فصل: الحَدِيث الْحَادِي عشر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّالِث:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَو اسْتقْبلت من أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرت مَا سقت الْهَدْي، ولجعلتها عمْرَة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث جَابر بن عبد الله مَرْفُوعا بِلَفْظ: «لَو اسْتقْبلت من أمرى مَا اسْتَدْبَرت لم أسق الْهَدْي. فحلوا» وَفِي لفظ للْبُخَارِيّ فِي كتاب الشّركَة: «لَو أَنِّي اسْتقْبلت من أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرت مَا أهديت، وَلَوْلَا أَن معي الْهَدْي لأحللت». وَرَوَاهُ مُسلم من حَدِيث جَابر الطَّوِيل بِلَفْظ «لَو أَنِّي اسْتقْبلت من أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرت لم أسق الْهَدْي وجعلتها عمْرَة».

.الحديث الرَّابِع:

عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أفرد الْحَج».
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرجح الشَّافِعِي رِوَايَته عَلَى رِوَايَة من رَوَى الْقرَان والتمتع؛ فَإِن جَابِرا أقدم صُحْبَة وَأَشد عناية بضبط الْمَنَاسِك وأفعال النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من لدن خُرُوجه من الْمَدِينَة إِلَى أَن يحلل.
هُوَ كَمَا قَالَ، وَقد أَخْرجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيثه بِلَفْظ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أهل هُوَ وَأَصْحَابه بِالْحَجِّ». وَرَوَاهُ مُسلم من حَدِيث جَابر الطَّوِيل بِلَفْظ: «خرجنَا مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لسنا ننوي إِلَّا الْحَج» وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن جَابر «قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مُهِلِّين بِحَجّ مُفْرد». وَفِي رِوَايَة لَهُ أَيْضا عَنهُ قَالَ: «أَهْلَلْنَا أَصْحَاب مُحَمَّد بِالْحَجِّ خَالِصا وَحده فقدمنا صَبِيحَة رَابِعَة من ذِي الْحجَّة، فَأمرنَا أَن نحل» وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد، وَابْن مَاجَه «أَهْلَلْنَا مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْحَجِّ خَالِصا لَا نخلطه بِغَيْرِهِ». وَحَدِيث جَابر هَذَا هُوَ ظَاهر حَدِيثه كَمَا ستعلمه، وَرَأَيْت أَن أذكرهُ هُنَا بِطُولِهِ؛ فَإِن الرَّافِعِيّ- رَحِمَهُ اللَّهُ- ذكر قطعا مِنْهُ فِي مَوَاضِع، وَهُوَ حَدِيث كثير الْفَوَائِد مُشْتَمل عَلَى حجَّةِ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَولهَا إِلَى آخرهَا أَو غالبها. وَقد أخرجه مُسلم من حَدِيث جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَلّي بن الْحُسَيْن، عَن أَبِيه، قَالَ: «دَخَلنَا عَلَى جَابر بن عبد الله فَسَأَلَ عَن الْقَوْم حَتَّى انْتَهَى إليَّ فَقلت: أَنا مُحَمَّد بن عَلّي بن حُسَيْن، فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى رَأْسِي فَنزع زِرِّي الْأَعْلَى، ثمَّ نزع زِرِّي الْأَسْفَل، ثمَّ وضع كفَّه بَين ثديي، وَأَنا يَوْمئِذٍ غُلَام شَاب، فَقَالَ: مرْحَبًا بك يَا ابْن أخي، سل عَمَّا شِئْت. فَسَأَلته- وَهُوَ أَعْمَى- وَقد حضر وَقت الصَّلَاة، فَقَامَ فِي نساجة ملتحفًا بهَا كلما وَضعهَا عَلَى مَنْكِبه رَجَعَ طرفاها إِلَيْهِ مِن صِغَرِها، وَرِدَاؤُهُ إِلَى جنبه عَلَى المشجب فصلَّى بِنَا، فَقلت: أَخْبرنِي عَن حجَّة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فعقدَ بِيَدِهِ تِسعًا فَقَالَ: إِن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مكث تسع سِنِين لم يحجّ، ثمَّ أذن فِي النَّاس الْعَاشِرَة أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حَاج، فَقدم الْمَدِينَة بشر كثير، كلهم يلْتَمس أَن يأتم برَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيعْمل مثل عمله، فخرجنا مَعَه حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الحليفة، فَولدت أَسمَاء بنت عُمَيْس مُحَمَّد بن أبي بكر، فَأرْسلت إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم:
كَيفَ أصنع؟ قَالَ: اغْتَسِلِي واستثفري بِثَوْب وأَحْرِمي. فَصَلى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَسْجِد وَركب الْقَصْوَاء، حَتَّى إِذا اسْتَوَت بِهِ نَاقَته عَلَى الْبَيْدَاء نظرت إِلَى مد بَصرِي بَين يَدَيْهِ من رَاكب وماش، وَعَن يَمِينه مثل ذَلِك، وَعَن يسَاره مثل ذَلِك، وَمن خَلفه مثل ذَلِك، وَرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين أظهرنَا وَعَلِيهِ ينزل الْقُرْآن وَهُوَ يعرف تَأْوِيله، وَمَا عمل من شَيْء عَملنَا بِهِ، فَأهل بِالتَّوْحِيدِ: لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك لبيْك لَا شريك لَك لبيْك، إِن الْحَمد وَالنعْمَة لَك وَالْملك لَا شريك لَك. وَأهل النَّاس بِهَذَا الَّذِي يهلون بِهِ، فَلم يرد عَلَيْهِم النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا مِنْهُ، وَلزِمَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم تلبيته، قَالَ جَابر: لسنا نَنْوِي إِلَّا الْحَج، لسنا نَعْرِف الْعمرَة، حَتَّى إِذا أَتَيْنَا الْبَيْت مَعَه اسْتَلم الرُّكْن فَرمَلَ ثَلَاثًا وَمَشى أَرْبعا، ثمَّ نفذ إِلَى مقَام إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فَقَرَأَ: {وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مُصَلَّى} فَجعل الْمقَام بَينه وَبَين الْبَيْت، فَكَانَ أبي يَقُول: وَلَا أعلم ذكره إِلَّا عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ فِي الرَّكْعَتَيْنِ: {قل هُوَ الله أحد} و{قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} ثمَّ رَجَعَ إِلَى الرُّكْن فاستلمه، ثمَّ خرج من الْبَاب إِلَى الصَّفَا، فَلَمَّا دنا من الصَّفَا قَرَأَ {إِن الصَّفَا والمروة من شَعَائِر الله} أبدأ بِمَا بَدَأَ الله بِهِ. فَبَدَأَ بالصفا فرقى عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْت، فَاسْتقْبل الْقبْلَة فَوحد الله وَكبره وَقَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ عَلَى كل شَيْء قدير، لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده أنْجز وعده وَنصر عَبده، وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده. ثمَّ دَعَا بَين ذَلِك قَالَ مثل هَذَا ثَلَاث مَرَّات، ثمَّ نزل إِلَى الْمَرْوَة حَتَّى إِذا انصبت قدماه فِي بطن الْوَادي رمل حَتَّى إِذا صعدنا مَشَى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَة فَفعل عَلَى الْمَرْوَة كَمَا فعل عَلَى الصَّفَا، حَتَّى إِذا كَانَ آخر طواف عَلَى الْمَرْوَة قَالَ: لَو أَنِّي اسْتقْبلت من أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرت لم أسق الْهَدْي وجعلتها عُمرة؛ فَمن كَانَ مِنْكُم لَيْسَ مَعَه هدي فليحل وليجعلها عمْرَة. فَقَامَ سراقَة بن جعْشم فَقَالَ: يَا رَسُول الله، ألعامنا هَذَا أم لأبد؟ فشبك النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَصَابِعه وَاحِدَة فِي الْأُخْرَى وَقَالَ: دخلت الْعمرَة فِي الْحَج مرَّتَيْنِ لَا بل لأبد أَبَد، وَقدم عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه من الْيمن ببدن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوجدَ فَاطِمَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها مِمَّن حلَّ ولبست ثيابًا صبيغًا واكتحلت، فَأنْكر ذَلِك عَلَيْهَا فَقَالَت: أبي أَمرنِي بِهَذَا. قَالَ: وَكَانَ عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وعنها يَقُول بالعراق: فَذَهَبت إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم محرشًا عَلَى فَاطِمَة للَّذي صنعت مستفتيًا لرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا ذكرت عَنهُ، فَأَخْبَرته أَنِّي أنْكرت ذَلِك عَلَيْهَا، فَقَالَ: صدقت. مَاذَا قلت حِين فرضت الْحَج؟ قَالَ: قلت: اللَّهُمَّ إِنِّي أهل بِمَا أهل بِهِ رَسُولك. قَالَ: فَإِن معي الْهَدْي. قَالَ: فَلَا تحل. قَالَ: فَكَانَ جمَاعَة الْهَدْي الَّذِي قدم بِهِ عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه من الْيمن، وَالَّذِي أَتَى بِهِ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مائَة. قَالَ: فَحل النَّاس كلهم وَقصرُوا إِلَّا النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن كَانَ مَعَه هدي، فَلَمَّا كَانَ يَوْم التَّرويَة توجهوا إِلَى منى فأهلوا بِالْحَجِّ، وَركب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَصَلى بهَا الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء وَالْفَجْر، ثمَّ مكث قَلِيلا حَتَّى طلعت الشَّمْس، وَأمر بقبة من شعر فَضربت لَهُ بنمرة فَسَار رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا تشك قُرَيْش إِلَّا أَنه وَاقِف عِنْد الْمشعر الْحَرَام بِالْمُزْدَلِفَةِ كَمَا كَانَت قُرَيْش تصنع فِي الْجَاهِلِيَّة، فَأجَاز رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أَتَى عَرَفَة فَوجدَ الْقبَّة قد ضربت لَهُ بنمرة، فَنزل بهَا حَتَّى إِذا زَالَت الشَّمْس أَمر بالقصواء فرحلت لَهُ، فَأَتَى بطن الْوَادي فَخَطب النَّاس، وَقَالَ: إِن دماءكم وَأَمْوَالكُمْ حرَام عَلَيْكُم كَحُرْمَةِ يومكم هَذَا فِي شهركم هَذَا فِي بلدكم هَذَا، أَلا كل شَيْء من أَمر الْجَاهِلِيَّة تَحت قدمي مَوْضُوع، وَدِمَاء الْجَاهِلِيَّة مَوْضُوعَة، وَإِن أول دم أَضَعهُ من دمائنا: دم ابْن ربيعَة بن الْحَارِث كَانَ مسترضعًا فِي بني سعد فَقتلته هُذَيْل، وَربا الْجَاهِلِيَّة مَوْضُوعَة، وَأول رَبًّا أَضَع ربانا رَبًّا الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب؛ فَإِنَّهُ مَوْضُوع كُله، فَاتَّقُوا الله فِي النِّسَاء فَإِنَّكُم أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَان الله- سُبْحَانَهُ- واستحللتم فروجهن بِكَلِمَة الله، وَلكم عَلَيْهِنَّ أَن لَا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه؛ فَإِن فعلن ذَلِك فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن عَلَيْكُم رزقهن وكسوتهن بِالْمَعْرُوفِ، وَقد تركت فِيكُم مَا لن تضلوا بعده إِن اعْتَصَمْتُمْ بِهِ: كتاب الله، وَأَنْتُم تسْأَلُون عني فَمَا أَنْتُم قَائِلُونَ؟! قَالُوا: نشْهد أَنَّك قد بلغت وَأديت وَنَصَحْت. فَقَالَ بإصبعه السبابَة يرفعها إِلَى السَّمَاء وينكتها إِلَى النَّاس اللَّهُمَّ اشْهَدْ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ- ثَلَاث مَرَّات- ثمَّ أذن بِلَال فَأَقَامَ فَصَلى الظّهْر، ثمَّ أَقَامَ فَصَلى الْعَصْر وَلم يصل بَينهمَا شَيْئا، ثمَّ ركب النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أَتَى الْموقف فَجعل بطن نَاقَته الْقَصْوَاء إِلَى الصخرات، وَجعل حَبل المشاة بَين يَدَيْهِ واستقبل الْقبْلَة فَلم يزل وَاقِفًا حَتَّى غربت الشَّمْس وَذَهَبت الصُّفْرَة قَلِيلا حَتَّى غَابَ القرص وَأَرْدَفَ أُسَامَة خَلفه، وَدفع رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد شنق للقصواء الزِّمَام حَتَّى إِن رَأسهَا ليصيب مورك رَحْله وَيَقُول بِيَدِهِ الْيُمْنَى: أَيهَا النَّاس، السكينَة السكينَة. كلما أَتَى حبلاً من الحبال أَرْخَى لَهَا قَلِيلا حَتَّى تصعد، حَتَّى أَتَى الْمزْدَلِفَة فَصَلى بهَا الْمغرب وَالْعشَاء بِأَذَان وَاحِد وَإِقَامَتَيْنِ وَلم يسبح بَينهمَا شَيْئا، ثمَّ اضْطجع النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى طلع الْفجْر فَصَلى الْفجْر حِين تبين لَهُ الصُّبْح بِأَذَان وَإِقَامَة ثمَّ ركب الْقَصْوَاء حَتَّى أَتَى الْمشعر الْحَرَام اسْتقْبل الْقبْلَة فَدَعَاهُ وكبّره وهلّله ووحّده، فَلم يزل وَاقِفًا حَتَّى أَسْفر جدًّا، فَدفع قبل أَن تطلع الشَّمْس وَأَرْدَفَ الْفضل بن الْعَبَّاس وَكَانَ رجلا حسن الشّعْر أَبيض وسيمًا، فَلَمَّا دفع رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مرّت ظُعُن يَجْرِينَ فَطَفِقَ الْفضل ينظر إلَيْهِنَّ فَوضع رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَده عَلَى وَجه الْفضل، فحول الْفضل وَجهه إِلَى الشق الآخر ينظر، فحول رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَده من الشق الآخر عَلَى وَجه الْفضل فصرف وَجهه من الشق الآخر ينظر حَتَّى أَتَى بطن محسر فحرك قَلِيلا، ثمَّ سلك الطَّرِيق الْوُسْطَى الَّتِي تخرج عَلَى الْجَمْرَة الْكُبْرَى حَتَّى أَتَى الْجَمْرَة الَّتِي عِنْد الشَّجَرَة فَرَمَاهَا بِسبع حَصَيَات يكبر مَعَ كل حَصَاة مِنْهَا- حَصى الْخذف- رَمَى من بطن الْوَادي، ثمَّ انْصَرف إِلَى المنحر فَنحر ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بِيَدِهِ، ثمَّ أعْطى عليًّا فَنحر مَا غبر وأشركه فِي هَدْيه، ثمَّ أَمر من كل بَدَنَة ببضعة فَجعلت فِي قدر فطبخت فأكلا من لَحمهَا وشربا من مرقها، ثمَّ ركب النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَفَاضَ إِلَى الْبَيْت فَصَلى بِمَكَّة الظّهْر فَأَتَى بني عبد الْمطلب يسقون عَلَى زَمْزَم، فَقَالَ: انزعوا بني عبد الْمطلب؛ فلولا أَن يغلبكم النَّاس عَلَى سِقَايَتكُمْ لنزعت مَعكُمْ، فناولوه دلوًا فَشرب مِنْهُ»
هَذَا كُله لفظ مُسلم فِي صَحِيحه بِحُرُوفِهِ.

.الحديث الخَامِس:

عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أفرد الْحَج».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه مُسلم فِي صَحِيحه عَنهُ قَالَ: «أهلّ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْحَجِّ؛ فَقدم لأَرْبَع مضين من ذِي الْحجَّة فَصَلى الصُّبْح، وَقَالَ لما صَلَّى الصُّبْح: من شَاءَ أَن يَجْعَلهَا عمْرَة فليجعلها عمْرَة» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام صَلَّى الظّهْر بِذِي الحليفة، ثمَّ أَتَى ببدن فأشعر صفحة سنامها الْأَيْمن وسَلَتَ الدَّم وقلدها نَعْلَيْنِ، ثمَّ ركب رَاحِلَته فَلَمَّا اسْتَوَت بِهِ عَلَى الْبَيْدَاء أهلّ بِالْحَجِّ».

.الحديث السَّادِس:

عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أفرد الْحَج».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْهَا قَالَت: «أهلّ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْحَجِّ». وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أفرد الْحَج» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أحرم بِالْحَجِّ مُفردا» وَفِي رِوَايَة لَهما، قَالَت: «خرجنَا مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا نذْكر إِلَّا الْحَج، فَلَمَّا جِئْنَا سرف طمثت» وذكَرَتْ تمامَ الحَدِيث إِلَى قَوْلهَا: «ثمَّ راحوا مهلّين بِالْحَجِّ» يَعْنِي: إِلَى منى، وَأخرجه ابْن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث مَالك، عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أفرد الْحَج» ثمَّ قَالَ: ذكر الْخَبَر المدحض قَول من زعم أَن هَذَا الْخَبَر تفرد بِهِ مَالك عَن عبد الرَّحْمَن. ثمَّ أخرجه من حَدِيث الثَّوْريّ، عَن عبد الرَّحْمَن ثمَّ قَالَ: ذكر الْخَبَر المدحض قَول من زعم أَن هَذِه اللَّفْظَة تفرد بهَا الْقَاسِم. ثمَّ أخرجه من حَدِيث مَالك عَن أبي الْأسود مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن نَوْفَل، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة بِهِ.

.الحَدِيث السَّابِع:

قَالَ الرَّافِعِيّ: وَأما قَوْله: «لَو اسْتقْبلت من أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرت...» الْخَبَر فَإِنَّمَا ذكره تطييبًّا لقلوب أَصْحَابه واعتذارًا لَهُم؛ وَتَمام الْخَبَر مَا رُوِيَ عَن جَابر: «أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أحرم إحرامًا مُبْهما، وَكَانَ ينْتَظر الْوَحْي فِي اخْتِيَار الْوُجُوه الثَّلَاثَة، فَنزل الْوَحْي بِأَن من سَاق الْهَدْي فليجعله حَجًّا، وَمن لم يَسُقْ فليجعله عمْرَة، وَكَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قد سَاق الْهَدْي دون غَيره فَأَمرهمْ أَن يجْعَلُوا إحرامهم عمْرَة ويتمتعوا، وَجعل النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِحْرَامه حجًّا فشق عَلَيْهِم ذَلِك؛ لأَنهم كَانُوا يَعْتَقِدُونَ من قبل أَن الْعمرَة فِي أشهر الْحَج من أكبر الْكَبَائِر وَأظْهر النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الرَّغْبَة فِي موافقتهم، وَقَالَ: لَو لم أسق الْهَدْي».
هَذَا الحَدِيث غَرِيب من طَرِيق جَابر وَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَن سُفْيَان، أَنا ابْن طَاوس وَإِبْرَاهِيم بن ميسرَة وَهِشَام بن حُجَيْر، سمعُوا طاوسًا يَقُول: «خرج رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْمَدِينَة لَا يُسَمِّي حجًّا وَلَا عمْرَة ينْتَظر الْقَضَاء- يَعْنِي نزُول جِبْرِيل بِمَا يصرف إِحْرَامه الْمُطلق إِلَيْهِ- فَنزل عَلَيْهِ الْقَضَاء بَين الصَّفَا والمروة، فَأمر أَصْحَابه من كَانَ مِنْهُم أهلّ بِالْحَجِّ وَلم يكن مَعَه هدي أَن يَجْعَلهَا عمْرَة، وَقَالَ: لَو اسْتقْبلت من أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرت مَا سقت الْهَدْي وَلَكِنِّي لبدت رَأْسِي وسقت هَدْيِي فَلَيْسَ لي مَحل إلاّ محلّ هَدْيِي. فَقَامَ إِلَيْهِ سراقَة بن مَالك فَقَالَ: يَا رَسُول الله، اقْضِ لنا قَضَاء قوم كَأَنَّمَا ولدُوا الْيَوْم، أعمرتنا هَذِه لِعَامِنَا هَذَا أم لِلْأَبَد؟ فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: بل لِلْأَبَد دخلت الْعمرَة فِي الْحَج إِلَى يَوْم الْقِيَامَة. قَالَ: فَدخل عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه من الْيمن فَسَأَلَهُ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا أهللتَ؟ فَقَالَ أَحدهمَا: لبّيك إهلال النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَالَ الآخر: لبيْك حجَّة النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم» وَفِي البُخَارِيّ من حَدِيث جَابر: «أهلّ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْحَجِّ وَلَيْسَ مَعَ أحد مِنْهُم هدي غير النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم».

.الحَدِيث الثَّامِن:

«أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أحرم مُتَمَتِّعا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث ابْن عمر، قَالَ: «تمتّع النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأهْدَى فساق الْهَدْي من ذِي الحليفة، وَبَدَأَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأهل بِالْعُمْرَةِ ثمَّ أهل بِالْحَجِّ...» فَذكر الحَدِيث، وَأخرجه مُسلم من حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن، قَالَ: «تمتّع رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وتمتعنا مَعَه» وحسَّنَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث ابْن عَبَّاس: «تمتّع رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان، وَأول من نهَى عَنْهَا مُعَاوِيَة».

.الحَدِيث التَّاسِع:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لعَائِشَة: طوافك بِالْبَيْتِ وسعيك بَين الصَّفَا والمروة يَكْفِيك لحجك وعمرتك».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم فِي صَحِيحه عَنْهَا بِلَفْظ «يسعك طوافك لحجك وعمرتك» وَفِي رِوَايَة لَهُ «يُجزئ عَنْك طوافك بالصفا والمروة عَن حجك وعمرتك».

.الحَدِيث الْعَاشِر:

«أَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَحرمت بِالْعُمْرَةِ لما خرجت مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام حجَّة الْوَدَاع فَحَاضَت وَلم يُمكنهَا أَن تَطوف للْعُمْرَة وخافت فَوَات الْحَج لَو أخرت إِلَى أَن تطهر، فَدخل عَلَيْهَا النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهَا: مَا بالك، أنفست؟ قَالَت: بلَى. قَالَ: ذَلِك شَيْء كتبه الله عَلَى بَنَات آدم، أهلّي بِالْحَجِّ واصنعي مَا يصنع الْحَاج، غير أَن لَا تطوفي بِالْبَيْتِ وطوافك يَكْفِيك لحجك وعمرتك».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم بِنَحْوِهِ من حَدِيثهَا، وَكَذَا البُخَارِيّ ورَوَاهُ أَيْضا مُسلم بِنَحْوِهِ من حَدِيث جَابر، وَكَذَا البُخَارِيّ، وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد من حَدِيث جَابر: «غير أَن لَا تطوفي بِالْبَيْتِ وَلَا تصلي».

.الحَدِيث الْحَادِي عشر:

عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «أهْدَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بقرة وَنحن قارنات».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ عَنْهَا، قَالَت: «خرجنَا مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لخمس بَقينَ من ذِي الْقعدَة لَا نرَى إِلَّا أَنه الْحَج، حَتَّى إِذا دنونا من مَكَّة أَمر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من لم يكن مَعَه هدي إِذا طَاف بِالْبَيْتِ وَبَين الصَّفَا والمروة أَن يحل، قَالَت: فَدُخِلَ علينا يَوْم النَّحْر بِلَحْم بقرٍ، فَقلت: مَا هَذَا؟ فَقيل: ذبح رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أَزوَاجه» وَفِي حَدِيث آخر عَنْهَا «فأتينا بِلَحْم بقرٍ فَقلت: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: أهْدَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن نِسَائِهِ الْبَقر» أَخْرجَاهُ أَيْضا، وَأخرج مُسلم من حَدِيث أبي الزبير، عَن جَابر، قَالَ: «ذبح رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن عَائِشَة بقرة يَوْم النَّحْر» وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن أبي الزبير أَنه سمع جَابر بن عبد الله يَقُول: «نحر النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن نِسَائِهِ» وَفِي رِوَايَة عَن عَائِشَة: «بقرة فِي حجَّته» ترْجم الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَلَى هذَيْن الْحَدِيثين بَاب الْقَارِن يهريق دَمًا، ثمَّ قَالَ: وَحَدِيث أبي الزبير عَن جَابر قَاطع بِكَوْن عَائِشَة قارنة. ثمَّ قَالَ: بَاب الْعمرَة قبل الْحَج. وسَاق فِيهِ: «أَن عَائِشَة أهلّت من التَّنْعِيم بِعُمْرَة مَكَان عمرتها فَقَضَى الله عمرتها». وَلم يكن فِي ذَلِك هدي وَلَا صِيَام وَلَا صَدَقَة، قَالَ: وَقَوله: «وَقَضَى الله عمرتها» من قَول عُرْوَة. قَالَ: وَإِنَّمَا لم يكن فِي ذَلِك هدي؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ قد أهْدَى عَنْهَا وَعَمن اعْتَمر من أَزوَاجه بقرة بَينهُنَّ. وَهُوَ كَمَا قَالَ فَفِي سنَن ابْن مَاجَه وصَحِيح الْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: «ذبح رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَمَّن اعْتَمر من نِسَائِهِ فِي حجَّة الْوَدَاع بقرة بَينهُنَّ» قَالَ الْحَاكِم: صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: تفرد بِهِ الْوَلِيد بن مُسلم وَلم يذكر سَمَاعه فِيهِ، وَالْبُخَارِيّ كَانَ يخَاف أَن يكون أَخذه عَن يُوسُف بن السّفر. ثمَّ رَوَاهُ مرّة أُخْرَى بالتصريح بِالتَّحْدِيثِ، ثمَّ قَالَ: فَإِن كَانَ قَوْله: ثَنَا الْأَوْزَاعِيّ مَحْفُوظًا صَار الحَدِيث جيدا. وَفِي النَّسَائِيّ عَن عَائِشَة قَالَت: «ذبح عَنَّا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم حجِّنا بقرة بقرة».

.الحَدِيث الثَّانِي عشر:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر أَصْحَابه أَن يحرموا من مَكَّة وَكَانُوا متمتعين».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، قَالَ: «حجَجنَا مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام سَاق الْهَدْي مَعَه- يَعْنِي حجَّة الْوَدَاع- وَقد أهلوا بِالْحَجِّ مُفردا، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: أحلُّوا من إحرامكم فطوفوا بِالْبَيْتِ وَبَين الصَّفَا والمروة وَقصرُوا وَأقِيمُوا حَلَالا، حَتَّى إِذا كَانَ يَوْم التَّرويَة فأهلوا بِالْحَجِّ وَاجْعَلُوا الَّتِي قَدِمْتم بهَا مُتْعَة. قَالُوا: كَيفَ نَجْعَلهَا مُتْعَة وَقد سمّينا الْحَج؟! قَالَ: افعلوا مَا أَمرتكُم بِهِ، فلولا أَنِّي سقت الْهَدْي لفَعَلت مثل الَّذِي أَمرتكُم بِهِ، وَلَكِن لَا يحل مني حرَام حَتَّى يبلغ الْهَدْي مَحَله. فَفَعَلُوا» وَقَالَ البُخَارِيّ: «حلوا من إحرامكم بِطواف الْبَيْت وَبَين الصَّفَا والمروة» وَقَالَ: «قبل التَّرويَة بِثَلَاثَة أَيَّام» وَلَهُمَا أَيْضا من حَدِيثه قصَّة الْإِحْلَال، قَالَ: «فأحللنا ووطئنا النِّسَاء وَفعلنَا مَا يفعل الْحَلَال، حَتَّى إِذا كَانَ يَوْم التَّرويَة وَجَعَلنَا مَكَّة بظهرٍ أَهْلَلْنَا بالحجِّ».

.الحَدِيث الثَّالِث عشر:

قَالَ الرَّافِعِيّ: وَالْمُسْتَحب لَهُ أَن يحرم يَوْم التَّرويَة بعد الزَّوَال مُتَوَجها إِلَى منى، لما رُوِيَ عَن جَابر أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا توجهتم إِلَى منى فأهلوا بِالْحَجِّ».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ: «أمرنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أَحللنَا أَن نحرم إِذا توجهنا إِلَى منى. قَالَ: فأهللنا من الأبطح». وللبخاري قَالَ أَبُو الزبير: عَن جَابر: «أَهْلَلْنَا من الأبطح». وَاعْلَم أَن هَذَا الحَدِيث لَيْسَ مطابقًا لما اسْتدلَّ بِهِ، بل السّنة الثَّابِتَة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام صَلَّى الظّهْر بمنى» كَمَا أسلفناه من حَدِيث جَابر، ثمَّ مَا جزم بِهِ الرَّافِعِيّ هُنَا من كَون خُرُوجهمْ بعد الزَّوَال خلاف مَا ذكره بعد ذَلِك فِي كَلَامه عَلَى الْوُقُوف بِعَرَفَة من أَن الْمَشْهُور أَن خُرُوجهمْ قبله بِحَيْثُ يصلونَ الظّهْر بمنى.

.الحَدِيث الرَّابِع عشر:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ للمتمتعين: من كَانَ مَعَه هدي فليهد، وَمن لم يجد هَديا فليصم ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا رَجَعَ إِلَى أَهله».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «تمتّع رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وسَاق الْهَدْي». الحَدِيث بِطُولِهِ إِلَى أَن قَالَ: «ثمَّ ليهد، فَمن لم يجد هَديا فليصم ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا رَجَعَ إِلَى أَهله».

.الحَدِيث الْخَامِس عشر:

عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج، وَسَبْعَة إِذا رجعتم إِلَى أمصاركم».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ تَعْلِيقا بِصِيغَة جزم من حَدِيث عِكْرِمَة عَنهُ مطولا وَذكر هَذَا فِي آخِره، قَالَ الْحميدِي: قَالَ أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِي: هَذَا الحَدِيث عَزِيز لم أره إِلَّا عِنْد مُسلم، وَلم يُخرجهُ فِي صَحِيحه من أجل عِكْرِمَة؛ فَإِنَّهُ لم يَرْوِ عَنهُ فِي صَحِيحه وَعِنْدِي أَن البُخَارِيّ أَخذه عَن مُسلم.

.الحَدِيث السَّادِس عشر:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أحرم إحرامًا مُطلقًا وانتظر الْوَحْي».
هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي السَّابِع.

.الحَدِيث السَّابِع عشر:

عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «قدمنَا مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنحن نقُول: لبيْك بِالْحَجِّ».
ذكره الرَّافِعِيّ دَلِيلا عَلَى أَن التَّعْيِين أفضل من الْإِطْلَاق، وَهَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَقد سلف فِي الْبَاب بِلَفْظِهِ. وَذكره الرَّافِعِيّ بعد دَلِيلا عَلَى اسْتِحْبَاب التَّلَفُّظ بِمَا عَيَّنَهُ.

.الحَدِيث الثَّامِن عشر:

«أَن عليًّا قدم من الْيمن مهلاًّ بِمَا أهل بِهِ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يُنكر عَلَيْهِ».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث أنس، وَرَوَاهُ البُخَارِيّ من حَدِيث جَابر وَكَذَا مُسلم فِي حَدِيث جَابر الطَّوِيل، وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث النزال بن سُبْرَة عَن عَلّي، وَأحمد من حَدِيث ابْن عمر.

.الحديث التَّاسِع عشر:

«أَن أَبَا مُوسَى قدم من الْيمن مهلاًّ بِمَا أهل بِهِ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يُنكر عَلَيْهِ».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيثه هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب.

.وَأما أَثَره:

فَذكر فِيهِ عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: «كَانَ أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يعتمرون فِي أشهر الْحَج؛ فَإِذا لم يحجوا من عَامهمْ ذَلِك لم يهدوا».
وَهَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد حسن من حَدِيث مُسلم بن إِبْرَاهِيم نَا هِشَام، نَا قَتَادَة، عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: «كَانَ أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يتمتعون فِي أشهر الْحَج؛ فَإِذا لم يحجوا عَامهمْ ذَلِك لم يهدوا شَيْئا».

.باب سنَن الْإِحْرَام:

ذكر فِيهِ من الْأَحَادِيث إِحْدَى وَعشْرين حَدِيثا:

.الحديث الأول:

«أَنه عَلَيْهِ السَّلَام تجرّد لإهلاله واغتسل».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عبد الله بن يَعْقُوب الْمدنِي، عَن ابْن أبي الزِّنَاد، عَن أَبِيه، عَن خَارِجَة بن زيد، عَن أَبِيه زيد بن ثَابت «أَنه رَأَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم تجرّد لإهلاله واغتسل» ثمَّ قَالَ: حسن غَرِيب. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه بِلَفْظ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام اغْتسل لإحرامه حَيْثُ أحرم». قَالَ ابْن الْقطَّان فِي علله: وَإِنَّمَا حسَّنَه التِّرْمِذِيّ للِاخْتِلَاف فِي عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد، قَالَ: وَلَعَلَّه عرف عبد الله بن يَعْقُوب الْمدنِي وَمَا أَدْرِي كَيفَ ذَلِك؟ وَلَا أرَى أَنِّي يلْزَمنِي صِحَّته؛ فَإِنِّي أجهدت نَفسِي فِي مَعْرفَته فَلم أر أحدا ذكره، وَفِي حَدِيث النَّهْي عَن الصَّلَاة خلف النَّائِم عبد الله بن يَعْقُوب الْمدنِي وَهُوَ أَيْضا لَا أعرفهُ مَذْكُورا بِهَذَا.
قلت: صرح بَعضهم بِأَنَّهُ هُوَ، وَلَيْسَ فِي سنَن د ت سواهُ، نعم هُوَ مَجْهُول الْحَال، وَقد تَابعه الْأسود بن عَامر شَاذان فَرَوَاهُ عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد، عَن أَبِيه، عَن خَارِجَة بن زيد بن ثَابت، عَن أَبِيه «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام تجرد لإهلاله واغتسل» وَالْأسود هَذَا ثِقَة من رجال الصَّحِيحَيْنِ وَتَابعه أَيْضا أَبُو غزيَّة مُحَمَّد بن مُوسَى بن مِسْكين القَاضِي، فَرَوَاهُ عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد، عَن أَبِيه، عَن خَارِجَة بن زيد بن ثَابت، عَن أَبِيه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم اغْتسل لإحرامه» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من طَرِيقه وَقد ضَعَّفُوهُ، قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ ابْن حبَان: يسرق الحَدِيث وَيحدث بِهِ، يروي عَن الثِّقَات الموضوعات. وَقَالَ ابْن صاعد: هَذَا حَدِيث غَرِيب مَا سمعناه إِلَّا مِنْهُ. قَالَ الْعقيلِيّ- بعد أَن أخرجه فِي تَارِيخ الضُّعَفَاء من طَرِيقه-: لَا يُتَابع عَلَيْهِ إِلَّا من طَرِيق فِيهَا ضعف وَلما أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه قَالَ: أَبُو غزيَّة لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ الْحَاكِم: ثِقَة، وَله شَاهد من حَدِيث يَعْقُوب بن عَطاء، عَن أَبِيه، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «اغْتسل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ لبس ثِيَابه، فَلَمَّا أَتَى ذَا الحليفة صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ قعد عَلَى بعيره، فَلَمَّا اسْتَوَى بِهِ عَلَى الْبَيْدَاء أحرم بِالْحَجِّ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ ثمَّ قَالَ: يَعْقُوب بن عَطاء غير قوي.

.الحديث الثَّانِي:

«أَن أَسمَاء بنت عُميس امْرَأَة أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْها نفست بِذِي الحليفة، فَأمرهَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تَغْتَسِل للْإِحْرَام».
هَذَا الحَدِيث أخرجه مَالك فِي موطئِهِ عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم، عَن أَبِيه، عَن أَسمَاء بنت عُمَيْس «أَنَّهَا ولدت مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق بِالْبَيْدَاءِ، فَذكر ذَلِك أَبُو بكر لرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مرها فلتغتسل ثمَّ لتهل» وَفِي رِوَايَة لَهُ «أَنَّهَا ولدت مُحَمَّدًا بِذِي الحليفة فَأمرهَا أَبُو بكر أَن تَغْتَسِل ثمَّ تهلّ» وفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ عَن مُحَمَّد بن مسلمة والْحَارث بن مِسْكين، عَن ابْن الْقَاسِم، عَن مَالك بِاللَّفْظِ الأول، وَهُوَ مُرْسل كَمَا صرح بِهِ الْبَيْهَقِيّ فَلِأَن الْقَاسِم هَذَا هُوَ ابْن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق وَلم يلق أَسمَاء، كَمَا نبه عَلَيْهِ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب، وَإِنَّمَا رَوَاهُ عَن عَائِشَة كَمَا سَيَأْتِي، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا من حَدِيث مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، عَن أَبِيه، عَن أَسمَاء. وَهُوَ مُرْسل أَيْضا، قَالَ ابْن حزم: مُحَمَّد هَذَا لم يسمع من أَبِيه، مَاتَ أَبوهُ وَهُوَ ابْن عَاميْنِ وَسَبْعَة أشهر وَأَرْبَعَة أَيَّام. رَوَاهُ مُسلم مُتَّصِلا من حَدِيث عبيد الله بن عمر الْعمريّ، عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة، قَالَت: «نفست أَسمَاء بنت عُميس بِمُحَمد بن أبي بكر الصّديق بِالشَّجَرَةِ، فَأمر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا بكر فَأمرهَا أَن تَغْتَسِل وتهل» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد كَذَلِك، وَابْن مَاجَه فِي إِحْدَى روايتيه، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله: الصَّحِيح قَول مَالك وَمن وَافقه- يَعْنِي: مُرْسلا- ورَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن أَسمَاء، قَالَ: وَرَوَاهُ يَحْيَى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه، عَن أبي بكر الصّديق، وَهُوَ حَافظ ثِقَة، وَقد سلف أَيْضا هَذَا الحَدِيث من حَدِيث جَابر الطَّوِيل.
فَائِدَة:
أَسمَاء هَذِه زَوْجَة الصّديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وأَبُو عُميس بِعَين مُهْملَة مَضْمُومَة، ثمَّ مِيم مَفْتُوحَة، ثمَّ مثناة تَحت، ثمَّ سين مُهْملَة والعميس أَنَّك تُظهِر أَنَّك لَا تعرف الْأَمر وَأَنت عَارِف بِهِ، قَالَه الْجَوْهَرِي، وَقَوله: «ثمَّ لتهل» يجوز فِي لَام «لتهل» الْكسر والإسكان وَالْفَتْح، وَهُوَ غَرِيب.
و«نفست» بِضَم النُّون وَفتحهَا: ولدت وحاضت، لُغَتَانِ فيهمَا، وَقيل: بِالْفَتْح فِي الْحيض لَا غير.
والبيداء- بِفَتْح الْبَاء وبالمد- وَالْمرَاد بِهِ هُنَا: مَكَان بِذِي الحليفة، كَمَا فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى، وَفِي الْأُخْرَى «بِالشَّجَرَةِ» وَكَانَت سَمُرَة، وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام ينزلها من الْمَدِينَة وَيحرم مِنْهَا، وَهِي عَلَى سِتَّة أَمْيَال من الْمَدِينَة. نبه عَلَيْهِ الْمُنْذِرِيّ فِي حَوَاشِي السّنَن.