فصل: الحَدِيث السَّادِس:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث العشْرُونَ:

«أَن رجلَيْنِ سَأَلَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّدَقَة، فَقَالَ: إِن شئتُما أعطيتُكما ولاحظ فِيهَا لغنيِّ وَلَا لذِي قوةٍ مكتسب».
هَذَا الحَدِيث سلف بَيَانه أوَّل الْبَاب وَاضحا.

.الحديث الحَادِي بعد الْعشْرين:

قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فِي حَدِيث قبيصَة بن الْمخَارِق: «حَتَّى يشْهد أَو يتَكَلَّم ثَلَاثَة من ذَوي الحجى من قومه». وَذَلِكَ أَن قبيصَة قَالَ: «تحملتُ حمالَة؛ فأتيتُ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلته فَقَالَ: نؤدِّيها عَنْك، أَو نخرجها عَنْك إِذا قَدِمتَ، نِعْمَ الصَّدَقَة يَا قبيصَة، إِن الْمَسْأَلَة حرمتْ إِلَّا فِي ثَلَاث: رجل تحمَّل حمالَة فَحلت لَهُ الْمَسْأَلَة حَتَّى يُؤَدِّيهَا ثمَّ يمسك، وَرجل أَصَابَته فاقةٌ أَو حَاجَة حَتَّى يشْهد أَو يتَكَلَّم ثلاثةٌ مِنْ ذَوي الحجى مِنْ قومه أَن بِهِ فاقة أَو حَاجَة، فَحلت لَهُ الْمَسْأَلَة حَتَّى يُصِيب سدادًا من عيشٍ أَو قِوَامًا من عيشٍ ثمَّ يمسك، أَو رجل أَصَابَته جَائِحَة فاجتاحت مَاله، فَحُلَّتْ لَهُ الصَّدَقَة حَتَّى يُصِيب سدادًا من عيشٍ أَو قوامًا من عيشٍ ثمَّ يمسك».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي كَذَلِك سَوَاء، بِزِيَادَة: «وَمَا سُوَى ذَلِك من الْمَسْأَلَة فسحت». قَالَ الشَّافِعِي فِي الْأُم: وَبِهَذَا نَأْخُذ.
وَرَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه بلفظٍ آخَر قدَّمْتُه فِي بَاب التَّفْلِيس، وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده بِلَفْظ «أقِم حَتَّى تَأْتِينَا الصَّدَقَة، فإمَّا أَن نحملها أَو نعينك بهَا». وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه كَذَلِك، وَزَاد: «عَنْك» بعد «نحملها».
فَائِدَة: أو فِي «أَو نُخْرجها» وَفِي «أَو حَاجَة» وَفِي «أَو يتَكَلَّم» وَفِي «أَو قوامًا»: كُله شكّ من الرَّاوِي، كَمَا نبَّه عَلَيْهِ الرافعيُّ.

.الحديث الثَّانِي بعد الْعشْرين:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعَثَ معَاذًا إِلَى الْيمن فَقَالَ: أعلمهم أَن عَلَيْهِم صَدَقَة، تُؤْخَذ من أغنيائهم فتردُّ عَلَى فقرائهم».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَقد تقدم فِي الْبَاب أَيْضا.

.الحديث الثَّالِث بعد الْعشْرين:

عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «غدوتُ إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بعَبْد الله بن أبي طَلْحَة ليحنكه، فوافيتُ فِي يَده الميسم يسم إبل الصَّدَقَة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من هَذَا الْوَجْه كَذَلِك؛ قَالَ شُعْبَة: وَأكْثر عِلْمِي أَنه قَالَ: «فِي آذانها» وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد، وَابْن مَاجَه: «يسم غنما فِي آذانها».

.الحديث الرَّابِع بعد الْعشْرين:

قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيكرهُ الوسم فِي الْوَجْه، وَقد ورد النَّهْي عَنهُ فِي رِوَايَة جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه.
هُوَ كَمَا قَالَ، وَقد أخرجه مُسلم مُنْفَردا بِهِ من حَدِيث أبي الزبير عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مَرَّ عَلَيْهِ حمارٌ وَقد وُسِمَ فِي وَجهه، فَقَالَ: لعن الله الَّذِي وسمه».
وَله فِي لفظٍ آخرٍ: قَالَ: «رَأَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حمارا قد وُسِمَ فِي وَجهه يدخن مَنْخرَيْهِ، فَقَالَ: لعن الله من فعل هَذَا، ألم أَنْه أَنَّه لَا يسم أحدٌ الْوَجْه، وَلَا يضْرب أحدٌ الْوَجْه».
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِلَفْظ: «أَنه مُرَّ عَلَيْهِ بحمارٍ وَقد وسم فِي وَجهه، فَقَالَ أما بَلغَكُمْ أَنِّي لعنتُ مَنْ وسم الْبَهِيمَة فِي وَجههَا، أَو ضربهَا فِي وَجههَا. فَنَهَى عَن ذَلِك».
إِذا علمتَ ذَلِك، فَلَا يَنْبَغِي التَّعْبِير عَن مثل هَذَا الحَدِيث بلفظٍ ورد، وَإِن كَانَ فِي عنعنة أبي الزبير عَن جَابر وَقْفَة لبَعض الْحفاظ، عَلَى أَنه قد رُوي من حَدِيث جمَاعَة من الصَّحَابَة، أحدهم: ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «رَأَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حمارا مَوْسُوم الْوَجْه، فَأنْكر ذَلِك قَالَ: فوَاللَّه لَا أُسَمِّهِ إِلَّا فِي أقْصَى شَيْء من الْوَجْه، فَأمر بحمارٍ لَهُ فكوي فِي جَاعِرَتَيْهِ، فَهُوَ أوّل من كوى الْجَاعِرَتَيْنِ». رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ أَيْضا.
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه بِلَفْظ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لعن من يسم فِي الْوَجْه».
ثانيهم: طَلْحَة بن عبيد الله: «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن الوسم أَن يوسم فِي الْوَجْه، قَالَ: ومُرَّ عَلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِبَعِير قد وُسِمَ في وَجهه، فَقَالَ نحّوا النَّار عَن وَجه هَذِه الدَّابَّة، فَقلت: لأَسَمِنَّ فِي أبعد مَكَان، فوسمت فِي عجب الذَّنب».
رَوَاهُ الْبَزَّار فِي مُسْنده ثمَّ قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث لَا نعلمهُ يُروى عَن طَلْحَة إِلَّا من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا الْإِسْنَاد.
ثالثهم ورابعهم وخامسهم: الْعَبَّاس، وجنادة بن جَراد، ونقادة، رواهن الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه قَالَ ابْن مَنْدَه فِي مستخرجه ورُوي أَيْضا من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ وَأبي هُرَيْرَة وَأنس وَعبادَة.
فَائِدَتَانِ: الأولَى: الْمَحْفُوظ في الوسم الإهمال، وَبَعْضهمْ حَكَى الإعجام أَيْضا، وَبَعْضهمْ فرَّق فَقَالَ: هُوَ بِالْمُهْمَلَةِ فِي الْوَجْه وبالمعجمة فِي سَائِر الْجَسَد... ذكره كلَّه القَاضِي عِيَاض وَغَيره. والجاعرتان هما حرفا الورك المشرفان مِمَّا يلى الدبر.
الثَّانِيَة: الْقَائِل فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس: «فواللَّهِ لَا أُسَمِّهِ إِلَّا فِي أقْصَى شَيْء من الْوَجْه» هُوَ: الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب، كَذَا ذكره أَبُو دَاوُد فِي سنَنه وصرَّح بِهِ البُخَارِيّ فِي تَارِيخه. وَكَذَا صرَّح بِهِ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه قَالَ القاضى عِيَاض: وَهُوَ فِي رِوَايَة مُسلم مُشكل يُوهم أَنه من قَول رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالصَّوَاب أَنه العبَّاس. وَاعْترض عَلَيْهِ النووى فَقَالَ فِي شَرحه: قَوْله «يُوهم»: ذَلِك لَيْسَ بِظَاهِر بل ظَاهِرَة أَنه من كَلَام ابْن عَبَّاس، وَحِينَئِذٍ يجوز أَن يكون جرت الْقِصَّة للْعَبَّاس ولابنه.
هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب.

.وَأما آثاره فخمسة:

.أَحدهَا:

«أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه شرب لَبَنًا فأعجبه، فأُخْبِرَ أَنه من نعم الصَّدَقَة، فَأدْخل إصبعه واستقاءه».
وَهَذَا الْأَثر صَحِيح، رَوَاهُ مَالك، وَالشَّافِعِيّ عَنهُ عَن زيد بْنِ أسلم أَنه قَالَ: «شرب عمر بن الْخطاب لَبَنًا فأعجبه، فَسَأَلَ الَّذِي سقَاهُ: مِنْ أَيْن لَك هَذَا اللَّبن؟ فَأخْبر أَنه ورد عَلَى مَاء قد سَمَّاهُ، فَإِذا بنعم من نعم الصَّدَقَة وهم يسقون، فحلبوا لنا من أَلْبَانهَا، فَجَعَلته فِي سقائي هَذَا، فَأدْخل عُمر إصبعه فاستقاء». زَاد الْغَزالِيّ فِي وسيطه: «وَغرم قِيمَته من الْمصَالح».
وَهُوَ مَا فِي بعض الشُّرُوح، كَمَا عزاهُ إِلَيْهِ صاحبُ الْمطلب وَفِي النِّهَايَة: «أَنه غرم قِيمَته من الصَّدقَات».
وَقد أوضحتُ الْكَلَام عَلَى هَذَا الْأَثر فِي تخريجي لأحاديث الْوَسِيط فَرَاجعه مِنْهُ.

.الْأَثر الثَّانِي:

عَن أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَنه أعْطى عدي بن حَاتِم، كَمَا أعْطى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم».
وَهَذَا الْأَثر صَحِيح، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن الْحَاكِم عَن الْأَصَم، عَن الرّبيع قَالَ: قَالَ الشَّافِعِي: للمؤلفة قُلُوبهم فِي قسم الصَّدقَات سَهْمٌ، قَالَ: وَالَّذِي أحفظُ فِيهِ من مُتقدم الْأَخْبَار: «أَن عدي بن حَاتِم جَاءَ إِلَى أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَحْسبهُ قَالَ: بثلاثمائة من الْإِبِل من صدقَات قومه فَأعْطَاهُ أَبُو بكر مِنْهَا ثَلَاثِينَ بَعِيرًا، وَأمره أَن يلْحق خَالِد بن الْوَلِيد بِمن أطاعه من قومه فَجَاءَهُ بزهاء ألف رجلٍ وأبلى بلَاء حسنا» قَالَ: وَلَيْسَ فِي الْخَبَر: فِي إِعْطَائِهِ إِيَّاهَا مِنْ أَيْن أعطَاهُ إِيَّاهَا غير أَن الَّذِي يكَاد أَن يعرف الْقلب بالاستدلال بالأخبار- وَالله أعلم-: أَنه أعطَاهُ إِيَّاهَا من سهم الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم، فَإِنَّمَا زَاده ليرغِّبه فِيمَا صنع، وَإِنَّمَا أعطَاهُ ليتألفَّ بِهِ غَيره من قومه مِمَّن لَا يَثِق مِنْهُ بِمثل مَا يَثِق بِهِ من عدي بن حَاتِم، فَأرَى أَن يُعْطَى من سهم الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم فِي مثل هَذَا إِن نزلت بِالْمُسْلِمين نازلة، وَلنْ تنزل- إِن شَاءَ الله- هَذَا لَفظه برمتِهِ.
وَذكر الشَّافِعِي أَيْضا فِي الْمُخْتَصر أَن الْمُعْطِي لَهُ هُوَ الصدِّيق، وَذكره أَيْضا فِي الْأُم فِي بَاب: جماع تَفْرِيق السِّهْمان، فَقَالَ: وَقد رُوي: «أَن عدي بن حَاتِم أَتَى أَبَا بكر بِنَحْوِ ثَلَاثمِائَة بعير صَدَقَة قومه فَأعْطَاهُ مِنْهَا ثَلَاثِينَ بَعِيرًا وَأمره بِالْجِهَادِ مَعَ خَالِد فَجَاهد مَعَه بِنَحْوِ من أَلْفِ رجلٍ، وَلَعَلَّ أَبَا بكر أعطَاهُ من سهم الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم».
فَإِن كَانَ هَذَا ثَابتا فَإِنِّي لَا أعرفهُ من وَجه يُثبتهُ أهلُ الحَدِيث، وَهُوَ من حَدِيث من ينْسب إِلَى بعض أهل الْعلم بِالرّدَّةِ. هَذَا لَفظه.
وَنقل الرَّافِعِيّ عَن الْأَئِمَّة أَن الظَّاهِر أَن عدَّيًا كَانَ من الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم، واستبعد بعض شُيُوخنَا الْحفاظ عدَّه مِنْهُم، فَإِنَّهُ قد ثَبت فِي صَحِيح مُسلم: «أَن عديًّا قَالَ لعمر: أتعرفني يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ فَقَالَ: إِنِّي واللَّهِ لأعرفك...» إِلَى آخر مَا أسلفناه فِي الْأَحَادِيث وَلما عزمت طَيء عَلَى حبس الصَّدَقَة فِي أوَّل خلَافَة أبي بكر ردَّ عَلَيْهِم عدي بكلامٍ كثيرٍ، ذكره ابْن إِسْحَاق، فَكيف إِذن يُعطى من سهمهم، وَأَيْضًا فَإِن سهمهم سقط فِي زمن الصدِّيق؛ فإمَّا أَن يكون أعطَاهُ من سهم العاملين، بِدَلِيل مَا رَوَاهُ ابْن إِسْحَاق: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام بَعثه عَلَى صدقَات طَيء». وَإِمَّا أَن يكون أعطَاهُ مُكَافَأَة؛ فَإِنَّهُ لمَّا قَدِمَ عَلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نَصْرَانِيّا فَأسلم وَأَرَادَ الرُّجُوع إِلَى بِلَاده، أرسل إِلَيْهِ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يعْتَذر إِلَيْهِ من الزَّاد وَيَقُول «واللَّهِ مَا أصبح عِنْد آل مُحَمَّد سَعَة من الطَّعَام، وَلَكِن ترجع فَيكون خير» فَلذَلِك أعطَاهُ أَبُو بكر ثَلَاثِينَ من إبل الصَّدَقَة. ذكره ابْن سَالم فِي الِاكْتِفَاء.

.الْأَثر الثَّالِث:

«أَن مُشْركًا جَاءَ إِلَى عُمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه يلْتَمس مَالا، فَلم يُعْطه، وَقَالَ: مَنْ شَاءَ فليؤمن، وَمن شَاءَ فليكفر».
وَهَذَا الْأَثر ذكره الرافعيُّ تبعا للغزالي، فَإِنَّهُ أوردهُ فِي وسيطه بِلَفْظ: «إِنَّا لَا نُعطي عَلَى الْإِسْلَام شَيْئا؛ فَمَنْ شَاءَ فليؤمن، وَمن شَاءَ فليكفر».
وَكَذَا ذكره القَاضِي حُسَيْن، وَعبارَة بَعضهم: أَن عمر قَالَ: «إِن الله أعَزَّ الْإِسْلَام وَأَهله، إِنَّا لَا نُعطي عَلَى الْإِسْلَام شَيْئا» إِلَى آخرِهِ، وَذكره صَاحب الْمُهَذّب بِلَفْظ «إِنَّا لَا نُعطي عَلَى الْإِسْلَام شَيْئا، فَمَنْ شَاءَ فليؤمن، ومَنْ شَاءَ فليكفر».
وَلم يعزه المنذريُّ فِي تَخْرِيجه لأحاديثه وَعَزاهُ النَّوَوِيّ إِلَى الْبَيْهَقِيّ، قلت وَهَذَا لم أره فِي مَعْرفَته لَهُ وَإِنَّمَا فِي السّنَن: «أَن عمر قَالَ للأقرع وعيينة: إِن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتألفكما وَالْإِسْلَام يَوْمئِذٍ ذليل، وَإِن الله قد أعز الْإِسْلَام، فاذهبا فاجهدا، كَمَا لَا أرعى الله عَلَيْكُمَا أَن رعيتما».
وَرَوَاهُ العسكري فِي الصَّحَابَة وَقَالَ: «أرغبتما» وَقَالَ «قَلِيل» بدل «ذليل».

.الْأَثر الرَّابِع:

قَالَ الرَّافِعِيّ: وَقَوله- يَعْنِي: الْغَزالِيّ- «لمَذْهَب معَاذ» لم يرد بِهِ حَدِيث بَعثه إِلَى الْيمن؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْوَسِيط: لمَذْهَب معَاذ و. لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «أنبئهم أَن عَلَيْهِم صَدَقَة، تُؤْخَذ من أغنيائهم...» الْخَبَر وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَن معَاذًا صَار إِلَى منع النَّقْل، لما رُوي: أَنه قَالَ: «مَنِ انْتقل من مخلاف عشيرته إِلَى غير مخلاف عشيرته فصدقته وعشره فِي مخلاف عشيرته».
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن الْحَاكِم، عَن الْأَصَم، عَن الرّبيع، عَن الشَّافِعِي، عَن مطرف بن مَازِن، عَن معمر، عَن عبد الله بن طَاوس، عَن أَبِيه: «أَن معَاذ بن جبل قَضَى: أَيّمَا رجل انْتقل من مخلاف عشيرته إِلَى غير مخلاف عشيرته فَعشره وصدقَتُهُ فِي مخلاف عشيرته».
وَأخرجه الشَّافِعِي فِي الْأُم كَذَلِك، وَهَذَا أثر ضَعِيف ومنقطع، مطرف ضَعِيف، وَطَاوُس لم يدْرك معَاذًا لَا جرم، قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة: إِنَّه مُنْقَطع كالآتي.
وَرَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور، عَن سُفْيَان عَن معمر، عَن ابْن طَاوس، عَن أَبِيه قَالَ: «فِي كتاب معَاذ بن جبل: من أخرج من مخلاف إِلَى مخلاف، فَإِن صدقته وعُشره يرد إِلَى مخلافه».

.الْأَثر الْخَامِس:

عَن معَاذ بن جبل رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه قَالَ لأهل الْيمن: ائْتُونِي بكلِّ خَمِيس أَو لبيس آخذه مِنْكُم مَكَان الصَّدَقَة؛ فَإِنَّهُ أرْفق بكم، وأنْفَعُ للمهاجرين وَالْأَنْصَار بِالْمَدِينَةِ».
وَهَذَا الْأَثر ذكره البُخَارِيّ فِي أَبْوَاب الزَّكَاة، فَقَالَ: قَالَ طَاوس قَالَ معَاذ: ائْتُونِي بِعرْض ثِيَاب خَمِيس أَو لبيس فِي الصَّدَقَة مَكَان الشّعير والذرة أَهْون عَلَيْكُم وَخير لأَصْحَاب رَسُول بِالْمَدِينَةِ.
وَذكره أَبُو عبيد فِي غَرِيبه بِغَيْر إسنادٍ أَيْضا، وَلَفظه: «ائْتُونِي بخميس أَو لبيس آخذه مِنْكُم فِي الصَّدَقَة؛ فَإِنَّهُ أيسر عَلَيْكُم وأنفع للمهاجرين بِالْمَدِينَةِ».
ثمَّ ذكر اخْتِلَافا فِي أَن المُرَاد بالخميس الَّذِي طوله خَمْسَة أَذْرع؛ فَإِنَّهُ يَعْنِي: الصَّغِير من الثِّيَاب، أَو لِأَن من عمله مَلكٌ بِالْيمن يُقَال لَهُ: الْخَمِيس؛ فنسب إِلَيْهِ.
قَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ: وَجَاء «خميص» بالصَّاد، قَالَ: فَإِن صَحَّ فَهُوَ تذكير خميصة، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته من رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن ميسرَة، عَن طَاوس، عَن معَاذ أَنه قَالَ بِالْيمن: «ائْتُونِي بخميس أَو لبيس آخذه مِنْكُم مَكَان الصَّدَقَة؛ فَإِنَّهُ أَهْون عَلَيْكُم، وَخير للمهاجرين بِالْمَدِينَةِ».
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: خَالف إبراهيمُ مَنْ هُوَ أدين مِنْهُ؛ عَمرو بن دِينَار عَن طَاوس قَالَ: قَالَ معَاذ بِالْيمن: «ائْتُونِي بِعرْض ثِيَاب آخذه مِنْكُم مَكَان الذّرة وَالشعِير».
قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: حَدِيث طَاوس، عَن معَاذ بن جبل إنْ كَانَ مُرْسلا فَلَا حجَّة فِيهِ، وَقد قَالَ فِيهِ بَعضهم: «من الْجِزْيَة» مَكَان «الصَّدَقَة». قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا هُوَ الْأَلْيَق بمعاذ وَالْأَشْبَه بِمَا أمره النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهِ مِنْ أخْذ الْخَمِيس فِي الصَّدقَات، وأخْذ الدِّينَار أَو عدله معافر ثِيَاب بِالْيمن فِي الْجِزْيَة، وَأَن ترد الصَّدقَات عَلَى فقرائهم، لَا أَن ينقلها إِلَى الْمُهَاجِرين بِالْمَدِينَةِ الَّذين أَكْثَرهم أهل فَيْء لَا أهل صَدَقَة. قَالَ: وَقَوله «مَكَان الصَّدَقَة» لم يحفظه ابْن ميسرَة، وَخَالفهُ مَنْ هُوَ أحفظ مِنْهُ، قَالَ: وَإِن ثَبت فَمَحْمُول عَلَى مَعْنَى مَا كَانَ يُؤخذ مِنْهُم باسْم الصَّدَقَة لبني تغلب.

.بَاب: صَدَقَة التَّطَوُّع:

ذكر فِيهِ- رَحِمَهُ اللَّهُ- تِسْعَة أَحَادِيث:

.الحديث الأول:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «ليتصدَّق الرجل من ديناره، وليتصدَّق من درهمه، وليتصدَّق من صَاع بُرِّه».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث جرير بن عبد الله قَالَ: «كُنَّا عِنْد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صدر النَّهَار، فَجَاءَهُ قومٌ حفاء مجتابي النمار أَو العباء متقلدي السيوف، عامتهم من مُضَر، بل كلهم من مُضَر؛ فتمعَّر وَجه رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لما رَأَى بهم من الْفَاقَة، فَدخل ثمَّ خرج، فَأمر بِلَالًا فأذَّن وَأقَام، فَصَلى بهم ثمَّ خطب. فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم الَّذِي خَلقكُم من نَفْس وَاحِدَةإِلَى آخر الْآيَة: إِن الله كَانَ عَلَيْكُم رقيبًا، وَالْآيَة الَّتِي فِي الْحَشْر: اتَّقوا الله ولتنظر نفسٌ مَا قدَّمت لغدٍ إِلَى آخر الْآيَة، تصدق الرجل مِنْ ديناره، مِنْ درهمه، مِنْ ثَوْبه، مِنْ صَاع بُرِّه، من صَاع تَمْره، حَتَّى قَالَ: وَلَو بِشِقِّ تَمْرَة، قَالَ: فجَاء رجل من الْأَنْصَار بُصرَّةٍ كَادَت كفّه تعجز عَنْهَا، بل قد عجزت، ثمَّ تتَابع النَّاس، حَتَّى رأيتُ كَوْمَيْن من طَعَام وَثيَاب، حَتَّى رأيتُ وَجه رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَتَهَلَّل كَأَنَّهُ مُذْهَبَة، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَام سُنَّةً حَسَنَة فَلهُ أجرهَا وَأجر مَنْ عمل بهَا مِنْ بعده، مِنْ غير أَن ينقص من أُجُورهم شَيْء ومَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَام سُنَّةُ سَيِّئَة كَانَ عَلَيْهِ وزِرْها وَوِزْر مَنْ عمل بهَا مِنْ بعده من غير أَن ينقص مِنْ أوزارهم شَيْء».
فَائِدَة: قَوْله «مجتابي النمار»: يُقَال: اجتاب فلَان ثوبا إِذا لبسه،- وتَمَعَّرَ: تغيَّر من الْغَضَب، والكومة من الطَّعَام: الصُّبْرَة، وأصل الكوم مَا ارْتَفع من الطَّعَام وأشرف، ومذهبه- بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة- قَالَ ابْن الْأَثِير: هُوَ من الشَّيْء الْمَذْهَب، أَي: المموه بِالذَّهَب، أَو من قَوْلهم: فرس مَذْهَب؛ إِذا عْلَتْ حُمرَتَه صُفْرَةٌ. وَفَسرهُ الْحميدِي فِي غَرِيبه بِأَن قَالَ: المدهن- يعْنى بالنُّون-: نقرة فِي الْجَبَل يُستنقع فِيهَا المَاء من الْمَطَر، والمدهن أَيْضا: مَا جُعل فِيهِ الدّهن، والمدهنة كَذَلِك؛ شبه صفاء وَجهه لإشراق السرُور بصفاء هَذَا المَاء الْمُجْتَمع، أَو بصفاء الدّهن.

.الحديث الثَّانِي:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يمْتَنع من قبُول الصَّدَقَة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، فقد اتّفق الشَّيْخَانِ عَلَى إِخْرَاج حَدِيث أَبَى هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا أُتي بطعامٍ سَأَلَ عَنهُ، فَإِن قيل: هَدِيَّة أكل مِنْهَا، وَإِن قيل: صَدَقَة. لم يَأْكُل مِنْهَا. وَقَالَ لأَصْحَابه: كُلوُا».
وَأخرج التِّرْمِذِيّ من حَدِيث بهز بن حَكِيم، عَن أَبِيه، عَن جده: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا أُتي بِشَيْء سَأَلَ أصدقة أم هديةٌ؟ فَإِن قَالُوا: صَدَقَة؛ لم يَأْكُل، وَإِن قَالُوا: هَدِيَّة؛ أكل».
وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا وَقَالَ: «فَإِن قيل: صَدَقَة؛ لم يَأْكُل، وَإِن قيل: هَدِيَّة؛ بسط يَده».

.الحديث الثَّالِث:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِنَّا أهل بيتٍ لَا تحل لنا الصَّدَقَة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «أَخذ الْحسن بن عَلّي تَمْرَة من تمر الصَّدَقَة، فَجَعلهَا فِي فِيهِ، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: كخ كخ؛ ارمِ بهَا، أما علمت أنَّا لَا نَأْكُل الصَّدَقَة».
وَفِي رِوَايَة لَهما: «إنَّا لَا تحل لنا الصدقةَ».
وَفِي رِوَايَة لَهما: أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِنِّي لأنقلب إِلَى أَهلِي، فأجد التمرة سَاقِطَة عَلَى فِراشي أَو فِي بَيْتِي، فأرفعها لآكلها، ثمَّ أخْشَى أَن تكون صَدَقَة فألقيها».
فَائِدَة: قَوْله «كخ كخ»: يُقَال بِفَتْح الْكَاف وَكسرهَا، وَسُكُون الْخَاء والتنوين مَعَ الْكسر، بِغَيْر تَنْوِين قَالَه ابْن دحْيَة فِي كِتَابه الْآيَات الْبَينَات.

.الحديث الرَّابِع:

عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «إِن صَدَقَة السِّرِّ تُطفئ غَضَبَ الرَّبِّ».
هَذَا الحَدِيث يُروى من طرقٍ:
أَحدهَا: من طَرِيق مُحَمَّد بن عَلّي بن الْحُسَيْن قَالَ: قُلْنَا لعبد الله بن جَعْفَر بن أبي طَالب: حدِّثنا مَا سَمِعت من رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرَأَيْت مِنْهُ، وَلَا تحدِّثنا عَن غَيره وَإِن كَانَ ثِقَة. فَذكر أَحَادِيث؛ وَمِنْهَا: أَنه سمع رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «الصَّدَقَة فِي السِّرِّ تُطْفِئ غَضَبَ الرَّبِّ».
رَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي كتاب الْفَضَائِل مِنْهُ، في تَرْجَمَة عبد الله بن جَعْفَر، وَإِسْنَاده مُنكر جدًّا، كَمَا أوضحتُه فِي بَاب شُرُوط الصَّلَاة، فِي الحَدِيث التَّاسِع عشر مِنْهُ.
الطَّرِيق الثَّانِي: من حَدِيث ابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «صلَة الرَّحِم تُزيد فِي الْعُمر، وَصدقَة السِّرّ تُطْفِئ غضب الرب».
رَوَاهُ صَاحب الشهَاب فِي مُسْنده من هَذَا الْوَجْه، وَفِي إِسْنَاده من لَا أعرفهُ.
الطَّرِيق الثَّالِث: من حَدِيث عَمرو بن أبي سَلمَة عَن صَدَقَة بن عبد الله، عَن الْأَصْبَغ عَن بهز بن حَكِيم، عَن أَبِيه، عَن جدِّه مَرْفُوعا: «إِن صَدَقَة السِّرّ تُطْفِئ غضب الرب».
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه و«صَدَقَة» هَذَا هُوَ: السمين، وَبِه صرح ابْن طَاهِر، وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ كَمَا سبق فِي أوّل الْكتاب.
الطَّرِيق الرَّابِع: من حَدِيث أبي أُمَامَة مَرْفُوعا: «صَدَقَة السِّرّ تُطْفِئ غضب الرب».
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه أَيْضا، فِي جملَة حَدِيث طويلٍ، وَفِي إِسْنَاده يزِيد بن عبد الرَّحْمَن، وَالظَّاهِر أَنه الدالاني، وَفِيه خلف، كَمَا سلف فِي الْأَحْدَاث أَيْضا.
الطَّرِيق الْخَامِس: من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان وَفِيه الْوَاقِدِيّ، وحالته مَعْلُومَة.
الطَّرِيق السَّادِس: من حَدِيث ابْن عَبَّاس، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي شعبه أَيْضا فِي أثْنَاء حديثٍ طويلٍ، ثمَّ قَالَ: الحَمْل فِيهِ عَلَى إِسْمَاعِيل بن بَحر العسكري أَو إِسْحَاق بن مُحَمَّد العميِّ.
وَفِي جَامع التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أنس رَفعه: «إِن الصَّدَقَة لتطفئ غضب الرب، وتدفع ميتَة السوء». ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن غريبٌ من هَذَا الْوَجْه.
قلت: وَفِي إِسْنَاده عبد الله بن عِيسَى الخزاز- بخاء مُعْجمَة، ثمَّ زَاي مكررة-: يُعْرف بصَاحب الْحَرِير سُئِلَ عَنهُ أَبُو زرْعَة فَقَالَ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ ابْن طَاهِر: وصف بِأَنَّهُ يروي عَن الثِّقَات مَا لَا يُتَابع عَلَيْهِ. وَقَالَ الْعقيلِيّ: لَا يُتابع عَلَى أَكثر حَدِيثه. وَقَالَ أَبُو أَحْمد: يروي عَن يُونُس بن عبيد وَدَاوُد بن أبي هِنْد مَا لَا يُوَافقهُ عَلَيْهِ الثِّقَات، وَلَيْسَ هُوَ ممَنْ يُحْتج بحَديثه. وَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي علله: هُوَ مُنكر الحَدِيث عِنْدهم، لَا أعلم لَهُ موثقًا. فَالْحَدِيث عَلَى هَذَا ضَعِيف لَا حسن.
قلت: وَأما ابْن حبَان فَإِنَّهُ أخرجه فِي صَحِيحه من الطَّرِيق الْمَذْكُور، وَفِيه النّظر الْمَذْكُور.
ثمَّ اعلمْ: أَن الرَّافِعِيّ- رَحِمَهُ اللَّهُ- اسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث عَلَى أَن صرف الصَّدَقَة سرًّا أفضل بعد قَوْله تَعَالَى: {إِن تبدوا الصَّدقَات فنعمَّا هِيَ}. ويغني عَنهُ حَدِيث صَحِيح ثَابت أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «سَبْعَة يُظِلهُّم الله في ظله، يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظلُّه: إِمَام عَادل، وَرجل تصدق بصدقةٍ فأخفاها حَتَّى لَا تعلم شِمَاله مَا تنْفق يَمِينه».

.الحديث الخَامِس:

عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَنَّهَا قَالَت: «يَا رَسُول الله: إِن لي جارين، فَإلَى أَيهمَا أُهدي؟ فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِلَى أقربهما مِنْك بَابا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه البُخَارِيّ فِي صَحِيحه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور عَن ابْن منهال، عَن شُعْبَة، عَن طَلْحَة، عَن أبي عمرَان، عَن عَائِشَة، كَذَا أخرجه فِي الْأَدَب، وَأخرجه فِي الشُّفْعَة عَن عَلّي بن عبد الله عَن شَبابَة، وَفِي الْهِبَة عَن مُحَمَّد بن بشار عَن طَلْحَة بن عبد الله عَن عَائِشَة، فنسبه البُخَارِيّ فِي هذَيْن الطَّرِيقَيْنِ، وَوَقع فِي الْبَيْهَقِيّ عَن طَلْحَة عَن رجل من قُرَيْش، عَن عَائِشَة، ثمَّ عزاهُ إِلَى البُخَارِيّ، وَالَّذِي فِيهِ مَا قدَّمْتُهُ، وَوَقع فِيهِ أَيْضا من طَرِيق آخر عَن طَلْحَة بن عبد الله بن عَوْف، عَن عَائِشَة، وَذكره الْمزي فِي أَطْرَافه فِي تَرْجَمَة طَلْحَة بن عبد الله بن عُثْمَان التَّيْمِيّ عَن عَائِشَة، وَأخرجه أَبُو دَاوُد عَن طَلْحَة وَلم ينْسبهُ، ثمَّ قَالَ: قَالَ شُعْبَة فِي هَذَا الحَدِيث: طَلْحَة رجل من قُرَيْش. فَإِذا الْوَاقِع فِي الْبَيْهَقِيّ أَن جدِّ طلحةَ عوفٌ، غريبٌ.

.الحَدِيث السَّادِس:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الصَّدَقَة عَلَى الْمِسْكِين صَدَقَة، وَعَلَى ذِي الرَّحِم ثِنْتَانِ؛ صَدَقَة وصلَة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور الأئمةُ: أحمدُ فِي مُسْنده، وَالطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمْ وَالتِّرْمِذِيّ فِي جامعه. وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من رِوَايَة سلمَان بن عَامر الضَّبِّيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن. وَقَالَ الْحَاكِم: صَحِيح. وَقَالَ ابْن طَاهِر فِي تَخْرِيج أَحَادِيث الشهَاب. إِنَّمَا لم يخرَّج فِي الصَّحِيح لأجْل اختلافٍ فِي إِسْنَاده. وَوَقع فِي الْأَحْكَام الْوُسْطَى لعبد الْحق: «الصَّدَقَة عَلَى الْمِسْكِين صلَة». وَهُوَ خطأ، وَصَوَابه: «صَدَقَة» وَقد سبقنَا بذلك ابْن الْقطَّان.
وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من هَذِه الطَّرِيق، وَمن طَرِيقين آخَرين:
أَحدهمَا: عَن أبي طَلْحَة مَرْفُوعا: «الصَّدَقَة عَلَى الْمِسْكِين صَدَقَة، وَعَلَى ذِي الرَّحِم صَدَقَة وصلَة».
فِي سَنَده مَنْ لَا أعرفهُ.
الثَّانِي: عَن عبيد الله بن زحر، عَن علىّ بن يزِيد، عَن الْقَاسِم، عَن أَبَى أُمَامَة مَرْفُوعا «إِن الصَّدَقَة عَلَى ذِي قرَابَة يُضَعَّفُ أجرهَا مرَّتَيْنِ» وَهَذَا سندٌ واهٍ.