فصل: الحَدِيث الأول:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.كتاب الصَّلَاة:

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم.
{رَبنَا آتنا من لَدُنْك رَحْمَة وهيئ لنا من أمرنَا رشدا}.
كتاب الصَّلَاة:

.بَاب أَوْقَات الصَّلَاة:

ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ خمسين حَدِيثا:

.الحَدِيث الأول:

عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «أمَّني جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام عِنْد بَاب الْبَيْت مرَّتَيْنِ فَصَلى بِي الظّهْر حِين زَالَت الشَّمْس- وَيروَى: حِين كَانَ الْفَيْء مثل الشَّراك- وَصَلى بِي الْعَصْر حِين كَانَ كل شَيْء بِقدر ظله، وَصَلى بِي الْمغرب حِين أفطر الصَّائِم، وَصَلى بِي الْعشَاء حِين غَابَ الشَّفق، وَصَلى بِي الْفجْر حِين حرم الطَّعَام وَالشرَاب عَلَى الصَّائِم، فَلَمَّا كَانَ الْغَد صَلَّى بِي الظّهْر حِين كَانَ كل شَيْء بِقدر ظله، وَصَلى بِي الْعَصْر حِين صَار ظلّ كل شَيْء مثلَيْهِ، وَصَلى بِي الْمغرب للقدر الأول لم يؤخرها، وَصَلى بِي الْعشَاء حِين ذهب ثلث اللَّيْل، وَصَلى بِي الْفجْر حِين أَسْفر، ثمَّ الْتفت وَقَالَ: يَا مُحَمَّد، هَذَا وَقت الْأَنْبِيَاء من قبلك، وَالْوَقْت فِيمَا بَين هذَيْن الْوَقْتَيْنِ».
هَذَا الحَدِيث أصلٌ أصيل فِي هَذَا الْبَاب، وَرَوَاهُ الْأَئِمَّة الشَّافِعِي فِي الْأُم وخرجه فِي الْمسند أَيْضا، وَأحمد فِي مُسْنده، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ، فِي سُنَنهمْ وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه عَلَى الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن أبي ربيعَة، عَن حَكِيم بن حَكِيم بن عباد بن حنيف، عَن نَافِع بن جُبَير بن مطعم، عَن ابْن عَبَّاس، وَأَلْفَاظهمْ مُتَقَارِبَة.
وَهَذَا اللَّفْظ الَّذِي ذكره الرَّافِعِيّ قريب من رِوَايَة الشَّافِعِي ولَيْسَ فِي روايتهم قَوْله: «عِنْد بَاب الْبَيْت» إِنَّمَا فِيهَا «عِنْد الْبَيْت» نعم ذَلِك فِي رِوَايَة الشَّافِعِي كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة عَنهُ. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن. وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث رَوَاهُ سُفْيَان الثَّوْريّ، وَعبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد الدَّرَاورْدِي، عَن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بِطُولِهِ. ثمَّ سَاقه بِإِسْنَادِهِ كَمَا تقدم. قَالَ: وَاخْتَصَرَهُ سُلَيْمَان بن بِلَال، فَأخْرجهُ عَن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث، وَمُحَمّد بن عمر، عَن حَكِيم بن حَكِيم، عَن نَافِع، عَن ابْن عَبَّاس: «أَن جِبْرِيل أَتَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَصَلى بِهِ الصَّلَوَات لوقتين، إِلَّا الْمغرب» وَهَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. قَالَ: وَعبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث هُوَ ابْن عبد الله بن عَيَّاش بن أبي ربيعَة المَخْزُومِي من أَشْرَاف قُرَيْش، والمقبولين فِي الراوية، قَالَ: وَحَكِيم بن حَكِيم هُوَ ابْن عباد بن حنيف الْأنْصَارِيّ، وَكِلَاهُمَا مدنيان.
قلت: لَكِن عبد الرَّحْمَن قد اختُلف فِيهِ، قَالَ ابْن معِين وَأَبُو حَاتِم: صَالح، وَقَالَ ابْن سعد: كَانَ ثِقَة، وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ من أهل الْعلم، وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي ضُعَفَائِهِ وَنقل عَن أَحْمد أَنه قَالَ فِي حَقه: مَتْرُوك الحَدِيث وعَن ابْن نمير أَنه قَالَ: لَا أقدم عَلَى ترك حَدِيثه.
وَأما حَكِيم فَذكره ابْن حبَان فِي ثقاته وحسَّن لَهُ التِّرْمِذِيّ حَدِيث: «الْخَال وَارِث»، وَخَالف ابْن سعد فَقَالَ: قَلِيل الحَدِيث ولَا يحتجون بحَديثه وَأَخُوهُ عُثْمَان بن حَكِيم كَانَ ثِقَة.
وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو عمر فِي تمهيده: تكلم بعض النَّاس فِي إِسْنَاد حَدِيث ابْن عَبَّاس هَذَا بِمَا لَا وَجه لَهُ من الْكَلَام، وَرُوَاته كلهم معروفو النّسَب مَشْهُورُونَ فِي الْعلم، وَقد خرجه أَبُو دَاوُد وَغَيره، وَذكره عبد الرَّزَّاق، عَن الثَّوْريّ وَابْن أبي سُبْرَة عَن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بِإِسْنَادِهِ، مثل رِوَايَة وَكِيع وَأبي نعيم- يَعْنِي: عَن الثَّوْريّ- وَذكره عبد الرَّزَّاق أَيْضا عَن الْعمريّ، عَن عمر بن نَافِع بن جُبَير بن مطعم، عَن أَبِيه، عَن ابْن عَبَّاس نَحوه.
قَالَ صَاحب الإِمام: وَكَأَنَّهُ اكْتَفَى بالشهرة فِي حمل الْعلم مَعَ عدم الجرحة الثَّابِتَة وَهُوَ مُقْتَضَى رَأْيه، وَذكر أَيْضا مَا يَقْتَضِي تَأْكِيد الرِّوَايَة بمتابعة ابْن أبي سُبْرَة عَن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث، وَكَذَلِكَ ذكر أَيْضا مُتَابعَة الْعمريّ، عَن عمر بن نَافِع، وَهَذِه مُتَابعَة حَسَنَة.
وَقَالَ القَاضِي أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ: حَدِيث ابْن عَبَّاس هَذَا اجتنبه قدماء النَّاس، وَمَا حَقه أَن يجْتَنب؛ فَإِن طَرِيقه صَحِيحَة، وَلَيْسَ ترك الْجعْفِيّ والقشيري لَهُ- يَعْنِي: البُخَارِيّ وَمُسلمًا- دَلِيلا عَلَى عدم صِحَّته؛ لِأَنَّهُمَا لم يخرجَا كل صَحِيح. قَالَ: وَقد رَوَى البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث ثمَّ سَاق بِإِسْنَادِهِ إِلَى البُخَارِيّ، ثَنَا أَيُّوب بن سُلَيْمَان، ثَنَا أَبُو بكر بن أبي أويس، عَن سُلَيْمَان بن بِلَال، عَن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث وَمُحَمّد بن عمر، عَن حَكِيم بن حَكِيم، عَن نَافِع، عَن ابْن عَبَّاس... فَذكره. قَالَ: ورواة حَدِيث ابْن عَبَّاس هَذَا كلهم ثِقَات مشاهير.
قلت: قد علمت مَا فِي عبد الرَّحْمَن وَحَكِيم، وَرَوَى هَذَا الحَدِيث أَيْضا أَبُو بكر بن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَمِنْه نقلت من جِهَة مُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن ووكيع، عَن سُفْيَان، عَن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث الْمَذْكُور فِيهِ «وَصَلى بِي الظّهْر حِين صَار ظلّ كل شَيْء مثلَيْهِ»، وَفِي آخِره: «وَصَلى بِي الْغَدَاة عِنْدَمَا أَسْفر، ثمَّ الْتفت إِلَيّ فَقَالَ: يَا مُحَمَّد، الْوَقْت مَا بَين هذَيْن الْوَقْتَيْنِ، هَذَا وقتك وَوقت الْأَنْبِيَاء من قبلك».
تَنْبِيهَانِ: الأول: قَالَ الْحَافِظ أَبُو عمر بعد أَن خرج حَدِيث ابْن عَبَّاس هَذَا من رِوَايَة أبي نعيم عَن سُفْيَان: لَا تُوجد هَذِه اللَّفْظَة وَهِي: «وَوقت الْأَنْبِيَاء من قبلك» إِلَّا فِي هَذَا الْإِسْنَاد قلت: قد رَوَاهَا التِّرْمِذِيّ فِي جامعه من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد، عَن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث، عَن حَكِيم بن حَكِيم، عَن نَافِع بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس... فَذكره. وَقَالَ فِي آخِره: «ثمَّ الْتفت إِلَيّ جِبْرِيل فَقَالَ: يَا مُحَمَّد، هَذَا وَقت الْأَنْبِيَاء من قبلك، وَالْوَقْت فِيمَا بَين هذَيْن الْوَقْتَيْنِ» وَحسنه كَمَا سلف.
الثَّانِي: قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام: مدَار هَذَا الحَدِيث عَلَى حَكِيم بن حَكِيم- بِفَتْح الحاءين الْمُهْمَلَتَيْنِ- بن عباد- بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة- بن حنيف- بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح النُّون.
قلت: قد رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه من طَرِيقين آخَرين؛ أَحدهمَا: من حَدِيث عبيد الله بن مقسم، عَن نَافِع بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا.
ثَانِيهمَا: من حَدِيث يزِيد بن أبي زِيَاد، عَن نَافِع بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا أَيْضا، وَقد قَالَ هُوَ بعد هَذَا الْموضع بأسطر: ومتابعة الْعمريّ، عَن عمر بن نَافِع بن جُبَير بن مطعم، عَن أَبِيه مُتَابعَة حَسَنَة، وَقد أسلفنا ذَلِك عَنهُ أَيْضا.
وَفِي علل ابْن أبي حَاتِم سَأَلت أبي وَأَبا زرْعَة عَن حَدِيث رَوَاهُ عُبَيْس بن مَرْحُوم، عَن حَاتِم بن إِسْمَاعِيل، عَن ابْن عجلَان، عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ، عَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: «أمني جِبْرِيل عِنْد الْبَيْت مرَّتَيْنِ...» الحَدِيث، فَقَالَ أَبُو زرْعَة: وهم عُبَيْس فِي هَذَا الحَدِيث. وَقَالَ أبي: أخْشَى أَن يكون وهم فِيهِ عُبَيْس، فَقلت لَهما: فَمَا علته؟ قَالَا: رَوَاهُ عدَّة من الْحفاظ عَن حَاتِم، عَن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث، عَن حَكِيم بن حَكِيم، عَن نَافِع، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح.
تَنْبِيه ثَالِث: اعْترض النَّوَوِيّ فِي تنقيحه عَلَى الْوَسِيط فِي إِيرَاده فِي رِوَايَته لهَذَا الحَدِيث «عِنْد بَاب الْكَعْبَة» فَقَالَ إِنَّه ذكره فِي الْبَسِيط تبعا للنِّهَايَة، وَهُوَ مُنكر لَا يعرف فِي رِوَايَة هَذَا الحَدِيث؛ إِنَّمَا فِيهِ: «عِنْد الْبَيْت» من غير ذكر الْكَعْبَة. وَهَذَا لَيْسَ بجيد مِنْهُ؛ فقد علمت أَن الشَّافِعِي رَوَاهُ كَذَلِك، ثمَّ اعْترض عَلَيْهِ فِي مَوضِع آخر- سبقه إِلَيْهِ ابْن الصّلاح- وَقد ذكرته فِي تخرج أَحَادِيثه الْمُسَمَّى: تذكرة الأخيار بِمَا فِي الْوَسِيط من الْأَخْبَار.
فَائِدَة:
الشرَاك- بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة- هُوَ أحد سيور النَّعْل الَّتِي يكون عَلَى وَجههَا.

.الحديث الثَّانِي:

قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيروَى مثل حَدِيث ابْن عَبَّاس، عَن ابْن عمر.
هُوَ كَمَا قَالَ؛ فقد رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث ابْن إِسْحَاق، عَن عتبَة بن مُسلم، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «لمَّا فرضت الصَّلَاة نزل جِبْرِيل عَلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَصَلى بِهِ الظّهْر، وَذكر الْمَوَاقِيت، وَقَالَ: فَصَلى بِهِ الْمغرب حِين غَابَتْ الشَّمْس» وَقَالَ فِي الْيَوْم الثَّانِي: «فَصَلى بِهِ الْمغرب حِين غَابَتْ الشَّمْس».
وَرَوَاهُ أَيْضا من حَدِيث حميد بن الرّبيع، عَن مَحْبُوب بن الجهم بن وَاقد مولَى حُذَيْفَة بن الْيَمَان، عَن عبيد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «أَتَانِي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام حِين طلع الْفجْر...» وَذكر الحَدِيث- وَقَالَ فِي وَقت الْمغرب: «ثمَّ أَتَاهُ جِبْرِيل حِين سقط القرص فَقَالَ: قُم فصل. فَصليت الْمغرب ثَلَاث رَكْعَات، ثمَّ أَتَانِي من الْغَد حِين سقط القرص، فَقَالَ: قُم فصل. فَصليت الْمغرب ثَلَاث رَكْعَات» وَذكر الحَدِيث بِطُولِهِ، وَالطَّرِيق الأولَى جَيِّدَة، وَلَيْسَ فِيهَا إِلَّا عنعنة ابْن إِسْحَاق. وَأما هَذِه فَفِيهَا حميد بن الرّبيع نسبه يَحْيَى بن معِين إِلَى الْكَذِب، وَقَالَ مرّة: أَخْزَاهُ الله وَمن يسْأَل عَنهُ؟! وَقَالَ النسائى: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ ابْن عدي: يسرق الحَدِيث وَيرْفَع الْمَوْقُوف. وَحسن أَحْمد القَوْل فِيهِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: تكلمُوا فِيهِ بلاحجة. وَقَالَ عُثْمَان بن أبي شيبَة: هُوَ ثِقَة، لكنه شرة يُدَلس.
وفيهَا أَيْضا مَحْبُوب بن الجهم وَهُوَ لين. وَقَالَ ابْن حبَان: يروي عَن عبيد الله بن عمر الْأَشْيَاء الَّتِي لَيست من حَدِيثه، وَلينه ابْن عدي أَيْضا.

.الحديث الثَّالِث:

قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيروَى مثله أَيْضا، عَن أبي هُرَيْرَة.
وَهُوَ كَمَا قَالَ، فقد رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن الْحُسَيْن بن حُرَيْث، عَن الْفضل بن مُوسَى، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «هَذَا جِبْرِيل جَاءَكُم يعلمكم أَمر دينكُمْ. فَصَلى لَهُ الصُّبْح حِين أَسْفر قَلِيلا، ثمَّ صَلَّى لَهُ الظّهْر حِين كَانَ الظل مثله، ثمَّ صَلَّى لَهُ الْعَصْر حِين كَانَ الظل مثلَيْهِ، ثمَّ صَلَّى الْمغرب بِوَقْت وَاحِد حِين غربت الشَّمْس وَحل فطر الصَّائِم، وَصَلى لَهُ الْعشَاء حِين ذهب سَاعَة من اللَّيْل، ثمَّ جَاءَهُ الْغَد فَصَلى الصُّبْح حِين طلع الْفجْر، وَصَلى الظّهْر حِين زاغت الشَّمْس، ثمَّ صَلَّى الْعَصْر حِين رَأَى الظل مثله، ثمَّ صَلَّى الْمغرب حِين غربت الشَّمْس وَحل فطر الصَّائِم، ثمَّ صَلَّى الْعشَاء حِين ذهب شفق اللَّيْل ثمَّ قَالَ: الصَّلَاة مَا بَين صَلَاتك أمس وَصَلَاة الْيَوْم» كَذَا رَأَيْته فِي سنَن النَّسَائِيّ وذكره ابْن السكن فِي صحاحه أَيْضا وَعَزاهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام إِلَى رِوَايَة النَّسَائِيّ، وَفِيه تَقْدِيم الْقطعَة الْأَخِيرَة من الحَدِيث عَلَى الأولَى- أَعنِي: فعل صلَاته فِي الْيَوْم الثَّانِي- وَهُوَ مُوَافق لبَقيَّة الْأَحَادِيث فِي صفة صَلَاة جِبْرِيل، ثمَّ قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين وَرِجَال إِسْنَاده أخرج لَهُم مُسلم فِي صَحِيحه وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَقد سبقه إِلَى ذَلِك الْحَاكِم؛ فَإِنَّهُ لما أخرجه فِي مُسْتَدْركه من حَدِيث يُوسُف، عَن الْفضل بن مُوسَى، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «هَذَا جِبْرِيل يعلمكم دينكُمْ». ثمَّ ذكر مَوَاقِيت الصَّلَاة، ثمَّ ذكر «أَنه صَلَّى الْمغرب حِين غربت الشَّمْس، ثمَّ لما جَاءَهُ من الْغَد صَلَّى الْمغرب حِين غربت الشَّمْس فِي وَقت وَاحِد» قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم، ذكره شَاهدا لحَدِيث أبي نعيم الْفضل بن دُكَيْن، عَن عمر بن عبد الرَّحْمَن بن أسيد عَن مُحَمَّد بن عباد بن جَعْفَر الْمُؤَذّن أَنه سمع أَبَا هُرَيْرَة يخبر، أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حَدثهمْ: «أَن جِبْرِيل أَتَاهُ فَصَلى بِهِ الصَّلَوَات فِي وَقْتَيْنِ وَقْتَيْنِ إِلَّا الْمغرب، قَالَ: فَجَاءَنِي فَصَلى بِي سَاعَة غَابَتْ الشَّمْس، ثمَّ جَاءَنِي من الْغَد فَصَلى بِي سَاعَة غَابَتْ الشَّمْس لم يُغَيِّرهُ» وَقَالَ فِي حَقه: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، وَلم يخرجَاهُ فَإِنَّهُمَا لم يخرجَا عَن مُحَمَّد بن عباد بن جَعْفَر. قَالَ: وَقد قدمت لَهُ شَاهِدين، وَوجدت لَهُ شَاهدا آخر صَحِيحا عَلَى شَرط مُسلم.
وَرَأَيْت فِي «علل التِّرْمِذِيّ» عَن البُخَارِيّ أَنه قَالَ: حَدِيث مُحَمَّد بن عَمْرو، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة فِي الْمَوَاقِيت حسن.
وَرَوَى التِّرْمِذِيّ فِي جامعه حَدِيث مُحَمَّد بن الْفضل، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِن للصَّلَاة أَولا وآخرًا، وَإِن أول وَقت صَلَاة الظّهْر حِين تَزُول الشَّمْس، وَآخر وَقتهَا حِين يدْخل وَقت الْعَصْر، وَأول وَقت الْعَصْر حِين يدْخل وَقتهَا، وَإِن آخر وَقتهَا حِين تصفر الشَّمْس، وَإِن أول وَقت الْمغرب حِين تغرب الشَّمْس، وَإِن آخر وَقتهَا حِين يغيب الْأُفق، وَإِن أول وَقت الْعشَاء الْآخِرَة حِين يغيب الْأُفق، وَإِن آخر وَقتهَا حِين ينتصف اللَّيْل، وَإِن أول وَقت الْفجْر حِين يطلع الْفجْر، وَإِن آخر وَقتهَا حِين تطلع الشَّمْس» ثمَّ قَالَ: سَمِعت مُحَمَّدًا- يَعْنِي البُخَارِيّ- يَقُول: حَدِيث الْأَعْمَش، عَن مُجَاهِد فِي الْمَوَاقِيت أصح من حَدِيث مُحَمَّد بن فُضَيْل، عَن الْأَعْمَش، وَحَدِيث مُحَمَّد بن فُضَيْل خطأ؛ أَخطَأ فِيهِ مُحَمَّد بن فُضَيْل، ثمَّ رَوَى من حَدِيث الْفَزارِيّ، عَن الْأَعْمَش، عَن مُجَاهِد قَالَ: «كَانَ يُقَال: إِن للصَّلَاة أَولا وآخرًا...» فَذكر نَحْو حَدِيث مُحَمَّد بن فُضَيْل، عَن الْأَعْمَش بِمَعْنَاهُ.
قلت: وَحَاصِل هَذَا أَن البُخَارِيّ خطَّأ رِوَايَة الرّفْع، وَصحح رِوَايَة الْإِرْسَال، وَكَذَا قَالَه يَحْيَى بن معِين، وَابْن أبي حَاتِم، وأما ابْن الْقطَّان فصحح فِي كِتَابه الْوَهم والإِيهام رِوَايَة الرّفْع، وَقَالَ: لَا يبعد عِنْدِي فِي أَن يكون عِنْد الْأَعْمَش فِي هَذَا عَن مُجَاهِد وَغَيره مثل الحَدِيث الْمَرْفُوع، وَإِنَّمَا الشَّأْن فِي رافعه وَهُوَ مُحَمَّد بن فُضَيْل وَهُوَ صَدُوق من أهل الْعلم، وَقد وَثَّقَهُ ابْن معِين.

.الحديث الرَّابِع:

قَالَ الرَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيروَى مثله عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ.
هُوَ كَمَا قَالَ؛ فقد أخرجه مُسلم فِي صَحِيحه مُنْفَردا بِهِ عَنهُ عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «أَنه أَتَاهُ سَائل يسْأَله عَن مَوَاقِيت الصَّلَاة، فَلم يرد عَلَيْهِ شَيْئا، قَالَ: فَأَقَامَ الْفجْر حِين انْشَقَّ الْفجْر وَالنَّاس لَا يكَاد يعرف بَعضهم بَعْضًا، ثمَّ أمره فَأَقَامَ الظّهْر حِين زَالَت الشَّمْس وَالْقَائِل يَقُول: قد انتصف النَّهَار، وَهُوَ كَانَ أعلم مِنْهُم، ثمَّ أمره فَأَقَامَ الْعَصْر وَالشَّمْس مُرْتَفعَة، ثمَّ أمره فَأَقَامَ الْمغرب حِين وَقعت الشَّمْس، ثمَّ أمره فَأَقَامَ الْعشَاء حِين غَابَ الشَّفق، ثمَّ أخر الْفجْر من الْغَد حَتَّى انْصَرف مِنْهَا وَالْقَائِل يَقُول: قد طلعت الشَّمْس أَو كَادَت، ثمَّ أخر الظّهْر حَتَّى كَانَ قَرِيبا من وَقت الْعَصْر بالْأَمْس، ثمَّ أخر الْعَصْر حَتَّى انْصَرف مِنْهَا وَالْقَائِل يَقُول: قد احْمَرَّتْ الشَّمْس، ثمَّ أخر الْمغرب حَتَّى كَانَ عِنْد سُقُوط الشَّفق، ثمَّ أخر الْعشَاء حَتَّى كَانَ قَرِيبا من ثلث اللَّيْل الأول، ثمَّ أصبح فَدَعَا السَّائِل فَقَالَ: الْوَقْت مَا بَين هذَيْن». وَفِي رِوَايَة لَهُ: «فَصَلى الْمغرب قبل أَن يغيب الشَّفق فِي الْيَوْم الثَّانِي» وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «وَأقَام الظّهْر فِي وَقت الْعَصْر الَّذِي كَانَ قبله، وَصَلى الْعَصْر وَقد اصْفَرَّتْ الشَّمْس- أَو قَالَ: أَمْسَى- وَصَلى الْمغرب قبل أَن يغيب الشَّفق، وَصَلى الْعشَاء إِلَى ثلث اللَّيْل».
وَرَأَيْت فِي «علل التِّرْمِذِيّ» عَن البُخَارِيّ أَنه قَالَ: حَدِيث أبي مُوسَى هَذَا حَدِيث حسن. وَنَقله الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن علله أَيْضا.

.الحديث الخَامِس:

قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيروَى مثله عَن جَابر أَيْضا.
هُوَ كَمَا قَالَ؛ فقد رَوَاهُ النَّسَائِيّ، عَن يُوسُف بن وَاضح، حَدثنَا قدامَة- يَعْنِي ابْن شهَاب- عَن برد، عَن عَطاء بن أبي رَبَاح، عَن جَابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن جِبْرِيل أَتَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يُعلمهُ مَوَاقِيت الصَّلَاة فَتقدم جِبْرِيل وَالنَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خَلفه وَالنَّاس خلف النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَصَلى الظّهْر حِين زَالَت الشَّمْس، وَأَتَاهُ حِين كَانَ الظل مثل شخصه فَصنعَ كَمَا صنع، فَتقدم جِبْرِيل وَرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خَلفه وَالنَّاس خلف رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَصَلى الْعَصْر، ثمَّ أَتَاهُ حِين وَجَبت الشَّمْس، فَتقدم جِبْرِيل وَرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خَلفه وَالنَّاس خلف رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَصَلى الْمغرب، ثمَّ أَتَاهُ حِين غَابَ الشَّفق فَتقدم جِبْرِيل وَرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خَلفه وَالنَّاس خلف رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَصَلى الْعشَاء، ثمَّ أَتَاهُ حِين أَسْفر الْفجْر فَتقدم جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خَلفه وَالنَّاس خلف رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَصَلى الْغَدَاة، ثمَّ أَتَاهُ الْيَوْم الثَّانِي حِين كَانَ ظلّ الرجل مثل شخصه، فَصنعَ مثل مَا صنع بالْأَمْس، فَصَلى الظّهْر، ثمَّ أَتَاهُ حِين كَانَ ظلّ الرجل مثل شخصيه فَصنعَ كَمَا صنع بالْأَمْس، فَصَلى الْعَصْر، ثمَّ أَتَاهُ حِين وَجَبت الشَّمْس فَصنعَ كَمَا صنع بالْأَمْس، فَصَلى الْمغرب فنمنا ثمَّ قمنا ثمَّ نمنا ثمَّ قمنا فَأَتَاهُ فَصنعَ كَمَا صنع بالْأَمْس فَصَلى الْعشَاء، ثمَّ أَتَاهُ حِين امْتَدَّ الْفجْر وَأصْبح والنجوم بادية مشتبكة، فَصنعَ كَمَا صنع بالْأَمْس، فَصَلى الْغَدَاة، ثمَّ قَالَ: مَا بَين هَاتين الصَّلَاتَيْنِ وَقت».
وَهَذَا الْإِسْنَاد كل رِجَاله ثِقَات، حَتَّى برد بن سِنَان، وَإِن ضعفه عَلّي بن الْمَدِينِيّ. وقَالَ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بالمتين، وقَالَ مرّة: كَانَ صَدُوقًا قدريًّا، فقد وَثَّقَهُ ابْن معِين وَغَيره. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: لَا بَأْس بِهِ.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا عَن سُوَيْد بن نصر، عَن عبد الله- هُوَ ابْن الْمُبَارك- عَن حُسَيْن بن عَلّي بن حُسَيْن، عَن وهب بن كيسَان، عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: «جَاءَ جِبْرِيل إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين مَالَتْ الشَّمْس فَقَالَ: قُم يَا مُحَمَّد فصل الظّهْر حِين مَالَتْ الشَّمْس، ثمَّ مكث حَتَّى إِذا كَانَ فَيْء الرجل مثله جَاءَهُ للعصر فَقَالَ: قُم يَا مُحَمَّد فصل الْعَصْر، ثمَّ مكث حَتَّى إِذا غربت الشَّمْس جَاءَهُ فَقَالَ: قُم فصل الْمغرب، فَقَامَ فَصلاهَا حِين غَابَتْ الشَّمْس سَوَاء، ثمَّ مكث حَتَّى إِذا ذهب الشَّفق جَاءَهُ فَقَالَ: قُم يَا مُحَمَّد فصل الْعشَاء، فَقَامَ فَصلاهَا، ثمَّ جَاءَهُ حِين سَطَعَ الْفجْر فِي الصُّبْح فَقَالَ: قُم يَا مُحَمَّد فصل، فَقَامَ فَصَلى الصُّبْح، ثمَّ جَاءَهُ من الْغَد حِين كَانَ فَيْء الرجل مثله فَقَالَ: قُم يَا مُحَمَّد فصلِ فَقَامَ فَصَلى الظّهْر، ثمَّ جَاءَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام حِين كَانَ فَيْء الرجل مثلَيْهِ فَقَالَ: قُم يَا مُحَمَّد فصل، فَقَامَ فَصَلى الْعَصْر، ثمَّ جَاءَهُ الْمغرب حِين غَابَتْ الشَّمْس وقتا وَاحِدًا لم يزل عَنهُ، فَقَالَ: قُم فصلِ فَصَلى الْمغرب، ثمَّ جَاءَهُ للعشاء حِين ذهب ثلث اللَّيْل الأول فَقَالَ: قُم فصلِ، فَصَلى الْعشَاء، ثمَّ جَاءَهُ للصبح حِين أَسْفر جدًّا فَقَالَ: قُم فصلِ فَصَلى الصُّبْح فَقَالَ مَا بَين هذَيْن وَقت كُله» وَهَذَا إِسْنَاد أَيْضا كل رِجَاله ثِقَات.
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ مُخْتَصرا عَن أَحْمد بن مُوسَى، عَن عبد الله بن الْمُبَارك بِهِ بِلَفْظ: «أمني جِبْرِيل...» فَذكر نَحْو حَدِيث ابْن عَبَّاس بِمَعْنَاهُ، وَلم يذكر فِيهِ: «لوقت الْعَصْر بالْأَمْس» ثمَّ قَالَ: قَالَ البُخَارِيّ: أصح شَيْء فِي الْمَوَاقِيت حَدِيث جَابر هَذَا قَالَ وَقد رَوَاهُ عَطاء بن أبي رَبَاح، وَعَمْرو بن دِينَار، وَأَبُو الزبير، عَن جَابر، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنقل ابْن الْعَرَبِيّ، عَن البُخَارِيّ أَنه صحّح هَذَا الحَدِيث.
وَرَوَاهُ الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي مُسْتَدْركه من حَدِيث عبد الله بن الْمُبَارك بِمثل الرِّوَايَة الثَّانِيَة الَّتِي أخرجهَا النَّسَائِيّ مَعَ تفَاوت فِي اللَّفْظ، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح مَشْهُور من حَدِيث عبد الله بن الْمُبَارك. قَالَ: والشيخان لم يخرجَاهُ لعِلَّة حَدِيث الْحُسَيْن بن عَلّي الْأَصْغَر، وَقد رَوَى عَنهُ عبد الرَّحْمَن بن أبي الموال وَغَيره، قَالَ:
وَقد أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد الْحسن بن أبي مُحَمَّد بن يَحْيَى العتيقي أَخْبرنِي أبي، عَن جدي، ثَنَا مُوسَى بن عبد الله بن الْحسن، حَدثنِي أبي وَغير وَاحِد من أهل بيتنا قَالُوا: كَانَ الْحُسَيْن بن عَلّي بن الْحُسَيْن أشبه ولد عَلّي بن الْحُسَيْن فِي التأله والتعبد، قَالَ: وَله أَيْضا شَاهِدَانِ بِمثل أَلْفَاظه عَن جَابر.... فذكرهما.
وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه عَن الْحسن بن سُفْيَان، عَن حبَان بن مُوسَى، عَن عبد الله، عَن حُسَيْن.... الحَدِيث، بِمثل رِوَايَة النَّسَائِيّ الثَّانِيَة.
وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده مطولا من حَدِيث وهب بن كيسَان، عَن جَابر، ومختصرًا من حَدِيث ثَوْر بن يزِيد، عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى، عَن عَطاء، عَنهُ.
وَسليمَان هَذَا وَثَّقَهُ دُحَيْم وَابْن معِين، وَقَالَ خَ: عِنْده مَنَاكِير، وَقَالَ س: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وطرقه الدَّارَقُطْنِيّ بِأَلْفَاظ مِنْهَا لفظ النَّسَائِيّ السالف، فتلخص صِحَة حَدِيث جَابر هَذَا بِمَا لَهُ من شَاهد عَلَيْهِ، وَأما ابْن الْقطَّان فأعله بِمَا لَيْسَ فِي الْعرف عِلّة وَذَلِكَ أَنه قَالَ: يجب أَن يكون مُرْسلا إِذْ لم يذكر جَابر بن عبد الله من حَدثهُ بذلك، وَهُوَ لم يُشَاهد ذَلِك صَبِيحَة الْإِسْرَاء لما علم أَنه أَنْصَارِي إِنَّمَا صحب بِالْمَدِينَةِ.
وَأما ابْن عَبَّاس وَأَبُو هُرَيْرَة اللَّذَان رويا قصَّة إِمَامَة جِبْرِيل فَلَيْسَ يلْزم من حَدِيثهمَا من الْإِرْسَال مَا فِي رِوَايَة جَابر؛ لِأَنَّهُمَا قَالَا: إِن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ذَلِك، وقصه عَلَيْهِم. انْتَهَى كَلَامه.
وَحَاصِله أَنه مُرْسل صَحَابِيّ وَذَلِكَ مَقْبُول حكمه حكم الْمسند عِنْد الْجُمْهُور؛ إِلَّا من شَذَّ، والجهالة لعين من أرسل عَنهُ غير ضارة، وَمن الْبعيد أَن يكون جَابر سمع ذَلِك من تَابِعِيّ غير صَحَابِيّ، وَقد جَاءَ عَن جَابر أَيْضا بِلَفْظ: أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ذَلِك، كَمَا رَوَاهُ ابْن عَبَّاس وَأَبُو هُرَيْرَة، فَفِي التِّرْمِذِيّ عَن جَابر عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «أمني جِبْرِيل...» الحَدِيث.
وَفِي إِحْدَى رِوَايَات الْحَاكِم، والدراقطني عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «أمني جِبْرِيل بِمَكَّة مرَّتَيْنِ» فَزَالَ مَا أعل الحَدِيث بِهِ، وَظهر أَن ذَلِك لَيْسَ مَخْصُوصًا بِحَدِيث ابْن عَبَّاس وَأبي هُرَيْرَة، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق.

.الحديث السَّادِس:

قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيروَى مثله عَن أنس أَيْضا.
هُوَ كَمَا قَالَ؛ فقد أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيّ، وَرَوَاهُ الدارقطني فِي سنَنه عَن أبي طَالب أَحْمد بن نصر بن طَالب، نَا أَبُو حَمْزَة إِدْرِيس بن يُونُس بن يناق الْفراء، ثَنَا مُحَمَّد بن سعيد بن جِدَار، نَا جرير بن حَازِم، عَن قَتَادَة، عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن جِبْرِيل أَتَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة حِين زَالَت الشَّمْس فَأمره أَن يُؤذن النَّاس بِالصَّلَاةِ حِين فرضت عَلَيْهِم فَقَامَ جِبْرِيل أَمَام النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَامَ النَّاس خلف رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فَصَلى أَربع رَكْعَات لَا يجْهر فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ يأتم النَّاس برَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يأتم بِجِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام، ثمَّ أمْهل حَتَّى إِذا دخل وَقت الْعَصْر صَلَّى بهم أَربع رَكْعَات لَا يجْهر فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ، يأتم الْمُسلمُونَ برَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، ويأتم رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِجِبْرِيل، ثمَّ أمْهل حَتَّى إِذا وَجَبت الشَّمْس صَلَّى بهم ثَلَاث رَكْعَات يجْهر فِي رَكْعَتَيْنِ بِالْقِرَاءَةِ، وَلَا يجْهر فِي الثَّالِثَة، ثمَّ أمهله حَتَّى إِذا ذهب ثلث اللَّيْل صَلَّى بهم أَربع رَكْعَات يجْهر فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأولتين بِالْقِرَاءَةِ، وَلَا يجْهر فِي الآخرتين بِالْقِرَاءَةِ، ثمَّ أمهله حَتَّى إِذا طلع الْفجْر صَلَّى بهم رَكْعَتَيْنِ يجْهر فيهمَا بِالْقِرَاءَةِ».
وَأَبُو طَالب ذكره أَبُو أَحْمد فِي كناه وَقَالَ: أدركناه وَهُوَ حسن الْمعرفَة بِحَدِيث أهل الْمَدِينَة، وَأَبُو حَمْزَة الْفراء ذكره أَيْضا فِي كناه، سكت عَنهُ. وَقَالَ ابْن الْقطَّان: لَا يعرف حَاله. وَمُحَمّد بن سعيد بن جِدَار لَا أعلم حَاله، وَقَالَ ابْن الْقطَّان أَيْضا: إِنَّه مَجْهُول وَبَاقِي الْإِسْنَاد لَا يسْأَل عَنهُ.
وَذكره ابْن السكن فِي سنَنه الصِّحَاح المأثورة كَمَا سَاقه الدَّارَقُطْنِيّ سَوَاء.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وأبنا ابْن مخلد، نَا أَبُو دَاوُد، نَا ابْن الْمثنى، نَا ابْن أبي عدي، عَن سعيد عَن قَتَادَة، عَن الْحسن، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِنَحْوِهِ مُرْسلا.
وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي مُعْجَمه، ثَنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم- صَدُوق- ثَنَا أَحْمد بن عَلّي بن عمرَان، ثَنَا عَمْرو بن الرّبيع بن طَارق الْمصْرِيّ، نَا عِكْرِمَة بن إِبْرَاهِيم، ثَنَا سعيد بن أبي عرُوبَة، عَن قَتَادَة، حَدثنِي أنس بن مَالك قَالَ: قَالَ رَسُول الله: «لما زَالَت الشَّمْس عَن كبد السَّمَاء نزل جِبْرِيل فِي صف من الْمَلَائِكَة فَصَلى بِهِ» وَأمر النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَصْحَابه فصلوا خَلفه، فَأَتمَّ بِجِبْرِيل، وَأتم أَصْحَابه بِهِ فَصَلى بهم أَرْبعا وخافت فِيهِنَّ الْقِرَاءَة، ثمَّ تَركهم حَتَّى إِذا تضويت الشَّمْس وَهِي بَيْضَاء نقية نزل جِبْرِيل، فَصَلى بهم أَرْبعا يُخَافت فِيهِنَّ الْقِرَاءَة، فَأَتمَّ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِجِبْرِيل، وَأتم أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهِ، حَتَّى إِذا غَابَتْ الشَّمْس نزل جِبْرِيل فَصَلى بهم ثَلَاث رَكْعَات يجْهر فِي رَكْعَتَيْنِ، ويخافت فِي وَاحِدَة، فَأَتمَّ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِجِبْرِيل، وَأتم أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهِ، ثمَّ تَركه حَتَّى إِذا غَابَ الشَّفق نزل فَصَلى بهم أَربع رَكْعَات يجْهر فِي رَكْعَتَيْنِ، ويخافت فِي رَكْعَتَيْنِ، فَأَتمَّ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِجِبْرِيل، وَأتم أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهِ، فَبَاتُوا حَتَّى إِذا أَصْبحُوا نزل جِبْرِيل فَصَلى بهم رَكْعَتَيْنِ يُطِيل فيهمَا الْقِرَاءَة.
قلت: وَعِكْرِمَة هَذَا أَظُنهُ الْأَزْدِيّ القَاضِي، وَقد ضَعَّفُوهُ.
خاتمتان: الأولَى: رَوَى أَيْضا مثل حَدِيث ابْن عَبَّاس، وَمن بعده أَبُو مَسْعُود الْأنْصَارِيّ البدري، وَهُوَ مِمَّا اتّفق الشَّيْخَانِ عَلَى إِخْرَاجه، وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده، وَعبد الله بن مَسْعُود رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ.
قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ فِي سباعياته: صَحَّ عَنهُ.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: وفِي الْبَاب أَيْضا عَن بُرَيْدَة وَعَمْرو بن حزم والبراء.
الثَّانِيَة: وَهِي من الْمُهِمَّات الغريبة قَالَ ابْن أبي خَيْثَمَة: ثَنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَيُّوب، نَا إِبْرَاهِيم، عَن ابْن إِسْحَاق، عَن عتبَة بن مُسلم، عَن نَافِع بن جُبَير- وَكَانَ نَافِع كثير الرِّوَايَة- عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «لما فرضت الصَّلَاة عَلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَاهُ جِبْرِيل فَصَلى بِهِ الصُّبْح حِين طلع الْفجْر». ثمَّ ذكر الحَدِيث، وَهَذَا حَدِيث غَرِيب؛ فَإِن الْمَشْهُور أَن أول إِمَامَة جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بِالنَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا هِيَ فِي صَلَاة الظّهْر، وَقد سلف أَيْضا، وَكَانَ الْإِسْرَاء وَفرض الصَّلَوَات الْخمس قبل الْهِجْرَة بعام، وَقيل: وَنصف، وَقيل: كَانَ الْإِسْرَاء بعد النُّبُوَّة بِخَمْسَة أَعْوَام.