فصل: وَأما آثاره:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الحَادِي عشر:

عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول فِي سُجُود الْقُرْآن: اللَّهُمَّ اكْتُبْ لي بهَا عنْدك أجرا، وَاجْعَلْهَا لي عنْدك ذخْرا، وضع عني بهَا وزرًا، واقبلها مني كَمَا قبلتها من عَبدك دَاوُد».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي جامعه، وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه وَابْن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث مُحَمَّد بن يزِيد بن خُنَيْس، عَن الْحسن بن مُحَمَّد بن عبيد الله بن أبي يزِيد قَالَ: قَالَ لي ابْن جريج: يَا حسن، أَخْبرنِي عبيد الله بن أبي يزِيد، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «جَاءَ رجل إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي رَأَيْتنِي البارحة وَأَنا نَائِم كَأَنِّي أُصَلِّي خلف شَجَرَة، فسجدت فسجدت الشَّجَرَة لسجودي، فسمعتها وَهِي تَقول: اللَّهُمَّ اكْتُبْ لي بهَا عنْدك أجرا، وضع عني بهَا وزرًا، وتقبلها مني كَمَا تقبلتها من عَبدك دَاوُد» وَقَالَ الْحسن: قَالَ لي ابْن جريج: قَالَ لي جدك: قَالَ ابْن عَبَّاس: «فَقَرَأَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سَجْدَة ثمَّ سجد. فَقَالَ ابْن عَبَّاس: فَسَمعته يَقُول مِثْلَمَا أخبرهُ الرجل عَن قَول الشَّجَرَة» هَذَا لفظ التِّرْمِذِيّ.
وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه وَلم يقل: «وتقبلها مني...» إِلَى آخِره، وَفِي رِوَايَة لَهُ «اللَّهُمَّ احطط بهَا عني وزرًا».
وَلَفظ رِوَايَة الْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي رَأَيْت فِي هَذِه اللَّيْلَة فِيمَا يرَى النَّائِم كَأَنِّي أُصَلِّي خلف شَجَرَة، فَرَأَيْت كَأَنِّي قَرَأت سَجْدَة فسجدت، فَرَأَيْت الشَّجَرَة كَأَنَّهَا تسْجد بسجودي فسمعتها سَاجِدَة وَهِي تَقول: اللَّهُمَّ اكْتُبْ لي...» الحَدِيث- كَمَا سَاقه الرَّافِعِيّ سَوَاء- قَالَ ابْن عَبَّاس: «فَرَأَيْت رَسُول قَرَأَ السَّجْدَة ثمَّ سجد، فَسَمعته يَقُول وَهُوَ ساجد مِثْلَمَا قَالَ الرجل عَن كَلَام الشَّجَرَة» وَكَذَا أخرجه ابْن حبَان.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب من حَدِيث ابْن عَبَّاس لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه. وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح رُوَاته مكيون لم يذكر وَاحِد مِنْهُم بِجرح وَهُوَ من شَرط الصَّحِيح وَلم يخرجَاهُ.
قلت: وَالْحسن بن مُحَمَّد بن عبيد الله رَاوِيه عَن ابْن جريج. قَالَ الْعقيلِيّ فِيهِ: لَا يُتَابع عَلَى حَدِيثه، قَالَ: وَله طرق كلهَا فِيهَا لين. وَقَالَ غَيره: فِيهِ جَهَالَة، مَا رَوَى عَنهُ سُوَى ابْن خُنَيْس. وَجزم بِهَذَا الذَّهَبِيّ فِي الْمُغنِي فَقَالَ: لَا يعرف لَكِن صحّح الْحَاكِم حَدِيثه- كَمَا ترَى- وَكَذَا ابْن حبَان، وَهُوَ مُؤذن بمعرفته وثقته.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة من طَرِيق الشَّافِعِي: أَنا سُفْيَان، عَن عَاصِم بن بَهْدَلَة، عَن بكر بن عبد الله الْمُزنِيّ قَالَ: «جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: رَأَيْت كَأَن رجلا يكْتب الْقُرْآن، فَلَمَّا مر بِالسَّجْدَةِ الَّتِي فِي ص سجدت شَجَرَة، فَقَالَت اللَّهُمَّ أعظم بهَا أجرا، واحطط بهَا وزرًا، وأحدث بهَا شكرا. فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَنحْن أَحَق بِالسُّجُود من الشَّجَرَة. فسجدها وَأمر بِالسُّجُود».
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا مُنْقَطع.
وَرَوَاهُ حميد الطَّوِيل، عَن بكر قَالَ: أَخْبرنِي مخبر، عَن أبي سعيد قَالَ: «رَأَيْت فِي الْمَنَام كَأَنِّي أقرّ سُورَة ص...» فَذكره بِنَحْوِهِ.
وَفِي علل الدَّارَقُطْنِيّ أَنه سُئِلَ عَن حَدِيث بكر هَذَا فَقَالَ: يرويهِ حميد عَنهُ عَن رجل، عَن أبي سعيد، وأرسله حَمَّاد بن سَلمَة، عَن حميد، عَن بكر «أَن أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ رَأَى فِيمَا يرَى النَّائِم...» الحَدِيث. وَقَالَ ابْن جحادة، عَن بكر أَن أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَتَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ عَاصِم عَن بكر «إِن رجلا أَتَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم» وَلم يسمه، قَالَ: وَقَول مُسَدّد عَن هشيم أشبههَا بِالصَّوَابِ.

.الحديث الثَّانِي عشر:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «كَانَ إِذا مر فِي قِرَاءَته بِالسُّجُود كبر وَسجد».
هَذَا الحَدِيث تقدم فِي الْبَاب، وَهُوَ الحَدِيث السَّابِع مِنْهُ.

.الحديث الثَّالِث عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «تَحْرِيمهَا التَّكْبِير، وتحليلها التَّسْلِيم».
هَذَا الحَدِيث تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ وَاضحا فِي بَاب صفة الصَّلَاة؛ فَرَاجعه من ثمَّ.

.الحديث الرَّابِع عشر:

رُوِيَ «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأَى رجلا نغاشيًّا فَخر سَاجِدا ثمَّ قَالَ: أسأَل الله الْعَافِيَة».
هَذَا الحَدِيث ذكره الشَّافِعِي فِي الْمُخْتَصر بِلَفْظ: «رَأَى رجلا نغاشيًّا؛ فَسجدَ شكرا لله» وَرَوَاهُ فِي الْقَدِيم بلاغًا؛ كَمَا عزاهُ إِلَيْهِ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة، وَذكره الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه مستشهدًا بِهِ عَلَى حَدِيث أبي بكرَة فِي سُجُود الشُّكْر الْمَشْهُور فِي سنَن أبي دَاوُد وَغَيره بِلَفْظ «إنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأَى نغاشيًّا، فَخر سَاجِدا».
وأسنده الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث من جَابر الْجعْفِيّ، عَن أبي جَعْفَر «إِن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأَى رجلا من النغاشين؛ فَخر سَاجِدا».
وَهَذَا مُنْقَطع، وَجَابِر عرفت حَاله فِي بَاب الْأَذَان، وَغَيره.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن والْمعرفَة من رِوَايَة جَابر، عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَلّي أَيْضا قَالَ: «رَأَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا نغاشيًّا يُقَال لَهُ: زنيم- قصير- فَخر سَاجِدا، ثمَّ قَالَ: أسأَل الله الْعَافِيَة».
قَالَ فِي السّنَن: هَذَا مُنْقَطع رَوَاهُ جَابر الْجعْفِيّ، وَله شَاهد من وَجه آخر... فَذكره من جِهَة أُخْرَى بِمَعْنَاهُ، وَسَماهُ فِي الْمعرفَة مُرْسلا، قَالَ: وَله شَاهد يؤكده... فَذكره.
قلت: وأسنده ابْن حبَان فِي ضُعَفَائِهِ من وجهٍ آخر من حَدِيث يُوسُف بن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن أَبِيه، عَن جَابر قَالَ: «كَانَ رَسُول الله إِذا رَأَى الرجل مغير الْخلق خر سَاجِدا شكرا لله» ثمَّ قَالَ: يُوسُف يروي عَن أَبِيه مَا لَيْسَ من حَدِيث أَبِيه من الْمَنَاكِير الَّتِي لَا يشك عوام أهل الحَدِيث أَنَّهَا مَقْلُوبَة، وَكَانَ يُوسُف شَيخا صَالحا مِمَّن غلب عَلَيْهِ الصّلاح حَتَّى غفل عَن حد الْحِفْظ والإتقان، فَكَانَ يَأْتِي بالشَّيْء عَلَى التَّوَهُّم؛ فَبَطل الِاحْتِجَاج بِهِ.
وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث- يَعْنِي: حَدِيث جَابر- فَقَالَ: هَذَا حَدِيث مُنكر.
فَائِدَة: النُّغاشي- بِضَم النُّون وَفتح الْغَيْن الْمُعْجَمَة المخففة ثمَّ ألف ثمَّ شين مُعْجمَة- وَهُوَ الرجل الْقصير، كَمَا سلف فِي متن الحَدِيث، وَكَذَا فسره بِهِ ابْن فَارس وَابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه وَزَاد فِي غَرِيبه: الضَّعِيف الْحَرَكَة، وَكَذَا هُوَ فِي «المعرب» للمطرزي فَقَالَ: هُوَ الْقصير فِي الْقَامَة الضَّعِيف الْحَرَكَة وَقَالَ فِي زنيم «رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام رَأَى رجلا نغاشيًّا يُقَال لَهُ: زنيم فَخر سَاجِدا» قَالَ: فَهَذَا عَلَى هَذَا اسْم علم الرجل بِعَيْنِه، وَقد أسلفنا هَذِه الرِّوَايَة وَقَالَ الْهَرَوِيّ فِي غَرِيبه فِي الحَدِيث «إِنَّه رَأَى نغاشيًّا» وَيروَى «نغاشًا فَسجدَ» قَالَ أَبُو عبيد وَهُوَ القصنصع الْبُنيان قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: النغاشيون هم: الْقصار الصغار الْحَرَكَة، والقَلَطي فَوق النغاشي. وَقَالَ الْأَزْهَرِي: النغاش الْقصير الضاوي الصَّغِير الجثة. قَالَ: وَنصب «شكرا لله» لِأَنَّهُ مصدر، وَفِيه قَول آخر إِنَّه نصب؛ لِأَنَّهُ مفعول لَهُ. وَقَالَ القَاضِي حُسَيْن: النغاشي: النَّاقِص الْخلقَة. وَقيل: هُوَ مختلط الْعقل. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَالرُّويَانِيّ: هُوَ النَّاقِص الْخلق. وَقيل: الْمُبْتَلَى. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي خلاصته: النغاشي بتَشْديد الْيَاء والنغاش- بحذفها- هُوَ: الْقصير جدًّا الضَّعِيف الْحَرَكَة النَّاقِص الْخلق. وَكَذَا ذكره ابْن الْأَثِير، وَهَذِه الْأَقْوَال مُتَقَارِبَة.

.الحديث الخَامِس عشر:

عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سجد فَأطَال، فَلَمَّا رفع قيل لَهُ فِي ذَلِك، فَقَالَ: أَخْبرنِي جِبْرِيل أَن من صَلَّى عليِّ مرّة صَلَّى الله عَلَيْهِ عشرا، فسجدت شكرا لله تَعَالَى».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد بن عَمْرو بن عَاصِم، عَن عبد الْوَهَّاب بن نجدة الحوطي، عَن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد عَن عَمْرو بن أبي عَمْرو، عَن عبد الْوَاحِد- وَهُوَ ابْن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف- عَن أَبِيه، عَن جده قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سجد سَجْدَة فَأطَال فَرفع رَأسه فَسَأَلته عَن ذَلِك فَقَالَ: إِن جِبْرِيل لَقِيَنِي فَقَالَ: من صَلَّى عَلَيْك صَلَّى الله عَلَيْهِ، وَمن سلم عَلَيْك سلم الله عَلَيْهِ- أَحْسبهُ قَالَ: عشرا- فسجدت لله شكرا» كَذَا رَوَاهُ عبد الْوَهَّاب، وَخَالفهُ غَيره؛ فَرَوَاهُ عَن الدَّرَاورْدِي، عَن عَمْرو من غير ذكر الْأَب، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَهُوَ الْمَحْفُوظ- وَأثبت البُخَارِيّ فِي تَارِيخه سَماع عبد الْوَاحِد وَحده، وَكَذَا قَالَ ابْن أبي حَاتِم أَيْضا عَن أَبِيه.
قلت: وَعَمْرو بن أبي عَمْرو هُوَ: مولَى الْمطلب وَفِيه لين وَسَتَأْتِي أَيْضا رِوَايَة الإِمَام أَحْمد وَغَيره لَهُ وَرَوَاهُ الْبَزَّار فِي مُسْنده والعقيلي فِي تَارِيخ الضُّعَفَاء وَاللَّفْظ لَهُ من حَدِيث سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، عَن أَبِيه، عَن جده عبد الرَّحْمَن بن عَوْف «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سجد فَأطَال السُّجُود، قلت: يَا رَسُول الله، أطلت السُّجُود. فَقَالَ: سجدت شكرا لرَبي فِيمَا آتَانِي فِي أمتِي: من صَلَّى عليَّ صَلَاة كتبت لَهُ عشر حَسَنَات».
وَذكره الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله بِهَذَا الْإِسْنَاد وَاللَّفْظ إِلَى قَوْله: «لرَبي».
قَالَ الْعقيلِيّ: قَالَ البُخَارِيّ: هَذَا حَدِيث لَا يَصح. وَقَالَ الْبَزَّار: لَا نعلم رَوَاهُ عَن سعد بن إِبْرَاهِيم إِلَّا قيس بن عبد الرَّحْمَن بن أبي صعصعة، وَلَا رَوَاهُ عَن قيس سُوَى مُوسَى بن عُبَيْدَة قَالَ: وَقد رُوِيَ عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف من وَجه آخر غير مُتَّصِل عَنهُ، وَقَالَ الْعقيلِيّ: هَذَا يرْوَى من وجهٍ آخر بِإِسْنَاد جيد ثَابت.
قلت: رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده من طرق عَنهُ مدارها عَلَى عَمْرو بن أبي عَمْرو، لَفظه فِي أَحدهَا «خرج رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتوجه نَحْو صدقته فَدخل فَاسْتقْبل الْقبْلَة، فَخر سَاجِدا فَأطَال السُّجُود حَتَّى ظَنَنْت أَن الله عَزَّ وَجَلَّ قبض نَفسه فِيهَا، فدنوت مِنْهُ ثمَّ جَلَست فَرفع رَأسه، فَقَالَ: من هَذَا؟ فَقلت: عبد الرَّحْمَن. قَالَ: مَا شَأْنك؟ قلت: يَا رَسُول الله، سجدت سَجْدَة خشيت أَن يكون الله عَزَّ وَجَلَّ قد قبض نَفسك فِيهَا. فَقَالَ: إِن جِبْرِيل أَتَانِي فبشرني فَقَالَ: إِن الله عَزَّ وَجَلَّ يَقُول لَك: من صَلَّى عَلَيْك صليت عَلَيْهِ، وَمن سلم عَلَيْك سلمت عَلَيْهِ؛ فسجدت لله عَزَّ وَجَلَّ شكرا».
وَرَوَاهُ ابْن أبي عَاصِم وَقَالَ: «وَمن سلم عَلَيْك سلم الله عَلَيْهِ قَالَ:- أَحْسبهُ عشرا- قَالَ: فسجدت لله شكرا».
وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه بِلَفْظ: عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ: «دخلت الْمَسْجِد وَرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خَارج من الْمَسْجِد فتتبعته أَمْشِي وَرَاءه وَهُوَ لَا يشْعر حَتَّى دخل نخلا، فَاسْتقْبل الْقبْلَة فَسجدَ فَأطَال السُّجُود وَأَنا وَرَاءه حَتَّى ظَنَنْت أَن الله قد توفاه، فَأَقْبَلت حَتَّى جِئْته، فطأطأت رَأْسِي أنظر فِي وَجهه فَرفع رَأسه فَقَالَ: مَا لَك يَا عبد الرَّحْمَن؟
فَقلت: لما أطلت السُّجُود يَا رَسُول الله خشيت أَن يكون توفى نَفسك فَجئْت أنظر. فَقَالَ: إِنِّي لما دخلت النّخل لَقِيَنِي جِبْرِيل فَقَالَ: إِنِّي أُبَشِّرك أَن الله يَقُول: من سلم عَلَيْك سلمت عَلَيْهِ، وَمن صَلَّى عَلَيْك صليت عَلَيْهِ»
. قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ. وَهُوَ كَمَا قَالَ قَالَ: وَلَا أعلم فِي سَجْدَة الشُّكْر أصح مِنْهُ، وَسُئِلَ عَنهُ الدَّارَقُطْنِيّ؛ فَذكر اخْتِلَافا فِي إِسْنَاده، وَفِي علل ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَن حَدِيث مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف سمع أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: «سجد النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سَجْدَة فَأطَال السُّجُود حَتَّى ظَنَنْت أَن الله قبض روحه، ثمَّ رفع رَأسه فَسَأَلته عَن ذَلِك. فَقَالَ: إِن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام لَقِيَنِي فَقَالَ: من صَلَّى عَلَيْك صَلَّى الله عَلَيْهِ، وَمن سلم عَلَيْك سلم الله عَلَيْهِ- أَحْسبهُ قَالَ: عشرا- فسجدت لله شكرا» وَرَوَاهُ عمر بن أبي عَمْرو، عَن عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ: حَدِيث أبي سعيد وهم، وَالصَّوَاب: حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب.

.وَأما آثاره:

فَأَرْبَعَة:

.الأول:

عَن عمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه قَرَأَ عَلَى الْمِنْبَر سُورَة السَّجْدَة، فَنزل فَسجدَ وَسجد النَّاس مَعَه، فَلَمَّا كَانَ فِي الْجُمُعَة الْأُخْرَى قَرَأَهَا فتهيأ النَّاس للسُّجُود، فَقَالَ: عَلَى رسلكُمْ؛ إِن الله لم يَكْتُبهَا علينا إِلَّا أَن نشَاء».
وَهُوَ أثر صَحِيح، رَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه «أَن عمر قَرَأَ السَّجْدَة وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَر يَوْم الْجُمُعَة فَنزل وَسجد وسجدنا مَعَه، ثمَّ قَرَأَ يَوْم الْجُمُعَة الْأُخْرَى فتهيأ النَّاس للسُّجُود، فَقَالَ: عَلَى رسلكُمْ؛ إِن الله لم يَكْتُبهَا علينا إِلَّا أَن نشَاء. فَلم يسْجد ومنعهم أَن يسجدوا».
وَرَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه وَلَفظه: «إِن عمر قَرَأَ عَلَى الْمِنْبَر سُورَة النَّحْل، حَتَّى إِذا جَاءَ السَّجْدَة نزل فَسجدَ وَسجد النَّاس مَعَه، حَتَّى إِذا كَانَت الْجُمُعَة الْقَابِلَة قَرَأَ بهَا حَتَّى إِذا جَاءَ للسجدة قَالَ: أَيهَا النَّاس، إِنَّا لم نؤمر بِالسُّجُود؛ فَمن سجد فقد أصَاب، وَمن لم يسْجد فَلَا إِثْم عَلَيْهِ، وَلم يسْجد عمر».
قَالَ البُخَارِيّ: وَزَاد نَافِع عَن ابْن عمر: «إِن الله لم يفْرض السُّجُود إِلَّا أَن نشَاء».
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِلَفْظ: «يَا أَيهَا النَّاس، إِنَّا لم نؤمر بِالسُّجُود؛ فَمن سجد فقد أصَاب وَأحسن» ثمَّ قَالَ: وَشَاهده الْمُرْسل: حَدِيث هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه... فَذكره.
تَنْبِيهَانِ:
التَّنْبِيه الأول:
قَوْله: «إِلَّا أَن نشَاء» الظَّاهِر أَنه بالنُّون لَا بِالْمُثَنَّاةِ تَحت.
الثَّانِي:
قَالَ القَاضِي فِي «مشارقه»: عَلَى رسلك، وَعَلَى رِسْلكُمَا، وَعَلَى رسلكُمْ- بِكَسْر الرَّاء فِي هَذَا وَفتحهَا مَعًا، فبكسرها: عَلَى تؤدتكم، وَبِفَتْحِهَا من اللين والرفق، وَأَصله السّير اللين، وَمَعْنَاهُ مُتَقَارب، وَقيل: هما مَعْنَى من التؤدة وَترك العجلة.

.الْأَثر الثَّانِي:

عَن ابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه كَانَ لَا يسْجد فِي ص.».
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الشَّافِعِي وَالْبَيْهَقِيّ عَنهُ فِي كِتَابيه الْمعرفَة والسّنَن وَزَاد: «وَيَقُول: إِنَّهَا تَوْبَة نَبِي» قَالَ فِي السّنَن: وروينا عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة «أَنهم كَانُوا يَسْجُدُونَ فِي ص» ثمَّ ذكر ذَلِك عَنْهُم بأسانيده، وَكَذَا قَالَ فِي الْمعرفَة: روينَا ذَلِك عَن عمر، وَعُثْمَان وروينا عَن ابْن عمر «أَنه يسْجد فِيهَا فِي الصَّلَاة».

.الْأَثر الثَّالِث:

عَن عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه مر بقاصٍّ فَقَرَأَ آيَة السَّجْدَة ليسجد عُثْمَان مَعَه، فَلم يسْجد وَقَالَ: مَا استمعنا لَهَا».
وَهَذَا الْأَثر غَرِيب، كَذَلِك لم أَقف عَلَى من خرجه بِهَذِهِ السِّيَاقَة وَفِي البُخَارِيّ قَالَ عُثْمَان: «إِنَّمَا السَّجْدَة عَلَى من استمعها» وَفِي ابْن أبي شيبَة، عَن وَكِيع، عَن ابْن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة، عَن ابْن الْمسيب، عَن عُثْمَان قَالَ: «إِنَّمَا السَّجْدَة عَلَى من جلس لَهَا».
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: رُوِيَ عَن ابْن الْمسيب، عَن عُثْمَان قَالَ: «إِنَّمَا السَّجْدَة عَلَى من جلس لَهَا وأنصت».

.الْأَثر الرَّابِع:

عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «السَّجْدَة لمن جلس لَهَا».
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِلَفْظ: «إِنَّمَا السَّجْدَة عَلَى من جلس لَهَا» وَرَوَى مثله عَن سلمَان وَابْن الْمسيب. قَالَ: وَيذكر عَن ابْن عمر نَحوه.
خَاتِمَة:
لما ذكر الرَّافِعِيّ عَن الْجُوَيْنِيّ أَنه لَا يجوز التَّقَرُّب بِسَجْدَة فَرده من غير سَبَب، كَمَا لَا يجوز التَّقَرُّب بركوع مُفْرد أَو نَحوه، والعبادات يتبع فِيهَا الْوُرُود، وَظَاهر هَذَا عدم وُرُود ذَلِك هُنَا، لَكِن فِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث ثَوْبَان وَأبي الدَّرْدَاء: «عَلَيْك بِكَثْرَة السُّجُود» وَحمله النَّوَوِيّ عَلَى أَن المُرَاد بِهِ السُّجُود فِي الصَّلَاة، وَالْقَائِل بِجَوَاز مثل ذَلِك يمنعهُ.

.باب صَلَاة التَّطَوُّع:

ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا:

.أما الْأَحَادِيث:

فسبعة وَأَرْبَعُونَ حَدِيثا:

.الحديث الأول:

عَن ابْن عمر- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما- قَالَ: «صليت مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رَكْعَتَيْنِ قبل الظّهْر وَرَكْعَتَيْنِ بعْدهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْمغرب فِي بَيته، وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْعشَاء فِي بَيته، قَالَ: وحدثتني أُخْتِي حَفْصَة أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خفيفتين حِين يطلع الْفجْر».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى إِخْرَاجه من هَذَا الْوَجْه بِمَعْنَاهُ، وَزِيَادَة: «رَكْعَتَيْنِ بعد الْجُمُعَة فِي بَيته» والأخير للْبُخَارِيّ وَلمُسلم مَعْنَاهُ أَيْضا.

.الحديث الثَّانِي:

عَن عَائِشَة- رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- قَالَت: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «من ثابر عَلَى اثْنَتَيْ عشرَة رَكْعَة من السُّنة بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة: أَربع قبل الظّهْر...» وَالْبَاقِي كَمَا فِي حَدِيث ابْن عمر.
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه كَذَلِك من رِوَايَة الْمُغيرَة بن زِيَاد، عَن عَطاء عَنْهَا وَلَفْظهمَا فِي الْبَاقِي: «وَرَكْعَتَيْنِ بعْدهَا وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْمغرب، وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْعشَاء، وَرَكْعَتَيْنِ قبل الْفجْر».
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ بِلَفْظ: «من ثابر عَلَى ثِنْتَيْ عشرَة رَكْعَة فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة دخل الْجنَّة...» وَذكر بَاقِيه.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا الحَدِيث غَرِيب من هَذَا الْوَجْه، والمغيرة تكلم فِيهِ بعض أهل الْعلم من قبل حفظه.
قلت: قَالَ أَحْمد: ضَعِيف الحَدِيث، حدث بِأَحَادِيث مَنَاكِير وكل حَدِيث رَفعه فَهُوَ مُنكر. وَقَالَ النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: لَا يحْتَج بحَديثه، وَقَالَ وَكِيع: كَانَ ثِقَة. وَكَذَلِكَ قَالَ يَحْيَى فِي رِوَايَة: وَوَثَّقَهُ أَبُو الْفَتْح الْأَزْدِيّ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: هَذَا خطأ، قَالَ: وَلَعَلَّ عَطاء أَرَادَ أَن يَقُول: عَنْبَسَة فتصحف بعائشة. وَقَالَ الْمزي فِي أَطْرَافه: الْمَحْفُوظ فِي هَذَا حَدِيث عَنْبَسَة بن أبي سُفْيَان، عَن أم حَبِيبَة.
قلت: فَهُوَ من أَفْرَاد مُسلم، وَلَفظه عَنْهَا: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «من صَلَّى ثِنْتَيْ عشرَة رَكْعَة فِي يَوْم وَلَيْلَة يُبْنَى لَهُ بِهن بَيت فِي الْجنَّة...» وَفِي آخِره: «مَا من عبد مُسلم يتَوَضَّأ فأسبغ الْوضُوء ثمَّ صَلَّى فِي كل يَوْم...» بِمثلِهِ، وَفِي آخر: «سَجْدَة» بدل «رَكْعَة».
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ بِلَفْظ: «من صَلَّى فِي يَوْم وَلَيْلَة ثِنْتَيْ عشرَة رَكْعَة بُني لَهُ بَيت فِي الْجنَّة: أَرْبعا قبل الظّهْر وَرَكْعَتَيْنِ بعْدهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْمغرب، وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْعشَاء، وَرَكْعَتَيْنِ قبل صَلَاة الْفجْر» ثمَّ قَالَ: حَدِيث حسن صَحِيح. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه هَكَذَا لكنهما قَالَا: «وَرَكْعَتَيْنِ قبل الْعَصْر» بدل «رَكْعَتَيْنِ بعد الْعشَاء» وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا من طرق عَن عَنْبَسَة وَغَيره مَرْفُوعا كَرِوَايَة مُسلم، وَكَذَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه، وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من طَرِيقين لَفظه فِي أَحدهمَا: «من صَلَّى ثِنْتَيْ عشرَة رَكْعَة فِي يَوْم بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة أَربع رَكْعَات قبل الظّهْر، وَرَكْعَتَيْنِ قبل الْعَصْر، وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْمغرب وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْعشَاء وَرَكْعَتَيْنِ قبل الصُّبْح» وَلَفظه فِي الآخر كَلَفْظِ النَّسَائِيّ وَابْن حبَان، ثمَّ قَالَ: كلا الإسنادين صَحِيحَانِ عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: وشواهده كلهَا صَحِيحَة؛ فَمِنْهَا مُتَابعَة النُّعْمَان بن سَالم وَمَكْحُول الْفَقِيه. ثمَّ ذكر ذَلِك عَنْهُمَا بأسانيده.
فَائِدَة: ثابر- بثاء مُثَلّثَة ثمَّ ألف ثمَّ بَاء مُوَحدَة ثمَّ رَاء- أَي: واظب.

.الحديث الثَّالِث:

أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «رحم الله امْرأ صَلَّى قبل الْعَصْر أَرْبعا».
هَذَا الحَدِيث حسن، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، نَا مُحَمَّد بن مُسلم بن مهْرَان سمع جده، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا بِهِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُد: نَا ابْن مهْرَان، حَدثنِي جدي أَبُو الْمثنى... فَذكر كنيته.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب. وَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي علله: هَذَا الحَدِيث سكت عَنهُ عبد الْحق متسامحًا- فِيمَا أرَى- لكَونه من فَضَائِل الْأَعْمَال، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، عَن مُحَمَّد بن مهْرَان، عَن أبي الْمثنى، عَن ابْن عمر.
وَمُحَمّد بن مهْرَان يكنى- أَيْضا- أَبَا الْمثنى وَهُوَ مُحَمَّد بن مهْرَان بن مُسلم بن مهْرَان. كَذَا يَقُول ابْن معِين، وَغَيره يَقُول: مُحَمَّد بن مهْرَان بن مُسلم بن الْمثنى، وَابْن أبي حَاتِم وأَبُو أَحْمد يَقُولَانِ: مُحَمَّد بن مُسلم بن مهْرَان بن مُسلم بن الْمثنى، وَمُسلم بن الْمثنى هُوَ جده يكنى أَبَا الْمثنى، وَهُوَ مُؤذن مَسْجِد الْكُوفَة، وَهُوَ ثِقَة، فَأَما حفيده مُحَمَّد بن مهْرَان فَقَالَ أَبُو زرْعَة: واهي الحَدِيث. وَقَالَ عَمْرو بن عَلّي: رَوَى عَنهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ أَحَادِيث مُنكرَة. وَلم يرضه يَحْيَى الْقطَّان.
وَهَذَا الحَدِيث- كَمَا ترَى- هُوَ من رِوَايَة أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ عَنهُ، وَقد ذكره أَبُو أَحْمد فِي جملَة مَا أورد مِمَّا أنكر عَلَيْهِ، وَقَالَ فِي بَابه: إِن حَدِيثه يسير لَا يتَبَيَّن بِهِ صدقه من كذبه.
قلت: وَأما ابْن حبَان فَخَالف؛ فَذكر مُحَمَّد بن مهْرَان فِي ثقاته، وَأخرج الحَدِيث فِي صَحِيحه من حَدِيث أَحْمد بن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي، عَن أبي دَاوُد عَنهُ، عَن جده، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ السالف، ثمَّ قَالَ: أَبُو الْمثنى هَذَا اسْمه مُسلم بن الْمثنى، من ثِقَات أهل الْكُوفَة.
قَالَ: وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام: «أَرْبعا» أَرَادَ بتسليمتين؛ لِأَن فِي خبر يعْلى بن عَطاء، عَن عَلّي بن عبد الله الْأَزْدِيّ، عَن ابْن عمر رَفعه: «صَلَاة اللَّيْل وَالنَّهَار مثنى».
وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَمِعت أبي يَقُول: سَأَلت أَبَا الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ عَن حَدِيث: مُحَمَّد بن مُسلم بن الْمثنى، عَن أَبِيه، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «رحم الله من صَلَّى قبل الْعَصْر أَرْبعا» فَقَالَ: دع ذَا- فَقلت: إِن أَبَا دَاوُد رَوَاهُ. فَقَالَ أَبُو الْوَلِيد: كَانَ ابْن عمر يَقُول: «حفظت عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عشر رَكْعَات فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة...» فَلَو كَانَ هَذَا لعده، قَالَ أبي يَعْنِي كَانَ يَقُول: «حفظت عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ثِنْتَيْ عشرَة رَكْعَة...» انْتَهَى كَلَامه.
وَلَك أَن تَقول: هَذَا لَيْسَ بعلة فَإِن ابْن عمر أخبر فِي ذَلِك عَمَّا حفظه من فعله عَلَيْهِ السَّلَام، وَهَذَا عَمَّا حث عَلَيْهِ فَلَا تنَافِي بَينهمَا.

.الحديث الرَّابِع:

عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي قبل الْعَصْر أَرْبعا، يفصل بَين كل رَكْعَتَيْنِ بِالتَّسْلِيمِ».
هَذَا الحَدِيث سلف بِطُولِهِ فِي أَوَاخِر بَاب كَيْفيَّة الصَّلَاة؛ فَرَاجعه مِنْهُ.

.الحديث الخَامِس:

عَن أم حَبِيبَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «من حَافظ عَلَى أَربع رَكْعَات قبل الظّهْر وَأَرْبع بعْدهَا حرمه الله عَلَى النَّار».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة من حَدِيث: عَنْبَسَة بن أبي سُفْيَان، عَنْهَا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَلَفظ التِّرْمِذِيّ «من صَلَّى» بدل «من حَافظ» وَفِي لفظ للنسائي «فتمس وَجهه النَّار أبدا- إِن شَاءَ الله».
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة مَكْحُول عَنهُ، وَرَوَى النَّسَائِيّ أَيْضا من رِوَايَة حسان بن عَطِيَّة عَنهُ، وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه من حَدِيث عبد الله بن المُهَاجر الشعيثي عَنهُ.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن غَرِيب.
وَذكر أَبُو زرْعَة وَهِشَام بن عمار وَالنَّسَائِيّ أَن مَكْحُولًا لم يسمع من عَنْبَسَة، وَخَالفهُم غَيرهم كَمَا ذكر عَنْهُم فِي بَاب الإحداث فِي حَدِيث أم حَبِيبَة فِي مس الْفرج، لَا جرم أخرجه الْحَاكِم من طَرِيقه، وَصَححهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي عبد الرَّحْمَن الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن- صَاحب أبي أُمَامَة- عَن عَنْبَسَة قَالَ: سَمِعت أُخْتِي أم حَبِيبَة- زوج النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم تَقول: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «من حَافظ عَلَى أَربع رَكْعَات قبل الظّهْر وَأَرْبع بعْدهَا حرمه الله عَلَى النَّار» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب من هَذَا الْوَجْه قَالَ: وَالقَاسِم هَذَا ثِقَة شَامي.
قلت: وَوَثَّقَهُ أَيْضا ابْن معِين والجوزجاني، وَضَعفه أَحْمد وَابْن حبَان، قَالَ أَحْمد: هُوَ مُنكر الحَدِيث، حدث عَنهُ عَلّي بن يزِيد أَعَاجِيب، وَمَا أَرَاهَا إِلَّا من قبل الْقَاسِم.
وَقَالَ ابْن حبَان، كَانَ يروي عَن أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله: المعضلات.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ: «مَا من عبد مُؤمن يُصَلِّي أَربع رَكْعَات بعد الظّهْر فتمس وَجهه النَّار أبدا- إِن شَاءَ الله» كَمَا سلف.
وَرَوَاهُ أَيْضا من حَدِيث مُحَمَّد بن أبي سُفْيَان بن حَرْب عَن أم حَبِيبَة بِاللَّفْظِ السالف أَولا.