فصل: الحَدِيث التَّاسِع

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث السَّابِع:

عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «وَقت الظّهْر مَا لم يدْخل وَقت الْعَصْر».
هَذَا الحَدِيث لَا يحضرني من رَوَاهُ عَن ابْن عمر وإِنَّمَا هُوَ عَن ابْن عَمْرو بن الْعَاصِ وَالظَّاهِر أَن الْوَاو مِمَّا أسقطها النساخ، وَهُوَ حَدِيث صَحِيح. رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه بِلَفْظ: «وَقت الظّهْر إِذا زَالَت الشَّمْس، وَكَانَ ظلّ الرجل لطوله مَا لم يحضر الْعَصْر»، وَفِي لفظ آخر لَهُ «وَقت الظّهْر إِذا زَالَت الشَّمْس عَن بطن السَّمَاء مَا لم يحضر الْعَصْر» وَفِي لفظ لَهُ «إِذا صليتم الظّهْر، فَإِنَّهُ وَقت إِلَى أَن يحضر الْعَصْر......» وَهُوَ حَدِيث طَوِيل مُشْتَمل عَلَى بَقِيَّة الْأَوْقَات الْخَمْسَة، وَقد ذكر الرَّافِعِيّ قِطْعَة مِنْهُ مُفْردَة فِي الْبَاب كَمَا ستعمله، وَهُوَ من أَفْرَاد مُسلم، وَلم يخرج البُخَارِيّ فِي الْأَوْقَات عَن عبد الله بن عَمْرو شَيْئا، وَذكر مُسلم بعده عَن يَحْيَى بن أبي كثير: «لَا يُسْتَطَاع الْعلم براحة الْجِسْم».

.الحديث الثَّامِن:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من أدْرك رَكْعَة من الصُّبْح قبل أَن تطلع الشَّمْس فقد أدْرك الصُّبْح، وَمن أدْرك رَكْعَة من الْعَصْر قبل أَن تغرب الشَّمْس فقد أدْرك الْعَصْر».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة بِهَذَا اللَّفْظ، وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «إِذا أدْرك أحدكُم سَجْدَة من صَلَاة الْعَصْر قبل أَن تغيب الشَّمْس فليتم صلَاته، وَإِذا أدْرك سَجْدَة من صَلَاة الصُّبْح قبل أَن تطلع الشَّمْس فليتم صلَاته».
وَالْمرَاد بِالسَّجْدَةِ: الرَّكْعَة، كَمَا ستعلم من رِوَايَة عَائِشَة، وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: «إِذا أدْرك أحدكُم أول السَّجْدَة....» إِلَى آخر رِوَايَة البُخَارِيّ.
وَفِي رِوَايَة ابْن حبَان فِي صَحِيحه: «من صَلَّى من الصُّبْح رَكْعَة قبل أَن تطلع الشَّمْس لم تفته الصَّلَاة وَمن صَلَّى من الْعَصْر رَكْعَة قبل أَن تغرب الشَّمْس لم تفته الصَّلَاة».
وَرَوَاهَا السراج فِي مُسْنده بنحوها وَلَفظه: «من صَلَّى سَجْدَة وَاحِدَة من الْعَصْر قبل غرُوب الشَّمْس، وصَلَّى مَا بَقِي بعد غرُوب الشَّمْس فَلم يفته الْعَصْر»، وَذكر مثله فِي الصُّبْح.
وَأخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا بِلَفْظ آخر من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَيْضا، وَذَا لَفْظهمَا: «من أدْرك رَكْعَة من الصَّلَاة فقد أدْرك الصَّلَاة».
وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «فقد أدْرك الصَّلَاة كلهَا» وَفِي رِوَايَة لَهُ فردة عَن جَمِيع الرِّوَايَات: «من أدْرك رَكْعَة من الصَّلَاة مَعَ الإِمَام» وَلم يُخرجهَا البُخَارِيّ وَلَا الَّتِي قبلهَا؛ وَإِنَّمَا هما من أَفْرَاد مُسلم.
وَفِي رِوَايَة للنسائي: «من أدْرك رَكْعَة من الصَّلَاة فقد أدْرك الصَّلَاة كلهَا، إِلَّا أَنه يقْضِي مَا فَاتَهُ».
وَفِي رِوَايَة لأبي حَاتِم بن حبَان: «من أدْرك من صلَاته رَكْعَة فقد أدْركهَا، وليتم مَا بَقِي» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «فقد أدْرك الصَّلَاة كلهَا» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «من أدْرك رَكْعَة من الْفجْر قبل أَن تطلع الشَّمْس، وركعة بعد مَا تطلع فقد أدْركهَا».
وَانْفَرَدَ مُسلم بِإِخْرَاجِهِ من حَدِيث عَائِشَة بِلَفْظ: «من أدْرك من الْعَصْر سَجْدَة قبل أَن تغرب الشَّمْس، أَو من الصُّبْح قبل أَن تطلع الشَّمْس فقد أدْركهَا، والسجدة إِنَّمَا هِيَ الرَّكْعَة».
فَائِدَة: هَذِه اللَّفْظَة وَهِي: «و السَّجْدَة إِنَّمَا هِيَ الرَّكْعَة» الظَّاهِر أَنَّهَا من قَول عَائِشَة أَو من دونهَا، وَقَالَ الْمُحب فِي أَحْكَامه: يحْتَمل إدراجها، وَالظَّاهِر خِلَافه، وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد بِالسَّجْدَةِ السَّجْدَة نَفسهَا تَنْبِيها عَلَى أَن الْإِدْرَاك يحصل بِجُزْء حَتَّى يكون مدْركا بتكبيرة.

.الحَدِيث التَّاسِع

قَالَ الرَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ وعَلَى ظَاهر الْمَذْهَب وَقت الِاخْتِيَار إِلَى مصير الظل مثلَيْهِ، وَبعده وَقت الْجَوَاز بِلَا كَرَاهَة إِلَى الاصفرار وَمِنْه إِلَى الْغُرُوب. وَقت كَرَاهَة وَمَعْنَاهُ أَنه يكره تَأْخِيرهَا إِلَيْهِ رُوِيَ عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: «تِلْكَ صَلَاة الْمُنَافِقين يجلس يرقب الشَّمْس حَتَّى إِذا كَانَت بَين قَرْني الشَّيْطَان قَامَ فنقرها أَرْبعا، لَا يذكر الله فِيهَا إِلَّا قَلِيلا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ م مُنْفَردا بِهِ من حَدِيث أبي الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن «أَنه دخل عَلَى أنس بن مَالك فِي دَاره بِالْبَصْرَةِ حِين انْصَرف من الظّهْر، قَالَ: فصلوا الْعَصْر، فقمنا فصلينا، فَلَمَّا انصرفنا قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: تِلْكَ صَلَاة الْمُنَافِقين...» فَذكره بِحُرُوفِهِ سَوَاء.

.الحديث العَاشِر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا أقبل الظلام من هَا هُنَا- وَأَشَارَ إِلَى الْمشرق- وَأدبر النَّهَار من هَا هُنَا- وَأَشَارَ إِلَى الْمغرب- فقد أفطر الصَّائِم».
هَذَا الحَدِيث تبع فِي إِيرَاده هَكَذَا الْغَزالِيّ وَهُوَ تبع إِمَامه وَقَالَ: إِنَّه صَحَّ. وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ فقد أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من طَرِيقين:
الأولَى: عَن عمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِذا أقبل اللَّيْل، وَأدبر النَّهَار، وَغَابَتْ الشَّمْس فقد أفطر الصَّائِم» هَذَا لفظ مُسلم، وَلَفظ البُخَارِيّ «إِذا أقبل اللَّيْل من هَا هُنَا، وَأدبر النَّهَار من هَا هُنَا، وغربت الشَّمْس، فقد أفطر الصَّائِم».
الثَّانِيَة: عَن عبد الله بن أبي أَوْفَى فِي قصَّة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِذا غَابَتْ الشَّمْس من هَا هُنَا، وَجَاء اللَّيْل من هَا هُنَا، فقد أفطر الصَّائِم» هَذَا لفظ مُسلم، وَفِي رِوَايَة لَهُ: «إِذا رَأَيْتُمْ اللَّيْل قد أقبل من هَا هُنَا- وَأَشَارَ بِيَدِهِ نَحْو الْمشرق- فقد أفطر الصَّائِم». وَلَفظ البُخَارِيّ: «إِذا رَأَيْتُمْ اللَّيْل قد أقبل من هَا هُنَا، فقد أفطر الصَّائِم».

.الحديث الحَادِي عشر:

عَن بُرَيْدَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رجلا سَأَلَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن وَقت الصَّلَاة؟ فَقَالَ: صل مَعنا هذَيْن- يَعْنِي الْيَوْمَيْنِ-...» إِلَى أَن قَالَ: «وَصَلى بِي الْمغرب فِي الْيَوْم الثَّانِي قبل أَن يغيب الشَّفق».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ عَن البُخَارِيّ، وَهَذَا سِيَاقه عَن بُرَيْدَة بن الْحصيب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «أَن رجلا سَأَلَهُ عَن وَقت الصَّلَاة فَقَالَ لَهُ: صل مَعنا هذَيْن- يَعْنِي الْيَوْمَيْنِ- فَلَمَّا زَالَت الشَّمْس أَمر بِلَالًا فَأذن، ثمَّ أمره فَأَقَامَ الظّهْر، ثمَّ أمره فَأَقَامَ الْعَصْر وَالشَّمْس مُرْتَفعَة بَيْضَاء نقية، ثمَّ أمره فَأَقَامَ الْمغرب حِين غَابَتْ الشَّمْس، ثمَّ أمره فَأَقَامَ الْعشَاء حِين غَابَ الشَّفق، ثمَّ أمره فَأَقَامَ الْفجْر حِين طلع الْفجْر، فَلَمَّا أَن كَانَ فِي الْيَوْم الثَّانِي أمره فأبرد بِالظّهْرِ، فأنعم أَن يبرد بهَا، وَصَلى الْعَصْر وَالشَّمْس مُرْتَفعَة أَخّرهَا فَوق الَّذِي كَانَ، وَصَلى الْمغرب قبل أَن يغيب الشَّفق، وَصَلى الْعشَاء بَعْدَمَا ذهب ثلث اللَّيْل، وَصَلى الْفجْر فأسفر بهَا، ثمَّ قَالَ: أَيْن السَّائِل عَن وَقت الصَّلَاة؟ فَقَالَ السَّائِل: أَنا يَا رَسُول الله. قَالَ: وَقت صَلَاتكُمْ بَين مَا رَأَيْتُمْ» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أَن رجلا أَتَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُ عَن مَوَاقِيت الصَّلَاة، فَقَالَ: اشْهَدْ مَعنا الصَّلَاة فَأمر بِلَالًا فَأذن بِغَلَس فَصَلى الصُّبْح حِين طلع الْفجْر، ثمَّ أمره بِالظّهْرِ حِين زَالَت الشَّمْس عَن بطن السَّمَاء، ثمَّ أمره بالعصر وَالشَّمْس مُرْتَفعَة، ثمَّ أمره بالمغرب حِين وَجَبت الشَّمْس، ثمَّ أمره بالعشاء حِين وَقع الشَّفق، ثمَّ أمره بالغد فنور الصُّبْح، ثمَّ أمره بِالظّهْرِ فأبرد بهَا، ثمَّ أمره بالعصر وَالشَّمْس بَيْضَاء نقية لم يخالطها صفرَة». وَذكر الحَدِيث.
وَاعْلَم أَن هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم وَغَيره من رِوَايَة سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن عَلْقَمَة، عَن سُلَيْمَان بن بُرَيْدَة، عَن أَبِيه: قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي جامعه: وَرَوَاهُ شُعْبَة عَن عَلْقَمَة بن مرْثَد أَيْضا.
قلت: وَرَوَاهُ بنْدَار، عَن حرمي بن عمَارَة، عَن شُعْبَة بِهِ، وَأنْكرهُ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ حَتَّى محاه بنْدَار من كِتَابه فَإِن بنْدَار قَالَ: ذكرته لأبي دَاوُد فَقَالَ: صَاحب هَذَا الحَدِيث يَنْبَغِي أَن يكبر عَلَيْهِ. قَالَ بنْدَار: فمحوته من كتابي لَكِن قَالَ ابْن خُزَيْمَة: يَنْبَغِي أَن يكبر عَلَى أبي دَاوُد حَيْثُ غلط، وَأَن يضْرب بنْدَار عشرَة، حَيْثُ محا هَذَا الحَدِيث من كِتَابه؛ لِأَنَّهُ حَدِيث صَحِيح عَلَى مَا رَوَاهُ الثَّوْريّ أَيْضا عَن عَلْقَمَة.
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي حَدِيث الثَّوْريّ: حَدِيث حسن غَرِيب صَحِيح. وَقَالَ فِي علله: سَأَلت البُخَارِيّ عَنهُ فَقَالَ: حَدِيث حسن وَلم يعرفهُ إِلَّا من حَدِيث سُفْيَان- يَعْنِي: الثَّوْريّ.

.الحديث الثَّانِي عشر:

رُوِيَ فِي الصَّحِيح أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «وَقت صَلَاة الْمغرب مَا لم يغب الشَّفق».
هُوَ كَمَا قَالَ: فقد رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَفِي لفظ آخر لَهُ: «وَوقت صَلَاة الْمغرب إِذا غَابَتْ الشَّمْس، مَا لم يسْقط الشَّفق»
وَفِي لفظ آخر لَهُ: «وَوقت الْمغرب مَا لم يسْقط ثَوْر الشَّفق» وَفِي لفظ آخر لَهُ: «فَإِذا صليتم الْمغرب؛ فَإِنَّهُ وَقت إِلَى أَن يسْقط الشَّفق» وَهُوَ مَعْدُود من أَفْرَاد مُسلم كَمَا سلف فِي الحَدِيث السَّابِع، وَهُوَ طرف مِنْهُ.
وثَوْر الشَّفق- بالثاء الْمُثَلَّثَة- مَعْنَاهُ: ثورانه وانتشار حمرته، وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: فَور الشَّفق- بِالْفَاءِ- وَهُوَ مَعْنَى ثَوْر، وصحفه بَعضهم بالنُّون، وَلَو صحت بِهِ الرِّوَايَة لَكَانَ لَهُ وَجه.

.الحديث الثَّالِث عشر:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ سُورَة الْأَعْرَاف فِي الْمغرب».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه مُنْفَردا بِهِ من حَدِيث ابْن جريح، عَن ابْن أبي مليكَة، عَن عُرْوَة بن الزبير، عَن مَرْوَان بن الحكم قَالَ: «قَالَ لي زيد بن ثَابت: مَا لَك تقْرَأ فِي الْمغرب بقصار الْمفصل؟! وَقد سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِيهَا بطولى الطولتين».
ورَوَاهُ أَبُو دَاوُد من هَذَا الْوَجْه وَفِيه عَن مَرْوَان قَالَ: «قَالَ زيد بن ثَابت: مَا لَك تقْرَأ فِي صَلَاة الْمغرب بقصار الْمفصل؟! وَلَقَد رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي الْمغرب بطولى الطولتين قَالَ: قلت: فَمَا طولى الطولتين؟ قَالَ: الْأَعْرَاف». وَقَالَ ابْن أبي مليكَة من قِبَلِ نَفسه: الْمَائِدَة والأعراف.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من هَذَا الْوَجْه أَيْضا وَفِيه: أَن مَرْوَان بن الحكم أخبرهُ أَن زيد بن ثَابت قَالَ: «مَالِي أَرَاك تقْرَأ فِي الْمغرب بقصار السُّور؟! وَقد رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِيهَا بأطول الطوليين، قلت: يَا أَبَا عبد الله، مَا طول الطوليين؟ قَالَ: الْأَعْرَاف».
وَفِي رِوَايَة لَهُ أَن زيدا قَالَ لمروان: «أَتَقْرَأُ فِي الْمغرب ب {قل هُوَ الله أحد} و{إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر}؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فمحلوفة؛ لقد رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِيهَا بأطول الطوليين: {المص}».
وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن- وَهُوَ أَبُو الْأسود أحد الثِّقَات- سمع عُرْوَة قَالَ زيد لمروان: «أَبَا عبد الله تقْرَأ فِي الْمغرب: ب {قل هُوَ الله أحد} و{إِنَّا اعطيناك الْكَوْثَر}؟ قَالَ زيد: فَحَلَفت بِاللَّه لقد رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِيهَا بأطول الطويلتين {المص}».
وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من حَدِيث هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن زيد بن ثَابت: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ فِي الْمغرب بِسُورَة الْأَعْرَاف فِي الرَّكْعَتَيْنِ كلتيهما» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم إِن لم يكن فِيهِ إرْسَال، وَلم يخرجَاهُ بِهَذَا اللَّفْظ، إِنَّمَا اتفقَا عَلَى حَدِيث ابْن جريج، عَن ابْن أبي مليكَة، عَن عُرْوَة، عَن مَرْوَان، عَن زيد بن ثَابت: «كَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي صَلَاة الْمغرب بطولى الطوليين» قَالَ: وَحَدِيث محَاضِر هَذَا مُفَسّر ملخص وَقد اتفقَا عَلَى الِاحْتِجَاج بمحاضر، وَهَذَا آخر كَلَامه.
وَقَوله: إِنَّمَا اتفقَا عَلَى حَدِيث ابْن جريج... إِلَى آخِره لَيْسَ كَمَا قَالَ من الِاتِّفَاق، وَإِنَّمَا هُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ كَمَا كشفت لَك أَولا.
وَرَوَاهُ ابْن السكن فِي سنَنه الصِّحَاح مُخْتَصرا بِلَفْظ: عَن زيد قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي الْمغرب بأطول الطوليين المص...». ثمَّ رَوَاهُ بِلَفْظ البُخَارِيّ.
وَلِهَذَا الحَدِيث طَرِيق ثَان من حَدِيث عَائِشَة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَرَأَ فِي صَلَاة الْمغرب بِسُورَة الْأَعْرَاف، فرقها فِي الرَّكْعَتَيْنِ».
رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن عَمْرو بن عُثْمَان، نَا بَقِيَّة وَأَبُو حَيْوَة، عَن ابْن أبي حَمْزَة، نَا هِشَام ابْن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَنْهَا.
قلت: إِسْنَاد حسن، وَذكره ابْن السكن فِي سنَنه الصِّحَاح وَقَالَ: هُوَ حَدِيث مُخْتَلف فِيهِ.
قلت وَله طَرِيق ثَالِث من حَدِيث أبي أَيُّوب قَالَ: «كَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رُبمَا قَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأولتين من الْمغرب بالأعراف...» ذكرهَا كَذَلِك ابْن السكن فِي سنَنه الصِّحَاح.
وَرَوَاهُ الإِمَام أَحْمد عَلَى الشَّك؛ فَقَالَ: نَا يَحْيَى بن سعيد، عَن هِشَام، أَن أَبَا أَيُّوب- أَو زيد بن ثَابت- قَالَ لمروان: «ألم أرك قصرت سَجْدَتي الْمغرب! رَأَيْت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِيهَا بالأعراف».
وَأخرج التِّرْمِذِيّ فِي جامعه هَذَا الحَدِيث بِغَيْر إِسْنَاد، فَقَالَ: رُوِيَ عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «أَنه قَرَأَ فِي الْمغرب بالأعراف فِي الرَّكْعَتَيْنِ كلتيهما».
وَفِي علل التِّرْمِذِيّ: سَأَلت مُحَمَّدًا عَن حَدِيث مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الطفَاوِي، عَن هِشَام، عَن أَبِيه، عَن أبي أَيُّوب، وَزيد بن ثَابت قَالَا: «كَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين من الْمغرب بالأعراف» فَقَالَ: الصَّحِيح عَن هِشَام، عَن أَبِيه، عَن أبي أَيُّوب أَو زيد، هِشَام يشك فِي هَذَا الحَدِيث، قَالَ: وَصحح هَذَا الحَدِيث عَن زيد بن ثَابت، رَوَاهُ ابْن أبي مليكَة، عَن عُرْوَة، عَن مَرْوَان، عَن زيد.
وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيّ عَن الرّبيع الجيزي نَا أَبُو زرْعَة، نَا حَيْوَة، نَا أَبُو الْأسود أَنه سمع عُرْوَة بن الزبير يَقُول: أَخْبرنِي زيد بن ثَابت أَنه قَالَ لمروان بن الحكم يَا أَبَا عبد الْملك: مَا يحملك أَن تقْرَأ فِي صَلَاة الْمغرب ب {قل هُوَ الله أحد} سُورَة أُخْرَى صَغِيرَة! قَالَ زيد: فو الله «لقد سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي صَلَاة الْمغرب بأطول الطوليين وَهِي المص».
قَالَ أَبُو الْحسن بن الْقطَّان: فَفِي هَذَا أَن عُرْوَة سَمعه من زيد بن ثَابت وَوَقع فِي سنَن أبي دَاوُد بَينهمَا مَرْوَان أَي، وَكَذَا فِي البُخَارِيّ وَغَيره كَمَا سلف، وَمَا مثله يَصح؛ لِأَنَّهُ قد علل حَدِيث بسرة بذلك مَعَ أَنه قد زَاد فِيهِ كَمَا زَاد هُنَا فَيكون سَمعه مِنْهُ بعد أَن حَدثهُ مَرْوَان عَنهُ أَو حَدثهُ بِهِ زيدا، وَلَا سَمعه أَيْضا من مَرْوَان، فَصَارَ يحدث بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، وَفِي علل ابْن أبي حَاتِم سَمِعت أبي، ونا عَن هِشَام بن عمار، عَن الدَّرَاورْدِي، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة: «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ فِي رَكْعَتي الْمغرب {المص}» قَالَ: هَذَا خطأ، إِنَّمَا هُوَ عَن أَبِيه عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مُرْسل، وَتعقبه صَاحب الإِمَام فَقَالَ: فِيمَا قَالَه ابْن أبي حَاتِم نظر؛ فقد رَوَاهُ النَّسَائِيّ مَوْصُولا من غير جِهَة هِشَام، والدراوردي رَوَاهُ من حَدِيث ابْن وهب، عَن عَمْرو بن الْحَارِث، عَن أبي الْأسود أَنه سمع عُرْوَة بن الزبير يحدث عَن زيد بن ثَابت أَنه قَالَ لمروان: «يَا أَبَا عبد الْملك أَتَقْرَأُ فِي الْمغرب ب {قل هُوَ الله أحد} و{إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر}؟ قَالَ: نعم، قَالَ: فمحلوفة لقد رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِيهَا بأطول الطوليين {المص}» قلت: وَفِي الصَّحِيحَيْنِ قِرَاءَة النَّبِي فِيهَا بِالطورِ، وقراءته فِيهَا بالمرسلات.
فَائِدَة: الطُّولَى وزن فعلَى تَأْنِيث أطول، والطولين تَثْنِيَة: الطُّولَى، وطولى الطوليين بِكَسْر الطَّاء يُرِيد أطول السورتين.
قَالَ الْخطابِيّ: وَبَعض الْمُحدثين يَقُول بطول الطوليين- بِكَسْر الطَّاء وَفتح الْوَاو- وَهُوَ خطأ فَاحش إِنَّمَا: الطول الْحَبل وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعه. وَكَذَا قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: أَصْحَاب الحَدِيث يَرْوُونَهُ بطول، وَهُوَ غلط؛ إِنَّمَا هُوَ بطولى عَلَى وزن فعلَى، وَهُوَ تَأْنِيث أطول، وَالْمعْنَى بأطول السورتين، قَالَ: وَقد رُوِيَ هَذَا من طَرِيق آخر عَن زيد مُفَسرًا: «رَأَيْته يقْرَأ بأطول الطوليين».
وَوَقع فِي كِفَايَة الْفَقِيه ابْن الرّفْعَة: طولى الطويلتين فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَهُوَ تَحْرِيف غَرِيب فاحذره.
وَكَيف يتَصَوَّر أَن يكون فِي السورتين الطويلتين سور طوال وَقَول ابْن مليكَة طولى الطوليين: الْأَعْرَاف والمائدة، هُوَ إِحْدَى الرِّوَايَات عَنهُ وَفِي الْبَيْهَقِيّ: أَنه قيل: لَهُ مَا طولى الطوليين؟ قَالَ: الْأَنْعَام والأعراف. وَرَأَيْت من ادَّعى أَنه لمشهور، وَفِي أَطْرَاف ابْن عَسَاكِر: قيل لعروة مَا طولى الطوليين؟ قَالَ: الْأَعْرَاف وَيُونُس.
فَإِن قلت: لَعَلَّه أَرَادَ الْبَقَرَة؛ لِأَنَّهَا أطول السَّبع الطوَال وَأجِيب عَنهُ: بِأَنَّهُ لَو أَرَادَ ذَلِك لقَالَ: بطولى الطول. فَلَمَّا لم يقلها دلّ عَلَى أَنه أَرَادَ الْأَعْرَاف، وَهِي من أطول السُّور، يعضده وُرُودهَا مُعينَة من طرق.

.الحديث الرَّابِع عشر:

عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الشَّفق: الْحمرَة؛ فَإِذا غَابَ الشَّفق وَجَبت الصَّلَاة».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه غير موصل الْإِسْنَاد إِلَى أَحْمد بن عَمْرو بن جَابر، فَقَالَ: قَرَأت فِي أصل كتاب أَحْمد بن عَمْرو بن جَابر، ثَنَا عَلّي بن عبد الصَّمد الطَّيَالِسِيّ، ثَنَا هَارُون بن سُفْيَان، ثَنَا عَتيق بن يَعْقُوب، نَا مَالك بن أنس، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور سَوَاء.
ثمَّ رَوَاهُ عَن مُحَمَّد بن مخلد، ثَنَا الحساني، ثَنَا وَكِيع، نَا الْعمريّ، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر قَالَ: «الشَّفق الْأَحْمَر: الْحمرَة».
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي كتاب الغرائب هَكَذَا عَلَى مَا نَقله صَاحب الإِمَام عَنهُ وَأَنه قَالَ: هَذَا حَدِيث غَرِيب، وَرُوَاته كلهم ثِقَات. قَالَ صَاحب الْأَمَام: وَقد رَوَيْنَاهُ من طَرِيق الْحَافِظ أبي الْقَاسِم بن عَسَاكِر مُتَّصِل الْإِسْنَاد، فَرَوَاهُ عَن زَاهِر بن طَاهِر، عَن الْبَيْهَقِيّ، أَنا الْحَاكِم، أَنا أَبُو بكر بن إِسْحَاق الْفَقِيه، أَنا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد، ثَنَا عَلّي بن عبد الصَّمد.... فَذكره، وَصحح الْبَيْهَقِيّ وَقفه فَقَالَ: الصَّحِيح أَنه مَوْقُوف.
قَالَ ابْن عَسَاكِر: رَوَاهُ مَوْقُوفا عَلَى ابْن عمر، عبيد الله بن عمر بن حَفْص الْعمريّ، وَعبد الله بن نَافِع مولَى ابْن عمر، جَمِيعًا، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، ثمَّ رَوَاهُ ابْن عَسَاكِر من حَدِيث عَلّي بن جندل، نَا الْحُسَيْن بن إِسْمَاعِيل، نَا أَبُو حذافة، ثَنَا مَالك بن أنس، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الشَّفق: الْحمرَة».
قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم: تفرد بِهِ عَلّي بن جندل الْوراق، عَن أبي عبد الله الْمحَامِلِي، عَن أبي حذافة أَحْمد بن إِسْمَاعِيل السَّهْمِي قَالَ: وَقد رَوَاهُ عَتيق بن يَعْقُوب، عَن مَالك وَزَاد فِيهِ زِيَادَة: وَكِلَاهُمَا غَرِيب، وَحَدِيث عَتيق أمثل إِسْنَادًا.
قلت: وَذكر الْحَافِظ الْخلال بِإِسْنَادِهِ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: الشَّفق: الْحمرَة وَسَأَلَ أَحْمد عَنهُ فضعفه. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وروينا عَن عمر وَعلي وأَبُو هُرَيْرَة أَنهم قَالُوا: «الشَّفق الْحمرَة» وَمَا أسلفناه عَن الْبَيْهَقِيّ من تَصْحِيح وَقفه عَلَى ابْن عمر سبقه شَيْخه الْحَاكِم إِلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِي مدخله والطَّبَقَة الرَّابِعَة: قوم من الْمَجْرُوحين: عَمدُوا إِلَى أَحَادِيث صَحِيحَة عَن الصَّحَابَة رفعوها إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَأبي حذافة أَحْمد بن إِسْمَاعِيل السَّهْمِي، رَوَى عَن مَالك، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر: أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الشَّفق: الْحمرَة» قَالَ: وَهُوَ فِي الْمُوَطَّأ عَن نَافِع، عَن ابْن عمر.
قَوْله: وَاعْلَم أَنه جَاءَت زِيَادَة فِي حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ السالف، لَوْلَا غرابتها لأغنت عَن جَمِيع هَذِه الرِّوَايَات مرفوعها وموقوفها، ولكانت نصًّا صَرِيحًا فِي أَن الشَّفق: الْحمرَة، رَوَاهَا ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه عَن عمار بن خَالِد الوَاسِطِيّ، عَن مُحَمَّد بن يزِيد- هُوَ الوَاسِطِيّ- عَن شُعْبَة، عَن قَتَادَة، عَن أبي أَيُّوب عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «وَقت الظّهْر إِلَى الْعَصْر، وَوقت الْعَصْر إِلَى اصفرار الشَّمْس، وَوقت صَلَاة الْمغرب إِلَى أَن تذْهب حمرَة الشَّفق، وَوقت الْعشَاء إِلَى نصف اللَّيْل، وَوقت صَلَاة الصُّبْح إِلَى طُلُوع الشَّمْس» قَالَ ابْن خُزَيْمَة: لَو صحت هَذِه اللَّفْظَة فِي هَذَا الْخَبَر، لَكَانَ فِي هَذَا الْخَبَر بَيَان أَن الشَّفق الْحمرَة، إِلَّا أَن هَذِه اللَّفْظَة تفرد بهَا مُحَمَّد بن يزِيد إِن كَانَت حفظت عَنهُ، وَإِنَّمَا قَالَ أَصْحَاب شُعْبَة فِيهِ: فَور الشَّفق مَكَان مَا قَالَ مُحَمَّد بن يزِيد: حمرَة الشَّفق.
قلت: وَلم يقف الْمُنْذِرِيّ وَلَا النَّوَوِيّ فِي كَلَامهمَا عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب عَلَى من أخرج هَذِه اللَّفْظَة فِي هَذَا الحَدِيث؛ فاستفدها أَنْت وَالله أعلم.

.الحديث الخَامِس عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَوْلَا أَن أشق عَلَى أمتِي لأمرتهم بِالسِّوَاكِ عِنْد كل صَلَاة، ولأخرت الْعشَاء إِلَى نصف اللَّيْل».
هَذَا الحَدِيث سلف الْكَلَام عَلَيْهِ وَاضحا فِي أثْنَاء بَاب الْوضُوء، مَعَ بَيَان مَا وَقع لِابْنِ الصّلاح، ثمَّ النَّوَوِيّ فِيهِ؛ فَرَاجعه مِنْهُ.

.الحديث السَّادِس عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «وَقت الْعشَاء مَا بَيْنك وَبَين نصف اللَّيْل».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بِأَلْفَاظ:
أَحدهَا: «وَوقت الْعشَاء إِلَى نصف اللَّيْل».
وثَانِيهَا: «وَوقت صَلَاة الْعشَاء إِلَى نصف اللَّيْل الْأَوْسَط».
ثالثهما: «فَإِذا صليتم الْعشَاء فَإِنَّهُ وَقت إِلَى نصف اللَّيْل».
وَهُوَ طرف من الحَدِيث السَّابِع وَمن الثَّانِي عشر.

.الحديث السَّابِع عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «صَلَاة اللَّيْل مثنى مثنى؛ فَإِذا خشِي أحدكُم الصُّبْح فليوتر بِوَاحِدَة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، اتّفق الشَّيْخَانِ عَلَى إِخْرَاجه من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ للَّذي سَأَلَهُ عَن صَلَاة اللَّيْل؟ صَلَاة اللَّيْل مثنى مثنى؛ فَإِذا خشيت...» وَفِي لفظ «فَإِذا خفت الصُّبْح فأوتر بِوَاحِدَة» وَفِي رِوَايَة لَهما: «فَإِذا خشِي أحدكُم الصُّبْح صَلَّى رَكْعَة وَاحِدَة توتر لَهُ مَا قد صَلَّى» وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «فَإِذا أردْت أَن تَنْصَرِف فاركع رَكْعَة توتر لَك مَا صليت» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ عَلَى الْمِنْبَر يخْطب...» وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «صَلَاة اللَّيْل والنَّهَار مثنى مثنى» وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَى هَذِه الرِّوَايَة وَاضحا فِي بَاب صَلَاة التَّطَوُّع- إِن شَاءَ الله ذَلِك وَقدره.

.الحديث الثَّامِن عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَيْسَ فِي النّوم تَفْرِيط، إِنَّمَا التَّفْرِيط فِي الْيَقَظَة أَن تُؤخر صَلَاة حَتَّى يدْخل وَقت أُخْرَى».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِهَذَا اللَّفْظ من رِوَايَة أبي قَتَادَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بِإِسْنَاد صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم، وَفِي رِوَايَة لَهُ: «لَا تَفْرِيط فِي النّوم، إِنَّمَا التَّفْرِيط فِي الْيَقَظَة؛ فَإِذا سهى أحدكُم عَن صَلَاة فليصلها حِين ذكرهَا وَمن الْغَد للْوَقْت».
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا بِلَفْظ: «لَيْسَ فِي النّوم تَفْرِيط، إِنَّمَا التَّفْرِيط فِي الْيَقَظَة، فَإِذا نسي أحدكُم صَلَاة أَو نَام عَنْهَا، فليصلها إِذا ذكرهَا» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
وَرَوَاهُ أَحْمد أَيْضا فِي مُسْنده بِلَفْظ: «لَا تَفْرِيط فِي النّوم، إِنَّمَا التَّفْرِيط فِي الْيَقَظَة؛ فَإِذا كَانَ ذَلِك فصلوها، وَمن الْغَد وَقتهَا».
وَرَوَاهُ مُسلم أَيْضا فِي صَحِيحه مُنْفَردا بِهِ عَن البُخَارِيّ بِلَفْظ: «أما إِنَّه لَيْسَ فِي النّوم تَفْرِيط، وَإِنَّمَا التَّفْرِيط عَلَى من لم يصل الصَّلَاة حَتَّى يَجِيء وَقت الْأُخْرَى؛ فَمن فعل ذَلِك فليصلها حِين ينتبه لَهَا، فَإِذا كَانَ الْغَد فليصلها عِنْد وَقتهَا».
وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه بِلَفْظ «لَيْسَ فِي النّوم تَفْرِيط، إِنَّمَا التَّفْرِيط فِي الْيَقَظَة؛ فَإِذا نسي أحدكُم صَلَاة أَو نَام عَنْهَا، فليصلها إِذا ذكرهَا ولوقتها من الْغَد».
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِلَفْظ: «لَيْسَ فِي النّوم تَفْرِيط، وَإِنَّمَا التَّفْرِيط عَلَى من لم يصل الصَّلَاة حَتَّى يَجِيء وَقت الْأُخْرَى؛ فَإِذا كَانَ ذَلِك فليصلها حِين يَسْتَيْقِظ، فَإِذا كَانَ من الْغَد فليصلها عِنْد وَقتهَا».
فَائِدَة: الْيَقَظَة بِفَتْح الْقَاف.
فَائِدَة ثَانِيَة: قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «فَإِذا كَانَ الْغَد فليصلها عِنْد وَقتهَا» ظَاهره يشْعر بِإِعَادَة قَضَائهَا فِي الْوَقْت من يَوْم فَوَاتهَا وَاسْتَشْكَلَهُ النَّاس؛ فَمن قَائِل أَنه وهم من عبد الله بن رَبَاح رَاوِيه عَن أبي قَتَادَة، أَو من أحد الروَاة فِي إِسْنَاد حَدِيثه، وَعَن البُخَارِيّ أَنه قَالَ: لَا يُتَابع فِي هَذَا القَوْل، وَمن مُجيب عَنهُ بِأَن المُرَاد- وَالله أعلم- أَن وَقتهَا لم يتَحَوَّل إِلَى مَا بعد طُلُوع الشَّمْس بنومهم عَنْهَا، وقضائهم لَهَا بعد الطُّلُوع فَإِذا كَانَ الْغَد فليصلها عِنْد وَقتهَا- يَعْنِي: صَلَاة الْغَدَاة- وَهَذَا جَوَاب الْبَيْهَقِيّ فِي كِتَابه الْمعرفَة وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث الْحسن، عَن عمرَان «أَنهم لما صلوا الْفجْر قَالُوا: يَا رَسُول الله فرطنا أَفلا نعيدها لوَقْتهَا من الْغَد؟ قَالَ: إِن الله يَنْهَاكُم عَن الرِّبَا ويقبله مِنْكُم؟! إِنَّمَا التَّفْرِيط فِي الْيَقَظَة».
قَالَ صَاحب الإِمَام: وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي مُسْنده والطَّحَاوِي وَالطَّبَرَانِيّ قَالَ وَرِجَال إِسْنَاده ثِقَات، وَلَا عِلّة فِيهِ إِلَّا الْكَلَام فِي سَماع الْحسن من عمرَان.
قلت: وَسَيَأْتِي وَاضحا فِي النّذر- إِن شَاءَ الله.