فصل: الحَدِيث الثَّامِن بعد الثَّلَاثِينَ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث التَّاسِع بعد الْعشْرين:

رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «صلوا خلف من قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله، وَعَلَى من قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه من رِوَايَة ابْن عمر من طرق ثَلَاثَة عَنهُ وَقَالَ: لَيْسَ فِيهَا شَيْء يثبت.
أَولهَا: من طَرِيق عُثْمَان بن عبد الرَّحْمَن، عَن عَطاء بن أبي رَبَاح، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا: «صلوا عَلَى من قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله. وصلوا خلف من قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله» وَعُثْمَان هَذَا تَرَكُوهُ، نسبه يَحْيَى إِلَى الْكَذِب مرّة.
ثَانِيهَا: من طَرِيق الْعَلَاء بن سَالم، عَن أبي الْوَلِيد المَخْزُومِي- واسْمه خَالِد بن إِسْمَاعِيل عَن عبيد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا بِهِ إِلَّا أَنه قَالَ: «وَرَاء» بدل «خلف».
وَأَبُو الْوَلِيد هَذَا وَضاع كَمَا قَالَه ابْن عدي. وَأغْرب أَيْضا فَذكره من هَذَا الْوَجْه فِي «الْأَحَادِيث المختارة» وَيبعد فِي حَقه حقًّا اسْم أبي الْوَلِيد وحاله، وَفِي هَذَا الْكتاب أَحَادِيث كَثِيرَة من هَذَا النمط.
وَرَوَاهُ ابْن عدي من حَدِيث مُحَمَّد بن الْمُغيرَة الشهروزي، عَن خَالِد. وَمُحَمّد هَذَا مثل خَالِد، قَالَ ابْن عدي: هُوَ مِمَّن يسرق الحَدِيث قَالَ: وَهُوَ عِنْدِي وَضاع وَذكر لَهُ أَحَادِيث مِمَّا يُنكر عَلَيْهِ. ثمَّ قَالَ: وَرَأَيْت لَهُ مَا يتهم فِيهِ غير مَا ذكرت.
ثَالِثهَا: من طَرِيق مُحَمَّد بن الْفضل، عَن سَالم الْأَفْطَس، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا بِهِ وَمُحَمّد هَذَا خراساني مروزي وَهُوَ مَتْرُوك بالِاتِّفَاقِ، وَنسبه يَحْيَى وَغَيره إِلَى الْكَذِب.
وَلِهَذَا الحَدِيث طَرِيق رَابِع من حَدِيث وهب بن وهب، عَن عبيد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا بِهِ.
ووهب هَذَا هُوَ أَبُو البخْترِي القَاضِي كَذَّاب وَضاع كَمَا أسلفته فِي حَدِيث المشمس من كتاب الطَّهَارَة.
وَله طَرِيق خَامِس من حَدِيث عُثْمَان بن عبد الله العثماني، نَا مَالك، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا: «صلوا خلف من قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله، وَعَلَى من مَاتَ من أهل لَا إِلَه إِلَّا الله».
وَعُثْمَان هَذَا مُتَّهم واه، رَمَاه بِالْوَضْعِ ابْن حبَان وَابْن عدي. فَالْحَاصِل أَن هَذَا الحَدِيث من جَمِيع طرقه لَا يثبت.

.الحديث الثَّلَاثُونَ:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «وليؤمكم أكبركم».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من رِوَايَة مَالك بن الْحُوَيْرِث رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَقد سلف بِطُولِهِ فِي بَاب الْأَذَان.

.الحديث الحَادِي بعد الثَّلَاثِينَ:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «قدمُوا قُريْشًا».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن ابْن أبي فديك، عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن ابْن شهَاب، أَنه بلغه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «قدمُوا قُريْشًا وَلَا تقدموها وتعلموا مِنْهَا وَلَا تعالموها- أَو تعلموها شكّ ابْن أبي فديك».
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، أَنا عبد الرَّزَّاق، أَنا معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن ابْن أبي حثْمَة أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا تُعلموا قُريْشًا وتعلموا مِنْهَا، وَلَا تقدمُوا قُريْشًا وَلَا تَأَخَّرُوا عَنْهَا؛ فَإِن للقرشي مثل قُوَّة الرجلَيْن من غَيرهم- يَعْنِي فِي الرَّأْي».
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا مُرْسل، قَالَ: ويرْوَى مَوْصُولا وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ.
قَالَ ابْن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى الْوَسِيط: وَهَذَا الحَدِيث وَإِن كَانَ مُرْسلا جيدا لَا يبلغ دَرَجَة الصَّحِيح.
قلت: وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث أبي معشر، عَن سعيد المَقْبُري، عَن السَّائِب أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «قدمُوا قُريْشًا وَلَا تقدموها، وتعلموا من قُرَيْش وَلَا تعلموها» وَأَبُو معشر نجيح هَذَا هُوَ السندي مُنكر الحَدِيث كَمَا قَالَه البُخَارِيّ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ مثله من رِوَايَة عَلّي بن أبي طَالب مَرْفُوعا، وَفِي إِسْنَاده عَلّي بن الْفضل وَقد تَرَكُوهُ.
وَمن رِوَايَة جُبَير بن مطعم مَرْفُوعا، وَفِي إِسْنَاده إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن ثَابت وَهُوَ ذُو مَنَاكِير، وَاحْتج الْبَيْهَقِيّ وَغَيره فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَهِي تَقْدِيم النّسيب بِالْحَدِيثِ الثَّابِت فِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله قَالَ: «النَّاس تبع لقريش فِي هَذَا الشَّأْن، مسلمهم تبع لمسلمهم، وكافرهم تبع لكافرهم» وَهَذَا الحَدِيث وَإِن كَانَ واردًا فِي الْخلَافَة فيستنبط مِنْهُ إِمَامَة الصَّلَاة.
تَنْبِيه: قَالَ الرَّافِعِيّ: حَكَى الْأَصْحَاب عَن بعض مُتَقَدِّمي الْعلمَاء أَنهم قَالُوا عِنْد التَّسَاوِي فِي جَمِيع الْخِصَال مَعَ نظافة الثَّوْب وَحسن الصَّوْت أَنه يقدم أحْسنهم وَاخْتلفُوا فِي مَعْنَاهُ، فَمنهمْ من قَالَ: أحْسنهم وَجها. وَمِنْهُم من قَالَ: أحْسنهم ذكرا بَين النَّاس. هَذَا كَلَامه، وَيُؤَيّد الأول أَنه ورد مُصَرحًا بِهِ فِي سنَن الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي زيد عَمْرو بن أَخطب أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «يؤمهم أقرؤهم، فَإِن اسْتَووا فِي الْقِرَاءَة فأكبرهم سنًّا، فَإِن اسْتَووا فأحسنهم وَجها» وَأَشَارَ الْبَيْهَقِيّ إِلَى تَضْعِيفه، فَإِنَّهُ قَالَ: من قَالَ «يؤمهم أحْسنهم وَجها» إِن صَحَّ الْخَبَر.
وَأما ابْن الْجَوْزِيّ فَذكره فِي مَوْضُوعَاته وَقَالَ: إِنَّه حَدِيث مَوْضُوع. وَنقل عَن أَحْمد بن حَنْبَل أَنه قَالَ: هَذَا حَدِيث سوء لَيْسَ بِصَحِيح.
وَذكر الْمَاوَرْدِيّ بعد أَن حَكَاهُ وَجها للأصحاب من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة رفعته: «يؤمكم أحسنكم وَجها؛ فَإِنَّهُ أَحْرَى أَن يكون أحسنكم خلقا» وَهَذِه طَريقَة جَيِّدَة.
وَقَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب: هَذَانِ التفسيران لِأَصْحَابِنَا- يَعْنِي فِي قَوْله: «أحْسنهم وَجها» وَصحح الثَّانِي.
وَحَكَى الشَّيْخ أَبُو حَامِد وَجها أَنه يقدم الْأَحْسَن وَجها عَلَى الأورع وَالْأَكْثَر طَاعَة، وَهُوَ غلط.
وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب: يُنكر عَلَى الْأَصْحَاب حَيْثُ نقلوا هَذَا عَن بعض الْعلمَاء مَعَ أَنه ورد فِي حَدِيث مَرْفُوع فِي الْبَيْهَقِيّ فَذكره وَأَشَارَ إِلَى ضعفه.
قلت: لَعَلَّهُم أَعرضُوا عَنهُ لضَعْفه الشَّديد، ثمَّ إِن الْمَاوَرْدِيّ قد ذكره وَهُوَ من جلتهم.

.الحديث الثَّانِي بعد الثَّلَاثِينَ:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا يؤم الرجل الرجل فِي سُلْطَانه».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا سلف قَرِيبا فِي الحَدِيث السَّابِع بعد الْعشْرين مِنْهُ.

.الحديث الثَّالِث بعد الثَّلَاثِينَ:

عَن ابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «من السّنة أَن لَا يؤمهم إِلَّا صَاحب الْبَيْت».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي عَلَى مَا نَقله الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة عَنهُ عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، أَنا معن بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن مَسْعُود، عَن الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن، عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: «من السّنة أَن لَا يؤمهم إِلَّا صَاحب الْبَيْت». وَإِبْرَاهِيم هَذَا قد عرفت حَاله فِي الطَّهَارَة فِي الْكَلَام عَلَى المشمس، والْحَدِيث الَّذِي قبله مُغن عَنهُ. وَهَذَا الحَدِيث إِنَّمَا ذكرته هُنَا وَلم أذكرهُ فِي الْآثَار؛ لِأَن الصَّحَابِيّ إِذا قَالَ من السّنة كَذَا كَانَ مَرْفُوعا عَلَى الصَّحِيح.

.الحديث الرَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ:

«أَن عبد الله بن عَبَّاس- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما- وقف عَن يسَار رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فأداره عَن يَمِينه».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته كَمَا سلف فِي بَاب شُرُوط الصَّلَاة فِي الحَدِيث الرَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ مِنْهُ.

.الحديث الخَامِس بعد الثَّلَاثِينَ:

عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «صليت مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقُمْت عَن يَمِينه ثمَّ جَاءَ آخر فَقَامَ عَن يسَاره فدفعنا جَمِيعًا حَتَّى أقامنا من خَلفه».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم بِلَفْظ عَن جَابر قَالَ: «قَامَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقُمْت عَن يسَاره فَأخذ بِيَدِهِ حَتَّى أدارني عَن يَمِينه، ثمَّ جَاءَ جَبَّار بن صَخْر فَقَامَ عَن يسَار النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخذ بِأَيْدِينَا جَمِيعًا فدفعنا حَتَّى أقامنا خَلفه» وَهُوَ بعض من حَدِيث صَحِيح فِي آخِر مُسلم، وَرَوَاهُ الإِمَام أَحْمد بِلَفْظ عَن جَابر قَالَ: «قَامَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي الْمغرب فَجئْت فَقُمْت عَن يسَاره، فنهاني فجعلني عَن يَمِينه، ثمَّ جَاءَ صَاحب لي فصفنا خَلفه، فَصَلى بِنَا فِي ثوب وَاحِد مُخَالفا بَين طَرفَيْهِ».

.الحديث السَّادِس بعد الثَّلَاثِينَ:

عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «صليت أَنا ويتيم خلف رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بيتنا وَأم سليم خلفنا».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، وَاللَّفْظ الْمَذْكُور للْبُخَارِيّ.
وَاسم هَذَا الْيَتِيم: ضميرَة بن سعد الْحِمْيَرِي الَّذِي لَهُ ولابنه صُحْبَة. وَأم سليم هِيَ أم أنس.
تَنْبِيه: هَذَا الحَدِيث ذكره الرَّافِعِيّ دَلِيلا عَلَى أَنه إِذا حضرت امْرَأَة مَعَ رجلَيْنِ أَو مَعَ رجل وَصبي قاما صفًّا وَاحِدًا وَقَامَت الْمَرْأَة خلفهمَا، وَإِنَّمَا يتم ذَلِك فِي الْحَالة الثَّانِيَة إِذا ثَبت بُلُوغ أنس إِذْ ذَاك، وتقاس الأولَى عَلَيْهَا.

.الحديث السَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ:

رُوِيَ «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لرحل صَلَّى خلف الصَّفّ: أَيهَا الْمُصَلِّي، هلا دخلت فِي الصَّفّ أَو جررت رجلا من الصَّفّ، أعد صَلَاتك».
هَذَا الحَدِيث ضَعِيف رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث السّري بن إِسْمَاعِيل، عَن الشّعبِيّ، عَن وابصة قَالَ: «رَأَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا صَلَّى خلف الصُّفُوف وَحده فَقَالَ: أَيهَا الْمُصَلِّي أَلا دخلت فِي الصَّفّ أَو جررت إِلَيْك رجلا فَقَامَ مَعَك، أعد الصَّلَاة».
ثمَّ قَالَ: إِسْنَاد ضَعِيف تفرد بِهِ السّري بن إِسْمَاعِيل وَهُوَ ضَعِيف.
قلت: بل مَتْرُوك كَمَا قَالَه النَّسَائِيّ وَغَيره.
وَقَالَ يَحْيَى الْقطَّان: استبان لي كذبه فِي مجْلِس وَاحِد.
وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث من طَرِيق عمر بن عَلّي، عَن أَشْعَث بن سوار، عَن بكير بن الْأَخْنَس، عَن حَنش بن الْمُعْتَمِر، عَن وابصة مَرْفُوعا فَقَالَ: رَوَاهُ بعض الْكُوفِيّين، عَن أَشْعَث، عَن بكير، عَن وابصة مَرْفُوعا. قَالَ: وَأما عمر فمحله الصدْق وَلَوْلَا تدليسه لحكمنا إِذْ جَاءَ بِالزِّيَادَةِ غير أَنا نَخَاف أَن يكون أَخذ من غير ثِقَة. قَالَ: وَسَأَلته عَن حَنش هَل أدْرك وابصة؟ فَقَالَ: لَا، أبعد.
قلت: وحنش لين لَا يحْتَج بِهِ، وَأَشْعَث ضعفه جمَاعَة وَرَوَى لَهُ م مُتَابعَة. قلت: وَلِحَدِيث هَذَا طَرِيق آخر رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده، وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنهمْ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيثه «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ رَأَى رجلا يصلى خلف الصَّفّ وَحده فَأمره أَن يُعِيد الصَّلَاة» وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام سُئِلَ عَن رجل خلف الصُّفُوف وَحده فَقَالَ: يُعِيد الصَّلَاة» وَهَذَا الطَّرِيق حسنه التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ ابْن حبَان وَقَالَ: رُوِيَ من طَرِيقين محفوظين، وَلم ينْفَرد بِهِ هِلَال بن يسَاف.
وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: ثبته أَحْمد وَإِسْحَاق. وَخَالف ابْن عبد الْبر فَقَالَ: إِسْنَاد حَدِيث وابصة مُضْطَرب وَلَا يُثبتهُ جمَاعَة.
وَقَالَ الْحَاكِم: إِنَّمَا لم يخرج الشَّيْخَانِ لوابصة فِي كِتَابَيْهِمَا شَيْئا؛ لفساد الطَّرِيق إِلَيْهِ.
قلت: وَرَوَى مثل حَدِيث وابصة هَذَا عَلّي بن شَيبَان، رَوَاهُ أَحْمد وابْن أبي شيبَة وَابْن مَاجَه من حَدِيثه «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام رَأَى رجلا يُصَلِّي خلف الصَّفّ فَوقف حَتَّى انْصَرف الرجل فَقَالَ لَهُ: اسْتقْبل صَلَاتك فَلَا صَلَاة لفرد خلف الصَّفّ».
فَقَالَ الْأَثْرَم: قَالَ أَحْمد: إِنَّه حَدِيث حسن.

.الحَدِيث الثَّامِن بعد الثَّلَاثِينَ:

حَدِيث أبي بكرَة: «أَنه لما ركع خَارج الصَّفّ ثمَّ دخل الصَّفّ فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام لما ذكر لَهُ ذَلِك: زادك الله حرصًا وَلَا تعد».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ كَمَا سلف فِي شُرُوط الصَّلَاة وَهُوَ الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ مِنْهُ.

.الحَدِيث التَّاسِع بعد الثَّلَاثِينَ:

حَدِيث ابْن عمر- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما- فِي صلَاته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ صَلَاة الْخَوْف بِذَات الرّقاع.
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، وَسَيَأْتِي فِي بَابه بِطُولِهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى ذَلِك وَقدره.
وَاعْلَم أَن الرَّافِعِيّ- رَحِمَهُ اللَّهُ- ذكر هَذَا الحَدِيث فِي كَلَامه عَلَى أَنه إِذا كَانَ الإِمَام وَالْمَأْمُوم فِي فضاء فَإِنَّهُ يشْتَرط أَلا يزِيد مَا بَينهمَا عَلَى ثَلَاثمِائَة ذِرَاع. قَالَ: ومم أَخذ هَذَا التَّقْدِير فَعَن ابْن سُرَيج وَأَبَى إِسْحَاق أَنه أَخذ من صلَاته عَلَيْهِ السَّلَام بِذَات الرّقاع، فَإِنَّهُ تنحى بطَائفَة بِحَيْثُ لَا تصيبهم سِهَام الْعَدو وَصَلى بهم رَكْعَة وانصرفت الطَّائِفَة إِلَى وَجه الْعَدو وهم فِي الصَّلَاة وسهام الْعَدو لَا تبلغ أَكثر من الْقدر الْمَذْكُور. انْتَهَى كَلَامه. وَفِي هَذَا الاستنباط نظر من أوجه:
أَحدهَا: أَنه لَا يتم مَا ذكر حَتَّى يثبت أَن الْمسَافَة الْمَذْكُورَة فِي الحَدِيث مَا زَادَت عَلَى الْقدر الْمَذْكُور.
ثَانِيهَا: أَن هَذَا حَال ضَرُورَة فَلَا يُقَاس عَلَيْهَا حَال الِاخْتِيَار.
ثَالِثهَا: أَن سِهَام الْعَدو قد بلغت أَكثر من هَذَا فقد قَالَ الرَّافِعِيّ نَفسه فِي بَاب الْمُسَابقَة: أَنهم قدرُوا الْمسَافَة الَّتِي تتعذر الْإِصَابَة بهَا بِمَا هُوَ أَكثر من ثَلَاثمِائَة وَخمسين ذِرَاعا. قَالَ: وَرووا أَنه لم يرم إِلَى أَرْبَعمِائَة ذِرَاع سُوَى عقبَة بن عَامر.

.الحَدِيث الْأَرْبَعُونَ:

عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ معَاذ يُصَلِّي مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعشَاء، ثمَّ ينْطَلق إِلَى قومه فيصليها بهم، هِيَ لَهُ تطوع وَلَهُم مَكْتُوبَة الْعشَاء».
هَذَا الحَدِيث أَصله مُتَّفق عَلَيْهِ أودعهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَن جَابر «أَن معَاذًا كَانَ يُصَلِّي مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عشَاء الْآخِرَة ثمَّ يرجع إِلَى قومه فَيصَلي بهم تِلْكَ الصَّلَاة» هَذَا لفظ مُسلم، وَلَفظ البُخَارِيّ: «فَيصَلي بهم الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة» ذكره فِي كتاب الْأَدَب من صَحِيحه فِي نُسْخَة مِنْهُ- أَعنِي بِلَفْظ «الْمَكْتُوبَة».
وَرَوَاهُ- كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ- الشَّافِعِي فِي الْأُم وحرملة، عَن عبد الْمجِيد، عَن ابْن جريج، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن جَابر قَالَ: «كَانَ معَاذ يُصَلِّي مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعشَاء، ثمَّ ينْطَلق إِلَى قومه فيصليها لَهُم، فَهِيَ لَهُ تطوع وَلَهُم مَكْتُوبَة الْعشَاء».
قَالَ الشَّافِعِي- فِي رِوَايَة حَرْمَلَة-: هَذَا حَدِيث ثَابت لَا أعلم حَدِيثا يرْوَى من طَرِيق وَاحِد أثبت من هَذَا وَلَا أوثق- يَعْنِي رجَالًا.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ بِهَذِهِ الزِّيَادَة- يَعْنِي: «هِيَ لَهُ تطوع...» إِلَى آخِره- أَبُو عَاصِم النَّبِيل وَعبد الرَّزَّاق، عَن ابْن جريج- يَعْنِي كَرِوَايَة شيخ الشَّافِعِي عَن ابْن جريج- وَزِيَادَة الثِّقَة مَقْبُولَة فِي مثل هَذَا.
وَسَاقه فِي سنَنه من هذَيْن الْوَجْهَيْنِ من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالَ: فِي رِوَايَة عَاصِم: «هِيَ لَهُ تطوع وَلَهُم فَرِيضَة» وَقَالَ عبد الرَّزَّاق: «هِيَ لَهُ نَافِلَة وَلَهُم فَرِيضَة» قَالَ فِي الْمعرفَة: وَقد رويت هَذِه الزِّيَادَة من أوجه أخر عَن جَابر. ثمَّ سَاقه من طَرِيق الشَّافِعِي عَن شَيْخه إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، عَن ابْن عجلَان، عَن عبيد الله بن مقسم، عَن جَابر «أَن معَاذًا كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعشَاء، ثمَّ يرجع إِلَى قومه فَيصَلي بهم الْعشَاء، وَهِي لَهُ نَافِلَة» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَالْأَصْل أَن مَا كَانَ مَوْصُولا بِالْحَدِيثِ يكون مِنْهُ، وخاصة إِذا رُوِيَ من وَجْهَيْن إِلَّا أَن تقوم دلَالَة عَلَى التَّمْيِيز. قَالَ: وَالظَّاهِر أَن قَوْله: «هِيَ لَهُ تطوع وَلَهُم مَكْتُوبَة» من قَول جَابر، وَكَانَ أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أعلم بِاللَّه وأخشى لَهُ من أَن يَقُولُوا مثل هَذَا إِلَّا بِعلم، وَحين حَكَى الرجل فعل معَاذ لرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يُنكر عَلَيْهِ إِلَّا التَّطْوِيل.
وَقَالَ ابْن شاهين فِي ناسخه ومنسوخه: لَا خلاف بَين أهل النَّقْل للْحَدِيث أَنه حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. قَالَ: وَسمعت أَحْمد بن سلمَان الْفَقِيه يَقُول: سَمِعت إِبْرَاهِيم بن إِسْحَاق وَسَأَلَهُ رجل من أهل خُرَاسَان: إِذا صَلَّى الإِمَام تَطَوّعا وَمن خَلفه فَرِيضَة. قَالَ: لَا يجزئهم. قلت: فَأَيْنَ حَدِيث معَاذ بن جبل؟ قَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ: حَدِيث معَاذ بن جبل قد أعيى الْقُرُون الأول.
تَنْبِيه: الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه احْتج بِهَذَا الحَدِيث عَلَى صِحَة صَلَاة المفترض خلف المتنفل، وللمخالف عَلَيْهِ اعتراضات غير لائحة، وَقد ذكرت جملَة مِنْهَا مَعَ بَيَان وهنها فِي تَخْرِيج أَحَادِيث الْمُهَذّب، فَرَاجعهَا مِنْهُ.

.الحَدِيث الْحَادِي بعد الْأَرْبَعين:

عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «أتيت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يُصَلِّي فوقفت خَلفه، ثمَّ جَاءَ آخر حَتَّى صرنا رهطًا كَبِيرا فَلَمَّا أحس النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِنَا أوجز فِي صلَاته ثمَّ قَالَ: إِنَّمَا فعلت هَذَا لكم».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم فِي كتاب الصَّوْم من صَحِيحه وَهَذَا لَفظه عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي فِي رَمَضَان فَجئْت فَقُمْت إِلَى جنبه وَجَاء رجل فَقَامَ أَيْضا حَتَّى كُنَّا رهطًا، فَلَمَّا أحس النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل يتجوز فِي الصَّلَاة، ثمَّ دخل وَحده فَصَلى صَلَاة لَا يُصليهَا عندنَا- قَالَ: فَقُلْنَا لَهُ حِين أَصْبَحْنَا: أفطنت لنا اللَّيْلَة؟ قَالَ: نعم، ذَاك الَّذِي حَملَنِي عَلَى الَّذِي صنعت...» ثمَّ ذكر قصَّة الْوِصَال.
وَاعْلَم بِأَن الرَّافِعِيّ اسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث عَلَى أَن الإِمَام لَا يشْتَرط فِي حَقه نِيَّة الْإِمَامَة، ورد بِهِ عَلَى الإِمَام أَحْمد حَيْثُ قَالَ باشتراطها، وَلَك أَن تَقول يحْتَمل أَن يكون عَلَيْهِ السَّلَام نَوى الْإِمَامَة لما اقتدوا بِهِ؛ فَإِنَّهَا قَضِيَّة عين وَهِي مُحْتَملَة، وَلَيْسَ فِي اللَّفْظ مَا يَقْتَضِي أَنه لم ينْو، وَاسْتدلَّ الْمَاوَرْدِيّ لذَلِك بِقصَّة ابْن عَبَّاس السالفة لما بَات عِنْد خَالَته مَيْمُونَة، قَالَ: فصحح رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صلَاته وَلم ينْو إِمَامَته، وَفِيه النّظر الْمَذْكُور أَيْضا. وَاسْتدلَّ لَهُ الْمُتَوَلِي فِي «تتمته» بِقصَّة عبد الرَّحْمَن بن عَوْف بغزوة تَبُوك حَيْثُ صَلَّى بِالنَّاسِ رَكْعَة من الصُّبْح وأدركه عَلَيْهِ السَّلَام فِي الثَّانِيَة فَصلاهَا خَلفه، ثمَّ قَضَى مَا فَاتَهُ ثمَّ لما فرغ من الصَّلَاة قَالَ لَهُم رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «أَحْسَنْتُم». كَذَا أوردهُ ثمَّ قَالَ: وَمَعْلُوم أَن عبد الرَّحْمَن مَا كَانَ نَوى الْإِمَامَة برَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خَلفه.
وَفِيمَا ذكره نظر أَيْضا.

.الحَدِيث الثَّانِي بعد الْأَرْبَعين:

أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِنَّمَا جعل الإِمَام ليؤتم بِهِ فَلَا تختلفوا عَلَيْهِ».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور وَزِيَادَة: «فَإِذا كبر فكبروا، وَإِذا ركع فاركعوا، وَإِذا قَالَ: سمع الله لمن حَمده فَقولُوا: اللَّهُمَّ رَبنَا لَك الْحَمد، وَإِذا سجد فاسجدوا، وَإِذا صَلَّى جَالِسا فصلوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ».
واتفقا عَلَيْهِ أَيْضا من حَدِيث أنس، واتفقا عَلَى بعضه من حَدِيث عَائِشَة، وَفِي آخِره: «وَإِذا صَلَّى جَالِسا فصلوا جُلُوسًا». وَانْفَرَدَ مُسلم بِهَذَا الْأَخير من رِوَايَة جَابر.
وَفِي سنَن أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِنَّمَا جعل الإِمَام ليؤتم بِهِ، فَإِذا كبر فكبروا، وَإِذا قَرَأَ فأنصتوا».
قيل لمُسلم بن الْحجَّاج فِي صَحِيحه فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: هَذَا صَحِيح هُوَ؟ قَالَ: نعم. قيل: لِمَ لَمْ تضعه هُنَا؟ فَقَالَ: لَيْسَ كل شَيْء صَحِيح وَضعته هُنَا إِنَّمَا وضعت هُنَا مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ.
قلت: وَصَححهُ أَيْضا: أَحْمد وَابْن حزم، وَقَالَ جُمْهُور الْحفاظ: قَوْله: «وَإِذا قَرَأَ فأنصتوا» لَيست صَحِيحَة عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَأَطْنَبَ الْبَيْهَقِيّ فِي بَيَان بُطْلَانهَا وَذكر عللها، وَنقل بُطْلَانهَا عَن يَحْيَى بن معِين وَأبي حَاتِم وَأبي دَاوُد وأبي عَلّي النَّيْسَابُورِي.
تَنْبِيه: اعْلَم أَن الرَّافِعِيّ- رَحِمَهُ اللَّهُ- كرر هَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْبَاب وَذكر فِي بعض أَلْفَاظه: «لَا تختلفوا عَلَى إمامكم»، وَلَا يحضرني من خرجه بِهَذَا اللَّفْظ وَمَا سبق هُوَ بِمَعْنَاهُ، وَمن جملَة مَا اسْتدلَّ بِهِ عَلَى أَن الْمَأْمُوم إِذا فَارق إِمَامه أَن صلَاته تبطل، وَقد يُقَال: تَمام الحَدِيث يدل عَلَى أَنه أَرَادَ مَا دَامَ مقتديًا بِهِ، فَإِنَّهُ قَالَ: «فَإِذا كبر فكبروا» وَتبع فِي الِاسْتِدْلَال بِهِ صَاحب الْبَيَان فَإِنَّهُ قَالَ عقبه: فَمن خَالفه فقد دخل تَحت النَّهْي، وَالنَّهْي يَقْتَضِي فَسَاد الْمنْهِي عَنهُ.

.الحَدِيث الثَّالِث بعد الْأَرْبَعين:

أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا تبَادرُوا الإِمَام، إِذا كبر فكبروا وَإِذا ركع فاركعوا، وَإِذا قَالَ: سمع الله لمن حَمده فَقولُوا: رَبنَا وَلَك الْحَمد، وَإِذا سجد فاسجدوا».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يعلمنَا، يَقُول: «لَا تبَادرُوا الإِمَام، إِذا كبر فكبروا، وَإِذا قَالَ: {وَلَا الضَّالّين} فَقولُوا: آمين. وَإِذا ركع فاركعوا، وَإِذا قَالَ: سمع الله لمن حَمده فَقولُوا: اللَّهُمَّ رَبنَا لَك الْحَمد» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «وَلَا تَرفعُوا قبله» وَفِي أُخْرَى لَهُ: «إِنَّمَا الإِمَام جنَّة، فَإِذا صَلَّى قَاعِدا فصلوا قعُودا، وَإِذا قَالَ: سمع الله لمن حَمده فَقولُوا: اللَّهُمَّ رَبنَا لَك الْحَمد، فَإِذا وَافق قَول أهل الأَرْض قَول أهل السَّمَاء غفر الله لَهُ مَا تقدم من ذَنبه».
وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «إِنَّمَا جعل الإِمَام ليؤتم بِهِ؛ فَإِذا كبر فكبروا، وَلَا تكبروا حَتَّى يكبر، وَإِذا ركع فاركعوا، وَلَا تركعوا حَتَّى يرْكَع، وَإِذا سجد فاسجدوا، وَلَا تسجدوا حَتَّى يسْجد».
وَفِي إِسْنَاده: مُصعب بن مُحَمَّد الْعَبدَرِي وَثَّقَهُ ابْن معِين. وَقَالَ أَحْمد: لَا أعلم إِلَّا خيرا. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: يكْتب حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ ابْن شاهين فِي ناسخه ومنسوخه: وَجَاء حرف غَرِيب فِي هَذَا الحَدِيث وَهُوَ: «إِذا قَالَ: سمع الله لمن حَمده فَقولُوا: سمع الله لمن حَمده» مثل قَول الإِمَام سَوَاء، قَالَ: وَالْمَشْهُور حذف هَذِه الزِّيَادَة كَمَا تقدم فِي الصَّحِيح.
تَنْبِيه: اسْتدلَّ الرَّافِعِيّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإيانا- بِهَذَا الحَدِيث عَلَى أَنه يجب عَلَى الْمَأْمُوم مُتَابعَة إِمَامه، وَالدّلَالَة مِنْهُ ظَاهِرَة، ثمَّ اسْتدلَّ بقوله: «فَإِذا كبر فكبروا» عَلَى أَنه إِذا قارنه فِي التَّكْبِير أَن صلَاته لَا تَنْعَقِد، وَلقَائِل أَن يَقُول فِي تَمام الحَدِيث وَإِذا ركع فاركعوا وَلَو ركع مَعَه لم تفْسد فَيَنْبَغِي أَن لَا تفْسد إِذا كبر مَعَه؛ لِأَن الصِّيغَة وَاحِدَة فِي الْجَمِيع، نعم الْفَارِق بَينهمَا مَا أبداه الرَّافِعِيّ من كَون الإِمَام فِي الرُّكُوع وَغَيره فِي صلَاته فينتظم الِاقْتِدَاء بِهِ بِخِلَاف التَّكْبِير.

.الحَدِيث الرَّابِع بعد الْأَرْبَعين:

أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «أما يخْشَى الَّذِي يرفع رَأسه وَالْإِمَام ساجد أَن يحول الله رَأسه رَأس حمَار».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ مُحَمَّد: «أما يخْشَى الَّذِي يرفع رَأسه قبل الإِمَام أَن يحول الله رَأسه رَأس حمَار» وَفِي لفظ: «مَا يَأْمَن الَّذِي يرفع رَأسه فِي صلَاته أَن يحول الله صورته صُورَة حمَار» وَفِي آخر: «أَن يَجْعَل الله وَجهه وَجه حمَار» هَذِه أَلْفَاظ مُسلم.
وَلَفظ البُخَارِيّ: «رَأسه رَأس حمَار أَو صورته صُورَة حمَار». وَلأبي دَاوُد: «أما يخْشَى أحدكُم إِذا رفع رَأسه وَالْإِمَام ساجد أَن يحول الله رَأسه رَأس حمَار أَو صورته صُورَة حمَار».
وَلابْن حبَان فِي صَحِيحه: «أَن يحول الله رَأسه رَأس الْكَلْب».
وَرَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب فِي تلخيصه بِهَذِهِ الزِّيَادَة ثمَّ قَالَ: لم أكتبه بِهَذَا الْإِسْنَاد إِلَّا عَن أبي نعيم بِإِسْنَادِهِ، قَالَ: وَقد رَوَاهُ جمَاعَة عَن يُوسُف بن عدي فَقَالَ فِيهِ: «رَأس حمَار».
قلت: ويوسف هَذَا لَيْسَ فِي رِوَايَة ابْن حبَان. وللعقيلي فِي تَارِيخ الضُّعَفَاء: «الَّذِي يرفع رَأسه قبل الإِمَام فَإِنَّمَا ناصيته بيد شَيْطَان».
قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سَأَلت أبي وأَبَا زرْعَة عَن هَذِه الزِّيَادَة فَقَالَا: هِيَ خطأ وَهِي معلولة حَيْثُ رويت مَوْقُوفَة عَلَى أبي هُرَيْرَة.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله: الصَّحِيح وَقفهَا عَلَيْهِ.

.الحَدِيث الْخَامِس بعد الْأَرْبَعين:

عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كُنَّا نصلي مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا قَالَ: سمع الله لمن حَمده لم يحن أحد منا ظَهره حَتَّى يضع النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم جَبهته عَلَى الأَرْض».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من هَذَا الْوَجْه، وَفِي بعض رواياته: «ثمَّ نخر من وَرَائه سجدا».
وَفِي أَفْرَاد مُسلم من حَدِيث عَمْرو بن حُرَيْث: «وَكَانَ لَا يحني رجل منا ظَهره حَتَّى يستتم سَاجِدا» وَلم يخرج البُخَارِيّ عَن عَمْرو هَذَا فِي كِتَابه شَيْئا.