فصل: الْأَثر الثَّالِث:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الرَّابِع:

«أَن سعد بن معَاذ حكم عَلَى بني قُرَيْظَة فَقتل مُقَاتلَتهمْ وَسبي ذَرَارِيهمْ فَكَانَ يكْشف عَن مؤتزر المراهقين فَمن أنبت مِنْهُم قتل، وَمن لم ينْبت جعل فِي الذَّرَارِي».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح مَشْهُور، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ «أَن سعد بن معَاذ حكم فِي بني قُرَيْظَة أَن تقتل مُقَاتلَتهمْ وتسبى ذَرَارِيهمْ. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: لقد حكمت بِحكم الله». قَالَ الشَّافِعِي: فَكَأَن الْعلم فِي الْمُقَاتلَة والذرية الإنبات. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَسَيَأْتِي عَلَى الإثر بَيَانه.
وَفِي مُسْند الْبَزَّار من حَدِيث عَامر بن سعد عَن أَبِيه «أَن سعد بن معَاذ حكم عَلَى بني قُرَيْظَة أَن يقتل مِنْهُم كل من جرت عَلَيْهِ المواسي، وَأَن تقسم ذَرَارِيهمْ وَأَمْوَالهمْ. فَذكر ذَلِكَ للنَّبِي فَقَالَ: لقد حكم بَينهم بِحكم الله الَّذِي حكم بِهِ من فَوق سبع سموات».
ثمَّ قَالَ: هَذَا الحَدِيث رُوِيَ عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من غير وَجه، وَأَعْلَى من رَوَى ذَلِكَ عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سعد بن أبي وَقاص، وَلَا نعلم لَهُ عَن سعد طَرِيقا غير هَذَا الطَّرِيق.

.الحديث الخَامِس:

عَن عَطِيَّة الْقرظِيّ قَالَ: «عرضنَا عَلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم قُرَيْظَة وَكَانَ من أنبت قتل، وَمن لم ينْبت خلي سَبيله فَكنت مِمَّن لم ينْبت فخلى سبيلي».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة من حَدِيث عبد الْملك بن عُمَيْر قَالَ: حَدَّثَني عَطِيَّة الْقرظِيّ قَالَ: «كنت من سبي قُرَيْظَة فَكَانُوا ينظرونَ فَمن أنبت الشّعْر قتل، وَمن لم ينْبت لم يقتل فَكنت فِيمَن لم ينْبت».
هَذَا لفظ أبي دَاوُد فِي الْحُدُود، وَفِي لفظ لَهُ «فكشفوا عَن عانتي فوجدوها لم تنْبت فجعلوني فِي السَّبي».
وَلَفظ التِّرْمِذِيّ «عرضنَا عَلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم قُرَيْظَة فَكَانَ من أنبت قتل، وَمن لم ينْبت خلي سَبيله فَكنت مِمَّن لم ينْبت فخلى سبيلي» أخرجه فِي السّير، وَلَفظ النَّسَائِيّ «كنت فِي سبي قُرَيْظَة وَكَانَ ينظر فَمن خرجت شعرته قتل، وَمن لم تخرج استحيي وَلم يقتل» هَذَا لَفظه فِي كتاب الْقطع، وَلَفظه فِي كتاب الطَّلَاق «كنت يَوْم حكم سعد فِي بني قُرَيْظَة غُلَاما فشكّوا فيَّ فَلم يجدوني أنبت فاستبقيت وَهَا أَنا ذَا بَين أظْهركُم». وَأخرجه فِيهِ أَيْضا من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة، عَن أبي جَعْفَر الخطمي، عَن عمَارَة بن خُزَيْمَة، عَن كثير بن السَّائِب قَالَ: حَدَّثَني ابْنا قُرَيْظَة «أَنهم عرضوا عَلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم قُرَيْظَة، فَمن كَانَ محتلمًا أَو نَبتَت عانته قتل وَمن لم يكن محتلمًا أَو لم تنْبت عانته ترك».
وَهَذِه الطَّرِيقَة أخرجهَا الإِمَام أَحْمد من هَذَا الْوَجْه، وَقَالَ: بدل عمَارَة بن خُزَيْمَة: مُحَمَّد بن كَعْب.
وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا فِي السّنَن من حَدِيث عبد الْملك عَن عَطِيَّة الْقرظِيّ قَالَ: «كنت فِيمَن حكم فِيهِ سعد فجيء بِي وَأَنا أرَى أَنه استقبلني؛ فكشفوا عَن عانتي فوجدوني لم أنبت فجعلوني فِي السَّبي» وَفِي رِوَايَة لَهُ فِيهِ «عرضنَا عَلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم قُرَيْظَة فَكَانَ من أنبت قتل وَمن لم ينْبت خُلي سَبيله فَكنت فِيمَن لم ينْبت فخلي سبيلي».
وَفِي رِوَايَة لَهُ فِيهِ أَيْضا من حَدِيث مُجَاهِد عَن عَطِيَّة «أَن أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم جردوه يَوْم قُرَيْظَة فَلَمَّا يرَوا المواسي جرت عَلَى شعره- يُرِيد عانته- تَرَكُوهُ من الْقَتْل».
وَلَفظ ابْن مَاجَه كَلَفْظِ التِّرْمِذِيّ ذكره فِي الْحُدُود.
قَالَ التِّرْمِذِيّ بعد أَن أخرجه: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
قلت: وَصَححهُ ابْن حبَان أَيْضا فَإِنَّهُ أخرجه فِي صَحِيحه من حَدِيث عبد الْملك، عَن عَطِيَّة بِأَلْفَاظ أَحدهَا: كنت فِيمَن حكم فيهم سعد بن معَاذ فشكُّوا فيَّ أَمن الذُّرِّيَّة أَنا أم من الْمُقَاتلَة، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «انْظُرُوا فَإِن كَانَ أنبت الشّعْر فَاقْتُلُوهُ وَإِلَّا فَلَا تقتلوه».
ثَانِيهَا: «فَلم يجدوني أنبت فاستبقيت فها أَنا ذَا».
ثَالِثهَا: «فشكوا فيّ فَقيل لي: هَل أنبتَّ؟ ففتشوني فوجدوني لم أنبت، فخلي سبيلي».
وَرَوَاهُ الْحَاكِم أَيْضا فِي مُسْتَدْركه فِي مَوَاضِع مِنْهُ فِي الْبَاب وَقَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ.
وَفِي كتاب فَضَائِل النيب وَقَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد. وَفِي آخر كتاب الْحُدُود. قَالَ ابْن الْقطَّان فِي كِتَابه أَحْكَام النّظر: وَرَوَاهُ حَمَّاد بن سَلمَة عَن عبد الْملك بن عُمَيْر عَن عَطِيَّة «لما كَانَ يَوْم قُرَيْظَة جعل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من أنبت ضربت عُنُقه، فَكنت فِيمَن لم ينْبت فعرضت عَلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فخلى عني».
قَالَ ابْن الْقطَّان: رِوَايَة حَمَّاد هَذِه تقطع كل نزاع مصرحة بِأَن ذَلِكَ عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قلت: وَفِي المعجم الْكَبِير وَالصَّغِير للطبراني من حَدِيث مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن أسلم الْأنْصَارِيّ، عَن أَبِيه، عَن جده أسلم الْأنْصَارِيّ قَالَ: «جعلني رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى أُسَارَى قُرَيْظَة فَكنت أنظر فِي فرج الْغُلَام فَإِن رَأَيْته قد أنبت ضربت عُنُقه، وَإِن لم أره قد أنبت جعلته فِي مَغَانِم الْمُسلمين».
قَالَ فِي أَصْغَر معاجمه: لَا يرْوَى عَن أسلم إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد تفرد بِهِ الزبير بن بكار. قَالَ: وَهُوَ أسلم بن بجرة. قلت: والراوي عَن مُحَمَّد هُوَ إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي فَرْوَة وَهُوَ ضَعِيف.
ذكره ابْن عبد الْبر وَقَالَ: إِن الحَدِيث يَدُور عَلَيْهِ، وَتوقف فِي صِحَة هَذَا الْإِسْنَاد.
فَائِدَة: لَا نَعْرِف لعطية غير هَذَا الحَدِيث وَلَا يعرف نسبه.

.الحديث السَّادِس:

«رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأسماء بنت أبي بكر: إِن الْمَرْأَة إِذا بلغت الْمَحِيض لَا يصلح أَن يرَى مِنْهَا إِلَّا هَذَا، وَأَشَارَ إِلَى الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه من رِوَايَة الْوَلِيد عَن سعيد بن بشير، عَن قَتَادَة، عَن خَالِد بن دريك، عَن عَائِشَة «أَن أَسمَاء بنت أبي بكر دخلت عَلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَلَيْهَا ثِيَاب رقاق، فَأَعْرض عَنْهَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ: يَا أَسمَاء، إِن الْمَرْأَة إِذا بلغت الْمَحِيض لم يصلح أَن يرَى مِنْهَا إِلَّا هَذَا وَهَذَا، وَأَشَارَ إِلَى وَجهه وكفيه».
وَرَوَاهُ مُوسَى بن أَيُّوب، عَن الْوَلِيد بِإِسْنَادِهِ فَقَالَ: «وَعَلَيْهَا ثِيَاب شامية رقاق فَأَعْرض عَنْهَا».
ذكره ابْن عدي، وَهُوَ مَعْلُول من أوجه: أَحدهَا: الطعْن فِي سعيد بن بشير لاسيما فِي رِوَايَته عَن قَتَادَة، وَقد سلف أَقْوَال الْأَئِمَّة فِيهِ فِي أَوَاخِر بَاب كَيْفيَّة الصَّلَاة.
ثَانِيهَا: أَن خَالِد بن دريك مَجْهُول الْحَال. كَذَا قَالَ ابْن الْقطَّان فِي كِتَابه الْوَهم والإِيهام، وَهُوَ وهم مِنْهُ فقد وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ وَغير وَاحِد، وَقد قَالَ هُوَ فِي كِتَابه أَحْكَام النّظر: خَالِد بن دريك رجل شَامي عسقلاني مَشْهُور يروي عَن ابْن محيريز.
قَالَ أَبُو حَاتِم: لَا بَأْس بِهِ. هَذَا نَص مَا ذكره، فَهَذَا خَالف مِنْهُ.
ثَالِثهَا: أَنه مُرْسل، خَالِد بن دريك لم يدْرك عَائِشَة قَالَه أَبُو دَاوُد برمتِهِ وَأَرَادَ بِهِ الِانْقِطَاع. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مراسيله من حَدِيث هِشَام عَن قَتَادَة أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِن الْجَارِيَة إِذا حَاضَت لم يصلح أَن يرَى مِنْهَا إِلَّا وَجههَا ويداها إِلَى الْمفصل» هَذَا معضل.
رَابِعهَا: أَنه مُضْطَرب قَالَ ابْن عدي: لَا أعلم يرويهِ عَن قَتَادَة غير سعيد بن بشير وَقَالَ فِيهِ مَرَّةً: عَن خَالِد بن دريك عَن أم سَلمَة بدل عَن عَائِشَة.
قَالَ ابْن الْقطَّان فِي كِتَابه أَحْكَام النّظر: فَهَذِهِ زِيَادَة عِلّة الِاضْطِرَاب وَفِي علل ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: إِنَّه وهم وَإِنَّمَا هُوَ عَن قَتَادَة عَن خَالِد بن دريك أَن عَائِشَة مُرْسل.
فَائِدَة: المُرَاد بالمحيض هُنَا الْوَقْت وَالزَّمَان الَّذِي تحيض فِيهِ.

.الحديث السَّابِع:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا يقبل الله صَلَاة حَائِض إِلَّا بخمار».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا سلف بَيَانه فِي شُرُوط الصَّلَاة وَاضحا.

.الحديث الثَّامِن:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا يَشْتَرِي الْوَصِيّ من مَال الْيَتِيم».
هَذَا الحَدِيث غَرِيب لَا أعلم من خرجه بعد الْبَحْث الشَّديد عَنهُ وَقد ترْجم الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه بَاب لَا يَشْتَرِي من مَاله لنَفسِهِ إِذا كَانَ وصيًّا. ثمَّ رُوِيَ فِيهِ أثرا عَن ابْن مَسْعُود فَقَط.
هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب.

.وَأما آثاره:

فَثَلَاثَة:

.أَحدهَا:

«أَن عبد الله بن جَعْفَر اشْتَرَى أَرضًا سبخَة بِثَلَاثِينَ ألفا فَبلغ ذَلِكَ عليًّا فعزم عَلَى أَن يسْأَل عُثْمَان الْحجر عَلَيْهِ، فجَاء عبد الله بن جَعْفَر إِلَى الزبير فَذكر ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ الزبير: أَنا شريكك فَلَمَّا سَأَلَ عَلّي عُثْمَان رَضي اللهُ عَنهما الْحجر عَلَى عبد الله، فَقَالَ: كَيفَ أحجر عَلَى من كَانَ شَرِيكه الزبير».
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الشَّافِعِي فَقَالَ: ثَنَا مُحَمَّد بن الْحسن أَو غَيره من أهل الصدْق فِي الحَدِيث وهما، عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم، عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه قَالَ: «ابْتَاعَ عبد الله بن جَعْفَر بيعا فَقَالَ عَلّي لَآتِيَن عُثْمَان فلأحجرن عَلَيْك. فَأعْلم بذلك ابْن جَعْفَر الزبير. فَقَالَ: أَنا شريكك فِي بيعك فَأَتَى عليّ عُثْمَان فَقَالَ: احجر عَلَى هَذَا. فَقَالَ الزبير: أَنا شَرِيكه. فَقَالَ عُثْمَان: أحجر عَلَى رجل شَرِيكه الزبير؟!». وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من طَرِيقين.
إِحْدَاهمَا: من حَدِيث الزبير بن الْمَدِينِيّ عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه «أَن عبد الله بن جَعْفَر اشْتَرَى أَرضًا بستمائة ألف دِرْهَم، قَالَ: فهمَّ عَلِيٌّ وَعُثْمَان أَن يحجرا عَلَيْهِ. قَالَ: فَلَقِيَهُ الزبير قَالَ: مَا اشْتَرَى أحد بيعا أرخص مِمَّا اشْتريت. قَالَ: فَذكر لَهُ عبد الله الْحجر قَالَ: لَو أَن عِنْدِي مَالا لشاركتك. قَالَ: فَإِنِّي أقرضك نصف المَال. قَالَ: فَإِنِّي شريكك. قَالَ: فأتاهما عَلّي وَعُثْمَان وهما يتراوضان. قَالَ: مَا تراوضان. فَذكر لَهُ الْحجر عَلَى عبد الله بن جَعْفَر فَقَالَ: أتحجران عَلَى رجل أَنا شَرِيكه. قَالَا: لَا، لعمري. قَالَ: فَأَنا شَرِيكه فَتَركه».
ثَانِيهمَا:
من حَدِيث أبي يُوسُف القَاضِي يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم، ثَنَا هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه «أَن عبد الله بن جَعْفَر أَتَى الزبير بن الْعَوام فَقَالَ: إِنِّي اشْتريت كَذَا وَكَذَا، وَإِن عليًّا يُرِيد أَن يَأْتِي أَمِير الْمُؤمنِينَ عُثْمَان- يَعْنِي- فيسأله أَن يحْجر عليَّ فِيهِ فَقَالَ الزبير: أَنا شريكك فِي البيع. وَأَتَى عَلّي عُثْمَان فَذكر ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ عُثْمَان: كَيفَ أحجر عَلَى رجل فِي بيع شَرِيكه فِيهِ الزبير». قَالَ الشَّافِعِي: فعلي لَا يطْلب الْحجر إِلَّا وَهُوَ يرَاهُ، وَالزبير لَو كَانَ الْحجر بَاطِلا لقَالَ: لَا يحْجر عَلَى بَالغ حر، وَكَذَلِكَ عُثْمَان بل كلهم يعرف الْحجر.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَعَائِشَة لم تنكره أَيْضا. قَالَ: وَقد كَانَ الْحجر مَعْرُوفا فِي عَهده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ من غير أَن يرْوَى عَنهُ إِنْكَار. ولما رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته من طَرِيق أبي يُوسُف قَالَ: قيل: تفرد بِهِ أَبُو يُوسُف، وَقد تَابعه الزبيري الْمدنِي فَقَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم: روينَا من طَرِيق أبي عبيد، حَدَّثَني عَفَّان بن مُسلم، عَن حَمَّاد بن زيد، عَن هِشَام بن حسان، عَن ابْن سِيرِين قَالَ عُثْمَان لعَلي: «أَلا تَأْخُذ عَلَى يَدي ابْن أَخِيك- يَعْنِي عبد الله بن جَعْفَر- وتحجر عَلَيْهِ اشْتَرَى سبخَة بستين ألفا مَا يسرني أَنَّهَا لي بنعلي».
وَرُوِيَ مُخْتَصرا هَكَذَا وَمُطَولًا من حَدِيث حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ عَن مُحَمَّد بن سِيرِين «أَن عُثْمَان قَالَ لعَلي: خُذ عَلَى يَد ابْن أَخِيك اشْتَرَى سبخَة أبي فلَان بستين ألفا مَا أحب أَنَّهَا لي بِأَقَلّ مَال. فجزأها عبد الله بن جَعْفَر ثَمَانِيَة أَجزَاء وَألقَى فِيهِ الْعمَّال فَأَقْبَلت الأَرْض فَمر بهَا عُثْمَان فَقَالَ: لمن هَذِه؟ قَالُوا: لعبد الله بن جَعْفَر. فَقَالَ: ياابن أخي ولي جزءين مِنْهَا. قَالَ عبد الله بن جَعْفَر: لَا وَالله، ائْتِنِي بالذَّين سفهتني عِنْدهم يطْلبُونَ إليَّ. فَفعل، قَالَ: وَالله لَا أجعَل جزءين مِنْهَا مائَة وَعشْرين ألفا قَالَ عُثْمَان: قد أَخَذتهَا».
إِذا علمت طرق هَذَا الْأَثر حكمت عَلَى رِوَايَة الرَّافِعِيّ فِي مِقْدَار الثّمن بِكَوْنِهِ «ثَلَاثِينَ ألفا» بالغرابة وَالَّذِي فِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ «بستمائة ألف دِرْهَم» وَفِي رِوَايَة ابْن حزم «بستين ألفا».
وَصَاحب الْمُهَذّب ذكره كَرِوَايَة ابْن حزم.
وَقَالَ صَاحب التنقيب عَلَى الْمُهَذّب: المُرَاد «بستين ألف»: سِتُّونَ ألف دِرْهَم، هَكَذَا فِي الصَّحِيح هَذَا لَفظه.
وَلَا أَدْرِي مَا مُرَاده بِالصَّحِيحِ.

.الْأَثر الثَّانِي:

«عَن ابْن عَبَّاس رَضي اللهُ عَنهما فِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِن آنستم مِنْهُم رشدا} مَعْنَاهُ: رَأَيْتُمْ مِنْهُم صلاحًا فِي دينهم وحفظًا لأموالهم».
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث مُعَاوِيَة بن صَالح، عَن عَلّي بن أبي طَلْحَة، عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: «{وابتلوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذا بلغُوا النِّكَاح فَإِن آنستم مِنْهُم رشدا فادفعوا إِلَيْهِم أَمْوَالهم} قَالَ: يَقُول الله تَعَالَى: اختبروا الْيَتَامَى عِنْد الحكم فَإِن عَرَفْتُمْ مِنْهُم الرشد فِي حَالهم والإصلاح فِي أَمْوَالهم فادفعوا إِلَيْهِم أَمْوَالهم وَأشْهدُوا عَلَيْهِم».
وَرَوَاهُ فِي الْمعرفَة. كَمَا ذكره الشَّافِعِي سَوَاء، ذكره من حَدِيث مُحَمَّد بن مَرْوَان عَن الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس فِي هَذِه الْآيَة قَالَ: «رَأَيْتُمْ مِنْهُم صلاحًا فِي دينهم وحفظًا لأموالهم». قَالَ: وَرُوِيَ فِي مَعْنَاهُ عَن سماك، عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس: «فَإِن آنستم مِنْهُم رشدا قَالَ: الْيَتِيم يدْفع إِلَيْهِ مَاله بحلم وعقل ووقار».
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ مثله عَن الْحسن وَمُجاهد. هُوَ كَمَا قَالَ، فقد قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة.
وَأما مَا قَالَ الشَّافِعِي فِي مَعْنَى الرشد فقد روينَا عَن الْحسن أَنه قَالَ فِي قَوْله: {فَإِن آنستم مِنْهُم رشدا} قَالَ: «صلاحًا فِي دينه وحفظًا لمَاله».
وروينا عَن الثَّوْريّ، عَن مَنْصُور، عَن مُجَاهِد أَنه قَالَ: «رشدا فِي الدَّين وصلاحًا فِي المَال». وروينا مَعْنَاهُ عَن مقَاتل بن حَيَّان. ثمَّ أسْند رِوَايَة أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس ثمَّ قَالَ: والاعتماد عَلَى مَا مَضَى. وَأسْندَ فِي سنَنه مقَالَة الْحسن وَمُقَاتِل.

.الْأَثر الثَّالِث:

«أَن غُلَاما من الْأَنْصَار شَبَّبَ بِامْرَأَة فِي شعره فَرفع إِلَى عمر فَلم يجده أنبت، فَقَالَ لَو أنبت الشّعْر حددتك». وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي عبيد، ثَنَا ابْن علية، عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى بن حبَان «أَن عمر رفع إِلَيْهِ غُلَام ابتهر جَارِيَة فِي شعره فَقَالَ: انْظُرُوا إِلَيْهِ. فَلم يُوجد أنبت؛ فدرأ عَنهُ الْحَد» قَالَ أَبُو عبيد: وَبَعْضهمْ يرويهِ عَن عُثْمَان.
قَالَ أَبُو عبيد: والابتهار أَن يقذفها بِنَفسِهِ فَيَقُول: فعلت بهَا كَاذِبًا، فَإِن كَانَ قد فعل فَهُوَ الابتيار. ثمَّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث سُفْيَان، ثَنَا أَيُّوب بن مُوسَى، عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى بن حبَان قَالَ: «أُتِي عمر بن الْخطاب بِابْن أبي الصعبة قد ابتهر امْرَأَة فِي شعره، قَالَ: انْظُرُوا إِلَى مؤتزره. فنظروا فَلم يَجدوا أنبت الشّعْر. فَقَالَ: لَو أنبت الشّعْر لجلدته الْحَد». وَعَن سُفْيَان، ثَنَا أَبُو حُصَيْن، عَن عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر قَالَ: «أُتِي عُثْمَان بِغُلَام قد سرق، فَقَالَ: انْظُرُوا إِلَى مؤتزره. فنظروا فَلم يجدوه أنبت الشّعْر فَلم يقطعهُ».

.كتاب الصُّلْح:

ذكر فِيهِ خَمْسَة أَحَادِيث:

.الحديث الأول:

عَن أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الصُّلْح جَائِز بَين الْمُسلمين، إِلَّا صلحا أحل حَرَامًا أَو حرم حَلَالا».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث كثير بن زيد، عَن الْوَلِيد بن رَبَاح، عَن أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «الصُّلْح جَائِز...» فَذكره بِزِيَادَة «الْمُسلمين عَلَى شروطهم».
وَقد أسلفنا الْكَلَام عَلَى هَذَا الْإِسْنَاد فِي بَاب الْمُصراة وَالرَّدّ بِالْعَيْبِ حَيْثُ ذكر الرَّافِعِيّ الْقطعَة الْأَخِيرَة مِنْهُ، وَذكرنَا هُنَاكَ أَن الْحَاكِم أخرجه من هَذَا الْبَاب من مُسْتَدْركه مُخْتَصرا بِدُونِ الِاسْتِثْنَاء ثمَّ قَالَ: رُوَاة هَذَا الحَدِيث مدنيون وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: وَله شَاهد من حَدِيث أنس وَعَائِشَة... فذكرهما بِإِسْنَادِهِ بِلَفْظ: الْمُسلمُونَ عَلَى شروطهم مَا وَافق الْحق.
وَرَوَاهُ بعد هَذَا الْموضع بِقَلِيل من حَدِيث أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ «الصُّلْح جَائِز بَين الْمُسلمين» وَلَيْسَ فِي إِسْنَاده كثير بن زيد الْمَذْكُور، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الصَّحِيحَيْنِ.
قَالَ: وَعبد الله بن الْحُسَيْن المصِّيصِي- يَعْنِي: الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده- ثِقَة تفرد بِهِ.
قلت: وَقَالَ ابْن حبَان فِي حَقه: إِنَّه يسرق الحَدِيث.
وَرَوَاهُ الْحَاكِم أَيْضا فِي كتاب الْأَحْكَام، وَهُوَ فِي أَوَاخِر مُسْتَدْركه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَيْضا بِلَفْظ: «الصُّلْح جَائِز بَين الْمُسلمين» ثمَّ قَالَ: وَشَاهده حَدِيث عَمْرو بن عَوْف- يَعْنِي: الْآتِي بعده- وَبِه يعرف.
وَرَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث سُلَيْمَان بن بِلَال، عَن الْعَلَاء، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «الصُّلْح جَائِز بَين الْمُسلمين» فَهَذِهِ طرق متعاهدة. ثمَّ قَالَ: الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب: ووقف هَذَا الحَدِيث عَلَى عمر أشهر.
قلت: كَذَا ادَّعَاهُ.
وَذكره الشَّافِعِي فِي الْأُم والْمُخْتَصر بِغَيْر إِسْنَاد. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي مَعْرفَته عَن الْحَاكِم، عَن الْأَصَم، ثَنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق الصغاني، ثَنَا ابْن كناسَة، ثَنَا جَعْفَر بن برْقَان، عَن معمر الْبَصْرِيّ، عَن أبي الْعَوام الْبَصْرِيّ قَالَ: «كتب عمر إِلَى أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ...» فَذكر الحَدِيث، وَقَالَ فِيهِ: «وَالصُّلْح جَائِز بَين الْمُسلمين إِلَّا صلحا أحل حَرَامًا أَو حرَّم حَلَالا».
ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رُوِيَ هَذَا من أوجه.
قلت: وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ فِي سنَنه عَن أبي طَاهِر الْفَقِيه، ثَنَا أَبُو حَامِد بن بِلَال، ثَنَا يَحْيَى بن الرّبيع الْمَكِّيّ ثَنَا سُفْيَان عَن إِدْرِيس الأودي قَالَ: أخرج إِلَيْنَا سعيد بن أبي بردة كتابا فَقَالَ: هَذَا كتاب عمر إِلَى أبي مُوسَى... فَذكره وَفِيه «وَالصُّلْح جَائِز بَين النَّاس إِلَّا صلحا أحل حَرَامًا أَو حرّم حَلَالا».

.الحديث الثَّانِي:

عَن كثير بن عبد الله بن عَمْرو بن عَوْف الْمُزنِيّ، عَن أَبِيه، عَن جده أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الْمُؤْمِنُونَ عِنْد شروطهم، إِلَّا شرطا أحل حَرَامًا أَو حرم حَلَالا، وَالصُّلْح جَائِز».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي جامعه بِلَفْظ «الصُّلْح جَائِز بَين الْمُسلمين إِلَّا صلحا أحل حَرَامًا أَو حرّم حَلَالا، والمسلمون عَلَى شروطهم إِلَّا شرطا حرم حَلَالا أَو حلل حَرَامًا».
وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث خَالِد بن مُحَمَّد عَن كثير بِهِ إِلَى آخر الِاسْتِثْنَاء الأول.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
قلت: بل واهٍ بِمرَّة، بِسَبَب كثير هَذَا، وَقد أوضحت كَلَام الْأَئِمَّة فِيهِ فِي صَلَاة الْعِيدَيْنِ فِي الحَدِيث السَّادِس بعد الْعشْرين، عَلَى أَن التِّرْمِذِيّ لم ينْفَرد بتصحيح حَدِيثه، فقد أخرج لَهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه حَدِيثا فِي زَكَاة الْفطر، وَحسن البُخَارِيّ حَدِيثا لَهُ. قَالَ التِّرْمِذِيّ: قلت للْبُخَارِيّ فِي حَدِيث كثير بن عبد الله بن عَمْرو بن عَوْف، عَن أَبِيه، عَن جده «فِي السَّاعَة الَّتِي ترجى يَوْم الْجُمُعَة» قَالَ: حَدِيث حسن.
وَحسن التِّرْمِذِيّ حَدِيثه: «إِن الدَّين بَدَأَ غَرِيبا» وَكَذَا حَدِيث التَّكْبِير فِي صَلَاة الْعِيدَيْنِ، كَمَا سلف فِي بَابه.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة: وَرَوَاهُ الشَّافِعِي فِي كتاب حَرْمَلَة عَن عبد الله بن نَافِع عَن كثير.
وَرَوَاهُ فِي سنَنه من حَدِيث ابْن زبالة عَن كثير كَرِوَايَة ابْن مَاجَه، ثمَّ قَالَ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو عَامر الْعَقدي عَن كثير والاعتماد عَلَى رِوَايَته، وَمُحَمّد بن الْحسن بن زبالة ضَعِيف بِمرَّة، وَرِوَايَة كثير إِذا انضمت إِلَى مَا قبلهَا قويتا. يُشِير إِلَى حَدِيث أبي هُرَيْرَة السالف قَرِيبا، وخلط ابْن حزم بَين حَدِيث كثير هَذَا وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة السالف، فَقَالَ فِي محلاه: وروينا من طَرِيق كثير بن عبد الله وَهُوَ كثير بن زيد، عَن أَبِيه، عَن جده، وَعَن الْوَلِيد بن رَباح، عَن أبي هُرَيْرَة- كِلَاهُمَا- أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الصُّلْح جَائِز بَين الْمُسلمين إِلَّا صلحا...» الحَدِيث، ثمَّ قَالَ: كثير بن عبد الله بن زيد بن عَمْرو سَاقِط مُتَّفق عَلَى إطراحه؛ فَإِن الراوية عَنهُ لَا تحل. كَذَا هُوَ فِي محلاه وَقد خلط بَين الترجمتين، وَصَوَابه روينَا من طَرِيق كثير بن عبد الله، عَن أَبِيه، عَن جده، وَمن طَرِيق كثير بن زيد، عَن الْوَلِيد، وَكثير هَذَا مُخْتَلف فِيهِ كَمَا أسلفته لَك فِيمَا مَضَى، وَكثير الأول واهٍ بِمرَّة كَمَا أَشرت إِلَيْهِ هُنَا، وأوضحته فِي صَلَاة الْعِيدَيْنِ.

.الحديث الثَّالِث:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نصب بِيَدِهِ ميزابًا فِي دَار الْعَبَّاس رَضي اللهُ عَنهُ».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده عَن أَسْبَاط بن مُحَمَّد، ثَنَا هِشَام بن سعد، عَن عبيد الله بن عَبَّاس أَخُو عبد الله بن عَبَّاس قَالَ: «كَانَ للْعَبَّاس ميزاب عَلَى طَرِيق عمر بن الْخطاب، فَلبس ثِيَابه يَوْم الْجُمُعَة وَقد كَانَ ذُبح للْعَبَّاس فرخان، فَلَمَّا وافى الْمِيزَاب صب مَاء بِدَم الفرخين فَأصَاب عمر دم الفرخين، فَأمر عمر بقلعه، ثمَّ رَجَعَ عمر فَطرح ثِيَابه، وَلبس عمر ثيابًا غير ثِيَابه، ثمَّ جَاءَ فَصَلى بِالنَّاسِ، فَأَتَاهُ الْعَبَّاس فَقَالَ: وَالله إِنَّه للموضع الَّذِي وَضعه رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَقَالَ عمر للْعَبَّاس: وَأَنا أعزم عَلَيْك لما صعدت عَلَى ظَهْري حَتَّى تضعه فِي الْموضع الَّذِي وَضعه رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَفعل ذَلِكَ الْعَبَّاس» وَهِشَام هَذَا حسن الحَدِيث، ضعفه النَّسَائِيّ وَغَيره، وَخرج لَهُ مُسلم مُتَابعَة.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث يَعْقُوب بن سُفْيَان، ثَنَا عبيد الله بن مُوسَى، أبنا مُوسَى بن عُبَيْدَة، عَن يَعْقُوب بن زيد: «أَن عمر خرج فِي يَوْم جُمُعَة فقطر ميزاب عَلَيْهِ للْعَبَّاس فَأمر بِهِ فَقلع، فَقَالَ الْعَبَّاس: قلعت ميزابي وَالله مَا وَضعه حَيْثُ كَانَ إِلَّا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَدِهِ. فَقَالَ عمر: وَالله لَا يَضَعهُ إِلَّا أَنْت بِيَدِك، ثمَّ لَا يكون لَك سلم إِلَّا عمر! قَالَ: فَوضع الْعَبَّاس رجلَيْهِ عَلَى عَاتِقي عمر ثمَّ أَعَادَهُ حَيْثُ كَانَ» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد ورد من وَجْهَيْن آخَرين عَن عمر وعباس، ثمَّ رَوَى بِإِسْنَاد من حَدِيث مُحَمَّد بن الْمسيب وَمن حَدِيث عَطاء الْخُرَاسَانِي عَن سعيد بن الْمسيب «أَن عمر...» فَذكر الْقِصَّة بمعناها، قَالَ: وَرَوَاهُ أَيْضا عبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم، عَن أَبِيه، عَن جده عمر بِمَعْنَاهُ. وَرَوَاهُ ابْن عُيَيْنَة عَن أبي هَارُون الْمدنِي مُنْقَطِعًا مُخْتَصرا بِبَعْض مَعْنَاهُ.
قلت: وَطَرِيق عبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم رَوَاهَا الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي تَرْجَمَة الْعَبَّاس رَضي اللهُ عَنهُ من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم هَذَا، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن عمر «أَنه دخل الْمَسْجِد فَإِذا ميزاب للْعَبَّاس شَارِع فِي مَسْجِد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يسيل مَاء الْمَطَر مِنْهُ، فَقَالَ عمر بِيَدِهِ فَقلع الْمِيزَاب، فَقَالَ: هَذَا الْمِيزَاب لَا يسيل فِي مَسْجِد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم! فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاس: وَالَّذِي بعث مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ؛ إِنَّه هُوَ الَّذِي وضع هَذَا الْمِيزَاب فِي هَذَا الْمَكَان ونزعته أَنْت يَا عمر! فَقَالَ عمر: ضع رجليك عَلَى عنقِي لترده إِلَى مَا كَانَ. فَفعل الْعَبَّاس» ثمَّ قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث كتبناه عَن أبي جَعْفَر وَأبي عَلّي الْحَافِظ؛ لم نَكْتُبهُ إِلَّا بإسنادنا هَذَا، والشيخان لم يحْتَجَّا بِعَبْد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم. قَالَ: وَقد وجدت لَهُ شَاهدا من حَدِيث أهل الشَّام... فَذكره.
وَفِي علل ابْن أبي حَاتِم سَأَلت أبي عَن حَدِيث هِشَام بن سعد عَن زيد بن أسلم، وَعَن حَدِيث عبد الله بن عبيد الله بن عَبَّاس، عَن أَبِيه قَالَ: «كَانَ للْعَبَّاس ميزاب عَلَى ظهر الطَّرِيق فَمر عمر...» الحَدِيث. فَقَالَ: إِن هَذَا خطأ؛ النَّاس لَا يَقُولُونَهُ هَكَذَا.