فصل: الْأَثر الْعشْرُونَ وَالْحَادِي بعده:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث السِّتُّونَ:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَضَى بالغرة عَلَى الْعَاقِلَة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث الْمُغيرَة بن شُعْبَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن امْرَأتَيْنِ ضربت إِحْدَاهمَا بعمود فَأسْقطت، فَرفع ذَلِك إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَضَى فِيهِ بغرة وَجعله عَلَى أَوْلِيَاء الْمَرْأَة». وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ: «وَجعله عَلَى عَاقِلَة الْمَرْأَة» وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: «عَلَى عصبَة الْمَرْأَة».

.الحديث الحَادِي بعد السِّتين:

قَالَ الشَّافِعِي فِي الْمُخْتَصر: لَا أعلم مُخَالفا: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَة فِي ثَلَاث سِنِين».
قَالَ الرَّافِعِيّ: تكلم أَصْحَابنَا فِي وُرُود الْخَبَر بذلك، فَمنهمْ من قَالَ: ورد وَنسب إِلَى رِوَايَة عَلّي كرم الله وَجهه. وَمِنْهُم من قَالَ: أَرَادَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَة. وَأما التنجيم فَلم يرد بِهِ الْخَبَر، وَأخذ ذَلِك من إِجْمَاع الصَّحَابَة، كَمَا رُوِيَ عَن عمر وَعلي وَابْن عمر وَابْن عَبَّاس: «أَنهم أجلوا الدِّيَة ثَلَاث سِنِين» انْتَهَى مَا ذكره وَمَا عزاهُ إِلَى الشَّافِعِي رَحْمَة الله عَلَيْهِ.
لم أره فِي كَلَام غَيره، وَقد أضَاف تَأْجِيل الدِّيَة إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مرّة فِيمَا رَوَاهُ الرّبيع عَنهُ كَمَا ذكره فِي الرسَالَة وأضافه مرّة أُخْرَى فِيهَا إِلَى قَول الْعَامَّة، وَكَذَا حَكَى الْإِجْمَاع عَلَى ذَلِك التِّرْمِذِيّ فِي جامعه. وَنقل ابْن الرّفْعَة فِي شرح الْوَسِيط عقب قَول الشَّافِعِي السالف فِي الْمُخْتَصر عَن ابْن الْمُنْذر، أَن مَا ذكره الشَّافِعِي لَا يعرف لَهُ أصل من كتاب وَلَا سنة وَأَن أَحْمد بن حَنْبَل سُئِلَ عَنهُ، فَقَالَ: لَا أعرف فِيهِ شَيْئا. فَقيل لَهُ: إِن أَبَا عبد الله رَوَاهُ عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: لَعَلَّه سَمعه من ذَلِك الْمدنِي فَإِنَّهُ كَانَ حسن الظَّن فِيهِ- يَعْنِي عَن ابْن أبي يَحْيَى. قَالَ ابْن دَاوُد من أَصْحَابنَا فِي شرح الْمُخْتَصر كَانَ الشَّافِعِي يروي هَذَا الحَدِيث وَيَقُول: حَدثنِي من هُوَ ثِقَة فِي الحَدِيث غير ثِقَة فِي دينه. ورد ابْن الرّفْعَة عَلَى ابْن الْمُنْذر مقَالَته الْمَذْكُورَة فَقَالَ: جَوَابه أَن من عرف حجَّة عَلَى من لم يعرف، وَقَول الشَّافِعِي لَا يرد بِمثل ذَلِك وَهُوَ أعرف الْقَوْم بالأخبار والتواريخ. وَلما ذكر الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه قولة الشَّافِعِي السالفة لم يعقبها إِلَّا بِقَضَاء عمر وَعلي، وَقَول يَحْيَى بن سعيد: «أَنه السّنة» فَإِنَّهُ رَوَى عَن الْحَاكِم، عَن الْأَصَم، عَن الرّبيع، عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ: وجدنَا عَاما فِي أهل الْعلم «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَضَى فِي جِنَايَة الْحر الْمُسلم عَلَى الْحر خطأ مائَة من الْإِبِل عَلَى عَاقِلَة الْجَانِي»، وعامًا فيهم أَنَّهَا فِي مُضِيّ الثَّلَاث سِنِين فِي كل سنة ثلثهَا وبأسنان مَعْلُومَة. ثمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ، عَن الْأَشْعَث بن سوار، عَن عَامر الشّعبِيّ، قَالَ: جعل عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه الدِّيَة فِي ثَلَاث سِنِين، وثلثي الدِّيَة فِي سنتَيْن، وَنصف الدِّيَة فِي سنتَيْن، وَثلث الدِّيَة فِي سنة قَالَ: وَقَالَ لي مَالك مثل ذَلِك سَوَاء، وَقَالَ لي مَالك: فِي النّصْف يكون فِي سنتَيْن؛ لِأَنَّهُ زِيَادَة عَلَى الثُّلُث.
قلت: وَهَذَا مُنْقَطع. وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من حَدِيث ابْن لَهِيعَة، عَن يزِيد بن أبي حبيب «أَن عليّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَضَى بِالْعقلِ فِي قتل الْخَطَأ فِي ثَلَاث سِنِين» وَعَن يَحْيَى بن سعيد: «أَن من السّنة أَن تنجَّم الدِّيَة فِي ثَلَاث سِنِين» هَذَا مَجْمُوع مَا ذكره الْبَيْهَقِيّ، وَبَقِي عَلَيْك أثر ابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَلَا يحضرني من خرجه عَنْهُمَا.

.الحديث الثَّانِي بعد السِّتين:

رُوِيَ فِي الْخَبَر: «لَا تحمل الْعَاقِلَة عمدا وَلَا عبدا وَلَا اعترافًا».
هَذَا الحَدِيث سلف قَرِيبا الْكَلَام عَلَيْهِ وَاضحا، وَبَقِي عَلَيْك أَن تعرف مَعْنَى قَوْله: «عبدا»، وَنقل الْبَيْهَقِيّ عَن أبي عبيد أَنه قَالَ: اخْتلفُوا فِي تَأْوِيله، فَقَالَ لي مُحَمَّد بن الْحسن: إِنَّمَا مَعْنَاهُ أَن يقتل العَبْد حرًّا، يَقُول: فَلَيْسَ عَلَى عَاقِلَة مَوْلَاهُ شَيْء من جِنَايَة عَبده، وَإِنَّمَا جِنَايَته فِي رقبته، وَاحْتج فِي ذَلِك بِشَيْء رَوَاهُ عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن: حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد، عَن أَبِيه، عَن عبيد الله بن عبد الله، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «لَا تعقل الْعَاقِلَة عمدا وَلَا صلحا وَلَا اعترافًا وَلَا مَا جنَى الْمَمْلُوك». قَالَ أَبُو عبيد: وَقَالَ ابْن أبي لَيْلَى: إِنَّمَا مَعْنَاهُ العَبْد يجني عَلَيْهِ، يَقُول: فَلَيْسَ عَلَى عَاقِلَة الْجَانِي شَيْء، إِنَّمَا ثمنه فِي مَاله خاصَّة. وَإِلَيْهِ ذهب الْأَصْمَعِي وَلَا يرَى فِيهِ قَول غَيره جَائِزا، يذهب إِلَى أَنه لَو كَانَ الْمَعْنى عَلَى مَا قَالَه لَكَانَ الْكَلَام لَا تعقل الْعَاقِلَة عَن عبد. قَالَ أَبُو عبيد: وَهُوَ عِنْدِي كَمَا قَالَ ابْن أبي لَيْلَى، وَعَلِيهِ كَلَام الْعَرَب.

.الحديث الثَّالِث بعد السِّتين:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَة الْجَانِي».
هَذَا الحَدِيث تكَرر فِي الْبَاب وَقد سلف قَرِيبا.

.الحديث الرَّابِع بعد السِّتين:

عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن امْرَأتَيْنِ من هُذَيْل رمت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى بِحجر فقتلتها وَمَا فِي جوفها، فَقَضَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بغرة عبدٍ أَو وليدة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا. وَقد سلف بِلَفْظ آخر فِي الْبَاب. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيروَى: «فَضربت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى بِحجر فقتلتها وَمَا فِي جوفها، فَقَضَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْجَنِين بغرة عبدٍ أَو أمةٍ».
قلت: صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ أَيْضا فِي صَحِيحَيْهِمَا من هَذَا الْوَجْه. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيروَى: «فَقَضَى بدية جَنِينهَا غُرة عبد أَو أمة، فَقَالَ بَعضهم: كَيفَ ندي من لَا أكل وَلَا شرب وَلَا صَاح وَلَا اسْتهلّ فَمثل ذَلِك يطلّ- وَيروَى بَطل- فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن هَذَا من إخْوَان الْجَاهِلِيَّة- وَيروَى أسجعًا كسجع الْجَاهِلِيَّة».
قلت: هَذَا صَحِيح، وَقد أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة والمغيرة بن شُعْبَة وَلَفْظهمَا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة: «الْكُهَّان» بدل «الْجَاهِلِيَّة». فِي حَدِيث مُغيرَة «أسجع كسجع الْأَعْرَاب». وَمَعْنى «يطلّ» يهدر. و«بَطل» من الْبطلَان. قَالَ الرَّافِعِيّ: يُقَال: «غرَّة عبد أَو أمة» عَلَى الْإِضَافَة. قَالَ: وَرُوِيَ عَلَى الْبَدَل وَهُوَ كَمَا قَالَ. قَالَ: والغرة الْخِيَار، وَيُقَال: طُلَّ دَمه، أَي أهْدر.

.الحديث الخَامِس بعد السِّتين:

قَالَ الرَّافِعِيّ فِي غرَّة الْجَنِين الْيَهُودِيّ أَو النَّصْرَانِي فِيهِ أوجه. أَحدهَا: أَنه كمسلم قَالَ: وَقد يحْتَج لَهُ بِظَاهِر مَا رُوِيَ «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَضَى فِي الْجَنِين بغرة».
هَذَا الحَدِيث سلف فِي الْبَاب. لَكِن فِي جَنِين الْمَرْأَة السَّالفة الَّتِي ضربت بِحجر فقتلت وَمَا فِي بَطنهَا، فَتَأَمّله.

.الحديث السَّادِس بعد السِّتين:

قَالَ الرَّافِعِيّ: وَسَوَاء كَانَت الْجِنَايَة عمدا أَو خطأ فالغرة عَلَى الْعَاقِلَة، كَمَا ورد بِهِ الْخَبَر.
وَهَذَا قد سلف فِي الْبَاب قَرِيبا. هَذَا آخر أَحَادِيث الْبَاب بِحَمْد الله ومنّه.

.وَأما آثاره:

فسبعة وَثَلَاثُونَ:

.أَحدهَا:

عَن ابْن مَسْعُود مَوْقُوفا عَلَيْهِ فِي تخميس الدِّيَة وَقد سلف فِي أَوَائِل الْبَاب.

.ثَانِيهَا:

عَن سُلَيْمَان بن يسَار «أَنهم كَانُوا يَقُولُونَ: دِيَة الْخَطَأ مائَة من الْإِبِل» وَفصل كَذَلِك، وَهَذَا قد تقدم أَيْضا فِي الْموضع الْمَذْكُور.

.ثَالِثهَا:

قَالَ الرَّافِعِيّ: عَن الْأَكْثَرين أَنه لَا تتغلظ بِمُجَرَّد الْقَرَابَة وَيعْتَبر مَعهَا الْمَحْرَمِيَّة، وَقد رُوِيَ عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَا يدل عَلَيْهِ ويشعر بِهِ وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عبد الرَّزَّاق، ثَنَا معمر، عَن لَيْث، عَن مُجَاهِد «أَن عمر بن الْخطاب قَضَى فِيمَن قتل فِي الْحرم أَو فِي الشَّهْر الْحَرَام أَو هُوَ محرم: بِالدِّيَةِ وَثلث الدِّيَة» هَذَا لَفظه، وهَذَا مُنْقَطع وَضَعِيف، وَرُوِيَ بعضه من طَرِيق آخر وَهُوَ مُنْقَطع أَيْضا، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث إِسْحَاق بن يَحْيَى، عَن عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ: «زَاد- يَعْنِي عمر بن الْخطاب- ثلث الدِّيَة فِي الشَّهْر الْحَرَام، وَثلث الدِّيَة فِي الْبَلَد الْحَرَام». قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة: وَرُوِيَ عَن عِكْرِمَة، عَن عمر مَا دلّ عَلَى التَّغْلِيظ فِي الشَّهْر الْحَرَام وَالْحُرْمَة. وَقد سلف حكم عمر فِيمَن قتل ابْنه فِي بَاب مَا يجب بِهِ الْقصاص فِي الحَدِيث الثَّامِن مِنْهُ.

.الْأَثر الرَّابِع وَالْخَامِس وَالسَّادِس:

قَالَ الرَّافِعِيّ: عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك هَذِه الْأَسْبَاب الثَّلَاثَة لَا تَقْتَضِي التَّغْلِيظ، وَتمسك الْأَصْحَاب للْمَذْهَب بالآثار عَن عمر، وَعُثْمَان، وَابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم وَادعوا فِيهَا الاشتهار وَحُصُول الِاتِّفَاق. هَذَا آخر كَلَامه. أما أثر عمر: فقد فَرغْنَا مِنْهُ آنِفا وَعرفت أَن لَيْسَ فِيهِ التَّغْلِيظ بِالْقَرَابَةِ. وَأما أثر عُثْمَان: فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث شُعْبَة: حَدثنَا عبد الله بن أبي نجيح قَالَ: سَمِعت أبي يَقُول: «أَن امْرَأَة مولاة للعبلات وَطئهَا رجل فَقَتلهَا وَهِي فِي الْحرم، فَجعل لَهَا عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه دِيَة وَثلثا» وَرَوَاهُ من طَرِيق آخر كَذَلِك وَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَن ابْن عُيَيْنَة عَن أبي نجيح، عَن أَبِيه «أَن رجلا أوطأ امْرَأَة بِمَكَّة، فَقَضَى فِيهَا عُثْمَان بِثمَانِيَة آلَاف دِرْهَم: دِيَة وَثلث». قَالَ الشَّافِعِي: ذهب عُثْمَان إِلَى التَّغْلِيظ بقتلها فِي الْحرم قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة: وَفِي رِوَايَة سعيد بن مَنْصُور، عَن سُفْيَان فِي هَذَا الحَدِيث فِي ذِي الْقعدَة «فَقَتلهَا» وَأما أثر ابْن عَبَّاس: فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه مُتَّصِلا حَيْثُ قَالَ: روينَا عَن نَافِع بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «يُزَاد فِي دِيَة الْمَقْتُول فِي الشَّهْر الْحَرَام أَرْبَعَة آلَاف وَفِي دِيَة الْمَقْتُول فِي الْحرم». وأسنده فِي الْمعرفَة من حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي زيد، عَن نَافِع بن جُبَير، قَالَ قَالَ ابْن عَبَّاس: «يُزَاد فِي دِيَة الْمَقْتُول فِي الْأَشْهر الْحَرَام أَرْبَعَة آلَاف وَفِي دِيَة الْمَقْتُول فِي الْحرم أَرْبَعَة آلَاف: دِيَة وَثلث». وَرَوَاهُ ابْن حزم من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق. عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي زيد، عَن نَافِع بن جُبَير قَالَ: «قتل رجل فِي الْبَلَد الْحَرَام فِي شهر حرَام، فَقَالَ ابْن عَبَّاس: دِيَته اثْنَا عشر ألف دِرْهَم، والشهر الْحَرَام والبلد الْحَرَام أَرْبَعَة آلَاف». وَاعْلَم أَن الرَّافعي ذكر بعد ذَلِك هَذِه الْآثَار أَيْضا، فَقَالَ يرْوَى عَن عمر «أَنه قَضَى فِيمَن قتل فِي الْحرم أَو فِي الشَّهْر الْحَرَام أَو محرما بدية وَثلث» وَعَن عُثْمَان «أَنه قَضَى فِي امْرَأَة وطِئت بالأقدام بِمَكَّة بدية وَثلث وَهُوَ ثَمَانِيَة آلَاف دِرْهَم». ثمَّ حَكَى بعد ذَلِك وَجها أَنه إِذا تعدد سَبَب التَّغْلِيظ بِأَن قتل محرما فِي الْحرم، فَإِنَّهُ يُزَاد لكل سَبَب ثلث الدِّيَة فَيجب فِي قتل الْمحرم فِي الْحرم عشرُون ألف، وَيروَى ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه.

.الْأَثر السَّابِع إِلَى الثَّانِي عشر:

عَن عمر وَعُثْمَان وَعلي والعبادلة- ابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَابْن عَبَّاس- «دِيَة الْمَرْأَة عَلَى النّصْف من دِيَة الرجل» قَالَ الْأَصْحَاب: قد اشْتهر ذَلِك وَلم يخالفوا فَصَارَ إِجْمَاعًا.
أما الْأَثر عَن عمر وعليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: فَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَن مُحَمَّد بن الْحسن، أبنا مُحَمَّد بن أبان، عَن حَمَّاد، عَن إِبْرَاهِيم، عَن عمر وَعلي أَنَّهُمَا قَالَا: «عقل الْمَرْأَة عَلَى النّصْف من دِيَة عقل الرجل». وَهَذَا مُنْقَطع كَمَا ترَاهُ، وَرَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور، عَن هشيم، أَخْبرنِي مُغيرَة، عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: «كَانَ فِيمَا جَاءَ بِهِ عُرْوَة الْبَارِقي إِلَى شُرَيْح من عِنْد عمر، أَن الْأَصَابِع سَوَاء الْخِنْصر والإبهام، وَأَن جراح الرِّجَال وَالنِّسَاء سَوَاء فِي السن والْمُوَضّحَة، وَمَا خلا ذَلِك فعلَى النّصْف، وَأَن فِي عين الدَّابَّة ربع ثمنهَا، وَإِن أقل الْأَحْوَال أَن يصدق عَلَيْهَا عِنْد مَوته وَلَده إِذا أقرّ بِهِ قَالَ مُغيرَة: ونسيت الْخَامِسَة حَتَّى ذَكرنِي عُبَيْدَة أَن الرجل إِذا طلق امْرَأَته ثَلَاثًا ورثته مَا دَامَت فِي الْعدة» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث سُفْيَان، عَن جَابر، عَن الشّعبِيّ، عَن شُرَيْح قَالَ: «كتب إِلَى عمر بِخمْس من صوافي الْأُمَرَاء: أَن الْأَسْنَان سَوَاء، والأصابع سَوَاء، وَفِي عين الدَّابَّة ربع ثمنهَا، وَأَن الرجل يسْأَل عِنْد مَوته عَن وَلَده فَأَصدق مَا يكون عِنْد مَوته، وجراحات الرِّجَال وَالنِّسَاء سَوَاء إِلَى الثُّلُث» وَجَابِر ضَعِيف. وَرَوَى الشَّافِعِي أثر عَلّي: عَن مُحَمَّد بن الْحسن، أبنا أَبُو حنيفَة، عَن حَمَّاد، عَن إِبْرَاهِيم، عَن عَلّي أَنه قَالَ: «عقل الْمَرْأَة عَلَى النّصْف من عقل الرجل فِي النَّفس وَمَا دونهَا». وَرَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور أَيْضا عَن هشيم، عَن الشَّيْبَانِيّ، وَابْن أبي لَيْلَى وزَكَرِيا، عَن الشّعبِيّ أَن عليا كَانَ يَقُول: «جراحات النِّسَاء عَلَى النّصْف من دِيَة الرجل فِيمَا قل وَكثر» وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْمَقْدِسِي: لَا نعلم ثُبُوته عَن عَلّي.
قلت: وَله طَرِيق آخر، عَن عَلّي ستعرفها بعد، وَأما أثر عُثْمَان: فَغَرِيب لَا يحضرني من خرجه عَنهُ، وَأما أثر ابْن مَسْعُود: فَرَوَاهُ أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ: نَا عَلّي بن الْجَعْد، أبنا شُعْبَة عَن الحكم، عَن الشّعبِيّ، عَن زيد بن ثَابت أَنه قَالَ: «جراحات الرِّجَال وَالنِّسَاء سَوَاء إِلَى الثُّلُث فَمَا زَاد فعلَى النّصْف» وَقَالَ ابْن مَسْعُود: «إِلَّا السن والموضحة فَإِنَّهُمَا سَوَاء، وَمَا زَاد فعلَى النّصْف» وَقَالَ عَلّي بن أبي طَالب: «عَلَى النّصْف فِي كل شَيْء» قَالَ: وَكَانَ قَول عَلّي أعجبها إِلَى الشّعبِيّ وَرَوَى أَيْضا من حَدِيث إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، عَن زيد بن ثَابت، وَابْن مَسْعُود، وَمن حَدِيث سُفْيَان، عَن ابْن مَسْعُود.
وَأما أثر ابْن عمر: فَغَرِيب وَكَذَا أثر ابْن عَبَّاس ثمَّ إِن تَفْسِير الرَّافِعِيّ العبادلة بِثَلَاثَة: ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَابْن مَسْعُود، تبع فِيهِ الزَّمَخْشَرِيّ فَإِنَّهُ ذكره كَذَلِك فِي مفصلة فِي الْكَلَام عَلَى علم العلمية، وَهُوَ غَرِيب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: عده لَهُم بِثَلَاثَة، وَالْمَعْرُوف أَنهم أَرْبَعَة صحابة أَوْلَاد صحابة. ثَانِيهمَا: عده ابْن مَسْعُود مِنْهُم، وَقد نَص الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل عَلَى أَنه لَيْسَ مِنْهُم والعبادلة عبد الله بن عمر وَعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ وَعبد الله بن عَبَّاس وَعبد الله بن الزبير، هَكَذَا ذكره أهل هَذَا الْفَنّ وَغَيرهم، وَفِي الصَّحَابَة من اسْمه عبد الله فَوق المئين لَكِن هَؤُلَاءِ اشتهروا بالعبادلة. يروي الْبَيْهَقِيّ عَن الإِمَام أَحْمد أَنه قيل لَهُ لما ذكر هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة فَابْن مَسْعُود؟ فَقَالَ: لَيْسَ هُوَ من العبادلة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَسَببه أَن ابْن مَسْعُود تقدّمت وَفَاته وَهَؤُلَاء عاشوا حَتَّى احْتِيجَ إِلَى علمهمْ، فَإِذا اتَّفقُوا عَلَى شَيْء قيل هَذَا قَول العبادلة أَو فعلهم أَو مَذْهَبهم.
تَنْبِيه: وَقع فِي مبهمات النَّوَوِيّ وتَهْذِيب الْأَسْمَاء واللغات فِي تَرْجَمَة ابْن الزبير أَن صَاحب الصِّحَاح أثبت ابْن مَسْعُود فيهم وَحذف ابْن عَمْرو ثمَّ شرع يعْتَرض عَلَيْهِ فَلَعَلَّهُ قلد فِي ذَلِك غَيره، فَإِن الَّذِي فِي نسخ الصِّحَاح إِثْبَات ابْن عَمْرو دون ابْن مَسْعُود، نعم حذف ابْن الزبير فَإِنَّهُ عدهم ثَلَاثَة فَتنبه لذَلِك.

.الْأَثر الثَّالِث عشر وَالرَّابِع عشر وَالْخَامِس عشر:

عَن عمر وَعُثْمَان وَابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم: «أَن دِيَة الْمَجُوسِيّ ثلثا عشر دِيَة الْمُسلم» فَصَارَ إِجْمَاعًا.
أما أثر عمر: فسلف فِي الْبَاب فِي الحَدِيث الثَّامِن عشر مِنْهُ من طَرِيق الشَّافِعِي عَنهُ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من حَدِيث سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن أبي الْمِقْدَام، عَن سعيد بن الْمسيب «أَن عمر قَضَى فِي دِيَة الْمَجُوسِيّ بثمانمائة دِرْهَم» ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث عَطاء، عَن عبيد بن عُمَيْر، عَن عمر بذلك، قَالَ: «والمجوسية أَرْبَعمِائَة دِرْهَم» عَن عمر قَالَ: وقَالَ لي مَالك مثله وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا.
وَأما أثر عُثْمَان: فَلَا يحضرني من خرجه عَنهُ. وَالشَّافِعِيّ إِنَّمَا حَكَاهُ عَن عمر وَحده، فَإِنَّهُ قَالَ: «قَضَى عمر بن الْخطاب وَعُثْمَان بن عَفَّان فِي دِيَة الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ بِثلث دِيَة الْمُسلم، وَقَضَى عمر فِي دِيَة الْمَجُوسِيّ بثمانمائة دِرْهَم». قَالَ الشَّافِعِي: وَلم نعلم أحدا قَالَ فِي دياتهم أقل من هَذَا.
وَأما أثر ابْن مَسْعُود: فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن لَهِيعَة، عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن ابْن شهَاب «أَن عليا وَابْن مَسْعُود كَانَا يَقُولَانِ فِي دِيَة الْمَجُوسِيّ بثمانمائة دِرْهَم». قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ ذَلِك عَن ابْن لَهِيعَة، عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن أبي الْخَيْر، عَن عقبَة بن عَامر، مَرْفُوعا: «دِيَة الْمَجُوسِيّ ثَمَانمِائَة دِرْهَم». قَالَ الْبَيْهَقِيّ: تفرد بِهِ أَبُو صَالح كَاتب اللَّيْث، وَالْأول أشبه أَن يكون مَحْفُوظًا.

.الْأَثر السَّادِس عشر:

قَالَ الرَّافِعِيّ: وَلَو طعنه وَنفذ السنان من الْبَطن حَتَّى خرج من الظّهْر أَو من أحد الجنبين إِلَى الآخر، فَفِيهِ وَجْهَان: وَيُقَال قَولَانِ أصَحهمَا: ويحكى عَن مَالك أَن الْحَاصِل جائفتان، لما رُوِيَ عَن أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه قَضَى فِيهِ بِثُلثي الدِّيَة» وَلم يُخَالف، وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن عبيد الله، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن سعيد بن الْمسيب: «أَن رجلا رَمَى رجلا فأصابته جَائِفَة فَخرجت من الْجَانِب الآخر، فَقَضَى فِيهَا أَبُو بكر بِثُلثي الدِّيَة». وَرَوَاهُ أَيْضا من حَدِيث سعيد بن مَنْصُور، ثَنَا هشيم، ثَنَا حجاج، حَدثنِي عَمْرو بن شُعَيْب، عَن سعيد بن الْمسيب، أَن أَبَا بكر: «قَضَى فِي الْجَائِفَة نفذت ثُلثي الدِّيَة». قلت: وَكِلَاهُمَا مُرْسل؛ لِأَن سعيدًا لم يدْرك أَبَا بكر، فَإِنَّهُ ولد لِسنتَيْنِ بَقِيَتَا من خلَافَة عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما.

.الْأَثر السَّابِع عشر وَالثَّامِن عشر:

عَن عمر وَعلي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَنَّهُمَا قَالَا: «فِي الْأُذُنَيْنِ الدِّيَة» وَهَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَنْهُمَا بِإِسْنَادِهِ، وَرَوَى عَن عمر «أَنه: قَضَى فِي الْأذن بِنصْف الدِّيَة» وَعَن عَلّي أَنه قَالَ:
«فِي الْأذن النّصْف» قَالَ زيد بن أسلم: «مَضَت السّنة أَن فِي الْأُذُنَيْنِ الدِّيَة». وَقَالَ عِكْرِمَة: «قَضَى عمر فِي الْأذن بِنصْف الدِّيَة» قَالَ معمر: وَالنَّاس عَلَيْهِ.

.الْأَثر التَّاسِع عشر:

عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَنه قَضَى فِي الترقوة بجمل، وَفِي الضلع بجمل» وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ وَالشَّافِعِيّ فِي الْأُم عَنهُ عَن زيد بن أسلم، عَن مُسلم بن جُنْدُب، عَن أسلم مولَى عمر بن الْخطاب «أَن عمر قَضَى فِي الضرس بجمل، وَفِي الترقوة بجمل، وَفِي الضلع بجمل» قَالَ الشَّافِعِي: فِي الأضراس خمس خمس؛ لما جَاءَ عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «فِي السن خمس...» وَكَانَت الضرس سنا، وَأَنا أَقُول بقول عمر فِي الترقوة والضلع؛ لِأَنَّهُ لم يُخَالِفهُ أحد من أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا عَلمته، فَلم أر أَن أذهب إِلَى رَأْي فأخالفه فِيهِ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَإِلَى هَذَا ذهب سعيد بن الْمسيب. قَالَ الشَّافِعِي: فَيُشبه أَن يكون مَا حُكيَ عَن عمر فِيمَا وصفت حُكُومَة لَا تَوْقِيت عقل، فَفِي كل عظم كسر من إِنْسَان غير السن حُكُومَة، وَلَيْسَ فِي شَيْء مِنْهَا أرش مَعْلُوم.

.الْأَثر الْعشْرُونَ وَالْحَادِي بعده:

عَن عمر وَزيد بن ثَابت رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَنَّهُمَا قَالَا: «فِي إذهاب الْعقل الدِّيَة». وَهَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَنْهُمَا كَمَا سلف فِي الْبَاب فِي الحَدِيث السَّادِس بعد الْأَرْبَعين.

.الْأَثر الثَّانِي بعد الْعشْرين:

عَن زيد بن أسلم أَنه قَالَ: «مَضَت السُّنة فِي إِيجَاب الدِّيَة فِيمَا إِذا جني عَلَى لِسَانه فَأبْطل كَلَامه» وَهَذَا لم أره كَذَلِك وَفِي الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن وهب، أَخْبرنِي عِيَاض بن عبد الله الفِهري، أَنه سمع زيد بن أسلم يَقُول: «مَضَت السّنة فِي أَشْيَاء من الْإِنْسَان، قَالَ: وَفِي اللِّسَان الدِّيَة، وَفِي الصَّوْت إِذا انْقَطع الدِّيَة». وَفِيه من حَدِيث عبد الله بن عمر مَرْفُوعا: «و فِي اللِّسَان الدِّيَة إِن امْتنع الْكَلَام» ثمَّ قَالَ: هَذَا إِسْنَاد ضَعِيف، مُحَمَّد بن عبيد الله الْعَرْزَمِي والْحَارث بن نَبهَان ضعيفان.

.الْأَثر الثَّالِث وَالرَّابِع وَالْخَامِس بعد الْعشْرين:

حَدِيث أبي بكر وَعمر وَعلي أَنهم قَالُوا: «إِذا جنَى إِنْسَان عَلَى آخر فِي صلبه فَذهب جمَاعُة أَن الدِّيَة تلْزمهُ». وَهَذَا لَا يحضرني من خرجه عَنهُ، وَقد سلف فِي حَدِيث عَمْرو بن حزم الطَّوِيل: «أَن فِي الصلب الدِّيَة».

.الْأَثر السَّادسُ بعد الْعشْرين:

عَن زيد بن ثَابت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «فِي الْإِفْضَاء الدِّيَة». وَهَذَا الْأَثر لَا يحضرني من خرجه بعد الْبَحْث عَنهُ.

.الْأَثر السَّابِع وَالثَّامِن وَالتَّاسِع بعد الْعشْرين:

عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن جراح العَبْد من ثمنه كجراح الْحر من دِيَته» وَعَن عَليّ مثله وَهَذَا لَا يحضرني من خرجه عَنْهُمَا. نعم فِي الْبَيْهَقِيّ عَنْهُمَا: فِي الْحر يقتل العَبْد ثمنه بَالغا مَا بلغ قَالَ الرَّافِعِيّ: وَالْمرَاد من الثّمن: الْقيمَة، قَالَ وَعَن سعيد بن الْمسيب مثلهمَا.
قلت: هَذَا ذكره الشَّافِعِي فِي الْمُخْتَصر وأسنده الْبَيْهَقِيّ إِلَى الشَّافِعِي، عَن سُفْيَان، عَن الزُّهْرِيّ، عَنهُ، أَنه قَالَ: «عقل العَبْد فِي ثمنه». وَفِي رِوَايَة للبيهقي: «عقل العَبْد فِي ثمنه مثل عقل الْحر فِي دِيَته».

.الْأَثر الثَّلَاثُونَ:

ن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أرسل إِلَى امْرَأَة ذكرت عِنْده بِسوء فأجهضت مَا فِي بَطنهَا، فَقَالَ عمر للصحابة: مَا ترَوْنَ؟ فَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف: إِنَّمَا أَنْت مؤدب، لَا شَيْء عَلَيْك. فَقَالَ: لعَلي: مَاذَا تَقول؟ فَقَالَ إِن لم يجْتَهد فقد غشك، وَإِن اجْتهد فقد أَخطَأ، أرَى أَن عَلَيْك الدِّيَة. فَقَالَ عمر: أَقْسَمت عَلَيْك لتفرقها فِي قَوْمك». وَهَذَا الْأَثر علقه الْبَيْهَقِيّ فَقَالَ فِي سنَنه وَيذكر عَن الْحسن «أَنه قَالَ لعمر فِي جِنَايَة جناها عمر: عزمت لما قسمت الدِّيَة عَلَى بني ابْنك. قَالَ: فقسمتها عَلَى قُرَيْش». وَقَالَ فِي سنَنه فِي بَاب الشَّارِب يضْرب زِيَادَة عَلَى الْأَرْبَعين قَالَ الشَّافِعِي: بلغنَا «أَن عمر بن الْخطاب أرسل إِلَى امْرَأَة فَفَزِعت فأجهضت مَا فِي بَطنهَا، فَاسْتَشَارَ عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَأَشَارَ عَلَيْهِ أَن يَدَيْهِ، فَأمر عمر عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما فَقَالَ: عزمت عَلَيْك لتقسمنها عَلَى قَوْمك» وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث مطر الْوراق، عَن الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ: «أرسل عمر إِلَى امْرَأَة مغيبة كَانَ يدْخل عَلَيْهَا فَأنْكر ذَلِك، فَقيل لَهَا: أجيبي عمر. قَالَت: وَيْلَهَا مَالهَا ولعمر. فَبَيْنَمَا هِيَ فِي الطَّرِيق ضربهَا الطلق فَدخلت دَارا فَأَلْقَت وَلَدهَا، فصاح الصَّبِي صيحتين وَمَات، فَاسْتَشَارَ عمر الصَّحَابَة فَأَشَارَ عَلَيْهِ بَعضهم أَن لَيْسَ لَهَا عَلَيْك؛ شَيْء إِنَّمَا أَنْت والٍ ومؤدب، فَقَالَ: مَا تَقول يَا عَلّي؟ فَقَالَ: إِن كَانُوا قَالُوا برأيهم فقد أخطأوا رَأْيهمْ، وَإِن كَانُوا قَالُوا فِي هَوَاك فَلم ينصحوا لَك، أرَى أَن دِيَته عَلَيْك لِأَنَّك أَنْت أفزعتها وَأَلْقَتْ وَلَدهَا من سببك. فَأمر عَلّي أَن يُقيم عقله عَلَى قُرَيْش؛ فَأخذ عقلهَا من قُرَيْش لِأَنَّهُ أَخطَأ» وَهَذَا مُنْقَطع، الْحسن لم يدْرك عمر.
فَائِدَة:
قَوْله «لتفرقها فِي قَوْمك» قَالَ الرَّافِعِيّ: قيل أَرَادَ بِهِ قومه لَكِن أضافهم إِلَى عَلّي إِكْرَاما وإظهارًا للاتحاد.

.الْأَثر الْحَادِي بعد الثَّلَاثِينَ:

رُوِيَ «أَن بَصيرًا كَانَ يَقُود أَعْمَى فَوَقع الْبَصِير فِي بِئْر فَوَقع الْأَعْمَى فَوْقه فَقتله، فَقَضَى عمر بعقل الْبَصِير عَلَى الْأَعْمَى، فَذكر أَن الْأَعْمَى كَانَ ينشد فِي الْمَوْسِم:
يَا أَيهَا النَّاس رأيتُ مُنْكرا هَل يعقل الْأَعْمَى الصحيحَ المبصرا خرّا مَعًا كِلَاهُمَا تكسرا»
.
هَذَا الْأَثر رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث زيد بن الْحباب عَن موسي بن عَلّي بن رَبَاح اللَّخْمِيّ قَالَ: سَمِعت أبي يَقُول: «إِن أَعْمَى كَانَ ينشد فِي الْمَوْسِم فِي خلَافَة عمر بن الْخطاب وَهُوَ يَقُول: أَيهَا النَّاس...» إِلَى آخِره، إِلَّا أَنه قَالَ «لقِيت» بدل «رَأَيْت». وَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا.

.الْأَثر الثَّانِي بعد الثَّلَاثِينَ:

قَالَ الرَّافِعِيّ: فِي الْكَلَام عَلَى من يتَحَمَّل الْعَاقِلَة لَا يتَحَمَّل أهل الدِّيوَان بَعضهم من بعض. وَالْمرَاد الَّذين رتبهم الإِمَام للْجِهَاد وأدرَّ لَهُم أرزاقًا وجعلهم تَحت راية أَمِير يصدرون عَن رَأْيه، وَعند أبي حنيفَة: يتَحَمَّل بَعضهم من بعض، وَإِن لم يكن قرَابَة ويقدمون عَلَى الْقَرَابَة اتبَاعا لما ورد من قَضَاء عمر. قَالَ: وَاحْتج الْأَصْحَاب بِأَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَة، وَلم يكن فِي عَهده ديوَان، وَلَا فِي عهد أبي بكر، وَإِنَّمَا وَضعه عمر حِين كثر النَّاس، وَاحْتَاجَ إِلَى ضبط الْأَسْمَاء والأرزاق فَلَا يتْرك مَا اسْتَقر فِي عهد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مِمَّا أحدث بعده، وَقَضَاء عمر كَانَ فِي الْأَقَارِب من أهل الدِّيوَان. هَذَا آخر كَلَامه. وَقَضَاء عمر هَذَا قد أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّافِعِي. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه بَاب من فِي الدِّيوَان وَمن لَيْسَ فِيهِ من الْعَاقِلَة سَوَاء. ثمَّ رَوَى فِيهِ بِإِسْنَادِهِ عَن أبي الزبير عَن جَابر أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «عَلَى كل بطن عقوله». وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن أبي الزبير أَنه سمع جَابِرا يَقُول: «كتب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى كل بطن عقولة». رَوَاهُ مُسلم. قَالَ الشَّافِعِي: «قَضَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى الْعَاقِلَة، وَلَا ديوَان حَتَّى كَانَ الدِّيوَان حِين كثر المَال فِي زمَان عمر». ثمَّ رَوَى عَن جَابر بن عبد الله: «أول من دون الدَّوَاوِين وَعرف العرفاء عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه». وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ وَالْحَاكِم عَن الْأَصَم، ثَنَا أَحْمد بن عبد الْجَبَّار، نَا يُونُس بن بكير، عَن أبي إِسْحَاق، حَدثنِي عمر بن مُحَمَّد بن عُثْمَان بن الْأَخْنَس بن شريق قَالَ: «أخذت من آل عمر بن الْخطاب هَذَا الْكتاب- كَانَ مَقْرُونا بِكِتَاب الصَّدَقَة الَّذِي كتب للعمال-: بِسْم الِلَّه اِلرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا كتاب مُحَمَّد النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين الْمُسلمين وَالْمُؤمنِينَ من قُرَيْش ويثرب وَمن تَبِعَهُمْ فلحق بهم وجاهد مَعَهم، أَنهم أمة وَاحِدَة دون النَّاس الْمُهَاجِرين من قُرَيْش عَلَى ربعتهم يتعاقلون بَينهم وهم يفدون عانيهم بِالْمَعْرُوفِ والقسط بَين الْمُؤمنِينَ، وَبَنُو عَوْف-
يَعْنِي الْأَنْصَار- عَلَى ربعتهم يتعاقلون، معاقلهم الأولَى وكل طَائِفَة تفدي عانيها بِالْمَعْرُوفِ والقسط بَين الْمُؤمنِينَ ثمَّ ذكر عَلَى هَذَا النسق بني الْحَارِث، ثمَّ بني سَاعِدَة، ثمَّ بني خَيْثَمَة ثمَّ بني النجار، ثمَّ بني عَمْرو بن عَوْف، ثمَّ بني النبيت، ثمَّ بني الْأَوْس، ثمَّ قَالَ: وَإِن الْمُؤمنِينَ لَا يتركون مُفْرَحًا مِنْهُم أَن يعطوه بِالْمَعْرُوفِ فِي فدَاء أَو عقل»
. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَى كثير بن عبد الله بن عَمْرو بن عَوْف، عَن أَبِيه، عَن جده، أَنه قَالَ: «كَانَ فِي كتاب النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن كل طَائِفَة تفدي عانيها بِالْمَعْرُوفِ والقسط بَين الْمُؤمنِينَ، وَأَن عَلَى الْمُؤمنِينَ أَن لَا يتْركُوا مُفْرَحًا مِنْهُم حَتَّى يعطوه فِي فدَاء أَو عقل». قَالَ الْأَصْمَعِي فِي المُفْرح بِالْحَاء هُوَ الَّذِي قد أفرحه الدَّين- يَعْنِي أثقله.