فصل: وَأما آثاره:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا مرَّ الْمَار بَين يَدي أحدكُم وَهُوَ فِي الصَّلَاة فليدفعه، فَإِن أَبَى فليدفعه، فَإِن أَبَى فليقاتله؛ فَإِنَّهُ شَيْطَان».
هَذَا الحَدِيث ثَابت هَكَذَا فِي النّسخ الصَّحِيحَة من الرَّافِعِيّ، وَفِي بعض نسخه تكْرَار «فليدفعه» مرّة ثَالِثَة، وَهُوَ غَرِيب كَذَلِك وَالثَّابِت الأول. فَفِي صَحِيح البُخَارِيّ فِي بَاب: صفة إِبْلِيس وَجُنُوده من كتاب: بَدْء الْخلق، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِذا مر بَين يَدي أحدكُم شَيْء وَهُوَ يُصَلِّي فليمنعه، فَإِن أَبَى فليمنعه، فَإِن أَبَى فليقاتله؛ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَان».
وَرَوَاهُ مُسلم بِدُونِ تكْرَار «فيمنعه»، وَكَذَا رَوَاهُ البُخَارِيّ مرّة أُخْرَى كَمَا عزاهُ إِلَيْهِ الرَّافِعِيّ كَمَا ستعلمه عَلَى الإثر وَالله أعلم.

.الحديث الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ:

عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِذا صَلَّى أحدكُم إِلَى شَيْء يستره من النَّاس، فَأَرَادَ أحد أَن يجتاز بَين يَدَيْهِ فليدفعه فَإِن أَبَى فليقاتله؛ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَان».
قَالَ الرَّافِعِيّ: رَوَى هَذَا الحَدِيث البُخَارِيّ فِي صَحِيحه وَهُوَ كَمَا قَالَ وَقد رَوَاهُ مُسلم أَيْضا. وَقَالَ الرَّافِعِيّ فِي «تذنيبه»: رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم عَن مَالك، عَن زيد بن أسلم، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، عَن أَبِيه.

.الحديث التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ:

عَن أبي هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا صَلَّى أحدكُم فليجعل تِلْقَاء وَجهه شَيْئا، فَإِن لم يجد فلينصب عَصا، فَإِن لم يكن مَعَه عَصا فليخطَّ خطًّا ثمَّ لَا يضرّهُ مَا مر بَين يَدَيْهِ».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم، وَأحمد فِي الْمسند، وَأَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه فِي سنَنَيْهِمَا، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه، وَالْبَيْهَقِيّ فِي كِتَابيه الْمعرفَة والسّنَن من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة، رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة، عَن أبي مُحَمَّد بن عَمْرو بن حُرَيْث، عَن جده حُرَيْث، عَن أبي هُرَيْرَة، وَرَوَاهُ أَحْمد، عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة بِهِ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، عَن مُسَدّد، عَن بشر بن الْمفضل، عَن إِسْمَاعِيل. وَرَوَاهُ أَيْضا عَن مُحَمَّد بن فَارس، عَن عَلّي بن الْمَدِينِيّ عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة بِهِ. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه عَن بكر بن خلف عَن حميد بن الْأسود وعَن عمار بن خَالِد، عَن سُفْيَان بِهِ. وَرَوَاهُ ابْن حبَان، عَن أبي يعْلى، عَن أبي خَيْثَمَة عَن سُفْيَان عَن إِسْمَاعِيل بِهِ. وَرَوَاهُ أَيْضا عَن أبي يعْلى، عَن مُحَمَّد بن الصَّباح الدُّولابي، عَن مُسلم بن خَالِد، عَن إِسْمَاعِيل ابْن أُميَّة عَن أبي مُحَمَّد بن عَمْرو بن حُرَيْث، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن أبي هُرَيْرَة. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن أبي سعيد، عَن أبي بَحر، عَن بشر بن مُوسَى، عَن الْحميدِي، عَن سُفْيَان كَمَا سلف.
وَاخْتلف الْحفاظ فِي هَذَا الحَدِيث: فصححه جمَاعَة مِنْهُم أَحْمد وَعلي بن الْمَدِينِيّ نَقله عَنْهُمَا ابْن عبد الْبر فِي استذكاره وَعبد الْحق فِي أَحْكَامه، وَمِنْهُم أَبُو حَاتِم بن حبَّان؛ فَإِنَّهُ أخرجه فِي صَحِيحه كَمَا سلف ثمَّ قَالَ: عَمْرو بن حُرَيْث هَذَا شيخ من أهل الْمَدِينَة رَوَى عَنهُ سعيد المَقْبُري، وَابْنه أَبُو مُحَمَّد يروي عَن جده. قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا بِعَمْرو بن حُرَيْث المَخْزُومِي ذَاك لَهُ صُحْبَة، وَهَذَا عَمْرو بن حُرَيْث بن عمَارَة من بني عذرة سمع أَبُو مُحَمَّد عَمْرو بن حُرَيْث جدَّهُ حُرَيْث بن عمَارَة، عَن أبي هُرَيْرَة، وَذكره أَيْضا فِي ثقاته فَقَالَ: عَمْرو بن حُرَيْث المَخْزُومِي الَّذِي رَوَى عَن ابْن عَبَّاس وَأبي هُرَيْرَة وَرَوَى عَنهُ سعيد بن سعيد المَقْبُري وَأهل مصر. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله: رَفعه صَحِيح، قَالَ ذَلِك بعد أَن ذكر الِاخْتِلَاف فِي إِسْنَاده وَفِي أَحْكَام عبد الْحق وإقليد ابْن الفركاح عَنهُ أَنه رَوَى حَدِيث الصَّلَاة إِلَى الْخط عَن أبي هُرَيْرَة من طرق؛ وَلَا تصح وَلَا تثبت.
قلت: وَضَعفه آخَرُونَ. رَوَى أَبُو دَاوُد فِي سنَنه عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ: لم نجد شَيْئا نَشد بِهِ هَذَا الحَدِيث، ولم يجِئ إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وَقَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: قلت لِسُفْيَان: إِنَّهُم يَخْتَلِفُونَ فِيهِ بَعضهم يَقُول: أَبُو عَمْرو بن مُحَمَّد، وَبَعْضهمْ يَقُول: أَبُو مُحَمَّد بن عَمْرو فتفكَّر سُفْيَان سَاعَة، ثمَّ قَالَ: مَا أحفظ إِلَّا أَبَا مُحَمَّد بن عَمْرو. قلت لِسُفْيَان: وَابْن جريج يَقُول: أَبُو مُحَمَّد بن عَمْرو فَسكت سُفْيَان سَاعَة، ثمَّ قَالَ: قدم هُنَا رجل بعد مَا مَاتَ إِسْمَاعِيل بن أُميَّة، فَطلب هَذَا الشَّيْخ أَبَا مُحَمَّد حَتَّى وجده فَسَأَلَهُ عَنهُ فخلط عَلَيْهِ. قَالَ سُفْيَان: وَكَانَ إِسْمَاعِيل إِذا حدث بِهَذَا الحَدِيث يَقُول: عنْدكُمْ شَيْء تشدونه بِهِ وَأَشَارَ الإِمَام الشَّافِعِي إِلَى ضعفه وَقد كَانَ احْتج بِهِ فِي الْقَدِيم وَسنَن حَرْمَلَة، وَتوقف فِيهِ فِي الْجَدِيد فَقَالَ فِي كتاب الْبُوَيْطِيّ: وَلَا يخط المصلِّي بَين يَدَيْهِ خطًّا، إِلَّا أَن يكون فِي ذَلِك حَدِيث ثَابت، فَيتبع. فَكَأَنَّهُ اطلع بعد ذَلِك عَلَى مَا نقل من الِاخْتِلَاف في إِسْنَاده. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الحَدِيث قد أَخذ بِهِ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم، وَسنَن حَرْمَلَة، وَتوقف فِيهِ فِي الْجَدِيد. قَالَ: وَإِنَّمَا توقف فِيهِ لاخْتِلَاف الروَاة عَلَى إِسْمَاعِيل بن أُميَّة فِي أبي مُحَمَّد بن عَمْرو بن حُرَيْث؛ فَقيل هَكَذَا، وَقيل: عَن أبي عَمْرو بن مُحَمَّد بن حُرَيْث، عَن جده، وَقيل: عَن أبي عَمْرو بن حُرَيْث، عَن أَبِيه، وَقيل غير ذَلِك.
وَقَالَ عبد الْحق فِي أَحْكَامه: صحّح أَحْمد بن حَنْبَل وَعلي بن الْمَدِينِيّ هَذَا الحَدِيث، وضعَّفه غَيرهمَا من أجْلِ رِوَايَة أبي عَمْرو بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حُرَيْث، وَيُقَال: أَبُو مُحَمَّد بدل أبي عَمْرو، عَن جده حُرَيْث، وَلم يقل مَالك وَلَا أَبُو حنيفَة وَلَا اللَّيْث بالخطِّ، ثمَّ نقل مقَالَة الدَّارَقُطْنِيّ السالفة عَنهُ، ولما ذكر ابْن الصَّلاح فِي علومه نوع المضطرب وَقَالَ: إِنَّه مُوجب ضعف الحَدِيث؛ لإشعاره بِعَدَمِ الضَّبْط، مَثَّلَهُ بِالْحَدِيثِ، وَقَالَ: رَوَاهُ عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة، عَن عَمْرو بن مُحَمَّد بن حُرَيْث، عَن جده حُرَيْث، عَن أبي هُرَيْرَة. فَرَوَاهُ بشر بن الْمفضل وروح بن الْقَاسِم، عَن إِسْمَاعِيل هَكَذَا، وَرَوَاهُ سُفْيَان الثَّوْريّ عَنهُ، عَن أبي عَمْرو بن حُرَيْث، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة.
وَرَوَاهُ حميد بن الْأسود عَن إِسْمَاعِيل، عَن أبي عَمْرو مُحَمَّد بن حُرَيْث بن سليم، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة. وَرَوَاهُ وهيب وَعبد الْوَارِث، عَن إِسْمَاعِيل، عَن أبي عَمْرو بن حُرَيْث، عَن جدِّه حُرَيْث. وَقَالَ عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج: سمع إِسْمَاعِيل عَن حُرَيْث بن عمَارَة. قَالَ: وَفِيه من الِاضْطِرَاب أَكثر من هَذَا.
قلت: من صحَّحه كَأَنَّهُ لم ير هَذَا الِاضْطِرَاب قادحًا. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي علله: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا «إِذا صَلَّى أحدكُم فَليصل إِلَى شَجَرَة، أَو إِلَى بعير، فَإِن لم يجد، فليخط خطا، ثمَّ لَا يضرّهُ من مر وَرَاءه».
قَالَ: وَرَوَى أَيْضا مَوْقُوفا عَلَى أبي هُرَيْرَة، والْحَدِيث لَا يثبت. وَضَعفه من الْمُتَأَخِّرين النَّوَوِيّ فَقَالَ فِي شرح المهذَّب: هَذَا الحَدِيث قَالَ فِيهِ الْبَغَوِيّ وَغَيره: إِنَّه ضَعِيف، ثمَّ نقل كَلَام الْبَيْهَقِيّ السالف فِيهِ، ثمَّ قَالَ: وَقَالَ غير الْبَيْهَقِيّ: هُوَ ضَعِيف لاضطرابه، وَقَالَ فِي خلاصته: قَالَ الْحفاظ: هُوَ ضَعِيف لاضطرابه، وَذكره الْمُنْذِرِيّ فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب وَضَعفه. قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَلَا بَأْس بِالْعَمَلِ بِهَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الحكم- إِن شَاءَ الله- أَي يخْتَار مَشْرُوعِيَّة الْخط عِنْد عدم الستْرَة.
قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب: وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَار؛ لِأَنَّهُ وَإِن لم يثبت الحَدِيث فَفِيهِ تَحْصِيل حَرِيم للْمُصَلِّي. قَالَ: وَقد اتّفق الْعلمَاء عَلَى الْعَمَل بِالْحَدِيثِ الضَّعِيف فِي فَضَائِل الْأَعْمَال دون الْحَلَال وَالْحرَام، وَهَذَا من نَحْو فَضَائِل الْأَعْمَال.
فَائِدَة: اخْتلف الْعلمَاء فِي كَيْفيَّة الْخط: فَقَالَ الإِمَام أَحْمد والْحميدِي شيخ البُخَارِيّ وَصَاحب الشَّافِعِي: يَجعله مثل الْهلَال.
وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه: سَمِعت مُسَددًا يَقُول: قَالَ ابْن دَاوُد: الْخط بالطول، وَقَالَ صَاحب الْمُهَذّب: يخط بَين يَدَيْهِ خطا إِلَى الْقبْلَة، وَقَالَ غَيره: يخط يَمِينا وَشمَالًا كالجنازة.
تَنْبِيه: ذكر الرَّافِعِيّ بعد هَذَا أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ فِي خبر أبي هُرَيْرَة- يَعْنِي هَذَا-: «ثمَّ لَا يضرّهُ مَا مر بَين يَدَيْهِ» من العلامات الْمَذْكُورَة انْتَهَى. وَقَوله من الْعَلامَة الْمَذْكُورَة لَيْسَ فِي متن الحَدِيث وَإِن كَانَ هُوَ المُرَاد فاعلمه. وَالله أعلم.

.الحديث الأَرْبَعُونَ:

صَحَّ عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: «لَو يعلم المارُّ بَين يَدي الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ من الْإِثْم لَكَانَ أَن يقف أَرْبَعِينَ خيرا لَهُ من أَن يمر بَين يَدَيْهِ».
هُوَ كَمَا قَالَ؛ فقد اتّفق الشَّيْخَانِ عَلَى إِخْرَاجه من حَدِيث أبي الْجُهَيْم الْأنْصَارِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه إِلَّا قَوْله: «من الْإِثْم». فَإِنَّهَا للْبُخَارِيّ فِي بعض رِوَايَات أبي ذَر، عَن أبي الْهَيْثَم، وَرَوَاهَا عبد الْقَادِر الرهاوي فِي أربعينه أَيْضا.
قَالَ أَبُو النَّضر: لَا أَدْرِي أقَال أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَو شهرا أَو سنة. وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه بِدُونِ أَنه من قَول أبي النَّضر وَزِيَادَة: «أَو سَاعَة». قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَرُوِيَ عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: «لِأَن يقف أحدكُم مائَة عَام خير لَهُ من أَن يمر بَين يَدَيْهِ».
قلت: أخرجه ابْن مَاجَه بِمَعْنَاهُ، وَصَححهُ ابْن حبَان وَفِي الْأَسْمَاء والكنى لأبي بشر الدولابي الْحَافِظ من حَدِيث أبي رزين الغافقي رَفعه «الَّذِي يمر بَين يَدي أَخِيه وَهُوَ يُصَلِّي مُتَعَمدا يتمنَّى يَوْم الْقِيَامَة لَو كَانَ شَجَرَة يابسة».
فَائِدَة: خيرا رُوِيَ بِالنّصب وَالرَّفْع؛ عَلَى أَنه اسْم كَانَ أَو خَبَرهَا.
تَنْبِيهَانِ:
الأول: لما نقل ابْن الصّلاح فِي مشكله عَن العِجْلي أَن فِي البُخَارِيّ «مَاذَا عَلَيْهِ من الْإِثْم». تعقبه بِأَن قَالَ: لَيْسَ فِيهِ لفظ «الْإِثْم» تَصْرِيحًا، وَلَكِن ترْجم البُخَارِيّ وَغَيره عَلَيْهِ بِبَاب إِثْم الْمَار، وَسِيَاق الحَدِيث دَال عَلَى عظم الْإِثْم فِيهِ، وَالْأَمر بقتاله دَال عَلَيْهِ أَيْضا. هَذَا كَلَامه، وَقد علمت أَنه فِيهِ فِي بعض الطّرق عَنهُ فَلَا اعْتِرَاض إِذن عَلَى الْعجلِيّ وَقد تَابعه النَّوَوِيّ عَلَى هَذَا الذهول فِي شرح الْمُهَذّب وَعَزاهَا للرهاوي فِي أربعينه.
الثَّانِي: وَقع فِي الْكِفَايَة لِابْنِ الرّفْعَة عزو حَدِيث «لِأَن يقف أحدكُم مائَة عَام خير لَهُ من أَن يمر بَين يَدي أَخِيه وَهُوَ يُصَلِّي» إِلَى مُسلم وَهُوَ عَجِيب؛ فَلَيْسَ هُوَ فِيهِ أصلا، وَقد رَأَيْته فِي الْمطلب اعتذر عَن ذَلِك فَقَالَ: كَذَا قلت فِيهَا، وَلم أره فِي هَذَا الْموضع فلعلي قلَّدت فِي نسبته إِلَيْهِ غَيْرِي، أَو هُوَ فِي غير هَذَا الْموضع.
قلت: لَيْسَ هُوَ فِيهِ أصلا فاعلمه.

.الحديث الحَادِي بعد الْأَرْبَعين:

عَن أبي صَالح السمان قَالَ: «رَأَيْت أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ فِي يَوْم الْجُمُعَة يُصَلِّي إِلَى شَيْء يستره من النَّاس فَأَرَادَ شَاب من بني معيط أَن يجتاز بَين يَدَيْهِ فَدفع أَبُو سعيد فِي صَدره، فَنظر الشَّاب فَلم يجد مساغًا إِلَّا بَين يَدَيْهِ، فَعَاد ليجتاز فَدفعهُ أَبُو سعيد أشدَّ من الأولَى فنال من أبي سعيد، ثمَّ دخل عَلَى مَرْوَان فَشَكا إِلَيْهِ مَا لَقِي من أبي سعيد، وَدخل أَبُو سعيد خَلفه عَلَى مَرْوَان، فَقَالَ: مَا لَك وَلابْن أَخِيك يَا أَبَا سعيد؟ فَقَالَ سَمِعت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِذا صَلَّى أحدكُم إِلَى شَيْء يستره من النَّاس...» وَذكر الحَدِيث الْمُتَقَدّم.
قَالَ الرَّافِعِيّ: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه، وَهُوَ كَمَا قَالَ فقد أخرجه البُخَارِيّ فِي صَحِيحه كَذَلِك، وَأخرجه مُسلم أَيْضا فِي صَحِيحه بِنَحْوِهِ وَالله أعلم بِالصَّوَابِ.

.الحديث الثَّانِي بعد الْأَرْبَعين:

«أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ربط ثُمَامَة بن أَثَال فِي الْمَسْجِد قبل إِسْلَامه».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مطولا قَالَ: «بعث رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خَيْلًا قبل نجد، فَجَاءَت بِرَجُل من بني حنيفَة يُقَال لَهُ: ثُمَامَة بن أَثَال، فربطوه بِسَارِيَة من سواري الْمَسْجِد فَخرج النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أطْلقُوا ثُمَامَة. فَانْطَلق إِلَى نخلٍ قريبٍ من الْمَسْجِد فاغتسل، ثمَّ دخل الْمَسْجِد فَقَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وأشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله».
فَائِدَة: ثُمَامَة- بالثاء الْمُثَلَّثَة- والثمام: نبت ضَعِيف لَهُ خوص أَو شَبيه بالخوص، الْوَاحِدَة: ثُمَامَة؛ وَبِه سمي الرجل قَالَه الْجَوْهَرِي، وَقَالَ: وأُثَال- بِضَم الْهمزَة وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة- اسْم جبل؛ قَالَ: وَبِه سمي الرجل.

.الحديث الثَّالِث بعد الْأَرْبَعين:

«أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قدم عَلَيْهِ وَفد ثَقِيف فأنزلهم فِي الْمَسْجِد، وَلم يسلمُوا بعد».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده، وَأَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنَيْهِمَا بِإِسْنَاد حسن من رِوَايَة الْحسن بن أبي الْحسن الْبَصْرِيّ، عَن عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ أَشْعَث عَن الْحسن مُرْسلا.
قلتُ: أخرجه كَذَلِك أَبُو دَاوُد فِي مراسيله عَن عبيد الله بن معَاذ، ثَنَا أبي، نَا أَشْعَث، عَن الْحسن «أَن وَفد ثَقِيف أَتَوا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَضرب لَهُم قبَّة فِي مؤخَّر الْمَسْجِد؛ لينظروا إِلَى صَلَاة الْمُسلمين إِلَى ركوعهم وسجودهم فَقيل: يَا رَسُول الله، أنزلتهم فِي الْمَسْجِد وهم مشركون؟ فَقَالَ: إِن الأَرْض لَا تنجس، إِنَّمَا ينجس ابْن آدم». وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي سنَنه بِإِسْنَاد جيد، عَن عَطِيَّة بن سُفْيَان حَدثنَا وفدنا الَّذين قدمُوا عَلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِإِسْلَام ثَقِيف قَالَ: «وَقدمُوا عَلَيْهِ فِي رَمَضَان، فَضرب عَلَيْهِم قبَّة فِي الْمَسْجِد فَلَمَّا أَسْلمُوا صَامُوا مَا بَقِي عَلَيْهِم من الشَّهْر».

.الحديث الرَّابِع بعد الْأَرْبَعين:

أَن الْكفَّار كَانُوا يدْخلُونَ مَسْجِد النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ويطيلون الْجُلُوس وَلَا شكّ أَنهم كَانُوا يجنبون.
هُوَ كَمَا قَالَ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث جُبَير بن مطعم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ:
«سَمِعت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ بِالطورِ فِي الْمغرب» زَاد البُخَارِيّ «فَلَمَّا بلغ هَذِه الْآيَة: أم خلقُوا من غير شَيْء إِلَى قَوْله المسيطرون كَاد قلبِي أَن يطير».
وَذكره فِي الْمَغَازِي مُخْتَصرا وَقَالَ فِيهِ: «وَذَلِكَ أول مَا وقر الْإِيمَان فِي قلبِي». وَذكر فِي طَرِيق أُخْرَى: أَنه كَانَ جَاءَ فِي أُسَارى بدر- يَعْنِي فِي فدائهم وللبرقاني: وَهُوَ يَوْمئِذٍ مُشْرك.
وَرَوَاهُ أَحْمد بِلَفْظ: «أَنه أَتَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي فدَاء الْمُشْركين وَمَا أسلم يَوْمئِذٍ، فَدخلت الْمَسْجِد وَرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي الْمغرب فَقَرَأَ بِالطورِ فَكَأَنَّمَا صدع قلبِي حِين سَمِعت الْقُرْآن».
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِلَفْظ: «أتيت الْمَدِينَة فِي فدَاء بدر قَالَ: وَهُوَ يَوْمئِذٍ مُشْرك فدخلتُ الْمَسْجِد...» الحَدِيث.
وَرَوَى الشَّافِعِي عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، عَن عُثْمَان بن أبي سُلَيْمَان: «أَن مُشْركي قُرَيْش حِين أَتَوا الْمَدِينَة فِي فدَاء أَسْرَاهُم كَانُوا يبيتُونَ فِي الْمَسْجِد مِنْهُم جُبَير بن مُطْعم قَالَ جُبَير: فَكنت أسمع قِرَاءَة النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم». وَهَذَا مُرْسل.
وَفِي أبي دَاوُد من حَدِيث أبي هُرَيْرَة «أَن الْيَهُود أَتَوا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ جَالس فِي الْمَسْجِد فِي أَصْحَابه فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِم مَا تَقول فِي رجل وَامْرَأَة زَنَيَا مِنْهُم».
وَفِي صَحِيح مُسلم «قصَّة الْيَهُودِيّ الَّذِي دخل الْمَسْجِد وفاوضه ثمَّ قَالَ: مَا يمنعك أَن تتبعني؟ فَذكر أَن الْيَهُود يَزْعمُونَ أَن النُّبُوَّة فِي أَوْلَاد إِسْحَاق...» الحَدِيث.
هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب.

.وَأما آثاره:

فَثَلَاثَة:

.أَحدهَا:

عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه عصر بثرة عَلَى وَجهه ودلك بَين أصبعيه بِمَا خرج مِنْهَا وَصَلى وَلم يعد الْعَصْر».
وَهَذَا الْأَثر ذكره البُخَارِيّ فِي صَحِيحه بِغَيْر إِسْنَاد، فَقَالَ: «وعصر ابْن عمر بثرة فَخرج مِنْهَا دم وَلم يتَوَضَّأ».
وأسنده ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه ومَعْرفَته من حَدِيث عبد الْوَهَّاب، عَن التَّيْمِيّ، عَن بكر بن عبد الله قَالَ: «رَأَيْت ابْن عمر عصر بَثْرَة فِي وَجهه فَخرج مِنْهَا شَيْء من دم فَحَكَّه بَين أصبعيه ثمَّ صَلَّى وَلم يتَوَضَّأ».
وَرَوَاهُ الشَّافِعِي فَقَالَ: أَنا رجل، عَن حميد الطَّوِيل، عَن بكر بن عبد الله قَالَ: «رَأَيْت ابْن عمر عصر بَثْرَةً بِوَجْهِهِ فَخرج مِنْهَا الدَّم فدلك بَين أَصَابِعه ثمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاة وَلم يغسل يَده».
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام: قد اتهمَ الرجل الَّذِي رَوَى عَنهُ فَهُوَ عندنَا مَجْهُول، قَالَ: وَالْأول إِسْنَاده صَحِيح عِنْدهم.

.ثَانِيهَا:

عَن ابْن عَبَّاس- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما- «أَنه قَالَ: فِي قَوْله تَعَالَى: {خُذُوا زينتكم عِنْد كل مَسْجِد} أَن المُرَاد بهَا الثِّيَاب» وَهَذَا مَشْهُور، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَنهُ وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ غَيره.

.ثَالِثهَا:

أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «رَأَى أمة سترت وَجههَا فَمنعهَا من ذَلِك، وَقَالَ: أتشتهين أَن تشبهي بالحرائر».
هَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه بِإِسْنَاد جيد من حَدِيث نَافِع أَن صَفِيَّة بنت أبي عبيد حدثته قالتْ: «خرجت امْرَأَة مختمرة متجلببة فَقَالَ عمر: من هَذِه الْمَرْأَة؟ فَقيل لَهُ: هَذِه جَارِيَة لفُلَان- رجل من بنيه- فَأرْسل إِلَى حَفْصَة فَقَالَ: مَا حملك عَلَى أَن تخمري هَذِه الْمَرْأَة وتجلببيها وتشبهيها بالمحصنات حَتَّى هَمَمْت أَن أقع بهَا لَا أحسبها إِلَّا من الْمُحْصنَات؟ لَا تشبهوا الْإِمَاء بالمحصنات».
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: والْآثَار عَن عمر فِي ذَلِك صَحِيحَة، وَإِنَّمَا تدل عَلَى أَن رَأسهَا، أَو رَأسهَا ورقبتها، وَيظْهر مِنْهَا فِي حَال المهنة فَلَيْسَ بِعَوْرَة.

.باب سُجُود السَّهْو:

ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا:

.أما الْأَحَادِيث:

فَأَرْبَعَة عشر حَدِيثا:

.الحديث الأول:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَّى بهم الظّهْر فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين وَلم يجلس، فَقَامَ النَّاس مَعَه حَتَّى إِذا قَضَى الصَّلَاة وانتظر النَّاس تَسْلِيمه كبر وَهُوَ جَالس فَسجدَ سَجْدَتَيْنِ قبل أَن يسلم ثمَّ سلم».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث عبد الله بن بُحَيْنَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَامَ فِي صَلَاة الظّهْر وَعَلِيهِ جُلُوس، فَلَمَّا أتم صلَاته سجد سَجْدَتَيْنِ، وَكبر فِي كل سَجْدَة وَهُوَ جَالس قبل أَن يسلم، وسجدهما النَّاس مَعَه مَكَان مَا نسي من الْجُلُوس».
وَفِي رِوَايَة لَهما: «صَلَّى لنا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رَكْعَتَيْنِ من بعض الصَّلَوَات، ثمَّ قَامَ فَلم يجلس، فَقَامَ النَّاس مَعَه فَلَمَّا قَضَى صلَاته، ونظرنا تَسْلِيمه، كبر فَسجدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالس قبل التَّسْلِيم».
وَفِي رِوَايَة للْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه: «صَلَّى لنا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة من الصَّلَوَات، فَقَامَ من اثْنَتَيْنِ، فسبح بِهِ، فَمَضَى حَتَّى فرغ من صلَاته، وَلم يبْق إِلَّا السَّلَام، سجد سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالس قبل أَن يسلم».
قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح مُفَسّر عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ.

.الحديث الثَّانِي:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَّى الظّهْر خمْسا».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كَذَلِك، وَزِيَادَة أَنه سجد للسَّهْو بَعْدَمَا سلم، وَقد سلف فِي أَوَاخِر الْبَاب قبله أَيْضا.

.الحديث الثَّالِث:

أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَامَ، وَمَضَى إِلَى نَاحيَة الْمَسْجِد وراجع ذَا الْيَدَيْنِ، وَسَأَلَ الصَّحَابَة فَأَجَابُوا.
وَذكر فِي الْبَاب أَيْضا أَنه عَلَيْهِ السَّلَام سلم فِي حَدِيث ذِي الْيَدَيْنِ، وَتكلم، واستدبر الْقبْلَة، وَمَشى، وَلم يزدْ عَلَى سَجْدَتَيْنِ، وَهَذَا الحَدِيث اتفقَا عَلَى إِخْرَاجه أَيْضا من حَدِيث مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: «صَلَّى بِنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِحْدَى صَلَاتي الْعشي، إِمَّا الظّهْر وَإِمَّا الْعَصْر فَسلم فِي رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ أَتَى جذعًا فِي قبْلَة الْمَسْجِد واستند إِلَيْهَا مغضبًا وَفِي الْقَوْم أَبُو بكر وَعمر، فَهَابَا أَن يتكلما، وَخرج سرعَان النَّاس، فَقَالُوا: قصرت الصَّلَاة. فَقَامَ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ: يَا رَسُول الله، أقصرت الصَّلَاة أم نسيت؟ فَنظر النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَمِينا، وَشمَالًا، فَقَالَ: مَا يَقُول ذُو الْيَدَيْنِ؟ قَالُوا: صدق، لم تصل إِلَّا رَكْعَتَيْنِ. فَصَلى رَكْعَتَيْنِ، وَسلم ثمَّ كبر، ثمَّ سجد، ثمَّ كبر فَرفع، ثمَّ كبر وَسجد، ثمَّ كبر وَرفع». قَالَ: وأخبرت عَن عمرَان بن حُصَيْن أَنه قَالَ: «وَسلم» هَذَا لفظ مُسلم.
وَقَالَ البُخَارِيّ: «فَصَلى بِنَا رَكْعَتَيْنِ ثمَّ سلم فَقَامَ إِلَى خَشَبَة معروضة فِي الْمَسْجِد، فاتكأ عَلَيْهَا كَأَنَّهُ غَضْبَان، وَوضع يَده الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، وَشَبك بَين أَصَابِعه، وَوضع خَدّه الْأَيْمن عَلَى ظهر كَفه الْيُسْرَى، وَخرجت سرعَان النَّاس من أَبْوَاب الْمَسْجِد فَقَالُوا: قصرت الصَّلَاة، وَقَالَ فِيهِ: يَا رَسُول الله، أنسيت أم قصرت الصَّلَاة؟
قَالَ: لم أنس، وَلم تقصر. فَقَالَ: أكما يَقُول ذُو الْيَدَيْنِ؟ فَقَالُوا: نعم، فَتقدم فَصَلى مَا ترك، ثمَّ سلم، ثمَّ كبر، وَسجد مثل سُجُوده، أَو أطول، ثمَّ رفع وَكبر»
.
وَفِي رِوَايَة لمُسلم: أَنَّهَا صَلَاة الظّهْر، وفيهَا فَقَامَ رجل من بني سليم، يُقَال لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ.
وَفِي رِوَايَة لَهُ أَنَّهَا صَلَاة الْعَصْر، وَأَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لذِي الْيَدَيْنِ: كل ذَلِك لم يكن. فَقَالَ: قد كَانَ بعض ذَلِك يَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «بل قد نسيت».
وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد بِإِسْنَاد الصَّحِيح فَقَالَ: «صدق ذُو الْيَدَيْنِ؟ فَأَوْمَئُوا أَي: نعم». قَالَ أَبُو دَاوُد: وَلم يذكر «فَأَوْمَئُوا» إِلَّا حَمَّاد بن زيد. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَلم يبلغنَا إِلَّا من جِهَة أبي دَاوُد عَن مُحَمَّد بن عبيد، عَن حَمَّاد، وهم ثِقَات أَئِمَّة، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضا من حَدِيث عمرَان بن الْحصين، نَحْو حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَأَنه سلم فِي ثَالِثَة الْعَصْر، وَقد أوضحت الْكَلَام عَلَى حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي شرح الْعُمْدَة فَليُرَاجع مِنْهُ. وَمن الْأَعَاجِيب مَا رَوَاهُ ابْن عدي فِي كَامِله من حَدِيث ابْن معِين: ثَنَا سعيد بن أبي مَرْيَم، ثَنَا لَيْث عَن ابْن وهب عَن عبد الله الْعمريّ، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لم يسْجد يَوْم ذِي الْيَدَيْنِ سُجُود السَّهْو».
قَالَ ابْن عبد الْبر: وَكَانَ ابْن شهَاب يَقُول: إِذا عرف الرجل مَا نسي من صلَاته فأتمها لَيْسَ عَلَيْهِ سجدتا السَّهْو لهَذَا الحَدِيث.
وَقَالَ مُسلم فِي «التَّمْيِيز» قَول ابْن شهَاب إِنَّه لم يسْجد يَوْم ذِي الْيَدَيْنِ خطأ وَغلط. وَقد ثَبت سُجُوده من رِوَايَة الثِّقَات ابْن سِيرِين وَغَيره.
قلت: وَفِي مُسْند السراج أَن سَلمَة بن عَلْقَمَة قَالَ لِابْنِ سِيرِين: أبالتشهد قَالَ: لم أسمع فِيهِ شَيْئا وَأحب لي أَن أَتَشهد، وَهَذَا ابْن عمر قَالَ: إِنَّه لم يسْجد.

.الحديث الرَّابِع:

رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «لَا سَهْو إِلَّا فِي قيام عَن جُلُوس، أَو جُلُوس عَن قيام».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنَيْهِمَا، وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من رِوَايَة يَحْيَى بن صَالح، عَن أبي بكر الْعَنسِي- بالنُّون- عَن يزِيد، بن أبي حبيب، عَن سَالم بن عبد الله بن عمر، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا سَهْو فِي وثبة الإِمَام إِلَّا قيام عَن جُلُوس أَو جُلُوس عَن قيام».
قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ- وَخَالفهُ الْبَيْهَقِيّ فَقَالَ فِي سنَنه: تفرد بِهِ أَبُو بكر الْعَنسِي، وَهُوَ مَجْهُول. وَتوقف فِيهِ الْحَافِظ عبد الْحق فَقَالَ فِي أَحْكَامه كتبت هَذَا الْإِسْنَاد- يَعْنِي: السالف- حَتَّى أسأَل عَن أبي بكر هَذَا انْتَهَى. وَعَن ابْن عدي أَنه قَالَ فِيهِ: إِنَّه مَجْهُول، لَهُ أَحَادِيث مَنَاكِير عَن الثِّقَات، رَوَى عَنهُ بَقِيَّة وَيَحْيَى الوُحَاظي.
قلت: فينكر إِذن عَلَى الْحَاكِم تَصْحِيحه، لَا جرم ذكر النَّوَوِيّ هَذَا الحَدِيث فِي فصل الضَّعِيف من خلاصته، وَنقل عَن الْبَيْهَقِيّ وَغَيره أَنهم قَالُوا: تفرد بِهِ أَبُو بكر الْعَنسِي وَهُوَ مَجْهُول قَالَ: وغلطوا الْحَاكِم فِي دَعْوَاهُ صِحَة إِسْنَاده قَالَ: والعنسي- بالنُّون- قلت: وَثمّ آخر مَجْهُول يُقَال لَهُ: أَبُو بكر الْعَنسِي أَيْضا يروي عَن عمر ذكره فِي الْمِيزَان وَيَحْيَى بن صَالح الَّذِي رَوَى هَذَا الحَدِيث عَنهُ من فرسَان الصَّحِيحَيْنِ وَهُوَ ثِقَة، وَإِنَّمَا تكلم فِيهِ لتجهُّمه.