فصل: الحديث السَّادِس بعد الْعشْرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث التَّاسِع:

قَالَ: «وَيجْعَل لكل طَائِفَة شعارًا حَتَّى لَا يقتل بَعضهم بَعْضًا بياتًا».
هُوَ كَمَا قَالَ فَفِي سنَن النَّسَائِيّ وصَحِيح الْحَاكِم من حَدِيث الْبَراء بن عَازِب قَالَ: قَالَ لنا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِنَّكُم سَتَلْقَوْنَ الْعَدو غَدا، فَلْيَكُن شِعَاركُمْ حم لَا ينْصرُونَ» وَرَوَاهُ الْحَاكِم أَيْضا من حَدِيث الْمُهلب بن أبي صفرَة، عَمَّن سمع النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله، وَقَالَ: حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، قَالَ: وَالرجل الَّذِي لم يسمعهُ الْمُهلب هُوَ الْبَراء بن عَازِب، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا وَلَفظه- حَدثنِي رجل من أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الخَنْدَق «إِنِّي لَا أرَى الْقَوْم إِلَّا يبيتوكم اللَّيْلَة فَإِن شِعَاركُمْ حم لَا ينْصرُونَ» وَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي علله: سكت عبد الْحق عَنهُ وَهُوَ عَمَّن لم يسم.
قلت: لَا يضرّهُ؛ لِأَنَّهُ صَحَابِيّ فَلَا يضر جهالته، وَفِي صَحِيح الْحَاكِم من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «جعل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم شعار الْمُهَاجِرين يَوْم بدر عبد الرَّحْمَن والأوس بني عبد الله والخزرج عبيد الله» ثمَّ قَالَ: حَدِيث غَرِيب صَحِيح الْإِسْنَاد.
قلت: لَا فَفِيهِ يَعْقُوب بن مُحَمَّد الزُّهْرِيّ، وَإِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل بن أبي حَبِيبَة وهما ضعيفان، وَفِي صَحِيح الْحَاكِم أَيْضا من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل شعار الأزد يَا مبرور يَا مبرور». ثمَّ قَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد وَفِيه نظر أَيْضا؛ لِأَن فِيهِ إِسْمَاعِيل بن عبد الله بن زُرَارَة الرقي، قَالَ الْأَزْدِيّ فِي حَقه: مُنكر الحَدِيث، وَأما ابْن حبَان فوثقه. وَفِي النَّسَائِيّ من حَدِيث عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ سيمانا يَوْم بدر الصُّوف الْأَبْيَض» وَفِيه وَأبي دَاوُد وَابْن مَاجَه من حَدِيث سَلمَة بن الْأَكْوَع، قَالَ: «أمَّر علينا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا بكر الصّديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْه لَيْلَة بيتنا هوَازن فَكَانَ من شعارنا أمت أمت».

.الحديث العَاشِر:

قَالَ: «وَيسْتَحب أَن يدْخل دَار الْحَرْب بتعبئة الْحَرْب؛ لِأَنَّهُ أحوط وأهيب».
وَهُوَ كَمَا قَالَ فَحَدِيث عُرْوَة السالف قَرِيبا فِي مرورهم عَلَى أبي سُفْيَان قَبيلَة قَبيلَة إِلَى آخر مَا سلف وَرَوَى التِّرْمِذِيّ وَالْبَزَّار من حَدِيث عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف. قَالَ: «عبأنا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ببدر لَيْلًا...» رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن مُحَمَّد بن حميد الرَّازِيّ، ثَنَا سَلمَة بن الْفضل، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن عِكْرِمَة. قَالَ التِّرْمِذِيّ: سَأَلت مُحَمَّدًا عَنهُ فَلم يعرفهُ- يَعْنِي الحَدِيث- وَقَالَ: مُحَمَّد بن إِسْحَاق سمع من عِكْرِمَة؛ وَحين رَأَيْته كَانَ حسن الرَّأْي فِي مُحَمَّد بن حميد ثمَّ ضعفه بعد.
قلت: وَغير البُخَارِيّ نَفَى سَمَاعه مِنْهُ، وَأدْخل بَينهمَا يزِيد بن أبي حبيب وَسَلَمَة بن الْفضل ضَعِيف، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق الكوسج: أشهد عَلَى مُحَمَّد بن حميد أَنه كَذَّاب، وَرَوَاهُ الْبَزَّار، عَن عبد الله بن شبيب، ثَنَا إِبْرَاهِيم بن يَحْيَى بن هَانِئ، ثَنَا أبي، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن ثَوْر- يَعْنِي ابْن يزِيد- عَن عِكْرِمَة بِهِ وَيَحْيَى هَذَا. قَالَ أَبُو حَاتِم: ضَعِيف. وَقَالَ السَّاجِي: أَحَادِيثه مَنَاكِير وأغاليط، وَكَانَ ضريرًا يلقن بِحَدِيث عَن ابْن إِسْحَاق.

.الحديث الحَادِي عشر:

قَالَ: «وَأَن يستنصر بالضعفاء».
وَهُوَ كَمَا قَالَ فَفِي صَحِيح البُخَارِيّ من حَدِيث سعد بن أبي وَقاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه رَأَى أَن لَهُ فضلا عَلَى من دونه. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل ترزقون وتنصرون إِلَّا بضعفائكم» زَاد النَّسَائِيّ: «بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم» وَرَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث أبي الدَّرْدَاء د س ت وَصَححهُ، وَكَذَا ابْن حبَان وَالْحَاكِم.

.الحديث الثَّانِي عشر:

قَالَ: «وَأَن يَدْعُو عِنْد التقاء الصفين».
وَهُوَ كَمَا قَالَ فَفِي صَحِيح ابْن حبَان من حَدِيث سهل بن سعد السَّاعِدِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «ساعتان تفتح فيهمَا أَبْوَاب السَّمَاء عِنْد حُضُور الصَّلَاة وَعند الصَّفّ فِي سَبِيل الله» وَفِي رِوَايَة لَهُ «ساعتان لَا ترد عَلَى داعٍ دَعوته حِين تُقَام الصَّلَاة وَفِي الصَّفّ فِي سَبِيل الله». وَفِي رِوَايَة لَهُ فِي كتاب وصف الصَّلَاة بِالسنةِ وَهِي عَلَى شَرط صَحِيحه «عِنْد النداء بِالصَّلَاةِ، والصف فِي سَبِيل الله»، وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد «اثْنَان لَا يردان الدُّعَاء عِنْد النداء بِالصَّلَاةِ، والصف فِي سَبِيل الله، وَعند الْبَأْس حِين يلحم بَعضهم بَعْضًا» وَرَوَاهَا الْحَاكِم أَيْضا وَفِي إسنادها رجل مُتَكَلم فِيهِ، وصححها الْحَاكِم وَابْن خُزَيْمَة، وَفِي صَحِيح الْحَاكِم من حَدِيث ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا «إِذا نَادَى الْمُنَادِي فتحت أَبْوَاب السَّمَاء، واستجيب الدُّعَاء، فَمن نزل بِهِ كرب أَو شدَّة فليتحين الْمُنَادِي» ثمَّ قَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد، وَفِي سنَن الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد ضَعِيف من حَدِيث أبي أُمَامَة رَفعه «الدُّعَاء يُسْتَجَاب وتفتح أَبْوَاب السَّمَاء فِي أَرْبَعَة مَوَاطِن عِنْد التقاء الصُّفُوف، ونزول الْغَيْث، وَإِقَامَة الصَّلَاة، ورؤية الْكَعْبَة». وَفِي الطَّبَرَانِيّ الصَّغِير من حَدِيث ابْن عمر مَرْفُوعا «تفتح أَبْوَاب السَّمَاء لخمس: لقرأة الْقُرْآن، والتقاء الزحفين، ونزول الْمَطَر، ولدعوة الْمَظْلُوم، وَالْأَذَان» ثمَّ قَالَ: لم يروه عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع إِلَّا حَفْص تفرد بِهِ عَمْرو بن عون الوَاسِطِيّ.

.الحديث الثَّالِث عشر:

قَالَ: «وَأَن يكبر من غير إِسْرَاف فِي رفع الصَّوْت».
وَهُوَ كَمَا قَالَ، فَفِي البُخَارِيّ من حَدِيث أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «فتح رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خَيْبَر بكرَة وَقد خَرجُوا بِالْمَسَاحِي فَلَمَّا نظرُوا إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالُوا: مُحَمَّد وَالْخَمِيس، فَرفع رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدَيْهِ ثمَّ قَالَ: الله أكبر- ثَلَاث مَرَّات خربَتْ خَيْبَر إِنَّا إِذا نزلنَا بِسَاحَة قوم فسَاء صباح الْمُنْذرين».

.الحديث الرَّابِع عشر:

قَالَ: «وَأَن يحرض النَّاس عَلَى الْقِتَال وَعَلَى الصَّبْر والثبات».
هُوَ كَمَا قَالَ: فَفِي صَحِيح مُسلم؛ أَن أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِن أَبْوَاب الْجنَّة تَحت ظلال السيوف» والبُخَارِيّ مثله من رِوَايَة ابْن أبي أَوْفَى.

.الحديث الخَامِس عشر:

رُوِيَ «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتَعَانَ بيهود بني قينقاع فِي بعض الْغَزَوَات ورضخ لَهُم».
هَذَا الحَدِيث، رَوَاهُ الشَّافِعِي فَقَالَ: قَالَ أَبُو يُوسُف، أبنا الْحسن بن عمَارَة، عَن الحكم، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: «اسْتَعَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بيهود بني قينقاع ورضخ لَهُم وَلم يُسهم لَهُم». قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الحَدِيث لم أَجِدهُ إِلَّا من حَدِيث الْحسن بن عمَارَة وَهُوَ ضَعِيف، عَن الحكم، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «اسْتَعَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بيهود بني قينقاع فرضخ لَهُم وَلم يُسهم لَهُم» قَالَ الشَّافِعِي: وروينا بإسنادٍ أصح من هَذَا عَن أبي حميد السَّاعِدِيّ قَالَ: «خرج رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى إِذا خلف ثنية الْوَدَاع إِذا كَتِيبَة، قَالَ: من هَؤُلَاءِ؟ قَالُوا: بني قينقاع وَهُوَ رَهْط عبد الله بن سَلام. قَالَ: وَأَسْلمُوا؟ قَالُوا: لَا بل هم عَلَى دينهم. قَالَ: قل لَهُم فليرجعوا فَإنَّا لَا نستعين بالمشركين».
وَفِي مَرَاسِيل أبي دَاوُد من حَدِيث الزُّهْرِيّ «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتَعَانَ بناس من الْيَهُود فِي حربه فَأَسْهم لَهُم» وَفِي رِوَايَة لَهُ «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أسْهم ليهود كَانُوا غزوا مَعَه مثل سِهَام الْمُسلمين». وَفِي التِّرْمِذِيّ من حَدِيث الزُّهْرِيّ أَيْضا «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أسْهم لقوم من الْيَهُود قَاتلُوا مَعَه». ومراسيل الزُّهْرِيّ ضَعِيفَة لَا جرم. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا مُنْقَطع. قَالَ الشَّافِعِي: والْحَدِيث الْمُنْقَطع لَا يكون حجَّة.
فَائِدَة: قينقاع قَبيلَة مَعْرُوفَة من الْيَهُود. قَالَ ابْن مَالك فِي مثلثه: ونونه مُثَلّثَة، قَالَ: وَهُوَ شعب من الْيَهُود الَّذين كَانُوا بِالْمَدِينَةِ.

.الحديث السَّادِس عشر:

«أَن صَفْوَان شهد مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حَرْب حنين وَهُوَ مُشْرك».
هَذَا الحَدِيث ذكره الإِمَام الشَّافِعِي هَكَذَا وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: أَنه مَعْرُوف فِيمَا بَين أهل الْمَغَازِي.
قلت: وَقد سلف فِي بَاب قسم الصَّدقَات فَليُرَاجع مِنْهُ، وَوَقع فِي الْكِفَايَة بعد أَن ذكر أَنه استصحبه مَعَه وَهُوَ مُشْرك، قَالَ: واستصحبه مَعَه فِي غَزْوَة هوَازن، وَهُوَ غَرِيب عَجِيب فَإِنَّهَا وَاحِدَة فحنين اسْم لمَكَان الْقِتَال، وهوازن اسْم للقبيلة الْكَافِرَة الْمُقَاتلَة، وَنَظِير هَذَا مَا وَقع لَهُ فِي كتاب الْقصاص الْمطلب حَيْثُ نقل عَن الزُّهْرِيّ وَمُحَمّد بن شهَاب فظنهما اثْنَان وهما وَاحِد فَتنبه لَهُ.

.الحديث السَّابِع عشر:

عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج إِلَى بدر فَتَبِعَهُ رجل من الْمُشْركين فَقَالَ: تؤمن بِاللَّه وَرَسُوله؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَارْجِع فَلَنْ نستعين بمشرك. ثمَّ أَتَاهُ بعد ذَلِك وَوصف الْإِسْلَام فَقبله واستصحبه».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم فِي صَحِيحه وَفِيه «أَنه قَالَ للنَّبِي لَا، مرَّتَيْنِ» جَوَابا لقولة النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «تؤمن بِاللَّه وَرَسُوله؟ وَأَنه آمن فِي الثَّالِثَة» فَإِن قلت كَيفَ الْجَواب عَن الِاخْتِلَاف بَين هَذَا الحَدِيث، وَالَّذِي قبله قلت: بأوجه ذكرهَا الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب حَيْثُ قَالَ: تحكموا فِي الْجَواب عَن هَذَا الحَدِيث بأوجه. أَحدهَا: أَن الِاسْتِعَانَة كَانَت مَمْنُوعَة ثمَّ رخص فِيهَا.
ثَانِيهَا: إِنَّمَا لم يستعن حِينَئِذٍ لفَوَات بعض الشُّرُوط الْمُعْتَبرَة.
ثَالِثهَا: أَن الْأَمر فِيهِ إِلَى رَأْي الإِمَام فَرَأَى أَن يَسْتَعِين فِي بعض الْغَزَوَات وَلم يره فِي بعض.
رَابِعهَا: أَنه تفرس فِيهِ الرَّغْبَة فِي الْإِسْلَام فَرده رَجَاء أَن يسلم فَصدق ظَنّه. وَهَذَا الْجَواب ذكره الْبَيْهَقِيّ عَن نَص الشَّافِعِي.

.الحديث الثَّامِن عشر:

«أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يخرج إِلَى الْغَزْو، وَمَعَهُ عبد الله بن سلول».
هَذَا مَعْرُوف، أخرجه الْبَيْهَقِيّ وَغَيره قَالَ الرَّافِعِيّ: وَكَانَ عبد الله قد ظهر التخذيل مِنْهُ. قَالَ: والتخذيل هُوَ الَّذِي يتخوف النَّاس بِأَن يَقُول عَددكم قَلِيل، وخيولكم ضَعِيفَة، وَلَا طَاقَة لكم بالعدو، وَمَا أشبه ذَلِك. قَالَ: وَتَكَلَّمُوا فِي أَنه لما كَانَ خرج النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَهُ عبد الله بن أبي وحاله هَذَا! فَقيل: كَانَت الصَّحَابَة أقوياء فِي الدَّين لَا يبالون بتخذيله، وَقيل كَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يطلع بِالْوَحْي عَلَى أَفعاله فَلَا يستضير بكيده.

.الحديث التَّاسِع عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من جهز غازيًا فِي سَبِيل الله فقد غزا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح وَقد تقدم بَيَانه فِي الْبَاب قبله، قَالَ الرَّافِعِيّ وَرُوِيَ «من جهز غازيًا أَو حاجًّا أَو مُعْتَمِرًا فَلهُ مثل أجره».
قلت: هُوَ فِي فَضَائِل الْجِهَاد لِلْحَافِظِ بهاء الدَّين أبي مُحَمَّد الْقَاسِم بن الْحَافِظ أبي الْقَاسِم عَلّي بن عَسَاكِر من حَدِيث الْحسن بن عَطِيَّة وَهُوَ ضَعِيف، ثَنَا سوار الْهَمدَانِي، عَن زِيَاد المصفر، عَن ابْن الْحَنَفِيَّة، عَن أَبِيه. قَالَ قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «من جهز حَاجا أَو غازيًا أَو مُعْتَمِرًا أَو خَلفهم فِي أَهله كَانَ لَهُ مثل أُجُورهم من غير أَن ينتقص من أُجُورهم شَيْء» وَفِي مُعْجم الصَّحَابَة لِابْنِ قَانِع عَن إِسْحَاق بن الْحسن الْحَرْبِيّ، ثَنَا هَوْذَة بن خَليفَة، ثَنَا عَمْرو بن قيس، عَن عَطاء، عَن زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من جهز غازيًا فِي سَبِيل الله أَو خَلفه فِي أَهله كَانَ لَهُ مثل أجره من غير أَن ينقص من أجره شَيْئا، وَمن جهز حاجًّا أَو خَلفه فِي أَهله كَانَ لَهُ مثل أجر الْحَاج من غير أَن ينقص من أجره شَيْئا، وَمن فطر صَائِما كَانَ لَهُ مثل أجره» وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي المعجم الصَّغِير من حَدِيث أبي إِسْمَاعِيل الْمُؤَدب عَن يَعْقُوب بن عَطاء، عَن أَبِيه عَن زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ رَفعه «من جهز غازيًا أَو فطر صَائِما أَو جهز حَاجا كَانَ لَهُ مثل أجره من غير أَن ينقص من أجره شَيْئا» ثمَّ قَالَ: لم يروه عَن يَعْقُوب بن عَطاء إِلَّا أَبُو إِسْمَاعِيل الْمُؤَدب.

.الحديث العشْرُونَ وحاديه أَيْضا:

«أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم منع أَبَا بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه يَوْم أحد عَن قتل ابْنه عبد الرَّحْمَن، وَأَبا حُذَيْفَة بن عتبَة عَن قتل أَبِيه يَوْم بدر».
هَذَا الحَدِيث مَشْهُور فِي كتب الْمَغَازِي وَالسير وَذكره الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه، فَقَالَ فِي كتاب الْبُغَاة بَاب مَا يكره لأهل الْعدْل من أَن يتَعَمَّد قتل ذِي رَحمَه من أهل الْبَغي اسْتِدْلَالا بِمَا رُوِيَ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كف أَبَا حُذَيْفَة بن عتبَة عَن قتل أَبِيه وَأَبا بكر عَن قتل ابْنه» ثمَّ رَوَى من حَدِيث الْوَاقِدِيّ، عَن ابْن أبي الزِّنَاد، عَن أَبِيه. قَالَ: «شهد أَبُو حُذَيْفَة بَدْرًا ودعا أَبَاهُ عتبَة إِلَى البرَاز فَمَنعه عَنهُ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم».
قَالَ الْوَاقِدِيّ: عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر لم يزل عَلَى دين قومه فِي الشّرك حَتَّى شهد بَدْرًا مَعَ الْمُشْركين ودعا إِلَى البرَاز فَقَامَ إِلَيْهِ أَبُو بكر ليبارزه فَذكر «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأبي بكر: متعنَا بِنَفْسِك»، ثمَّ إِن عبد الرَّحْمَن أسلم فِي هدنة الْحُدَيْبِيَة.
ثمَّ اعْلَم بعد ذَلِك أَنه وَقع فِي بسيط الْغَزالِيّ عَلَى الْعَكْس مِمَّا ذكره الرَّافِعِيّ وَغَيره، فَقَالَ: «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حُذَيْفَة وَأَبا بكر عَن قتل أبويهما» وَهُوَ وهم وَكَأَنَّهُ صحف مَا ذكره إِمَامه فِي نهايته فَإِنَّهُ قَالَ فِي كتاب الْبُغَاة «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا حُذَيْفَة بن عتبَة، وَنَهَى أَبَا بكر عَن قتل ابْنه يَوْم أحد» فصحف ابْنه فِي الثَّانِي بِالْيَاءِ بدل النُّون لَا جرم.
قَالَ ابْن الصّلاح: هَذَا الَّذِي وَقع فِي الْوَسِيط وَهُوَ تَصْحِيف وَإِنَّمَا هُوَ «نهَى أَبَا حُذَيْفَة بن عتبَة عَن قتل أَبِيه وَنَهَى أَبَا بكر عَن قتل ابْنه عبد الرَّحْمَن» فتصحف أَبُو حُذَيْفَة بحذيفة وَفِي أبي بكر ابْنه بالنُّون ثَانِيَة قَالَ: ثمَّ فِي ثُبُوت أصل الحَدِيث بعد سَلَامَته من التَّصْحِيف نظر، وَتَبعهُ النَّوَوِيّ فَقَالَ فِي تهذيبه: هَذَا الَّذِي فِي الْوَسِيط غلط صَرِيح وتصحيف قَبِيح فِي الاسمين جَمِيعًا فَإِنَّمَا صَوَابه نهَى أَبَا حُذَيْفَة- واسْمه مهشم وَقيل هشيم- عَن قتل أَبِيه يَوْم بدر وَهُوَ أَبُو حُذَيْفَة ابْن عتبَة بن ربيعَة بن عبد شمس بن عبد منَاف، وَأما أَبُو بكر فَهُوَ الصّديق، فَالصَّوَاب عَن قتل ابْنه بالنُّون، وَهُوَ ابْنه عبد الرَّحْمَن وَذَلِكَ يَوْم بدر. قَالَ: وَهَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ من صَوَاب الاسمين هُوَ الْمَشْهُور الْمَعْرُوف الْمَوْجُود فِي كتب الْمَغَازِي وَكتب الحَدِيث الَّذِي ذكر فِيهَا هذَيْن الْحَدِيثين وَلَا خلاف بَينهم فِيمَا ذَكرْنَاهُ. وَكَذَلِكَ قَالَ فِي أغاليط الْوَسِيط المنسوبة إِلَيْهِ أَنه غلط مُتَّفق عَلَيْهِ وَلَا يخْفَى عَلَى من عِنْده أدنَى علم من النَّقْل، وَصَوَابه مَا سلف.
تَنْبِيه: من الأوهام أَيْضا مَا قَالَه ابْن دَاوُد من أَن ابْن أبي بكر الصّديق الْمشَار إِلَيْهِ غير مُحَمَّد وعبد الرَّحْمَن فَإِنَّهُمَا ولدا فِي الْإِسْلَام، وَمَا أسلفناه عَن الْوَاقِدِيّ فِي عبد الرَّحْمَن يردهُ.

.الحديث الثَّانِي بعد الْعشْرين:

رُوِيَ «أَن أَبَا عُبَيْدَة بن الْجراح رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قتل أَبَاهُ حِين سَمعه يسب النَّبِي فَلم يُنكر النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِ صَنِيعه».
هَذَا الحَدِيث غَرِيب هَكَذَا لَا أعلم من خرجه كَذَلِك وَالَّذِي أعرفهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مراسيله، عَن إِسْمَاعِيل بن سميع الْحَنَفِيّ عَن مَالك بن عُمَيْر. قَالَ: «جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي لقِيت الْعَدو، وَلَقِيت أبي فيهم فَسمِعت مِنْهُ مقَالَة قبيحة فطعنته بِالرُّمْحِ فَقتلته فَسكت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم». ثمَّ جَاءَ آخر فَقَالَ: «يَا نَبِي الله، إِنِّي لقِيت أبي فتركته وأحببت أَن يَلِيهِ غَيْرِي فَسكت عَنهُ» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا وَقَالَ: إِنَّه مُرْسل جيد.
قلت: لَكِن إِسْمَاعِيل هَذَا تَركه زَائِدَة. قَالَ يَحْيَى الْقطَّان: إِنَّمَا تَركه لِأَنَّهُ كَانَ صُفريًا. قَالَ الْعقيلِيّ: كَانَ يرَى رَأْي الْخَوَارِج، وَقَالَ أَبُو نعيم: أَقَامَ جارًا لِلْمَسْجِدِ أَرْبَعِينَ سنة لَا يرَى فِي جُمُعَة وَلَا جمَاعَة. قَالَ البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالْقطَّان: لَا بَأْس بِهِ. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَمَالك بن عُمَيْر مخضرم لم تصح صحبته وَإِنَّمَا يروي عَن عَلّي وحالته مَجْهُولَة.
قلت: فَإِن كَانَ هَذَا الرجل الْمُبْهم هُوَ الْجراح صَحَّ مَا قَالَه المُصَنّف، وَيُؤَيّد ذَلِك أَن الْحَاكِم رَوَى فِي مُسْتَدْركه فِي تَرْجَمته ثمَّ الْبَيْهَقِيّ بإسنادهما، عَن عبد الله بن شَوْذَب قَالَ: «جعل أَبُو أبي عُبَيْدَة بن الْجراح ينصب الْآلهَة لأبي عُبَيْدَة يَوْم بدر وَجعل أَبُو عُبَيْدَة يحيد عَنهُ فَلَمَّا أَكثر الْجراح قَصده أَبُو عُبَيْدَة فَقتله فَأنْزل الله فِيهِ هَذِه الْآيَة حِين قتل أَبَاهُ: {لَا تَجِد قوما يُؤمنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر يوادون من حاد الله وَرَسُوله وَلَو كَانُوا آبَاءَهُم أَو أَبْنَاءَهُم}» وَهَذَا مُرْسل عَلَى قَول الْأَكْثَر وَعَلَى قَول من زعم أَن الْمُرْسل لَا يكون إِلَّا من التَّابِعين يكون معضلاً؛ لِأَن عبد الله هَذَا إِنَّمَا يروي عَن التَّابِعين.

.الحديث الثَّالِث بعد الْعشْرين:

عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن قتل النِّسَاء وَالصبيان».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث نَافِع عَنهُ قَالَ: «وجدت امْرَأَة مقتولة فِي مغازي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنَهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قتل النِّسَاء وَالصبيان» وَفِي رِوَايَة لَهما «فَأنْكر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قتل النِّسَاء وَالصبيان».

.الحديث الرَّابِع بعد الْعشْرين:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بِامْرَأَة مقتولة فِي بعض غَزَوَاته فَقَالَ: مَا بَال هَذِه تُقتل وَلَا تقَاتل؟!».
هَذَا الحَدِيث حسن رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه، وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من حَدِيث ريَاح بن ربيع «أَنه خرج مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة غَزَاهَا وَعَلَى مقدمته خَالِد بن الْوَلِيد، فَمر ريَاح وَأَصْحَاب النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى امْرَأَة مقتولة مِمَّا أَصَابَت المقدِّمة، فوقفوا ينظرُونَ إِلَيْهَا- يَعْنِي: ويعجبون من خلقهَا حَتَّى لحقهم- رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى رَاحِلَته فانفرجوا عَنْهَا، فَوقف عَلَيْهَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَا كَانَت هَذِه لتقاتل. فَقَالَ لأَحَدهم: الْحق خَالِدا فَقل لَهُ: لَا تقتلُوا ذُرِّيَّة وَلَا عسيفًا» وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «لَا تقتلن امْرَأَة وَلَا عسيفًا» وَأَشَارَ إِلَى هَذَا التِّرْمِذِيّ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن رَبَاح بن الرّبيع وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من حَدِيث حَنْظَلَة بن الرّبيع. أخي ريَاح قَالَ: «غزونا مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فمررنا عَلَى امْرَأَة مقتولة قد اجْتمع عَلَيْهَا النَّاس فأفرجوا لَهُ، فَقَالَ: مَا كَانَت هَذِه لتقاتل فِيمَن يقاتِل. ثمَّ قَالَ لرجل: انْطلق إِلَى خَالِد بن الْوَلِيد فَقَالَ: قل لَهُ: إِن رَسُول يَأْمُرك يَقُول: لَا تقتلن ذُرِّيَّة وَلَا عسيفًا» هَذَا لفظ ابْن مَاجَه، وَلَفظ النَّسَائِيّ: «كُنَّا مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة فَمر بِامْرَأَة مقتولة وَالنَّاس عَلَيْهَا ففرجوا لَهُ. فَقَالَ: مَا كَانَت هَذِه تقَاتل. الْحق خَالِدا فَقل لَهُ: لَا تقتل ذُرِّيَّة وَلَا عسيفًا». قَالَ الْحَاكِم: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْمُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن وَابْن جريج عَن أبي الزِّنَاد. وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن أبي أويس، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد، عَن المرقع بن صَيْفِي بن رَبَاح أخي حَنْظَلَة الْمكَاتب أَن جده رَبَاح أخبرهُ فَصَارَ الحَدِيث صَحِيحا عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم. وَقَالَ ابْن حبَان فِي صَحِيحه: سمع هَذَا الْخَبَر المرقع بن صَيْفِي، عَن حَنْظَلَة الْمكَاتب، وسَمعه من جده وجده رَبَاح بن الرّبيع وهما محفوظان، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة: لَا بَأْس بِإِسْنَادِهِ. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سَأَلت أبي عَنهُ. فَقَالَ: الصَّحِيح الثَّانِي- يَعْنِي من اللَّذين قدمناهما وَكَذَا فِي تَارِيخ البُخَارِيّ الْكَبِير فَإِنَّهُ أخرجه من حَدِيث المرقع، عَن رَبَاح، وَمن حَدِيث المرقع عَن حَنْظَلَة ثمَّ قَالَ: وَهَذَا وهم. وَقَالَ بَعضهم: ريَاح وَلم يثبت. هَذَا لَفظه.
تَنْبِيهَات: أَحدهَا: رَبَاح هَذَا يُقَال فِيهِ بِالْبَاء الْمُوَحدَة ورياح بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاة تَحت. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ البُخَارِيّ: رَبَاح أصح- يَعْنِي بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَمن قَالَ ريَاح- يَعْنِي بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاة تَحت- فقد وهم. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَكَذَا قَالَ أَبُو عِيسَى- يَعْنِي التِّرْمِذِيّ- وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَيْسَ فِي الصَّحَابَة من يُقَال لَهُ ريَاح- يَعْنِي بِالْمُثَنَّاةِ تَحت- إِلَّا عَلَى اخْتِلَاف فِيهِ أَيْضا. وَقَالَ الْحَازِمِي- عَلَى مَا نَقله الصريفيني عَنهُ- إِنَّه بِالْمُثَنَّاةِ تَحت هُوَ الصَّوَاب. وَقَالَ العسكري: إِن بَعضهم صحفه فَقَالَ: بِالْبَاء- يَعْنِي الْمُوَحدَة- فَقَالَ أَحْمد بن مُحَمَّد بن الجهم السمري: إِنَّمَا تسمي الْعَرَب العبيد برباح، وَلَا نَعْرِف من الْمَشْهُورين غير رَبَاح بن المغترف.
ثَانِيهَا: فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث اخْتِلَاف مر بعضه.
قَالَ عبد الْحق: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن عمر بن مُرَقع بن صَيْفِي بن رَبَاح بن الرّبيع قَالَ: سَمِعت أبي يحدث، عَن جده رَبَاح بن ربيع. وَرَوَاهُ عَن الْمُغيرَة، عَن أبي الزِّنَاد، عَن المرقع، عَن جده رَبَاح. وَعَن سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن أبي الزِّنَاد، عَن المرقع، عَن حَنْظَلَة الْكَاتِب، قَالَ: وَيُقَال حَدِيث سُفْيَان عَن أبي الزِّنَاد وهم، ومرقع بن صَيْفِي سمع ابْن عَبَّاس وجده رَبَاح بن الرّبيع وَيُقَال: ريَاح. رَوَى عَنهُ: ابْنه عَمْرو، وَأَبُو الزبير، وَأَبُو الزِّنَاد، ومُوسَى بن عقبَة، وَيُونُس بن إِسْحَاق. وَعمر بن مُرَقع لَا بَأْس بِهِ. قَالَه ابْن معِين وَكَذَا الْمُغيرَة لَيْسَ بِهِ بَأْس، وَهُوَ الْمُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن الْحزَامِي.
ثَالِثهَا: ذكر الشَّافِعِي فِي رِوَايَة عبد الرَّحْمَن البغداد- فِيمَا نَقله الْبَيْهَقِيّ عَنهُ- حَدِيث المرقع هَذَا ثمَّ ضعفه بِأَن مرقعًا لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ. وَكَذَا قَالَ ابْن الْقطَّان أَيْضا فِي علله: أَنه لَا يعرف حَاله، وَسَبقه إِلَى ذَلِك ابْن حزم فَإِنَّهُ رده بِهِ فِي محلاه مُدعيًا جهالته، وَلَك أَن تَقول قد رَوَى عَنهُ جمَاعَة، وَسمع ابْن عَبَّاس ورباحًا، ووثق كَمَا سلف، وَخرج ابْن حبَان وَالْحَاكِم لَهُ فِي صَحِيحهمَا وصححا حَدِيثه فَهُوَ إِذا مَعْرُوف الْحَال.
رَابِعهَا: العسيف: أجِير، وَقيل: الشَّيْخ الفاني، وَقيل: العَبْد. حكاهن الْمُنْذِرِيّ، والذرية: الْمَرْأَة. قَالَه الْهَرَوِيّ، وَعند الْجَوْهَرِي: ذُرِّيَّة الرجل: وَلَده.
خَامِسهَا: هَذِه الْغَزْوَة الَّتِي مر النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهَا بِالْمَرْأَةِ المقتولة غَزْوَة خَيْبَر، وَقيل: الخَنْدَق. حَكَاهُمَا ابْن الرّفْعَة فِي كِفَايَته.

.الحديث الخَامِس بعد الْعشْرين:

رُوِيَ «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بِامْرَأَة مقتولة يَوْم خَيْبَر. فَقَالَ: من قتل هَذِه؟ فَقَالَ رجل: أَنا يَا رَسُول الله، غنمتها فأردفتها خَلْفي، فَلَمَّا رَأَتْ الْهَزِيمَة فِينَا أهوت إِلَى قَائِم سَيفي لتقتلني فقتلتها. فَلم يُنكر عَلَيْهِ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مراسيله بِنَحْوِهِ عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، عَن وهيب، عَن أَيُّوب، عَن عِكْرِمَة «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأَى امْرَأَة مقتولة بِالطَّائِف. فَقَالَ: ألم أنْه عَن قتل النِّسَاء؟ من صَاحب هَذِه المقتولة؟ قَالَ رجل من الْقَوْم: أَنا يَا رَسُول الله، أردفتها فَأَرَادَتْ أَن تصرعني فتقتلني، فَأمر بهَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن توارى» وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث حَفْص بن غياث، عَن الْحجَّاج، عَن الحكم، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بِامْرَأَة يَوْم الخَنْدَق مقتولة. فَقَالَ: من قتل هَذِه؟ فَقَالَ رجل: أَنا يَا رَسُول الله. قَالَ: وَلم؟ قَالَ: نازعتني سَيفي. فَسكت».

.الحديث السَّادِس بعد الْعشْرين:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «اقْتُلُوا شُيُوخ الْمُشْركين واستحيوا شرخهم».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظ أَحْمد فِي مُسْنده. فَقَالَ: ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة، ثَنَا الحَجَّاج، عَن قَتَادَة، عَن الْحسن، عَن سَمُرَة مَرْفُوعا بدل: «اسْتَحْيوا» وَهُوَ بِمَعْنَاهُ. ثمَّ قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب.
قلت: وَفِيه نظر؛ فَإِن فِي إِسْنَاده سعيد بن بشير، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى تَضْعِيفه كَمَا سلف وَاضحا فِي بَاب كَيْفيَّة الصَّلَاة، وَفِي إِسْنَاد أبي دَاوُد وَأحمد حجاج بن أَرْطَاة وَقد ضَعَّفُوهُ، وَقد ضعف عبد الْحق فِي أَحْكَامه الحَدِيث بهما. فَقَالَ: بعد هَذَا عِلّة أُخْرَى وَهِي الْخلاف فِي سَماع الْحسن من سَمُرَة، وَقد أوضحنا لَك مذاهبهم فِي ذَلِك فِي بَاب صفة الصَّلَاة.
فَائِدَة: الشرخ جمع شارخ. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَفسّر بالمراهقين. قلت: يُؤَيّدهُ سِيَاق الْبَيْهَقِيّ فِي كتاب الْمعرفَة إِذْ فِي آخِره: بِمَعْنى الصغار. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: فَإِذا كَانَ المُرَاد بالشرخ الصغار فَالْمُرَاد بالشيوخ فِي مُقَاتلَتهمْ الرِّجَال المطلقون. وَفِي معالم الْخطابِيّ: يُرِيد بالشرخ الصغار وَمن لم يبلغ مبلغ الرِّجَال والشيوخ. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: هُوَ الشَّبَاب، أَرَادَ بهم الصغار الَّذين لم يبلغُوا الْحلم. قَالَ: وَمِنْه أَرَادَ بالشرخ أهل الْجلد الَّذين يصلحون للْملك والخدمة. وَفِي جَامع المسانيد لِابْنِ الْجَوْزِيّ: قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: فالشيخ لَا يكَاد يسلم، والشاب أقرب إِلَى الْإِسْلَام، والشرخ: الشَّاب.
تَنْبِيه: حَدِيث ابْن بُرَيْدَة عَن أَبِيه «قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا بعث سَرِيَّة- قَالَ: لَا تقتلُوا شَيخا كَبِيرا» قد يُعَارض حَدِيث سَمُرَة هَذَا، وَهُوَ حَدِيث أخرجه الطَّحَاوِيّ فِي شرح الْآثَار بإسنادٍ كل رِجَاله ثِقَات إِلَّا عَلّي بن عَابس فَإِنَّهُ مُتَكَلم فِيهِ وَأخرج لَهُ الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك.