فصل: وَأما الْآثَار:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث السَّابِع:

«أَن بِنْتا لِحَمْزَة أعتقت جَارِيَة، فَمَاتَتْ الْجَارِيَة عَن بنت وَعَن الْمُعتقَة، فَجعل النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نصف مِيرَاثهَا للْبِنْت وَالنّصف للمعتقة».
هَذَا الحَدِيث سلف وَاضحا فِي كتاب الْفَرَائِض حَيْثُ ذكره الرَّافِعِيّ، وَذكرنَا هُنَاكَ اخْتِلَاف الرِّوَايَات فِي أَن الْمُعْتق كَانَ لِحَمْزَة أَو لابنته، وَذكرنَا هُنَاكَ عدَّة أَقْوَال فِي اسْم ابْنة حَمْزَة.

.الحديث الثَّامِن:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «ثَلَاث جدهن جد وهزلهن جد، وعدّ مِنْهَا الطَّلَاق».
هَذَا الحَدِيث سلف بَيَانه مَبْسُوطا فِي كتاب الطَّلَاق وَأَنه بِهَذَا اللَّفْظ أَعنِي الْعتاق غَرِيب لَا يَصح ويتهيأ هُنَا عَلَى غلط وَقع لِابْنِ الْجَوْزِيّ فِيهِ فأغنى ذَلِك عَن الْإِعَادَة. هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب بِحَمْد الله وَمِنْه.

.وَأما آثاره:

فسبعة:

.أَحدهَا:

عَن الْأَعْمَش، عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: قَالَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «إِذا كَانَت الْحرَّة تَحت الْمَمْلُوك فَولدت لَهُ ولدا فَإِنَّهُ يعْتق بِعِتْق أمه، وَوَلَاؤُهُ لموَالِي أمه، فَإِذا أعتق الْأَب جر الْوَلَاء إِلَى موَالِي أَبِيه».
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَمِنْه نقلته، ثمَّ قَالَ: هَذَا مُنْقَطع. قَالَ: وَقد رُوِيَ موصلاً... فَذكره من حَدِيث الْأَعْمَش، عَن إِبْرَاهِيم، عَن الْأسود، عَنهُ أَنه قَالَ: «إِذا تزوج الْمَمْلُوك الْحرَّة فَولدت فولدها يعتقون بِعتْقِهَا وَيكون ولاؤهم لولاء أمّهم، فَإِذا أعتق الْأَب جر الْوَلَاء».

.الثَّانِي:

عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه «أَن الزبير وَرَافِع بن خديج اخْتَصمَا إِلَى عُثْمَان بن عَفَّان- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم- فِي مولاة كَانَت لرافع بن خديج كَانَت تَحت عبد فَولدت مِنْهُ أَوْلَادًا فَاشْتَرَى الزبير العَبْد فَأعْتقهُ، فَقَضَى عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بِالْوَلَاءِ للزبير».
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ كَذَا وَمِنْه نقلته ثمَّ قَالَ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُور عَن عُثْمَان وَرَوَى الزُّهْرِيّ عَن عُثْمَان بِخِلَافِهِ مُنْقَطِعًا وَإِنَّمَا الْوَلَاء لَا يجر فَذكرهَا الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ ثمَّ قَالَ وَالرِّوَايَة الأولَى من عُثْمَان اصح بشواهدها قَالَ: ومراسيل الزُّهْرِيّ ردية.

.الثَّالِث:

أَن عليا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَضَى فِي عبد كَانَت تَحْتَهُ حرَّة فَولدت أَوْلَادًا فعتقوا بعتاقة أمّهم، ثمَّ أعتق أبوهم بعد أَن ولاءهم لعصبة أَبِيهِم. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة ابْن لَهِيعَة عَن ابْن هُبَيْرَة كَمَا ذَكرْنَاهُ. قَالَ: وَأخْبرنَا ابْن الْمُبَارك، عَن معمر، عَن يزِيد الرشك «أَن عليا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كَانَ يجر الْوَلَاء».

.الرَّابِع:

عَن ابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «العَبْد يجر وَلَاؤُه إِذا أعتق». رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ قَالَ الْأسود بن يزِيد: «كَانَ شُرَيْح يقْضِي بولاء وَلَده يَعْنِي لموَالِي الْأُم حَتَّى حَدثهُ الْأسود بقول ابْن مَسْعُود فَقَضَى بِهِ شُرَيْح». قَالَ الْبَيْهَقِيّ: كَذَا قَالَ جَابر الْجعْفِيّ عَن الشّعبِيّ عَن الْأسود، وَقد رَوَى الحكم عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: «كَانَ شُرَيْح لَا يكَاد يرجع عَن قَضَاء قَضَى بِهِ حَتَّى حَدثهُ الْأسود بن يزِيد عَن عمر بن الْخطاب أَنه قَالَ فِي الْحرَّة تكون تَحت العَبْد فتلد لَهُ أَوْلَادًا ثمَّ يعْتق أبوهم أَنه يصير ولاؤهم إِلَى موالى أَبِيهِم فَأخذ بِهِ شُرَيْح». قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح. قَالَ: وَيحْتَمل أَن يكون الْأسود حَدثهُ عَن عمر وَابْن مَسْعُود جَمِيعًا.

.قَالَ الرَّافِعِيّ:

وَرَوَى مثل مقالتهم عَن زيد بن ثَابت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَهَذَا هُوَ الْأَثر الْخَامِس وَفِيمَا تقدم عَن هَؤُلَاءِ كِفَايَة.

.الْأَثر السَّادِس وَالسَّابِع:

عَن عمر وَعُثْمَان «أَن الْوَلَاء للكبر».
رَوَاهُمَا الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث سُفْيَان، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن سعيد بن الْمسيب، أَن عمر وَعُثْمَان قَالَا: «الْوَلَاء للكبر».
وَقَالَ أَبُو دَاوُد: «ورد أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَزيد وَابْن مَسْعُود يورثون الْكَبِير من الْوَلَاء» وَقَالَ أَحْمد فِي رِوَايَة أبنه صَالح: حَدِيث عمر مَرْفُوعا «مَا أحرز الْوَالِد أَو الْوَلَد فَهُوَ لعصبته من كَانَ» هَكَذَا يرويهِ عَمْرو بن شُعَيْب وَقد رُوِيَ عَن عمر وَعُثْمَان وَعلي وَزيد وَابْن مَسْعُود أَنهم قَالُوا: «الْوَلَاء للكبر» فَهَذَا الَّذِي يذهب إِلَيْهِ، وَهُوَ قَول أَكثر النَّاس فِيمَا بلغنَا.
فَائِدَة:
الظَّاهِر أَن المُرَاد من الْكبر الْأَقْرَب لَا الْأَكْبَر سنا.

.كتاب التَّدْبِير:

كتاب التَّدْبِير:
ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ حديثين وأثارًا:

.الحديث الأول:

عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رجلا دبَّر غُلَاما لَهُ لَيْسَ لَهُ مَال غَيره، فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: من يَشْتَرِيهِ مني؟ فَاشْتَرَاهُ نعيم بن النحام». وَفِي رِوَايَة «أَن رجلا من الْأَنْصَار أعتق عبدا لَهُ عَن دبر مِنْهُ لَا مَال لَهُ غَيره وَعَلِيهِ دين، فَبلغ ذَلِك النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبَاعَهُ وَقَضَى الدَّين مِنْهُ وَدفع الْفضل إِلَيْهِ».
هَذَا الحَدِيث بالرواية الأولَى صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم من طرق، أخرجه البُخَارِيّ فِي مَوَاضِع عَنهُ:
أَحدهَا: فِي الْبيُوع بِلَفْظ أَن «رجلا أعتق غُلَاما لَهُ عَن دبر فَاحْتَاجَ، فَأَخذه رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: من يَشْتَرِيهِ مني؟ فَاشْتَرَاهُ نعيم بن عبد الله بِكَذَا وَكَذَا فَدفعهُ إِلَيْهِ».
ثَانِيهَا: فِيهِ أَيْضا مُخْتَصرا «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام بَاعَ الْمُدبر».
ثَالِثهَا: فِي الاستقراض بِلَفْظ: «أعتق رجل غُلَاما لَهُ عَن دبر، فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: من يَشْتَرِيهِ مني؟ فَاشْتَرَاهُ نعيم بن عبد الله فَأخذ ثمنه فَدفعهُ إِلَيْهِ».
رَابِعهَا: فِي الْخُصُومَات بِلَفْظ «أَن رجلا أعتق عبدا لَيْسَ لَهُ مَال غَيره، فَرده رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فابتاعه مِنْهُ نعيم بن النحام».
خَامِسهَا: فِي كتاب الْأَيْمَان بِلَفْظ «أَن رجلا من الْأَنْصَار دبر مَمْلُوكا لَهُ، وَلم يكن لَهُ مَال غَيره، فَبلغ ذَلِك رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: من يَشْتَرِي مني فَاشْتَرَاهُ نعيم بن النحام بثمانمائة دِرْهَم، قَالَ جَابر: كَانَ عبدا قبطيًا مَاتَ عَام أول».
سادسها:- فِي الْإِكْرَاه كَذَلِك.
سابعها: فِي الْعتْق بِلَفْظ «أعتق رجل منا عبدا لَهُ عَن دبر، فَدَعَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهِ فَبَاعَهُ، قَالَ جَابر: مَاتَ الْغُلَام عَام أول» وَأخرجه مُسلم فِي الْعتْق بِلَفْظ: «أَن رجلا من الْأَنْصَار أعتق غُلَاما لَهُ عَن دبر لم يكن لَهُ مَال غَيره، فَبلغ ذَلِك النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: من يَشْتَرِيهِ مني؟ فَاشْتَرَاهُ نعيم بثمانمائة دِرْهَم، فَدَفعهَا إِلَيْهِ، قَالَ جَابر: كَانَ عبدا قبطيًا مَاتَ عَام أول» وَفِي رِوَايَة «فَاشْتَرَاهُ نعيم بن النحام، عبدا قبطيًا مَاتَ فِي إِمَارَة ابْن الزبير» وَأخرجه فِي الزَّكَاة أَيْضا بِلَفْظ «أعتق رجل من بني عذرة عبدا لَهُ عَن دبر، فَبلغ ذَلِك رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أَلَك مَال غَيره؟ قَالَ: لَا. فَقَالَ: من يَشْتَرِيهِ مني؟ فَاشْتَرَاهُ نعيم بن عبد الله الْعَدوي بثمانمائة دِرْهَم، فجَاء بهَا إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدَفعهَا إِلَيْهِ ثمَّ قَالَ: ابدأ بِنَفْسِك فَتصدق عَلَيْهَا، فَإِن فضل شَيْء فلأهلك، فَإِن فضل شَيْء عَن أهلك فلذي قرابتك، فَإِن فضل من قرابتك شَيْء فَهَكَذَا وَهَكَذَا. يَقُول: فَبين ذَلِك وَعَن يَمِينك وَعَن شمالك» وَفِي رِوَايَة لَهُ «أَن رجلا من الْأَنْصَار- يُقَال لَهُ أَبُو مَذْكُور- أعتق غُلَاما لَهُ عَن دبرٍ- يُقَال لَهُ: أَبُو يَعْقُوب...» وسَاق الحَدِيث بِمَعْنَاهُ.
وَفِي رِوَايَة لأبي نعيم فِي معرفَة الصَّحَابَة «أعتق أَبُو مَذْكُور غُلَاما لَهُ يُقَال لَهُ يَعْقُوب القبطي...» الحَدِيث، وَفِيه «فَاشْتَرَاهُ نعيم بن النحام ختن عمر بن الْخطاب بثمانمائة دِرْهَم». وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد فِي الْعتْق «أَن رجلا أعتق غُلَاما لَهُ عَن دبر مِنْهُ لم يكن لَهُ مَال غَيره فَأمر بِهِ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبيع بسبعمائة دِرْهَم أَو بتسعمائة» وَفِي رِوَايَة «أَنْت أَحَق بِثمنِهِ وَالله غَنِي عَنهُ» وَفِي رِوَايَة لَهُ «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ بَاعه بثمانمائة دِرْهَم فَدَفعهَا إِلَيْهِ قَالَ: إِذا كَانَ أحدكُم فَقِيرا فليبدأ بِنَفسِهِ، فَإِن كَانَ فِيهَا فضل فعلَى عِيَاله، فَإِن كَانَ فِيهَا فضل فعلَى ذِي قرَابَته- أَو قَالَ: عَلَى ذِي رَحمَه- وَإِن كَانَ فضلا فهاهنا وَهَاهُنَا».
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي الْبيُوع مُخْتَصرا «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ بَاعَ الْمُدبر...» وَمُطَولًا كَرِوَايَة مُسلم وَأبي دَاوُد الْأَخِيرَة، وَرَوَاهُ فِي الزَّكَاة أَيْضا مطولا، وَرَوَاهُ مطولا فِي الْعتْق ومختصرًا، وَفِي بَعْضهَا «أَنْت أحْوج إِلَيْهِ» وَفِي بَعْضهَا «فَبَاعَهُ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بثمانمائة فَأعْطَاهُ وَقَالَ: دينك» وَفِي «بَعْضهَا أنفقها عَلَى عِيَالك فَإِنَّمَا الصَّدَقَة عَن ظهر غَنِي فابدأ بِمن تعول» وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي الْأَحْكَام مُخْتَصرا، وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه مطولا.
هَذَا مَا حضرني من طرق الحَدِيث وَلم أر الرِّوَايَة الثَّانِيَة الَّتِي أوردهَا الإِمَام الرَّافِعِيّ من «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قَضَى الدَّين مِنْهُ، ثمَّ دفع الْفضل إِلَيْهِ» وَقد طرق الْبَيْهَقِيّ أَيْضا فِي سنَنه طرقه فِي أوراق عدَّة، وَلم أر هَذَا فِيهَا بل فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنه دفع الثّمن إِلَيْهِ» كَمَا تقدم، وَفِي النَّسَائِيّ أَيْضا أَنه قَالَ لَهُ لما دَفعه إِلَيْهِ «اقْضِ دينك» وَقد تحمل رِوَايَة الإِمَام الرَّافِعِيّ فِي أَنه قَضَى الدَّين مِنْهُ أَن المُرَاد أَمر بِقَضَائِهِ وَهُوَ شَائِع، وَهَذِه الرِّوَايَة صَرِيحَة فِي رد الرِّوَايَة الَّتِي ذكرهَا المُصَنّف، وَفِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان فِي صَحِيحه عَن جَابر «أَن رجلا من بني عذرة عتق مَمْلُوكا لَهُ عَن دبر مِنْهُ، فَبعث إِلَيْهِ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبَاعَهُ وَدفع ثمنه إِلَيْهِ، وَقَالَ لَهُ: أبدأ بِنَفْسِك فَتصدق عَلَيْهَا، ثمَّ عَلَى أَبَوَيْك، ثمَّ عَلَى قريبك، ثمَّ هَكَذَا وَهَكَذَا».
تَنْبِيهَات:
أَحدهَا: جَاءَ فِي بعض طرق هَذَا الحَدِيث «أَن الَّذِي دبر هَذَا الْغُلَام مَاتَ، فَبَاعَهُ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد مَوته» رَوَاهَا الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمَا عَن جَابر «أَن رجلا مَاتَ وَترك مُدبرا ودينًا فَأمر النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يبيعوه فِي دينه فباعوه بثمانمائة» قَالَ الإِمَام الشَّافِعِي فِي مُسْنده بعد أَن أخرجه من طَرِيق الصَّحِيحَيْنِ هَكَذَا سمعته من سُفْيَان عَامَّة دهري، ثمَّ وجدت فِي كتابي «دبر رجل منا غُلَاما فَمَاتَ» فإمَّا أَن يكون خطأ من كتابي أَو خطأ من سُفْيَان، فَإِن كَانَ من سُفْيَان فَابْن جريج أحفظ لحَدِيث أبي الزبير من سُفْيَان وَمَعَ ابْن جريج حَدِيث اللَّيْث وَغَيره، وَأَبُو الزبير يحد الحَدِيث تحديدًا يخبر فِيهِ بحياة الَّذِي دبره، وَحَمَّاد بن زيد مَعَ حَمَّاد بن سَلمَة وَغَيره أحفظ لحَدِيث عَمْرو بن دِينَار مَعَ سُفْيَان وَحده. قَالَ: وَقد يسْتَدلّ عَلَى حفظ الحَدِيث من خطئه بِأَقَلّ مِمَّا وجدته فِي حَدِيث ابْن جريج وَاللَّيْث عَن أبي الزبير وَفِي حَدِيث حَمَّاد عَن عمر، وَغير حَمَّاد يرويهِ عَن عَمْرو كَمَا رَوَاهُ حَمَّاد بن زيد، وَقد أَخْبرنِي غير وَاحِد مِمَّن لَقِي سُفْيَان قَدِيما أَنه لم يكن يدْخل فِي حَدِيثه «مَاتَ» وَعجب بَعضهم مني حِين أخْبرته أَنِّي وجدت فِي كتابي «مَاتَ» وَقَالَ: لَعَلَّ هَذَا خطأ عَنهُ أَو زلَّة مِنْهُ حَفظتهَا عَنهُ.
قلت: وَأما التِّرْمِذِيّ فَإِنَّهُ أخرج الحَدِيث من طَرِيق سُفْيَان وَفِيه: «أَن سَيّده مَاتَ» ثمَّ قَالَ: هَذَا الحَدِيث صَحِيح. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ أَبُو بكر النَّيْسَابُورِي: قَول شريك فِي هَذَا الحَدِيث «مَاتَ» خطأ؛ لِأَن فِي حَدِيث الْأَعْمَش عَن سَلمَة بن كهيل «وَدفع إِلَيْهِ ثمنه وَقَالَ: اقْضِ دينك» وَكَذَا رَوَاهُ عَمْرو بن دِينَار وَأَبُو الزبير عَن جَابر «أَن سيد الْمُدبر كَانَ حيًّا يَوْم بيع الْمُدبر» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: لَا يشك أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ فِي خطأ شريك فِي هَذَا، وَإِنَّمَا وَقع هَذَا الْخَطَأ لَهُ وَلغيره بِأَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَة «أَن رجلا من الْأَنْصَار أعتق مَمْلُوكه إِن حدث بِهِ حدث فَمَاتَ، فدعى بِهِ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبَاعَهُ من نعيم بن عبد الله أحد بني عدي بن كَعْب». قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَوْله: «إِن حدث بِهِ حدث فَمَاتَ» من شَرط الْعتْق وَلَيْسَ بِإِخْبَار عَن موت الْمُعْتق، وَمن هُنَا وَقع الْغَلَط لبَعض الروَاة من ذكر وَفَاة الرجل فِيهِ عِنْد البيع. قَالَ وَالَّذِي عَلَيْهِ تدل رِوَايَة الْجُمْهُور الْمُتَقَدّمَة.
التَّنْبِيه الثَّانِي: قد جَاءَ فِي بعض رِوَايَات هَذَا الحَدِيث أَنه إِنَّمَا بَاعَ خدمَة الْمُدبر لَا نَفسه، فروَى الدَّارَقُطْنِيّ عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَلّي أَنه قَالَ: شهِدت الحَدِيث من جَابر «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا أذن فِي خدمته». وَفِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «إِنَّمَا بَاعَ خدمَة الْمُدبر» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهُوَ مُرْسل. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي مناظرة جرت لَهُ: هَذَا الحَدِيث مَا رَوَاهُ عَن أبي جَعْفَر- فِيمَا علمت- أحد يثبت حَدِيثه، وَلَو رَوَاهُ من يثبت حَدِيثه مَا كَانَ فِيهِ حجَّة؛ لِأَنَّهُ مُنْقَطع. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد وَصله عبد الْغفار بن الْقَاسِم عَن أبي جَعْفَر عَن جَابر وَعبد الْغفار هَذَا كَانَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ يرميه بِالْوَضْعِ. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه وَكذبه سماك بن حَرْب. قلت: هَذَا وهم، وَإِنَّمَا كذبه سماك الْحَنَفِيّ وَهُوَ سماك بن الْوَلِيد. قَالَ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ: سَمِعت شُعْبَة يَقُول: سَمِعت سماكًا الْحَنَفِيّ يَقُول لأبي مَرْيَم- يَعْنِي ابْن عبد الْغفار- فِي شَيْء ذكره: كذبت وَالله. وَوَصله أَيْضا أَبُو شيبَة إِبْرَاهِيم بن عُثْمَان عَن عُثْمَان بن عُمَيْر عَن أبي جَعْفَر عَن جَابر، وَأَبُو شيبَة ضَعِيف لَا يحْتَج بأمثاله.
الثَّالِث: جَاءَ حَدِيث يُخَالف جَمِيع مَا تقدم وَهُوَ مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَغَيرهمَا عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الْمُدبر لَا يُبَاع وَلَا يُوهب وَهُوَ حر من الثُّلُث» لكنه ضَعِيف ضعفه الْأَئِمَّة كَمَا سَيَأْتِي بعد هَذَا الحَدِيث.
الرَّابِع: نعيم الَّذِي اشْتَرَى الْمُدبر الْمَذْكُور هُوَ بِضَم النُّون. والنحام بالنُّون وَتَشْديد الْحَاء الْمُهْملَة، وَهُوَ نعيم بن عبد الله الْقرشِي الْعَدوي، والنحام وَصفا لنعيم لَا لِأَبِيهِ، وَوَقع فِي بعض رِوَايَات مُسلم وَالْبُخَارِيّ «نعيم بن النحام» وَكَذَا وَقع فِي بعض كتب أَصْحَابنَا قبل، وَهُوَ غلط وَصَوَابه «نعيم النحام» والنحام هُوَ نعيم. وَقَالَ ابْن مَاكُولَا: ونعيم بن النحام بن عبد الله كَذَا يَقُوله أَصْحَاب الحَدِيث. وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: هُوَ النحام بِضَم النُّون وَتَخْفِيف الْحَاء، وَجعل نعيمًا النحام، وَجعل أَبَاهُ عبد الله. وَقَالَ: أَصْحَاب الحَدِيث يَقُولُونَ بِفَتْح النُّون وَتَشْديد الْحَاء. قَالَ أَبُو نعيم فِي معرفَة الصَّحَابَة: وَوهم بَعضهم فَجعل العَبْد لإِبْرَاهِيم بن نعيم بن النحام، وَهَذَا تَصْحِيف، وَإِنَّمَا كَانَ عبدا لِابْنِ النحام، وَقيل لَهُ: النحام؛ للْحَدِيث الْمَشْهُور أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «دخلت الْجنَّة فَسمِعت نحمة نعيم فِيهَا».
والنَحمة بِفَتْح النُّون، والسَعلة بِفَتْح السِّين، وَقيل النحيحة المهدودة آخرهَا. قَالَ الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ فِي كتاب المبهمات: اسْم العَبْد الْمُدبر يَعْقُوب وَاسم سَيّده أَبُو مَذْكُور. قلت: وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ فقد تقدم ذَلِك وَاضحا فِي طرق الحَدِيث، قَالَ الإِمَام أَحْمد بن سعيد الدَّارمِيّ: لَا يعرف لِابْنِ عليَّة غلط قطّ إِلَّا فِي حَدِيث جَابر هَذَا، حَيْثُ جعل اسْم الْغُلَام اسْم الْمولى، وَاسم الْمولى اسْم الْغُلَام، وَقَول الْخَطِيب- رحمني الله وأياه-: وَاسم سَيّده أَبُو مَذْكُور إِن لم يكن علما فِيهِ شَاهد فِي الْعبارَة، وَصَوَابه أَن يُقَال: إِن ذَلِك كنيته، فَإِن ذَلِك كنيته جزما لَا خلاف فِي ذَلِك بَين أهل الْمَدِينَة، وَقد ذكر الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ فِي كتاب معرفَة الصَّحَابَة أَن اسْم السَّيِّد مَذْكُور القبطي وَقَالَ: كَذَا رَوَاهُ سَلمَة بن كهيل عَن جَابر. قَالَ: وَرَوَاهُ أَبُو أَيُّوب عَن أبي الزبير عَن جَابر وَقَالَ: اسْم الْغُلَام يَعْقُوب وَالَّذِي أعْتقهُ يُسمى أَبُو مَذْكُور قَالَ الْحَافِظ: وَكَأَنَّهُ الْأَصَح. وَوَقع فِي تَهْذِيب الْأَسْمَاء واللغات للنووي رَحِمَهُ اللَّهُ أَن اسْمه أَبَا بكر وَلَعَلَّه تَصْحِيف من النَّاسِخ، وَمِمَّا يُوضح ذَلِك أَنه ذكره هُوَ فِي شرح مُسلم ومختصر المبهمات كَمَا ذكره الْخَطِيب، وَقد تَابعه عَلَى هَذَا الْغَلَط بعض من صنف فِي زَمَاننَا فنقله عَنهُ وَأقرهُ عَلَيْهِ.

.الحديث الثَّانِي:

عَن ابْن عمر مَرْفُوعا وموقوفًا: «أَن الْمُدبر من الثُّلُث».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن الْحَاكِم، عَن الْأَصَم، عَن الرّبيع، عَن الشَّافِعِي، عَن عَلّي بن ظبْيَان، عَن عبيد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر قَالَ: «الْمُدبر من الثُّلُث» قَالَ الشَّافِعِي: قَالَ لي عَلّي بن ظبْيَان: كنت أحدث بِهِ مَرْفُوعا فَقَالَ لي أَصْحَابِي: لَيْسَ بمرفوع وَهُوَ مَوْقُوف عَلَى ابْن عمر، فوقفته قَالَ الشَّافِعِي: الْحفاظ يقفونه عَلَى ابْن عمر. قَالَ: وَلَا أعلم من أَدْرَكته من المفتيين اخْتلفُوا فِي أَن الْمُدبر وَصِيَّة من الثُّلُث. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عبيد الله الْكَاتِب وأَحْمد بن مُحَمَّد بن أبي بكر وَجَمَاعَة قَالُوا: نَا عَلّي بن حَرْب، نَا عَمْرو بن عبد الْجَبَّار أَبُو مُعَاوِيَة الْجَزرِي، عَن عَمه عُبَيْدَة بن حسان، عَن أَيُّوب، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الْمُدبر لَا يُبَاع وَلَا يُوهب وَهُوَ حر من الثُّلُث» قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لم يسْندهُ غير عُبَيْدَة بن حسان وَهُوَ ضَعِيف، وَإِنَّمَا هُوَ عَن ابْن عمر من قَوْله.
قَالَ ابْن الْقطَّان فِي علله عُبَيْدَة هَذَا قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم: مُنكر الحَدِيث. وَعَمْرو بن عبد الْجَبَّار لَا يعرف حَاله.
قلت: وَقد اتّفق الْحفاظ عَلَى تَصْحِيح رِوَايَة الْوَقْف وتضعيف رِوَايَة الرّفْع، فَمن ذَلِك مَا تقدم عَن الشَّافِعِي وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَمن ذَلِك أَن الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا سُئِلَ عَنهُ فِي علله فَقَالَ: رُوِيَ مَرْفُوعا وموقوفًا وَالْمَوْقُوف أصح. وَقَالَ الْعقيلِيّ فِي الضُّعَفَاء بعد رِوَايَته لَهُ: لَا يعرف هَذَا الحَدِيث إِلَّا بعلي بن ظبْيَان. وَقَالَ فِيهِ يَحْيَى: مُنكر الحَدِيث وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سَأَلت أَبَا زرْعَة عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ أَبُو زرْعَة حَدِيث بَاطِل. وَامْتنع من قِرَاءَته، وَقَالَ: وَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوف عَلَى ابْن عمر. وَقَالَ عبد الْحق: إِسْنَاد الرّفْع ضَعِيف وَالصَّحِيح الْوَقْف. وَبَين ذَلِك ابْن الْقطَّان فِي علله مُوَافقا لَهُ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ جماعات مَرْفُوعا، وَالصَّحِيح مَوْقُوف كَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. قَالَ: وَرُوِيَ من وَجه آخر مُرْسلا؛ فَرَوَاهُ عَن أبي قلَابَة «أَن رجلا أعتق عبدا لَهُ عَن دبر، فَجعله النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من الثُّلُث» ثمَّ رَوَى عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه كَانَ يَجعله من الثُّلُث» وَعَن ابْن مَسْعُود أَنه قَالَ: «يعْتق من ثلثه» وَعَن شُرَيْح وَإِبْرَاهِيم مثل ذَلِك. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي سنَنه عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة، عَن عَلّي بن ظبْيَان كَمَا تقدم مَرْفُوعا وَقَالَ: هَذَا حَدِيث لَا أصل لَهُ. قَالَ: وَقَالَ عُثْمَان بن أبي شيبَة: هَذَا الحَدِيث خطأ.
قلت: وَمُرَاد هما طَريقَة الرّفْع؛ فَإِن طَريقَة الْوَقْف صَحِيحَة كَمَا تقدم عَن الْحفاظ، وَوَقع فِي الْهِدَايَة عَلَى مَذْهَب أبي حنيفَة زِيَادَة غَرِيبَة فِي هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: بعد «لَا يُبَاع وَلَا يُوهب»: «وَلَا يُورث» وَهَذِه الْأَخِيرَة غَرِيبَة هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى الْحَدِيثين.

.وَأما الْآثَار:

فَثَلَاثَة:

.الأول:

عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه أجَاز وَصِيَّة غُلَام لَهُ عشر سِنِين».
هَذَا الْأَثر تقدم بَيَانه وَاضحا فِي آخر كتاب الْوَصَايَا.

.الثَّانِي:

«أَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها باعت مُدبرَة لَهَا سحرتها».
هَذَا الْأَثر صَحِيح رَوَاهُ الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة عمْرَة عَنْهَا، قَالَ الْحَاكِم: وَهُوَ صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم، وَتقدم بِلَفْظِهِ فِي بَاب دَعْوَى الدَّم والقسامة.

.الثَّالِث:

عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه دبر جاريتين لَهُ وَكَانَ يطؤهما».
هَذَا الْأَثر صَحِيح رَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ عَن نَافِع عَنهُ، وَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَنهُ.

.كتاب الْكِتَابَة:

كتاب الْكِتَابَة:
ذكر فِيهِ أَحَادِيث وآثارًا:

.أما الْأَحَادِيث:

فَثَلَاثَة:

.أَحدهَا:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من أعَان غارمًا أَو غازيًا، أَو مكَاتبا فِي كِتَابَته أظلهُ الله فِي ظله يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظله».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من كتاب حَدِيث سهل بن حنيف رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَقَالَ: حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَذكره فِي كتاب الْجِهَاد أَيْضا فِي مُسْتَدْركه من هَذِه الطَّرِيق، وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ أَيْضا فِي سنَنه كَمَا أخرجه الْحَاكِم، وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سَأَلت أَبَا زرْعَة عَن هَذَا الحَدِيث حَيْثُ رَوَاهُ عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، عَن عبد الله بن سهل بن حنيف عَن سهل بن حنيف، وَرَوَاهُ عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، عَن سهل بن حنيف أَيهمَا أصح؟ فَقَالَ: الطَّرِيقَة الأولَى. كَذَا رَأَيْته فِيهَا، وَلم يظْهر لي اخْتِلَاف الطَّرِيقَيْنِ فِي ذَلِك بل هِيَ متحدة فتأملها.

.الحديث الثَّانِي:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الْمكَاتب عبدٌ مَا بَقِي عَلَيْهِ دِرْهَم».
هَذَا الحَدِيث ذكره الرَّافِعِيّ أَيْضا بعد هَذَا من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده بِلَفْظ «مَا بَقِي عَلَيْهِ من كِتَابَته دِرْهَم» وَذكره بِلَفْظ «قنّ» بدل «عبد» وَهُوَ حَدِيث مَشْهُور بِاللَّفْظِ الأول ومداره عَلَى عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده. وَلكنه رُوِيَ من طرق مُتَكَلم فِي بَعْضهَا، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه بِاللَّفْظِ من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن سُلَيْمَان بن سليم الْكِنَانِي، عَنهُ. وَإِسْمَاعِيل هَذَا فِيهِ مقَال، لَكِن قَالَ أَحْمد: مَا رَوَى عَن الشاميين فَهُوَ صَحِيح. وَسليمَان هَذَا الَّذِي رَوَى عَنهُ حمصي فَالْحَدِيث إِذن صَحِيح، وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة: إِنَّه حَدِيث حسن. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث عَبَّاس الْجريرِي عَنهُ بِلَفْظ: «أَيّمَا عبد كَاتب عَلَى مائَة أُوقِيَّة فأداها إِلَّا عشرَة أَوَاقٍ فَهُوَ عبد، وَأَيّمَا عبد كَاتب عَلَى مائَة دِينَار فأداها إِلَّا عشرَة دَنَانِير فَهُوَ عبد». وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور من حَدِيث الْعَلَاء الْجريرِي عَنهُ، وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك من حَدِيث عَبَّاس الْجريرِي بِلَفْظ: «أَيّمَا عبد كُوتِبَ عَلَى ألف أوقيه فاداها إِلَّا عشرَة أَوَاقٍ فَهُوَ عبد، وَأَيّمَا مكَاتب كُوتِبَ عَلَى مائَة دِينَار فأداها إِلَّا عشرَة دَنَانِير فَهُوَ عبد» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم فِي صَحِيحه عَن عمر بن مُحَمَّد الْهَمدَانِي، نَا عَمْرو بن عُثْمَان، نَا الْوَلِيد، عَن ابْن جريج، أَخْبرنِي عَطاء، عَن عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي أَنه قَالَ: يَا رَسُول الله، إِنَّا نسْمع مِنْك أَحَادِيث أفتأذن لنا أَن نكتبها؟ قَالَ: نعم. فَكَانَ أول مَا كتب كتاب النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أهل مَكَّة: «لَا يجوز شَرْطَانِ فِي بيع وَاحِد، وَلَا بيع وَسلف جَمِيعًا، وَلَا بيع مَا لم يضمن، وَمن كَانَ مكَاتبا عَلَى مائَة دِرْهَم فقضاها إِلَّا عشرَة دَرَاهِم فَهُوَ عبد، أوعلى مائَة أُوقِيَّة فقضاها إِلَّا أُوقِيَّة فَهُوَ عبد» وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث الْحجَّاج بن أَرْطَاة عَنهُ مَرْفُوعا وَلَفْظهمَا: «أَيّمَا عبد كُوتِبَ عَلَى مائَة أُوقِيَّة فأداها إِلَّا عشرَة أَوَاقٍ ثمَّ عجز فَهُوَ رَقِيق» ثمَّ قَالَ النَّسَائِيّ: حجاج ضَعِيف لَا يحْتَج بحَديثه. وَرَوَاهُ أَحْمد من هَذِه الطَّرِيق وَاللَّفْظ إِلَّا أَنه قَالَ: «فأداها إِلَّا عشرَة أَوَاقٍ» فَهُوَ رَقِيق وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث يَحْيَى بن أبي أنيسَة عَنهُ وَلَفظه: عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب يَقُول: «من كَاتب عَبده عَلَى مائَة أُوقِيَّة فأداها إِلَّا عشرَة أَوَاقٍ- أَو قَالَ عشرَة دَرَاهِم- ثمَّ عجز فَهُوَ رَقِيق» وَقَالَ: هَذَا حَدِيث غَرِيب. وَقَالَ ابْن طَاهِر فِي التَّذْكِرَة: يَحْيَى هَذَا كَذَّاب. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من طَرِيق ابْن حبَان السالف عَمَّن رَوَاهُ عَن عَمْرو بن عُثْمَان بِهِ: «يَا رَسُول الله، إِنَّا نسْمع مِنْك أَحَادِيث فتأذن لنا أَن نكتبها؟ قَالَ: نعم. فَكَانَ أول مَا كتب كتاب النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أهل مَكَّة: لَا يجوز شَرْطَانِ فِي بيع وَاحِد، وَلَا بيع وَسلف، وَلَا بيع مَا لم يضمن، وَمن كَانَ مكَاتبا عَلَى مائَة دِرْهَم فقضاها إِلَّا عشرَة دَرَاهِم فَهُوَ عبد، أَو عَلَى مائَة أُوقِيَّة فقضاها إِلَّا أُوقِيَّة فَهُوَ عبد» قَالَ النَّسَائِيّ هَذَا حَدِيث مُنكر، وَهُوَ عِنْدِي خطأ. وَقَالَ ابْن حزم عَطاء هَذَا هُوَ الْخُرَاسَانِي، وَلم يسمع من عبد الله بن عَمْرو. وَكَذَلِكَ قَالَ عبد الْحق.
طَرِيق آخر: رَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ مَوْقُوفا عَلَى ابْن عمر مَرْفُوعا «الْمكَاتب مَا بَقِي عَلَيْهِ دِرْهَم» ذكره من حَدِيث عبد الْبَاقِي بن قَانِع- وَقَالَ: رَاوِي الْكَذِب- عَن مُوسَى بن زَكَرِيَّا، عَن عَبَّاس بن مُحَمَّد، عَن أَحْمد بن يُونُس، عَن هشيم، عَن جَعْفَر بن إِيَاس، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر فَذكره ثمَّ قَالَ: هَذَا خبر مَوْضُوع بِلَا شكّ لم نعرفه قطّ من حَدِيث عَبَّاس بن مُحَمَّد، وَلَا من حَدِيث أَحْمد بن يُونُس وَلَا من حَدِيث هشيم وَلَا من حَدِيث جَعْفَر بن إِيَاس، وَلَا من حَدِيث نَافِع، وَلَا من حَدِيث ابْن عمر، إِنَّمَا يعرف من قَول ابْن عمر وَغَيره، وَلَا يُدْرَى من مُوسَى بن زَكَرِيَّا أَيْضا. وَقد رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ إِلَى معبد الْجُهَنِيّ عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: «الْمكَاتب عبد مَا بَقِي عَلَيْهِ دِرْهَم». ثمَّ قَالَ: ابْن حزم وَرُوِيَ عَن عمر وَعُثْمَان وَجَابِر وَأُمَّهَات الْمُؤمنِينَ: «الْمكَاتب عبد مَا بَقِي عَلَيْهِ دِرْهَم». ثمَّ قَالَ: وَلَا يَصح عَن أحد مِنْهُم؛ لِأَنَّهُ عَن عمر من طَرِيق الْحجَّاج بن أَرْطَاة- وَهُوَ هَالك- عَن ابْن أبي مليكَة مُرْسل ومن طَرِيق مُحَمَّد بن عبيد الله الْعَرْزَمِي وَهُوَ مثله أَو دونه. وَعَن سعيد بن الْمسيب من طَرِيق ابْن عمر مُرْسل. وَمن طَرِيق سُلَيْمَان التَّيْمِيّ أَن عمر. وَمن طَرِيق ابْن وهب عَن رجال من أهل الْعلم أَن عمر وَعُثْمَان وَجَابِر بن عبد الله. وَالَّتِي عَن أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ من طَرِيق عمر بن قيس سندل وَهُوَ ضَعِيف وَهُوَ عَن أم سَلمَة أم الْمُؤمنِينَ من طَرِيق أبي معشر المدنى وَهُوَ ضَعِيف لكنه صَحِيح عَن زيد بن ثَابت وَعَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ وَابْن عمر. انْتَهَى.
قلت قد رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ من حَدِيث سعيد بن أبي عرُوبَة، عَن قتادةبة، عَن معبد الجهنيبة، عَن عمر قَالَ: «الْمكَاتب عبد مَا بَقِي عَلَيْهِ دِرْهَم» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من هَذِه الطَّرِيق فَهَذِهِ طَريقَة صَحِيحَة لم يذكرهَا، وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث سعيد بن مَنْصُور، نَا هشيم، عَن خَالِد، عَن أبي قلَابَة قَالَ: «كن أَزوَاج النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يحتجبن من مكَاتب مَا بَقِي عَلَيْهِ دِينَار».
تَنْبِيهَات:
أَحدهَا: قَالَ الشَّافِعِي: لَا أعلم أحدا رَوَى عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا الحَدِيث- يَعْنِي حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده الْمُتَقَدّم- إِلَّا عَمْرو بن سعيد. قَالَ: وَعَلَى هَذَا فتيا الْمُفْتِينَ. قَالَ: وَلم أر من رضيت من أهل الْعلم يثبت هَذَا الحَدِيث. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: الشَّافِعِي إِنَّمَا ذكر هَذَا الحَدِيث مُنْقَطِعًا، وَقد رَوَيْنَاهُ من أوجه مَوْصُولا عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرهَا.
قلت: وَقد علمت أَنه رُوِيَ من غير طَرِيق عَمْرو بن شُعَيْب، فَإِن عمر رَوَاهُ أَيْضا.
ثَانِيهَا: وَقع فِي أَحْكَام الْمجد بن تَيْمِية أَن هَذَا الحَدِيث لم يروه النَّسَائِيّ، وَقد عجبت مِنْهُ فَهُوَ فِيهِ فِي هَذَا الْبَاب- أَعنِي كتاب الْعتْق- من طرق كَثِيرَة منتشرة كَمَا سلف، وَلم يعزه ابْن الْأَثِير فِي جامعه إِلَيْهِ وَهُوَ من شَرطه أَيْضا.
ثَالِثهَا: قَالَ ابْن الْقطَّان فِي كِتَابه أَحْكَام النّظر: وَصَحَّ حَدِيث عَلّي وَابْن عَبَّاس: الْمكَاتب يعْتق مِنْهُ بِقدر مَا أَدَّى، ويقام عَلَيْهِ الْحَد بِقدر مَا عتق مِنْهُ، وَيَرِث بِقدر مَا عتق مِنْهُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ. قلت: وَقَالَ الْحَاكِم: صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ. ذكره من طرق، وَقَالَ ابْن حزم: هما فِي غَايَة الصِّحَّة. قَالَ ابْن الْقطَّان: فَإِن قيل: حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي مَرْفُوعا «أَيّمَا عبد كَاتب عَلَى مائَة أُوقِيَّة...» الحَدِيث يُعَارضهُ. قُلْنَا: لم يَصح؛ فَإِنَّهُ مُنْقَطع الْإِسْنَاد. هَذَا لَفظه، وَحكمه عَلَيْهِ بالانقطاع الْمُطلق لَيْسَ بجيد، فَإِن بعض طرقه مُتَّصِل صَحِيح كَمَا سلف.