فصل: الحديث السَّادِس:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الخَامِس:

عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا سَافر وَأَرَادَ أَن يتَطَوَّع اسْتقْبل بناقته الْقبْلَة وَكبر، ثمَّ صَلَّى حَيْثُ وَجهه ركابه».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه عَن مُسَدّد، نَا ربعي بن عبد الله بن الْجَارُود، حَدثنِي عَمْرو بن أبي الْحجَّاج، حَدثنِي الْجَارُود بن أبي سُبْرَة، حَدثنِي أنس بن مَالك فَذكره كَذَلِك سَوَاء، وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح كل رِجَاله ثِقَات، أما مُسَدّد فَأخْرج لَهُ البُخَارِيّ، وَأما شَيْخه فَهُوَ هذلي بَصرِي ثِقَة.
قَالَ ابْن معِين: صَالح. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَأخرج لَهُ خَ فِي كتاب الْأَدَب. وَأما شيخ شَيْخه فَهُوَ صَالح الحَدِيث- كَمَا قَالَ أَبُو حَاتِم- وَكَذَا قَالَ فِي حق الْجَارُود أَيْضا وَأخرج خَ للجارود فِي كتاب الْقِرَاءَة. لَا جرم ذكره ابْن السكن فِي سنَنه الصِّحَاح وَاقْتصر النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب عَلَى أَن إِسْنَاده حسن وَلَا مَانع من الْجَزْم بِصِحَّتِهِ كَمَا قَرّرته.

.الحديث السَّادِس:

«أَن أهل قبَاء صلوا إِلَى جِهَتَيْنِ».
هَذَا صَحِيح، وَقد اتفقَا عَلَى إِخْرَاجه فِي «الصَّحِيحَيْنِ» من طَرِيقين:
أَحدهمَا: من رِوَايَة ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «بَيْنَمَا النَّاس فِي صَلَاة الصُّبْح بقباء إِذْ جَاءَهُم آتٍ فَقَالَ: إِن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أنزل عَلَيْهِ، وَقد أُمر أَن يسْتَقْبل الْقبْلَة فاستقبلوها وَكَانَت وُجُوههم إِلَى الشَّام فاستداروا إِلَى الْكَعْبَة».
وَفِي بعض طرق البُخَارِيّ «أَلا فاستقبلوها» ذكره البُخَارِيّ فِي التَّفْسِير وَقَالَ: قد أنزل عَلَيْهِ اللَّيْلَة قُرْآن، وَفِي اسْم هَذَا الْآتِي أَقْوَال، ذكرتها فِي شرح الْعُمْدَة فَرَاجعهَا مِنْهُ.
ثَانِيهمَا: من رِوَايَة الْبَراء بن عَازِب بِنَحْوِهِ، وَفِي البُخَارِيّ: «فانحرفوا وهم رُكُوع فِي صَلَاة الْعَصْر».
وَانْفَرَدَ مُسلم بِإِخْرَاجِهِ من حَدِيث أنس، وَفِيه: «فَمر رجل من بني سَلمَة وهم رُكُوع فِي صَلَاة الْفجْر وَقد صلوا رَكْعَة، فَنَادَى: أَلا إِن الْقبْلَة قد حولت! فمالوا كَمَا هم نَحْو الْكَعْبَة».
وَفِي رِوَايَة غَرِيبَة للطبراني عَن أنس: «نَادَى مُنَادِي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الْقبْلَة قد حولت إِلَى الْبَيْت الْحَرَام، وَقد صَلَّى الإِمَام رَكْعَتَيْنِ. فاستداروا وصلوا الرَّكْعَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ نَحْو الْبَيْت الْحَرَام».
قَالَ الطَّبَرَانِيّ: لم يرو هَذَا الحَدِيث عَن ثُمَامَة إِلَّا جميل بن عبيد تفرد بِهِ زيد بن الْحباب.
قلت: وَفِي وَقت التَّحْوِيل أَقْوَال ذكرتها فِي شرح الْعُمْدَة فَرَاجعهَا مِنْهُ.

.الحديث السَّابِع:

رُوِيَ «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن الصَّلَاة فَوق ظهر الْكَعْبَة».
هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طَرِيق ابْن عمر ومن طَرِيق أَبِيه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما.
رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث يَحْيَى بن أَيُّوب، عَن زيد بن جبيرَة عَن دَاوُد بن الْحصين، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى أَن يصلى فِي سَبْعَة مَوَاطِن: فِي المزبلة، والمجزرة، والمقبرة، وقارعة الطَّرِيق، وَفِي الْحمام، ومعاطن الْإِبِل، وَفَوق ظهر بَيت الله» ثمَّ قَالَ: ونا عَلّي بن حجر، ونا سُوَيْد بن عبد الْعَزِيز، عَن زيد بِهِ، بِمَعْنَاهُ وَنَحْوه.
وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث أبي صَالح قَالَ: حَدثنِي اللَّيْث، حَدثنِي نَافِع، عَن ابْن عمر، عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «سَبْعَة مَوَاطِن لَا تجوز فِيهَا الصَّلَاة: ظهر بَيت الله، والمقبرة، والمزبلة، والمجزرة، وَالْحمام، وعطن الْإِبِل ومحجة الطَّرِيق».
وَرَوَاهُ عبد بن حميد شيخ البُخَارِيّ فِي مُسْنده من حَدِيث يَحْيَى بن أَيُّوب، عَن زيد. كَمَا أخرجه التِّرْمِذِيّ.
وَهَذِه الطَّرِيقَة ضَعِيفَة بِسَبَب زيد بن جبيرَة، وَقد تَرَكُوهُ، وَحَدِيثه مُنكر جدًّا، وَأما دَاوُد بن الْحصين فَهُوَ من رجال الصَّحِيحَيْنِ وَبَاقِي الْكتب السِّتَّة، وَهُوَ ثِقَة قدري، لينه أَبُو زرْعَة. وَقَالَ ابْن عُيَيْنَة: كُنَّا نتقي حَدِيثه. وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: مُرْسل الشّعبِيّ وَابْن الْمسيب أحب إِلَيّ من دَاوُد، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس.
وَأما طَريقَة ابْن مَاجَه فَهِيَ أَجود مِنْهَا؛ فَإِن عبد الله بن صَالح مِمَّن اخْتلف فِيهِ علق عَنهُ البُخَارِيّ. وَقَالَ أَحْمد: كَانَ متماسكًا فِي أول أمره، ثمَّ فسد بِأخرَة، وَلَيْسَ هُوَ بِشَيْء. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: نرَى أَن الْأَحَادِيث الَّتِي أنْكرت عَلَيْهِ مِمَّا افتعل خَالِد بن نجيح، وَكَانَ أَبُو صَالح يَصْحَبهُ، وَكَانَ سليم النَّاحِيَة، وَكَانَ خَالِد يفتعل الْأَحَادِيث ويضعها فِي كتب النَّاس، وَلم يكن أَبُو صَالح مِمَّن يكذب، كَانَ رجلا صَالحا. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: كَانَ حسن الحَدِيث، لم يكن مِمَّن يكذب. وَقَالَ ابْن عدي: هُوَ عِنْدِي مُسْتَقِيم الحَدِيث وَله أغاليط. وَقَالَ سعيد بن مَنْصُور: جَاءَنِي يَحْيَى بن معِين فَقَالَ: أحب أَن تمسك عَن كَاتب اللَّيْث، فَقلت: لَا أمسك عَنهُ، وَأَنا أعلم النَّاس بِهِ.
وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: ضربت عَلَى حَدِيثه، وَمَا أروي شَيْئا. وَقَالَ أَبُو عَلّي صَالح بن مُحَمَّد الْحَافِظ: كَانَ كَاتب اللَّيْث يكذب. وَكَذَلِكَ كذبه جزرة الْحَافِظ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِثِقَة. وَقَالَ ابْن حبَان: هُوَ مُنكر الحَدِيث جدًّا، يروي عَن الْأَثْبَات مَا لَيْسَ من أَحَادِيث الثِّقَات، وَكَانَ فِي نَفسه صَدُوقًا، وَإِنَّمَا وَقعت الْمَنَاكِير فِي حفظه من قبل جَار لَهُ كَانَ يضع الحَدِيث عَلَى شيخ عبد الله بن صَالح وَيكْتب بِخَطِّهِ شبه خطّ عبد الله ويرميه فِي دَاره بَين كتبه فيتوهم عبد الله بن صَالح أَنه خطه فَيحدث بِهِ. قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي حَدِيث ابْن عمر: إِسْنَاده لَيْسَ بِذَاكَ الْقوي، وَقد تكلم فِي زيد بن جبيرَة من قبل حفظه. قَالَ: وَقد رَوَى اللَّيْث بن سعد هَذَا الحَدِيث عَن عبد الله بن عمر الْعمريّ عَنهُ، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، عَن عمر، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله. قَالَ: وَحَدِيث ابْن عمر عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أشبه وَأَصَح من حَدِيث اللَّيْث بن سعد، قَالَ: وَعبد الله بن عمر الْعمريّ ضعفه بعض أهل الحَدِيث من قبل حفظه مِنْهُم يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان.
قلت: رِوَايَة ابْن مَاجَه خَالِيَة عَنهُ كَمَا سلف، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه: تفرد بِهِ زيد بن جبيرَة. ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَن البُخَارِيّ أَنه قَالَ: زيد بن جبيرَة أَبُو جبيرَة عَن دَاوُد بن الْحصين مُنكر الحَدِيث. قَالَ: وَقد رَوَى هَذَا الحَدِيث عَن عبد الله بن عمر الْعمريّ، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا، وَحَدِيث دَاوُد أشبه. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَن حَدِيث عمر وَابْن عمر فَقَالَ: هما جَمِيعًا واهيان. وَقَالَ ابْن دحْيَة فِي تنويره بعد أَن ذكر حَدِيث ابْن عمر: هَذَا حَدِيث بَاطِل عِنْدهم، أنكروه عَلَى زيد بن جبيرَة، وَلَا يعرف مُسْندًا إِلَّا بِرِوَايَة يَحْيَى بن أَيُّوب عَنهُ.
قلت: قد أخرجه التِّرْمِذِيّ من حَدِيث سُوَيْد بن عبد الْعَزِيز عَنهُ كَمَا سلف، وَذكر ابْن الْجَوْزِيّ فِي علله حَدِيث ابْن عمر ثمَّ قَالَ: حَدِيث لَا يَصح ثمَّ نقل كَلَام الْأَئِمَّة فِي تَضْعِيف زيد بن جبيرَة وَدَاوُد بن الْحصين. وَخَالف فِي تَحْقِيقه فَقَالَ- بعد أَن ذكره وَذكر حَدِيث عمر قبل حَدِيث ابْن عمر-: قَالَ فِيهِ التِّرْمِذِيّ:
لَيْسَ إِسْنَاده بِذَاكَ الْقوي، وَقد تكلم فِي زيد من قبل حفظه. وَقَالَ يَحْيَى فِي زيد: لَيْسَ بِشَيْء، وَحَدِيث عمر فِيهِ كَاتب اللَّيْث أَبُو صَالح وَكلهمْ طعن فِيهِ. قُلْنَا: أما زيد فقد ضعف إِلَّا أَنه إِذا كَانَ من قبل حفظه فَمَا يَخْلُو الْحَافِظ من الْغَلَط. قَالَ: وَأما دَاوُد فقد ضُعف، إِلَّا أَن أَبَا زرْعَة لينه قَالَ: وَأما أَبُو صَالح فَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: كَانَ رجلا صَالحا، لم يكن مِمَّن يكذب. قَالَ: وَمثل هَذَا لَا يُوجب إطراح الحَدِيث. هَذَا آخر كَلَامه؛ فقد نَاقض ذَلِك فِي علله وَإِنَّمَا أوقعه ذَلِك التعصب لمذهبه فِي أَن الصَّلَاة فِي الْمَوَاضِع الْمنْهِي عَنْهَا لَا تصح، وَالْعجب مِنْهُ أَنه يَقُول فِي حَافظ الْمشرق أبي بكر الْخَطِيب إِنَّه شَدِيد التعصب لمذهبه ويغلطه فِيمَا صنفه فِي الْقُنُوت والبسملة وَغَيرهمَا، وَيَقُول لَهُ فِي كَلَام لَهُ أَن التهارج لَا يخْفَى عَلَى النقاد؛ فقد وَقع فِيمَا عَابَ عَلَى غَيره، وَقد وَقع لإِمَام الْحَرَمَيْنِ أَيْضا الحكم بِصِحَّة هَذَا الحَدِيث، وَهُوَ عَجِيب مِنْهُ أَيْضا وَمثل ذَلِك فِي إِدْخَال ابْن السكن هَذَا الحَدِيث فِي كِتَابه الَّذِي سَمَّاهُ ب السّنَن الصِّحَاح المأثورة فَقَالَ إِنَّه عَلَيْهِ السَّلَام كره الصَّلَاة فِي سبع مَوَاطِن أَحدهَا: الْمقْبرَة. وَهُوَ متساهل فِي هَذَا الْكتاب، وَذكر المُصَنّف فِي أثْنَاء بَاب شُرُوط الصَّلَاة هَذَا الحَدِيث وَذكر فِيهِ «بدل الْمقْبرَة» «بطن الْوَادي»، وَهِي زِيَادَة بَاطِلَة لَا تعرف فِي هَذَا الحَدِيث، وستمر عَلَيْك فِي موضعهَا- إِن شَاءَ الله ذَلِك وَقدره- ثمَّ اعْلَم بعد ذَلِك كُله أَن الرَّافِعِيّ- رَحِمَهُ اللَّهُ- اسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث عَلَى الرَّاجِح فِيمَا إِذا صَلَّى عَلَى سطح الْكَعْبَة أَو فِي عرصتها بِدُونِ شاخص بَين يَدَيْهِ مِنْهَا فَإِنَّهُ قَالَ: لَو صَلَّى فِي الْعَرَصَة فَهُوَ كَمَا لَو صَلَّى عَلَى سطحها، فَنَنْظُر إِن لم يكن بَين يَدَيْهِ شاخص من نَفْس الْكَعْبَة فَفِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا أَنه لَا يُجزئهُ؛ لما رُوِيَ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نهَى عَن الصَّلَاة عَلَى ظهر الْكَعْبَة». انْتَهَى.
وَهَذَا الدَّلِيل أخص من الدَّعْوَى، وَأَيْضًا فَإِن مُقْتَضَاهُ الْمَنْع مُطلقًا، وَقد صحّح الرَّافِعِيّ بعد ذَلِك الصِّحَّة فِيمَا إِذا كَانَ بَين يَدَيْهِ شاخص.
هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب، وَذكر فِيهِ عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه صَلَّى إِلَى قبْلَة الْكُوفَة مَعَ عَامَّة الصَّحَابَة، وَأَنه هُوَ الَّذِي نصب قبْلَة الْكُوفَة، وَأَن عتبَة بن غَزوَان هُوَ الَّذِي نصب قبْلَة الْبَصْرَة، وَأَن عبد الله بن الْمُبَارك كَانَ يَقُول بعد رُجُوعه من الْحَج: يَا أهل مرو تياسروا.

.باب صفة الصَّلَاة:

ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا:

.أما الْأَحَادِيث:

فمائة وَثَلَاثُونَ حَدِيثا:

.الحديث الأول:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ للأعرابي: ثمَّ اركع حَتَّى تطمئِن رَاكِعا.
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، أَخْرجَاهُ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مطولا: أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل الْمَسْجِد فَدخل رجل فَصَلى، ثمَّ جَاءَ فَسلم عَلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرد عَلَيْهِ وَقَالَ: ارْجع فصل؛ فَإنَّك لم تصل. فَرجع الرجل فَصَلى كَمَا كَانَ صَلَّى، ثمَّ جَاءَ فَسلم عَلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: وَعَلَيْك السَّلَام. ثمَّ قَالَ: ارْجع فصل فَإنَّك لم تصلِ حَتَّى فعل ذَلِك ثَلَاث مَرَّات، فَقَالَ الرجل: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ، مَا أحسن غير هَذَا، فعلمني. فَقَالَ: إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة فَكبر، ثمَّ اقْرَأ مَا تيَسّر مَعَك من الْقُرْآن، ثمَّ اركع حَتَّى تطمئِن رَاكِعا، ثمَّ ارْفَعْ حَتَّى تعتدل قَائِما، ثمَّ اسجد حَتَّى تطمئِن سَاجِدا ثمَّ ارْفَعْ حَتَّى تطمئِن جَالِسا ثمَّ افْعَل ذَلِك فِي صَلَاتك كلهَا وَزَاد البُخَارِيّ: ثمَّ اسجد حَتَّى تطمئِن سَاجِدا يذكر الطُّمَأْنِينَة فِي السَّجْدَتَيْنِ، وَفِي لفظ لمُسلم: إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة فأسبغ الْوضُوء، ثمَّ اسْتقْبل الْقبْلَة وَكبر....

.الحديث الثَّانِي:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي الْفَائِتَة: فليصلها إِذا ذكرهَا.
هَذَا الحَدِيث صَحِيح؛ كَمَا سلف فِي بَاب التَّيَمُّم.

.الحديث الثَّالِث:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مِفْتَاح الصَّلَاة الطّهُور وتحريمها التَّكْبِير وتحليلها التَّسْلِيم.
هَذَا الحَدِيث لَهُ طرق، أشهرها: عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. رَوَاهُ الْأَئِمَّة الشَّافِعِي، وَأحمد، والدارمي، وَالْبَزَّار فِي مسانيدهم وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَابْن مَاجَه، وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمْ، وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي مُسْتَدْركه عَلَى الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، عَن مُحَمَّد بن الحنيفة، عَن عَلّي مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَقد أسلفنا أَقْوَال الْأَئِمَّة فِي عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل فِي بَاب الْوضُوء.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا الحَدِيث أصح شَيْء فِي هَذَا الْبَاب وَأحسن. قَالَ: وَعبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل صَدُوق، وَقد تكلم فِيهِ بعض أهل الْعلم من قبل حفظه قَالَ: وَسمعت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل- يَعْنِي: البُخَارِيّ- يَقُول: كَانَ أَحْمد وَإِسْحَاق والْحميدِي يحتجون بحَديثه. قَالَ مُحَمَّد: هُوَ مقارب الحَدِيث. وَقَالَ الْعقيلِيّ: فِي إِسْنَاده لين، وَهُوَ أصلح من حَدِيث جَابر. وَقَالَ الْبَزَّار: لَا نعلمهُ يرْوَى عَن عَلّي إِلَّا من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا الْإِسْنَاد. وَقَالَ الْحَاكِم: حَدِيث عَلّي الَّذِي رَوَاهُ بن عقيل، عَن مُحَمَّد بن الحنيفة عَنهُ هُوَ أشهر أسانيده، قَالَ: والشيخان أعرضا عَن حَدِيث ابْن عقيل أصلا. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو نعيم الْأَصْفَهَانِي: هَذَا الحَدِيث مَشْهُور ولَا يعرف إِلَّا من حَدِيث ابْن عقيل بِهَذَا اللَّفْظ من حَدِيث عَلّي. وَكَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته: أَن أشهر إِسْنَاد فِيهِ حَدِيث عَلّي. وَقَالَ الْبَغَوِيّ: هَذَا حَدِيث حسن. وَقَالَ الرَّافِعِيّ فِي شرح الْمسند: هَذَا حَدِيث ثَابت أخرجه مَعَ أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بن أسلم فِي مُسْنده وَلَفظه: «مِفْتَاح الصَّلَاة الطّهُور، وإحرامها التَّكْبِير وإحلالها التَّسْلِيم».
وَذكره ابْن السكن فِي سنَنه الصِّحَاح المأثورة.
قلت: وأرسله مُحَمَّد ابْن الحنيفة مرّة، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل عَنهُ رَفعه إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِلَفْظ مُحَمَّد بن أسلم الْمَذْكُور، وَلَا يقْدَح هَذَا فِي طَرِيق الْوَصْل.
الطَّرِيق الثَّانِي: عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «مِفْتَاح الْجنَّة الصَّلَاة، ومفتاح الصَّلَاة الْوضُوء».
رَوَاهُ الْأَئِمَّة أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، وَالْبَزَّار فِي مسانيدهم وَالتِّرْمِذِيّ فِي جامعه وَالطَّبَرَانِيّ فِي أصغرها معاجمه والعقيلي فِي تَارِيخه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان من حَدِيث سُلَيْمَان بن قرم- بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الرَّاء- عَن أبي يَحْيَى القَتَّات- بقاف، ثمَّ مثناه فَوق، ثمَّ ألف، ثمَّ مثناه فَوق أَيْضا- عَن مُجَاهِد، عَن جَابر بِهِ وَرَوَاهُ ابْن السكن بالقطعة الثَّانِيَة فَقَط. قَالَ الطَّبَرَانِيّ: لم يروه عَن أبي يَحْيَى- واسْمه: زَاذَان- إِلَّا سُلَيْمَان بن قرم، تفرد بِهِ حُسَيْن بن مُحَمَّد الْمروزِي.
قلت: وَأَبُو يَحْيَى القَتَّات مُخْتَلف فِيهِ، كَمَا ستعلمه فِي بَاب شُرُوط الصَّلَاة- إِن شَاءَ الله تَعَالَى- وقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَكَذَا سُلَيْمَان بن قرم أَيْضا وَثَّقَهُ أَحْمد وَغَيره. وَقَالَ ابْن عدي: أَحَادِيثه حسان، وَخرج لَهُ فِي الصَّحِيح. قَالَ الْحَاكِم: أخرج لَهُ مُسلم شَاهدا، وَقد غمز بالغلو وَسُوء الْحِفْظ جَمِيعًا. وَقَالَ ابْن حبَان: رَافِضِي غال يقلب الْأَخْبَار. وَقَالَ يَحْيَى بن معِين: لَيْسَ بِشَيْء. وَوَقع للْقَاضِي أبي بكر بن الْعَرَبِيّ: إِن أصح شَيْء فِي هَذَا الْبَاب وَأحسن حَدِيث جَابر هَذَا. وَلَيْسَ بجيد مِنْهُ؛ لما علمت، وَلما أخرجه الْعقيلِيّ فِي ضُعَفَائِهِ قَالَ: إِن حَدِيث عَلّي وَأبي سعيد الْآتِي أصلح مِنْهُ مَعَ لينهما.
الطَّرِيق الثَّالِث: عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «مِفْتَاح الصَّلَاة الطّهُور وتحريمها التَّكْبِير وتحليلها التَّسْلِيم».
رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي كتاب الطَّهَارَة، وَالتِّرْمِذِيّ فِي كتاب الصَّلَاة، والعقيلي فِي تَارِيخه من حَدِيث أبي سُفْيَان طريف بن شهَاب- وَيُقَال: ابْن سُفْيَان. وَيُقَال: ابْن سعد وَيُقَال: طريف الأشل السَّعْدِيّ- عَن أبي نَضرة الْمُنْذر بن مَالك الْعَبْدي، عَن أبي سعيد بِهِ، قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث عَلّي- يَعْنِي: السالف- أصح إِسْنَادًا وأجود من هَذَا الحَدِيث. وَقَالَ الْعقيلِيّ: إِسْنَاده لين، وَهُوَ أصلح من حَدِيث جَابر. وَقَالَ عبد الْحق فِي أَحْكَامه: هَذَا حَدِيث لَا يَصح؛ لِأَن فِي إِسْنَاده أَبَا سُفْيَان طريف بن شهَاب. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام بعد أَن أخرجه من طَرِيق ابْن مَاجَه: أَبُو سُفْيَان هَذَا- قَالَ أَبُو عمر: أَجمعُوا عَلَى أَنه ضَعِيف الحَدِيث. وَهُوَ كَمَا قَالَ، فقد قَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ ابْن عدي: رَوَى عَنهُ الثِّقَات، وَإِنَّمَا أنكر عَلَيْهِ فِي متون الْأَحَادِيث أَشْيَاء لم يَأْتِ بهَا غَيره، وَأما أسانيده فَهِيَ مُسْتَقِيمَة.
قلت: وَفِي سَنَد التِّرْمِذِيّ: سُفْيَان بن وَكِيع شَيْخه، قَالَ البُخَارِيّ: يَتَكَلَّمُونَ فِيهِ لِأَشْيَاء لقنوها. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: مُتَّهم بِالْكَذِبِ. وَتكلم فِيهِ أَبُو حَاتِم وَابْن عدي وَأَبُو زرْعَة؛ لأجل أَنه يَتَلَقَّن، لَكِن التِّرْمِذِيّ حسن حَدِيثه: «اللَّهُمَّ ارزقني حبك».
قلت: وَلِحَدِيث أبي سعيد هَذَا طَرِيق آخر رَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي أَوَائِل الطَّهَارَة من حَدِيث حسان بن إِبْرَاهِيم، عَن سعيد بن مَسْرُوق الثَّوْريّ، عَن أبي نَضرة، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «مِفْتَاح الصَّلَاة الْوضُوء، وتحريمها التَّكْبِير، وتحليلها التَّسْلِيم» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد عَلَى شَرط مُسلم وَلم يخرجَاهُ، قَالَ: وشواهده عَن أبي سُفْيَان عَن أبي نَضرة كَثِيرَة فقد رَوَاهُ أَبُو حنيفَة وَحَمْزَة الزيات، وَأَبُو مَالك النَّخعِيّ وَغَيرهم عَن أبي سُفْيَان.
قلت: لَكِن فِي علل الدَّارَقُطْنِيّ أَن سعيد بن مَسْرُوق لَا يحدث عَن أبي نَضرة.
الطَّرِيق الرَّابِع: عَن عباد بن تَمِيم، عَن عَمه عبد الله بن زيد، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «افْتِتَاح الصَّلَاة الطّهُور، وتحريمها التَّكْبِير، وتحليلها التَّسْلِيم».
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه وَفِي إِسْنَاده الْوَاقِدِيّ، وَهُوَ مَشْهُور الْحَال.
وَذكره ابْن طَاهِر فِي تَذكرته من طَرِيق آخر، والمخرج وَاحِد، وَأعله بِأبي غزيَّة القَاضِي، وَقَالَ: هُوَ الَّذِي سَرقه.
الطَّرِيق الْخَامِس: عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «مِفْتَاح الصَّلَاة الطّهُور، وتحريمها التَّكْبِير، وتحليلها التَّسْلِيم».
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه وَفِي إِسْنَاده نَافِع مولَى يُوسُف السّلمِيّ، قَالَ أَبُو حَاتِم: مَتْرُوك الحَدِيث.
وَله طَرِيق سادس مَوْقُوف عَن شُعْبَة، عَن أبي إِسْحَاق، عَن أبي الْأَحْوَص، عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «مِفْتَاح الصَّلَاة التَّكْبِير، وانقضاؤها التَّسْلِيم».
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ قَالَ: وَرَوَاهُ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث أبي إِسْحَاق وَرَوَاهُ أَبُو نعيم فِي كتاب الصَّلَاة من حَدِيث زُهَيْر، عَن أبي إِسْحَاق بِهِ وَلَفظه: «تَحْرِيم الصَّلَاة التَّكْبِير، وتحليلها التَّسْلِيم».
ولعه طَرِيق سَابِع مَوْقُوف عَلَى أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «مِفْتَاح الصَّلَاة الطّهُور وَالتَّكْبِير تَحْرِيمهَا».
رَوَاهُ ابْن عدي وَضَعفه بِنَافِع أبي هُرْمُز قَالَ النَّسَائِيّ وَغَيره: لَيْسَ بِثِقَة.
فَهَذِهِ طرق الحَدِيث والأخيرة لَا تقدح فِي الأولَى بل هِيَ شاهدة لَهَا، وَأما أَبُو حَاتِم ابْن حبَان فَقَالَ فِي كِتَابه وصف الصَّلَاة بِالسنةِ: حَدِيث تَحْرِيمهَا التَّكْبِير وتحليلها التَّسْلِيم لَا يَصح من جِهَة النَّقْل. قَالَ: وَذَلِكَ أَن مَا رُوِيَ لَهُ إِلَّا طَرِيقَانِ: مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة، عَن عَلّي. وَأَبُو نَضرة، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ؛ فَأَما رِوَايَة مُحَمَّد ابْن الحنيفة فَمَا رَوَاهَا إِلَّا ابْن عقيل. وَأما رِوَايَة أبي نَضرة، عَن أبي سعيد فَمَا رَوَاهَا عَنهُ إِلَّا أَبُو سُفْيَان، وَقد ذكرنَا السَّبَب فِي جرحهما فِي كتاب الْمَجْرُوحين وَقد وهم حسان بن إِبْرَاهِيم؛ فَرَوَاهُ عَن سعيد بن مَسْرُوق، عَن أبي نَضرة، عَن أبي سعيد، وَذَلِكَ يُوهم أَن أَبَا سُفْيَان هُوَ وَالِد سُفْيَان الثَّوْريّ، وَلم يعلم أَن أَبَا سُفْيَان هُوَ طريف السَّعْدِيّ كَانَ واهيًا فِي الحَدِيث؛ فَإِن أَبَا سُفْيَان الثَّوْريّ هُوَ سعيد بن مَسْرُوق كَانَ ثِقَة فَحمل هَذَا عَلَى ذَلِك، وَلم يُمَيّز؛ إِذْ الحَدِيث لم يكن من صناعته. هَذَا لَفظه، وَتَبعهُ ابْن طَاهِر فِي تَذكرته عَلَى ذَلِك، وَقد علمت أَن للْحَدِيث خمس طرق، وَكَلَام غَيره عَلَى الطَّرِيقَيْنِ الْأَوَّلين.
فَائِدَة: قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ فِي شرح التِّرْمِذِيّ: سمي الْوضُوء مفتاحًا؛ لِأَن الْحَدث مَانع من الصَّلَاة كالغلق عَلَى الْبَاب يمْنَع من دُخُوله إِلَّا بمفتاح. وَقَالَ الْأَزْهَرِي: سَمّى التَّكْبِير تَحْرِيمًا؛ لِأَنَّهُ يمْنَع الْمُصَلِّي من الْكَلَام وَالْأكل وَغَيرهمَا. قَالَ: وأصل التَّحْرِيم من قَوْلك: حرمت فلَانا كَذَا- أَي: منعته- وكل مَمْنُوع فَهُوَ حرَام وحرَم.

.الحديث الرَّابِع:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَبْتَدِئ الصَّلَاة بقول: الله أكبر» هَكَذَا روته عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها.
هَذَا الحَدِيث بِهَذَا اللَّفْظ لم أره فِي حَدِيث عَائِشَة وَإِنَّمَا الْمَعْرُوف من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: «كَانَ يستفتح الصَّلَاة بِالتَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَة بِ {الْحَمْد لله رب الْعَالمين}».
رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ من حَدِيث أبي الجوازء الربعِي عَنْهَا.
قَالَ ابْن عبد الْبر: وَلم يسمع مِنْهَا، حَدِيثه عَنْهَا مُرْسل.
قلت: إِدْرَاكه لَهَا مُمكن؛ بل ورد مشافهته لَهَا بالسؤال، لَكِن قَالَ البُخَارِيّ: فِي إِسْنَاده نظر، وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ مثله عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَنه كَانَ إِذا دخل فِي الصَّلَاة كبر وَرفع يَدَيْهِ، وَإِذا ركع رفع يَدَيْهِ، وَإِذا قَالَ: سمع الله لمن حَمده رفع يَدَيْهِ، وَإِذا قَامَ من الرَّكْعَتَيْنِ رفع يَدَيْهِ» وَرفع ابْن عمر ذَلِك إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَفِي سنَن أبي دَاوُد وجامع التِّرْمِذِيّ مثله مصححًا عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا دخل فِي الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة كبر وَرفع يَدَيْهِ» نعم اللَّفْظ الْمَذْكُور مَوْجُود فِي حَدِيث آخر صَحِيح رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي سنَنه عَن عَلّي بن مُحَمَّد الطنافسي، نَا أَبُو أُسَامَة، حَدثنِي عبد الحميد بن جَعْفَر، نَا مُحَمَّد بن عَمْرو، عَن عَطاء قَالَ: سَمِعت أَبَا حميد السَّاعِدِيّ قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا استفتح الصَّلَاة اسْتقْبل الْقبْلَة وَرفع يَدَيْهِ وَقَالَ: الله أكبر».
وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي كِتَابه وصف الصَّلَاة بِالسنةِ عَن عبد الله بن مُحَمَّد الْأَزْدِيّ، أَنا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، نَا أَبُو أُسَامَة... فَذكره، وَشرط فِي هَذَا الْكتاب- كَمَا قَالَ فِي خطبَته- أَنه مستخرج من السّنَن الصِّحَاح دون ذكر الْمَرَاسِيل والموضوعات والمقاطيع والمقلوبات.
قلت: وَهَذَا اللَّفْظ مَوْجُود أَيْضا فِي حَدِيث آخر صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم، وَرَوَاهُ الْبَزَّار عَن مُحَمَّد بن عبد الْملك الْقرشِي، نَا يُوسُف بن أبي سَلمَة، نَا أبي، عَن الْأَعْرَج، عَن عبيد الله بن أبي رَافع، عَن عَلّي «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة قَالَ: الله أكبر، وجهت وَجْهي...» إِلَى آخِره.
قَالَ ابْن الْقطَّان فِي علله: وَهَذَا شَيْء عَزِيز الْوُجُود ومفسر للرواية فِي الصَّحِيح أَنه كبر، وَقد أنكر ابْن حزم وجود ذَلِك، وَقَالَ: مَا عرف قطّ. وَقد بَين غلطه.

.الحديث الخَامِس:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ كَمَا سلف بِطُولِهِ فِي بَاب الْأَذَان.

.الحديث السَّادِس:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا يقبل الله صَلَاة أحدكُم حَتَّى يضع الطّهُور موَاضعه وَيسْتَقْبل الْقبْلَة فَيَقُول: الله أكبر».
هَذَا الحَدِيث لَا نعرفه كَذَلِك فِي كتاب حَدِيث وعزاهُ ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه إِلَى أَصْحَابهم الْفُقَهَاء فَقَالَ: رَوَاهُ أَصْحَابنَا من حَدِيث رِفَاعَة عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: «لَا يقبل الله صَلَاة امْرِئ حَتَّى يضع الْوضُوء موَاضعه، ثمَّ يسْتَقْبل الْقبْلَة وَيَقُول: الله أكبر».
قلت: والحَدِيث من هَذَا الْوَجْه فِي سنَن أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ لَكِن بِلَفْظ: «كبر» بدل: «الله أكبر» رَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث عَلّي بن يَحْيَى بن خَلاد الزرقي، عَن أَبِيه، عَن عَمه- وَهُوَ رِفَاعَة بن رَافع- قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ دخل رجل الْمَسْجِد فَصَلى وَرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يرمقه وَلَا يشْعر، ثمَّ انْصَرف فَأَتَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسلم عَلَيْهِ فَرد عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: ارْجع فصل فَإنَّك لم تصل- قَالَ: لَا أَدْرِي فِي الثَّانِيَة أَو فِي الثَّالِثَة- قَالَ: وَالَّذِي أنزل عَلَيْك الْكتاب، لقد جهدت فعلمني وَأَرِنِي! قَالَ: إِذا أردْت الصَّلَاة فَتَوَضَّأ فَأحْسن الْوضُوء، ثمَّ قُم فَاسْتقْبل الْقبْلَة ثمَّ كبر، ثمَّ اقْرَأ ثمَّ اركع حَتَّى تطمئِن رَاكِعا، ثمَّ ارْفَعْ حَتَّى تعتدل قَائِما، ثمَّ اسجد حَتَّى تطمئِن سَاجِدا، ثمَّ ارْفَعْ رَأسك حَتَّى تطمئِن قَاعِدا، ثمَّ اسجد حَتَّى تطمئِن سَاجِدا، فَإِذا صنعت ذَلِك فقد قضيت صَلَاتك، وَمَا انتقصت من ذَلِك؛ فَإِنَّمَا تنتقصه من صَلَاتك».
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث يَحْيَى بن عَلّي بن يَحْيَى بن خَلاد بن رَافع الزرقي أَيْضا عَن أَبِيه عَن جده عَن رِفَاعَة بن رَافع بِلَفْظ: «فَتَوَضَّأ كَمَا أَمرك الله ثمَّ تشهد، فأقم ثمَّ كبر، فَإِن كَانَ مَعَك قُرْآن فاقرأ بِهِ وَإِلَّا فاحمد الله- عَزَّ وَجَلَّ- وَكبره وَهَلله...» الحَدِيث. وَفِي رِوَايَة لَهُ: «إِنَّهَا لَا تتمّ صَلَاة أحدكُم حَتَّى يسبغ الْوضُوء كَمَا أمره الله فَيغسل وَجهه وَيَديه إِلَى الْمرْفقين وَيمْسَح بِرَأْسِهِ وَرجلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، ثمَّ يكبر الله...» الحَدِيث.
وَفِي رِوَايَة لَهُ: «إِذا أَقمت فتوجهت إِلَى الْقبْلَة فَكبر...» الحَدِيث.
وَفِي رِوَايَة لَهُ: فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: «إِنَّه لَا تتمّ صَلَاة لأحد من النَّاس حَتَّى يتَوَضَّأ فَيَضَع الْوضُوء- يَعْنِي: موَاضعه- ثمَّ يكبر...». الحَدِيث.
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ بِدُونِ التَّكْبِير من حَدِيث يَحْيَى بِهِ بِلَفْظ: «إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة فَتَوَضَّأ كَمَا أَمرك الله، ثمَّ تشهد وأقم فَإِن كَانَ مَعَك قُرْآن فاقرأ، وَإِلَّا فاحمد الله وَكبره وَهَلله، ثمَّ اركع فاطمئن رَاكِعا...» الحَدِيث، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن، وَقد رُوِيَ عَن رِفَاعَة من غير وَجه، وَقَالَ ابْن عبد الْبر إِنَّه حَدِيث ثَابت، وَزعم ابْن الْقطَّان أَن يَحْيَى بن عَلّي ابْن خَلاد لَا يعرف لَهُ حَال فَأَما أَبوهُ عَلّي فَثِقَة، وجده يَحْيَى بن خَلاد أخرج لَهُ البُخَارِيّ.
وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده بِلَفْظ: «يَا رَسُول الله، عَلمنِي كَيفَ أصنع. قَالَ: إِذا اسْتقْبلت الْقبْلَة فَكبر، ثمَّ اقْرَأ بِأم الْقُرْآن، ثمَّ اقْرَأ بِمَا شِئْت، فَإِذا ركعت فَاجْعَلْ راحتيك عَلَى ركبتيك، وامدد ظهرك، وَمكن لركوعك فَإِذا رفعت رَأسك فأقم صلبك حَتَّى ترجع الْعِظَام إِلَى مفاصلها، فَإِذا سجدت فمكن سجودك، فَإِذا جَلَست فاجلس عَلَى فخذك الْيُسْرَى، ثمَّ اصْنَع ذَلِك فِي كل رَكْعَة وَسجْدَة» وَقد أسلفنا فِي الحَدِيث الأول أَن فِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ للمسيء صلَاته: إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة فأسبغ الْوضُوء، ثمَّ اسْتقْبل الْقبْلَة وَكبر».