فصل: وَأما آثاره:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الخَامِس:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فعل الْفِعْل الْقَلِيل فِي الصَّلَاة، وَرخّص فِيهِ وَلم يسْجد للسَّهْو وَلَا أَمر بِهِ».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح.
فقد صَحَّ عَنهُ: «حمله أُمَامَة فِي الصَّلَاة»، «وَأمر بقتل الأسودين فِيهَا» وَقد أسلفنا وَسلف أَيْضا فِي الْبَاب قبله حَدِيث ضرب الأفخاذ فِي حَدِيث مُعَاوِيَة بن الحكم السّلمِيّ، وَحَدِيث تَأَخّر الصّديق فِي الصَّلَاة، وَحَدِيث مسح الْحَصَى مسحة وَاحِدَة فِي أبي دَاوُد، وَحَدِيث «دلك البصاق فِي الثَّوْب» فِي الصَّحِيح وَغير ذَلِك. وَفِي الطَّبَرَانِيّ الْكَبِير من حَدِيث الحكم، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس «كَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يمسح الْعرق عَن وَجهه فِي الصَّلَاة». وَفِيه: أَيْضا من حَدِيث أبي رَافع «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قتل عقربًا وَهُوَ يُصَلِّي».
وَفِي الأول خَارِجَة بن مُصعب وَقد ضعفه الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره، وَفِي الثَّانِي حبَان بن عَلّي أَخُو منْدَل، وَمُحَمّد بن عبيد الله بن أبي رَافع وَقد ضعفوهما.

.الحديث السَّادِس:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَّى الظّهْر خمْسا ثمَّ سجد للسَّهْو».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا قدمْنَاهُ أول الْبَاب، وَفِي الْبَاب الَّذِي قبله أَيْضا.

.الحديث السَّابِع:

عَن حُذَيْفَة رضى الله عَنهُ قَالَ: «صليت مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة فَقَرَأَ الْبَقَرَة وَآل عمرَان وَالنِّسَاء فِي رَكْعَة، ثمَّ ركع فَكَانَ رُكُوعه نَحوا من قِيَامه، ثمَّ رفع رَأسه وَقَامَ قَرِيبا من رُكُوعه، ثمَّ سجد».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح.
رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ عَنهُ قَالَ: «صليت مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات لَيْلَة فَافْتتحَ الْبَقَرَة فَقلت: يرْكَع عِنْد الْمِائَة، ثمَّ مَضَى فَقلت: يُصَلِّي بهَا فِي رَكْعَة فَمَضَى. فَقلت: يرْكَع بهَا، ثمَّ افْتتح سُورَة النِّسَاء فقرأها ثمَّ افْتتح سُورَة آل عمرَان فقرأها يقْرَأ مترسِّلًا إِذا مر بِآيَة تَسْبِيح سبَّح، وَإِذا مر بسؤال سَأَلَ، وَإِذا مر بتعُّوذ تعوَّذ، ثمَّ ركع فَجعل يَقُول: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم. وَكَانَ رُكُوعه نَحوا من قِيَامه، ثمَّ قَالَ: سمع الله لمن حَمده، ثمَّ قَامَ قيَاما طَويلا قَرِيبا مِمَّا ركع، ثمَّ سجد فَقَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى فَكَانَ سُجُوده قَرِيبا من قِيَامه».
وَفِي رِوَايَة لَهُ: «سمع الله لمن حَمده رَبنَا لَك الْحَمد».
قَالَ عبد الْحق فِي جمعه بَين الصَّحِيحَيْنِ: كَذَا وَقع يُصَلِّي بهَا فِي رَكْعَة وَإِنَّمَا هُوَ رَكْعَتَيْنِ. وَالله أعلم.
قَالَ النَّوَوِيّ فِي شَرحه: إِنَّه المُرَاد لينتظم الْكَلَام بعده.

.الحديث الثَّامِن:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يرتب بَين أَرْكَان الصَّلاة، وَقَالَ: صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي».
أما كَونه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يرتب بَين أَرْكَان الصَّلَاة فمشهور فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة.
وَأما قَوْله: «صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» فَصَحِيح أَيْضا كَمَا سلف فِي أول الْأَذَان فِي الحَدِيث الثَّانِي مِنْهُ.

.الحديث التَّاسِع:

عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا قَامَ أحدكُم من الرَّكْعَتَيْنِ فَلم يستتم قَائِما فليجلس، فَإِذا استتم قَائِما فَلَا يجلس، وَيسْجد سَجْدَتَيْنِ». وَيروَى: «فَإِن ذكر قبل أَن يستتم قَائِما جلس وَلَا سَهْو».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه بِلَفْظ: «إِذا قَامَ الإِمَام فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَإِن ذكر قبل أَن يستوى قَائِما فليجلس، فَإِن اسْتَوَى قَائِما فَلَا يجلس، وَيسْجد سَجْدَتي السَّهْو». وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بلفظين: أَحدهمَا هَذَا. ثَانِيهمَا: «إِذا شكّ أحدكُم فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَاسْتَتَمَّ قَائِما فليمضِ وليسجد سَجْدَتَيْنِ، وَإِن لم يستتم قَائِما فليجلس وَلَا سَهْو عَلَيْهِ».
ومداره عَلَى جَابر الْجعْفِيّ وَقد أسلفنا حَاله فِي الحَدِيث التَّاسِع بعد الْعشْرين من بَاب الْأَذَان.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة: جَابر لَا يحْتَج بِهِ، غير أَن هَذَا قد رُوِيَ من وَجْهَيْن آخَرين، وَحَدِيثه أشهر فِيمَا بَين الْفُقَهَاء.
قلت: وَصَحَّ عَن زِيَاد بن علاقَة قَالَ: «صَلَّى بِنَا الْمُغيرَة بن شُعْبَة فَنَهَضَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَقُلْنَا: سُبْحَانَ الله. وَمَضَى، فَلَمَّا أتم صلَاته وَسلم سجد سَجْدَتي السَّهْو فَلَمَّا انْصَرف قَالَ: رأيتُ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صنع كَمَا صنعتُ».
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ: حسن صَحِيح. وَرَوَى الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه مثله من رِوَايَة سعد بن أبي وَقاص وَعقبَة بن عَامر وَقَالَ فِي كل مِنْهُمَا: إِنَّه صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم.

.الحديث العَاشِر:

عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا شكَّ أحدكُم فِي صلَاته فَلم يدر صَلَّى ثَلَاثًا أم أَرْبعا فليطرح الشَّك وليبن عَلَى مَا استيقن، وَيسْجد سَجْدَتَيْنِ؛ فَإِن كَانَت صلَاته تَامَّة كَانَت الرَّكْعَة والسجدتان نَافِلَة، وَإِن كَانَت صلَاته نَاقِصَة كَانَت الرَّكْعَة تَمامًا، والسجدتان ترغيمًا للشَّيْطَان».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح.
رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ كَذَلِك، إِلَّا أَنه قَالَ: «ثمَّ يسْجد سَجْدَتَيْنِ قبل أَن يسلم فَإِن كَانَ صَلَّى خمْسا شفعن لَهُ صلَاته، وَإِن كَانَ صَلَّى إتمامًا لأَرْبَع كَانَتَا ترغيمًا للشَّيْطَان» بدل «يسْجد سَجْدَتَيْنِ...» إِلَى آخِره.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَاد صَحِيح بِنَحْوِ سِيَاقَة الرَّافِعِيّ لَهُ، وَلَفظه «إِذا شكّ أحدكُم فِي صلَاته فليلق الشَّك وليبن عَلَى الْيَقِين، فَإِذا استيقن التَّمام سجد سَجْدَتَيْنِ، فَإِن كَانَت صلَاته تَامَّة كَانَت الرَّكْعَة نَافِلَة والسجدتان، وَإِن كَانَت نَاقِصَة كَانَت الرَّكْعَة تَمامًا لصلاته، وَكَانَت السجدتان مرغمتي الشَّيْطَان».
وَرَوَاهُ كَذَلِك ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه وَقَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم وَلم يخرجَاهُ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة: «إِذا شكّ أحدكُم فِي صلَاته فَلم يدر كم صَلَّى ثَلَاثًا أَو أَرْبعا فَليقمْ فَليصل رَكْعَة» وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد من حَدِيث عَطاء بن يسَار أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا شكّ أحدكُم فِي صلَاته فَلَا يدْرِي كم صَلَّى ثَلَاثًا أم أَرْبعا فَليصل رَكْعَة وليسجد سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالس قبل التَّسْلِيم، فَإِن كَانَت الرَّكْعَة الَّتِي صَلَّى خَامِسَة شفعها بِهَاتَيْنِ، وَإِن كَانَت رَابِعَة فالسجدتان ترغيم للشَّيْطَان». وَوصل هَذِه الرِّوَايَة أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه بِذكر أبي سعيد الْخُدْرِيّ بعد عَطاء بن يسَار، وَرَوَى مثلهَا من رِوَايَة عَطاء عَن ابْن عَبَّاس، ثمَّ قَالَ: هَذِه الرِّوَايَة وهم وَالصَّوَاب عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ.
فَائِدَة: نقل الْمَاوَرْدِيّ عَن ابْن الْمُنْذر أَنه قَالَ: أصح حَدِيث فِي الْبَاب حَدِيث أبي سعيد هَذَا.

.الحديث الحَادِي عشر:

عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذْ شكّ أحدكُم فَلم يدر أواحدة صَلَّى أم اثْنَتَيْنِ فليبن عَلَى وَاحِدَة، وَإِن لم يدر اثْنَتَيْنِ صَلَّى أم ثَلَاثًا فليبن عَلَى ثِنْتَيْنِ، وَإِن لم يدر ثَلَاثًا صَلَّى أم أَرْبعا فليبنِ عَلَى ثلاثٍ، وَيسْجد سَجْدَتَيْنِ قبل أَن يسلم».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي جامعه وَابْن مَاجَه فِي سنَنه من حَدِيث ابْن إِسْحَاق، عَن مَكْحُول، عَن كريب، عَن ابْن عَبَّاس، عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. قَالَ: وَرُوِيَ عَنهُ من غير هَذَا الْوَجْه. وَرَوَاهُ الْهَيْثَم بن كُلَيْب الشَّاشِي، عَن الْعَبَّاس الدوري، عَن مُحَمَّد بن عبد الله، عَن إِسْمَاعِيل الْمَكِّيّ، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عبيد الله بن عبد الله، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «كنت أذاكر عمر شَيْئا من الصَّلَاة قَالَ: فأَتَانا عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَقَالَ: أَلا أحدثكُم حَدِيثا سمعته من رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: قُلْنَا: بلَى. قَالَ: أشهد شَهَادَة الله لسمعتُ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِذا كَانَ أحدكُم فِي شكّ من النُّقْصَان فِي صلَاته فَليصل حَتَّى يكون فِي شكّ من الزِّيَادَة».
قَالَ الْهَيْثَم: وثنا أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ مُحَمَّد بن إِدْرِيس، نَا الْأنْصَارِيّ، نَا إِسْمَاعِيل، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عبيد الله بن عبد الله، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا شكَّ أحدكُم فِي صلَاته فَلَا يدْرِي ثَلَاثًا صَلَّى أم أَرْبعا فَليصل رَكْعَة ثمَّ يسْجد سَجْدَتَيْنِ».
وَرَوَاهُ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، عَن عبد الرَّزَّاق، عَن ابْن الْمُبَارك، عَن إِسْمَاعِيل بن مُسلم. وَسُئِلَ الدَّارَقُطْنِيّ عَنهُ فَقَالَ: رَوَاهُ إِبْرَاهِيم بن سعد وَمُحَمّد بن سَلمَة وَعِيسَى بن عبد الله الْأنْصَارِيّ وَطَلْحَة بن زيد، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن مَكْحُول عَن كريب، عَن ابْن عَبَّاس عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف. وَرَوَاهُ حَمَّاد بن سَلمَة، عَن ابْن إِسْحَاق، عَن مَكْحُول مُرْسلا.
وَكَذَلِكَ سَمعه مُحَمَّد بن إِسْحَاق من مَكْحُول مُرْسلا. وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيل ابْن علية وَعبد الله بن نمير، وَعبد الرَّحْمَن الْمحَاربي، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن مَكْحُول مُرْسلا.
وَعَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن حُسَيْن بن عبد الله، عَن مَكْحُول، عَن كريب، عَن ابْن عَبَّاس، عَن عبد الرَّحْمَن. فضبط هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة عَن ابْن إِسْحَاق الْمُتَّصِل والمرسل.
وَرَوَى هَذَا الحَدِيث الزُّهْرِيّ، عَن عبيد الله بن عبد الله، عَن ابْن عَبَّاس حدث عَنهُ إِسْمَاعِيل بن مُسلم الْمَكِّيّ وبحر السقاء.
وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن يزِيد الوَاسِطِيّ، وَاخْتلف عَنهُ: فَرَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن هود عَنهُ، عَن ابْن إِسْحَاق، عَن الزُّهْرِيّ. وَرَوَاهُ إِسْحَاق بن بهْلُول، عَن عمار بن سَلام، عَن مُحَمَّد بن يزِيد، عَن سُفْيَان بن حُسَيْن وَكِلَاهُمَا وهم.
وَرَوَاهُ أَحْمد بن حَنْبَل، عَن مُحَمَّد بن يزِيد- عَلَى الصَّوَاب- عَن إِسْمَاعِيل بن مُسلم، عَن الزُّهْرِيّ فَرجع الحَدِيث إِلَى إِسْمَاعِيل بن مُسلم، وَإِسْمَاعِيل ضَعِيف. انْتَهَى كَلَام الدَّارَقُطْنِيّ.
وَفِي مُسْند الإِمَام أَحْمد: ثَنَا إِسْمَاعِيل، نَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق، حَدثنِي مَكْحُول أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا صَلَّى أحدكُم فَشك...» فَذكره. قَالَ ابْن إِسْحَاق: وَقَالَ لي حُسَيْن بن عبد الله هَل أسْندهُ لَك؟ فَقلت: لَا. فَقَالَ: لكنه حَدثنِي أَن كريبًا مولَى ابْن عَبَّاس حَدثهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «صليت إِلَى عمر بن الْخطاب...» فَذكر الحَدِيث.
وحسين بن عبد الله تكلم فِيهِ غير وَاحِد.

.الحديث الثَّانِي عشر:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَيْسَ عَلَى من خلف الإِمَام سَهْو، فَإِن سَهَا الإِمَام فَعَلَيهِ وَعَلَى من خَلفه السَّهْو».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه من حَدِيث خَارِجَة بن مُصعب، عَن أبي الْحُسَيْن الْمَدَائِنِي، عَن سَالم، عَن أَبِيه ابْن عمر، عَن جده عمر- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما- بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور وَزِيَادَة «وَإِن سَهَا من خلف الإِمَام فَلَيْسَ عَلَيْهِ سَهْو، وَالْإِمَام كافيه».
وخارجة هَذَا ضعفه الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره كَمَا أسلفناه فِي الحَدِيث الْخَامِس فِي الْبَاب. نعم قَالَ ابْن عدي: هُوَ مِمَّن يكْتب حَدِيثه وَأخرج لَهُ ابْن خُزَيْمَة وَالْحَاكِم فِي صَحِيحَيْهِمَا حَدِيث «إِن للْوُضُوء شَيْطَانا يُقَال لَهُ الولهان». وَأَبُو الْحُسَيْن هَذَا مَجْهُول كَمَا قَالَه الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه فَإِنَّهُ لما رَوَاهُ فِي سنَنه بِلَفْظ «إِن الإِمَام يَكْفِي من وَرَاءه، فَإِن سَهَا الإِمَام فَعَلَيهِ سجدتا السَّهْو، وَعَلَى من وَرَاءه أَن يسجدوا مَعَه، وَإِن سَهَا أحد مِمَّن خَلفه فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يسْجد، وَالْإِمَام يَكْفِيهِ».
قَالَ: هَذَا حَدِيث ضَعِيف؛ وَالْحكم بن عبد الله- يَعْنِي: الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده- ضَعِيف، ثمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ خارجةُ بن مصعبٍ، عَن أبي الْحُسَيْن الْمَدَائِنِي، عَن سَالم بن عبد الله، عَن أَبِيه، عَن عمر بِمَعْنَاهُ، وَأَبُو الْحُسَيْن هَذَا مَجْهُول، وَضعف الحَدِيث أَيْضا الضياء فِي أَحْكَامه، وَكَذَا عبد الْحق فَقَالَ: هَذَا الحَدِيث إِسْنَاده ضَعِيف فِيهِ خَارِجَة بن مُصعب، عَن أبي الْحُسَيْن الْمَدَائِنِي قَالَ: وَذكر أَبُو أَحْمد أَيْضا من حَدِيث ابْن عَبَّاس قَالَ: «قلت للنَّبِي عَلَى الرجل سَهْو خلف الإِمَام؟ قَالَ: لَا، إِنَّمَا السَّهْو عَلَى الإِمَام».
وَهَذَا يرويهِ عمر بن عَمْرو أَبُو حَفْص الْعَسْقَلَانِي الطَّحَّان، وَهُوَ مَتْرُوك، فِي عداد من يكذب، والإسناد مُنْقَطع أَيْضا؛ لِأَنَّهُ عَن مَكْحُول، عَن ابْن عَبَّاس.
تَنْبِيه: ذكر الرَّافِعِيّ هُنَا حَدِيث مُعَاوِيَة السَّابِق فِي شُرُوط الصَّلَاة فَقَالَ: «وَإِذا سَهَا الْمَأْمُوم خلف الإِمَام لم يسْجد ويتحمل الإِمَام سَهْوه» ثمَّ ذكر الحَدِيث السالف ثمَّ قَالَ: وَلِحَدِيث مُعَاوِيَة بن الحكم الَّذِي رَوَيْنَاهُ فِي فصل الْكَلَام فَإِن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يَأْمُرهُ بِالسُّجُود مَعَ أَنه تكلم خَلفه انْتَهَى. وَيُمكن أَن يُقَال: إِنَّمَا لم يَأْمُرهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أعلمهُ بمنافاة مَا فعله فِي الصَّلَاة بعد فَرَاغه مِنْهَا وَسُجُود السَّهْو قبيل السَّلَام، فَلَمَّا فَاتَهُ مَحَله لم يَأْمُرهُ بِهِ وَالْمَاوَرْدِيّ استدلَّ فِي الْمَسْأَلَة بِحَدِيث: «الْأَئِمَّة ضمناء» قَالَ: يُرِيد- وَالله اعْلَم- ضمناء السَّهْو.

.الحديث الثَّالِث عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِنَّمَا جعل الإِمَام ليؤتم بِهِ».
هَذَا الحَدِيث متَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بِزِيَادَة: «فَلَا تختلفوا عَلَيْهِ، فَإِذا كبر فكبروا، وَإِذا ركع فاركعوا، وَإِذا قَالَ: سمع الله لمن حَمده. فَقولُوا: اللَّهُمَّ رَبنَا لَك الْحَمد، وَإِذا سجد فاسجدوا، وَإِذا صَلَّى قَائِما فصلوا قيَاما، وَإِذا صَلَّى قَاعِدا فصلوا قعُودا أَجْمَعُونَ». وَلم يذكر البُخَارِيّ الصَّلَاة.
واتفقا عَلَى إِخْرَاجه أَيْضا من حَدِيث أنس وَعَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما واتفقا عَلَى بعضه وَفِي أَفْرَاد مُسلم من حَدِيث جَابر «إِن صلوا قيَاما فصلوا قيَاما، وَإِن صلوا قعُودا فصلوا قعُودا».

.الحديث الرَّابِع عشر:

عَن عبد الله بن بُحَيْنَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَّى بهم الظُّهر فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأولتين وَلم يجلس فَقَامَ النَّاس مَعَه حَتَّى إِذا قَضَى الصَّلَاة وانتظر النَّاس تَسْلِيمه كبر وَهُوَ جَالس فَسجدَ سَجْدَتَيْنِ قبل أَن يسلم ثمَّ سلم».
هَذَا الحَدِيث متَّفق عَلَى صِحَّته كَمَا سلف أول الْبَاب.
فَائِدَة:
بُحَيْنَة أم عبد الله، وَقيل جدته، وَالصَّحِيح الأول كَمَا قَالَه أَبُو عمر، وَهِي صحابية، وَاسْمهَا: عَبدة بنت الْحَارِث بن الْمطلب بن عبد منَاف، قَالَه ابْن سعد وَهُوَ أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مَالك بن القِشْب جُنْدُب بن نَضْلَة بن عبد الله الْأَزْدِيّ.
تَنْبِيه:
لما ذكر الرَّافِعِيّ هَذَا الحَدِيث مستدلًا بِهِ عَلَى أَن سُجُود السَّهْو مَحَله قبل السَّلَام قَالَ: وَلِحَدِيث أبي سعيد وَعبد الرَّحْمَن الْمَذْكُورين فِي الشَّك فِي عدد الرَّكْعَات وَمرَاده بذلك الحَدِيث الْعَاشِر وَالْحَادِي عشر وَلَفظه الَّذِي قدمه فِي حَدِيث أبي سعيد «وَيسْجد سَجْدَتَيْنِ» وَهُوَ مُحْتَمل لما قبل السَّلَام وَبعده، لَكِن ثَبت فِي الصَّحِيح زِيَادَة «قبل أَن يسلم» كَمَا قَدمته هُنَاكَ، قَالَ الرَّافِعِيّ: وَالْقَوْل الثَّالِث إِنَّه مُخَيَّر إِن شَاءَ قدم أَو أخر لثُبُوت الْأَمريْنِ عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعْنِي: أَنه ثَبت عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه سجد قبل السَّلَام، وَثَبت أَنه سجد بعده، أما قبل السَّلَام فسلف فِي حَدِيث ابْن بُحَيْنَة كَمَا ترَاهُ، وَسلف حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ فِي ذَلِك، وَأما أَنه بعد السَّلَام فَهُوَ فِي حَدِيث ذِي الْيَدَيْنِ كَمَا سلف، وَكَذَا فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود لَكِن قَالَ ابْن الصّلاح فِي هذَيْن الْحَدِيثين: إِنَّه عَلَيْهِ السَّلَام لم يذكر السَّهْو إِلَّا بعد السَّلَام، وَفِي هذَيْن مَا يمْنَع الِاحْتِجَاج بِهِ فِي محلَِّ النزاع. هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى الْأَحَادِيث.

.وَأما آثاره:

فَثَلَاثَة:

.أَحدهَا:

«أَن أنسا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه جهر فِي الْعَصْر فَلم يعدها وَلم يسْجد للسَّهْو، وَلم يُنكر عَلَيْهِ».
وَهَذَا الْأَثر ذكره الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه الْكَبِير فَقَالَ: وَيذكر عَن قَتَادَة، عَن أنس بن مَالك «أَنه جهر فِي الظّهْر وَالْعصر فَلم يسْجد» وأسنده الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه فَقَالَ: نَا مُحَمَّد بن عبد الله الْحَضْرَمِيّ، نَا أَبُو كريب، ثَنَا وَكِيع، عَن سعيد بن بشير، عَن قَتَادَة: «أَن أنسا جهر فِي الظّهْر أَو الْعَصْر فَلم يسْجد».

.ثَانِيهَا:

«أَن أنسا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه تحرَّك للْقِيَام فِي الرَّكْعَتَيْنِ من الْعَصْر فَسَبحُوا فَجَلَسَ ثمَّ سجد للسَّهْو». وَهَذَا الْأَثر ذكره الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه أَيْضا فَقَالَ: روينَا عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن أنس... فَذكره قَالَ: «ثمَّ سجد سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالس». وَفِي علل الدَّارَقُطْنِيّ أَنه سُئِلَ عَن حَدِيث يَحْيَى بن سعيد، عَن أنس قَالَ: «صَلَّى بِنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعَصْر فَتحَرك للْقِيَام فَسجدَ سَجْدَتَيْنِ» فَقَالَ: يرويهِ جمَاعَة عَنهُ هَكَذَا مَوْقُوفا، وَرَوَاهُ سُلَيْمَان بن بِلَال، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن أنس أَنه فعل ذَلِك وَقَالَ: هَذَا السُّنة، وَلم يقل هَذَا غَيره وَقَالَ: زِيَادَة الثِّقَة مَقْبُولَة.

.ثَالِثهَا:

نقل عَن الزُّهْرِيّ أَنه قَالَ: آخر الْأَمريْنِ من فعل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم السُّجُود قبل السَّلَام. وَهَذَا رَوَاهُ الشَّافِعِي مُنْقَطِعًا، قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه: رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم، عَن مطرف بن مَازِن، عَن معمر، عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: «سجد النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل السَّلَام وَبعده، وَآخر الْأَمريْنِ قبل السَّلَام».
قَالَ: وَذكره أَيْضا فِي رِوَايَة حَرْمَلَة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِلَّا أَن قَول الزُّهْرِيّ مُنْقَطع لم يسْندهُ إِلَى أحد من الصَّحَابَة، ومطرف بن مَازِن غير قوي، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: ومشهور عَن الزُّهْرِيّ من فتواه سُجُود السَّهْو قبل السَّلَام. وَذكر نَحْو هَذَا فِي الْمعرفَة أَيْضا، إِلَّا أَنه قَالَ: إِن بعض أَصْحَابنَا زعم أَن قَول الزُّهْرِيّ مُنْقَطع. وانقطاعه ظَاهر، فَلَا حَاجَة إِلَى نسبته إِلَى بعض أَصْحَابه بِلَفْظ الزَّعْم وَقد أَلان الْبَيْهَقِيّ القَوْل فِي مطرف هُنَا وَضَعفه فِي بَاب سهم ذَوي الْقرب من سنَنه، وَأطلق عَلَيْهِ يَحْيَى الْكَذِب.
خَاتِمَة:
صَلَاة التَّسْبِيح أَشَارَ إِلَيْهَا الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب، حَيْثُ قَالَ: ورد الشَّرْع بالتطويل فِي الصَّلَاة فلنذكر طرق حَدِيثهَا، وَكَلَام أَصْحَابنَا فِيهَا فَنَقُول: حَدِيثهَا مَشْهُور فِي سنَن أبي دَاوُد وَابْن مَاجَه وجَامع التِّرْمِذِيّ ومُسْتَدْرك الْحَاكِم رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه عَن عبد الرَّحْمَن بن بشر النَّيْسَابُورِي، عَن مُوسَى بن عبد الْعَزِيز، عَن الحكم بن أبان، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم للْعَبَّاس: «يَا عَبَّاس يَا عماه أَلا أُعْطِيك أَلا أمنحك، أَلا أحبوك، أَلا أفعل بك عشر خِصَال، إِذا أَنْت فعلت ذَلِك غفر الله لَك ذَنْبك أَوله وَآخره، قديمه وَحَدِيثه خطأه وعمده، صغيره وكبيره، سره وعلانيته، أَن تصلي أَربع رَكْعَات تقْرَأ فِي كل رَكْعَة فَاتِحَة الْكتاب وَسورَة، فَإِذا فرغت من الْقِرَاءَة أول رَكْعَة وَأَنت قَائِم قلت: سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر خمس عشرَة مرّة، ثمَّ تركع وتقولها وَأَنت رَاكِع عشرا، وترفع رَأسك من الرُّكُوع فتقولها عشرا، ثمَّ تهوي سَاجِدا فتقولها وَأَنت ساجد عشرا، ثمَّ ترفع رَأسك من السُّجُود فتقولها عشرا، ثمَّ تسْجد فتقولها عشرا، ثمَّ ترفع رَأسك فتقولها عشرا، فَذَلِك خمس وَسَبْعُونَ فِي كل رَكْعَة تفعل ذَلِك فِي أَربع رَكْعَات إِن اسْتَطَعْت أَن تصليها فِي كل يَوْم مرّة فافعل، فَإِن لم تفعل فَفِي كل جُمُعَة مرّة، فَإِن لم تفعل فَفِي كل شهر مرّة، فَإِن لم تفعل فَفِي كل سنة مرّة، فَإِن لم تفعل فَفِي عمرك مرّة».
وَهَذَا الْإِسْنَاد جيد، عبد الرَّحْمَن بن بشر احْتج بِهِ الشَّيْخَانِ، وَشَيْخه قَالَ فِيهِ يَحْيَى بن معِين: لَا بَأْس بِهِ، وَشَيْخه وَثَّقَهُ يَحْيَى بن معِين، وَكَانَ أحد الْعباد، وَسكت عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد فَهُوَ حسن أَو صَحِيح عِنْده، لَا جرم ذكره ابْن السكن فِي سنَنه الصِّحَاح المأثورة. قَالَ الْحَافِظ زكي الدَّين الْمُنْذِرِيّ فِي موافقاته: وَهَذَا الطَّرِيق أمثل طرقه. قَالَ: وَقد رويت هَذِه الصَّلَاة من رِوَايَة الْعَبَّاس وَأنس وَأبي رَافع مولَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَغَيرهم مَرْفُوعا وموقوفًا، وفيهَا كلهَا مقَال، وأمثلها مَا تقدم.
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي رَافع أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ للْعَبَّاس... فَذكره وَفِيه: «وَلَو كَانَت ذنوبك مثل رمل عالج غفرها الله لَك، قَالَ: يَا رَسُول الله، وَمن يَسْتَطِيع أَن يَقُولهَا فِي يَوْم؟ قَالَ: إِن لم تستطع أَن تَقُولهَا فِي يَوْم فقلها فِي جُمُعَة، فَإِن لم تستطع أَن تَقُولهَا فِي جُمُعَة فقلها فِي شهر، فَلم يزل يَقُول حَتَّى قَالَ: فقلها فِي سنة».
قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب من حَدِيث أبي رَافع. قَالَ: وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم غير حديثٍ فِي صَلَاة التَّسْبِيح وَلَا يَصح مِنْهُ كَبِير شَيْء، وَقد رَأَى ابْن الْمُبَارك وَغير واحدٍ من أهل الْعلم صَلَاة التَّسْبِيح وَذكروا الْفضل فِيهِ: نَا أَحْمد بن عَبدة، نَا أَبُو وهب قَالَ: سألتُ عبد الله بن الْمُبَارك عَن الصَّلَاة الَّتِي يسبح فِيهَا فَقَالَ: يكبر ثمَّ يَقُول: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وتبارك اسْمك، وَتَعَالَى جدك، وَلَا إِلَه غَيْرك، ثمَّ يَقُول خمس عشرَة مرّة: سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر ثمَّ يتعوَّذ وَيقْرَأ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وفاتحة الْكتاب وَسورَة، ثمَّ يَقُول عشر مَرَّات: سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله، وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر ثمَّ يرْكَع، فيقولها عشرا، ثمَّ يرفع رَأسه فيقولها عشرا، ثمَّ يسْجد فيقولها عشرا، ثمَّ يرفع رَأسه فيقولها عشرا، ثمَّ يسْجد الثَّانِيَة فيقولها عشرا، يُصَلِّي أَربع رَكْعَات عَلَى هَذَا، فَذَلِك خمس وَسَبْعُونَ تَسْبِيحَة فِي كل رَكْعَة، يبْدَأ فِي كل رَكْعَة بِخمْس عشرَة تَسْبِيحَة، ثمَّ يقْرَأ، ثمَّ يسبح عشرا، فَإِن صَلَّى لَيْلًا فَأحب إِلَى أَن يسلم فِي الرَّكْعَتَيْنِ، وَإِن صَلَّى نَهَارا فَإِن شَاءَ سلم، وَإِن شَاءَ لم يسلم.
قَالَ أَبُو وهب: وَأَخْبرنِي عبد الْعَزِيز بن أبي رزمة، عَن عبد الله أَنه قَالَ: «يبْدَأ فِي الرُّكُوع بسبحان رَبِّي الْعَظِيم، وَفِي السُّجُود بسبحان رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا، ثمَّ يسبح التسبيحات». قَالَ أَحْمد بن عَبدة: وثنا وهب بن زَمعَة قَالَ: أَخْبرنِي عبد الْعَزِيز- وَهُوَ ابْن أبي رزمة- قَالَ: قلت لعبد الله بن الْمُبَارك: «إِن سَهَا فِيهَا أيسبح فِي سَجْدَتي السَّهْو عشرا عشرا؟ قَالَ: لَا، إِنَّمَا هِيَ ثَلَاثمِائَة تَسْبِيحَة».
وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه عَلَى الصَّحِيحَيْنِ، عَن أبي بكر أَحْمد بن إِسْحَاق، أبنا إِبْرَاهِيم بن إِسْحَاق بن يُوسُف، ثَنَا عبد الرَّحْمَن بن بشر بن الحكم الْهِلَالِي، ثَنَا مُوسَى بن عبد الْعَزِيز أَبُو شُعَيْب القنباري، نَا الحكم بن أبان، حَدثنِي عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ للْعَبَّاس... فَذكره بِاللَّفْظِ السالف عَن أبي دَاوُد وَابْن مَاجَه ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث يماني وَصله مُوسَى بن عبد الْعَزِيز، عَن الحكم بن أبان. قَالَ: وَقد أخرجه أَبُو بكر مُحَمَّد بن إِسْحَاق- يَعْنِي ابْن خُزَيْمَة وَأَبُو دَاوُد سُلَيْمَان بن الْأَشْعَث وَأَبُو عبد الرَّحْمَن أَحْمد بن شُعَيْب- يَعْنِي النَّسَائِيّ- فِي الصَّحِيح.
قلت: لم أره فِيهِ. قَالَ: فَرَوَوْه ثَلَاثَتهمْ عَن عبد الرَّحْمَن بن بشر قَالَ: وَقد رَوَاهُ إِسْحَاق بن أبي إِسْرَائِيل، عَن مُوسَى بن عبد الْعَزِيز فَذكره بِإِسْنَادِهِ بِمثلِهِ لفظا وَاحِدًا، ثمَّ قَالَ: أما حَال مُوسَى بن عبد الْعَزِيز فَأحْسن الثَّنَاء عَلَيْهِ عبد الرَّزَّاق. ثمَّ ذكر عَنهُ بِإِسْنَادِهِ، قَالَ: وَأما حَال الحكم بن أبان فقد قَالَ البُخَارِيّ: ثَنَا عَلّي بن الْمَدِينِيّ، عَن ابْن عُيَيْنَة قَالَ: سَأَلت يُوسُف بن يَعْقُوب كَيفَ كَانَ الحكم بن أبان؟ قَالَ: ذَاك سيدنَا. قَالَ الْحَاكِم: وَأما إرْسَال إِبْرَاهِيم بن الحكم بن أبان هَذَا الحَدِيث، عَن أَبِيه فَحَدَّثَنِيهِ عَلّي بن عِيسَى... فَذكره بِإِسْنَادِهِ ثمَّ قَالَ: هَذَا الْإِرْسَال لَا يوهن الْوَصْل؛ فَإِن الزِّيَادَة من الثِّقَة أولَى من الْإِرْسَال، عَلَى أَن إِمَام أهل عصره فِي الحَدِيث إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْحَنْظَلِي قد أَقَامَ هَذَا الْإِسْنَاد، عَن إِبْرَاهِيم بن الحكم بن أبان وَوَصله... فَذكره، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا بِمثل حَدِيث مُوسَى بن عبد الْعَزِيز، عَن الحكم بِإِسْنَادِهِ، قَالَ الْحَاكِم: وَقد صحت الرِّوَايَة عَن عبد الله بن عمر بن الْخطاب «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم علم ابْن عَمه جَعْفَر بن أبي طَالب هَذِه الصَّلَاة كَمَا علمهَا عَمه» ثمَّ سَاقه بِإِسْنَادِهِ وَقَالَ: إِسْنَاد صَحِيح لَا غُبَار عَلَيْهِ. قَالَ: وَمِمَّا يسْتَدلّ بِهِ عَلَى صِحَة هَذَا الحَدِيث اسْتِعْمَال الْأَئِمَّة من أَتبَاع التَّابِعين وَإِلَى عصرنا هَذَا إِيَّاه، ومواظبتهم عَلَيْهِ، وتعليمهن النَّاس مِنْهُم عبد الله بن الْمُبَارك، ثمَّ سَاقه بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ كَمَا أسلفناه عَن التِّرْمِذِيّ، ثمَّ قَالَ: رُوَاة هَذَا الحَدِيث، عَن ابْن الْمُبَارك كلهم ثِقَات أَثْبَات.
قَالَ: وَلَا يُتَّهَمُ عبد الله أَن يعلم مَا لم يصحَّ عِنْده سَنَده انْتَهَى مَا ذكره الْحَاكِم.
وَعَن الدَّارَقُطْنِيّ أَنه قَالَ: أصح شَيْء فِي فَضَائِل السُّور قل هُوَ الله أحد. وَأَصَح شَيْء فِي فَضَائِل الصَّلَوَات صَلَاة التَّسْبِيح، وَأغْرب ابْن الْجَوْزِيّ فروَى هَذَا الحَدِيث فِي مَوْضُوعَاته من حَدِيث الْعَبَّاس وَابْنه وَأبي رَافع وضعفها كلهَا وَقَالَ: إِنَّهَا لَا تثبت، وَقد رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام علمهَا عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ وعليًّا وجعفرًا. ثمَّ ضعفها وَنقل عَن الْحَافِظ أبي جَعْفَر الْعقيلِيّ أَنه قَالَ: لَيْسَ فِي صَلَاة التَّسْبِيح حَدِيث يثبت وَذكره لهَذَا الحَدِيث فِي مَوْضُوعَاته من الغلو، وَله فِي هَذَا الْكتاب أَشْيَاء تساهل فِي دَعْوَى وَضعهَا، وحقها أَن تذكر فِي الْأَحَادِيث الضعيفة بل بَعْضهَا حسن أَو صَحِيح. وَقد أنكر غير وَاحِد عَلَيْهِ فعله فِي هَذَا التصنيف. قَالَ الْحَافِظ محب الدَّين الطَّبَرِيّ: لم يكن لَهُ أَن يذكر هَذَا الحَدِيث فِي الموضوعات فقد خرجه الحفَّاظ. قلت: مثل أبي دَاوُد وَابْن مَاجَه وَابْن خُزَيْمَة وَالْحَاكِم كَمَا سلف قَالَ: وَله مثل هَذَا كثير- عَفا الله عَنهُ.
وَقد رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يواظب عَلَى فعلهَا بعد الزَّوَال فِي كل جُمُعَة، قَالَ الْعلمَاء: وَإِذا عمل الصَّحَابِيّ بِحَدِيث دلَّ عَلَى قوته، وَلَا الْتِفَات إِلَى قَول من زهد فِيهَا، وَقد رُوِيَ عَن أبي دَاوُد أَنه قَالَ: عرضت السّنَن بعد فراغها عَلَى أَحْمد بن حَنْبَل فارتضاها وَلم يُنكر مِنْهَا شَيْئا، وَصَلَاة التَّسْبِيح مثبتة فِيهَا، وشيوخ الحَدِيث قد ينقلون الحَدِيث من طَرِيق صَحِيحَة، ثمَّ من طَرِيق ضَعِيفَة فيطلقون عدم الصِّحَّة، ويريدون مَا نقل بِالطَّرِيقِ الضَّعِيف، وَجُمْهُور الْفُقَهَاء لم يمنعوا صَلَاة التَّسْبِيح مَعَ اخْتلَافهمْ فِي الْمَنْع من تَطْوِيل الِاعْتِدَال. هَذَا آخر كَلَام الْحَافِظ- رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَقد اسْتحبَّ هَذِه الصَّلَاة من أَصْحَابنَا القَاضِي الْحُسَيْن وَصَاحب التَّهْذِيب والتَّتِمَّة وَالرُّويَانِيّ فِي الْبَحْر عملا بِالْحَدِيثِ فِيهَا، وَاعْترض عَلَيْهِم النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب فَقَالَ: فِي هَذَا الِاسْتِحْبَاب نظر؛ لِأَن حَدِيثهَا ضَعِيف وفيهَا تَغْيِير لنظم الصَّلَاة الْمَعْرُوفَة، فَيَنْبَغِي أَن لَا تفعل بِغَيْر حَدِيث صَحِيح، وَلَيْسَ حَدِيثهَا بِثَابِت. قَالَ التِّرْمِذِيّ: لَا يَصح فِي ذَلِك كَبِير شَيْء. وَكَذَا قَالَ الْعقيلِيّ وَأَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ: إِنَّه لَيْسَ فِيهَا حَدِيث حسن وَلَا صَحِيح، وَنقل مثل هَذِه الْمقَالة عَنْهُم فِي خلاصته وأقرهم، ولخص كَلَامه فِي شرح الْمُهَذّب وَفِي تَحْقِيقه فَقَالَ: قَالَ القَاضِي حُسَيْن وَالْبَغوِيّ وَالْمُتوَلِّيّ وَالرُّويَانِيّ: تسْتَحب صَلَاة التَّسْبِيح. وَعِنْدِي فِيهَا نظر؛ لِأَن فِيهَا تَغْيِير الصَّلَاة وحديثها ضَعِيف. وَقَالَ فِي الْأَذْكَار: قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: حَدِيث أبي رَافع الْمَرْوِيّ فِي صَلَاة التَّسْبِيح ضَعِيف لَيْسَ لَهُ أصل فِي الصِّحَّة وَلَا فِي الْحسن، قَالَ: وَإِنَّمَا ذكره التِّرْمِذِيّ لينبه عَلَيْهِ؛
لِئَلَّا يغتر بِهِ. قَالَ: وَقَول ابْن الْمُبَارك لَيْسَ بِحجَّة. ثمَّ نقل كَلَام الْعقيلِيّ وَابْن الْجَوْزِيّ قَالَ: وَقد نصَّ جمَاعَة من أَصْحَابنَا عَلَى استحبابها مِنْهُم الْبَغَوِيّ وَالرُّويَانِيّ وأقرهما عَلَى ذَلِك.
وَقَالَ فِي كِتَابه تَهْذِيب اللُّغَات: قد جَاءَ فِي صَلَاة التَّسْبِيح حَدِيث حسن فِي كتاب التِّرْمِذِيّ وَغَيره، وَذكره الْمحَامِلِي وَصَاحب التتمَّة وَغَيرهمَا من أَصْحَابنَا وَهِي سُنَّةٌ حَسَنَة. هَذَا لَفظه وَهُوَ مُخَالف لما قدمه فِي غير هَذَا الْكتاب، وَالله الْمُوفق للصَّوَاب. وَسميت صَلَاة التَّسْبِيح لِكَثْرَة التَّسْبِيح فِيهَا خلاف الْعَادة فِي غَيرهَا.