فصل: الحديث الرَّابِع:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.أَحدهَا:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم تزوج بِامْرَأَة، فَلَمَّا دخلت عَلَيْهِ رَأَى بكشحها وضحًا فَردهَا إِلَى أَهلهَا وَقَالَ: دلستم عليّ!».
هَذَا الحَدِيث سلف بَيَانه فِي الخصائص وَاضحا.

.الحديث الثَّانِي:

«أَن بَرِيرَة أُعتقت، فَخَيرهَا النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين الْمقَام مَعَه وَبَين أَن تُفَارِقهُ». هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم من حَدِيث عُرْوَة وَالقَاسِم عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «كَانَ زوج بَرِيرَة عبدا، فَخَيرهَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَاخْتَارَتْ نَفسهَا. وَلَو كَانَ حرًّا لم يخيرها».
وَذكر ابْن حزم أَنه رُوِيَ عَن عُرْوَة خلاف هَذَا، فأسند من حَدِيث جرير، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة قَالَت: «كَانَ زوج بَرِيرَة حرًّا» قَالَ ابْن حزم: وَلَو كَانَ حرًّا لم يخيرها، يحْتَمل أَن يكون من كَلَام من دون عَائِشَة. قَالَ الطَّحَاوِيّ: وَيحْتَمل أَن يكون من كَلَام عُرْوَة.
قلت: وَكَذَلِكَ أخرجه ابْن حبَان فِي صَحِيحه من كَلَامه، وَالنَّسَائِيّ فِي سنَنه أَيْضا.
قلت: والتخيير ثَابت فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث عَائِشَة أَيْضا، قَالَت: «كَانَ فِي بَرِيرَة ثَلَاث سنَن: خيرت عَلَى زَوجهَا حِين عتقت...» الحَدِيث بِطُولِهِ.
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَكَانَ زَوجهَا عَلَى مَا رُوِيَ عَن عَائِشَة، وَابْن عمر، وَابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم عبدا.
قلت: هُوَ كَمَا قَالَ، أما رِوَايَة عَائِشَة فسلفت وَفِي صَحِيح مُسلم أَيْضا من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة، قَالَ عبد الرَّحْمَن: وَزوجهَا حر. قَالَ شُعْبَة: ثمَّ سَأَلت عبد الرَّحْمَن عَن زَوجهَا، فَقَالَ: لَا أَدْرِي أحر أم عبد.
وَفِي بعض طرق الحَدِيث الصَّحِيح: «فَخَيرهَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من زَوجهَا فَقَالَت: لَو أَعْطَانِي كَذَا وَكَذَا مَا ثَبت عِنْده! قَالَ- يَعْنِي الْأسود بن يزِيد-: كَانَ زَوجهَا حرًّا».
وَأما ابْن عمر فأخرجها الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث أبي حَفْص الْأَبَّار، عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، قَالَ: كَانَ زوج بَرِيرَة عبدا.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من الْوَجْه الْمَذْكُور وَأما رِوَايَة ابْن عَبَّاس فأخرجها البُخَارِيّ فِي صَحِيحه بِإِسْنَادِهِ عَنهُ «أَن زوج بَرِيرَة كَانَ عبدا يُقَال لَهُ: مغيث كَأَنِّي أنظر إِلَيْهِ يطوف خلفهَا يبكي، ودموعه تسيل عَلَى لحيته، فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم للْعَبَّاس: يَا عَبَّاس، أَلا تتعجب من حب مغيث بَرِيرَة وَمن بغض بَرِيرَة مغيثًا؟ فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو راجعتيه؟ قَالَت: يَا رَسُول الله، تَأْمُرنِي قَالَ: إِنَّمَا أَنا أشفع. قَالَت: لَا حَاجَة لي فِيهِ». وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ بِلَفْظ «إِن زوج بَرِيرَة كَانَ عبدا أسود لبني الْمُغيرَة يَوْم أعتقت بَرِيرَة، وَالله لكَأَنِّي بِهِ فِي طرق الْمَدِينَة ونواحيها، وَإِن دُمُوعه لتسيل عَلَى لحيته يَتَرَضَّاهَا لتختاره فَلم تفعل» قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح. زَاد أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالطَّبَرَانِيّ: «وأمرها أَن تَعْتَد». وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة نَافِع، عَن صفيَّة بنت أبي عبيد «أَن زوج بَرِيرَة كَانَ عبدا» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِسْنَاده صَحِيح.
وَرِوَايَة التِّرْمِذِيّ السالفة صَرِيحَة فِي بَقَاء عبوديته يَوْم الْعتْق، وَأما رِوَايَة الْأسود عَن عَائِشَة قَالَ: «كَانَ زوج بَرِيرَة حرًّا، فَلَمَّا أعتقت خَيرهَا عَلَيْهِ السَّلَام فَاخْتَارَتْ نَفسهَا» فَقَالَ البُخَارِيّ: إِنَّه مُنْقَطع وَقَول ابْن عَبَّاس:
كَانَ عبدا أصح. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَوْله «وَكَانَ حرًّا» هُوَ من قَول الْأسود لَا من قَول عَائِشَة، ثمَّ سَاق بِإِسْنَادِهِ مَا يدل لذَلِك، قَالَ: وَقد رَوَيْنَاهُ عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد، وَعُرْوَة بن الزبير وَمُجاهد، وَعمرَة بنت عبد الرَّحْمَن كلهم عَن عَائِشَة «أَنه كَانَ عبدا» ثمَّ ذكر عَن شُعْبَة، عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة «أَنه حر» ثمَّ قَالَ شُعْبَة: ثمَّ سَأَلته بعد فَقَالَ: لَا أَدْرِي أحر هُوَ أم عبد، ثمَّ قَالَ: وَقد رَوَاهُ سماك بن حَرْب، عَن عبد الرَّحْمَن فَأثْبت كَونه عبدا.
قلت: شُعْبَة إِمَام جليل حَافظ، وَقد رَوَى عَن عبد الرَّحْمَن أَنه كَانَ حرًّا، فَلَا يضرّهُ نِسْيَان عبد الرَّحْمَن وتوقفه عَلَى مَا تفرد فِي مَحَله، وَكَيف يُعَارض شُعْبَة سماك مَعَ كَونه متكلمًا فِيهِ، لَكِن قَالَ الْبَيْهَقِيّ: يُؤَكد رِوَايَة سماك: حَدِيث أُسَامَة بن زيد، عَن الْقَاسِم عَن عَائِشَة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لَهَا: إِن شِئْت أَن تقري تَحت هَذَا العَبْد». قَالَ الْمُنْذِرِيّ: وَقد رُوِيَ عَن الْأسود، عَن عَائِشَة «أَن زَوجهَا كَانَ عبدا» فاختلفت الرِّوَايَة عَن الْأسود، وَلم تخْتَلف عَن ابْن عَبَّاس وَغَيره مِمَّن قَالَ: «كَانَ عبدا» وَقد جَاءَ عَن بَعضهم أَنه من قَول إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، وَعَن بَعضهم أَنه من قَول الحكم بن عتيبة، وَقَالَ البُخَارِيّ: قَول الحكم مُرْسل.
قلت: فِي تَسْمِيَة هَذَا مُرْسلا وفِي الْمُقدم مُنْقَطِعًا نظر إِذْ الْكَلَام الْمَوْقُوف عَلَى بعض الروَاة المدرج فِي الحَدِيث لَا يُسمى مُنْقَطِعًا وَلَا مُرْسلا.
قَالَ الْمُنْذِرِيّ: وَرَوَى الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَغَيره وَعمرَة وَغَيرهَا، عَن عَائِشَة أَنه كَانَ عبدا وَالقَاسِم هُوَ ابْن أخي عَائِشَة، وَعُرْوَة هُوَ ابْن أُخْتهَا، وَكَانَا يدخلَانِ عَلَيْهَا بِلَا خلاف وَعمرَة كَانَت فِي حجر عَائِشَة، وَهَؤُلَاء أخص النَّاس بهَا، وَأَيْضًا فَإِن عَائِشَة كَانَت تذْهب إِلَى خلاف مَا رُوِيَ عَنْهَا، وَكَانَ رأيها أَنه لَا يثبت لَهَا الْخِيَار تَحت الْحر، قَالَ إِبْرَاهِيم، عَن أبي طَالب خَالف الْأسود بن يزِيد النَّاس فِي زوج بَرِيرَة، فَقَالَ إِنَّه حر. وَقَالَ النَّاس إِنَّه عبد.
قلت: قَوْله خَالف النَّاس أَي جمهورهم فقد وَافقه عَلَى ذَلِك الْقَاسِم، وَعُرْوَة- فِي رِوَايَة- وَابْن الْمسيب كَمَا ذكره عبد الرَّزَّاق عَنهُ، قَالَ الدَّارمِيّ: سَمِعت عَلّي بن الْمَدِينِيّ يَقُول لنا: أَيهمَا ترَوْنَ أثبت، عُرْوَة أَو إِبْرَاهِيم عَن الْأسود؟ ثمَّ قَالَ عَلّي: أهل الْحجاز أثبت. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: يُرِيد عَلّي، رِوَايَة عُرْوَة وَأَمْثَاله من أهل الْحجاز أصح من رِوَايَة أهل الْكُوفَة. وَقَالَ ابْن الطلاع فِي أَحْكَامه: الْأَكْثَر فِي الرِّوَايَة وَالأَصَح أَنه كَانَ عبدا. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ- مَا ملخصه، لمَّا اخْتلفت الْآثَار-: وَجب التَّوْفِيق بَينهمَا وَالْحريَّة نعت الْحرَّة، وَلَا ينعكس فَيحمل عَلَى أَنه إِذا كَانَ حرًّا عِنْدَمَا خيرت عبدا قبله، وَلَو ثَبت أَنه عبد لَا يمْنَع كَون الْحر، كَذَلِك إِذْ لَيْسَ فِي شَيْء من الْآثَار أَنه إِنَّمَا خَيرهَا لكَونه عبدا.

.الحديث الثَّالِث:

«أَن زوج بَرِيرَة كَانَ يطوف خلفهَا ويبكي خوفًا من أَن تُفَارِقهُ وَطلب من النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يشفع إِلَيْهَا، فَلم تقبل وفارقته».
وَهَذَا الحَدِيث قد سلف حكمه عَن رِوَايَة البُخَارِيّ، وَرَوَاهُ أَحْمد عَن هشيم، أبنا خَالِد، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «لما خيرت بَرِيرَة رَأَيْت زَوجهَا فِي سِكَك الْمَدِينَة ودموعه تسيل عَلَى لحيته فَكلم الْعَبَّاس ليكلم فِيهِ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّه زَوجك. فَقَالَت: تَأْمُرنِي بِهِ يَا رَسُول الله؟ فَقَالَ إِنَّمَا أَنا شَافِع. فَخَيرهَا فَاخْتَارَتْ نَفسهَا، وَكَانَ عبدا لآل الْمُغيرَة يُقَال لَهُ: مغيث».
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من هَذَا الْوَجْه أَيْضا بِلَفْظ «أَن مغيثًا كَانَ عبدا، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، اشفع إِلَيْهَا. فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: يَا بَرِيرَة اتقِي الله فَإِنَّهُ زَوجك وَأَبُو ولدك. فَقَالَت: يَا رَسُول الله، أَنْت تَأْمُرنِي بذلك...» الحَدِيث.

.الحديث الرَّابِع:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لبريرة: إِن كَانَ قَرُبَكِ فَلَا خِيَار لَك».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها مِرفوعًا كَذَلِك سَوَاء، وَفِي إِسْنَاده عنعنة ابْن إِسْحَاق، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِلَفْظ «إِن وطئك فَلَا خِيَار لَك».
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَعَن حَفْصَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها مثل ذَلِك.
قلت: رَوَاهُ مَالك عَن ابْن شهَاب، عَن عُرْوَة بن الزبير «أَن مولاة لبني عدي بن كَعْب يُقَال لَهَا: زَبْرَاء، أخْبرته أَنَّهَا كَانَت تَحت عبد وَهِي أمة نوبية فأعتقت، قَالَت: فَأرْسلت إِلَى حَفْصَة زوج النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فدعتني، فَقَالَت: إِنِّي مخبرتك خَبرا وَلَا أحب أَن تصنعي شَيْئا، إِن أَمرك بِيَدِك مَا لم يَمسك زَوجك. قَالَت: ففارقته ثَلَاثًا».
وَرَوَاهُ الشَّافِعِي وَقَالَ: لَا أعلم فِي تَوْقِيت الْخِيَار شَيْئا يسمع إِلَّا قَول حَفْصَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها مِا لم يصبهَا كَذَا فِي الْمُخْتَصر. وَحَكَى الْبَيْهَقِيّ ذَلِك من رِوَايَة الرّبيع فِي أمالي النِّكَاح وَفِيه «مَا لم يَمَسهَا».
فَائِدَة: سلف أَن زوج بَرِيرَة اسْمه: مغيث، وَهُوَ بالغين الْمُعْجَمَة، وَقيل: بِالْمُهْمَلَةِ ثمَّ تَاء مثناة فَوق، وَقيل: اسْمه مقسم، وَالْأول أشهر، وَقد أسلفنا أَنه كَانَ عبدا لبني الْمُغيرَة أَو لآل بني أَحْمد، وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: إِنَّه كَانَ عبدا لبَعض بني مُطِيع وبريرة كَانَت مولاة لبَعض بني هِلَال وكاتبوها وباعوها.
وَذكر فِيهِ من الْآثَار عَن عمر أَنه قَالَ: «أَيّمَا رجل تزوج امْرَأَة وَبهَا جُنُون أَو جذام أَو برص ومسها فلهَا صَدَاقهَا كَامِلا، وذَلِك لزَوجهَا غرم عَلَى وَليهَا» وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ وَالشَّافِعِيّ فِي الْأُم عَنهُ، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن عمر بِهِ، وَذكر مَالك أَن ابْن الْمسيب ولد بِنَحْوِ ثَلَاث سِنِين مَضَت من خلَافَة عمر وَأنكر سَمَاعه مِنْهُ، وَقَالَ ابْن معِين: لم يثبت سَمَاعه مِنْهُ.
وَذكر فِيهِ أَيْضا عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه أجل الْعنين سنة». وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث سعيد بن الْمسيب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه كَانَ يُؤَجل سنة» وَقَالَ فِيهِ: «لَا أعلمهُ إِلَّا من يَوْم يرفع إِلَى السُّلْطَان» وَفِي رِوَايَة عَنهُ «أَنه قَالَ فِي الْعنين: يُؤَجل سنة؛ فَإِن قدر عَلَيْهَا وَإِلَّا فرق بَينهمَا، وَلها الْمهْر وَعَلَيْهَا الْعدة».
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَتَابعه الْعلمَاء عَلَيْهِ.
قلت: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن عَلّي والمغيرة بن شُعْبَة، لَكِن عَن عُثْمَان وَمُعَاوِيَة «أَنه لَا يُؤَجل» وَعَن النَّخعِيّ: أَنه يُؤَجل. وَلم يحد حدًّا. وَعَن الْحَارِث بن عبد الله بن أبي ربيعَة «أَنه أجل رجلا لم يسْتَطع أَن يَأْتِي امْرَأَته عشرَة أشهر».

.باب فِيمَا يملك الزَّوْج من الاستمتاعات:

ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ سَبْعَة أَحَادِيث:

.أَحدهَا:

«أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ- سُئِلَ عَن الْوَطْء فِي الدبر، فَقَالَ: فِي أَي الخربتين؟ أَمن دبرهَا فِي قبلهَا فَنعم. أَو من دبرهَا فِي دبرهَا فَلَا، إِن الله لَا يستحيي من الْحق؛ لَا تَأْتُوا النِّسَاء فِي أدبارهن».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي أَنا عمي مُحَمَّد بن عَلّي بن شَافِع، أَخْبرنِي عبد الله بن عَلّي بن السَّائِب، عَن عَمْرو بن أحيحة بن الجلاح- أَو عَن عَمْرو بن فلَان بن أحيحة بن الجلاح، قَالَ الشَّافِعِي: أَنا شَككت- عَن خُزَيْمَة بن ثَابت «أَن رجلا سَأَلَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن إتْيَان النِّسَاء فِي أدبارهن- أَو إتْيَان الرجل امْرَأَته فِي دبرهَا- فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: حَلَال. فَلَمَّا ولَّى الرجل دَعَاهُ- أَو أَمر بِهِ- فدعي، فَقَالَ: كَيفَ قلتَ؟ فِي أَي الخربتين- أَو فِي الخرزتين، أَو فِي أَي الخصفتين- أَمن دبرهَا فِي قبلهَا فَنعم، أم من دبرهَا فِي دبرهَا فَلَا، إِن الله لَا يستحيي من الْحق؛ لَا تَأْتُوا النِّسَاء فِي أدبارهن».
قَالَ الشَّافِعِي: عمي ثِقَة، وَعبد الله بن عَلّي ثِقَة، وَقد أَخْبرنِي مُحَمَّد عَن الْأنْصَارِيّ الْمُحدث بهَا: أَنه أَثْنَى عَلَيْهِ خيرا، وَخُزَيْمَة مِمَّن لَا يشك عَالم فِي ثقته فلست أرخص فِيهِ؛ بل أنهَى عَنهُ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد تَابعه إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن الْعَبَّاس الشَّافِعِي، عَن مُحَمَّد بن عَلّي، وَقَالَ عَمْرو بن أحيحة بن الجلاح. لم يشك.
فَائِدَة: الخربتان تَثْنِيَة خربة، قَالَ الرَّافِعِيّ: وَهِي الثقبة. وَهُوَ كَمَا قَالَ قَالَ الْجَوْهَرِي: الخربة كل ثقب مستدير. قَالَ: والخربة أَيْضا ثقب الورك، والخرب مثله، وَكَذَلِكَ الخرابة- بِالتَّخْفِيفِ- وَقد تشدد.
قَالَ الْأَزْهَرِي: أَرَادَ عَلَيْهِ السَّلَام بخربتيها: مسلكيها، وأصل الخربة عُرْوَة المزادة فنشبه الثقب بهَا. قَالَ ابْن دَاوُد: وَخرب الفأس ثقبه الَّذِي فِيهِ النّصاب، قَالَ الْخطابِيّ: كل ثقب مستدير خربة، وَأما الخرزتين فَهِيَ الثقبة الَّذِي يثقبه الخراز بسراده ليحوزه، كنى بِهِ عَن المأتى، وَكَذَلِكَ الخصفتان من قَوْلك خصفت الْجلد عَلَى الْجلد إِذا خرزته مطابقًا، والسراد المخصف.
فَائِدَة ثَانِيَة: قَوْله: «لَا يستحيي من الْحق» قَالَ الرَّافِعِيّ: أَي لَا يتْرك شَيْئا مِنْهُ؛ لِأَن من استحيا من شَيْء تَركه، قَالَ: وَقيل: لَا يستبقي شَيْئا مِنْهُ، من قَوْله تَعَالَى: {ويستحيون نساءكم} أَي: يستبقونهن.

.الحديث الثَّانِي:

عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «مَلْعُون من أَتَى الْمَرْأَة فِي دبرهَا».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه بأسانيد مُخْتَلفَة، وَهَذَا لفظ أبي دَاوُد. وَلَفظ أَحْمد- فِي إِحْدَى رواياته-: «الَّذِي يَأْتِي امْرَأَته فِي دبرهَا لَا ينظر الله إِلَيْهِ» وَفِي لفظ لَهُ كَلَفْظِ أبي دَاوُد، وَلَفظ ابْن مَاجَه وَالنَّسَائِيّ فِي إِحْدَى روايتيه «لَا ينظر الله إِلَى رجل يَأْتِي امْرَأَته فِي دبرهَا» ولَفظه فِي الْأُخْرَى «اسْتَحْيوا من الله حق الْحيَاء، لَا تَأْتُوا النِّسَاء فِي أدبارهن» وَلَفظ التِّرْمِذِيّ وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى «من أَتَى حَائِضًا أَو امْرَأَة فِي دبرهَا أَو كَاهِنًا فَصدقهُ؛ فقد كفر بِمَا أنزل الله عَلَى مُحَمَّد». قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث حَكِيم الْأَثْرَم، عَن أبي تَمِيمَة، عَن أبي هُرَيْرَة.
قلت: وَحَكِيم هَذَا لَا يُعرف لَهُ غير هَذَا الحَدِيث إِلَّا الْيَسِير قَالَه أَبُو أَحْمد، قَالَ البُخَارِيّ: لَا يُتَابع عَلَيْهِ. قَالَ: وَلَا يُعرف لأبي تَمِيمَة سَماع من أبي هُرَيْرَة. وسُئل ابْن الْمَدِينِيّ عَن حَكِيم فَقَالَ: أعيانا هَذَا، وَأعله ابْن الْقطَّان من وَجه آخر مَوْجُود فِي رِوَايَة أبي دَاوُد وَابْن مَاجَه وَإِحْدَى رِوَايَات النَّسَائِيّ فَقَالَ: هُوَ من رِوَايَة سُهَيْل بن أبي صَالح، عَن الْحَارِث بن مخلد، عَن أبي هُرَيْرَة، والْحَارث هَذَا رَوَى عَنهُ سُهَيْل وَبشر بن سعيد وَلم يعرف حَاله وأعل رِوَايَة النَّسَائِيّ الثَّانِيَة بِعَبْد الْملك بن مُحَمَّد الصَّنْعَانِيّ، فَإنَّ البستي: قَالَ إِنَّه تفرد بِهِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: يكْتب حَدِيثه. وَسليمَان بن عبد الرَّحْمَن بن شُرَحْبِيل، قَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وقَالَ أَبُو حَاتِم: هُوَ صَدُوق وَلكنه أروى النَّاس عَن الضُّعَفَاء والمجهولين. قَالَ: وَكَانَ فِي حد لَو أَن رجلا وضع لَهُ حَدِيثا لم يفهم وَلم يُمَيّز. قَالَ ابْن الْقطَّان: فَحق هَذَا الحَدِيث أَن يكون حسنا.
وَفِي رِوَايَة للبيهقي: «من أَتَى شَيْئا من الرِّجَال وَالنِّسَاء فِي الأدبار فقد كفر» وَفِي رِوَايَة لأبي نعيم الْحَافِظ «من نكح امْرَأَة فِي دبرهَا حشره الله يَوْم الْقِيَامَة أنتن من الجيفة» وَفِي رِوَايَة لِلْحَارِثِ بن أبي أُسَامَة: «من نكح امْرَأَة فِي دبرهَا أَو رجلا أَو صبيًّا حشر يَوْم الْقِيَامَة وَهُوَ أنتن من الجيفة يتَأَذَّى بِهِ النَّاس حَتَّى يدْخل نَار جَهَنَّم، وأحبط الله أجره، وَلَا يقبل مِنْهُ صرفا وَلَا عدلا، وَيدخل فِي تَابُوت من نَار وتشد عَلَيْهِ مسامير من حَدِيد حَتَّى تشبك تِلْكَ المسامير فِي جَوْفه، فَلَو وضع عرق من عروقه عَلَى أَرْبَعمِائَة أمَّة لماتوا وَهُوَ من أَشد النَّاس عذَابا» وفِي إِسْنَاد هَذِه الرِّوَايَة دَاوُد بن المحبر، وَهُوَ مَعْرُوف الْحَال وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة هَذَا لم يثبت.
قلت: وَرُوِيَ النَّهْي عَن ذَلِك أَيْضا من حَدِيث جماعات من الصَّحَابَة خُزَيْمَة بن ثَابت، وَعمر، وَعلي، وَعلي بن طلق، وطلق بن عَلّي، وَابْن مَسْعُود، وَجَابِر، وَابْن عَمْرو بن الْعَاصِ، وَابْن عَبَّاس، والبراء بن عَازِب، وَعقبَة بن عَامر، وَأنس، وَأبي ذَر.
أما حَدِيث خُزَيْمَة فسلف مطولا وَأخرجه أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه عَنهُ مُخْتَصرا بِلَفْظ: «إِن الله لَا يستحيي من الْحق؛ لَا تَأْتُوا النِّسَاء فِي أدبارهن» هَذَا لَفظهمْ إِلَّا أَحْمد فِي إحدي روايتيه؛ فَإِن لَفظه «لَا يستحيي الله من الْحق- ثَلَاثًا- لَا تَأْتُوا النِّسَاء فِي أعجازهن» وَفِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان كَالْأولِ إِلَّا أَنه قَالَ: «أعجازهن» بدل «أدبارهن» وَهُوَ سَوَاء وَأخرج هَذِه الرِّوَايَة الْحَاكِم فِي كِتَابه عُلُوم الحَدِيث.
وَأما حَدِيث عمر؛ فَأخْرجهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله من حَدِيث عبد الله بن شَدَّاد وَعبد الله بن يزِيد عَنهُ مَرْفُوعا «إِن الله لَا يستحيي من الْحق؛ لَا تَأْتُوا النِّسَاء فِي أعجازهن» وَفِي إِسْنَاده: زَمعَة بن صَالح، وَفِيه مقَال، أخرج لَهُ مُسلم مَقْرُونا بآخر، وَقَالَ يَحْيَى بن معِين مرّة: صُوَيْلِح الحَدِيث. وَذكر الدَّارَقُطْنِيّ الِاخْتِلَاف فِي إِسْنَاده، وَأخرجه الْبَزَّار فِي مُسْنده قَالَ: لَا نعلمهُ يروي عَن عمر إِلَّا من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا الْإِسْنَاد.
وَأما حَدِيث عَلّي؛ فَأخْرجهُ أَحْمد فِي مُسْنده من حَدِيث عبد الْملك بن مُسلم الْحَنَفِيّ، عَن أَبِيه، عَنهُ مَرْفُوعا «لَا تَأْتُوا النِّسَاء فِي أعجازهن». وَقَالَ مرّة: «فِي أدبارهن» وَأخرجه الْخَطِيب أَيْضا بِهَذَا اللَّفْظ وَزِيَادَة: «فَإِن الله لَا يستحيي من الْحق».
وَأما حَدِيث عَلّي بن طلق؛ فَأخْرجهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عِيسَى بن حطَّان عَن مُسلم بن سَلام عَنهُ مَرْفُوعا: «لَا تَأْتُوا النِّسَاء فِي أعجازهن؛ فَإِن الله لَا يستحيي من الْحق» حسنه التِّرْمِذِيّ، وَصَححهُ ابْن حبَان من حَدِيث مُسلم بن سَلام عَنهُ.
وَأما حَدِيث طلق بن عَلّي؛ فَأخْرجهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا من حَدِيث عيسي بن حطَّان، عَن مُسلم الْمَذْكُور، عَن طلق مَرْفُوعا بِمثل الَّذِي قبله سَوَاء.
وَأما حَدِيث ابْن مَسْعُود؛ فَأخْرجهُ ابْن عدي من حَدِيث أبي عُبَيْدَة عَنهُ مَرْفُوعا: «لَا تَأْتُوا النِّسَاء فِي أعجازهن».
وَأما حَدِيث جَابر؛ فَأخْرجهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَنهُ مَرْفُوعا «اسْتَحْيوا؛ فَإِن الله لَا يستحيي من الْحق، لَا يحل لَك مأتاك النِّسَاء فِي حشوشهن» وَفِي رِوَايَة ابْن شاهين: «اسْتَحْيوا؛ فَإِن الله لَا يستحيي من الْحق، لَا تَأْتُوا النِّسَاء فِي حشوشهن» وَفِي رِوَايَة لِابْنِ عدي «لَا يحل مأتى النِّسَاء فِي حشوشهن» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «اتَّقوا محاش النِّسَاء».
فَائِدَة: الحشوش جمع حش، وَجمع الحش بِالْفَتْح وَالضَّم عَلَى حشائش، وَهُوَ الكنيف والموضع الَّذِي يُقضى فِيهِ الْحَاجة، فشبَّه أدبار النِّسَاء بِهن؛ لِأَنَّهُنَّ فِي معناهن، وَرُوِيَ فِي محاشهن وَلم يذكر صَاحب ضِيَاء الحلوم غَيره وَقَالَ: هِيَ جمع محشة، وَهِي الدبر. قَالَ الْأَزْهَرِي: وَيُقَال أَيْضا بِالسِّين الْمُهْملَة كنى عَن المحاش بالأدبار كَمَا كنى بالحشوش عَن مَوَاضِع الْغَائِط.
وَأما حَدِيث عبد الله بن عَمْرو؛ فَأخْرجهُ أَحْمد من حَدِيث قَتَادَة عَن عَمْرو شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده مَرْفُوعا: «الَّذِي يَأْتِي امْرَأَته فِي دبرهَا هِيَ اللوطية الصُّغْرَى» وَذكره ابْن السكن فِي صحاحه وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا، وَلَفظه: «سَأَلت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الَّذِي يَأْتِي امْرَأَته فِي دبرهَا، فَقَالَ: تِلْكَ اللوطية الصُّغْرَى» قَالَ الْخطابِيّ: هَكَذَا صَوَابه عَلَى التَّشْبِيه بِعَمَل قوم لوط، وَرَوَاهُ بعض أَصْحَابنَا بِلَفْظ «الْوَطْأَة الصُّغْرَى» وَهُوَ خطأ فَاحش، وَفِيه مَا يُوهم إِبَاحَة ذَلِك الْفِعْل.
وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس؛ فَأخْرجهُ أَحْمد فِي مُسْنده من حَدِيث حَنش عَنهُ قَالَ: «أنزلت هَذِه الْآيَة: نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فِي أنَاس من الْأَنْصَار أَتَوا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُم: يَأْتِيهَا عَلَى كل حَال إِذا كَانَ فِي الْفرج».
وَرَوَاهُ من حَدِيث سعيد بن جُبَير عَنهُ قَالَ: «جَاءَ عمر بن الْخطاب إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله، هَلَكت! قَالَ: وَمَا الَّذِي أهْلكك؟ قَالَ: حولت رحلي البارحة! قَالَ: فَلم يرد عَلَيْهِ شَيْئا. قَالَ: فَأَوْحَى الله إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الْآيَة فِيمَا ذكر: نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم أقبل وَأدبر وَاتَّقِ الدبر والحيضة» وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث كريب عَنهُ مَرْفُوعا: «لَا ينظر الله إِلَى رجل أَتَى رجلا أَو امْرَأَة فِي الدبر» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب. وَقَالَ الْبَزَّار: لَا نعلمهُ يرْوَى عَن ابْن عَبَّاس بِإِسْنَاد أحسن من هَذَا الْإِسْنَاد. وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه بلفظين: أَحدهمَا هَذَا.
وَثَانِيهمَا: بِلَفْظ: «لَا ينظر الله إِلَى رجل أَتَى امْرَأَة فِي دبرهَا» ثمَّ قَالَ رَفعه وَكِيع، عَن الضَّحَّاك بن عُثْمَان. وَعَزاهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الْإِلْمَام إِلَى النَّسَائِيّ وَقَالَ: رِجَاله رجال الصَّحِيح.
وَأما حَدِيث الْبَراء؛ فَأخْرجهُ ابْن الْجَوْزِيّ من حَدِيث حَنْظَلَة بن أبي سُفْيَان عَن أَبِيه، عَنهُ مَرْفُوعا: «كفر بِاللَّه الْعَظِيم عشرَة من هَذِه الْأمة: الْقَاتِل، والساحر، والديوث، وناكح الْمَرْأَة فِي دبرهَا، ومانع الزَّكَاة، وَمن وجد سَعَة وَمَات وَلم يحجّ، وشارب الْخمر، والساعي فِي الْفِتَن، وبائع السِّلَاح من أهل الْحَرْب، وَمن نكح ذَات محرم مِنْهُ».
وأمَا حَدِيث عقبَة بن عَامر؛ فَأخْرجهُ ابْن عدي من حَدِيث مشرح بن هاعان عَنهُ مَرْفُوعا «مَلْعُون من يَأْتِي النِّسَاء فِي محاشهن- يَعْنِي أدبارهن».
وَفِي رِوَايَة للعقيلي: «لعن الله الَّذين يأْتونَ النِّسَاء فِي محاشهن» قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: فَسَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: حَدِيث مُنكر.
وَأما حَدِيث أنس؛ فَرَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي مُعْجَمه من حَدِيث ابْن عَرَفَة، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة، عَن الْأَعْمَش، عَن يزِيد الرقاشِي، عَن أنس مَرْفُوعا «إِن الله لَا يستحيي من الْحق لَا تَأْتُوا النِّسَاء فِي أدبارهن ائتوهنّ من حَيْثُ أَمركُم الله».
وَأخرجه شُعْبَة من حَدِيث عِيسَى بن حطَّان، عَن مُسلم بن سَلام، عَن طلق بن يزِيد- أَو يزِيد بن طلق- أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِن الله لَا يستحيي من الْحق؛ لَا تَأْتُوا النِّسَاء فِي استاههن».
وَأما حَدِيث أبي ذَر؛ فَأخْرجهُ ابْن الْجَوْزِيّ من حَدِيث مُجَاهِد عَنهُ مَرْفُوعا «من أَتَى الرِّجَال وَالنِّسَاء فِي أدبارهنّ فقد كفر». وَسُئِلَ عَنهُ الدَّارَقُطْنِيّ فَقَالَ: رَوَاهُ أَبُو حنيفَة عَن حميد الْأَعْرَج، عَن رجل، عَن أبي ذَر مَرْفُوعا: «حرَام أَن تُؤْتَى النِّسَاء، فِي أعجازهن» قَالَ:
وَلم يُتَابع أَبُو حنيفَة عَلَى هَذَا.
فَهَذِهِ ثَلَاثَة عشر حَدِيثا يعضد بَعْضهَا بَعْضًا. وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم قَالَ: سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول: لَيْسَ فِيهِ عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التَّحْلِيل وَالتَّحْرِيم حَدِيث ثَابت وَالْقِيَاس أَنه حَلَال يُرِيد غلط سُفْيَان فِي حَدِيث ابْن الْهَاد- يَعْنِي حَدِيث خُزَيْمَة السالف- وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ: هَذَا قَالَه مُحَمَّد حِين انْتقل عَن مذْهبه إِلَى مَذْهَب مَالك نُصرةً لمذهبه. قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب: وَغَيره؛ وَقد نَص عَلَى ذَلِك مَالك فِي كتاب السّير يروي ذَلِك عَنهُ أهل مصر وَالْمغْرب.
وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: رَوَى أصبغ، عَن ابْن الْقَاسِم، عَن مَالك أَنه قَالَ: مَا رَأَيْت أحدا أقتدي بِهِ فِي دين يَشك فِيهِ أَنه حَلَال، لَكِن المتبعين لَهُ الْآن يُنكرُونَ هَذَا الْمَذْهَب بل قَالَ الإِمَام: قد راجعت فِي ذَلِك مَشَايِخ من مَذْهَب مَالك يوثق بهم، فَلم يرو هَذَا مذهبا لمَالِك.
قلت: وَرَوَى الْخَطِيب فِي كتاب الروَاة عَن مَالك بِإِسْنَادِهِ إِلَى إِسْرَائِيل بن روح، قَالَ: «سَأَلت مَالِكًا، قلت: يَا أَبَا عبد الله، مَا تَقول فِي إتْيَان النِّسَاء فِي أدبارهن؟ قَالَ: مَا أَنْتُم قوم عرب هَل يكون الْحَرْث إلاّ مَوضِع الزَّرْع، أما تَسْمَعُونَ الله يَقُول: نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أنّى شِئْتُم قَائِمَة وَقَاعِدَة وَعَلَى جنب، وَلَا تعدوا الْفرج. قلت: يَا أَبَا عبد الله، إِنَّهُم يَقُولُونَ: أَنَّك تَقول ذَلِك! قَالَ: يكذبُون عليّ يكذبُون عليّ، يكذبُون عليّ!».

.الحديث الثَّالِث:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لفاطمة بنت قيس: «لَا، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَته وَيَذُوق عُسَيْلَتك».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَقد تقدم بَيَانه مَبْسُوطا فِي بَاب النَّهْي عَن أَن يخْطب الرجل عَلَى خطْبَة أَخِيه.

.الحديث الرَّابِع:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فيْ الْعَزْل: إِنَّه الوأد الْخَفي».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه من رِوَايَة جدامة بنت وهب قَالَ: «حضرت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أنَاس وَهُوَ يَقُول: لقد هَمَمْت أَن أنهَى عَن الغيلة. فَنَظَرت فِي الرّوم وَفَارِس، فَإِذا هم يغيلون أَوْلَادهم فَلَا يضر أَوْلَادهم ذَلِك شَيْئا ثمَّ سَأَلُوهُ عَن الْعَزْل، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: ذَلِك الوأد الْخَفي وَهِي وَإِذا الموءُودة سُئِلت».
فَائِدَة: يغيلون- بِضَم الْيَاء- وجدامة- بِالْجِيم وَالدَّال الْمُهْملَة- قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَمن قَالَ بِمُعْجَمَة فقد صحّف. وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ فِي رجال الصَّحِيحَيْنِ هِيَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة. قَالَ: وَقد يُقَال بِالْمُهْمَلَةِ والمخففة. ثمَّ سَاق بِإِسْنَادِهِ عَن أبي عمر الْمُطَرز أَنه قَالَ: إِنَّمَا هِيَ بِالْمُهْمَلَةِ الْمُشَدّدَة قَالَ: والجدامة: السعفة، وَجَمعهَا: جدام. قَالَ عبد الْحق فِي أَحْكَامه: وَإِسْلَام جدامة كَانَ عَام الْفَتْح. أَي: فَيكون مَا تضمنته رِوَايَتهَا آخر الْأَمريْنِ من رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيعْمل بهَا.

.الحديث الخَامِس:

عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كُنَّا نعزل عَلَى عهد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبلغ ذَلِك النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم ينهنا».
هَذَا الحَدِيث أخرجه مُسلم فِي صَحِيحه بِهَذَا اللَّفْظ، وَفِي رِوَايَة لَهُ: «كُنَّا نعزل عَلَى عهد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ينزل» وَأخرجه البُخَارِيّ بِهَذَا اللَّفْظ.