فصل: الْأَثر الْخَامِس عشر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.السَّادِس وَالسَّابِع:

رُوِيَ عَن عَلّي وَابْن عمر «أَنه لَا بَأْس بِالسِّوَاكِ الرطب».
أما أثر عَلّي فَلَا يحضرني من خرجه، وَأما أثر ابْن عمر فَذكره البُخَارِيّ بِنَحْوِهِ، وَهَذَا لَفظه: وَقَالَ ابْن عمر: «يستاك أول النَّهَار وَآخره» وَفِي الْبَيْهَقِيّ عَنهُ «أَنه كَانَ يستاك وَهُوَ صَائِم» وَرُوِيَ عَنهُ مَرْفُوعا، وَفِي إِسْنَاده أَحْمد بن عبد الله بن ميسرَة النهاوندي، قَالَ ابْن حبَان: لَا يحل الِاحْتِجَاج بِهِ. وَقَالَ ابْن عدي: يحدث عَن الثِّقَات بِالْمَنَاكِيرِ وَيسْرق حَدِيث النَّاس. وَالصَّحِيح وَقفه عَلَى ابْن عمر.

.الثَّامِن وَالتَّاسِع والعاشر وَالْحَادِي عشر:

عَن ابْن عمر، وَابْن عَبَّاس، وَأنس، وَأبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وجوب الْفِدْيَة عَلَى الشَّيْخ الْكَبِير الْمُفطر بِعُذْر الْهَرم.
أما أثر ابْن عمر: فَذكره صَاحب الْمُهَذّب وَلم يعزه النَّوَوِيّ وَلَا الْمُنْذِرِيّ، وَفِي الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث نَافِع مولَى ابْن عمر «أَنه سُئِلَ عَن رجل مرض فطال عَلَيْهِ مَرضه حَتَّى مرَّ عَلَيْهِ رمضانان أَو ثَلَاثَة، فَقَالَ نَافِع: كَانَ ابْن عمر يَقُول: من أدْركهُ رَمَضَان وَلم يكن صَامَ رَمَضَان الجائي فليطعم مَكَان كل يَوْم مِسْكينا مدًّا من حِنْطَة وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاء».
وَفِي البُخَارِيّ من حَدِيث نَافِع، عَن ابْن عمر «أَنه قَرَأَ {فَدِيَة طَعَامُ مَسَاكِينَ} قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَة».
وَأما أثر ابْن عَبَّاس، فَرَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه فِي كتاب التَّفْسِير مِنْهُ، عَن عَطاء سمع ابْن عَبَّاس يقْرَأ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقونَهُ فِدْية طَعَامُ مِسْكِين} قَالَ ابْن عَبَّاس: لَيست مَنْسُوخَة، وَهُوَ الشَّيْخ الْكَبِير وَالْمَرْأَة الْكَبِيرَة لَا يستطيعان أَن يصوما فيطعمان مَكَان كل يَوْم مِسْكينا.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} قَالَ: كَانَت رخصَة للشَّيْخ الْكَبِير وَالْمَرْأَة الْكَبِيرَة وهما يطيقان الصّيام أَن يفطرا ويطعما مَكَان كل يَوْم مِسْكينا، والحبلى والمرضع إِذا خافتا- قَالَ أَبُو دَاوُد: يَعْنِي عَلَى أولادهما- أفطرتا وأطعمتا. وَفِي أبي دَاوُد أَيْضا من حَدِيث عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أَثْبَتَت للحبلى والمرضع. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من هَذَا الْوَجْه عَنهُ بِلَفْظ: رخص للشَّيْخ الْكَبِير والعجوز الْكَبِيرَة فِي ذَلِك، وهما يطيقان الصَّوْم أَن يفطرا إِن شاءا ويطعما مَكَان كل يَوْم مِسْكينا، ثمَّ نسخ ذَلِك فِي هَذِه الْآيَة فَمَنْ شَهِدَ مِنكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ. وَثَبت للشَّيْخ الْكَبِير والعجوز الْكَبِيرَة إِذا كَانَا لَا يطيقان الصَّوْم، وَالْحَامِل والمرضع إِذا خافتا أفطرتا وأطعمتا مَكَان كل يَوْم مِسْكينا وَفِي رِوَايَة لَهُ من حَدِيث مُجَاهِد، عَن ابْن عَبَّاس: «يطعم نصف صَاع من حِنْطَة مَكَان يَوْم» ثمَّ قَالَ: كَذَا فِي هَذِه الرِّوَايَة «نصف صَاع من حِنْطَة» وَرُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ: «مدًّا لطعامه، ومدًّا لإدامه»
وَفِي رِوَايَة لَهُ: «إِذا عجز الشَّيْخ الْكَبِير عَن الصّيام أطْعم عَن كل يَوْم مدًّا مدًّا» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «رخص للشَّيْخ الْكَبِير أَن يفْطر وَيطْعم عَن كل يَوْم مِسْكينا وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ». وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه بِهَذَا اللَّفْظ الْأَخير ثمَّ قَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ. وَفِي رِوَايَة لَهُ عَنهُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} وَاحِد فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً قَالَ: «وزَاد مِسْكينا آخر فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَلَيْسَت بمنسوخة إِلَّا أَنه قد وضع للشَّيْخ الْكَبِير الَّذِي لَا يَسْتَطِيع الصّيام وَأمر أَن يطعم الَّذِي يعلم أَنه لَا يطيقه» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ.
وَأما أثر أنس، فَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَن مَالك «أَن أنس بن مَالك كبر حَتَّى كَانَ لَا يقدر عَلَى الصّيام فَكَانَ يفتدي» قَالَ الشَّافِعِي: وَخَالفهُ مَالك فَقَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ بِوَاجِب. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة: هَذَا مُنْقَطع، وَقد رَوَيْنَاهُ عَن قَتَادَة مَوْصُولا عَن أنس «أَنه ضعف عَاما قبل مَوته فَأفْطر وَأمر أَهله أَن يطعموا مَكَان كل يَوْم مِسْكينا».
قلت: وَأخرج هَذَا الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمَا.
وَأما أثر أبي هُرَيْرَة، فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث سُلَيْمَان بن مُوسَى، عَن عَطاء بن أبي رَبَاح أَنه سمع أَبَا هُرَيْرَة يَقُول: «من أدْركهُ الْكبر فَلم يسْتَطع صِيَام شهر رَمَضَان فَعَلَيهِ لكل يَوْم مد من قَمح».

.الْأَثر الثَّانِي عشر:

أَن ابْن عَبَّاس قَرَأَ {وَعَلَى الَّذين يطوقونه فديَة طَعَام مِسْكين} وَمَعْنَاهُ يكلفون الصَّوْم فَلَا يطيقُونَهُ.
وَهَذِه الْقِرَاءَة مَشْهُورَة عَنهُ فِي كتب التَّفْسِير.

.الْأَثر الثَّالِث عشر:

عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ}: إِنَّهَا مَنْسُوخَة الحكم إِلَّا فِي حق الْحَامِل والمرضع.
وَهَذَا الْأَثر سلف بَيَانه قَرِيبا.

.الْأَثر الرَّابِع عشر:

عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَنه قَالَ: فِيمَن عَلَيْهِ صَوْم فَلم يصمه حَتَّى أدْركهُ رَمَضَان آخر: يطعم عَن الأول».
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه من رِوَايَة نَافِع عَنهُ أَنه كَانَ يَقُول: «من أدْركهُ رَمَضَان وَعَلِيهِ من رَمَضَان شَيْء فليطعم مَكَان كل يَوْم مِسْكينا مدًّا من حِنْطَة» وَفِي رِوَايَة لَهُ مثلهَا تقدّمت فِي الْأَثر الثَّامِن. قَالَ ابْن حزم: روينَا- يَعْنِي الْإِطْعَام- عَن عمر وَابْن عمر من طَرِيق مُنْقَطِعَة، وَبِه يَقُول الْحسن، وَعَطَاء، وروينا عَن ابْن عمر من طَرِيق صَحِيحَة «أَنه يَصُوم رَمَضَان الآخر وَلَا يقْضِي الأول بصيام لَكِن يطعم عَنهُ مَكَان كل يَوْم مِسْكينا مِسْكينا مًدًّا مدًّا» قَالَ: وروينا عَنهُ أَيْضا «يهدي مَكَان كل يَوْم فرط فِي قَضَائِهِ بَدَنَة مقلدة».

.الْأَثر الْخَامِس عشر:

عَن ابْن عَبَّاس مثله.
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة مَيْمُون بن مهْرَان عَنهُ «فِي رجل أدْركهُ رَمَضَان وَعَلِيهِ رَمَضَان آخر قَالَ: يَصُوم عَن هَذَا، وَيطْعم عَن ذَاك كل يَوْم مِسْكينا ويقضيه».

.باب صَوْم التَّطَوُّع:

ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ ثَلَاثَة عشر حَدِيثا:

.الحديث الأول:

أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «صِيَام يَوْم عَرَفَة كَفَّارَة سنتَيْن».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ من حَدِيث أبي قَتَادَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ سُئِلَ عَن صَوْم يَوْم عَرَفَة فَقَالَ: يكفر السّنة الْمَاضِيَة والباقية، وَسُئِلَ عَن صَوْم يَوْم عَاشُورَاء فَقَالَ: يكفر السّنة الْمَاضِيَة» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «صِيَام يَوْم عَرَفَة أحتسب عَلَى الله أَن يكفر السّنة الَّتِي قبله وَالسّنة الَّتِي بعده، وَصِيَام يَوْم عَاشُورَاء أحتسب عَلَى الله أَن يكفر السّنة الَّتِي قبله». قَالَ الْعقيلِيّ فِي تَارِيخه: هَذَا هُوَ الْمَعْرُوف فِي الْبَاب. قَالَ: وَرُوِيَ من طَرِيق عَائِشَة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يعدل صَوْمه بِصَوْم ألف يَوْم- يَعْنِي يَوْم عَرَفَة» قَالَ: وَفِي إِسْنَاد هَذَا سُلَيْمَان بن مُوسَى الْكُوفِي وَلَا يُتَابع عَلَى حَدِيثه، وَلَا يعرف إِلَّا بِهِ.
قلت: وَرُوِيَ من طرق أُخْرَى:
إِحْدَاهَا: عَن زيد بن أَرقم «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام سُئِلَ عَن صِيَام يَوْم عَرَفَة فَقَالَ: يكفر السّنة الَّتِي أَتَت فِيهَا وَالسّنة الَّتِي بعْدهَا».
ثَانِيهَا: عَن سهل بن سعد مَرْفُوعا: «من صَامَ يَوْم عَرَفَة غفر لَهُ ذَنْب سنتَيْن متتابعتين».
ثَالِثهَا: عَن قَتَادَة بن النُّعْمَان مَرْفُوعا: «من صَامَ يَوْم عَرَفَة غفر لَهُ سنة أَمَامه، وَسنة خَلفه».
رَابِعهَا: عَن ابْن عمر قَالَ: «كُنَّا نعدل صَوْم يَوْم عَرَفَة وَنحن مَعَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بِصَوْم سنة».
رواهن الطَّبَرَانِيّ.
خَامِسهَا: عَن عَائِشَة رفعته: «صَوْم يَوْم عَرَفَة يكفر الْعَام الَّذِي قبله» رَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة، عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر عَنْهَا بِهِ.
سادسها: عَن أنس عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ «أَنه كَانَ فِي جمَاعَة من أَصْحَابه فَقَالَ لَهُم: أَي يَوْم هَذَا؟ قَالُوا: يَوْم عَرَفَة. فَقَالَ: كَذَلِك يعرف الله بَين أهل التَّقْوَى فِي الْقِيَامَة، وَهُوَ يَوْم صَوْمه ثَوَاب أَرْبَعِينَ سنة». ذكره الْحَافِظ شرف الدَّين الدمياطي فِي تَرْجَمَة عبد الْمُؤمن بن أَحْمد بن الْحُسَيْن الإسكاف فِي العقد الْمُثمن فِيمَن تسمى بِعَبْد الْمُؤمن من حَدِيث حبيب ابْن الشَّهِيد، عَن الْحسن، عَن أنس بِهِ.

.الحديث الثَّانِي:

«أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لم يصم يَوْم عَرَفَة بِعَرَفَة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث أم الْفضل بنت الْحَارِث «أَن نَاسا اخْتلفُوا عِنْدهَا يَوْم عَرَفَة فِي صَوْم النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَ بَعضهم: هُوَ صَائِم. وَقَالَ بَعضهم لَيْسَ بصائم. فَأرْسلت إِلَيْهِ بقدح لبن وَهُوَ وَاقِف عَلَى بعيره فَشرب» وَأَخْرَجَا مثله من حَدِيث أُخْتهَا مَيْمُونَة أم الْمُؤمنِينَ. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ مصححاً لَهُ، وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أفطر بِعَرَفَة، وَأرْسلت إِلَيْهِ أم الْفضل بِلَبن فَشرب» قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي آخر الاقتراح: وَهُوَ عَلَى شَرط البُخَارِيّ.
تَنْبِيه: اقْتصر ابْن الْأَثِير فِي جَامع الْأُصُول عَلَى عزو حَدِيث أم الْفضل إِلَى البُخَارِيّ وَحده وَلَيْسَ بجيد مِنْهُ.
فَائِدَة: اسْم أم الْفضل: لبَابَة الْكُبْرَى، وَهِي أم ابْن عَبَّاس وَإِخْوَته وَكَانُوا سِتَّة نجباء، وَلها أُخْت يُقَال لَهَا: لبَابَة الصُّغْرَى، وَهِي أم خَالِد بن الْوَلِيد، وَكن عشر أَخَوَات، ومَيْمُونَة أم الْمُؤمنِينَ إِحْدَاهُنَّ، وَذكر ابْن سعد وَغَيره أَن أم الْفضل أول امْرَأَة أسلمت بعد خَدِيجَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها.

.الحديث الثَّالِث:

رُوِيَ «أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ نهَى عَن صَوْم يَوْم عَرَفَة بِعَرَفَة».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده، وَأَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه، وَالنَّسَائِيّ فِي سُنَنهمْ من حَدِيث حَوْشَب بن عقيل، عَن مهْدي الهجري الْعَبْدي، عَن عِكْرِمَة مولَى ابْن عَبَّاس، عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه.
وحوشب هَذَا وَثَّقَهُ أَحْمد وَالنَّسَائِيّ، وَضَعفه الْأَزْدِيّ وَابْن حزم.
ومهدي رَوَى عَن عِكْرِمَة، وَعنهُ حَوْشَب بن عقيل فَقَط. قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي كِتَابه عَن ابْن معِين: أَنه سُئِلَ عَنهُ فَقَالَ: لَا أعرفهُ. وَنقل الذَّهَبِيّ فِي مِيزَانه عَن أبي حَاتِم أَنه قَالَ: لَا أعرفهُ. وَالَّذِي فِي كِتَابه مَا حكيته، وَقَالَ ابْن حزم: مَجْهُول. إِلَّا أَنه سَمَّاهُ مهْدي بن هِلَال. وَسَماهُ عبد الْحق مهْدي بن حَرْب وَقَالَ: إِنَّه لَيْسَ بِمَعْرُوف. وَسَماهُ الْحَاكِم مهْدي بن حسان، وَكَذَا الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَأخرج.
الْحَاكِم الحَدِيث الْمَذْكُور فِي مُسْتَدْركه من طَرِيقه ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ. وَرَوَاهُ الْعقيلِيّ فِي تَارِيخ الضُّعَفَاء، ثمَّ قَالَ: وَلَا يُتَابع عَلَيْهِ. قَالَ: وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بأسانيد جِيَاد «أَنه لم يصم يَوْم عَرَفَة» وَلَا يَصح عَنهُ أَنه نهَى عَن صَوْمه، وَقد رُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ: «صَوْم عَرَفَة كَفَّارَة سنتَيْن سنة مَاضِيَة، وَسنة مُسْتَقْبلَة».

.الحديث الرَّابِع:

أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «صِيَام يَوْم عَاشُورَاء يكفر سنة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا سلف فِي أول الْبَاب وَلَفظه: «يكفر السّنة الْمَاضِيَة» وَفِي لفظ: «السّنة الَّتِي قبله» وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه بِلَفْظ الْكتاب.

.الحديث الخَامِس:

أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «لَئِن عِشْت إِلَى قَابل لأصومن التَّاسِع».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «لَئِن بقيت إِلَى قَابل لأصومن التَّاسِع». وَفِي رِوَايَة لَهُ: «فَلم يَأْتِ الْعَام الْمقبل حَتَّى توفّي رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ». قَالَ الرَّافِعِيّ: وَفِي صَوْم التَّاسِع مَعْنيانِ منقولان عَن ابْن عَبَّاس.
أَحدهمَا: الِاحْتِيَاط؛ فَإِنَّهُ رُبمَا يَقع فِي الْهلَال غلط فيظن الْعَاشِر التَّاسِع. وَثَانِيهمَا: مُخَالفَة الْيَهُود فَإِنَّهُم لَا يَصُومُونَ إِلَّا يَوْمًا وَاحِدًا، فعلَى هَذَا لَو لم يصم التَّاسِع مَعَه اسْتحبَّ أَن يَصُوم الْحَادِي عشر.
قلت: المعنيان رَوَاهُمَا الْبَيْهَقِيّ عَنهُ، الأول: من حَدِيث ابْن أبي ذِئْب عَن شُعْبَة مولَى ابْن عَبَّاس قَالَ: «كَانَ ابْن عَبَّاس يَصُوم عَاشُورَاء يَوْمَيْنِ ويوالي بَينهمَا مَخَافَة أَن يفوتهُ». وَالثَّانِي: من حَدِيث الشَّافِعِي:
أَنا سُفْيَان أَنه سمع عبيد الله بن أبي يزِيد يَقُول: سَمِعت ابْن عَبَّاس يَقُول:
«صُومُوا التَّاسِع والعاشر وَلَا تشبهوا باليهود». وَفِي الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من حَدِيث ابْن أبي لَيْلَى، عَن دَاوُد بن عَلّي، عَن أَبِيه، عَن جده أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «لَئِن بقيت لآمرن بصيام يَوْم قبله أَو يَوْم بعده، يَوْم عَاشُورَاء» وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن ابْن عَبَّاس رَفعه: «صُومُوا يَوْم عَاشُورَاء وخالفوا فِيهِ الْيَهُود وصوموا قبله يَوْمًا أَو بعده يَوْمًا» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «صُومُوا قبله يَوْمًا وَبعده يَوْمًا».

.الحديث السَّادِس:

أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «من صَامَ رَمَضَان وَأتبعهُ بست من شَوَّال فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْر».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح حفيل جليل من حَدِيث سعد بن سعيد الْأنْصَارِيّ أخي يَحْيَى وعبد ربه ابْني سعيد، رَوَاهُ عَن عمر بن ثَابت، عَن أبي أَيُّوب خَالِد بن زيد الْأنْصَارِيّ مَرْفُوعا. وَاللَّفْظ الْمَذْكُور لأبي دَاوُد، وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَلَفظ مُسلم: «ثمَّ أتبعه ستًّا من شَوَّال» بدل «بست من شَوَّال» وَقد رَوَى هَذَا الحَدِيث عَن سعد بن سعيد هَذَا تِسْعَة وَعِشْرُونَ رجلا أَكْثَرهم ثِقَات حفاظ أثبات، وَقد ذكرت كل ذَلِك عَنْهُم موضحاً فِي تخريجي لأحاديث الْمُهَذّب مَعَ الْجَواب عَمَّن طعن فِي سعد بن سعيد وَأَنه لم ينْفَرد بِهِ وتوبع عَلَيْهِ، وَذكرت لَهُ ثَمَان شَوَاهِد، وأجبت عَن كَلَام ابْن دحْيَة الْحَافِظ فَإِنَّهُ طعن فِيهِ، فراجع ذَلِك جَمِيعه مِنْهُ فَإِنَّهُ من الْمُهِمَّات الَّتِي يرحل إِلَيْهَا.
فَائِدَة: قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: «بست من شَوَّال» أَو «ستًّا من شَوَّال» هُوَ بِغَيْر هَاء التَّأْنِيث فِي آخِره، هَذِه لُغَة الْعَرَب الفصيحة الْمَعْرُوفَة تَقول: صمنا خمْسا، وصمنا ستًّا، وصمناً عشرا وَثَلَاثًا، وَشبه ذَلِك بِحَذْف الْهَاء، وَإِن كَانَ المُرَاد مذكراً وَهُوَ الْأَيَّام، فَمَا لم يصرحوا بِذكر الْأَيَّام، يحذفون الْهَاء، فَإِن ذكرُوا الْمُذكر أثبتوا الْهَاء فَقَالُوا: صمنا سِتَّة أَيَّام، وَعشرَة أَيَّام، وَشبهه. وَنقل ذَلِك عَن الْعَرَب: الفرَّاء، ثمَّ ابْن السّكيت، وَغَيرهمَا.

.الحديث السَّابِع:

«أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَوْصَى أَبَا ذَر بصيام أَيَّام الْبيض الثَّالِث عشر، وَالرَّابِع عشر، وَالْخَامِس عشر».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه من حَدِيث أبي ذَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ «إِذا صمت من الشَّهْر ثَلَاثَة أَيَّام فَصم ثَلَاث عشرَة، وَأَرْبع عشرَة، وَخمْس عشرَة». وَفِي رِوَايَة للنسائي: «أمرنَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَن نَصُوم من الشَّهْر ثَلَاثَة أَيَّام الْبيض: ثَلَاث عشرَة، وَأَرْبع عشرَة، وَخمْس عشرَة». وَرَوَاهَا أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أمرنَا بِصَوْم ثَلَاث عشرَة، وَأَرْبع عشرَة، وَخمْس عشرَة». وللنسائي من حَدِيث ابْن الحوتكية قَالَ: قَالَ أبي: «جَاءَ أَعْرَابِي...» أَي فَذكر قصَّة، وَفِي آخرهَا قَالَ لله: «إِن كنت صَائِما فَعَلَيْك بالغر الْبيض: ثَلَاث عشرَة، وَأَرْبع عشرَة، وَخمْس عشرَة».
ثمَّ قَالَ النَّسَائِيّ: وَالصَّوَاب عَن أبي ذَر، وَيُشبه أَن يكون وَقع من الْكَاتِب ذَر فَقيل أبي. وَله- أَعنِي النَّسَائِيّ- وَكَذَا ابْن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، إِلَى قَوْله: الغر قَالَ ابْن حبَان:
سمع هَذَا الْخَبَر مُوسَى بن طَلْحَة، عَن أبي هُرَيْرَة، وسَمعه ابْن الحوتكية عَن أبي ذَر والطريقان جَمِيعًا محفوظان. وَفِي علل ابْن أبي حَاتِم: عَن جرير مَرْفُوعا: «صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر صِيَام الدَّهْر، الْأَيَّام الْبيض ثَلَاث عشرَة، وَأَرْبع عشرَة، وَخمْس عشرَة» قَالَ أَبُو زرْعَة: رُوِيَ مَوْقُوفا وَمَرْفُوعًا وَهُوَ أصح.

.الحديث الثَّامِن:

«أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كَانَ يتَحَرَّى صِيَام يَوْم الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس».
هَذَا الحَدِيث لم أره فِي النّسخ الثَّابِتَة من الرَّافِعِيّ، ورأيته فِي بَعْضهَا، وَهُوَ حَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظ التِّرْمِذِيّ، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه فِي سُنَنهمْ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها. قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن غَرِيب من هَذَا الْوَجْه. وَفِي رِوَايَة للنسائي وَابْن حبَان «أَن رجلا سَأَلَ عَائِشَة عَن الصّيام فَقَالَت: إِن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كَانَ يَصُوم شعْبَان كُله حَتَّى يصله برمضان ويتحرى صِيَام الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس». وَأعله ابْن الْقطَّان بِأَن رَاوِيه عَن عَائِشَة ربيعَة الجرشِي وَهُوَ إِن لم يكن لَهُ صُحْبَة فَلَا يعرف أَنه ثِقَة، وَقد قَالَ بعض النَّاس إِن لَهُ صُحْبَة، وَكَانَ فَقِيه النَّاس أَيَّام مُعَاوِيَة، قَالَه أَبُو المتَوَكل النَّاجِي، وَلَكِن لَيْسَ كل فَقِيه ثِقَة فِي الحَدِيث. قَالَ: وَلست أرَى هَذَا الحَدِيث صَحِيحا من أَجله، وَمن أجل الِاخْتِلَاف فِي ثَوْر بن يزِيد الرَّاوِي عَن خَالِد بن معدان عَنهُ وَمَا رمي بِهِ من الْقدر. هَذَا آخر كَلَامه، وَقد أخرجه ابْن حبَان فِي صَحِيحه من هَذَا الْوَجْه كُله.

.الحديث التَّاسِع:

أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «تعرض الْأَعْمَال عَلَى الله يَوْم الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس فَأحب أَن يعرض عَمَلي وَأَنا صَائِم».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه بِهَذَا اللَّفْظ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حسن غَرِيب. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث أُسَامَة بن زيد قَالَ: «قلت: يَا رَسُول الله، إِنَّك تَصُوم حَتَّى لَا تكَاد تفطر، وتفطر حَتَّى لَا تكَاد أَن تَصُوم إِلَّا يَوْمَيْنِ إِن دخلا فِي صيامك وَإِلَّا صمتهما. قَالَ: أَي يَوْمَيْنِ؟ قلت: يَوْم الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس. قَالَ: ذَاك يَوْمَانِ تعرض فيهمَا الْأَعْمَال عَلَى رب الْعَالمين، فَأحب أَن يعرض عَمَلي وَأَنا صَائِم» هَذَا لفظ النَّسَائِيّ، وَلَفظ أبي دَاوُد نَحوه، وَرَوَاهُ أَحْمد بِلَفْظ النَّسَائِيّ بِزِيَادَة: «وَلم أرك تَصُوم من شهر من الشُّهُور مَا تَصُوم من شعْبَان. قَالَ: ذَاك شهر يغْفل النَّاس عَنهُ بَين رَجَب ورمضان، وَهُوَ شهر ترفع فِيهِ الْأَعْمَال إِلَى رب الْعَالمين فَأحب أَن يرفع عَمَلي وَأَنا صَائِم». وَرَوَى النَّسَائِيّ هَذِه الزِّيَادَة وَحدهَا من حَدِيث أُسَامَة أَيْضا، وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ أَكثر مَا يَصُوم الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس فَقيل لَهُ فَقَالَ: الْأَعْمَال تعرض كل اثْنَيْنِ وخميس- أَو كل يَوْم اثْنَيْنِ وخميس- فَيغْفر الله لكل مُسلم- أَو لكل مُؤمن- إِلَّا المتهاجرين فَيُقَال: أخروهما».

.الحديث العَاشِر:

أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «لَا يَصُوم أحدكُم يَوْم الْجُمُعَة إِلَّا أَن يَصُوم قبله أَو يَصُوم بعده».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «لَا يصم أحدكُم يَوْم الْجُمُعَة إِلَّا أَن يَصُوم قبله أَو يَصُوم بعده» وَهَذَا لفظ مُسلم، وَلَفظ البُخَارِيّ: «لَا يصومن أحدكُم يَوْم الْجُمُعَة إِلَّا أَن يَصُوم يَوْمًا قبله أَو بعده» وَفِي رِوَايَة لمُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَيْضا: «لَا تخصوا لَيْلَة الْجُمُعَة بِصَلَاة من بَين اللَّيَالِي، وَلَا تخصوا يَوْم الْجُمُعَة بصيام من بَين الْأَيَّام إِلَّا أَن يكون فِي صَوْم يَصُومهُ أحدكُم» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضا من حَدِيث مُحَمَّد بن عباد قَالَ: سَأَلت جَابر بن عبد الله وَهُوَ يطوف بِالْبَيْتِ: «أنهَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عَن صِيَام يَوْم الْجُمُعَة قَالَ: نعم وَرب هَذَا الْبَيْت». زَاد البُخَارِيّ فِي رِوَايَة مُنْقَطِعَة: يَعْنِي أَن ينْفَرد بصومه وَفِي أَفْرَاد البُخَارِيّ من حَدِيث جوَيْرِية «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام دخل عَلَيْهَا يَوْم الْجُمُعَة وَهِي صَائِمَة، فَقَالَ لَهَا: أصمت أمس؟ قَالَت: لَا. قَالَ: أَتُرِيدِينَ أَن تصومي غَدا؟ قَالَت: لَا. قَالَ: فأفطري». وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: «دخل النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عَلَى جوَيْرِية بنت الْحَارِث يَوْم جُمُعَة وَهِي صَائِمَة...» الحَدِيث. وَفِي مُسْتَدْرك الْحَاكِم فِي تَرْجَمَة سَواد بن قَارب، وَقَالَ: إِنَّه صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم من حَدِيث جُنَادَة بن أبي أُميَّة قَالَ: «دخلت عَلَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي نفر من الأزد يَوْم الْجُمُعَة فَدَعَانَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إِلَى طَعَام بَين يَدَيْهِ فَقُلْنَا: إِنَّا صِيَام فَقَالَ: أصمتم أمس؟ قُلْنَا: لَا. قَالَ: أفتصومون غَدا؟ قُلْنَا: لَا. قَالَ: فأفطروا. ثمَّ قَالَ: لَا تَصُومُوا يَوْم الْجُمُعَة مُفردا».
وَأخرج هَذَا الحَدِيث أَحْمد فِي مُسْنده بِنَحْوِهِ. وَحَدِيث عبد الله بن مَسْعُود: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يَصُوم من غرَّة كل شهر ثَلَاثَة أَيَّام، وقلما كَانَ يفْطر يَوْم الْجُمُعَة» رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، وَقَالَ: حسن غَرِيب. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: صَحِيح لَا يُخَالف هَذِه الْأَحَادِيث؛ فَإِنَّهُ مَحْمُول عَلَى أَنه لله كَانَ يصله بِيَوْم الْخَمِيس. قَالَ ابْن عبد الْبر فِي استذكاره: اخْتلفت الْآثَار عَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي صِيَام يَوْم الْجُمُعَة. فَذكر حَدِيث ابْن مَسْعُود هَذَا، وَذكر عَن ابْن عمر أَنه قَالَ: «مَا رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مُفطرا يَوْم الْجُمُعَة قطّ» وَعَزاهُ إِلَى ابْن أبي شيبَة، وَأَنه رَوَاهُ عَن حَفْص بن غياث، عَن لَيْث بن أبي سليم، عَن عُمَيْر بن أبي عُمَيْر، عَن ابْن عمر. وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس «أَنه كَانَ يَصُوم يَوْم الْجُمُعَة ويواظب عَلَيْهِ» وَرَوَى الدَّرَاورْدِي عَن صَفْوَان بن سليم، عَن رجل من بني حثْمَة أَنه سمع أَبَا هُرَيْرَة يَقُول: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «من صَامَ يَوْم الْجُمُعَة كتبت لَهُ عشرَة أَيَّام غُرر زهر من أَيَّام الْآخِرَة لَا تشاكلهن أَيَّام الدُّنْيَا». رَوَاهُ عَلّي بن الْمَدِينِيّ وَغَيره عَن الدَّرَاورْدِي.

.الحديث الحَادِي عشر:

أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «لَا تَصُومُوا يَوْم السبت إِلَّا فِيمَا افْترض عَلَيْكُم».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه فِي سُنَنهمْ وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه والدَّارمِيّ.
فِي مُسْنده وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عبد الله بن بُسر- بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَإِسْكَان السِّين الْمُهْملَة- عَن أُخْته الصماء أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «لَا تَصُومُوا يَوْم السبت إِلَّا فِيمَا افْترض عَلَيْكُم فَإِن لم يجد أحدكُم إِلَّا لحاء عنبة أَو عود شَجَرَة فليمضغه». وَلَفظ الطَّبَرَانِيّ: «إِلَّا لحاء شَجَرَة فليقضمه» وَلَفظ الدَّارمِيّ كَذَلِك وَقَالَ: «إِلَّا كفًّا أَو لحاء شَجَرَة فليمضغه». وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث عبد الله بن بسر، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده كَذَلِك من طَرِيقين، وَرَوَاهُ ابْن السكن فِي صحاحه من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ: «لَا تَصُومُوا يَوْم السبت إِلَّا فِي فَرِيضَة فَإِن لم يجد أحدكُم إِلَّا عود كرم أَو لحاء شَجَرَة فليمضغه». قَالَ التِّرْمِذِيّ عقب إِخْرَاجه لَهُ من حَدِيث الصماء: هَذَا حَدِيث حسن. قَالَ: وَمَعْنى الْكَرَاهِيَة فِي هَذَا أَن يخص الرجل يَوْم السبت بصيام؛ لِأَن الْيَهُود يعظمون يَوْم السبت.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ الْأَوْزَاعِيّ مَا زلت بِهَذَا الحَدِيث كَاتِما ثمَّ رَأَيْته انْتَشَر. وَقَالَ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ. قَالَ: وَله معَارض بِإِسْنَاد صَحِيح، وَقد أَخْرجَاهُ. فَذكر حَدِيث جوَيْرِية السالف فِي الحَدِيث الَّذِي قبله، وَقد علمت أَنه من أَفْرَاد البُخَارِيّ، ثمَّ رَوَى عَن الزُّهْرِيّ أَنه كَانَ إِذا ذكر لَهُ أَنه نهي عَن صِيَام يَوْم السبت قَالَ: هَذَا حَدِيث حمصي. قَالَ الْحَاكِم: وَله معَارض بِإِسْنَاد صَحِيح. فَذكر بِإِسْنَادِهِ عَن كريب مولَى ابْن عَبَّاس «أَن ابْن عَبَّاس وناساً من أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بعثوني إِلَى أم سَلمَة أسألها عَن أَي الْأَيَّام كَانَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَكثر لَهَا صياما. فَقَالَت: يَوْم السبت والأحد. فَرَجَعت إِلَيْهِم فَأَخْبَرتهمْ، فكأنهم أَنْكَرُوا ذَلِك، فَقَامُوا بأجمعهم إِلَيْهَا فَقَالُوا: إِنَّا بعثنَا إِلَيْك هَذَا فِي كَذَا وَكَذَا. فَذكر أَنَّك قلت كَذَا وَكَذَا فَقَالَت: صدق، إِن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَكثر مَا كَانَ يَصُوم من الْأَيَّام يَوْم السبت والأحد، وَكَانَ يَقُول: إنَّهُمَا يَوْمًا عيد للْمُشْرِكين وَأَنا أُرِيد أَن أخالفهم». هَذَا آخر كَلَامه. وَحَدِيث أم سَلمَة هَذَا أخرجه النَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمَا وَأعله ابْن الْقطَّان بِأَن قَالَ: فِيهِ مَجْهُولَانِ. وَأما الْحَاكِم فقد صَححهُ كَمَا علمت، وَكَذَا ابْن حبَان فَإِنَّهُ أخرجه فِي صَحِيحه عَن الْحسن بن سُفْيَان، نَا حبَان بن مُوسَى أخبرنَا عبد الله، أَنا عبد الله بن مُحَمَّد بن عمر بن عَلّي بن أبي طَالب، حَدثنِي أبي عَن كريب... فَذكره، وَقَول الْحَاكِم «إِنَّه معَارض لحَدِيث الصماء» لَيْسَ كَذَلِك بل يحمل حَدِيث الصماء عَلَى إِفْرَاده بِالصَّوْمِ، وَحَدِيث أم سَلمَة وَحَدِيث جوَيْرِية عَلَى مَا إِذا مَا صَامَ يَوْمًا قبله أَو يَوْمًا بعده، وَحَدِيث جوَيْرِية صَرِيح فِي ذَلِك كَمَا سلف. وَفِي جَامع التِّرْمِذِيّ- وَقَالَ: حسن- من حَدِيث عَائِشَة قَالَت: «كَانَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يَصُوم من الشَّهْر: السبت والأحد والاثنين، وَمن الشَّهْر الآخر: الثُّلَاثَاء وَالْأَرْبِعَاء وَالْخَمِيس». ثمَّ اعْلَم أَن حَدِيث الصماء أعل بِأُمُور: أَحدهَا:
بِالِاضْطِرَابِ حَيْثُ رُوِيَ عَن عبد الله بن بسر عَنْهَا، وَعنهُ عَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَعَن أَبِيه بسر عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَعَن الصماء، عَن عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. قَالَ النَّسَائِيّ: وَهَذِه أَحَادِيث مضطربة. قلت:
وَلَك أَن تَقول وَإِن كَانَت مضطربة فَهُوَ اضْطِرَاب غير قَادِح؛ فَإِن عبد الله ابْن بسر صَحَابِيّ، وَكَذَا وَالِده والصماء مِمَّن ذكرهم فِي الصَّحَابَة ابْن حبَان فِي أَوَائِل الثِّقَات فَتَارَة سَمعه من أَبِيه، وَتارَة من أُخْته، وَتارَة من رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَتارَة سمعته أُخْته من عَائِشَة، وسمعته من رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. قَالَ عبد الْحق: وَقيل فِي هَذَا الحَدِيث: عَن عبد الله بن بسر، عَن عمته الصماء. قَالَ: وَهُوَ أصح.
قلت: وَأخرجه من هَذَا الطَّرِيق الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه: إِن الصَّحِيح عَن عبد الله بن بسر، عَن أُخْته الصماء.
ثَانِيهَا: أَنه حَدِيث كذب، قَالَ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه، قَالَ مَالك:
هَذَا الحَدِيث كذب. وَتَبعهُ ابْن الْعَرَبِيّ فَقَالَ فِي القبس: وَأما يَوْم السبت فَلم يَصح فِيهِ الحَدِيث، وَلَو صَحَّ لَكَانَ مَعْنَاهُ مُخَالفَة أهل الْكتاب وَفِيه نظر. قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب: وَهَذَا القَوْل لَا يقبل من مَالك فقد صَححهُ الْأَئِمَّة. وَاعْتذر عَنهُ عبد الْحق فَقَالَ: لَعَلَّ مَالِكًا إِنَّمَا جعله كذبا من أجل رِوَايَة ثَوْر بن يزِيد الكلَاعِي، فَإِنَّهُ كَانَ يُرْمَى بِالْقدرِ، وَلكنه كَانَ ثِقَة فِيمَا رَوَى، قَالَه يَحْيَى وَغَيره، وَقد رَوَى عَنهُ الجلة مثل:
يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان، وَابْن الْمُبَارك، والثَّوْريّ وَغَيرهم.
ثَالِثهَا: أَنه مَنْسُوخ، قَالَه أَبُو دَاوُد فِي سنَنه وَفِيه نظر، قَالَ النَّوَوِيّ فِي شَرحه: هَذَا القَوْل لَيْسَ بمقبول وَأي دَلِيل عَلَى نسخه؟! قلت: وَالْحق أَنه حَدِيث صَحِيح غير مَنْسُوخ.
فَائِدَة: فِي اسْم الصماء أَقْوَال: أَحدهَا: أَنه اسْمهَا صمية فسميت الصماء، قَالَه ابْن حبَان فِي ثقاته.
ثَانِيهَا: بُهية بِضَم الْبَاء، حَكَاهُ ابْن الْجَوْزِيّ فِي جَامع المسانيد عَن الدَّارَقُطْنِيّ، وَحَكَاهُ عبد الْحق أَيْضا.
ثَالِثهَا: بَهِيمَة، حَكَاهُ عبد الْحق فَقَالَ: اسْمهَا بهية، وَقيل:
بَهِيمَة. وَهِي أُخْت عبد الله بن بسر، وَقيل: إِنَّهَا أُخْت بسر. وَالْأول أصح.
تَنْبِيه: لم يعز هَذَا الحَدِيث ابْن الْأَثِير فِي جامعه إِلَى النَّسَائِيّ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي سنَنه الصُّغْرَى، وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْكُبْرَى كَمَا عزيته لَك أَولا فَتنبه لذَلِك.