فصل: الحَدِيث الْخَمْسُونَ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحَدِيث السَّادِس بعد الْأَرْبَعين:

أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا تبادروني بِالرُّكُوعِ وَلَا بِالسُّجُود فمهما أسبقكم بِهِ إِذا ركعت تدركوني إِذا رفعت، وَمهما أسبقكم بِهِ إِذا سجدت تدركوني بِهِ إِذا رفعت».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ كَذَلِك أَحْمد والْحميدِي فِي مسنديهما، وَابْن مَاجَه فِي سنَنه، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه.
وَفِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان: «لَا تسبقوني بِالرُّكُوعِ وَلَا بِالسُّجُود فَإِنِّي قد بدنت، وَإِنِّي مهما أسبقكم بِهِ حِين أركع تدركوني بِهِ حِين أرفع، وَمَا سبقتكم بِهِ حِين أَسجد تدركوني بِهِ حِين أرفع».
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه بِلَفْظ: «لَا تبادروني بركوع وَلَا سُجُود فَإِنَّهُ مهما أسبقكم بِهِ إِذا ركعت تدركوني بِهِ إِذا رفعت إِنِّي قد بدنت» وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَفعه «يَا أَيهَا النَّاس إِنِّي قد بدَّنت أَو بدنت فَلَا تسبقوني بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُود، وَلَكِن إِن سبقتكم إِنَّكُم تدركون مَا فاتكم».
فَائِدَة: «بدنت» بِالتَّشْدِيدِ وَنصب الدَّال عَلَى الْأَصَح.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه: اخْتَار أَبُو عبيد: «بدنت» بِالتَّشْدِيدِ وَنصب الدَّال- يَعْنِي: كَبرت. وَمن قَالَ بِرَفْع الدَّال فَإِنَّهُ أَرَادَ كَثْرَة اللَّحْم. وَفِي مجمع الغرائب للفارسي: رَوَى هشيم- وَكَانَ فِيمَا يُقَال: لحانًا بدنت، قَالَ أَبُو عبيد: لَيْسَ لَهُ مَعْنَى؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَثْرَة اللَّحْم من صفته عَلَيْهِ السَّلَام؛ لِأَن من نَعته أَنه كَانَ رجلا بَين الرجلَيْن فِي جِسْمه ولحمه. وَكَذَا قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي جَامع المسانيد: بدنت مُشَدّدَة بِمَعْنى كَبرت وَمن خففها غلط؛ لِأَنَّهُ يكون من كَثْرَة اللَّحْم، وَلَيْسَ من صِفَاته. وَكَذَا قَالَ المطرزي: الصَّوَاب عَن الْأمَوِي «بدنت»؛ أَي: كَبرت؛ لِأَن البدانة وَالسمن خلاف صفته عَلَيْهِ السَّلَام، إِلَّا أَن يحمل عَلَى أَن الْحَرَكَة ثقلت عَلَى البادن. قَالَ: وَإِن صَحَّ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام حمل الشَّحْم فِي آخر عمره لاستغنى عَن التَّأْوِيل.

.الحَدِيث السَّابِع بعد الْأَرْبَعين:

«أَن معَاذًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أمَّ قومه لَيْلَة فِي صَلَاة الْعشَاء بَعْدَمَا صلاهَا مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَافْتتحَ سُورَة الْبَقَرَة فَتنَحَّى رجل من خَلفه وَصَلى وَحده فَقيل لَهُ نافقت، ثمَّ ذكر ذَلِك للنَّبِي فَقَالَ الرجل: يَا رَسُول الله إِنَّك أخرت الْعشَاء وَإِن معَاذًا صَلَّى مَعَك ثمَّ أمنا وافتتح سُورَة الْبَقَرَة، وَإِنَّمَا نَحن أَصْحَاب نواضح نعمل بِأَيْدِينَا، فَلَمَّا رَأَيْت ذَلِك تَأَخَّرت وَصليت، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: أفتان أَنْت يَا معَاذ؟ اقْرَأ سُورَة كَذَا اقْرَأ سُورَة كَذَا».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث جَابر بن عبد الله قَالَ: «كَانَ معَاذ يُصَلِّي مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ يَأْتِي فيؤم قومه، فَصَلى لَيْلَة مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعشَاء، ثمَّ أَتَى قومه فَأمهمْ فَافْتتحَ سُورَة الْبَقَرَة، فانحرف رجل فَسلم ثمَّ صَلَّى وَحده وَانْصَرف، فَقَالُوا لَهُ: نافقت يَا فلَان.
قَالَ: لَا وَالله ولآتين رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فلأخبرنه فَأَتَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنَّا أَصْحَاب نواضح نعمل بِالنَّهَارِ، وَإِن معَاذًا صَلَّى مَعَك الْعشَاء ثمَّ أَتَى فَافْتتحَ سُورَة الْبَقَرَة. فَأقبل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى معَاذ فَقَالَ: يَا معَاذ، أفتان أَنْت، اقْرَأ بِكَذَا واقرأ بِكَذَا»
قَالَ سُفْيَان: فَقلت لعَمْرو: إِن أَبَا الزبير حَدثنَا عَن جَابر أَنه قَالَ: اقْرَأ {وَالشَّمْس وَضُحَاهَا} {وَالضُّحَى} {وَاللَّيْل إِذا يغشى} و{سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} فَقَالَ عَمْرو نَحْو هَذَا.
هَذَا لفظ مُسلم، وَفِي آخر لَهُ: «إِذا أممت النَّاس فاقرأ ب {الشمس وَضُحَاهَا} و{سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} و{اقْرَأ باسم رَبك} {وَاللَّيْل إِذا يغشي}».
وللبخاري: «أَن معَاذًا صَلَّى بِنَا البارحة فَقَرَأَ الْبَقَرَة فتجوزت، فَزعم أَنِّي مُنَافِق: فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: أفتان أَنْت- ثَلَاثًا» وَلم يذكر تعْيين السُّور.
وَله أَيْضا: «أَن معَاذًا كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ يَأْتِي قومه فَيصَلي بهم صَلَاة الْعشَاء فَقَرَأَ الْبَقَرَة، قَالَ: فَتجوز رجل وَصَلى صَلَاة خَفِيفَة، فَبلغ ذَلِك معَاذًا، فَقَالَ: إِنَّه مُنَافِق. فَبلغ ذَلِك الرجلَ فَأَتَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنَّا قوم نعمل بِأَيْدِينَا ونسقي نواضحنا وَإِن معَاذًا صَلَّى البارحة فَقَرَأَ الْبَقَرَة فتجوزت فَزعم أَنِّي مُنَافِق. فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: يَا معَاذ، أفتان أَنْت- ثَلَاثًا- اقْرَأ {وَالشَّمْس وَضُحَاهَا} و{سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} وَنَحْوهَا» وَفِي لفظ آخر: «فلولا صليت ب {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} {وَالشَّمْس وَضُحَاهَا} {وَاللَّيْل إِذا يغشى} فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَرَاءَك الْكَبِير وَالصَّغِير وَذُو الْحَاجة» قَالَ: أَحسب هَذَا فِي الحَدِيث وَلَيْسَت عِنْده قَول سُفْيَان لعَمْرو، وَفِي بعض طرقه: «أقبل رجل بناضحين وَقد أقبل اللَّيْل فَوَافَقَ معَاذًا يُصَلِّي فَأقبل معَاذ» وَذكر الحَدِيث.
وَللشَّافِعِيّ، عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن عَمْرو، عَن جَابر: «كَانَ معَاذ يُصَلِّي مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعشَاء- أَو الْعَتَمَة- ثمَّ يرجع فيصليها بقَوْمه فِي بني سَلمَة. قَالَ: فَأخر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعشَاء ذَات لَيْلَة، قَالَ: فَصَلى معَاذ مَعَه، ثمَّ رَجَعَ فَأم قومه فَقَرَأَ بِسُورَة الْبَقَرَة فَتنَحَّى رجل من خَلفه فَصَلى وَحده فَقَالُوا لَهُ: نافقت. قَالَ: لَا وَلَكِنِّي آتِي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنَّك أخرت الْعشَاء وَإِن معَاذًا صَلَّى مَعَك، ثمَّ رَجَعَ فأمنا وافتتح سُورَة الْبَقَرَة، فَلَمَّا رَأَيْت ذَلِك تَأَخَّرت فَصليت، وَإِنَّمَا نَحن أَصْحَاب نواضح نعمل بِأَيْدِينَا. فَأقبل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أفتان أَنْت يَا معَاذ، أفتان أَنْت يَا معَاذ، اقْرَأ بِسُورَة كَذَا وَسورَة كَذَا».
قَالَ الشَّافِعِي: وَأَنا سُفْيَان، أَنا أَبُو الزبير، عَن جَابر بِمثلِهِ وَزَاد فِيهِ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لَهُ: اقْرَأ ب سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى، وَاللَّيْل إِذا يغشى، وَالسَّمَاء والطارق وَنَحْوهَا قَالَ سُفْيَان فَقلت لعَمْرو: إِن أَبَا الزبير يَقُول قَالَ لَهُ: اقْرَأ ب سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى وَاللَّيْل إِذا يغشي وَالسَّمَاء والطارق قَالَ عَمْرو: هُوَ هَذَا أَو نَحوه».
فَوَائِد:
الأولَى: قد أسلفنا أَنه قَرَأَ سُورَة الْبَقَرَة، وَفِي مُسْند الإِمَام أَحْمد من حَدِيث بُرَيْدَة أَنه قَرَأَ اقْتَرَبت السَّاعَة وَجمع بَينهمَا بِأَنَّهُ قَرَأَ هَذِه فِي رَكْعَة وَهَذِه فِي أُخْرَى.
الثَّانِيَة: هَذِه الصَّلَاة كَانَت الْعشَاء كَمَا سلف لَك- وَهُوَ أصح من رِوَايَة أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ أَنَّهَا كَانَت فِي صَلَاة الْمغرب.
الثَّالِثَة: اخْتلف فِي اسْم هَذَا الرجل المنحرف أَو المتجوز عَلَى أَقْوَال، ذكرتها فِي تخريجي لأحاديث الْمُهَذّب وَغَيره أَصَحهَا: أَنه حرَام بن ملْحَان خَال أنس، وَلم يذكر الْخَطِيب فِي «مبهماته» غَيره، وَوَقع فِي الْمُهَذّب: «فَانْفَرد عَنهُ أَعْرَابِي»، وَالصَّوَاب: أَنْصَارِي. بدله.
الرَّابِعَة: احْتج المُصَنّف تبعا للشَّافِعِيّ وَالْأَصْحَاب بِهَذَا الحَدِيث عَلَى جَوَاز الْمُفَارقَة وَالْبناء عَلَى مَا صَلَّى، لَكِن احْتج بِهِ الشَّافِعِي فِي الْأُم وَالشَّيْخ أَبُو حَامِد وَآخَرُونَ عَلَى الْمُفَارقَة وبِغَيْر عذر وَجعلُوا تَطْوِيل الْقِرَاءَة لَيْسَ بِعُذْر وَاحْتج بِهِ صَاحب الْمُهَذّب وَآخَرُونَ عَلَى الْمُفَارقَة بِعُذْر، وَجعلُوا طولهَا عذرا، وَرِوَايَة مُسلم السالفة أَنه انحرف فَسلم ثمَّ صَلَّى وَحده تشكل عَلَى ذَلِك، كَأَنَّهُ اسْتَأْنف وَلم يبن، فَلَا دلَالَة فِيهِ إِذا للمفارقة وَالْبناء، لَكِن قَالَ الْبَيْهَقِيّ: لَا أَدْرِي هَل حفظت الزِّيَادَة الَّتِي فِي مُسلم لِكَثْرَة من رَوَى الحَدِيث عَن سُفْيَان بِدُونِهَا، وَإِنَّمَا انْفَرد بهَا مُحَمَّد بن عباد عَن سُفْيَان. وَلَك أَن تَقول: هَذِه الزِّيَادَة من ثِقَة فَقبلت- كَمَا هُوَ الصَّحِيح عِنْد جُمْهُور الْفُقَهَاء وَالْأُصُول والْحَدِيث.
وَجَوَاب هَذَا أَن أَكثر الْمُحدثين يجْعَلُونَ مثل هَذِه الزِّيَادَة شَاذَّة ضَعِيفَة مَرْدُودَة، فَإِن الشاذ عِنْدهم أَن يروي مَا لَا يرويهِ سَائِر الثِّقَات سَوَاء خالفهم أم لَا، وَمذهب الشَّافِعِي وَطَائِفَة من عُلَمَاء الْحجاز أَن الشاذ مَا يُخَالف الثِّقَات، أما مَا لَا يخالفهم فَلَيْسَ بشاذ بل يحْتَج بِهِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح وَقَول الْمُحَقِّقين فعلَى الأول: هَذِه اللَّفْظَة شَاذَّة لَا يحْتَج بهَا كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْبَيْهَقِيّ، وَيُؤَيِّدهُ أَن فِي رِوَايَة الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده فِي هَذَا الحَدِيث من طَرِيق أنس: أَن هَذَا الرجل لما رَأَى معَاذًا طول تجوز فِي صلَاته وَلحق بنخله ليسقيه، فَلَمَّا قَضَى معَاذ الصَّلَاة قيل لَهُ فِي ذَلِك قَالَ: إِنَّه لمنافق يعجل عَن الصَّلَاة لأجل سقِِي نخله.

.الحَدِيث الثَّامِن بعد الْأَرْبَعين:

«أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لما صَلَّى صَلَاة الْخَوْف بِذَات الرّقاع فارقته الْفرْقَة الأولَى بَعْدَمَا صَلَّى بهم رَكْعَة».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث خَوات بن جُبَير، وَسَيَأْتِي فِي بَابه إِن شَاءَ الله ذَلِك وَقدره.

.الحَدِيث التَّاسِع بعد الْأَرْبَعين:

«أَنه عَلَيْهِ السَّلَام صَلَّى بِأَصْحَابِهِ ثمَّ تذكر فِي صلَاته أَنه جنب فَأَشَارَ إِلَيْهِم كَمَا أَنْتُم وَخرج واغتسل ثمَّ عَاد وَرَأسه تقطر وَتحرم بهم».
هَذَا الحَدِيث سلف الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الْبَاب بعد عقد الْعشْرين مِنْهُ.
وَاعْلَم أَن الرَّافِعِيّ اسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث لأظهر الْقَوْلَيْنِ أَنه يجوز لمن أحرم مُنْفَردا أَن يَنْوِي الْقدْوَة فِي خلال صلَاته، فَإِنَّهُ لما أوردهُ قَالَ: وَمَعْلُوم أَنهم أنشئوا اقْتِدَاء جَدِيدا إِذْ تبين أَن الأول لم يكن صَحِيحا، وَتبع فِي ذَلِك الإِمَام فَإِنَّهُ قَالَه كَذَلِك سَوَاء، وَهُوَ عَجِيب؛ لأَنهم إِذا أنشئوا اقْتِدَاء جَدِيدا لم يكن فِيهِ إنْشَاء الْمُنْفَرد الِاقْتِدَاء؛ بل هُوَ إنْشَاء قدوة من لَيْسَ بمصلٍّ؛ وَهَذَا لَيْسَ مَحل النزاع، وَأَيْضًا لَا نسلم بطلَان الِاقْتِدَاء الأول؛ لِأَنَّهُ تصح الصَّلَاة خلف الْمُحدث إِذا جهل الْمَأْمُوم حَدثهُ، لَا جرم أَن الْمَاوَرْدِيّ لما اسْتدلَّ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور ذكر فِيهِ أَنه اسْتَأْنف الْإِحْرَام وَأَن الْقَوْم بقوا عَلَى إحرامهم، ثمَّ قَالَ: فَلَمَّا سَبَقُوهُ بِالْإِحْرَامِ وَلم يَأْمُرهُم باستئنافه وَقد خَرجُوا بالجنابة من إِمَامَته دلّ عَلَى صِحَة صَلَاة الْمَأْمُوم إِذا سبق الإِمَام بِبَعْض صلَاته. وَقَوله: وَقد خَرجُوا بالجنابة من إِمَامَته: كَأَنَّهُ يَعْنِي بِهِ أَنه تبين بِسَبَب الْجَنَابَة أَنه لم يكن إِمَامًا لَهُم، وَقد سبق بِهَذَا الِاعْتِرَاض الشَّيْخ تَاج الدَّين فَقَالَ فِي «إقليده»:
تمسُّك الْأَصْحَاب بِهَذَا الحَدِيث من النَّوَادِر؛ فَإِن الشَّافِعِي فرق بَين إنْشَاء الْقدْوَة وَمَا وَقع فِي هَذِه الْقِصَّة، وَقد قَالَ الشَّافِعِي فِي الْمُخْتَصر: كرهت أَن يفتتحها صَلَاة إِفْرَاد ثمَّ يَجْعَلهَا صَلَاة جمَاعَة. وَهَذَا يُخَالف صَلَاة الَّذين افْتتح بهم النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّلَاة. ثمَّ ذكر فَانْصَرف فاغتسل ثمَّ رَجَعَ فَأمهمْ فَإِنَّهُم افتتحوا الصَّلَاة جمَاعَة.
وَقَالَ فِي «الْقَدِيم»: ثمَّ قَالَ قَائِل يدْخل مَعَ الإِمَام وَيُعِيد مَا مَضَى. قَالَ الْمُزنِيّ: وَهَذَا عِنْدِي أَقيس عَلَى أَصله؛ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام لم يكن فِي صَلَاة وَصَحَّ إحرامهم وَلَا إِمَام لَهُم ثمَّ ابْتَدَأَ بهم وَقد سبقوا هم بِالْإِحْرَامِ.
قلت: لَكِن سلف فِي الْكَلَام عَلَى هَذَا الحَدِيث من طَرِيق أبي دَاوُد: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كبر ثمَّ أَوْمَأ أَن اجلسوا، فَذهب فاغتسل». وَعَلَى هَذَا فَلَا دلَالَة فِيهِ عَلَى الْمُدعَى؛ لِأَن هَذَا إِحْرَام آخر جَدِيد إِلَّا أَن يَدعِي أَن هَذِه قَضِيَّة أُخْرَى غير تِلْكَ كَمَا سلف هُنَاكَ.

.الحَدِيث الْخَمْسُونَ:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من أدْرك الرُّكُوع من الرَّكْعَة الْأَخِيرَة يَوْم الْجُمُعَة فليضف إِلَيْهَا أُخْرَى، وَمن لم يدْرك الرُّكُوع من الرَّكْعَة الْأَخِيرَة فَليصل الظّهْر أَرْبعا».
هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طَرِيق أبي هُرَيْرَة وَمن طَرِيق ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما.
أما الأول: فَمن أوجه يحضرنا مِنْهَا ثَلَاثَة عشر وَجها:
أَحدهَا: من طَرِيق الْوَلِيد بن مُسلم، عَن الْأَوْزَاعِيّ، حَدثنِي الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «من أدْرك من صَلَاة الْجُمُعَة رَكْعَة فقد أدْرك الصَّلَاة» رَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من حَدِيث مُحَمَّد بن مَيْمُون الإسْكَنْدراني، حَدثنَا الْوَلِيد بِهِ، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث إِسْنَاده صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ بِهَذَا اللَّفْظ، إِنَّمَا اتفقَا عَلَى حَدِيث الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا «من أدْرك من الصَّلَاة رَكْعَة وَمن أدْرك من صَلَاة الْعَصْر رَكْعَة» وَلمُسلم فِيهِ الزِّيَادَة «فقد أدْركهَا كلهَا».
ثَانِيهَا: من طَرِيق أُسَامَة بن زيد اللَّيْثِيّ، عَن ابْن شهَاب، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «من أدْرك من صَلَاة الْجُمُعَة رَكْعَة فَليصل إِلَيْهَا أُخْرَى». رَوَاهُ الْحَاكِم أَيْضا فِي مُسْتَدْركه من حَدِيث الْفضل بن مُحَمَّد الشعراني ثَنَا سعيد بن أبي مَرْيَم، نَا يَحْيَى بن أَيُّوب، نَا أُسَامَة بِهِ، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح إِسْنَاده عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه من حَدِيث أَحْمد بن حَمَّاد زغبة، نَا ابْن أبي مَرْيَم بِهِ.
وَيَحْيَى هَذَا هُوَ الغافقي وَإِن احْتج بِهِ الشَّيْخَانِ وَغَيرهمَا فقد قَالَ أَبُو حَاتِم فِي حَقه: مَحَله الصدْق وَلَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَأُسَامَة بن زيد من رجال مُسلم وَقَالَ فِي حَقه أَحْمد: لَيْسَ بِشَيْء وراجع فِيهِ عبد الله أَبَاهُ فَقَالَ: إِذا تدبرت حَدِيثه تعرف فِيهِ النكرَة. وَقَالَ يَحْيَى بن معِين: كَانَ يَحْيَى الْقطَّان يُضعفهُ. ثمَّ قَالَ يَحْيَى بن معِين: هُوَ ثِقَة. وَقَالَ النَّسَائِيّ لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن عدي: لَيْسَ بِهِ بَأْس.
الثَّالِث: من طَرِيق حَمَّاد بن زيد، عَن مَالك بن أنس وَصَالح بن أبي الْأَخْضَر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة مَرْفُوعا: «من أدْرك من الْجُمُعَة رَكْعَة فَليصل إِلَيْهَا أُخْرَى».
رَوَاهُ الْحَاكِم أَيْضا فِي مُسْتَدْركه من حَدِيث عبد الله بن عبد الْوَهَّاب الحَجبي، نَا حَمَّاد بِهِ وَقَالَ فِيهِ كَمَا قَالَ فِي الطَّرِيقَيْنِ قبله.
قلت: وَصَالح هَذَا لينه البُخَارِيّ وَضَعفه النَّسَائِيّ وَأحمد وَأَبُو زرْعَة. وَقَالَ ابْن حبَان: اخْتَلَط عَلَيْهِ مَا سمع بِمَا لم يسمع فَحدث بِالْكُلِّ، فَيَنْبَغِي أَن لَا يحدث عَنهُ.
وَذكره ابْن السكن فِي «الصِّحَاح الْمَأْثُور» بِلَفْظ: «من أدْرك رَكْعَة من الْجُمُعَة فليضف إِلَيْهَا أُخْرَى».
قلت: وَهَذِه الطّرق الثَّلَاث أحسن طرق هَذَا الحَدِيث، وَالْبَاقِي ضِعَاف بِمرَّة.
الطَّرِيق الرَّابِع: من طَرِيق ياسين بن معَاذ، عَن ابْن شهَاب، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «إِذا أدْرك أحدكُم الرَّكْعَتَيْنِ يَوْم الْجُمُعَة فقد أدْرك الْجُمُعَة وَإِذا أدْرك رَكْعَة فليركع إِلَيْهَا أُخْرَى، وَإِن لم يدْرك رَكْعَة فَليصل أَربع رَكْعَات».
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه من حَدِيث عبد الله بن صَالح نَا اللَّيْث، عَن يَحْيَى بن أَيُّوب، عَن ياسين، ثمَّ قَالَ: ياسين ضَعِيف.
وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: لَا أصل لَهُ إِنَّمَا مَتنه: «من أدْرك من الصَّلَاة رَكْعَة فقد أدْركهَا».
الْخَامِس: من طَرِيق سُلَيْمَان بن أبي دَاوُد، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الَّذِي أوردهُ الرَّافِعِيّ سَوَاء.
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه أَيْضا من حَدِيث أبي يزِيد الْخصاف الرقي- واسْمه خَالِد بن حَيَّان- نَا سُلَيْمَان بِهِ.
ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث سُلَيْمَان بن عبد الله بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن أبي دَاوُد الْحَرَّانِي قَالَ: حَدثنِي جدي مُحَمَّد بن سُلَيْمَان، عَن أَبِيه سُلَيْمَان، عَن الزُّهْرِيّ بِهِ، لَكِن بِلَفْظ: «إِذا أدْركْت الرَّكْعَة الْأَخِيرَة من صَلَاة الْجُمُعَة فصلِّ إِلَيْهَا رَكْعَة، وَإِذا فاتتك الرَّكْعَة الْأَخِيرَة فصل الظّهْر أَربع رَكْعَات».
وَسليمَان هَذَا ضَعَّفُوهُ، قَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث.
قلت: وخَالِد بن حَيَّان فِيهِ لين مَا لكنه صَدُوق.
السَّادِس: من طَرِيق عبد الرَّزَّاق بن عمر الدِّمَشْقِي، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «من أدْرك من الْجُمُعَة رَكْعَة فليضف إِلَيْهَا أُخْرَى».
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه أَيْضا من حَدِيث الحكم بن مُوسَى نَا عبد الرَّزَّاق بِهِ.
وَعبد الرَّزَّاق هَذَا ضَعَّفُوهُ، قَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ مرّة: كَذَّاب. وَقَالَ خَ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَا يكْتب حَدِيثه. وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك. وَقَالَ ابْن حبَان: يقلب الْأَخْبَار فَاسْتحقَّ التّرْك.
السَّابِع: من حَدِيث الْحجَّاج، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد، عَن أبي هُرَيْرَة رَفعه: «من أدْرك من الْجُمُعَة رَكْعَة فَليصل إِلَيْهَا أُخْرَى».
رَوَاهُ الدَّار قطني فِي سنَنه أَيْضا من حَدِيث جرير، عَن عبد القدوس بن بكر، نَا الْحجَّاج... فَذكره.
وَالْحجاج هُوَ ابْن أَرْطَاة وحالته قد عرفت، وَقد عنعن.
الثَّامِن: من طَرِيق ياسين بن معَاذ عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد وَأبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «من أدْرك من الْجُمُعَة رَكْعَة صَلَّى إِلَيْهَا أُخْرَى، فَإِن أدركهم جُلُوسًا صَلَّى الظّهْر أَرْبعا».
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه أَيْضا من حَدِيث بكر بن بكار، نَا ياسين بِهِ.
وَيَاسِين قد أسلفنا عَن الدَّارَقُطْنِيّ تَضْعِيفه، وَأطلق النكارة عَلَى حَدِيثه البُخَارِيّ وَابْن أبي حَاتِم، وَأطلق التّرْك عَلَيْهِ النَّسَائِيّ وَغَيره، وَقَالَ ابْن حبَان: يروي الموضوعات عَن الثِّقَات، وينفرد بالمعضلات عَن الْأَثْبَات لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ.
قلت: وَقد سلف من طَرِيق ياسين هَذَا عَن الزُّهْرِيّ.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من حَدِيث ياسين، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد وأبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «من أدْرك من الْجُمُعَة رَكْعَة فَليصل إِلَيْهَا أُخْرَى، وَمن فَاتَتْهُ الركعتان فَليصل أَرْبعا- أَو قَالَ: الظّهْر. أَو قَالَ: الأولَى».
الْوَجْه التَّاسِع: من طَرِيق عمر بن قيس، عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة وَسَعِيد، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «من أدْرك من الْجُمُعَة رَكْعَة فَليصل إِلَيْهَا أُخْرَى».
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه أَيْضا من حَدِيث مُحَمَّد بن بكير، نَا عمر بِهِ.
وَعمر هَذَا أَظُنهُ الْمَكِّيّ الْمَعْرُوف بسندل وَهُوَ مُتَّهم مَتْرُوك قَالَ أَحْمد: لَا يُسَاوِي حَدِيثه شَيْئا.
الْوَجْه الْعَاشِر: من طَرِيق صَالح بن أبي الْأَخْضَر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة مَرْفُوعا: «من أدْرك من الْجُمُعَة رَكْعَة فَليصل إِلَيْهَا أُخْرَى، فَإِن أدركهم جُلُوسًا صَلَّى أَرْبعا».
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه أَيْضا من حَدِيث يَحْيَى بن المتَوَكل، عَن صَالح. وَصَالح قد عرفت حَاله فِيمَا مَضَى، وَيَحْيَى إِن كَانَ الْحذاء فقد ضَعَّفُوهُ.
الْوَجْه الْحَادِي عشر: من طَرِيق دَاوُد بن أبي هِنْد، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «من أدْرك من الْجُمُعَة رَكْعَة فليضف إِلَيْهَا أُخْرَى».
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه أَيْضا من حَدِيث يَحْيَى بن رَاشد الْبَراء، عَن دَاوُد بِهِ.
وَيَحْيَى هَذَا ضعفه النَّسَائِيّ، وَقَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: يعْتَبر بِهِ صُوَيْلِح. وَقَالَ فِي علله: رُوِيَ من وَجْهَيْن عَن سعيد مَرْفُوعا وَكِلَاهُمَا غير مَحْفُوظ، وَرَوَاهُ يَحْيَى بن سعيد الْأنْصَارِيّ أَنه بلغه عَن سعيد بن الْمسيب قَوْله، وَهُوَ أشبه بِالصَّوَابِ.
الْوَجْه الثَّانِي عشر: من طَرِيق سُهَيْل بن أبي صَالح، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «إِذا أدْرك أحدكُم من الْجُمُعَة رَكْعَة فَليصل إِلَيْهَا أُخْرَى». وَسُهيْل هَذَا احْتج بِهِ مُسلم ووثق وَتكلم فِيهِ.
الْوَجْه الثَّالِث عشر: من طَرِيق ابْن أبي ذِئْب، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة وَسَعِيد بن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «من أدْرك من الْجُمُعَة رَكْعَة فَليصل إِلَيْهَا أُخْرَى».
رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي سنَنه من حَدِيث عمر بن حبيب، عَن ابْن أبي ذِئْب بِهِ.
وَعمر هَذَا ضعفه النَّسَائِيّ وَكذبه ابْن معِين، وَقَالَ ابْن عدي: حسن الحَدِيث يكْتب حَدِيثه مَعَ ضعفه.
فَهَذَا مَا حضرني من طرق هَذَا الحَدِيث، وأحسنها الثَّلَاثَة الأول وَقَالَ أَبُو حَاتِم ابْن حبَان فِي صَحِيحه: ذكر الْخَبَر الدَّال عَلَى أَن الطّرق المروية فِي خبر الزُّهْرِيّ «من أدْرك من الْجُمُعَة رَكْعَة» كلهَا معلولة لَيْسَ يَصح فِيهَا شَيْء مَا أخبرنَا بِهِ عمرَان بن مُوسَى بن مجاشع، نَا أَبُو كَامِل الجحدري، نَا حَمَّاد بن زيد، عَن مَالك بن أنس، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من أدْرك من صلاةٍ رَكْعَة فقد أدْرك» قَالُوا: من هَاهُنَا قيل: «وَمن أدْرك من الْجُمُعَة رَكْعَة صَلَّى إِلَيْهَا أُخْرَى» وَقَالَ فِي ضُعَفَائِهِ: هَذَا الحَدِيث- يَعْنِي بِذكر الْجُمُعَة- خطأ إِنَّمَا هُوَ «من أدْرك من الصَّلَاة رَكْعَة» وذِكْر «الْجُمُعَة» قَالَه أَرْبَعَة أنفس عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة كلهم ضعفاء، أَي وهم: أُسَامَة بن زيد وَصَالح بن أبي الْأَخْضَر وَسليمَان بن أبي دَاوُد وَعبد الرَّزَّاق بن عمر الدِّمَشْقِي.
قلت: قد تَابعهمْ الْأَوْزَاعِيّ وَمَالك كَمَا سلف من طَرِيق الْحَاكِم وصححهما عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، وَقَالَ فِي رِوَايَة أُسَامَة وَصَالح مثل ذَلِك، وتابعهم أَيْضا: ياسين بن معَاذ وَالْحجاج ومعاذ كَمَا سلف، وَذكره الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله من طرق بالاختلاف فِيهَا، ثمَّ قَالَ: وَالصَّحِيح حَدِيث: «من أدْرك رَكْعَة من الصَّلَاة» وهَذَا الْخَبَر الَّذِي ذكره الدَّارَقُطْنِيّ وَابْن حبَان اتّفق الشَّيْخَانِ عَلَى إِخْرَاجه كَمَا أسلفناه فِي الحَدِيث الثَّامِن من بَاب أَوْقَات الصَّلَاة، وَاحْتج بِهِ الْأَئِمَّة فِي هَذَا الْمقَام مَالك وَالشَّافِعِيّ وَغَيرهمَا.
قَالَ الشَّافِعِي فِي الْأُم: مَعْنَاهُ: لم تفته تِلْكَ الصَّلَاة وَمن لم تفته الْجُمُعَة صلاهَا رَكْعَة.
وَفِي رِوَايَة غَرِيبَة للعقيلى فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة هَذَا: «من أدْرك رَكْعَة من الصَّلَاة فقد أدْركهَا قبل أَن يُقيم الإِمَام صلبه» قَالَ الْعقيلِيّ: رَوَاهُ جماعات بِدُونِ هَذِه الزِّيَادَة ولم يذكرهَا إِلَّا يَحْيَى بن حميد، ولعلها من كَلَام الزُّهْرِيّ فَأدْخلهَا يَحْيَى فِيهِ.
وَقد قَالَ البُخَارِيّ: لَا يُتَابع عَلَيْهِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله: زَادهَا قُرَّة بن عبد الرَّحْمَن فِيهِ.
وَأما حَدِيث ابْن عمر فَلهُ أَيْضا طرق:
أَحدهَا: من طَرِيق الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن أَبِيه رَفعه: «من أدْرك رَكْعَة من صَلَاة الْجُمُعَة أَو غَيرهَا فليضف إِلَيْهَا أُخْرَى وَقد تمت صلَاته».
وَفِي لفظ: «وَقد أدْرك الصَّلَاة».
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه من حَدِيث مُحَمَّد بن مصفى وَعَمْرو بن عُثْمَان قَالَا: ثَنَا بَقِيَّة، قَالَ: حَدثنِي يُونُس بن يزِيد الْأَيْلِي، عَن الزُّهْرِيّ بِهِ. ثمَّ قَالَ: قَالَ لنا ابْن أبي دَاوُد: لم يروه عَن يُونُس إِلَّا بَقِيَّة، وَرَوَاهُ أَيْضا النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه.
وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: هَذَا خطأ الْمَتْن والإسناد، إِنَّمَا هُوَ عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «من أدْرك من صَلَاة رَكْعَة فقد أدْركهَا» وَأما قَوْله: «من صَلَاة الْجُمُعَة» فَلَيْسَ هَذَا فِي الحَدِيث فَوَهم فِي كليهمَا.
وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمَام: هَذَا الحَدِيث مَعْدُود فِي أَفْرَاد بَقِيَّة عَن يُونُس، وَبَقِيَّة موثق وَقد زَالَت تُهْمَة تدليسه بتصريحه بِالتَّحْدِيثِ، وَهَذَا مُؤذن من الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بتصحيح هَذَا الطَّرِيق لَكِن بَقِيَّة رمي بتدليس التَّسْوِيَة فَلَا يَنْفَعهُ تصريحه بِالتَّحْدِيثِ.
الطَّرِيق الثَّانِي: من طَرِيق يَحْيَى بن سعيد عَن نَافِع، عَن ابْن عمر رَفعه: «من أدْرك من الْجُمُعَة رَكْعَة فقد أدْركهَا وليضف إِلَيْهَا أُخْرَى» وَفِي لفظ: «من أدْرك رَكْعَة من الْجُمُعَة فَليصل إِلَيْهَا أُخْرَى»..
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه أَيْضا من حَدِيث يعِيش بن الجهم، ثَنَا عبد الله بن نمير، عَن يَحْيَى بِاللَّفْظِ الْأَخير. وَمن حَدِيث عِيسَى بن إِبْرَاهِيم، ثَنَا عبد الْعَزِيز بن مُسلم، عَن يَحْيَى بِاللَّفْظِ الأول.
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن سُلَيْمَان الدباس، عَن عبد الْعَزِيز بِهِ بِلَفْظ: «من أدْرك رَكْعَة من الْجُمُعَة فقد أدْرك» ثمَّ قَالَ: لم يروه عَن يَحْيَى إِلَّا عبد الْعَزِيز تفرد بِهِ إِبْرَاهِيم بن سُلَيْمَان.
وَذكر الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله الِاخْتِلَاف فِيهِ، ثمَّ قَالَ: والصَّوَاب وَقفه عَلَى ابْن عمر.
الطَّرِيق الثَّالِث: عَن إِبْرَاهِيم بن عَطِيَّة الثَّقَفِيّ، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن أَبِيه رَفعه: «من أدْرك من الْجُمُعَة رَكْعَة فَليصل إِلَيْهَا أُخْرَى».
رَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي تَارِيخ الضُّعَفَاء فِي تَرْجَمَة إِبْرَاهِيم هَذَا، ثمَّ قَالَ فِي حَقه: مُنكر الحَدِيث جدًّا وَكَانَ هشيم يُدَلس عَنهُ أَخْبَارًا لَا أصل لَهَا وَهُوَ حَدِيث خطأ.
قلت: وَمن الْأَحَادِيث الَّتِي يَنْبَغِي أَن يتَنَبَّه لَهَا مَا رَوَاهُ ابْن عدي من حَدِيث جَابر مَرْفُوعا: «من أدْرك رَكْعَة من الصَّلَاة فقد أدْرك فضل الْجَمَاعَة، وَمن أدْرك الإِمَام قبل أَن يسلم فقد أدْرك فضل الْجَمَاعَة». أعلِه عبد الْحق بِكَثِير بن شنظير وَلم يصب؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي حد من يتْرك حَدِيثه وَقد وثق، وَالصَّوَاب تَعْلِيله بِأَبَان بن طَارق فَإِنَّهُ مَجْهُول؛ قَالَه أَبُو زرْعَة وبصالح بن رُزَيْق فَإِنَّهُ لَا يعرف.
وَعَلَى ذَلِك جَرَى ابْن الْقطَّان.

.الحَدِيث الحادى بعد الْخمسين:

حَدِيث أبي بكرَة: «أَنه دخل الْمَسْجِد وَرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رَاكِع فَرَكَعَ ثمَّ دخل الصَّفّ، وَأخْبر النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك وَوَقعت ركعته معتدًّا بهَا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا سلف فِي الْبَاب، وَهُوَ الحَدِيث السَّابِع وَالثَّلَاثِينَ فَرَاجعه مِنْهُ.

.الحَدِيث الثَّانِي بعد الْخمسين:

عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من أدْرك الإِمَام فِي الرُّكُوع فليركع مَعَه وليعد الرَّكْعَة».
هَذَا الحَدِيث غَرِيب لَا أعلم من خرجه بعد الْبَحْث الشَّديد عَنهُ من هَذَا الْوَجْه لَا فِي الْكتب الْمُعْتَبرَة وَلَا فِي غَيرهَا، وبَلغنِي أَن الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي وَغَيره سئلوا عَنهُ فَلم يعرفوه، ورأيته فِي «طَبَقَات الْفُقَهَاء» لأبي الْحسن الْعَبَّادِيّ- أحد أَصْحَابنَا أَصْحَاب الْوُجُوه- من قَول أبي هُرَيْرَة، فَإِنَّهُ قَالَ: قَالَ ابْن خُزَيْمَة فِي رجل دخل أدْرك الإِمَام رَاكِعا أَنه يتبعهُ وَيُعِيد الرَّكْعَة.
قَالَ: وَرَوَى فِيهِ خَبرا مُسْندًا وَهُوَ قَول أبي هُرَيْرَة، والرافعي حَكَاهُ عَن أبي عَاصِم الْعَبَّادِيّ أَنه حَكَى عَن ابْن خُزَيْمَة أَنه قَالَ: لَا تدْرك الرَّكْعَة بِإِدْرَاك الرُّكُوع وَيجب تداركها. ثمَّ قَالَ: وَاحْتج بِمَا رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة... فَذكره.
وَرَأَيْت فِي كتاب الْقِرَاءَة خلف الإِمَام للْبُخَارِيّ فِي آخِره: نَا معقل بن مَالك، نَا أَبُو عوَانَة، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن عبد الرَّحْمَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة: «إِذا أدْركْت الْقَوْم رُكُوعًا لم يعْتد بِتِلْكَ الرَّكْعَة».
وَفِي علل الدَّارَقُطْنِيّ أَنه سُئِلَ عَن حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن معَاذ قَالَ: «جَاءَ رجل والنَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سَاجِدا فَلَمَّا انْصَرف قَالَ: عَلَى أَي حَال وجدتنا؟ قَالَ: وجدتكم قيَاما أَو ركعا. فَقَالَ: مَتى وجدتني قَائِما أَو قَاعِدا أَو رَاكِعا فلتكن معي عَلَى تِلْكَ الْحَال، وَلَا تَعْتَد بِالسُّجُود حَتَّى تدْرك الرَّكْعَة».
فَقَالَ: هَذَا حَدِيث يرويهِ عبد الْعَزِيز بن رفيع وَاخْتلف عَنهُ فَرَوَاهُ عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو بن جبلة، عَن يزِيد بن زُرَيْع، عَن شُعْبَة، عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع، عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن معَاذ، وَخَالفهُ الثَّوْريّ وَزُهَيْر وَجَرِير وَشريك فَرَوَوه عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع قَالَ: حَدثنِي شيخ من الْأَنْصَار، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مُرْسلا. قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيح.
وَقيل للدارقطني: هَل يَصح سَماع عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى من معَاذ؟ قَالَ: فِيهِ نظر؛ لِأَن معَاذًا قديم الْوَفَاة مَاتَ فِي طاعون عمواس، وَله نَيف وَثَلَاثُونَ سنة.