فصل: باب الْوَلَاء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.باب الْقَافة:

ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «إِن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل عليَّ مَسْرُورا، تبرق أسارير وَجهه، فَقَالَ: ألم تَرَ أَن مُجَزِّزًا المدلجي نظر إِلَى زيد بن حَارِثَة وَأُسَامَة بن زيد قد غطيا رءوسهما بقطيفة وبدت أقدامهما، فَقَالَ: إِن هَذِه الْأَقْدَام بَعْضهَا من بعض».
وَهُوَ حَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا قَالَ الْأَئِمَّة: وَسبب سروره أَن الْمُشْركين كَانُوا يطعنون فِي نسب أُسَامَة؛ لِأَنَّهُ كَانَ طَويلا أقنى الْأنف أسود، وَكَانَ زيد قَصِيرا أخنس الْأنف بَين السوَاد وَالْبَيَاض، وَقصد بعض الْمُنَافِقين بالطعن مغايظة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم؛ لِأَنَّهُمَا كَانَ حبه، فَلَمَّا قَالَ المدلجي ذَلِك وَهُوَ لَا يرَى إِلَّا أقدامهما سره ذَلِك، كَذَا قَالَه الرَّافِعِيّ وَالَّذِي فِي أبي دَاوُد «أَن أُسَامَة أسود وَزيد أَبيض» وَنقل عبد الْحق عَن أبي دَاوُد أَن زيدا كَانَ شَدِيد الْبيَاض وَكَذَا قَالَ البندنجي فِي الذَّخِيرَة وَالْقَاضِي حُسَيْن، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ: إِن زيدا كَانَ أَخْضَر اللَّوْن. وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن سعد: كَانَ أُسَامَة أسود مثل اللَّيْل وَزيد أَبيض أشعر أَحْمَر.
قلت: وَكله خلاف مَا ذكره الرَّافِعِيّ، وَأما كَونهمَا كَانَا حبه فَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث ابْن «عمر أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ بعث بعثًا وأمّر عَلَيْهِم أُسَامَة بن زيد فطعن النَّاس فِي إمرته، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن كُنْتُم تطعنوا فِي إمارته، فقد كُنْتُم تطعنون فِي إِمَارَة أَبِيه من قبل، وَايْم الله، إِن كَانَ خليقًا للإمرة وَإِن كَانَ أَبوهُ لمن أحب النَّاس إِلَيّ، وَإِن هَذَا من أحب النَّاس إِلَيّ بعده».
فَائِدَة: مجزز- بِضَم الْمِيم وَفتح الْجِيم وبزاءين معجمتين الأولَى مَكْسُورَة مُشَدّدَة ثمَّ زَاي آخر- سمي بذلك؛ لِأَنَّهُ كَانَ إِذا أَخذ أَسِيرًا جز لحيته. قَالَه الزبير بن بكار، وَقَالَ غَيره: يجز ناصيته. وَقَالَ عبد الْغَنِيّ: لِأَنَّهُ جز نواصي الْعَرَب. وَحَكَى القَاضِي عِيَاض عَن الدَّارَقُطْنِيّ وَعبد الْحق إنَّهُمَا حكيا عَن ابْن جريج أَنه بِفَتْح الزَّاي الأولَى، وَعَن ابْن عبد الْبر وَأبي عَلّي الغساني أَن ابْن جريج قَالَ: إِنَّه محزز بِإِسْكَان الْحَاء الْمُهْملَة وَبعدهَا. وَقَالَ عبد الْغَنِيّ وَغَيره: الصَّوَاب الْكسر.
والأسارير خطوط فِي الْجَبْهَة وَالْوَجْه.
قَالَ الرَّافِعِيّ: يرْوَى «أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه دَعَا قائفًا فِي رجلَيْنِ ادّعَيَا مولودًا»
قلت: هَذَا صَحِيح رَوَاهُ مَالك فِي وَالِديهِ فَادَّعَى بالقائف قلت: هَذَا صَحِيح عَنهُ رَوَاهُ الشَّافِعِي وَالْبَيْهَقِيّ عَنهُ.
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَعَن الصَّحَابَة أَنهم رجعُوا إِلَى بني مُدْلِج دون سَائِر النَّاس.
قلت: سرد الْبَيْهَقِيّ بَابا فِي الْقَائِف وَلم يذكر شَيْئا من هَذَا، وَذكر الرَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ هُنَا حِكَايَة عَنهُ فِي الْقَافة فانظرها من الأَصْل فَإِنَّهَا مهمة وَالله أعلم.

.كتاب الْعتْق:

كتاب الْعتْق:
ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ سِتَّة أَحَادِيث:

.أَحدهَا:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من أعتق نسمَة أعتق الله بِكُل عُضْو مِنْهَا عضوا مِنْهُ من النَّار، حَتَّى فرجه بفرجه».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَزِيَادَة قيد الرَّقَبَة بِكَوْنِهَا مسلمة، وَفِي رِوَايَة لَهما: «أَيّمَا رجل أعتق امْرأ مُسلما استنقذ الله بِكُل عُضْو مِنْهُ عضوا مِنْهُ من النَّار» وَأخرجه الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من حَدِيث عقبَة بن عَامر بِنَحْوِهِ، ثمَّ قَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد. وَمن حَدِيث وَاثِلَة بِنَحْوِهِ، ثمَّ قَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَأخرجه أَحْمد من حَدِيث مَالك بن الْحَارِث وَمَالك بن عَمْرو الْقشيرِي وَمرَّة بن كَعْب وَعَكسه، وَأخرجه الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث معَاذ، وَقَالَ: الصَّوَاب وَقفه عَلَيْهِ. قلت: فَهَذِهِ ثَمَان طرق وَقد ذكره الرَّافِعِيّ فِي كتاب الْوَصَايَا أَيْضا.

.الحديث الثَّانِي:

أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «من أعتق رَقَبَة مُؤمنَة كَانَت فداؤه من النَّار»
أخرجه أَبُو دَاوُد فِي سنَنه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور من حَدِيث عَمْرو بن عبسة السّلمِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَأخرجه التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي أُمَامَة وَغَيره من أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «أَيّمَا امرئٍ مُسلم أعتق امْرأ مُسلما كَانَ فكاكه من النَّار، يُجزي كل عُضْو مِنْهُ عضوا مِنْهُ من النَّار، وَأَيّمَا امْرَأَة مسلمة أعتقت امْرَأَة مسلمة كَانَت فكاكها من النَّار، يَجْزِي كل عُضْو مِنْهَا عضوا مِنْهَا من النَّار» وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب. وَأخرجه أَحْمد وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ مَرْفُوعا «من أعتق رَقَبَة أعتق الله بِكُل عُضْو من ذَلِك عضوا من النَّار».
فَائِدَة: الفكاك بِفَتْح الْفَاء وَيُقَال بِكَسْرِهَا فِي لُغَة، وَهُوَ الْخَلَاص. وَقَوله «تجزي» هُوَ بِفَتْح التَّاء غير مَهْمُوز مَعْنَاهُ يَنُوب.

.الحديث الثَّالِث:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من أعتق شركا لَهُ فِي عبد فَكَانَ لَهُ مَال يبلغ ثمن العَبْد قوم عَلَيْهِ العَبْد قيمَة عدل فَأعْطَى شركاءه حصصهم وَعتق عَلَيْهِ العَبْد، وَإِلَّا فقد عتق مِنْهُ مَا عتق» وَفِي رِوَايَة «من أعتق شركا لَهُ فِي عبد عتق مَا بَقِي فِي مَاله إِذا كَانَ لَهُ مَال يبلغ ثمن العَبْد». وَفِي رِوَايَة «إِذا كَانَ العَبْد بَين اثْنَيْنِ فَعتق أَحدهمَا نصِيبه وَكَانَ لَهُ مَال فقد عتق كُله» وَفِي رِوَايَة «من أعتق شركا لَهُ فِي عبد وَكَانَ لَهُ مَال يبلغ ثمن العَبْد فَهُوَ عَتيق».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح بِكُل هَذِه الرِّوَايَات فَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من أعتق شركا لَهُ فِي عبدٍ فَكَانَ لَهُ مَال...» فَذَكَرَاهُ بِمثل رِوَايَته الثَّانِيَة الَّتِي ذكرهَا الرَّافِعِيّ سَوَاء، وَزَاد الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ «ورق مَا بَقِي».
وَقَالَ ابْن حزم: أقدم بَعضهم فَزَاد هَذِه اللَّفْظَة، وَهِي مَوْضُوعَة مكذوبة لَا نعلم أحدا رَوَاهُ لَا ثِقَة وَلَا ضَعِيف.
وَمِنْهَا أَيْضا «من أعتق عبدا بَين اثْنَيْنِ فَإِن كَانَ مُوسِرًا قوم عَلَيْهِ ثمَّ يعْتق» وَمِنْهَا أَيْضا «من أعتق عبدا بَينه وَبَين آخر قوم فِي مَاله قيمَة عدل لَا وكس عَلَيْهِ وَلَا شطط، ثمَّ عتق عَلَيْهِ فِي مَاله إِن كَانَ مُوسِرًا». وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ «من أعتق شركا فِي مَمْلُوك وَجب عَلَيْهِ أَن يعْتق كُله، وَإِن كَانَ لَهُ مَال قدر ثمنه يقوم قيمَة عدل وَيُعْطَى شركاؤه حصصهم، ويخلى سَبِيل الْمُعْتق». وَفِي رِوَايَة لَهُ أَيْضا «من أعتق نَصِيبا لَهُ فِي مَمْلُوك- أَو شركا لَهُ فِي عبد- وَكَانَ لَهُ من المَال مَا يبلغ قِيمَته بِقِيمَة الْعدْل فَهُوَ عَتيق». وَفِي رِوَايَة لمُسلم «من أعتق شركا لَهُ فِي عبد عتق مَا بَقِي فِي مَاله إِذا كَانَ لَهُ مَال» يُقَال: إِنَّه من كَلَام الزُّهْرِيّ لَيْسَ مَرْفُوعا. وَفِي رِوَايَة لمُسلم أَيْضا «من أعتق شركا لَهُ فِي عبد أقيم عَلَيْهِ قيمَة الْعدْل فَأعْطِي شركاؤه حصصهم وَعتق العَبْد». وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد «من أعتق شركا فِي مَمْلُوك فَعَلَيهِ عتقه كُله إِن كَانَ لَهُ مَال يبلغ ثمنه، وَإِن لم يكن لَهُ مَال أعتق نصِيبه» وَفِي رِوَايَة لَهُ «من أعتق شركا لَهُ فِي عبد عتق مَا بَقِي إِن كَانَ لَهُ مَال يبلغ ثمن العَبْد». وَفِي رِوَايَة للنسائي بِزِيَادَة جَابر «من أعتق عبدا وَله فِيهِ شركه وَله رفاق فَهُوَ حر وَضمن نصيب شركائه بِقِيمَتِه كَمَا أَسَاءَ من مشاركتهم وَلَيْسَ عَلَى العَبْد شَيْء». قَالَ ابْن الْقطَّان: وَهِي حَسَنَة لَا صَحِيحَة؛ لِأَن فِيهَا سُلَيْمَان بن مُوسَى، قَالَ خَ: مُنكر لَا أروي عَنهُ شَيْئا، وَرَوَى أَحَادِيث مَنَاكِير وَقَالَ ت فِي علله:
هُوَ ثِقَة عِنْد أهل الحَدِيث لَا أعلم أحدا من أهل الْعلم من الْمُتَقَدِّمين من تكلم فِيهِ.
قلت: أخرج ابْن حبَان فِي صَحِيحه هَذَا الحَدِيث سندًا ومتنًا وَزَاد «بِقِيمَة عدل». وَفِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن عمر مَرْفُوعا «إِذا كَانَ للرجل شرك فِي غُلَام، ثمَّ أعتق نصِيبه وَهُوَ حَيّ أقيم عَلَيْهِ قيمَة عدل فِي مَاله، ثمَّ أعتق» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: لَيست هَذِه اللَّفْظَة فِي كل حَدِيث.

.الحديث الرَّابِع:

عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا يَجْزِي ولدٌ وَالِده إِلَّا أَن يجده مَمْلُوكا فيشتريه فيعتقه».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم فِي صَحِيحه بِهَذَا اللَّفْظ وَقد ذكره الرَّافِعِيّ فِي بَاب خِيَار الْمجْلس أَيْضا كَمَا عَلمته هُنَاكَ، وَورد حَدِيث عَام فِي ذَلِك لَهُ طَرِيقَانِ جيدان كَانَ رُوِيَ من طَرِيق عَائِشَة بِإِسْنَاد ضَعِيف ومن حَدِيث عَلّي بإسنادٍ ساقطٍ.
الطَّرِيق الأول: عَن الْحسن عَن سَمُرَة مَرْفُوعا «من ملك ذَا رحم محرم فهر حر». رَوَاهُ أَحْمد وَالْأَرْبَعَة وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد «فَهُوَ عَتيق» وَقد سلف الْكَلَام فِي سَماع الْحسن من سَمُرَة وَاضحا فِي آخر بَاب كَيْفيَّة الصَّلَاة، قَالَ أَبُو دَاوُد: لم يحدث بِهَذَا الحَدِيث عَن الْحسن إِلَّا حَمَّاد بن سَلمَة، وَقد شكّ فِيهِ. قَالَ: وَشعْبَة أحفظ من حَمَّاد، يَعْنِي أَن شُعْبَة رَوَاهُ مُرْسلا. قَالَ الْخطابِيّ: أَرَادَ أَبُو دَاوُد من هَذَا أَن الحَدِيث لَيْسَ بمرفوع أَو لَيْسَ بِمُتَّصِل إِنَّمَا هُوَ عَن الْحسن عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا الحَدِيث لَا نعرفه مُسْندًا إِلَّا من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة.
ثمَّ يشك فِيهِ ثمَّ يُخَالِفهُ غَيره فِيهِ من هم أحفظ مِنْهُ وَجب التَّوَقُّف فِيهِ، وَقد أَشَارَ البُخَارِيّ إِلَى تَضْعِيف هَذَا الحَدِيث، وَقَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: هَذَا حَدِيث مُنكر.
الطَّرِيق الثَّانِي: عَن ضَمرَة بن ربيعَة، عَن سُفْيَان، عَن عبد الله بن دِينَار، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمُتَقَدّم رَوَاهُ ابْن مَاجَه كَذَلِك وَالنَّسَائِيّ بِلَفْظ «من ملك ذَا رحم فَهُوَ عَتيق» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث مُنكر وَلَا نَعْرِف أحدا رَوَاهُ عَن سُفْيَان غير ضَمرَة بن ربيعَة. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: لم يُتَابع ضَمرَة عَلَى هَذَا الحَدِيث، وَهُوَ حَدِيث خطأ عِنْد أهل الحَدِيث. وَأما الْبَيْهَقِيّ فَقَالَ إِثْر الطَّرِيقَة الْمُتَقَدّمَة: وَرُوِيَ بِإِسْنَاد آخر وهم فِيهِ رَاوِيه... ثمَّ ذكره من حَدِيث ضَمرَة عَن الثَّوْريّ كَمَا تقدم، ثمَّ قَالَ: قَالَ سُلَيْمَان- يَعْنِي الطَّبَرَانِيّ-: لم يروه عَن سُفْيَان إِلَّا ضَمرَة. ثمَّ قَالَ: هَذَا وهم فَاحش وَالْمَحْفُوظ بِهَذَا الْإِسْنَاد حَدِيث «نهَى عَن بيع الْوَلَاء وَعَن هِبته». وَلقَائِل أَن يَقُول لَيْسَ انْفِرَاد ضَمرَة بِهِ دَلِيلا عَلَى أَنه غير مَحْفُوظ، وَلَا يُوجب ذَلِك عَلَيْهِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ من الثِّقَات المأمونين لم يكن بِالشَّام رجل يُشبههُ، كَذَا قَالَ ابْن حَنْبَل. وَقَالَ ابْن سعد: كَانَ ثِقَة مَأْمُونا لم يكن أفضل مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو سعيد بن يُونُس: كَانَ فَقِيه أهل فلسطين فِي زَمَانه. والْحَدِيث إِذا انْفَرد بِهِ ثِقَة كَانَ صَحِيحا وَلَا يضرّهُ تفرده، فَلَا أَدْرِي من أَيْن وهم فِي هَذَا الحَدِيث رَاوِيه. وَيُؤَيّد هَذَا أَن الْحَاكِم أَبَا عبد الله شيخ الْبَيْهَقِيّ أخرج حَدِيث ضَمرَة هَذَا ثمَّ قَالَ: وَحدثنَا أَبُو عَلّي بِإِسْنَادِهِ سَوَاء «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن بيع الْوَلَاء وَعَن هِبته» ثمَّ قَالَ: هما محفوظان وَحَدِيث ضَمرَة صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، وَشَاهده حَدِيث سَمُرَة. وَقَالَ: وَهُوَ مَحْفُوظ صَحِيح. وَقَالَ عبد الْحق فِي أَحْكَامه: علل هَذَا الحَدِيث بِأَن ضَمرَة تفرد بِهِ وَلم يُتَابع عَلَيْهِ. قَالَ: وَقَالَ بعض الْمُتَأَخِّرين لَيْسَ انْفِرَاد ضَمرَة بِهِ عِلّة فِيهِ؛ لِأَن ضَمرَة ثِقَة، والْحَدِيث صَحِيح إِذا أسْندهُ ثِقَة. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَهَذَا صَوَاب، وعني عبد الْحق بِبَعْض الْمُتَأَخِّرين ابْن حزم فَإِنَّهُ قَالَ: هَذَا خبر صَحِيح تقوم بِهِ الْحجَّة كل من رُوَاته ثِقَات، وَإِذا انْفَرد بِهِ ضَمرَة كَانَ لَا يضر فَإِذا ادعوا أَنه أَخطَأ فِيهِ فَبَاطِل؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى بِلَا برهَان. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الْإِلْمَام: رَوَى ضَمرَة هَذَا الحَدِيث. وخطي فِيهِ وَلم يلْتَفت بَعضهم لذَلِك لكَون ضَمرَة ثِقَة لَا يضر انْفِرَاده بِهِ.
قلت: فَإِن قيل قد رَوَى ابْن مَاجَه وَالنَّسَائِيّ هَذَا الحَدِيث مَوْقُوفا أَيْضا. قلت: الرّفْع مقدم؛ لِأَنَّهَا زِيَادَة. فَإِن قيل: قد روياه أَيْضا عَن قَتَادَة عَن عمر وَهَذَا مُرْسل؛ لِأَن قَتَادَة لم يسمع من عمر فَإِن ووَفَاة قَتَادَة بعد وَفَاة عمر بنيف وَثَلَاثِينَ سنة. قلت قد علم مَا فِي تعَارض الْوَصْل والإرسال وَالصَّحِيح أَن الْوَصْل مقدم؛ لِأَنَّهَا زِيَادَة وَهِي مَقْبُولَة مُوَافقَة.

.الحديث الخَامِس:

رُوِيَ «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَقرع فِي قسْمَة بعض الْغَنَائِم بالبعر». وَرُوِيَ «أَنه أَقرع مرّة بالنوى».
هَذَا الحَدِيث لَا أعرفهُ بعد شدَّة الْبَحْث عَنهُ، وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح فِي مشكلات الْوَسِيط لَيْسَ لهَذَا الحَدِيث صِحَة.

.الحديث السَّادِس:

عَن عمرَان بن حُصَيْن رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه أعتق سِتَّة مملوكين لَهُ عِنْد مَوته، لم يكن لَهُ مَال غَيرهم، فَدَعَاهُمْ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فجزأهم أَثلَاثًا، ثمَّ أَقرع بَينهم، وَأعْتق اثْنَيْنِ وأرق أَرْبَعَة، وَقَالَ لَهُ قولا شَدِيدا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح وَقد كَرَّرَه الإِمَام الرَّافِعِيّ فِي هَذَا الْبَاب، وَذكره أَيْضا فِي كتاب الْوَصَايَا كَمَا تقدم فِي بَابه، وَأخرجه مُسلم فِي صَحِيحه بِهَذِهِ الْحُرُوف وَفِي رِوَايَة لَهُ «أَن رجلا من الْأَنْصَار أَوْصَى عِنْد مَوته فَأعتق سِتَّة مملوكين...» وأسهم فِي هَذِه الرِّوَايَة هُوَ الْمُفَسّر فِي الرِّوَايَة الْمُتَقَدّمَة وَعند الإِمَام أَحْمد «فجَاء ورثته من الْأَعْرَاب فَأخْبرُوا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك...» وَذكر الحَدِيث. قَالَ عبد الْحق: القَوْل الشَّديد الْمُتَقَدّم فِي رِوَايَة مُسلم هُوَ وَالله أعلم مَا ذكره النَّسَائِيّ عَن الْحسن عَن عمرَان بن حُصَيْن أَيْضا أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِيهِ فِي هَذِه الْقِصَّة «لقد هَمَمْت أَن لَا أُصَلِّي عَلَيْهِ...» قلت: وَيحْتَمل أَن يكون السَّبَب فِي ذَلِك أَيْضا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه فِي آخر هَذَا الحَدِيث أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَو شهدته قبل أَن يدْفن لم يقبر فِي مَقَابِر الْمُسلمين» وَقد ذكرنَا هَذَا وَاضحا بِزِيَادَة فِي كتاب الْوَصَايَا، وَمِمَّا لم نقدمه هُنَاكَ أَن أَحْمد خرج هَذَا الحَدِيث أَيْضا من حَدِيث عَمْرو بن أَخطب وَهُوَ غَرِيب.
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَفِي حَدِيث عمرَان «أَنه كَانَت قيمتهم مُتَسَاوِيَة». قلت: لم أره فِي طَرِيق من طرق هَذَا الحَدِيث مَعَ انتشارها، لكنه الظَّاهِر، بل عِنْدِي أَنه لَا يحْتَاج إِلَى التَّنْصِيص عَلَى ذَلِك فِي الحَدِيث.
وَقَالَ الرَّافِعِيّ بعد هَذَا: وَقد سبق فِي النِّكَاح أَن من نكح أمة غر بحريتها فَأَتَت مِنْهُ بِولد ينْعَقد الْوَلَد حرًّا وَيجب للمغرور قِيمَته لمَالِك الْأمة. قَالَ: وأجمعت الصَّحَابَة عَلَى وجوب الضَّمَان.
قلت: الَّذِي يحضرني من هَذَا الْإِجْمَاع مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه فِي بَاب من قَالَ يرجع الْمَغْرُور بِالْمهْرِ وَقِيمَة الْأَوْلَاد عَلَى الَّذِي غرَّ بِسَنَدِهِ إِلَى الشَّافِعِي أخبرنَا مَالك أَنه بلغه «أَن عمر أَو عُثْمَان قَضَى أَحدهمَا فِي أمة غرت بِنَفسِهَا رجلا فَذكرت أَنَّهَا حرَّة، فَولدت أَوْلَادًا فَقَضَى أَن يفْدي وَلَده بمثلهم» قَالَ مَالك: وَذَلِكَ يرجع إِلَى الْقيمَة؛ لِأَن العَبْد لَا يُؤْتَى بِمثلِهِ وَلَا نَحوه فَلذَلِك يرجع إِلَى الْقيمَة.

.باب الْوَلَاء:

ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا:

.أما الْأَحَادِيث:

فثمانية:

.أَحدهَا:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِن الْوَلَاء لمن أعتق».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم من رِوَايَة عَائِشَة فِي قصَّة بَرِيرَة من طرق كَثِيرَة وَهُوَ حَدِيث عَظِيم كثير السّنَن والآداب، وَقد أفرده النَّاس بالتصنيف وبالغوا فِي الاستخراج مِنْهُ عَلَى ثَلَاثمِائَة حكم وَأكْثر، وَقد لخصت مِنْهَا جملَة فِي شرح العُمْدة فَرَاجعه مِنْهَا وَمِمَّنْ صنف فِي ذَلِك إِمَام الْأَئِمَّة ابْن خُزَيْمَة رَحِمَهُ اللَّهُ.

.الحديث الثَّانِي:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الْوَلَاء لحْمَة كلحمة النّسَب لَا يُبَاع وَلَا يُوهب».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن الْحَاكِم وَغَيره عَن الْأَصَم، عَن الرّبيع، عَن الشَّافِعِي- وَهُوَ فِي مُسْنده- عَن مُحَمَّد بن الْحسن، عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم، عَن عبد الله بن دِينَار، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، ثمَّ قَالَ: وَكَذَا رَوَاهُ مُحَمَّد بن الْحسن الْفَقِيه، عَن يَعْقُوب أبي يُوسُف القَاضِي، عَن عبد الله بن دِينَار قَالَ أَبُو بكر النَّيْسَابُورِي عقب هَذَا الحَدِيث: هَذَا خطأ؛ لِأَن الثِّقَات لم يرووه هَكَذَا، وَإِنَّمَا رَوَاهُ الْحسن مُرْسلا. ثمَّ رَوَاهُ- أَعنِي الْبَيْهَقِيّ- عَن الْحَاكِم وَغَيره عَن الْأَصَم، عَن يَحْيَى بن أبي طَالب، عَن يزِيد بن هَارُون، عَن هِشَام بن حسان، عَن الْحسن، عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكره بِاللَّفْظِ الْمُتَقَدّم. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ من أوجه أخر كلهَا ضَعِيفَة. ثمَّ رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ عَن ضَمرَة، عَن سُفْيَان، عَن ابْن دِينَار، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا، قَالَ سُلَيْمَان بن أَحْمد- يَعْنِي الطَّبَرَانِيّ-: لم يرو هَذَا الحَدِيث عَن سُفْيَان إِلَّا ضَمرَة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قد رَوَاهُ إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن يُوسُف الْفرْيَابِيّ عَن ضَمرَة كَمَا رَوَاهُ يَعْنِي الْجَمَاعَة «نهَى عَن بيع الْوَلَاء وَعَن هِبته» وَكَأن الْخَطَأ وَقع من غَيره. ثمَّ رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ عَن يَحْيَى بن سليم، عَن عبيد الله، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا، ثمَّ قَالَ: هَذَا وهم من يَحْيَى بن سليم أَو من دونه فِي الْإِسْنَاد والمتن جَمِيعًا، فَإِن الْحفاظ إِنَّمَا رَوَوْهُ عَن عبيد الله بن عمر، عَن عبد الله بن دِينَار، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا «نهَى عَن بيع الْوَلَاء وَعَن هِبته».
قلت: وَكَذَا قَالَ أَبُو زرْعَة فِيمَا نَقله عَنهُ ابْن أبي حَاتِم فِي علله أَن هَذَا هُوَ الصَّحِيح قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَأخرجه مُسلم- يَعْنِي حَدِيث «نهَى عَن بيع وَوَلَاء»- من وَجه آخر عَن عبيد الله فِي البيع. قَالَ: وَقد رَوَاهُ مُحَمَّد بن عبد الْملك بن أبي الشَّوَارِب، عَن يَحْيَى بن سليم عَلَى الْوَهم فِي إِسْنَاده دون مَتنه، قَالَ التِّرْمِذِيّ فِيمَا بَلغنِي عَنهُ: سَأَلت البُخَارِيّ فَقَالَ: يَحْيَى بن سليم أَخطَأ فِي حَدِيثه، إِنَّمَا هُوَ عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر، وَعبد الله بن دِينَار تفرد بِهَذَا الحَدِيث يَعْنِي بِاللَّفْظِ الْمَشْهُور. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة عَن أبي حسان الزيَادي، عَن يَحْيَى بن سليم، عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا «الْوَلَاء لحْمَة كلحمة النّسَب». قَالَ: وَهَذَا اخْتِلَاف ثَالِث عَلَى يَحْيَى بن سليم وَكَانَ سيئ الْحِفْظ كثير الْخَطَأ.
قلت: قد تَابعه عَلَى هَذِه الرِّوَايَة مُحَمَّد بن مُسلم الطَّائِفِي كَذَلِك أخرجه الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك من حَدِيثه كَمَا سَيَأْتِي.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَى فِي ذَلِك عَن عبد الله بن نَافِع بِإِسْنَادَيْنِ وهم فيهمَا، وَاخْتلف عَلَيْهِ فيهمَا. قَالَ: وَرَوَى عَن يَحْيَى بن أبي أنيسَة، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا. قَالَ: وَلَيْسَ الزُّهْرِيّ فِيهِ أصل، وَيَحْيَى بن أبي أنيسَة ضَعِيف بِمرَّة، وَإِنَّمَا يروي هَذَا اللَّفْظ مُرْسلا كَمَا قدمنَا ذكر. قَالَ: وَيروَى عَمَّن دون ذَلِك عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة وَعَن عَلّي مَرْفُوعا «الْوَلَاء بِمَنْزِلَة النّسَب لَا يُبَاع وَلَا يُوهب» هَذَا ملخص مَا ذكره الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه فِي هَذَا الْبَاب. وَقَالَ فِي بَاب «الْمِيرَاث بِالْوَلَاءِ» بعد أَن رَوَاهُ مُرْسلا عَن الْحسن: رُوِيَ مَوْصُولا من وَجه آخر عَن ابْن عمر وَلَيْسَ بِصَحِيح. وَذكر الْعقيلِيّ عبد الله بن دِينَار فِي ضُعَفَائِهِ؛ لأجل انْفِرَاده بِهَذَا الحَدِيث، وَهُوَ حجَّة بِإِجْمَاع فَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ، وَخَالفهُ جماعات فصححوه مِنْهُم شَيْخه أَبُو عبد الله الْحَاكِم، فَإِنَّمَا خرجه فِي مُسْتَدْركه بِسَنَد الْبَيْهَقِيّ الْمُتَقَدّم أَولا ثمَّ قَالَ هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. قَالَ: وَقد حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن حمدَان، حَدثنَا أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ، ثَنَا مُحَمَّد بن مهْرَان، ثَنَا مُحَمَّد بن مُسلم الطَّائِفِي، عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا «الْوَلَاء لحْمَة من النّسَب لَا يُبَاع وَلَا يُوهب» وَمِنْهُم الإِمَام أَبُو حَاتِم بن حبَان فَإِنَّهُ أخرجه فِي صَحِيحه عَن أبي يعْلى الْموصِلِي قَالَ: قَرَأَ عليّ بشر بن الْوَلِيد، عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم، عَن عبيد الله بن عمر، عَن عبد الله بن دِينَار، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا «الْوَلَاء لحْمَة كلحمة النّسَب لَا يُبَاع وَلَا يُوهب» وَهَذِه الرِّوَايَة مُخَالفَة لجَمِيع مَا تقدم إِذْ فِيهَا عبيد الله بن عمر، عَن عبد الله بن دِينَار وَقد تَابع بشرا عَلَى ذَلِك مُحَمَّد بن الْحسن فَرَوَاهُ عَن أبي يُوسُف كَذَلِك. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي كِتَابه الْمعرفَة: وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن الْحسن فِي كتاب الْوَلَاء عَن أبي يُوسُف عَن عبيد الله بن عمر عَن عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر- بِخِلَاف- مَا ذكره الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَالْحَاكِم كَمَا تقدم عَن مُحَمَّد بن الْحسن وَمِنْهُم ابْن خُزَيْمَة فَإِنَّهُ أخرجه فِي صَحِيحه وَمِنْهُم الْحَافِظ عبد الْحق فَإِنَّهُ ذكره فِي أَحْكَامه من رِوَايَة يَحْيَى بن سليم عَن عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَسكت عَلَيْهِ وسكوته قَاض بِصِحَّة الحَدِيث عَلَى مَا قدره فِي خطْبَة كِتَابه وَمِنْهُم الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الْإِلْمَام فَإِنَّهُ عزاهُ فِيهِ إِلَى أبي يعْلى وصحيح ابْن حبَان وَسكت عَنْهُمَا وَمن الغرائب عبارَة الْحَافِظ أَبُو عبد الله الذَّهَبِيّ حَيْثُ قَالَ فِي مُخْتَصر الْمُسْتَدْرك عقب قَول الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. قلت: بِالسَّيْفِ وَأَشَارَ إِلَى الْإِنْكَار عَلَى الْحَاكِم، وَفِي ذهنه مقَالَة الْبَيْهَقِيّ الَّتِي ذَكرنَاهَا وَلِهَذَا الحَدِيث مخرج آخر لم يَعْتَرِيه أحد من مصنفي الْأَحْكَام ورجال إِسْنَاده كلهم ثِقَات.
قَالَ ابْن جرير الطَّبَرِيّ فِي كِتَابه تَهْذِيب الْآثَار: حَدثنِي مُوسَى بن سهل الرَّمْلِيّ، ثَنَا مُحَمَّد بن عِيسَى يعْنى الطباع، ثَنَا عَبْثَر بن الْقَاسِم، عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد، عَن عبد الله بن أبي أَوْفَى قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «الْوَلَاء لحْمَة كلحمة النّسَب لَا يُبَاع وَلَا يُوهب» وَهَذَا يرد قَول الْبَيْهَقِيّ: «رَوَى من أوجهٍ أخر كلهَا ضَعِيفَة» وَقَالَ أَبُو نعيم فِي معرفَة الصَّحَابَة فِي تَرْجَمَة عبد الله بن أبي أوفي: أَحْمد بن إِسْحَاق، نَا عَلّي بن مُحَمَّد بن جبلة، ثَنَا يَحْيَى هَاشم، عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد، عَن عبد الله بن أبي أَوْفَى قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «الْوَلَاء لحْمَة كلحمة النّسَب» قَالَ وَرَوَاهُ عبيد بن الْقَاسِم عَن إِسْمَاعِيل وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه أَيْضا عَن سَلمَة بن سهل، عَن مُحَمَّد بن الصَّباح، عَن عتبَة بن الْقَاسِم، بِهِ سَوَاء، وَذكره من أَصْحَابنَا الْفُقَهَاء الْمَاوَرْدِيّ من حَدِيثه عَن عتبَة بِهِ سَوَاء ثمَّ قَالَ: وإرسال هَذَا الحَدِيث أثبت إِسْنَادًا.
وَهَذَا الحَدِيث قد ذَكرْنَاهُ فِيمَا مَضَى من كتَابنَا هَذَا فِي تناسب بَيَان الْأَوْلِيَاء وأحكامهم حَيْثُ ذكره الرَّافِعِيّ ووعدنا هُنَاكَ أَنا أَن وصلنا إِلَى هَذَا الْمَكَان تريده إيضاحًا وَقد وفْق الْكَرِيم لذَلِك وَله الحمدُ الْمِنَّة ونقلنا هُنَاكَ أَن النَّوَوِيّ نقل فِي كِتَابه تَهْذِيب الْأَسْمَاء واللغات عَن جُمْهُور أهل اللُّغَة أَنهم ضبطوا اللحمة فِي هَذَا الحَدِيث بِضَم اللَّازِم وَأَن الْأَزْهَرِي حَكَى عَن ابْن الْأَعرَابِي وَغَيره فتح اللَّازِم وَأَن الْأَزْهَرِي قَالَ إِن مَعْنَى هَذَا الحَدِيث قرَابَة كقرابة النّسَب وَكَذَا قَالَه الإِمَام الرَّافِعِيّ هُنَا إِلَى اللُّغَة المنقولة عَن ابْن الْأَعرَابِي فَقَالَ وَفِي الصِّحَاح: اللحمة بِالضَّمِّ الْقَرَابَة ولحمة الثَّوْب تضم وتفتح وَكَذَا لحْمَة الصَّيْد. وَحَكَى ابْن الْأَثِير أَنَّهَا فِي النّسَب بِالضَّمِّ، وَفِي الثَّوْب تضم وتفتح، قَالَ: وَقيل فِي الثَّوْب بِالْفَتْح وَحده وَقيل فِي النّسَب وَفِي الثَّوْب بِالْفَتْح، فَأَما بِالْفَتْح فَمَا يصاد بِهِ الصَّيْد، وَقَوله: «لَا يُبَاع وَلَا يُوهب» يَعْنِي أَن نَفْس الْوَلَاء لَا ينْتَقل من شخص إِلَى شخص بعوض وَبِغير عوض.

.الحديث الثَّالِث:

«يرْوَى النَّهْي عَن بيع الْوَلَاء وَعَن هِبته».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَبَاقِي الْكتب السِّتَّة د ت ق ن وقبلهم الإمامان مَالك فِي الْمُوَطَّأ وَأحمد فِي الْمسند من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما، وَعجب من الرَّافِعِيّ كَيفَ أوردهُ بِهَذِهِ الصّفة وَهِي لفظ «يرْوَى» وَهُوَ بِهَذِهِ المثابة من الصِّحَّة وَأنكر ابْن وضاح أَن يكون نَهْيه من كَلَام النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ عَجِيب مِنْهُ.

.الحديث الرَّابِع:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لن يَجْزِي والدًا وَلَده إِلَّا أَن يجده مَمْلُوكا فيشتريه فيعتقه».
هَذَا الحَدِيث كَمَا عَرفته فِي الْبَاب قبله.

.الحديث الخَامِس:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «مولَى الْقَوْم مِنْهُم».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ فِي سُنَنهمْ وَأَبُو حَاتِم بن حبَان وَصَححهُ من حَدِيث أبي رَافع قَالَ: بعث رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا عَلَى الصَّدَقَة من بني مَخْزُوم، قَالَ أَبُو رَافع: فَقَالَ لي اصحبني فَإنَّك تصيب مِنْهَا معي قلت حَتَّى أسأَل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَانْطَلق إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُ فَقَالَ موَالِي الْقَوْم من أنفسهم وَإِنَّا لَا تحل لنا الصَّدَقَة. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ «مولَى الْقَوْم مِنْهُم» كَمَا فِي الْكتاب، وَوَقع فِي الرَّافِعِيّ هُنَا وَفِي قسم الصَّدقَات «موَالِي» بِالْألف، وَالَّذِي رَأَيْت فِي كتب الحَدِيث «مولَى» بحذفها، وَهَذَا الحَدِيث سلف أَيْضا وَاضحا فِي كتاب قسم الصَّدقَات، وَذَكَرْنَاهُ هُنَا لبعد الْعَهْد بِهِ.

.الحديث السَّادِس:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «كل شَرط لَيْسَ فِي كتاب الله فَهُوَ بَاطِل، قَضَاء الله أَحَق، وَشرط الله أوثق، وَإِنَّمَا الْوَلَاء لمن أعتق».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها فِي حَدِيث بَرِيرَة «أَنَّهَا كاتبت أَهلهَا عَلَى تسع أَوَاقٍ ذهب، وَجَاءَت إِلَى عَائِشَة فَقَالَت: أعينيني فِي كتابتي. فَقَالَت لَهَا عَائِشَة: ارجعي إِلَى أهلك فَإِن أَحبُّوا أَن أَقْْضِي عَنْك كاتبتك وَيكون ولاؤك لي فعلت. فَذكرت ذَلِك بَرِيرَة لأَهْلهَا وأبوا إِلَّا أَن يكون لَهُم الْوَلَاء، فَذكرت ذَلِك لرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: اشتريها واعتقيها فَإِنَّمَا الْوَلَاء لمن أعتق» ثمَّ قَامَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خَطِيبًا فَقَالَ: «كل شَرط...» إِلَى آخِره بِمثل مَا ذكر المُصَنّف.