْرَاهِيم- يَعْنِي ابْن عبد الْملك بن أبي مَحْذُورَة من أهل مَكَّة- قَالَ: حَدثنِي أبي، عَن جدي قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «أول الْوَقْت رضوَان الله، ووسط الْوَقْت رَحْمَة الله، وَآخر الْوَقْت عَفْو الله».
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن زَكَرِيَّا، عَن إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور بِهِ.
وَإِبْرَاهِيم بن زَكَرِيَّا هُوَ أَبُو إِسْحَاق الْعجلِيّ الْبَصْرِيّ الضَّرِير الْمعلم العبدسي الوَاسِطِيّ، مُتَّهم.
قَالَ أَبُو حَاتِم: مَجْهُول، وَحَدِيثه مُنكر. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: كَأَن حَدِيثه مَوْضُوع لَا يشبه حَدِيث النَّاس. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ ابْن حبَان: يَأْتِي عَن مَالك بِأَحَادِيث مَوْضُوعَة. وَقَالَ ابْن عدي: حدث عَن الثِّقَات بِالْبَوَاطِيل، وَهُوَ فِي جملَة الضُّعَفَاء لَا جرم قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته: هَذَا الحَدِيث شَاذ لَا تقوم بِمثلِهِ الْحجَّة، وَقَالَ فِي سنَنه- بعد أَن نقل كَلَام ابْن عدي السالف-: إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث ضَعِيف.
الطَّرِيق الرَّابِع: عَن أنس رَفعه: «أول الْوَقْت رضوَان الله، وَآخر الْوَقْت عَفْو الله».
رَوَاهُ ابْن عدي من حَدِيث بَقِيَّة، عَن عبد الله مولَى عُثْمَان بن عَفَّان قَالَ: حَدثنِي عبد الْعَزِيز قَالَ: حَدثنِي مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن أنس بِهِ، ثمَّ قَالَ: لَا يرويهِ بِهَذَا الْإِسْنَاد إِلَّا بَقِيَّة، وَهُوَ من الْأَحَادِيث الَّتِي يَرْوِيهَا بَقِيَّة عَن المجهولين؛ لِأَن عبد الله مولَى عُثْمَان وَعبد الْعَزِيز لَا يعرفان.
قلت: لَا جرم قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وخلافياته: إِنَّه حَدِيث لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي علله: لَا يَصح.
الطَّرِيق الْخَامِس: عَن ابْن عَبَّاس رَفعه: «أول الْوَقْت رضوَان الله، وَآخره عَفْو الله».
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته من حَدِيث نَافِع مولَى يُوسُف السّلمِيّ الْبَصْرِيّ، عَن عَطاء، عَنهُ بِهِ، ثمَّ قَالَ: نَافِع هَذَا أَبُو هُرْمُز، ضعفه يَحْيَى بن معِين وَابْن حَنْبَل وَغَيرهمَا.
قلت: أَبُو هُرْمُز هَذَا يروي عَن أنس، وَالْوَاقِع فِي الْإِسْنَاد يروي عَن عَطاء، وَقد فرق ابْن الْجَوْزِيّ بَينهمَا؛ فجعلهما ترجمتين، وَنقل تَضْعِيف أَحْمد وَيَحْيَى لنافع أبي هُرْمُز الْبَصْرِيّ، وَنقل تَضْعِيفه عَن غَيرهمَا أَيْضا، ثمَّ ذكر نَافِعًا مولَى يُوسُف السّلمِيّ وَقَالَ: قَالَ أَبُو حَاتِم: مَتْرُوك الحَدِيث. وَتَبعهُ الذَّهَبِيّ فِي التَّفْرِقَة بَينهمَا فِي كِتَابه الْمُغنِي وأجمل الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه القَوْل فِي تَضْعِيفه فَقَالَ: رُوِيَ هَذَا الحَدِيث عَن ابْن عَبَّاس أَيْضا مَرْفُوعا وَلَيْسَ بِشَيْء، قَالَ فِيهَا: وَرُوِيَ أَيْضا عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا وَهُوَ مَعْلُول. قَالَ: وَله أصل من قَول أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَلّي الباقر كَذَلِك رَوَاهُ أَبُو أويس، عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه قَالَ: «أول الْوَقْت رضوَان الله، وَآخر الْوَقْت عَفْو الله» قَالَ: وَرُوِيَ عَن مُوسَى بن جَعْفَر، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن عَلّي مَرْفُوعا قَالَ: وَإِسْنَاده- فِيمَا أَظن- أصح مَا رُوِيَ فِي الْبَاب، وَنقل فِي خلافياته عَن الْحَاكِم أَنه قَالَ: أما الَّذِي رُوِيَ فِي أول الْوَقْت وَآخره؛
فَإِنِّي لَا أحفظه عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من وَجه يَصح، وَلَا عَن أحد من أَصْحَابه، إِنَّمَا الرِّوَايَة فِيهِ عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَلّي الباقر، وَنقل الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام عَن الْخلال، أَنا الْمَيْمُونِيّ قَالَ: سَمِعت أَبَا عبد الله- يَعْنِي أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول: لَا أعرف شَيْئا يثبت فِي أَوْقَات الصَّلَاة أَولهَا كَذَا، وأوسطها كَذَا، وَآخِرهَا كَذَا يَعْنِي مغْفرَة ورضوانًا- وَقَالَ لَهُ رجل: مَا يرْوَى أول الْوَقْت كَذَا وأوسطه كَذَا، رضوَان ومغفرة؟ فَقَالَ لَهُ أَبُو عبد الله: من يروي هَذَا؟ لَيْسَ هَذَا يثبت.
قلت: ويغني عَن هَذَا كُله فِي الدّلَالَة حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود السالف فِي أول التَّيَمُّم «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ أَي الْأَعْمَال أفضل؟ فَقَالَ: الصَّلَاة لأوّل وَقتهَا» وَهُوَ حَدِيث صَحِيح كَمَا أسلفناه ثمَّ. وَقد ذكره الرَّافِعِيّ إِثْر هَذَا الحَدِيث، وَكَانَ يتَعَيَّن عَلَيْهِ تَقْدِيمه عَلَيْهِ.
فَائِدَة: الرضْوَان بِكَسْر الرَّاء وَضمّهَا لُغَتَانِ، قرئَ بهما فِي السَّبع. قَالَ الشَّافِعِي- رَحِمَهُ اللَّهُ- فِي الْمُخْتَصر: رضوَان الله إِنَّمَا يكون للمحسنين، وَالْعَفو يشبه أَن يكون للمقصرين.
قَالَ أَصْحَابنَا: قَوْله «للمقصرين» قد يسْتَشْكل من حَيْثُ أَن التَّأْخِير لَا إِثْم فِيهِ، فَكيف يكون فَاعله مقصرًا، وَأَجَابُوا بِوَجْهَيْنِ:
أَحدهمَا: أَنه مقصر بِالنِّسْبَةِ إِلَى من صَلَّى أول الْوَقْت وَإِن كَانَ لَا إِثْم عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي: أَنه مقصر بتفويت الأَصْل كَمَا يُقَال: من ترك صَلَاة الضُّحَى؛ فَهُوَ مقصر. وَإِن لم يَأْثَم.

.الحديث السَّادِس بعد الْعشْرين:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «أفضل الْأَعْمَال الصَّلَاة لأوّل وَقتهَا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا تقدم الْإِشَارَة إِلَيْهِ فِي أول التَّيَمُّم وَكَانَ يَنْبَغِي للْإِمَام الرَّافِعِيّ أَن يقدمهُ عَلَى الحَدِيث قبله، كَمَا نبهنا عَلَيْهِ، وأَن يرويهِ بِصِيغَة الْجَزْم، وينكر عَلَى النَّوَوِيّ- رَحِمَهُ اللَّهُ- كَيفَ أدخلهُ فِي كِتَابه الْخُلَاصَة فِي فصل الضَّعِيف، وَلَعَلَّه أَرَادَ حَدِيث أم فَرْوَة كَمَا أسلفناه فِي التَّيَمُّم.

.الحديث السَّابِع بعد الْعشْرين:

قَوْله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِذا اشْتَدَّ الْحر فأبردوا بِالصَّلَاةِ؛ فَإِن شدَّة الْحر من فيح جَهَنَّم».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح لَهُ طرق: إِحْدَاهَا: من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول قَالَ: «إِذا اشْتَدَّ الْحر فأبردوا بِالصَّلَاةِ؛ فَإِن شدَّة الْحر من فيح جَهَنَّم، واشتكت النَّار إِلَى رَبهَا فَقَالَت: أكل بَعْضِي بَعْضًا! فَأذن لَهَا بنفسين: نَفْس فِي الشتَاء وَنَفس فِي الصَّيف، فَهُوَ أَشد مَا تجدونه من الْحر، وَأَشد مَا تجدونه من الزَّمْهَرِير» مُتَّفق عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَة فِي الصَّحِيح أَيْضا: «إِذا كَانَ الْيَوْم الْحَار فأبردوا بِالصَّلَاةِ» وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: «أبردوا عَن الحَر فِي الصَّلَاة...» الحَدِيث ثَانِيهَا: من رِوَايَة أبي ذَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر، فَأَرَادَ الْمُؤَذّن أَن يُؤذن لِلظهْرِ فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: أبرد. ثمَّ أَرَادَ أَن يُؤذن، فَقَالَ لَهُ: أبرد حَتَّى رَأينَا فَيْء التلول، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: إِن شدَّة الْحر من فيح جَهَنَّم؛ فَإِذا اشْتَدَّ الْحر فأبردوا بِالصَّلَاةِ». مُتَّفق عَلَيْهِ أَيْضا.
وَفِي لفظ: «أبرد أبرد» أَو قَالَ: «انْتظر انْتظر» وَفِي لفظ للْبُخَارِيّ: «... ثمَّ أَرَادَ أَن يُؤذن فَقَالَ لَهُ: أبرد. وَقَالَ: حَتَّى سَاوَى الظل التلول» وَقَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس: يتفيأ: يتميل.
وَفِي رِوَايَة لأبي عوَانَة فِي صَحِيحه: بعد قَوْله: «رَأينَا فَيْء التلول، ثمَّ أمره فَأذن وَأقَام فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: إِن شدَّة الْحر...» الحَدِيث، وَفِي رِوَايَة لَهُ: «مَه يَا بِلَال» بدل «أبرد».
ثالثهما: من رِوَايَة ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: «إِذا اشْتَدَّ الْحر فأبردوا عَن الصَّلَاة؛ فَإِن شدَّة الحرَّ من فيح جَهَنَّم».
رَوَاهُ البُخَارِيّ مُنْفَردا بِهِ من حَدِيث صَالح بن كيسَان، ثَنَا الْأَعْرَج وَغَيره، عَن أبي هُرَيْرَة. وَنَافِع مولَى عبد الله، عَن ابْن عمر، أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: «إِذا اشْتَدَّ الْحر...» الحَدِيث، ورَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث ابْن عمر بِلَفْظ: «أبردوا بِالظّهْرِ».
رَابِعهَا: من رِوَايَة وَالِده الْفَارُوق رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «أبردوا بِالصَّلَاةِ إِذا اشْتَدَّ الْحر...» الحَدِيث رَوَاهُ الْبَزَّار فِي مُسْنده ثمَّ قَالَ: هَذَا الحَدِيث لَا نعلم يرْوَى عَن عمر، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا من هَذَا الْوَجْه. قَالَ: وَهُوَ من رِوَايَة مُحَمَّد بن الْحسن المَخْزُومِي، وَهُوَ مُنكر الحَدِيث، وَقد احْتمل النَّاس حَدِيثه. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي جامعه: رُوِيَ عَن عمر، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذَا وَلَا يَصح.
خَامِسهَا: من رِوَايَة الْمُغيرَة بن شُعْبَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كُنَّا نصلي مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الظّهْر بالهاجرة، فَقَالَ لنا: أبردوا بِالصَّلَاةِ؛ فَإِن شدَّة الْحر من فيح جَهَنَّم».
رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد، وَابْن مَاجَه، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه وَقَالَ: تفرد بِهِ إِسْحَاق الْأَزْرَق، وَذكر الْخلال عَن الْمَيْمُونِيّ أَنهم ذاكروا أَبَا عبد الله- يَعْنِي أَحْمد بن حَنْبَل- حَدِيث الْمُغيرَة بن شُعْبَة فَقَالَ: أسانيده جِيَاد، ثمَّ قَالَ: خباب يَقُول: «شَكَوْنَا إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يشكنا...» والمغيرة كَمَا ترَى رَوَى الْقصَّتَيْنِ جَمِيعًا، قَالَ: وَفِي غير رِوَايَة الْمَيْمُونِيّ «كَانَ آخر الْأَمريْنِ من رَسُول الله الْإِبْرَاد»، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: سَأَلت البُخَارِيّ عَنهُ؟ فعده مَحْفُوظًا، وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: رَوَاهُ أَبُو عوَانَة، عَن طَارق، عَن قيس قَالَ: سَمِعت عمر بن الْخطاب قَوْله: «أبردوا بِالصَّلَاةِ» قَالَ: إِنِّي أَخَاف أَن يكون هَذَا الحَدِيث يدْفع ذَلِك الحَدِيث. قلت: فَأَيّهمَا أثبت؟ قَالَ: كَأَنَّهُ هَذَا يَعْنِي: حَدِيث عمر، قَالَ: وَلَو كَانَ عِنْد قيس، عَن الْمُغيرَة مَرْفُوعا لم يحْتَج أَن يفْتَقر إِلَى أَن يحدث بِهِ عَن عمر مَوْقُوفا. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: سَمِعت أبي يَقُول سَأَلت يَحْيَى بن معِين، فَقلت لَهُ: ثَنَا أَحْمد بن حَنْبَل بِحَدِيث إِسْحَاق الْأَزْرَق... فَذكر حَدِيث الْمُغيرَة، وذكرته لِلْحسنِ بن شَاذان فحدثنا بِهِ، وثنا أَيْضا عَن إِسْحَاق، عَن شريك عَن عمَارَة بن الْقَعْقَاع، عَن أبي زرْعَة، عَن أبي هُرَيْرَة مثله مَرْفُوعا، فَقَالَ يَحْيَى: لَيْسَ لَهُ أصل أَنا نظرت فِي كتاب إِسْحَاق وَلم أر فِيهِ هَذَا، قلت لأبي: فَمَا قَوْلك فِي حَدِيث عمَارَة بن الْقَعْقَاع، عَن أبي زرْعَة، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي أنكرهُ يَحْيَى؟ فَقَالَ: هُوَ عِنْدِي صَحِيح فحدثنا أَحْمد بن حَنْبَل بِالْحَدِيثين جَمِيعًا عَن إِسْحَاق الْأَزْرَق، قلت لأبي: فَمَا بَال يَحْيَى نظر فِي كتاب إِسْحَاق فَلم يجده! فَقَالَ: كَيفَ نظر فِي كتبه كلهَا؛ إِنَّمَا نظر فِي بعض، وَرُبمَا كَانَ فِي مَوضِع آخر!.
سادسها: من رِوَايَة أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه يرفعهُ: «أبردوا بِالظّهْرِ فَإِن الَّذِي تَجِدُونَ من الْحر من فيح جَهَنَّم».
رَوَاهُ النَّسَائِيّ.
سابعها: من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها رفعته: «أبردوا بِالظّهْرِ فِي الْحر».
رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه.
ثامنها: من رِوَايَة أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَرْفُوعا: «أبردوا بِالظّهْرِ- وَفِي لفظ: بِالصَّلَاةِ- فَإِن شدَّة الْحر من فيح جَهَنَّم».
رَوَاهُ البُخَارِيّ مُنْفَردا بِهِ من حَدِيث عمر بن حَفْص، ثَنَا أبي، ثَنَا الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح عَنهُ بِهِ، ثمَّ قَالَ: تَابعه سُفْيَان وَيَحْيَى وَأَبُو عوَانَة، عَن الْأَعْمَش.
قلت: أما حَدِيث سُفْيَان فَأخْرجهُ البُخَارِيّ فِي صفة الصَّلَاة، وَأما حَدِيث يَحْيَى فَأخْرجهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ، وَأما حَدِيث أبي عوَانَة فَأخْرجهُ ابْن مَاجَه.
قلت: وَتَابعه أَيْضا أَبُو خَالِد كَمَا أخرجه أَبُو نعيم والإسماعيلي.
تاسعها: من رِوَايَة عَمْرو بن عبسة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَرْفُوعا: «أبردوا بِصَلَاة الظّهْر؛ فَإِن شدَّة الْحر من فيح جَهَنَّم».
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ.
عَاشرهَا: من رِوَايَة الْقَاسِم بن صَفْوَان، عَن أَبِيه مَرْفُوعا: «إِذا اشْتَدَّ الْحر فأبردوا بِالصَّلَاةِ- يَعْنِي: صَلَاة الظّهْر- فَإِن شدَّة الْحر من فيح جَهَنَّم».
رَوَاهُ الْبَغَوِيّ فِي مُعْجَمه قَالَ: ولأبيه صُحْبَة، وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي تَرْجَمته من مُسْتَدْركه بِلَفْظ: «أبردوا بِصَلَاة الظّهْر...» إِلَى آخِره.
وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي مُسْنده أَيْضا، وَكَذَا أَبُو نعيم فِي كتاب الصَّلَاة، وَلَفظه: «من فَور جَهَنَّم».
وَأَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيّ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن الْقَاسِم بن صَفْوَان، عَن أَبِيه.
الْحَادِي عشر: من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن عَلْقَمَة الثَّقَفِيّ، رَوَاهُ أَبُو نعيم.
الثَّانِي عشر: من رِوَايَة أنس.
الثَّالِث عشر: من رِوَايَة ابْن عَبَّاس، ذكرهمَا التِّرْمِذِيّ.
الرَّابِع عشر: من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن حَارِثَة مَرْفُوعا: «أبردوا بِالظّهْرِ».
الْخَامِس عشر: من حَدِيث صَحَابِيّ يُرى أَنه ابْن مَسْعُود، رَوَاهُمَا الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه وأهملهما التِّرْمِذِيّ، وَكَذَا الطَّرِيق التَّاسِع وَالسَّابِع وَالْحَادِي عشر.
وَرَوَاهُ مَالك عَن زيد بن أسلم، عَن عَطاء بن يسَار أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِن شدَّة الْحر من فيح جَهَنَّم؛ فَإِذا اشْتَدَّ الْحر فأبردوا عَن الصَّلَاة». وهَذَا مُرْسل يعتضد بِمَا سلف.
فَائِدَة: فيح جَهَنَّم- بِفَتْح الْفَاء، ثمَّ مثناة تَحت، ثمَّ حاء مُهْملَة-: غليانها وانتشار لهبها ووهجها، أعاذنا الله مِنْهَا.
قَالَ الْخطابِيّ فِي كِتَابه تصاحيف الروَاة: يرْوَى: «من فيح جَهَنَّم» بِفَتْح الْفَاء وَكسرهَا، قَالَ: وَالْمعْنَى لَا يخْتَلف.
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الفيح بِالْحَاء وَالْخَاء وَالْجِيم لَا يخْتَلف.
قَالَ الرَّافِعِيّ فِي شرح الْمسند: وَيروَى: «من فوح جَهَنَّم» بِالْوَاو بدل الْيَاء وهما بِمَعْنى.
قلت: رَوَاهُ بِاللَّفْظِ الَّذِي ذكره أَحْمد فِي مُسْنده من حَدِيث الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي سعيد مَرْفُوعا: «أبردوا بِالظّهْرِ فِي الْحر، فَإِن شدَّة الْحر من فوح جَهَنَّم» وَذكره الْخلال عَن الْمَيْمُونِيّ، عَن أَحْمد، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن الْأَعْمَش بِهِ بِلَفْظ: «أبردوا بِالصَّلَاةِ؛ فَإِن شدَّة الْحر من فيح جَهَنَّم» قَالَ أَحْمد: لَا أعلم أحدا قَالَ: «فوح» غير الْأَعْمَش.
وَقَوله: «أبردوا بِالصَّلَاةِ» قد سلفت رِوَايَة أخري «عَن الصَّلَاة» وَعَن تَأتي بِمَعْنى الْبَاء، وَقيل: إِن عَن هُنَا زَائِدَة؛ أَي: أبردوا الصَّلَاة.