فصل: كتاب الخُلْع:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّامِن:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأُمِّ سَلمَة: «إِن شئتِ سَبَّعْتُ عنْدك وسَبَّعْتُ عِنْدهن، وَإِن شئتِ ثَلَّثْتُ عنْدك، ودُرْتُ».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن عَنْهَا- أَعنِي: أُمَّ سَلمَة- رَضِيَ اللَّهُ عَنْها-: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين تزوَّج أُمَّ سَلمَة وأصبحتْ عِنْده قَالَ لَهَا: لَيْسَ بِكِ عَلَى أهلك هوانٌ، إِن شئتِ سَبَّعْتُ عنْدك، وَإِن شئتِ ثَلَّثْتُ، ثمَّ دُرْتُ. قَالَت: ثَلِّثْ».
وَرَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ بِلَفْظ الرَّافِعِيّ سَوَاء، وَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَنهُ، وَذكره فِي الْمُخْتَصر بِغَيْر إسنادٍ.
قَالَ الرَّافِعِيّ: ورُوي: «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأُمِّ سَلمَة: إِن شئتِ أقمتُ عنْدك ثَلَاثًا خَالِصَة لَك، وَإِن شئتِ سَبَّعْتُ لَك وسَبَّعْتُ لنسائي».
قلت: رَوَاهُ كَذَلِك الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه بزيادةٍ فِيهِ، وَهَذَا سِيَاقه: «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهَا حِين دخل بهَا: لَيْسَ بِكِ هوان عَلَى أهلك، إِن شئتِ أقمتُ عنْدك ثَلَاثًا خَالِصَة، وَإِن شئتِ سَبَّعْتُ لَك، وسَبَّعْتُ لنسائي، قَالَت: تقيم معي ثَلَاثًا خَالِصَة».
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه، وَهَذَا سِيَاق روايتهما عَن أمِّ سَلمَة: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لما تزوَّجها أَقَامَ عِنْدهَا ثَلَاثًا، قَالَ: إِنَّه لَيْسَ بكِ عَلَى أهلك هوانٌ، إِن شئتِ سَبَّعْتُ لَك، وَإِن سَبَّعْتُ لَك، سَبَّعْتُ لنسائي».
وَفِي رِوَايَة لِابْنِ أبي حَاتِم فِي علله: «وَإِن شئتِ زدتُ فِي مهرك وزدتُ فِي مهورهن».
ثمَّ قَالَ: قَالَ أبي: لَو صَحَّ هَذَا لَكَانَ الزِّيَادَة فِي الْمهْر جَائِزَة.
تَنْبِيه: ظَاهر رِوَايَة النَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه أَنه قَالَ لَهَا ذَلِك بعد الثَّلَاث، وَهُوَ مُخَالف لرِوَايَة مُسلم السالفة، أَنه قَالَ لَهَا ذَلِك عِنْد الصَّباح من أول يَوْمهَا، إِلَّا أَن يُحمل عَلَى الصَّباح بعد اللَّيْلَة الثَّالِثَة.
تَنْبِيه آخر: أنكر الرَّافِعِيّ عَلَى الغزاليِّ؛ حَيْثُ قَالَ فِي وجيزه: قَالَ رَسُول: «وَقد التمست أم سَلمَة....» إِلَى آخِره، فَإِن قَالَ: هَذَا يُشعر بِتَقْدِيم التمَاس أم سَلمَة عَلَى تخييره عَلَيْهِ السَّلَام إِيَّاهَا، وَكَذَلِكَ نَقَلَ الإمامُ، قَالَ: وَلَا تَصْرِيح بذلك فِي كتب الحَدِيث، قَالَ: وَاللَّفْظ فِي سنَن أبي دَاوُد السجسْتانِي صريحٌ فِي أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ هُوَ الَّذِي خيَّرها بَين ذَلِك، ثمَّ ذكره الرافعيُّ بِلَفْظ أبي دَاوُد. لَكِن فِي صَحِيح مُسلم تَقْدِيم التماسها عَلَى إِقَامَتهَا عِنْده، إذْ فِيهِ من حَدِيث أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين تزوَّج أُمَّ سَلمَة، فَدخل عَلَيْهَا، فَأَرَادَ أَن يخرج؛ فأخذتْ بِثَوْبِهِ، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن شئتِ زدتك وحاسبْتُك بِهِ، للبكْر: سبع، وللثيب: ثَلَاث». فأخْذُها بِثَوْبِهِ فِيهِ طلبُهَا لإقامته عِنْدهَا.
وَفِي مُسْتَدْرك الْحَاكِم: «أَنَّهَا أخذتْ بِثَوْبِهِ مَانِعَة من الْخُرُوج من بَيتهَا، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: إِن شئتِ...» الحديثَ.
ثمَّ قَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم.
وَقد نبَّه عَلَى ذَلِك الرافعيُّ فِي تَنْبِيه فَقَالَ: لَيْسَ فِي الرِّوَايَات تصريحٌ بِمَا قَالَه الغزاليُّ، قَالَ: لَكِن رَوَى بَعضهم: «أَنه لما أَرَادَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يخرج أخذتْ بِثَوْبِهِ، فَقَالَ: إنْ شئتِ زدتُكِ وحاسبتُك بِهِ».
قَالَ الرَّافِعِيّ: ونُقِل: «أَن أُمَّ سَلمَة اختارتْ الاقتصارَ عَلَى الثَّلَاث».
قلت: هَذَا صَحِيح، كَمَا سلف مِنْ عِنْد مُسلم، وَكَانَ يَنْبَغِي للرافعي أَن يجْزم بِهِ.

.الحديث التَّاسِع:

«أَن سَوْدَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها لمَّا كَبُرَتْ جعلتْ يَوْمهَا لعَائِشَة، وَكَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يُقَسِّمُ لَهَا يَوْمهَا وَيَوْم سَوْدَة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا كَذَلِك، من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها وَقد سلف فِي الحَدِيث الْخَامِس عَن رِوَايَة البُخَارِيّ بِطُولِهِ.
وَذكره الشَّافِعِي فِي الأُمِّ مُرْسلا، فَقَالَ: أَنا ابْن عُيَيْنَة، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه: «أَن سَوْدَة وهبتْ يَوْمهَا لعَائِشَة».
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد وَصله عقبةُ بْنُ خَالِد فَذكر عائشةَ، وَوَقع فِي رِوَايَة إِمَام الْحَرَمَيْنِ والقاضى الحسينِ: «أَنَّهَا قَالَت لَهُ بعد أَن طَلقهَا وَاحِدَة: راجِعْنِي».
وَهَذِه رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث هِشَام عَن أَبِيه: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام طلَّق سودةَ، فلمَّا خرج إِلَى الصَّلَاة أمسكتْهُ بِثَوْبِهِ، فقالتْ: مَا لي فِي الرِّجال حَاجَة، وَلَكِنِّي أُرِيد أَن أُحْشَرَ فِي أَزوَاجك، قَالَ: فراجَعَهَا، وَجعل يَوْمهَا لعَائِشَة فَكَانَ يِقَسْم لَهَا بيومها وَيَوْم سَوْدَة» وَهَذَا مَعَ إرْسَاله، فِيهِ أَحْمد العطاردي، وَهُوَ مِمَّن اخْتلف فِيهِ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَا بَأْس بِهِ، وَقَالَ ابْن عدي: رَأَيْتهمْ مُجْمِعِينَ عَلَى ضعفه، وَقَالَ مطين: كَانَ يكذب.

.الحديث العَاشِر:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم هَمَّ بِطَلَاق سَوْدَة؛ فوهبتْ يَوْمهَا لعَائِشَة».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه من حَدِيث: عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة قَالَت: «لقد قَالَت سودةُ بنْتُ زَمعَة حِين أسَنَّتْ وَفرقت أَن يفارقها رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا رَسُول الله، يومي لعَائِشَة. فَقَبِلَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك مِنْهَا. قَالَت: نقُول: فِي ذَلِك أُنْزِلَ وَإِن امْرَأَة خَافت من بَعْلهَا نُشُوزًا». وَذكره مرَّةً مُرْسلا، وَأعله ابْنُ الْقطَّان بابْنِ أبي الزِّنَاد.
وَفِي التِّرْمِذِيّ وَقَالَ: حسن غَرِيب، من حَدِيث ابْن عَبَّاس قَالَ: «خشيتْ سودةُ أَن يُطَلِّقها رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَت يَا رَسُول الله: لَا تطلِّقْني، وأمسِكْني، واجعلْ يومي لعَائِشَة، فَفَعَلَ».
وَفِي الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي دَاوُد أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس: «خشيتْ أَن يطلِّقها ففعلتْ ذَلِك».

.الحديث الحادى عشر:

صحَّ عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا أَرَادَ سَفَرًا أَقرع بَين أَزوَاجه، فأيتهن خرج سهمها خرج بهَا».
هُوَ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيّ، فقد أخرجه كَذَلِك البخاريُّ فِي صَحِيحه، كَمَا سلف بِطُولِهِ فِي الحَدِيث الْخَامِس.
وَأخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم من حَدِيث الْقَاسِم عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَت:
«كَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَرَادَ سفرا أَقرع بَين نِسَائِهِ، فطارت الْقرعَة لعَائِشَة وَحَفْصَة».
ذكره خَ فِي النِّكَاح، وم فِي الْفَضَائِل.
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَلم يُنْقَل: «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا عَاد يَقْضي». وَلَو كَانَ يقْضِي لأشبه أَن ينْقل مَعَ ذكر سَفَره لمَنْ خرج سهمها.
وَهُوَ كَمَا قَالَ، قَالَ: وَحَكَى بَعضهم وَمِنْهُم أَبُو الْفرج الزاز: أَنه رُوي عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام مَا كَانَ يقْضِي».
قلت: هَذِه غَرِيبَة، لَا يَحْضُرُني مَنْ خَرَّجَهَا بعد الْبَحْث عَنْهَا، وَكَلَام الرافعى مُؤذن بضعفها حَيْثُ عزاها إِلَى بَعضهم.

.الحديث الثَّانِي عشر:

ورد فِي الْخَبَر: النهْي عَن ضرب الزَّوْجَات.
هَذَا الْخَبَر صَحِيح، رَوَاهُ: أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمْ، وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من رِوَايَة إِيَاس بن عبد الله بن أبي ذُبَاب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لَا تضربوا إِمَاء الله، فجَاء عمرُ إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله، ذئرن النساءُ عَلَى أَزوَاجهنَّ، فَرخص فِي ضربهن، فأطاف بآل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نسَاء كثيرا يَشكونَ أزواجَهُنَّ، لَيْسَ أُولَئِكَ بخياركم».
قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: بلغنَا عَن البُخَارِيّ أَنه قَالَ: لَا يُعْرف لإياسٍ صُحْبة.
قلت: ذكر ابْن أبي حَاتِم فِي كِتَابه عَن أَبِيه وَأبي زُرْعة أَنَّهُمَا قَالَا: لَهُ صُحْبَة، وَكَذَا قَالَ أَبُو عمر فِي استيعابه، وَذكره ابْن حبَان فِي الصَّحَابَة.
نَعَمْ قَالَ ابْن مَنْدَه وَأَبُو نعيم: اخْتلف فِي صحبته، قَالَ الْبَغَوِيّ: وَلَا أعلمهُ رَوَى غير هَذَا الحَدِيث.
تَنْبِيه: مَعْنَى: ذئرن النِّسَاء: اجْتَرَأن ونشزن، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ: لَهُ تَأْوِيلَانِ: أَحدهمَا: البطر والأشرة، وَالثَّانِي: الْبذاء والاستطالة. وَفِي حواشى السّنَن عَن بَعضهم: الذاير: الغياظ عَلَى خَصمه المستعد للشر، وَهُوَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة ثمَّ مثناة تَحت ثمَّ رَاء مُهْملَة.
وَرُوِيَ: ذئرن بالنُّون وبحذفها، وَهُوَ باللغة الْغَالِبَة، وَالْأول لُغَة وَردت فِي الْكتاب والسُّنة وأشعار الْعَرَب.
تَنْبِيه آخر: قَالَ الرَّافِعِيّ: أَشَارَ الإِمَام الشَّافِعِي فِي هَذَا الْخَبَر وَشبهه إِلَى احْتِمَالَيْنِ:
أَحدهمَا: أَنه مَنْسُوخ، إِمَّا بِالْآيَةِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {فاضربوهن} وَإِمَّا بالْخبر. أَي: كآخر هَذَا الْخَبَر، وَبِحَدِيث جَابر الطَّوِيل الثَّابِت فِي مُسلم الَّذِي أسلفناه فِي الْحَج بِكَمَالِهِ: «فاضربوهن ضربا غير مبرِّح».
وَفِي حَدِيث مَكْحُول عَن أم أَيمن: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَوْصَى بعض أهل بَيته...». فَذكر حَدِيثا طَويلا، فِيهِ: «وَلَا ترفع عصاك عَنْهُم».
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: فِي هَذَا إرْسَال، مَكْحُول لم يدْرك أُمَّ أَيمن، قَالَ أَبُو عبيد: فِي هَذَا الحَدِيث: قَالَ الْكسَائي وَغَيره: يُقَال: إِنَّه لم يرد الْعَصَا الَّتِي يضْرب بهَا، وَلَا أَمر أحدا قَط بذلك، وَلكنه أَرَادَ الأدبَ. قَالَ أَبُو عبيد: وأصل العصى: الِاجْتِمَاع والائتلاف.
وَالثَّانِي: حمل النَّهْي عَلَى الْكَرَاهَة، أَو عَلَى أَن الأَوْلى التَّحَرُّز عَنهُ مَا أمكن، وَقَالَ ابْن دَاوُد- من أَصْحَابنَا- فِي شرح الْمُخْتَصر: اخْتلف أَصْحَابنَا فِي أَن إِذْنه عَلَيْهِ السَّلَام فِي الضَّرْب بعد أَن نهَى عَنهُ، ووَرَدَتْ الآيةُ مُوَافقَة لإذنه، فَيكون إِذْنه نَاسِخا لنَهْيه، ثمَّ اسْتحبَّ تركَ الضَّرْب أَو منع مِنْهُ، فَجَاءَت الآيةُ بِالْإِبَاحَةِ، وأمْره موافقٌ لَهَا. وَهَذَا الِاخْتِلَاف مَبْنِيّ عَلَى جَوَاز نسخ الْكتاب بالسُّنَّة.
هَذَا آخِرُ مَا ذكره الرَّافِعِيّ فِيهِ من الْأَحَادِيث. وَذكر فِيهِ أثرا عَن عليّ، وَقد سلف، وأثرًا آخَرَ عَنهُ: «أَنه بعث حكمين، وَقَالَ: تدريان مَا عَلَيْكُمَا؟ إِن رأيتُما أَن تجمعَا فجمعا، وَإِن رأيتُما أَن تفرِّقا ففرِّقا، فَقَالَت الزَّوْجَة: رضيتُ بِمَا فِي كتاب الله تَعَالَى- عليَّ ولي. فَقَالَ الرجل: أما الْفرْقَة فَلَا، قَالَ عليٌّ: كذبتَ، لَا واللَّهِ حَتَّى تقر بمثْل الَّذِي أقرَّت بِهِ».
وَهَذَا الْأَثر صَحِيح، رَوَاهُ الشَّافِعِي فَقَالَ: أبنا الثَّقَفِيّ، عَن أَيُّوب، عَن ابْن سِيرِين، عَن عُبَيْدَة «أَنه قَالَ فِي هَذِه الْآيَة: وَإِن خِفْتُمْ شقَاق بَينهمَا فَابْعَثُوا حكما من أَهله قَالَ: جَاءَ رجل وَامْرَأَة إِلَى عَلّي، وَمَعَ كل وَاحِد مِنْهُمَا فِئَام من النَّاس، فَأَمرهمْ عليٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فبعثوا حكما من أَهله وَحكما من أَهلهَا، ثمَّ قَالَ لِلْحكمَيْنِ: تدريان مَا عَلَيْكُمَا، عَلَيْكُمَا إِن رَأَيْتُمَا أَن تجمِّعا أَن تُجَمِّعَا، وَإِن رَأَيْتُمَا أَن تفَرقا أَن تفَرقا. فَقَالَت الْمَرْأَة: رضيتُ بِكِتَاب الله بِمَا فِيهِ عليَّ ولي، فَقَالَ الرجل: أما الْفرْقَة: فَلَا. فَقَالَ عليٌّ: كذبتَ واللَّهِ حَتَّى تقر بِمثل الَّذِي أقرتْ بِهِ».
وَرَوَاهُ أَيْضا الدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي سنَنه الْكُبْرَى قبيل: إحْيَاء الْموَات، مَعَ تخالفٍ فِي لفظٍ يسيرٍ.

.كتاب الخُلْع:

كتاب الخُلْع:
ذكر فِيهِ حَدِيثا وَاحِدًا، وآثارًا:

.أمَّا الحَدِيث:

فَهُوَ مَا رَوَاهُ ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «جَاءَت امرأةُ ثابتِ بْنِ قيس بن شماس إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: يَا رَسُول الله، مَا أَنْقم عَلَى ثَابت فِي دِيْنٍ وَلَا خُلُق، إِلَّا أَنِّي أخافُ الكفرَ. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: تَرُدِّينَ عَلَيْهِ حديقته؟ فَقَالَت: نعم، فردَّتْ عَلَيْهِ، وأَمَرَه أَن يفارقها». ويُرْوى: «أَنه كَانَ أصدقهَا تِلْكَ الحديقة، فخالعها عَلَيْهَا». وَيُقَال: إِنَّه أوَّل خُلْع جَرَى فِي الْإِسْلَام.
وَهُوَ حَدِيث صَحِيح، أخرجه البخارى فِي صَحِيحه عَن ابْن عَبَّاس: «أَن امرأةَ ثَابت بن قيس أتتْ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، فقالتْ: يَا رَسُول الله، ثَابت بن قيس مَا أَعتب عَلَيْهِ فِي دِيْنٍ وَلَا خُلق، وَلَكِنِّي أكره الكفرَ فِي الْإِسْلَام؟ فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: أتردِّين عَلَيْهِ حديقته؟ قَالَت: نعم، قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: اقْبَلِ الحديقةَ، ورُدَّهَا تَطْلِيقَة». وَفِي لفظ آخر: «أتردِّين عَلَيْهِ حديقته؟ قَالَت: نعم. فَرُدَّتْ لَهُ، وَأمره ففارقها». وَفِي أوَّله: «وَلَكِنِّي أَخَاف الكفرَ» بدل «أكره الكفرَ». وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن عِكْرِمَة: «أَن جميلَة...» فَذكر الحديثَ.
وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد من حَدِيث عمْرَة، عَن عَائِشَة: «أَن حَبِيبَة بنت سهل كَانَت عِنْد ثَابت بن قيس بن شماس، فضربها، فَكسر بَعْضهَا، فأتَتِ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد الصُّبْح، فَدَعَا النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَابتا، فَقَالَ: خُذْ بعض مالِهَا وفارقْها. فَقَالَ: ويصلح ذَلِك يَا رَسُول الله؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ: إِنِّي أصدقْتُهَا حديقتين وهُمَا بِيَدِهَا، فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: خُذْهُمَا وفارقْها. فَفعل».
وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده من حَدِيث ابْن أبي حثْمَة وَفِيه: أَن اسْمهَا حَبِيبَة بنت سهل. وَفِي آخِره: «وَكَانَ ذَلِك أول خُلْع فِي الْإِسْلَام».
وَقد أوضحتُ طُرُقَ هَذَا الحَدِيث فِي اخْتِلَاف اسْمهَا وغَيْرَ ذَلِك فِي تخريجى لأحاديث المهذَّب، فراجِعْهُ مِنْهُ.
وَذكر عبد الرَّزَّاق عَن معمر قَالَ: بَلغنِي «أَنَّهَا قَالَت للنبيِّ فيَّ مِنَ الجَمَال مَا تَرَى، وثابتٌ رجل دميم».
وَفِي الْمعرفَة لأبي نعيم قَالَت: «وَلَوْلَا مَخَافَة الله لبزقتُ فِي وَجهه». وَفِي آخِره: «قَالَ: وَكَانَ ذَلِك أول خُلْعٍ كَانَ فِي الْإِسْلَام».
قَالَ الرَّافِعِيّ: ويُحْكى «أَن ثَابتا كَانَ ضرب زَوجته، وَلذَلِك افتدت».
قلت: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، كَمَا سلف.

.وأمَّا الْآثَار فِيهِ:

قَالَ الرَّافِعِيّ: ويُرْوى عَن: عُمر، وَعُثْمَان، وعليّ، وَابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم: «أَن الخُلْع طَلَاق».
ويُرْوى عَن: ابْن عُمر وَابْن عَبَّاس: «أَنه فسْخٌ، لَا ينقص عددا». ثمَّ حَكَى عَن ابْن خُزَيْمَة أَنه قَالَ: لَا يثبت عَن أَحْمد أَنه طَلَاق، وَعَن ابْن الْمُنْذر: أَن الرِّوَايَة عَن عُثْمَان ضَعِيفَة، وَأَنه لَيْسَ فِي الْبَاب أصح من حَدِيث ابْن عَبَّاس، وَحَكَى غيرُه اخْتِلَاف الرِّوَايَة عَن عُثْمَان فِي الْمَسْأَلَة، وَقَالَ فِي تذنيبه: إِمَّا أَنه مَذْهَب عُمر فَلم أجد لَهُ إِسْنَادًا، وَإِمَّا أَنه عَن عُثْمَان فَرَوَاهُ الشافعيُّ عَن مَالك، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن جمْهَان مولَى الأسلميين عَن أُمِّ بكرَة الأسْلَمِيَّة «أَنَّهَا اختلعتْ من زَوجهَا، ثمَّ أَتَيَا عثمانَ فِي ذَلِك، فَقَالَ: هِيَ تَطْلِيقَة، إِلَّا أَن تكون سمَّت شَيْئا فَهُوَ مَا سمَّت».
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: قد رُوي أَنه طَلَاق فِي حديثٍ مسندٍ لم يثبت إِسْنَاده، قَالَ: ورُوي فِيهِ عَن: عَلّي وَابْن مَسْعُود.
قَالَ ابْن الْمُنْذر: وضعَّف الإِمَام أحمدُ حديثَ عُثْمَان، وحديثَ عليّ، وَابْن مَسْعُود، وَفِي إسنادهما مقَال، وَلَيْسَ فِي الْبَاب أصح من حَدِيث طَاوس عَن ابْن عَبَّاس: «إِن الخُلْع لَيْسَ بطلاقٍ».
قلت: أمَّا أثر عمر: فَلم يحضرني مَنْ أخرجه بعد الْبَحْث عَنهُ، وَأما أثر عُثْمَان: فقد عَلمته من حَدِيث مَالك، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن جمْهَان، عَن أُمِّ بكرَة الأسْلَمِيَّة: كَانَت عِنْد عَبْدِ الله بْنِ أسيد، فاختلعتْ مِنْهُ، فارتفعا إِلَى عثمانَ بْنِ عَفَّان، وَأَجَازَ ذَلِك وَقَالَ: هِيَ وَاحِدَة، إِلَّا أَن تكون سمت فَهُوَ عَلَى مَا سمت. وَقد تقدم تَضْعِيف أَحْمد لَهُ.
وَأما أثر عليٍّ، فَقَالَ ابْن حزم: إِنَّه رُوي عَنهُ من طريقٍ لَا يَصح.
وَأما أثر ابْن مَسْعُود، فَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن عليّ بن هَاشم، عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن طَلْحَة بن مصرف، عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، عَن عَلْقَمَة، عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: «لَا تكون طَلْقَة بَائِنَة إِلَّا فِي فديَة أَو إِيلَاء».
وَابْن أبي لَيْلَى سيئ الْحِفْظ.
وَأما أثر ابْن عمر: فَرَوَاهُ ابْن حزم من حَدِيث اللَّيْث بن سعد، عَن نَافِع مولَى ابْن عمر أَنه سمع رُبَيِّعَ بنْتَ معوِّذ بن عفراء- وَهِي تخبر عبد الله بن عُمر-: «أَنَّهَا اختلعتْ من زَوجهَا عَلَى عهْد عُثْمَان بن عَفَّان، فخاصمها إِلَى عُثْمَان، فَقَالَ: إِن ابْنة معوذ اختلعتْ مِنْ زَوجهَا الْيَوْم، أفتنتقل؟ فَقَالَ عُثْمَان: لتنتقلْ، وَلَا مِيرَاث بَينهمَا، وَلَا عدَّة عَلَيْهَا، إِلَّا أَنَّهَا لَا تنْكح حَتَّى تحيض حَيْضَة خشيَة أَن يكون فِيهَا حمْل، فَقَالَ عبد الله بن عمر فعثمان خيرنا وأعلمُنا».
وَأما أثر ابْن عَبَّاس: فسلف بَيَانه، وَقَول ابْن الْمُنْذر فِيهِ: إِنَّه أصح مَا فِي الْبَاب.
وَرَوَاهُ أَحْمد، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن سُفْيَان، عَن عَمرو، عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: «الخُلْع تَفْرِيق، وَلَيْسَ بِطَلَاق».

.كتاب الطَّلَاق:

كتاب الطَّلَاق:
ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا:

.أما الْأَحَادِيث:

فستة وَعِشْرُونَ حَدِيثا:

.الحديث الأول:

رُوي أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «أبْغَضُ الْمُبَاح إِلَى الله الطَّلَاق».
هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طَرِيق ابْن عُمر، وَمن طَرِيق معَاذ، بِلَفْظ: «الْحَلَال» بدل «الْمُبَاح».
أما طَرِيق ابْن عمر: فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن كثير بن عبيد، عَن مُحَمَّد بن خَالِد، عَن معرف بن وَاصل، عَن محَارب بن دثار الْكُوفِي، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا: «أبْغض الحلالِ إِلَى الله الطَّلَاق».
رَوَاهُ ابْن مَاجَه بالسند الْمَذْكُور، إِلَّا أَنه قَالَ: عَن عبيد الله بن الْوَلِيد الْوَصَّافِي بدل: معرِّف بن وَاصل.
وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه عَن مُحَمَّد بن بَالَوَيْهِ، عَن مُحَمَّد بن عُثْمَان بن أبي شيبَة، عَن أَحْمد بن يُونُس، عَن معرف بن وَاصل، عَن محَارب بن دثار، عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «مَا أحلَّ الله شَيْئا أبْغض إِلَيْهِ مِنَ الطَّلَاق».
ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي مُخْتَصر الْمُسْتَدْرك: إِنَّهَا عَلَى شَرط مُسلم، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مرَّةً بِإِسْقَاط ابْن عُمر؛ رَوَاهُ عَن أَحْمد بن يُونُس، عَن معرِّف، عَن محَارب بن دثار، عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم؛ فَذكره بِلَفْظ رِوَايَة الْحَاكِم.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث يَحْيَى بن بكير، ثَنَا معرف بن وَاصل، حَدثنِي محَارب بن دثار قَالَ: «تزوَّج رجل عَلَى عهْده عَلَيْهِ السَّلَام امْرَأَة فَطلقهَا. فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام: أتزوجتَ؟ قَالَ: نعم. قَالَ: ثمَّ مَاذَا؟ قَالَ: طلقتَ؟ قَالَ: أمِنْ ريبةٍ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: قد يفعل ذَلِك الرجل. قَالَ: ثمَّ تزوَّج امْرَأَة أُخْرَى فَطلقهَا. فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام مِثْلَ ذَلِك». قَالَ محَارب: فَمَا أَدْرِي أعِنْدَ هَذَا أَو عِنْد الثَّالِثَة قَالَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام: «إِنَّه لَيْسَ شَيْء من الْحَلَال أبْغض إِلَى الله من الطَّلَاق».
وَهَذَا مُرْسل كَمَا ترَى، وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَن حَدِيث ابْن عمر هَذَا، فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ عَن محَارب عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مُرْسل، وَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله: إِن الْمُرْسل أشبه، وَقَالَ المنذريُّ: إِن الْمَشْهُور فِي هَذَا الحَدِيث أَنه مُرْسل، قَالَ: وَهُوَ غَرِيب، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي رِوَايَة ابْن أبي شبية- يَعْنِي: مُحَمَّد بن عُثْمَان- يَعْنِي: السالفة الموصولة-: وَلَا أرَاهُ يحفظه.
قلت: قد صَححهُ الْحَاكِم، كَمَا سلف، وَقد أيده رِوَايَة مُحَمَّد بن خَالِد الموصولة السالفة عَن أبي دَاوُد، وَرِوَايَة ابْن مَاجَه من طريقٍ آخر سلفتْ أَيْضا، فترجَّحَتْ إِذا، وأعلَّ ابْن الْجَوْزِيّ فِي علله طَرِيق الْوَصَّافِي، فَذكره من طَرِيقه، ثمَّ قَالَ: حَدِيث لَا يَصح؛ لأجْل الْوَصَّافِي هَذَا. قَالَ النَّسَائِيّ وَغَيره: مَتْرُوك. وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي كتاب الْمَجْرُوحين من هَذِه الطَّرِيق، وَقَالَ: عبيد الله بن الْوَلِيد الْوَصَّافِي هَذَا مُنكر الحَدِيث جدًّا، يَرْوي عَن الثِّقَات بِمَا لَا يشبه حَدِيث الْأَثْبَات، حَتَّى إِذا سَمعه المستمع سَبَقَ إِلَى قلبه أَنه كالمعتمد لَهَا، وَاسْتحق التركَ، وكتبنا عَنهُ نُسْخَة كلهَا مَقْلُوبَة.
وَأما طَرِيق معَاذ: فَأخْرجهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن سِنِين ثَنَا عُمر بن إِبْرَاهِيم بن خَالِد، ثَنَا حميد بن مَالك اللَّخْمِيّ، ثَنَا مَكْحُول، عَن مَالك بن يخَامر، عَن معَاذ مَرْفُوعا: «مَا أحلَّ الله شَيْئا أبْغض إِلَيْهِ مِنَ الطَّلَاق، فَمَنْ طلق وَاسْتَثْنَى فَلهُ ثنياه» وَحميد هَذَا ضعفه يَحْيَى وَأَبُو زرْعَة وغيرُهما، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَا أعلم رَوَى عَنهُ غير إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، ثمَّ ذكر لَهُ هَذَا الحَدِيث، وَأعله ابْن الْقطَّان بعمر بن إِبْرَاهِيم بن خَالِد وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن سِنِين، وَقَالَ: إنَّهُمَا مَجْهُولَانِ.
قلت: إِسْحَاق هُوَ الْخُتلِي صَاحب الديباج، قَالَ الْحَاكِم: لَيْسَ بالقويّ، وَقَالَ مَرَّةً: ضَعِيف، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَيْسَ بالقويّ.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن حميد بن مَالك اللَّخْمِيّ، عَن مَكْحُول، عَن معَاذ مَرْفُوعا: «يَا معَاذ، مَا خَلَقَ الله تَعَالَى شَيْئا عَلَى وَجه الأَرْض أحبَّ إِلَيْهِ من الْعتاق، وَلَا خلق الله تَعَالَى عَلَى وَجه الأَرْض أبْغض إِلَيْهِ من الطَّلَاق، فَإِذا قَالَ الرجل لمملوكه: أَنْت حُرٌّ- إِن شَاءَ الله- فَهُوَ حُرٌّ، وَلَا اسْتثِْنَاء لَهُ، وَإِذا قَالَ الرجل لامْرَأَته: أنتِ طَالِق- إِن شَاءَ الله- فَلهُ اسْتِثْنَاؤُهُ، وَلَا طَلَاق عَلَيْهِ».

.الحديث الثَّانِي:

قَالَ الله تَعَالَى: {فطلقوهن لعدتهن} أَي: للْوَقْت الَّذِي يشرعن فِي الْعدة، ورُوي عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «أَنه قَرَأَ {لقبل عدتهن}» وتكلَّموا فِي أَنه قراءةٌ أَو تفسيرٌ.
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه مُسلم من حَدِيث ابْن عُمر: «أَنه طلَّق امْرَأَته وَهِي حَائِض، تَطْلِيقَة وَاحِدَة؛ فَأمره رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُرَاجِعهَا، ثمَّ يمْسِكهَا حَتَّى تطهر، ثمَّ تحيض عِنْده حَيْضَة أُخْرَى، ثمَّ يُمْهِلهَا حَتَّى تطهر مِنْ حَيْضهَا، فَإِن أَرَادَ أَن يطلقهَا فَلْيُطَلِّقهَا حِين تطهر مِنْ قَبْل أَن يُجَامِعهَا؛ فَتلك الْعدة الَّتِي أَمر الله أَن تُطَلَّق لَهَا النِّسَاء».
وَفِي رِوَايَة لَهُ: قَالَ ابْن عُمر: «وَقَرَأَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: {يَا أَيهَا النَّبِي إِذا طلّقْتُم النِّسَاء فطلقوهن فِي قبل عدتهن}».
وَفِي رِوَايَة لَهُ: «فراجِعْهَا، وحُسِبَتْ لَهُ الطَّلقَة الَّتِي طَلقهَا».
وَفِي أُخْرَى لَهُ: «مُرْهُ، فليراجِعهَا، ثمَّ ليطلقْهَا طَاهِرا أَو حَامِلا».
وَفِي أُخْرَى لَهُ: «مره فَلْيُرَاجِعهَا ثمَّ إّذا طهرت فَلْيُطَلِّقهَا».
قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَى هَذَا الحديثَ جماعاتٌ عَن ابْن عُمر: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أمره أَن يُرَاجِعهَا حَتَّى تطهر، ثمَّ إِن شَاءَ أمسك، وَإِن شَاءَ طلق».
وَفِي أُخْرَى لَهُ: «قَالَ ابْن عمر: فردَّها عليَّ، وَلم يرهَا شَيْئا».
قَالَ أَبُو دَاوُد: والْأَحَادِيث كلهَا عَلَى خلاف هَذَا.

.الحديث الثَّالِث:

«أَن ابْن عمر طلَّق امْرَأَته وَهِي حَائِض، فَسَأَلَ عمر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك، فَقَالَ: مُرْهُ، فليراجِعْهَا، ثمَّ ليُمسكْهَا حَتَّى تطهر ثمَّ تحيض ثمَّ تطهر ثمَّ إِن شَاءَ أمسك، وَإِن شَاءَ طلق، فَتلك الْعدة الَّتِي أَمر الله أَن تُطلَّق لَهَا النِّسَاء».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَقد سلف بِطُولِهِ كَمَا ترَاهُ.
وَرَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه، وَهَذَا لَفظه: عَن ابْن عمر: «أَنه طلق امْرَأَته وَهِي حَائِض عَلَى عَهْدِ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَسَأَلَ عمرُ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك، فَقَالَ: مُرْهُ فليراجِعْهَا، ثمَّ ليُمْسِكْهَا حَتَّى تطهر، ثمَّ تحيض، ثمَّ تطهر، ثمَّ إِن شَاءَ أمسك بعد، وَإِن شَاءَ طلق قبل أَن يمس، فَتلك الْعدة الَّتِي أَمر الله أَن تطلق لَهَا النِّسَاء».
وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أَنه طلَّق امْرَأَته تَطْلِيقَة وَاحِدَة، فَأمره رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُرَاجِعهَا، ثمَّ يمْسِكهَا حَتَّى تطهر، ثمَّ تحيض عِنْده حَيْضَة أُخْرَى، ثمَّ يمْسِكهَا حَتَّى تطهر مِنْ حَيْضهَا، فَإِن أَرَادَ أَن يطلقهَا فَلْيُطَلِّقهَا حِين تطهر، مِنْ قَبْلِ أَن يُجَامِعهَا، فَتلك الْعدة الَّتِي أَمر الله أَن تُطلق لَهَا النِّسَاء».
فَائِدَة: اسْم هَذِه الْمُطلقَة: آمِنَة بنت غفار. قَالَه ابْن باطيش، وَفِي مُسْند أَحْمد من حَدِيث نَافِع: «أَن عمر قَالَ: يَا رَسُول الله، إِن عبد الله طلق امْرَأَته النوار وَهِي حَائِض...» الحديثَ.
فَائِدَة أُخْرَى: رَوَى قَاسم بن أصبغ: «أَن ابْن عمر طلَّق امْرَأَته وَهِي حَائِض، فَأمره عَلَيْهِ السَّلَام أَن يُرَاجِعهَا، فَإِذا طهرت مَسهَا، حَتَّى إِذا طهرت مرّة أُخْرَى؛ فَإِن شَاءَ طلق، وَإِن شَاءَ أمسك».
وَفِي هَذَا زِيَادَة: «مَسهَا» فِي الطُّهْر الأول.
وَأعله عبد الْحق بمعلى بن عبد الرَّحْمَن الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده، قَالَ أَبُو حَاتِم: ضَعِيف، وَقَالَ غَيره: مَتْرُوك.
وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عمر: «أَنه طلق امْرَأَته ثَلَاثًا، فردَّها عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى السُّنَّة». وَهِي رِوَايَة مُنكرَة قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: كلُّ رُوَاته شيعَة ويبطله مَا فِي الصَّحِيح مِنْ أَنه طلَّق وَاحِدَة.
وَفِي رِوَايَة لَهُ من حَدِيث: مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى الصَّنْعَانِيّ، ثَنَا مُعْتَمر بن سُلَيْمَان قَالَ: سمعتُ عبيد الله، عَن نَافِع، عَن ابْن عُمر «مُرْ عَبْدَ الله فليراجِعْها، فَإِذا اغتسلتْ فليتركْهَا حَتَّى تحيض، فَإِذا اغتسلتْ من حَيْضَتهَا فَلَا يَمَسهَا حَتَّى يطلقهَا، فَإِن شَاءَ أَن يمْسِكهَا فليمسكْهَا فَإِنَّهَا الْعدة التي أَمر الله أَن تطلق لَهَا النِّسَاء».
وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح. وَذكر الْغسْل غَرِيب.