فصل: الحديث السَّادِس:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّانِي:

عَن أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من اشْتَرَى شَاة مصراة فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَة أَيَّام، فَإِن ردهَا رد مَعهَا صَاعا من تمر لَا سمراء».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم كَمَا سلف بِلَفْظِهِ قَرِيبا.

.الحديث الثَّالِث:

عَن ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهُ أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من ابْتَاعَ محفلة فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَة أَيَّام، فَإِن ردهَا رد مَعهَا مثل أَو مثلي لَبنهَا قمحًا».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه كَذَلِك وَابْن مَاجَه، وَقَالَ: «من بَاعَ» بدل «من ابْتَاعَ» وَقَالَ: «مثل» فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَإِسْنَاده متماسك بِسَبَب جَمِيع بن عُمَيْر اللَّيْثِيّ، فَإِنَّهُ من الْمُخْتَلف فيهم، كَمَا أوضحته فِي تخريجي أَحَادِيث الْمُهَذّب والْوَسِيط، وَالتِّرْمِذِيّ حسن لَهُ، وَأعله الْبَيْهَقِيّ بتفرده، فَقَالَ: تفرد بِهِ وَفِيه نظر، يَعْنِي فِي توثيقه. وَقَالَ فِي الْمعرفَة: هَذِه الرِّوَايَة غير قَوِيَّة، وَأعله عبد الْحق بِصَدقَة بن سعيد الْحَنَفِيّ الرَّاوِي عَن جَمِيع، فَقَالَ: إِنَّه ضَعِيف. قلت: قد وثق أَيْضا كَمَا ذكرته فِي الْكِتَابَيْنِ الْمشَار إِلَيْهِمَا وَذكرت فيهمَا أَيْضا أَن قَوْله: «مثل أَو مثلي» شكّ من الرَّاوِي فِيمَا يظْهر فَرَاجعه ترشد وَالله الْمُوفق.

.الحديث الرَّابِع:

حَدِيث حبَان بن منقذ، هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه وَاضحا فِي الْبَاب قبله فَليُرَاجع مِنْهُ.

.الحديث الخَامِس:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الْمُؤْمِنُونَ عِنْد شروطهم».
هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق أَحدهَا: عَن أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «الْمُسلمُونَ عِنْد شروطهم» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث كثير بن زيد، عَن الْوَلِيد بن رَبَاح، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِهِ، وَكثير هَذَا هُوَ مولَى الأسلميين، وَفِيه مقَال. قَالَ أَبُو زرْعَة: صَدُوق فِيهِ لين. وَاخْتلف قَول يَحْيَى بن معِين فِيهِ فضعفّه مرّة وَوَثَّقَهُ أُخْرَى، وَضَعفه النَّسَائِيّ، وَوَثَّقَهُ ابْن حبَان، وَأخرج لَهُ فِي صَحِيحه كَمَا ستعلمه فِي كتاب الصُّلْح، وتحامل عَلَيْهِ ابْن حزم فوهاه، وخلط بَينه وَبَين غَيره فجلعهما وَاحِدًا كَمَا ستعلمه هُنَاكَ إِن شَاءَ الله، وَقَالَ عبد الْحق: هُوَ ضَعِيف عِنْدهم وَإِن كَانَ قد رَوَى عَنهُ جلة. والوليد بن رَبَاح ادَّعَى ابْن حزم جهالته وَتَبعهُ عبد الْحق فَقَالَ: لَا أعلم رَوَى عَن الْوَلِيد إِلَّا كثير بن زيد وَلَيْسَ كَمَا قَالَا، فقد رَوَى عَنهُ ابناه مُحَمَّد وَمُسلم. وَقَالَ أَبُو حَاتِم فِي حَقه: صَالح. وَرَوَى عَن أبي هُرَيْرَة وَسَهل بن حنيف وَغَيرهمَا. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَيَنْبَغِي أَن يُقَال فِيهِ: حسن لما بِكَثِير بن زيد من الضعْف وَلَو كَانَ صَدُوقًا. قلت: قد أخرجه الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه ثمَّ قَالَ: رُوَاة هَذَا الحَدِيث مدنيون وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: وَله شَاهد من حَدِيث أنس وَعَائِشَة فذكرهما وسيأتيان.
ثَانِيهَا: عَن كثير بن عبد الله بن عَمْرو بن عَوْف، عَن أَبِيه، عَن جده مَرْفُوعا بِهِ وَزِيَادَة «إِلَّا شرطا حرم حَلَالا أَو أحل حَرَامًا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَحسنه، وَفِي نسخةٍ تَصْحِيحه وستعلم مَا فِيهِ فِي كتاب الصُّلْح إِن شَاءَ الله.
ثَالِثهَا: عَن أنس رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «الْمُسلمُونَ عِنْد شروطهم مَا وَافق الْحق من ذَلِكَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه من حَدِيث خصيف، عَن عَطاء بن أبي رَبَاح، عَن أنس مَرْفُوعا بِهِ ورَوَاهُ الْحَاكِم شَاهدا لحَدِيث أبي هُرَيْرَة السالف، وخصيف مُخْتَلف فِيهِ كَمَا سلف فِي الْحَج، وَقَالَ ابْن عدي: إِذا حدث عَنهُ ثِقَة فَلَا بَأْس بِهِ. قلت: قد حدث عَنهُ بِهَذَا الحَدِيث مُتَّهم وَهُوَ عبد الْعَزِيز بن عبد الرَّحْمَن البالسي، لَا جرم قَالَ ابْن الْقطَّان: خصيف ضَعِيف، والراوي عَنهُ هُوَ عبد الْعَزِيز بن عبد الرَّحْمَن يروي عَنهُ أَحَادِيث هِيَ كذب مَوْضُوعَة. قَالَه أَحْمد بن حَنْبَل.
رَابِعهَا: عَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها مَرْفُوعا: مثل الحَدِيث الَّذِي قبله سَوَاء، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه من حَدِيث خصيف، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا بِهِ، وَكَذَا الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه شَاهدا لحَدِيث أبي هُرَيْرَة السالف. قلت: وَرُوِيَ مُرْسلا من طَرِيق عمر بن عبد الْعَزِيز، وَعَطَاء بن أبي رَبَاح، رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة، عَن يَحْيَى بن أبي زَائِدَة، عَن عبد الْملك، عَن عَطاء بلغنَا أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الْمُسلمُونَ عِنْد شروطهم». وَرَوَاهُ ابْن حزم من طَرِيق عبد الْملك بن حبيب الأندلسي، حَدَّثَني الْحزَامِي، عَن مُحَمَّد بن عمر، عَن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن أبي بكر بن عَمْرو بن حزم، عَن عمر بن عبد الْعَزِيز قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «الْمُسلمُونَ عِنْد شروطهم» وَعبد الْملك هَذَا هَالك، قَالَ ابْن حزم: رِوَايَته سَاقِطَة مطرحة. وَهُوَ عَالم مُصَنف الْوَاضِحَة عَلَى مَذْهَب مَالك، وَلكنه كَانَ كثير الْوَهم وَرُبمَا تعمد الْكَذِب لنصر التَّقْلِيد، وَفِيه مَعَه مُحَمَّد بن عمر وَهُوَ الْوَاقِدِيّ، وحاله مَعْلُوم وَعبد الرَّحْمَن شَيْخه، قَالَ البُخَارِيّ: رَوَى عَنهُ عجائب. فَهَذِهِ ثَلَاث علل مَعَ الْإِرْسَال، وَأَقْوَى طرقه المسندة عَلَى علاته الطَّرِيق الأول ثمَّ الثَّانِي، وَالْبَاقِي شَوَاهِد.

.الحديث السَّادِس:

«أَن مخلد بن خفاف ابْتَاعَ غُلَاما فاستغله، ثمَّ أصَاب بِهِ عَيْبا، فَقَضَى لَهُ عمر بن عبد الْعَزِيز برده وغلته، فَأخْبرهُ عُرْوَة عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله قَضَى فِي مثل هَذَا أَن الْخراج بِالضَّمَانِ، فَرد عمر قَضَاءَهُ، وَقَضَى لمخلد بالخراج».
هَذَا الحَدِيث ذكره الْمُزنِيّ فِي الْمُخْتَصر فِي أَوَائِل بَاب الْخراج بِالضَّمَانِ فَقَالَ: أَخْبرنِي من لَا أتهم، عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن مخلد بن خفاف- أَي بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْفَاء- «أَنه ابْتَاعَ غُلَاما..» فَذكره كَمَا سَاقه الرَّافِعِيّ سَوَاء، وَقَالَ فِي آخِره: «وَقَضَى لمخلد برد الْخراج- أَي غَلَّته» قَالَ الشَّافِعِي: فَبِهَذَا آخذ. وَهَذِه الرِّوَايَة ذكرهَا الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة الرّبيع، عَن الشَّافِعِي، وَزَاد فِيهَا: من لَا أتهم من أهل الْمَدِينَة، عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن مخلد بن خفاف، قَالَ: «ابتعت غُلَاما...» فَذكره بِنَحْوِهِ، قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَبِمَعْنَاهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، عَن ابْن أبي ذِئْب، وَحَدِيث الشَّافِعِي أتم. وَمن لَا يتهمه الشَّافِعِي فِي هَذَا الْخَبَر قيل: إِنَّه إِبْرَاهِيم بن أبي يَحْيَى فِيمَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ وَقد أسلفنا فِي الْبَاب الْمَاضِي أَن أَحْمد وأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة وَالْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك رَوَوْهُ وَحسنه التِّرْمِذِيّ، وَصَححهُ ابْن الْقطَّان، وَأما ابْن حزم قَالَ: إِنَّه لَا يَصح، وَأَن مخلد بن خفاف وَمُسلم بن خَالِد الزنْجِي انفردا بِهِ. وَلَيْسَ كَمَا ذكر؛ فقد رَوَاهُ أَيْضا عمر بن عَلّي الْمقدمِي كَمَا سلف هُنَاكَ.
فَائِدَة: مخلد بن خفاف هَذَا غفاري، يُقَال: إِن لَهُ ولأبيه وجده صُحْبَة.

.الحديث السَّابِع:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من أقَال أَخَاهُ الْمُسلم صَفْقَة كرهها أقاله الله عثرته يَوْم الْقِيَامَة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه بِإِسْنَاد عَلَى شَرط الصَّحِيح من حَدِيث الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «من أقَال مُسلما أقاله الله عثرته» زَاد ابْن مَاجَه: «يَوْم الْقِيَامَة» وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه كَلَفْظِ أبي دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ بِأَلْفَاظ هَذَا أَحدهَا. وَثَانِيها: «من أقَال نَادِما أقاله الله».
ثَالِثهَا: «من أقَال نَادِما أقاله الله تَعَالَى يَوْم الْقِيَامَة».
رَابِعهَا: «من أقَال مُسلما عثرته أقاله الله تَعَالَى يَوْم الْقِيَامَة».
خَامِسهَا: «من أقَال نَادِما أقاله الله نَفسه يَوْم الْقِيَامَة».
قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي آخر الاقتراح: إِنَّه عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَقَالَ ابْن حزم: إِنَّه صَحِيح. وَأخرجه أَبُو حَاتِم ابْن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث إِسْحَاق الْفَروِي عَن مَالك، عَن سمي، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «من أقَال نَادِما بيعَته أقاله الله عثرته يَوْم الْقِيَامَة»
وَقَالَ: مَا رَوَاهُ عَن مَالك إِلَّا إِسْحَاق الْفَروِي، ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث يَحْيَى بن معِين عَن حَفْص بن غياث، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة رَفعه: «من أقَال مُسلما عثرته أقاله الله عثرته يَوْم الْقِيَامَة» ثمَّ قَالَ: مَا رَوَى عَن الْأَعْمَش إِلَّا حَفْص بن غياث وَمَالك بن سعير، وَمَا رَوَى عَن حَفْص إِلَّا يَحْيَى بن معِين وَلَا عَن مَالك بن سعير إِلَّا زِيَاد بن يَحْيَى الحساني، قلت: وَلِهَذَا الحَدِيث طَرِيق آخر مَعْلُول. رَوَاهُ الْحَاكِم فِي كِتَابه عُلُوم الحَدِيث من حَدِيث معمر، عَن مُحَمَّد بن وَاسع، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «من أقَال نَادِما أقاله الله نَفسه يَوْم الْقِيَامَة» قَالَ الْحَاكِم: هَذَا إِسْنَاد من نظر إِلَيْهِ من غير أهل الصَّنْعَة لم يشك فِي صِحَّته وَسَنَده، وَلَيْسَ كَذَلِك، فَإِن معمرًا هُوَ ابْن رَاشد الصَّنْعَانِيّ ثِقَة مَأْمُون، وَلم يسمع من مُحَمَّد بن وَاسع وَمُحَمّد بن وَاسع، ثِقَة مَأْمُون، وَلم يسمع من أبي صَالح، قَالَ: وَله علَّة يطول شرحها، هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب بِحَمْد الله وَمِنْه.
وَذكر فِيهِ من الْآثَار أثرا وَاحِدًا وَهُوَ: «أَن ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهُ بَاعَ عبدا من زيد بن ثَابت، بثمانمائة دِرْهَم بِشَرْط الْبَرَاءَة، فَأصَاب زيد بِهِ عَيْبا، فَأَرَادَ رده عَلَى ابْن عمر فَلم يقبله، وترافعا إِلَى عُثْمَان، فَقَالَ عُثْمَان لِابْنِ عمر: أتحلف أَنَّك لم تعلم بِهَذَا الْعَيْب. فَقَالَ: لَا. فَرده عَلَيْهِ، فَبَاعَهُ ابْن عمر بِأَلف دِرْهَم».
وَهَذَا الْأَثر صَحِيح رَوَاهُ مَالك، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن سَالم بن عبد الله «أَن عبد الله بن عمر بَاعَ غُلَاما لَهُ بثمانمائة دِرْهَم. وَبَاعه بِالْبَرَاءَةِ فَقَالَ الَّذِي ابتاعه لعبد الله بن عمر: بالغلام دَاء لم تسمه لي فاختصما إِلَى عُثْمَان بن عَفَّان، فَقَالَ الرجل: بَاعَنِي عبدا وَبِه دَاء لم يسمه لي. فَقَالَ عبد الله بن عمر: بِعته بِالْبَرَاءَةِ فَقَضَى عُثْمَان بن عَفَّان عَلَى عبد الله بن عمر بِالْيَمِينِ أَن يحلف لَهُ لقد بَاعه الْغُلَام وَمَا بِهِ دَاء يُعلمهُ. فَأَبَى عبد الله أَن يحلف وارتجع العَبْد فصح عِنْده فَبَاعَهُ عبد الله بن عمر بعد ذَلِكَ بِأَلف وَخَمْسمِائة دِرْهَم» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا أصح مَا رُوِيَ فِي هَذَا الْبَاب، وَرُوِيَ قبل ذَلِكَ عَن زيد بن ثَابت، وَابْن عمر «أَنَّهُمَا كَانَا يريان الْبَرَاءَة من كل عيب جَائِزا» وَضَعفه وَمَا ذكره الرَّافِعِيّ فِي سِيَاقَة هَذِه الْقِصَّة أَن المُشْتَرِي زيد بن ثَابت قلدا فِيهِ صاحبا الشَّامِل وَالْحَاوِي، وَلم أره فِي غَيرهمَا، وَفِيهِمَا «أَن ابْن عمر كَانَ يَقُول بعد بَيْعه الْغُلَام بِأَلف وَخَمْسمِائة دِرْهَم: تركت الْيَمين لله فعوضني الله عَنْهَا» وَفِي تَعْلِيق القَاضِي أبي الطّيب أَنه لما اسْترْجع الْغُلَام زَالَ مَا بِهِ من الْعَيْب عِنْده وَبَاعه بِأَلف وَأَرْبَعمِائَة دِرْهَم.

.باب الْقَبْض وَأَحْكَامه:

ذكر فِيهِ رَحْمَة الله تَعَالَى تِسْعَة أَحَادِيث:

.الحديث الأول:

عَن ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهما أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من ابْتَاعَ طَعَاما فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيه».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا بِهَذَا اللَّفْظ، وَفِي رِوَايَة لَهما «حَتَّى يقبضهُ»، وَفِي رِوَايَة لَهما «قَالَ ابْن عمر: وَكُنَّا نشتري الطَّعَام من الركْبَان جزَافا فنهانا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نبيعه حَتَّى ننقله من مَكَانَهُ» وَفِي رِوَايَة لَهما: «كُنَّا فِي زمَان رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نبتاع الطَّعَام فيبعث علينا من يَأْمُرنَا بانتقاله من الْمَكَان الَّذِي ابتعناه فِيهِ إِلَى مَكَان سواهُ قبل أَن نبيعه» وَفِي رِوَايَة للْحَاكِم: «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن تبَاع السّلع بِحَيْثُ تبْتَاع حَتَّى يحوزها التُّجَّار إِلَى رحالهم» وَفِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان: «من اشْتَرَى طَعَاما فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيه، قَالَ: وَنَهَى أَن يَبِيعهُ حَتَّى يحوله من مَكَانَهُ أَو يَنْقُلهُ».

.الحديث الثَّانِي:

عَن ابْن عَبَّاس رَضي اللهُ عَنهما قَالَ: «أما الَّذِي نهَى عَنهُ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ الطَّعَام أَن يُبَاع حَتَّى يُسْتَوْفَى. قَالَ ابْن عَبَّاس: وَلَا أَحسب كل شَيْء إِلَّا مثله».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «أما الَّذِي نهَى عَنهُ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ الطَّعَام أَن يُبَاع قبل أَن يقبض. قَالَ ابْن عَبَّاس: وَلَا أَحسب كل شَيْء إِلَّا مثله» وَرَوَاهُ مُسلم بِلَفْظ: «من ابْتَاعَ طَعَاما فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يقبضهُ. قَالَ ابْن عَبَّاس: وأحسب كل شَيْء بِمَنْزِلَة الطَّعَام» وَفِي لفظ: «وَأَحْسبهُ كل شَيْء مثله» وَفِي لفظ: «حَتَّى يَسْتَوْفِيه» وَفِي لفظ: «حَتَّى يكتاله» قَالَ طَاوس: فَقلت لِابْنِ عَبَّاس: لم؟ فَقَالَ: أَلا تراهم يتبايعون بِالذَّهَب وَالطَّعَام مرجأ وَفِي البُخَارِيّ قَالَ: «قلت لِابْنِ عَبَّاس: كَيفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: ذَلِكَ دَرَاهِم بِدَرَاهِم وَالطَّعَام مرجأ وَقَالَ: مرجئون: مؤخرون» وَهَذَا تَفْسِير لقَوْله: «مرجأ» قَالَ الْخطابِيّ: يتَكَلَّم بِهِ مهموزًا وَغير مَهْمُوز. قَالَ: وَذَلِكَ مثل أَن يَشْتَرِي مِنْهُ طَعَاما بِدِينَار إِلَى أجل فيبيعه قبل أَن يقبضهُ مِنْهُ بدينارين، وَهُوَ غير جَائِز.
تَنْبِيه: حَدِيث حَكِيم السَّابِق فِي أول البيع «لَا تبيعن شَيْئا حَتَّى تقبضه» يدل عَلَى أَن اشْتِرَاط الْقَبْض فِي البيع لَيْسَ مَخْصُوصًا بِالطَّعَامِ كَمَا حَسبه ابْن عَبَّاس أَيْضا فتفطن لَهُ.

.الحديث الثَّالِث:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن بيع مَا لم يقبض وَربح مَا لم يضمن».
هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي الحَدِيث الثَّامِن فِي بَاب الْبيُوع الْمنْهِي عَنْهَا بِلَفْظ «وَلَا ربح مَا لم يضمن وَلَا بيع مَا لَيْسَ عنْدك» وَفِي سنَن ابْن مَاجَه من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده مَرْفُوعا: «لَا يحل بيع مَا لَيْسَ عنْدك، وَلَا ربح مَا لم تضمن».

.الحديث الرَّابِع:

رُوي «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لما بعث عتاب بن أسيد إِلَى أهل مَكَّة قَالَ لَهُ: انههم عَن بيع مَا لم يقبضوا وَربح مَا لم يضمنوا».
هَذَا الحَدِيث ذكره الْغَزالِيّ فِي الْوَجِيز، وَلم يعزه الرَّافِعِيّ فِي تذنيبه، وَقد رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن عَطاء، عَن صَفْوَان بن يعْلى، عَن أَبِيه، قَالَ: «اسْتعْمل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عتاب بن أسيد عَلَى مَكَّة، فَقَالَ: إِنِّي قد أَمرتك عَلَى أهل الله- عَزَّ وجَلَّ- بتقوى الله، وَلَا يَأْكُل أحد مِنْكُم من ربح مَا لم يضمن، وانههم عَن سلف وَبيع، وَعَن الصفقتين فِي البيع الْوَاحِد، وَأَن ييبع أحدهم مَا لَيْسَ عِنْده» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من حَدِيث يَحْيَى بن صَالح، عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة، عَن عَطاء بن أبي رَبَاح، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لعتاب بن أسيد: «إِنِّي قد بَعَثْتُك إِلَى أهل الله وَأهل مَكَّة، فانههم عَن بيع مَا لم يقبضوا، أَو ربح مَا لم يضمنوا، وَعَن بيع وقرض، وَعَن شرطين فِي بيع، وَعَن بيع وَسلف» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: تفرد بِهِ يَحْيَى بن صَالح الْأَيْلِي وَهُوَ مُنكر بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَفِي سنَن ابْن مَاجَه من حَدِيث لَيْث عَن عَطاء، عَن عتاب بن أسيد، قَالَ: «لما بَعثه رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى مَكَّة نَهَاهُ عَن شف مَا لم يضمن».
والشف بِالْكَسْرِ: الرِّبْح. قَالَه الْجَوْهَرِي، وَابْن الْأَثِير.

.الحديث الخَامِس:

عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضي اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من أسلف فِي شَيْء فَلَا يصرفهُ إِلَى غَيره».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه بِهَذَا اللَّفْظ من حَدِيث زِيَاد بن خَيْثَمَة، عَن سعد- يَعْنِي- الطَّائِي، عَن عَطِيَّة بن سعد، عَن أبي سعيد مَرْفُوعا، وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه، وعطية هَذَا هُوَ الْعَوْفِيّ وَقد ضَعَّفُوهُ، وَإِن كَانَ التِّرْمِذِيّ يحسن لَهُ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: لَا يحْتَج بعطية، والاعتماد عَلَى حَدِيث النَّهْي عَن بيع الطَّعَام قبل أَن يُسْتَوْفَى. وَقَالَ عبد الْحق: لَا يحْتَج أحد بِحَدِيث عَطِيَّة وَإِن كَانَ رَوَى عَنهُ الجلة.
قلت: قَالَ ابْن معِين فِي حَقه: صَالح. وَاعْترض ابْن الْقطَّان عَلَى عبد الْحق فَقَالَ: أعله عبد الْحق بعطية، وَلم يبين أَن دونه سَعْدا الطَّائِي أَبَا الْمُجَاهِد، وَلَا يعرف حَاله، وَقد رَوَى عَنهُ جمَاعَة.
قلت: هُوَ من رجال البُخَارِيّ ووثق أَيْضا، وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من طَرِيقين عَن أبي سعيد إِحْدَاهمَا: مثل رِوَايَة أبي دَاوُد وَلَفظه فِيهَا: «إِذا أسلمت فِي شَيْء فَلَا تصرفه إِلَى غَيره».
ثَانِيهَا: بِإِسْقَاط سعد الطَّائِي. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من الطَّرِيق الأول بِلَفْظ «من أسلم فِي شَيْء فَلَا يصرفهُ فِي غَيره» وَفِي لفظ لَهُ: «وَلَا يصرفهُ فِي غَيره»، وَفِي لفظ لَهُ «فَلَا يَأْخُذ إلاّ مَا أسلم فِيهِ أَو رَأس مَاله» ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث عبد السَّلَام، عَن أبي خَالِد وَالْحجاج عَن عَطِيَّة، عَن أبي سعيد، قَالَ عبد السَّلَام: وَهُوَ عِنْدِي عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَكِنِّي أقصرته إِلَى أبي سعيد قَالَ: «إِذا أسلفت فَلَا تبعه حَتَّى تستوفيه» وَهَذِه مُتَابعَة لسعد الطَّائِي الَّذِي فِي سنَن أبي دَاوُد وابْن مَاجَه فَإِنَّهُ لم ينْفَرد بِهِ، وَفِي علل ابْن أبي حَاتِم سَأَلت أبي عَن حَدِيث أبي سعيد هَذَا، فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ عَطِيَّة، عَن ابْن عَبَّاس قَوْله.
قلت: فَهَذِهِ ثَلَاث علل: الضعْف، والِاضْطِرَاب، وَالْوَقْف.

.الحديث السَّادِس:

عَن ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهما قَالَ: «كنت أبيَع الْإِبِل بِالبَقِيعِ بِالدَّنَانِيرِ وآخذ مَكَانهَا الْوَرق، وأبيع بالورق وآخذ مَكَانهَا الدَّنَانِير، فَأتيت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلته عَن ذَلِكَ، فَقَالَ: لَا بَأْس بِهِ بِالْقيمَةِ» وَفِي رِوَايَة: «لَا بَأْس إِذا تفرقتما وَلَيْسَ بَيْنكُمَا شَيْء».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه، وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث سماك بن حَرْب، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عمر قَالَ: «كنت أبيع الْإِبِل بِالبَقِيعِ فأبيع بِالدَّنَانِيرِ وآخذ الدَّرَاهِم، وأبيع بِالدَّرَاهِمِ وآخذ الدَّنَانِير، أَخذ هَذِه من هَذِه، وَأعْطِي هَذِه من هَذِه، فَأتيت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي بَيت حَفْصَة، فَقلت: يَا رَسُول الله، رويدك أَسأَلك إِنِّي أبيع الْإِبِل بِالبَقِيعِ، فأبيع بِالدَّنَانِيرِ وآخذ الدَّرَاهِم، وأبيع بِالدَّرَاهِمِ وآخذ الدَّنَانِير، آخذ هَذِه من هَذِه، وَأعْطِي هَذِه من هَذِه، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا بَأْس أَن تأخذها بِسعْر يَوْمهَا مَا لم تفترقا وبينكما شَيْء» هَذَا لفظ أبي دَاوُد، وَلَفظ أَحْمد: «لَا بَأْس بِهِ بِالْقيمَةِ» وَفِي أُخْرَى لَهُ: «لَا يفارقنك وَبَيْنك وَبَينه بيع» وَفِي آخر لَهُ كَلَفْظِ أبي دَاوُد إِلَّا أَنه قَالَ: «وَلَيْسَ بَيْنكُمَا شَيْء» وَفِي أُخْرَى لَهُ: «إِذا اشْتريت وَاحِدًا مِنْهُمَا بِالْآخرِ فَلَا يفارقك صَاحبك وَبَيْنك وَبَينه لبس» وَلَفظ التِّرْمِذِيّ كَلَفْظِ أَحْمد الأول، وَلَفظ ابْن مَاجَه «إِذا أخذت أَحدهَا وَأعْطيت الآخر فَلَا يفارقك صَاحبك وَبَيْنك وَبَينه لبس»، وَلَفظ النَّسَائِيّ: «لَا بَأْس أَن تَأْخُذ بِسعْر يَوْمهَا مَا لم تتفرقا وبينكما شَيْء» وَفِي أُخْرَى لَهُ: «مَا لم يفرق بَيْنكُمَا شَيْء»، وَلَفظ ابْن حبَان: «لَا بَأْس أَن تأخذها بِسعْر يومهما فافترقهَا وَلَيْسَ بَيْنكُمَا شَيْء»، وَلَفظ الْحَاكِم كَلَفْظِ أبي دَاوُد إِلَّا أَنه قَالَ: «تَأْخُذ» بدل تأخذهما، وَلَفظ الْبَيْهَقِيّ كَلَفْظِ أبي دَاوُد وَسَاقه من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة، عَن سماك، ثمَّ قَالَ: وَبِهَذَا الْمَعْنى رَوَاهُ إِسْرَائِيل عَن سماك، ثمَّ سَاقه من حَدِيث عمار بن زُرَيْق عَن سماك وَلَفظه: «إِذا بَايَعت الرجل بِالذَّهَب وَالْفِضَّة فَلَا تُفَارِقهُ وبينكما لبس». قَالَ: وبقريب من مَعْنَاهُ رَوَى فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، عَن إِسْرَائِيل، عَن سماك، وَعَن أبي الْأَحْوَص عَن سماك، والْحَدِيث يتفرد بِرَفْعِهِ سماك بن حَرْب، عَن سعيد بن جُبَير من بَين أَصْحَاب ابْن عمر. وسَاق فِي الْمعرفَة حَدِيث إِسْرَائِيل بِلَفْظ: «إِذا كَانَ أَحدهمَا بِالْآخرِ فَلَا يفترقا- أَو قَالَ: لَا يفارقك- وَبَيْنك وَبَينه بيع» ثمَّ سَاق عَن أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، قَالَ: كُنَّا عِنْد شُعْبَة فَجَاءَهُ خَالِد بن طليق وَأَبُو الرّبيع السَّمان وَكَانَ خَالِد الَّذِي سَأَلَهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا بسطَام حَدِّثْنا حَدِيث سماك بن حَرْب، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عمر فِي اقْتِضَاء الْوَرق من الذَّهَب وَالذَّهَب من الْوَرق. فَقَالَ: شُعْبَة، عَن أَيُّوب، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر وَلم يرفعهُ، ونا قَتَادَة عَن سعيد بن الْمسيب عَن ابْن عمر وَلم يرفعهُ، وثنا دَاوُد بن أبي هِنْد، عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عمر وَلم يرفعهُ، ونا يَحْيَى بن أبي إِسْحَاق، عَن سَالم، عَن ابْن عمر وَلم يرفعهُ، وَرَفعه لنا سماك بن حَرْب، وَأَنا أفرقه. قلت: لما علمه من سوء حفظه، وَكَذَا قَالَ التِّرْمِذِيّ وَغَيره لم يرفعهُ غير سماك، وعلق الشَّافِعِي- فِي رِوَايَة حَرْمَلَة- القَوْل بِهِ عَلَى صِحَّته، وَأما الْحَاكِم فَقَالَ فِي مُسْتَدْركه: إِنَّه صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم، وَكَأَنَّهُ بناه عَلَى الْمَذْهَب الصَّحِيح فِي تَقْدِيم الرّفْع عَلَى الْوَقْف.
فَائِدَة: البقيع الْمَذْكُور فِي هَذَا الحَدِيث هُوَ بِالْبَاء الْمُوَحدَة مدفن أهل الْمَدِينَة، وَقد ورد مُصَرحًا بِهِ فِي الْمعرفَة للبيهقي «كنت أبيع الْإِبِل ببقيع الْغَرْقَد...» الحَدِيث، وَأما ابْن باطيش فَقَالَ فِي كِتَابه الْمُغنِي: لم أجد أحدا ضَبطه فِي هَذَا الحَدِيث، وَالظَّاهِر أَنه بالنُّون فَإِنَّهُ أشبه بِالبَقِيعِ الَّذِي هُوَ مدفن. وَكَأَنَّهُ لم يقف عَلَى رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ لَا جرم، اعْترض النَّوَوِيّ عَلَيْهِ فِي تهذيبه فَقَالَ: لَيْسَ كَمَا قَالَ بل هُوَ البقيع بِالْبَاء وَهُوَ المدفن، وَلم يكن ذَلِكَ الْوَقْت كثرت فِيهِ الْقُبُور، قَالَ: وَأما قَول ابْن معن فِي كِتَابه أَلْفَاظ الْمُهَذّب أَنه بِالْبَاء، وَقيل: بالنُّون، فَالظَّاهِر أَن حكايته النُّون عَن ابْن باطيش.

.الحَدِيث السَّابِع:

رُوِيَ «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن بيع الكالئ بالكالئ».
هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق، عَن ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهُ أَحدهَا؛ من طَرِيق عبد الله بن دِينَار عَنهُ قَالَ: «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيع الكالئ بالكالئ، وَهُوَ بيع الدَّين بِالدّينِ» رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق قَالَ: ثَنَا الْأَسْلَمِيّ، ثَنَا عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر.... فَذكره، والأسلمي هَذَا إِن كَانَ ابْن أبي يَحْيَى فالجمهور عَلَى تَضْعِيفه، وَإِن كَانَ الْوَاقِدِيّ فَكَذَلِك.
ثَانِيهَا: من طَرِيق نَافِع عَنهُ «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن بيع الكالئ بالكالئ» رَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه من حَدِيث عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد الدَّرَاورْدِي، عَن مُوسَى بن عقبَة، عَن نَافِع بِهِ، قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. قلت: وَعبد الْعَزِيز من رجال الصَّحِيحَيْنِ لكنه مَعْرُوف بِسوء الْحِفْظ كَمَا قَالَه أَبُو زرْعَة.
ثَالِثهَا: من طَرِيق مُوسَى بن عقبَة أَيْضا، عَن عبد الله بن دِينَار، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا بِهِ، ورَوَاهُ أَيْضا من حَدِيث ذُؤَيْب بن عِمَامَة السَّهْمِي- وَقد ضعفه الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره وَلم يهدر- نَا حَمْزَة بن عبد الْوَاحِد، عَن مُوسَى بن عقبَة بِهِ وَهَذَا الَّذِي ذكرَاهُ من كَون الْوَاقِع فِي هذَيْن الإسنادين هُوَ مُوسَى بن عقبَة وهم، وَإِنَّمَا هُوَ مُوسَى بن عُبَيْدَة الربذي الواهي، قَالَ أَحْمد: لَا تحل عِنْدِي الرِّوَايَة عَنهُ وَلَا أعرف هَذَا الحَدِيث عَن غَيره.
قلت: وَمن هَذَا يتَبَيَّن وهم الْحَاكِم فِي حكمه عَلَى هَذَا الحَدِيث بِأَنَّهُ عَلَى شَرط مُسلم حَيْثُ ظن أَن رَاوِيه مُوسَى بن عقبَة وَقد سَعَى فِي ذَلِكَ الْبَيْهَقِيّ حَيْثُ قَالَ فِي سنَنه بَعْدَمَا رَوَاهُ من رِوَايَة مُوسَى غير مَنْسُوب عَن نَافِع كَمَا سلف.
مُوسَى هَذَا هُوَ ابْن عُبَيْدَة الربذي، قَالَ: وَشَيخنَا أَبُو عبد الله- يَعْنِي- الْحَاكِم قَالَ فِي رِوَايَته عَن مُوسَى بن عقبَة وَهُوَ خطأ. قَالَ: وَالْعجب من أبي الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ شيخ عصره، رَوَى هَذَا الحَدِيث فِي كتاب السّنَن عَن أبي الْحسن عَلّي بن مُحَمَّد الْمصْرِيّ، فَقَالَ: عَن مُوسَى بن عقبَة، وَشَيخنَا أَبُو الْحُسَيْن بن بَشرَان، رَوَاهُ لنا عَن أبي الْحسن الْمصْرِيّ فِي الْجُزْء الثَّالِث من سنَن الْمصْرِيّ، فَقَالَ: عَن مُوسَى غير مَنْسُوب، ثمَّ رَوَاهُ الْمصْرِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن أبي عبد الْعَزِيز الربذي عَن نَافِع عَن ابْن عمر مَرْفُوعا... فَذكره. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَأَبُو عبد الْعَزِيز الربذي هُوَ مُوسَى بن عُبَيْدَة. قَالَ: وَرَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو أَحْمد بن عدي من رِوَايَة عبد الْعَزِيز الدَّرَاورْدِي عَن مُوسَى بن عُبَيْدَة... فَذكره بِمثلِهِ. قَالَ ابْن عدي: وَهَذَا مَعْرُوف بمُوسَى بن عُبَيْدَة، عَن نَافِع. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رَوَاهُ عبيد الله بن مُوسَى، وَزيد بن الْحباب وَغَيرهمَا، عَن مُوسَى بن عُبَيْدَة، عَن عبد الله بن دِينَار، عَن ابْن عمر. رَوَاهُ أَيْضا من طَرِيق آخر، عَن حَمْزَة بن عبد الْوَاحِد، عَن مُوسَى بن عُبَيْدَة، عَن عبد الله بن دِينَار، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَلم ينْسب شَيخنَا أَبُو الْحُسَيْن، عَن أبي الْحسن الْمصْرِيّ. فَقَالَ: عَن مُوسَى- وَهُوَ ابْن عُبَيْدَة بِلَا شكّ- قَالَ: وَقد رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَن أبي الْحسن الْمصْرِيّ فَقَالَ عَن مُوسَى بن عقبَة، وَرَوَاهُ شَيخنَا أَبُو عبد الله- يَعْنِي- الْحَاكِم بِإِسْنَاد آخر عَن مقدم بن دَاوُد الرعيني، فَقَالَ: عَن مُوسَى بن عقبَة وَهُوَ وهم، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: والْحَدِيث الْمَشْهُور بمُوسَى بن عُبَيْدَة مرّة عَن نَافِع عَن ابْن عمر، وَمرَّة عَن عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر. قلت: وَقد قَالَ إمامنا الشَّافِعِي فِي حق هَذَا الحَدِيث: أهل الحَدِيث يوهنوه. وَقَالَ أَحْمد: لَيْسَ فِي هَذَا حَدِيث يَصح إِنَّمَا إِجْمَاع النَّاس عَلَى أَنه لَا يجوز بيع دين بدين. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث لَا يثبت.
فَائِدَة: الكالئ مَهْمُوز، قَالَ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه سَمِعت الْأُسْتَاذ أَبَا الْوَلِيد يَقُول: النَّهْي عَن بيع الكالئ بالكالئ هُوَ بيع النَّسِيئَة بِالنَّسِيئَةِ. قلت: وَكَذَا نَقله الْبَيْهَقِيّ وَغَيره عَن أبي عبيد عَن شَيْخه أبي عُبَيْدَة، وَكَذَا رَأَيْته فِي غَرِيبه عَنهُ. وَكَذَا هُوَ فِي سنَن الدَّارَقُطْنِيّ نقلا عَن أهل اللُّغَة ذكره فِي آخر حَدِيث حَمْزَة بن عبد الْوَاحِد السالف وَهَذَا لَفظه: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نهَى عَن بيع الكالئ بالكالئ» وَقَالَ اللغويون: هُوَ النَّسِيئَة بِالنَّسِيئَةِ. وَنقل الْبَيْهَقِيّ عَن نَافِع أَنه قَالَ: هُوَ بيع الدَّين بِالدّينِ ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَن ابْن عمر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نهَى عَن كالئ بكالئ الدَّين بِالدّينِ» وَأوردهُ الشَّافِعِي فِي بَاب الْخلاف فِيمَا يجب بِهِ البيع بِلَفْظ «نهَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيع الدَّين بِالدّينِ».