فصل: الْأَثر الثَّالِث:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الْأَثر الثَّالِث:

«أَن الصَّحَابَة بَايعُوا أَبَا بكر فَأول من بَايعه عمر، ثمَّ وَافقه الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم». وَهَذَا الْأَثر صَحِيح، وَقد أسلفناه بِطُولِهِ فِي أثْنَاء الحَدِيث السَّادِس.

.الْأَثر الرَّابِع:

«أَن أَبَا بكر عهد إِلَى عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما». وَهَذَا الْأَثر صَحِيح مستفيض وَفِي الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن مُحَمَّد بن يُوسُف قَالَ: «بَلغنِي أَن أَبَا بكر أَوْصَى فِي مَرضه فَقَالَ لعُثْمَان اكْتُبْ: بِسْمِ الَلّهِ الرّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ أَبُو بكر بن أبي قُحَافَة عِنْد آخر عَهده بالدنيا خَارِجا مِنْهَا، وَأول عَهده بِالآخِرَة دَاخِلا فِيهَا حِين يصدق الْكَاذِب. وَيُؤَدِّي الخائن، ويؤمن الْكَافِر، إِنِّي اسْتخْلف بعدِي عمر بن الْخطاب، فَإِن عدل فَذَاك ظَنِّي بِهِ ورجائي فِيهِ، وَإِن بدل وجار فَلَا أعلم الْغَيْب، وَلكُل امْرِئ مَا اكْتسب من الْإِثْم {وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أيَّ مُنْقَلب يَنْقَلِبُون}». قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ مُتَّصِلا عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة.

.الْأَثر الْخَامِس:

«أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه جعل الْأَمر شُورَى بَين سِتَّة، فاتفقوا عَلَى عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه». وَهَذَا الْأَثر صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه، وَقد سلف بِطُولِهِ فِي بَاب مَا يجب بِهِ الْقصاص.

.الْأَثر السَّادس:

عَن أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «أقيلوني من الْخلَافَة». وَهَذَا غَرِيب، لَا يحضرني من خرجه عَنهُ.

.الْأَثر السَّابع:

«أَن عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه سمع رجلا من الْخَوَارِج يَقُول لَا حكم إِلَّا لله وَلِرَسُولِهِ، وَتعرض بتخطئته فِي التَّحْكِيم. فَقَالَ عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: كلمة حق أُرِيد بهَا بَاطِل، لكم علينا ثَلَاث: لَا نمنعكم مَسَاجِد الله أَن تَذكرُوا فِيهَا اسْم الله وَلَا نمنعكم الْفَيْء مَا دَامَت أَيْدِيكُم مَعنا، وَلَا نبدأ بقتالكم» وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الشَّافِعِي بلاغًا، وَالْبَيْهَقِيّ مَوْصُولا «أَن عليًّا بَيْنَمَا هُوَ يخْطب إِذْ سمع من نَاحيَة الْمَسْجِد قَائِلا يَقُول: لَا حكم...» إِلَى آخِره. وَرَوَى مُسلم فِي صَحِيحه صَدره من حَدِيث عبيد الله بن أبي رَافع «أَن الحرورية لما خرجت عَلَى عَليّ بن أبي طَالب وَهُوَ مَعَه فَقَالُوا: لَا حكم إِلَّا لله. فَقَالَ عليّ بن أبي طَالب: كلمة حق أُرِيد بهَا بَاطِل، إِن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وصف نَاسا إِنِّي لأعرف صفتهمْ فِي هَؤُلَاءِ...» الحَدِيث، وَهُوَ حَدِيث طَوِيل. قَالَ الرَّافِعِيّ: والخوارج فرقة من المبتدعة خَرجُوا عَلَى عَليّ حَيْثُ اعتقدوا أَنه يعرف قتلة عُثْمَان وَيقدر عَلَيْهِم وَلَا يقْتَصّ مِنْهُم لرضاه بقتْله ومواطأته إيَّاهُم، ويعتقدون أَن من أَتَى كَبِيرَة فقد كفر، وَاسْتحق الخلود فِي النَّار، ويطعنون لذَلِك فِي الْأَئِمَّة، وَلَا يَجْتَمعُونَ مَعَهم فِي الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَات. أعاذنا الله من رُؤْيَتهمْ. قَالَ الشَّافِعِي: وَابْن ملجم الْمرَادِي قتل عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه متأولاً. قَالَ الرَّافِعِيّ: أَرَادَ الشَّافِعِي أَنه قَتله وَزعم أَن لَهُ شُبْهَة وتأويلاً بَاطِلا وَحكي أَن تَأْوِيله أَن امْرَأَة من الْخَوَارِج تسمى قطام، خطبهَا ابْن ملجم، وَكَانَ عَليّ قتل أَبَاهَا فِي جملَة الْخَوَارِج، فَوَكَّلَتْهُ فِي الْقصاص وهما يزعمان أَن عَلَيْهِ قصاصا وَأَن الْوَاحِد من الْوَرَثَة ينْفَرد بِالْقصاصِ، وشرطت لَهُ مَعَ ذَلِك ثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم وعبدًا وقينة لتحببه فِي ذَلِك، وَفِي ذَلِك قيل:
فَلَم أرَ مَهْرًا ساقَهُ ذُو سَمَاحَةٍ ** كَمَهَرِ قَطَامٍ من فَصَيحٍ وأعجَم

ثَلاثَةُ آلافٍ وَعبدٍ وقَيْنَةٍ ** وَقتل عليٍّ بالحُسامِ المُصَمْصَم

هَذَا آخر مَا ذكره.
أما مَا ذكره من كَونه قَتله متأولا فقد قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه، بَاب الرجل يقتل وَاحِدًا من الْمُسلمين عَلَى التَّأْوِيل، ثمَّ ذكر عَن الشَّافِعِي مَا سَيَأْتِي. وَقَالَ ابْن حزم: لَا خلاف بَين أحد من الْأَئِمَّة فِي أَن ابْن ملجم قتل عليًّا متأولا مُجْتَهدا مُقَدرا عَلَى أَنه صَواب وَفِي ذَلِك يَقُول عمرَان بن حطَّان:
يَا ضَرْبَة من تَقِيّ مَا أَرَادَ بهَا ** إِلَّا ليبلغ من ذِي الْعَرْش رضوانا

إِنِّي لأذكره حينا فأحسبه ** أَوْفَى الْبَريَّة عِنْد الله ميزانًا

وَقد أَجَابَهُ من الْمُتَقَدِّمين بكر بن حَمَّاد بِأَبْيَات ذكرهَا ابْن عبد الْبر فِي استيعابه، وَمن الْمُتَأَخِّرين القَاضِي أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ ببيتين فَقَالَ:
يَا ضَرْبَة من شقي مَا أَرَادَ بهَا ** إِلَّا ليهْدم الْإِسْلَام أركانا

إِنِّي لأذكره يَوْمًا فألعنه ** كَذَاك ألعن عمرَان بن حطانا

وَفِي الِاسْتِيعَاب أَن ابْن ملجم قَالَ لشبيب الْأَشْجَعِيّ: هَل لَك أَن تساعدني عَلَى قتل عَلّي. فَقَالَ: وَيلك إِنَّه ذُو سابقةٍ فِي الْإِسْلَام، فَقَالَ ابْن ملجم: إِنَّه حكم الرِّجَال فِي دين الله، وَقتل إِخْوَاننَا الصَّالِحين. وَأَنه ضربه عَلَى رَأسه، وَقَالَ: الحكم لله يَا عَلّي لَا لَك، وَلَا لأصحابكم. وَظَاهر هَذَا أَنه كَانَ مُسلما متأولاً وَذكر ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب السياسة: أَن ابْن ملجم دخل الْمَسْجِد فِي بزوغ الْفجْر الأولَى، فَدخل فِي الصَّلَاة تَطَوّعا ثمَّ افْتتح الْقِرَاءَة فَجعل يُكَرر هَذِه الْآيَة {وَمن النَّاس من يشري نَفسه} فَأقبل عَلّي وَبِيَدِهِ مخفقة يوقظ النَّاس للصَّلَاة، فَمر بِابْن ملجم وَهُوَ يردد هَذِه الْآيَة، فَظن أَنه تعيى فِيهَا فَفتح لَهُ {وَالله رؤوف بالعباد} ثمَّ انْصَرف عَلّي فَتَبِعَهُ فَضَربهُ عَلَى قرنه، فَقَالَ عليّ: احْبِسُوهُ ثَلَاثًا وأطعموه واسقوه، فَإِن أعش أرَى فِيهِ رَأْيِي، وَإِن أمت فَاقْتُلُوهُ، وَلَا تمثلوا بِهِ. فَمَاتَ فَأَخذه عبد الله بن جَعْفَر فَقطع يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ، فَلم يجزع، وَأَرَادُوا قطع لِسَانه فجزع، فَقيل لَهُ مَا هَذَا الْجزع عَلَى لسَانك وَحده؟ فَقَالَ: إِنِّي أكره أَن تمر بِي سَاعَة من نَهَار لَا أذكر الله فِيهَا. ثمَّ قطعُوا لِسَانه، وضربوا عُنُقه. وَقَالَ مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ فِي تهذيبه: أهل السّير لَا تدافع عَنْهُم «أَن عليًّا أَمر بقتل قَاتله قصاصا، وَنَهَى أَن يمثل بِهِ». وَفِي كتاب التَّجْرِيد للقدوري الْحَنَفِيّ: أَنه لَو كَانَ مُرْتَدا لجازت الْمثلَة بِهِ، وَقد قَالَ عَلّي: لَا تمثلوا بِهِ، وَأَيْضًا مَا كَانَ عَلّي يقف قَتله عَلَى شَرط الْمَوْت، وَلَو قتل لسعيه فِي الأَرْض بِالْفَسَادِ لم يجز الْعَفو عَنهُ أَي وَقد قَالَ عَلّي: «إِن شِئْت أَن أعفو عَنهُ». كَمَا سَيَأْتِي. وَقَالَ الرَّافِعِيّ فِي تذنيبه: عبد الرَّحْمَن بن ملجم الْمرَادِي، كَانَ من الْخَوَارِج المارقين، وَذكر أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم شهد عَلَيْهِ بالشقاوة.
قلت: وَهَذَا الحَدِيث سَيَأْتِي فِي أثْنَاء الْأَثر الْحَادِي عشر، وَقَالَ ابْن دحْيَة فِي كتاب التَّنْوِير: لَا أعلم أحدا توقف فِي لعن ابْن ملجم، إِلَّا مَا كَانَ من عمرَان بن حِطّان أصلاه الله النيرَان. وَأما الْقِصَّة الَّتِي ذكرهَا الرَّافِعِيّ فرواها بِنَحْوِ ذَلِك الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي تَرْجَمَة عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بِإِسْنَادِهِ إِلَى إِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحْمَن قَالَ: «كَانَ عبد الرَّحْمَن بن ملجم الْمرَادِي عشق امْرَأَة من الْخَوَارِج من تيم الربَاب يُقَال لَهَا: قطام فنكحها وَأصْدقهَا ثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم، وَقتل عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه» وَفِي ذَلِك قَالَ الفرزدق:
فَلم أر مهْرا... الْبَيْت. كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ إِلَّا أَنه قَالَ: بيّن غير مُعْجم بدل: من فصيح وأعجم وَالْبَيْت الثَّانِي: كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ سَوَاء وَزَاد بَيْتا ثَالِثا:
فَلَا مهر أغلا من عَلّي وَإِن غلا ** وَلَا فتك إِلَّا دون فتك ابْن ملجم

.الْأَثر الثَّامِن:

«أَن أَبَا بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ للَّذين قَاتلهم بعد مَا تَابُوا: تدون قَتْلَانَا وَلَا ندي قَتْلَاكُمْ». وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي إِسْحَاق، عَن عَاصِم بن ضَمرَة، قَالَ: «ارْتَدَّ عَلْقَمَة بن علاثة عَن دينه بعد النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَبَى أَن يجنح للسَّلم، فَقَالَ أَبُو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: لَا نقبل مِنْك إِلَّا بسلم مخزية أَو حَرْب مجلية، فَقَالَ: مَا سلم مخزية؟ قَالَ: تَشْهَدُون عَلَى قَتْلَانَا أَنهم فِي الْجنَّة وَأَن قَتْلَاكُمْ فِي النَّار وَلَا ندي قَتْلَاكُمْ. فَاخْتَارُوا سلما مخزية». قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وروينا فِي هَذِه الْقِصَّة: «أَن عمر بن الْخطاب رَأَى أَن لَا يدوا قَتْلَانَا، وَقَالَ: قَتْلَانَا قتلوا عَلَى أَمر الله فَلَا ديات لَهُم». وَفِي رِوَايَة لَهُ فِي بَاب قتال أهل الرِّدَّة وَمَا أُصِيب فِي أَيْديهم من مَتَاع الْمُسلمين، عَن طَارق بن شهَاب قَالَ: «جَاءَ وَفد بزاخة- أَسد وغَطَفَان- إِلَى أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه يسألونه الصُّلْح، فَخَيرهمْ أَبُو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بَين الْحَرْب المجلية، أَو السّلم المخزية، قَالَ: فَقَالُوا: هَذَا الْحَرْب المجلية وَقد عَرفْنَاهُ، فَمَا السّلم المخزية؟ قَالَ أَبُو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: تؤدون الْحلقَة والكراع، وتتركون أَقْوَامًا يتبعُون أَذْنَاب الْإِبِل حَتَّى يرَى خَليفَة نبيه وَالْمُسْلِمين أمرا يعذرونكم بِهِ، وتدون قَتْلَانَا وَلَا ندي قَتْلَاكُمْ، وقتلانا فِي الْجنَّة وَقَتلَاكُمْ فِي النَّار، وتردون مَا أصبْتُم منا ونغنم مَا أصبْنَا مِنْكُم. فَقَالَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: قد رَأَيْت أمرا وسنشير عَلَيْك، أما أَن يؤدوا الحلقةوالكراع فَنعما رَأَيْت، وَأما أَن تتركوا أَقْوَامًا يتبعُون أَذْنَاب الْإِبِل حَتَّى يري الله خَليفَة نبيه وَالْمُسْلِمين أمرا يعذرونهم بِهِ فَنعما رَأَيْت وَأما أَن قتلاهم فِي النَّار وقتلانا فِي الْجنَّة فَنعما رَأَيْت وَأما أَن يدوا قَتْلَانَا فَلَا، قَتْلَانَا قتلوا عَلَى أَمر الله فَلَا ديات لَهُم. فَبَايع النَّاس عَلَى ذَلِك». قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وقَول عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فِي الْأَمْوَال لَا يُخَالف قَوْله فِي الدِّمَاء، فَإِنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ وَالله أعلم مَا أُصِيب فِي أَيْديهم من أَعْيَان أَمْوَال الْمُسلمين لَا تضمن مَا أتلفوه.
فَائِدَة: «بُزَاخة»: الْمَذْكُورَة فِي هَذَا الْأَثر هِيَ- بِضَم الْبَاء، وَفتح الزَّاي وَالْخَاء الْمُعْجَمَة- مَوضِع، قَالَ صَاحب الْمطَالع: بِالْبَحْرَيْنِ قَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: هُوَ مَاء لِطَيِّئٍ وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَاء لبني أَسد.

.الْأَثر التَّاسِع:

«أَن عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه نَادَى من وجد مَاله فليأخذه. قَالَ الرَّاوِي: فَمر بِنَا رجل فَعرف قدرا نطبخ فِيهَا فَسَأَلْنَاهُ أَن يصبر حَتَّى نطبخ فَلم يفعل». وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه بِنَحْوِهِ من رِوَايَة عرْفجَة، عَن أَبِيه: «أَن عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه لما قتل أهل النهروان جال فِي عَسْكَرهمْ فَمن كَانَ يعرف شَيْئا أَخذه، حَتَّى بقيت قدر، ثمَّ رَأَيْتهَا أخذت بعد» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أَن عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أُتِي برثة أهل النَّهر فعرفها، فَكَانَ من عرف شَيْئا أَخذه، حَتَّى بقيت قدر لم تعرف».

.الْأَثر الْعَاشِر:

«أُتِي عليا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَاتل أهل الْبَصْرَة، وَلم يتتبع بعد الِاسْتِيلَاء مَا أَخَذُوهُ من الْحُقُوق». وَهَذَا لَا يحضرني. وَفِي الْبَيْهَقِيّ: بَاب أهل الْبَغي إِذا غلبوا عَلَى بلد وَأخذُوا صدقَات أَهلهَا، وَأَقَامُوا عَلَيْهِم الْحُدُود لم تعد عَلَيْهِم اسْتِدْلَالا بِحَدِيث أبي ذَر: «أَمرنِي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن أسمع وأطع وَلَو لعبد حبشِي مجدع الْأَطْرَاف». أخرجه مُسلم.

.الْأَثر الْحَادِي عشر:

عَن الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن عليًّا أَمر بِحَبْس ابْن ملجم وَقَالَ: إِن قَتَلْتُمُوهُ فَلَا تمثلوا بِهِ، وَرَأَى عَلَيْهِ الْقَتْل، فَقتله الْحسن رَضِيَ اللَّهُ عَنْه». وَهَذَا الْأَثر صَحِيح رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي الْأُم، عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه «أَن عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ فِي أَمر ابْن ملجم بعد مَا ضربه: أطعموه واسقوه وأحسنوا إساره، فَإِن عِشْت فَأَنا ولي دمي أعفو إِن شِئْت، وَإِن شِئْت استقدت، وَإِن قَتَلْتُمُوهُ فَلَا تمثلوا بِهِ» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَنهُ، وَرَوَى فِي مَنَاقِب الشَّافِعِي تأليفه فِي بَاب مَا جَاءَ فِي حسن مناظرة الشَّافِعِي بِإِسْنَادِهِ إِلَى أبي ثَوْر قَالَ: سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول: ناظرت، بشر بن غياث المريسي فِي الْمَقْتُول لَهُ وَرَثَة صغَار وكبار يقتل الْقَاتِل دون بُلُوغ الصغار؟ قَالَ: لَا. فَقلت لَهُ: فَإِن الْحسن بن عَلّي قتل ابْن ملجم، وَفِي الْوَرَثَة صغَار لم يبلغُوا. فَقَالَ: أَخطَأ الْحسن. فَقلت: مَا كَانَ عنْدك جَوَاب أحسن من هَذَا وهجرته يَوْمئِذٍ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَكَانَ الشَّافِعِي يذهب أَيْضا إِلَى أَنه لَا يقتل قصاصا قبل بُلُوغ الصغار، وَيُشبه أَن يكون حمل قتل الْحسن بن عَلّي ابنَ ملجم عَلَى أَنه من الساعين فِي الأَرْض بِالْفَسَادِ، فَرَأَى قَتله بِالْولَايَةِ الْعَامَّة دون ولَايَة الْقصاص. وَقَالَ فِي سنَنه نقلا عَن بعض أَصْحَابنَا إِنَّمَا استبد بقتْله قبل بُلُوغ الصغار من ولد عَلّي؛ لِأَنَّهُ فعله حدًّا لكفره لَا قصاصا. وَقَالَ فِي الْمعرفَة يشبه أَن يكون الْحسن وقف عَلَى استحلال عبد الرَّحْمَن بن ملجم قتل أَبِيه فَقتله لأجل ذَلِك. وَاسْتدلَّ بعض من قَالَ ذَلِك. من أَصْحَابنَا بِمَا روينَا عَن أبي سِنَان الدؤَلِي أَنه عَاد عليًّا فِي شكوى لَهُ قَالَ: فَقلت لَهُ: لقد تخوفنا عَلَيْك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. قَالَ: لكني وَالله مَا تخوفت؛ لِأَنِّي سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّادِق المصدوق يَقُول: «إِنَّك ستضرب ضَرْبَة هَاهُنَا، وضربة هَاهُنَا- وَأَشَارَ إِلَى صدغيه- فيسيل دَمهَا حَتَّى تختضب لحيتك، وَيكون صَاحبهَا أشقاها كَمَا كَانَ عَاقِر النَّاقة أَشْقَى ثَمُود» وَفِي مُسْتَدْرك الْحَاكِم بِإِسْنَادِهِ إِلَى أبي يَحْيَى، قَالَ: «لما جَاءُوا بِابْن ملجم إِلَى عَليّ، قَالَ: اصنعوا بِهِ مَا صنع رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِرَجُل جُعِلَ لَهُ عَلَى أَن يقْتله، فَأمر أَن يُقتل ويُحرق بالنَّار» وَفِيه أَيْضا عَن أبي إِسْحَاق الْهَمدَانِي قَالَ: «رَأَيْت قَاتل عَلّي بن أبي طَالب يحرق بالنَّار فِي أَصْحَاب الرماح» وَفِيه أَيْضا عَن الشّعبِيّ قَالَ: «لما ضرب ابْن ملجم عليًّا تِلْكَ الضَّرْبَة أَوْصَى فَقَالَ: قد ضَرَبَنِي، فَأحْسنُوا إِلَيْهِ وألينوا لَهُ فرَاشه، فَإِن أعش فعفو أَو قصاص، وَإِن أمت فعاجلوه فَإِنِّي مخاصمه عِنْد رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ».

.الْأَثر الثَّانِي عشر:

«أَن عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بعث ابْن عَبَّاس إِلَى أهل النهروان للْحَاجة والنصيحة فَرجع بَعضهم إِلَى الطَّاعَة بذلك» وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده فِي حَدِيث طَوِيل، فِيهِ ذكر قصَّة الخارجين عَلَى عَلّي: «فَإِنَّهُ بعث إِلَيْهِم عبد الله بن عَبَّاس فناظرهم فَرجع مِنْهُم أَرْبَعَة آلَاف، وَكَانُوا ثَمَانِيَة آلَاف» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا كَذَلِك. «وَأَنه بَعثه إِلَيْهِم وَأَنه رَجَعَ مِنْهُم أَرْبَعَة آلَاف» وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه «أَنه بَعثه إِلَى الحروراء فَرجع مِنْهُم عشرُون ألفا، وَبَقِي مِنْهُم أَرْبَعَة آلَاف قتلوا» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي زُميل الْحَنَفِيّ عَنهُ «أَن ابْن عَبَّاس خرج إِلَى الحرورية وَأَنَّهُمْ سِتَّة آلَاف فحاجهم فَرجع مِنْهُم أَلفَانِ، وَقتل الْبَاقِي»، وَلَيْسَ فِيهَا أَنه بَعثه. وَفِي الْبَيْهَقِيّ أَيْضا: «أَن عليًّا بعث الْبَراء بن عَازِب إِلَى أهل النَّهر إِلَى الْخَوَارِج فَدَعَاهُمْ ثَلَاثًا قبل أَن يقاتلهم».

.الْأَثر الثَّالِث عشر:

«أَنه نَادَى مُنَادِي عليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه يَوْم الْجمل أَلا لَا يتبع مدبرهم، وَلَا يذفف عَلَى جريحهم» وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة، وَسَعِيد بن مَنْصُور وَالْحَاكِم، وَالْبَيْهَقِيّ. قَالَ الْحَاكِم: هُوَ صَحِيح، قَالَ: وَصَحَّ مثله فِي وقْعَة صفّين.
فَائِدَة: قَالَ ابْن دحْيَة فِي كِتَابه مرج الْبَحْرين: كَانَت وقْعَة الْجمل فِي نصف جُمَادَى الْآخِرَة، وَقيل: كَانَت فِي يَوْم الْخَمِيس لعشر ليالٍ خلت مِنْهُ سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ، أفرجت عَن ثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ ألفا. قَالَه ابْن شبة، وَقيل: سَبْعَة عشر ألفا من أَصْحَاب عَائِشَة، وَمن أَصْحَاب عَلّي نَحْو من ألف رجل، وَقيل: أقل من ذَلِك، وَكَانَت إِقَامَة عليّ، وَمُعَاوِيَة بصفين تِسْعَة أشهر، وَقيل: سَبْعَة. وَقيل: ثَلَاثًا. وَكَانَ بَينهمَا قبل الْقِتَال نَحْو من سبعين زحفًا. وَقيل: فِي ثَلَاثَة أَيَّام من أَيَّام الْبيض سَبْعُونَ ألفا من الْفَرِيقَيْنِ. وَفِي المعجم الْكَبِير للطبراني من حَدِيث ابْن شهَاب أَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن العَاصِي شهد الْقِتَال يَوْم صفّين، وَكَانَ أهل الشَّام يَوْم صفّين خَمْسَة وَثَلَاثِينَ وَمِائَة ألف، وَكَانَ أهل الْعرَاق عشْرين أَو ثَلَاثِينَ وَمِائَة ألف، وَقطع عَلَى خطام جمل عَائِشَة واسْمه عَسْكَر سَبْعُونَ يدا من بني ضبة، كلما قطعت يَد رجل أَخذ الزِّمَام آخر، وهم ينشدون:
تبَارك الْمَوْت إِذْ الْمَوْت نزل

بني ضبة أَصْحَاب الْجمل

وَالْمَوْت أشهى عندنَا من الْعَسَل

.الْأَثر الرَّابِع عشر:

«أَن عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قتل لَيْلَة الهرير ألفا وَخَمْسمِائة». وَهَذَا قد سلف فِي صَلَاة الْخَوْف.

.كتاب الرِّدَّة:

كتاب الرِّدَّة:
ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ من الْأَحَادِيث:

.تِسْعَة أَحَادِيث:

.الحديث الأول:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا يحل دم امْرِئ مُسلم إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث...» الحَدِيث.
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَقد سلف بَيَانه فِي أَوَائِل بَاب الْجراح.

.الحديث الثَّانِي:

عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من بدّل دينه فَاقْتُلُوهُ». هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه البُخَارِيّ فِي صَحِيحه من حَدِيث عِكْرِمَة قَالَ: «أُتِي عَليٌّ بزنادقة فأحرقهم. فَلَمَّا بلغ ذَلِك ابْن عَبَّاس قَالَ: لَو كنت أَنا لم أحرقهم؛ لنهي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تعذبوا بِعَذَاب الله. ولقتلتهم؛ لقَوْل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: من بدل دينه فَاقْتُلُوهُ». وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي أكبر معاجمه «من ترك» بدل «من بدل» وَرَوَاهُ مَالك وَالشَّافِعِيّ عَنهُ من حَدِيث زيد بن أسلم أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من غيرّ دينه فاضربوا عُنُقه». قَالَ الشَّافِعِي: هَذَا الحَدِيث مُنْقَطع. أَي: لِأَن زيد بن أسلم إِنَّمَا يروي عَن الصَّحَابَة، عَن أَبِيه. وَقد رَوَاهُ البُخَارِيّ مَوْصُولا كَمَا تقدم. وَوَصله الْحَاكِم أَيْضا فِي مُسْتَدْركه من حَدِيث ابْن عَبَّاس أَيْضا، وَلَفظه فِيهِ: «من يُخَالف دينه من الْمُسلمين فَاقْتُلُوهُ». ثمَّ صَححهُ؛ لَكِن فِي إِسْنَاده حَفْص بن عمر الْعَدنِي وَقد ضَعَّفُوهُ. وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه بِدُونِهِ وَقَالَ فِي آخِره: «فاضربوا عُنُقه» وَقَالَ: «إِذا شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، فَلَا سَبِيل عَلَيْهِ إِلَّا أَن يَأْتِي شَيْئا فيقام عَلَيْهِ حَده».

.الحديث الثَّالِث:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِر فقد بَاء بهَا أَحدهمَا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث عبد الله بن عمر، مَرْفُوعا بِهَذَا اللَّفْظ. وَزِيَادَة: «فَإِن كَانَ كَمَا قَالَ، وَإِلَّا رجعت عَلَيْهِ». وَأَخْرَجَا مثله من حَدِيث أبي ذرٍ أَيْضا.

.الحديث الرَّابِع:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا أكل لحس أَصَابِعه الثَّلَاث».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث كَعْب بن مَالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْكُل بِثَلَاث أَصَابِع فَإِذا فرغ لعقها». وَله مثله: من حَدِيث أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَقد جَاءَ الْأَمر بذلك فِي عدَّة أَحَادِيث مِنْهَا حَدِيث ابْن عَبَّاس، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا، وَمِنْهَا حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَجَابِر، أخرجهُمَا مُسلم وَمِنْهَا حَدِيث أم عَاصِم، أخرجه التِّرْمِذِيّ.

.الحديث الخَامِس:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «مَا بَين قَبْرِي ومنبري رَوْضَة من رياض الجنَّة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح وَقد سلف بَيَانه فِي اللّعان.

.الحديث السَّادِس:

عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن امْرَأَة يُقَال لَهَا: أم رُومَان ارْتَدَّت، فَأمر النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَن يعرض عَلَيْهَا الْإِسْلَام، فَإِن تابت وَإِلَّا قتلت».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ والدارقطني فِي سنَنه من طَرِيقين، هَذَا لَفظه فِي أَحدهمَا، وَلَفظه فِي الثَّانِي: «ارْتَدَّت امْرَأَة عَن الْإِسْلَام، فَأمر النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يعرضُوا عَلَيْهَا الْإِسْلَام، فَإِن أسلمت وَإِلَّا قتلت، فَعرض عَلَيْهَا الْإِسْلَام فَأَبت أَن تسلم فقتلت». وإسنادهما غير ثَابت، فِي الأول: معمر بن بكار، قَالَ الْعقيلِيّ: فِي حَدِيثه وهم. وَذكره ابْن أبي حَاتِم وَسكت عَنهُ. وَالطَّرِيق الثَّانِي: مظلم، وَفِيه عبد الله بن عُطَارِد بن أذينة، وهاه ابْن حبّان وَلما ذكره عبد الْحق بِاللَّفْظِ الأول نقل عَن ابْن عدي أَنه يرويهِ عبد الله هَذَا، وَأَنه لَا يُتَابع عَلَيْهِ، وَأَنه مُنكر الحَدِيث، قَالَ: وَلم أر للْمُتَقَدِّمين فِيهِ كلَاما. وَلما رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِهَذَا اللَّفْظ، قَالَ: فِي إِسْنَاده بعض من يجهل. ثمَّ رَوَاهُ بِاللَّفْظِ الأول إِلَّا أَنه قَالَ: مَرْوَان بدل رُومَان وَكَأَنَّهُ من تَحْرِيف النَّاسِخ قَالَ: وَرُوِيَ من وَجه آخر ضَعِيف، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: «أَن امْرَأَة ارْتَدَّت يَوْم أحد فَأمر النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تستتاب فَإِن تابت وَإِلَّا قتلت». وَخَالف ابْن الْجَوْزِيّ فَذكره فِي تَحْقِيقه من هَذِه الطّرق محتجًّا بهَا، وَضعف حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَرْفُوع: «لَا تقتل الْمَرْأَة إِذا ارْتَدَّت» ثمَّ نقل عَن الدَّارَقُطْنِيّ أَنه لَا يَصح، وَذكره فِي مَوْضُوعَاته وَمذهب الزُّهْرِيّ أَنَّهَا تقتل إِذا لم تتب، وَهُوَ صَحِيح عَنهُ.
فَائِدَة: أم رُومَان. بِضَم الرَّاء، كَذَا ضَبطه ابْن معن فِي تنقيبه وَحَكَى فِي أم رَوْمَان أم عَائِشَة الصديقة فتح الرَّاء.

.الحديث السَّابِع:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله...» الحَدِيث.
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَقد سلف بِطُولِهِ فِي كتاب الدِّيات.

.الحديث الثَّامِن:

«أَنه اشْتَدَّ نَكِير النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى أُسَامَة حِين قتل من تكلم بِكَلِمَة الْإِسْلَام، وَقَالَ: إِنَّمَا قَالَهَا فرقا مني. فَقَالَ: هلا شققت عَن قلبه».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث أُسَامَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «بعثنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سَرِيَّة إِلَى الحُرُقات فنذروا فَهَرَبُوا فَأَدْرَكنَا رجلا فَلَمَّا غشيناه قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله. فضربناه حَتَّى قَتَلْنَاهُ، فَعرض فِي نَفسِي شَيْء من ذَلِك فَذَكرته للنّبي فَقَالَ: من لَك بِلَا إِلَه إِلَّا الله يَوْم الْقِيَامَة. فَقلت: يَا رَسُول الله، إِنَّمَا قَالَهَا مَخَافَة السِّلَاح وَالْقَتْل. قَالَ: أَفلا شققت عَن قلبه حَتَّى تعلم أقالها من أجل ذَلِك أم لَا، من لَك بِلَا إِلَه إِلَّا الله يَوْم الْقِيَامَة. قَالَ: فَمَا زَالَ يَقُول حَتَّى وددت أَنِّي لم أسلم إِلَّا يَوْمئِذٍ».
فَائِدَة: «الحرقات»: اسْم قَبيلَة من جُهَيْنَة، وَجَمعهَا عَلَى لفظ «الحرقات» إِشَارَة إِلَى بطُون تِلْكَ الْقَبِيلَة، وهما فِي الأَصْل حرقان ابْنا قيس بن تغلب تَمِيم وَسعد.
فَائِدَة أُخْرَى: ذكر الْخَطِيب فِي مبهماته من طَرِيق حميد بن هِلَال قَالَ: حَدثنِي من كَانَ فِي السّريَّة قَالَ: «حمل رجل من أَصْحَابنَا عَلَى رجل من الْمُشْركين، فَلَمَّا غشيه قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله فَقتله، فَبلغ ذَلِك رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أقتلته وَهُوَ يَقُول: لَا إِلَه إِلَّا الله؟!...» الحَدِيث. قَالَ الْخَطِيب: اخْتلف فِي الْقَاتِل، قيل: أُسَامَة بن زيد وَقيل: الْمِقْدَاد بن عَمْرو. وَأما الْمَقْتُول فمرداس بن نهيك، وَقد علمت التَّصْرِيح بِأَنَّهُ أُسَامَة إِن كَانَت الْقِصَّة وَاحِدَة، وَأما الْمِقْدَاد، فَفِي صَحِيح مُسلم، أَنه قَالَ: «يَا رَسُول الله، أَرَأَيْت إِن لقِيت رجلا من الكفَّار يقاتلني...» الحَدِيث. وقد قيل إِن قَوْله {وَلَا تَقولُوا لمن ألْقَى إِلَيْكُم السَّلم} نزلت فِي هَذَا الْمَقْتُول، أَعنِي: مرداس بن نهيك.

.الحديث التَّاسِع:

«رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم استتاب رجلا أَربع مَرَّات».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عبد الله بن وهب، عَن سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن رجل، عَن عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم استتاب نَبهَان أَربع مَرَّات، وَكَانَ نَبهَان ارْتَدَّ». قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَإِسْنَاده مُرْسل، قَالَ: وَظَاهر الْأَخْبَار الصَّحِيحَة فِيمَا يحقن بِهِ الدَّم يشْهد لهَذَا. قلت: وقد وصل هَذَا الْمُرْسل بإسْنادٍ واهٍ، أخرجه إِسْمَاعِيل بن زَكَرِيَّا، عَن الْمُعَلَّى، عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، عَن جَابر: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم استتاب رجلا ارْتَدَّ عَن الْإِسْلَام أَربع مَرَّات». والمعلى هَذَا هُوَ ابْن هِلَال بن سُوَيْد الطَّحَّان، وَهُوَ هَالك هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب.

.وَأما آثاره:

فَأَرْبَعَة:

.أَحدهَا:

«أَن أَبَا بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه استتاب امْرَأَة من بني فَزَارَة ارْتَدَّت».
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث اللَّيْث بن سعد، عَن سعيد بن عبد الْعَزِيز التنوخي: «أَن امْرَأَة يُقَال لَهَا: أم قرفة كفرت بعد إسْلَامهَا، فاستتابها أَبُو بكر الصّديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَلم تتب فَقَتلهَا». قَالَ اللَّيْث: وَذَلِكَ الَّذِي سمعنَا وَهُوَ رَأْي. قَالَ عبد الله بن وهب: وَقَالَ لي مَالك مثل ذَلِك. قَالَ الشَّافِعِي: وَرَوَى بَعضهم عَن أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه قتل نسْوَة ارتددن عَن الْإِسْلَام» وَمَا كَانَ لنا أَن نحتج بِهِ إِذا كَانَ ضَعِيفا عِنْد أهل الحَدِيث. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: ضعفه فِي انْقِطَاعه. قَالَ: وَقد رَوَيْنَاهُ من وَجْهَيْن مرسلين.
تَنْبِيه:
وَقع فِيمَا تقدم أَن الَّذِي قَتلهَا الصّديق هِيَ أم قرفة، وَكَذَا أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا وَلَفظه: «أَن أَبَا بكر قتل أم قرفة الفزارية فِي ردتها قتلة مثلَة، شدّ رِجْلَيْهَا بَين فرسين ثمَّ صَاح بهما فضرباها فشقاها». وَذكر الْوَاقِدِيّ أَنَّهَا قتلت يَوْم بزاخة وَذكر أَبُو عمر فِي الاستذكار: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قتل يَوْم قُرَيْظَة وَالْخَنْدَق أم قرفة» فلعلها أُخْرَى. وَفِي الْإِكْمَال لِابْنِ مَاكُولَا، فِي حرف الْمِيم فِي تَرْجَمَة مُجَشِّر ومُحَسَّر: قيس بن المحسر كَانَ خرج مَعَ زيد بن حَارِثَة فِي السّريَّة إِلَى أم قرفة فَأَخذهَا، وَهُوَ الَّذِي تولى قَتلهَا وَالله أعلم.