فصل: الحديث الثَّالِث:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّالِث:

«أَن يَهُودِيّا رض رَأس جَارِيَة بَين حجرين فَقَتلهَا فَأمر النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم برض رَأسه بَين حجرين».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَقد ذكره الرَّافِعِيّ فِي آخر الْبَاب بِلَفْظ: «أَن يهوديًّا رضخ رَأس جَارِيَة بِالْحِجَارَةِ فَأمر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يرض رَأسه بِالْحِجَارَةِ». وَقد أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن يهوديًّا قتل جَارِيَة عَلَى أوضاح لَهَا فَقَتلهَا بِحجر، فجيء بهَا إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبهَا رَمق فَقيل لَهَا: أَقْتلك فلَان؟ فَأَشَارَتْ برأسها أَن لَا، ثمَّ قَالَ لَهَا الثَّانِيَة فَأَشَارَتْ برأسها أَن لَا، ثمَّ سَأَلَهَا الثَّالِثَة فَقَالَت: نعم، وأشارت برأسها، فَقتله رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بحجرين». وَفِي روايةٍ لَهما «فرض رَأسه بَين حجرين» وَفِي رِوَايَة لَهما: «أَن يهوديًّا رضخ رَأس جَارِيَة بَين حجرين فَأخذ الْيَهُودِيّ فَأقر، فَأمر بِهِ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يرض رَأسه بِالْحِجَارَةِ». وَقَالَ همام: «بحجرين». وَفِي رِوَايَة لَهما: «أَن الْيَهُودِيّ اعْترف بَعْدَمَا أشارت إِلَيْهِ». وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قتل يهوديًّا بِجَارِيَة قَتلهَا عَلَى أوضاح لَهَا». وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «أَن رجلا من الْيَهُود قتل جَارِيَة عَلَى حُلي لَهَا ثمَّ أَلْقَاهَا فِي القليب، ورضخ رَأسهَا بِالْحِجَارَةِ، فَأخذ فَأتي بِهِ رَسُول وَأمر أَن يرْجم حَتَّى يَمُوت، فرجم حَتَّى مَاتَ».

.الحديث الرَّابِع:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «يقتل الْقَاتِل ويصبر الصابر».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمَا عَن أبي دَاوُد الْحَفرِي عَن سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِذا أمسك الرجلُ الرجلَ وَقَتله الآخر، يقتل الَّذِي قتل وَيحبس الَّذِي أمسك». وَهَذَا إِسْنَاد عَلَى شَرط مُسلم، لَكِن قَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِنَّه غير مَحْفُوظ. قَالَ: وَقد قيل: عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. قلت: هُوَ فِي الدَّارَقُطْنِيّ وَلَفظه: «أُتي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم برجلَيْن أَحدهمَا قتل وَالْآخر أمسك، فَقتل الْقَاتِل، وَحبس الممسك». وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَالصَّوَاب مَا رَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن أُميَّة قَالَ: «قَضَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رجل أمسك رجلا وَقتل الآخر، قَالَ: يقتل الْقَاتِل، وَيحبس الممسك». وَعَن سُفْيَان، عَن جَابر، عَن عَامر، عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَضَى بذلك. قَالَ: وَكَذَلِكَ معمر، عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة يرفعهُ، قَالَ: «اقْتُلُوا الْقَاتِل، واصبروا الصابر».
قلت: وَكَذَا هُوَ فِي الدَّارَقُطْنِيّ، عَن معمر وَابْن جريح، عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة رفع الحَدِيث، أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «يقتل الْقَاتِل ويصبر الصابر». وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: والإرسال فِي هَذَا الحَدِيث أَكثر. وَتَبعهُ عبد الْحق، وتعقبهما ابْن الْقطَّان فَقَالَ: أوهما بِهَذَا القَوْل ضعف الْخَبَر وَهُوَ عِنْدِي صَحِيح، فَإِن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة من الثِّقَات فَلَا يعد رَفعه مرّة وإرساله أُخْرَى اضطرابًا، إِذْ يجوز لِلْحَافِظِ أَن يُرْسل الحَدِيث عِنْد المذاكرة فَإِذا أَرَادَ التحميل أسْندهُ، وَإِنَّمَا يعد هَذَا اضطرابًا بِمن لم نثق بحفظه، وَالثَّوْري أحد الْأَئِمَّة وَقد وَصله غَيره كَمَا ذكر.
فَائِدَة: قَالَ أَبُو عُبيد فِي غَرِيبه بعد أَن أخرج الحَدِيث بِلَفْظ «اقْتُلُوا الْقَاتِل واصبروا الصابر»، قَوْله: «اصْبِرُوا»، يَعْنِي: احْبِسُوا الَّذِي حَبسه. وَكَذَا قَالَ الرَّافِعِيّ: قيل: مَعْنَاهُ أَنه يحبس تعزيرًا وَالصَّبْر هُوَ الْحَبْس، يَقُول: صَبر يصبِر بِكَسْر الْبَاء فِي الْمُضَارع، وصبرته أَنا أَي حَبسته، قَالَ تَعَالَى: {واصبر نَفسك} الْآيَة. قَالَ الْجَوْهَرِي ثمَّ ذكر الحَدِيث، ثمَّ قَالَ: أَي احْبِسُوا الَّذِي حَبسه للْمَوْت حَتَّى يَمُوت. هَذَا لَفظه. وَالْفُقَهَاء ينازعون فِي حَبسه للْمَوْت كَمَا قَرَّرْنَاهُ فِي الْفِقْه.

.الحديث الخَامِس:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «كَانَ الرجل فِيمَن كَانَ قبلكُمْ يحْفر لَهُ فِي الأَرْض فَيجْعَل فِيهِ، فيجاء بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَع عَلَى رَأسه فَيشق بِاثْنَيْنِ وَمَا يصده عَن دينه، وَيُمشط بِأَمْشَاط الْحَدِيد مَا دون لَحْمه من عظم وعصبٍ وَمَا يصده ذَلِك عَن دينه».
هَذَا الحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث خباب بن الْأَرَت قَالَ: «شَكَوْنَا إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ مُتَوَسِّد بردة لَهُ فِي ظلّ الْكَعْبَة فَقُلْنَا: أَلا تَسْتَنْصِر لنا، أَلا تَدْعُو لنا؟ فَقَالَ: قد كَانَ من قبلكُمْ يُؤْخَذ الرجل فيحفر لَهُ فِي الأَرْض حفيرة فَيجْعَل فِيهَا، ثمَّ يُؤْتَى بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَع عَلَى رَأسه فَيجْعَل نِصْفَيْنِ، وَيُمشط بِأَمْشَاط الْحَدِيد مَا دون لَحْمه وعظمه، مَا يصده ذَلِك عَن دينه، وَالله لَيتِمَّن الله هَذَا الْأَمر حَتَّى يسير الرَّاكِب من صنعاء إِلَى حَضرمَوْت لَا يخَاف إِلَّا الله وَالذِّئْب عَلَى غنمه وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُون» وَأخرجه أَبُو دَاوُد بِلَفْظ الرَّافِعِيّ سَوَاء، إِلَّا أَنه قَالَ: «لَا يصرفهُ ذَلِك عَن دينه» بدل «يصده»، وَهنا فَائِدَة المئشار بِهَمْزَة بعد الْمِيم هَذَا هُوَ الْأَفْصَح وَيجوز تَخْفيف الْهمزَة، وَيجوز بالنُّون بدلهَا. ذكره كُله النَّوَوِيّ فِي شَرحه لمُسلم، فِي بَاب ذكر الدَّجَّال وَهُوَ ملخص من الصِّحَاح فِي مَادَّة: أشر، ووشر، وَنشر.

.الحديث السَّادِس:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَلا لايقتل مُؤمن بِكَافِر».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه البُخَارِيّ فِي صَحِيحه من حَدِيث أبي جُحَيْفَة وهْب بن عبد الله السَّوائي قَالَ: «قلت لعَلي: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، هَل عنْدكُمْ شَيْء من الْوَحْي إِلَّا مَا فِي كتاب الله؟ قَالَ: لَا وَالَّذِي فلق الْحبَّة وبرأ النَّسمَة مَا عَلمته إِلَّا فهما يُعْطِيهِ الله رجلا فِي الْقُرْآن وَمَا فِي هَذِه الصَّحِيفَة. قلت: وَمَا فِي هَذِه الصَّحِيفَة؟ قَالَ: فِيهَا الْعقل وفكاك الْأَسير، وَأَن لَا يقتل مُسلم بِكَافِر». هَكَذَا هُوَ فِي بَابَيْنِ من البُخَارِيّ: «مسلمٌ بِكَافِر» وَهُوَ من أَفْرَاده كَمَا نبه عَلَيْهِ الْحميدِي. وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ والْبَزَّار من حَدِيث قيس بن عباد، عَن عَلّي فِي الصَّحِيفَة الَّتِي عِنْده: «لَا يقتل مُؤمن بِكَافِر وَلَا ذُو عهد فِي عَهده». قَالَ الْبَزَّار: رُوِيَ عَن عَلّي من غير وَجه، وَهَذَا الْإِسْنَاد أحسن إِسْنَاد يرْوَى فِي ذَلِك وأصحه. قَالَ: وَلَا نعلم أسْند قيس بن عباد عَن عَلّي إِلَّا حديثين أَحدهمَا هَذَا وَثَانِيهمَا حَدِيثه فِي سَبَب نزُول هَذَانِ خصمان اخْتَصَمُوا فِي رَبهم وَسَيَأْتِي هَذَا فِي أثْنَاء السّير إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَرَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده مَرْفُوعا، وحسَّنه التِّرْمِذِيّ، وَلَفظ أبي دَاوُد: «لَا يقتل مُؤمن بِكَافِر» وَلَفظ البَاقِينَ: «مسلمٌ» بدل: «مُؤمن».
وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا بِمثل حَدِيث قيس بن عباد السالف. وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث ابْن عمر فِي حَدِيث طَوِيل بِلَفْظ: «لَا يقتل مُؤمن بِكَافِر وَلَا ذُو عهد فِي عَهده». وَرَوَاهُ الشَّافِعِي مُرْسلا من رِوَايَة عَطاء وَطَاوُس وَمُجاهد وَالْحسن أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَوْم الْفَتْح: «لَا يقتل مُؤمن بِكَافِر». قَالَ الشَّافِعِي فِي الْأُم والْمُخْتَصر: وهَذَا عَام عِنْد أهل الْمَغَازِي أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم تكلم بِهِ فِي خطبَته يَوْم الْفَتْح، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مُسْندًا من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده وَحَدِيث عمرَان بن حُصَيْن. هَذَا آخر كَلَام الشَّافِعِي. وَقيل: إِنَّه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَه فِي خطْبَة الْوَدَاع. حَكَاهُ أَبُو دَاوُد، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عمرَان وَعَائِشَة أَيْضا وَعَزاهُ بِاللَّفْظِ الَّذِي أوردهُ الرَّافِعِيّ وَالْمَاوَرْدِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَعمْرَان بن حُصَيْن.
تَنْبِيه: هَذِه الْأَحَادِيث دَالَّة عَلَى ضعف حَدِيث ابْن الْبَيْلَمَانِي عَن ابْن عمر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قتل مُسلما بمعاهد وَقَالَ: أَنا أكْرم من وفَّى بِذِمَّتِهِ». قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هُوَ خطأ من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: وَصله بِذكر ابْن عمر فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ عَن ابْن الْبَيْلَمَانِي عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مُرْسلا. ثَانِيهمَا: رِوَايَته عَن إِبْرَاهِيم عَن ربيعَة، وَإِنَّمَا يرويهِ إِبْرَاهِيم، عَن ابْن الْمُنْكَدر، وَالْحمل فِيهِ عَلَى عمار بن مطر الرهاوي، وَقد كَانَ يقلب الْأَسَانِيد وَيسْرق الْأَحَادِيث حَتَّى كثر ذَلِك فِي رواياته وَسقط عَن حد الِاحْتِجَاج بِهِ. وَقَالَ أَبُو عبيد: هَذَا حَدِيث لَيْسَ بِمُسْنَد وَلَا يَجْعَل مثله إِمَامًا تسْقط بِهِ دِمَاء الْمُسلمين. وَقَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: هَذَا الحَدِيث يَدُور عَلَى ابْن أبي يَحْيَى لَيْسَ لَهُ وَجه. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لم يروه غير إِبْرَاهِيم بن أبي يَحْيَى وَهُوَ مَتْرُوك الحَدِيث، وَالصَّوَاب عَن ربيعَة، عَن ابْن الْبَيْلَمَانِي، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مُرْسلا، وَابْن الْبَيْلَمَانِي ضَعِيف لَا تقوم بِمثلِهِ حجَّة إِذا وصل الحَدِيث، فَكيف بِمَا يُرْسِلهُ. وَمَا أحسن قَول الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل: من حكم بِحَدِيث ابْن الْبَيْلَمَانِي فَهُوَ عِنْدِي مُخطئ، فَإِن حكم بِهِ حَاكم وَرفع إِلَى حَاكم آخر رده.

.الحديث السَّابِع:

عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا يقتل حرّ بِعَبْد».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمَا من حَدِيث عُثْمَان بن مقسم الْبري، عَن جُوَيْبِر، عَن الضَّحَّاك، عَن ابْن عَبَّاس بِهِ، وَهَذَا إِسْنَاد ضَعِيف، عُثْمَان هَذَا كذبه يَحْيَى وَغَيره وجويبر مَتْرُوك، وَالضَّحَّاك لم يدْرك ابْن عَبَّاس، فَهُوَ إِذن ضَعِيف مُنْقَطع، وَقد ضعفه الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه فَقَالَ: فِي إِسْنَاده ضعف. وَعبد الْحق قَالَ: إِنَّه مُنْقَطع وَقد ضعفه الْبَيْهَقِيّ. وَقَالَ ابْن الْقطَّان: ترك عبد الْحق أَن يبين أَنه من رِوَايَة عُثْمَان الْبري عَنهُ، وَقد قَالَ فِي حَدِيث آخر: إِنَّه كثير الْوَهم وَالْخَطَأ، وَكَانَ صَاحب بِدعَة كَانَ يُنكر الْمِيزَان، وَخَالف ابْن الْجَوْزِيّ فاحتج بِهِ فِي تَحْقِيقه وَلَيْسَ بجيد مِنْهُ. قَالَ عبد الْحق: وَقد رَوَى أَيْضا من رِوَايَة عمر بن عِيسَى الْأَسْلَمِيّ، عَن ابْن جُريج، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس، عَن عمر مَرْفُوعا: «لَا يُقَاد مَمْلُوك من مَالِكه، وَلَا ولد من وَالِده». وَعمر هَذَا مُنكر الحَدِيث ضَعِيف، قَالَه ابْن عدي، ورويا- أَعنِي: الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ- عَن عَلّي أَنه قَالَ: «من السّنة أَن لَا يقتل حر بِعَبْد». وَهُوَ ضَعِيف لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: أَن فِي إِسْنَاده جَابر الْجعْفِيّ، قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة: تفرد بِهِ جَابر. وَثَانِيهمَا: أَنه لَيْسَ بمتصلٍ، قَالَه عبد الْحق. ورويا أَيْضا، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده «أَن أَبَا بكر وَعمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما، كَانَا لَا يقتلان الْحر بقتل العَبْد» وَرَوَاهُ أَحْمد أَيْضا، وَفِي إِسْنَاده ابْن أَرْطَاة وَقد ضَعَّفُوهُ لَكِن تَابعه عَلَيْهِ عَمْرو بن عَامر. وَفِي الْبَيْهَقِيّ أَيْضا، عَن قَتَادَة، عَن الْحسن قَالَ: «لَا يُقَاد الْحر بِالْعَبدِ». وَفِيه أَيْضا: عَن ابْن أبي جَعْفَر، عَن بكير قَالَ: «مَضَت السّنة بِأَن لَا يقتل الْحر الْمُسلم بِالْعَبدِ وَإِن قَتله عمدا، وَعَلِيهِ الْعقل». فِي إِسْنَاده ابْن لَهِيعَة.
تَنْبِيه: مَا عَارض هَذِه الْأَحَادِيث والْآثَار مُتَكَلم فِيهَا أَيْضا.
فَفِي الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث الحكم، عَن عَلّي وَابْن عَبَّاس أَيْضا قَالَا: «إِذا قتل الْحر العَبْد مُتَعَمدا فَهُوَ قَود». قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَا تقوم بِهِ حجَّة؛ لِأَنَّهُ مُرْسل. وَفِي الْبَيْهَقِيّ أَيْضا عَن عَلّي وَعبد الله بن عَبَّاس فِي الْحر يقتل العَبْد قَالَا: الْقود. ثمَّ قَالَ- أَعنِي الْبَيْهَقِيّ-: هُوَ مُنْقَطع. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وثنا عبد الله بن وهب قَالَ أَخْبرنِي ابْن أبي ذِئْب وَمَالك بن أنس، عَن ابْن شهَاب أَنه قَالَ: «لَا قَود بَين الْحر وَالْعَبْد فِي شَيْء إِلَّا أَن العَبْد إِذا قتل الْحر عمدا قتل بِهِ». وَقَالَ لي مَالك مثله. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وروينَا عَن ابْن جريج، عَن عَطاء مثله. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: أما حَدِيث الْحسن عَن سَمُرَة مَرْفُوعا: «من قتل عَبده قَتَلْنَاهُ، وَمن جدعه جدعناه، وَمن خصاه خصيناه». قَالَ قَتَادَة: ثمَّ إِن الْحسن نسي هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: «لَا يقتل حر بعبدٍ» ويشبه أَن يكون الْحسن لم ينس الحَدِيث لَكِن رغب عَنهُ لضَعْفه، وَأكْثر أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ رَغِبُوا عَن رِوَايَة الْحسن عَن سَمُرَة.
قلت: وَأما التِّرْمِذِيّ فَإِنَّهُ حسَّن الحَدِيث وقَالَ الْحَاكِم: إِنَّه صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ. ثمَّ ذكر لَهُ شَاهدا، وَأجَاب غير الْبَيْهَقِيّ بأوجه: أَحدهَا: أَنه ورد عَلَى وَجه الْوَعيد، وَقد يتواعد بِمَا لَا يفعل، كَمَا قَالَ: «من شرب الْخمر فِي الرَّابِعَة فَاقْتُلُوهُ». قَالَه ابْن قُتَيْبَة، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه: إِنَّه الصَّحِيح. ثَانِيهَا: أَنه أَرَادَ من كَانَ عَبده لِئَلَّا يتَوَهَّم بِعَدَمِ الرّقّ مَانِعا، ذكره صَاحب المُنْتَقَى فِي أَحْكَامه فَقَالَ: أَكثر أهل الْعلم عَلَى أَن السَّيِّد لَا يقتل بِعَبْدِهِ، وتأولوا هَذَا الحَدِيث عَلَى ذَلِك. وَقد رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده: «أَن رجلا قتل عَبده مُتَعَمدا فجلده النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ونفاه سنة ومحى سَهْمه من الْمُسلمين، وَلم يقده بِهِ، وَأمره أَن يعْتق رَقَبَة». وَهَذَا الحَدِيث من رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش إِذْ هُوَ حجَّة فِيمَا رَوَى عَن أهل الشَّام وَقد رَوَى هَذَا الحَدِيث عَن الْأَوْزَاعِيّ وَهُوَ من عُلَمَاء أهل الشَّام. ثَالِثهَا: أَنه مَنْسُوخ بِحَدِيث: «من حُرق بالنَّار أَو مُثل بِهِ فَهُوَ حر، وَهُوَ مولَى لله وَرَسُوله». قَالَه ابْن شاهين فِي ناسخه ومنسوخه.

.الحديث الثَّامِن:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا يُقَاد الْوَالِد بِالْوَلَدِ».
هَذَا الحَدِيث مرويٌ من طرق:
أَحدهَا: من حَدِيث عمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «لَا يُقَاد الْوَالِد بِالْوَلَدِ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، عَنهُ رَوَاهُ ابْن مَاجَه أَيْضا وعلته الْحجَّاج بن أَرْطَاة وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه: رَوَاهُ حجاج بن أَرْطَاة، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده قَالَ: «حضرت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يُقيد الْأَب من ابْنه وَلَا يُقيد الابْن من أَبِيه».
ثَانِيهَا: من حَدِيث سراقَة بن مَالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «حضرت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يُقيد الْأَب من ابْنه وَلَا يُقيد الابْن من أَبِيه». وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا، من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، عَنهُ بِهِ. ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث لَا نعرفه من حَدِيث سراقَة إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وَلَيْسَ إِسْنَاده بِصَحِيح، رَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش والْمثنى بن الصَّباح، والمثنى يضعف فِي الحَدِيث.
قلت: وَإِسْمَاعِيل هَذَا ضَعِيف عَن غير الشاميين، وَهُوَ هَا هُنَا رَوَى عَن الْمثنى بن الصَّباح وَلَيْسَ بشامي. قَالَ: وَقد رَوَى هَذَا الحَدِيث أَبُو خَالِد الْأَحْمَر، عَن الْحجَّاج، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن عمر، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. ثمَّ سَاق الحَدِيث السالف، ثمَّ قَالَ: وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث عَن عَمْرو بن شُعَيْب مُرْسلا، وَهَذَا حَدِيث فِيهِ اضْطِرَاب.
ثَالِثهَا: من حَدِيث ابْن عَبَّاس، رَفعه: «لَا تُقَام الْحُدُود فِي الْمَسَاجِد، وَلَا يقتل الْوَالِد بِالْوَلَدِ». رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ أَيْضا من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن مُسلم الْمَكِّيّ، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس، مَرْفُوعا بِهِ، ثمَّ قَالَ: هَذَا الحَدِيث لَا نعرفه بِهَذَا الْإِسْنَاد مَرْفُوعا إِلَّا من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن مُسلم، وَقد تكلم فِيهِ بعض أهل الْعلم من قبل حفظه.
قلت: وَقد تَابعه عَلَى رِوَايَته الْحسن بن عبيد الله الْعَنْبَري، عَن عَمْرو بن دِينَار، أَفَادَهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه، ومَعْرفَته قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَالْعَمَل عَلَى هَذَا عِنْد أهل الْعلم أَن الْأَب إِذا قتل ابْنه لَا يقتل بِهِ، وَإِذا قذفه لَا يُحد. وَقَالَ عبد الْحق فِي أَحْكَامه: هَذِه الْأَحَادِيث كلهَا معلولة لَا يَصح مِنْهَا شَيْء. وبيَّن ذَلِك ابْن الْقطَّان كَمَا بَيناهُ.
رَابِعهَا: من حَدِيث ابْن لَهِيعَة، ثَنَا عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده مَرْفُوعا: «لَا يُقَاد وَالِد من وَلَده، وَيَرِث المَال من يَرث الْوَلَاء». رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده من هَذَا الْوَجْه عَن ابْن لَهِيعَة بِالتَّحْدِيثِ، وَقد قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: لم يسمع ابْن لَهِيعَة من عَمْرو بن شُعَيْب شَيْئا.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْأَفْرَاد من حَدِيث مُحَمَّد بن جَابر اليمامي، عَن يَعْقُوب بن عَطاء بن أبي رَبَاح، عَن عَمْرو. وَمُحَمّد وَيَعْقُوب لَا يحْتَج بهما.
قلت: وَلِحَدِيث عمر السالف طَرِيق آخر، رَوَاهُ أَحْمد، عَن أسود بن عَامر، أَنا جَعْفَر الْأَحْمَر، عَن مطرف، عَن الحكم، عَن مُجَاهِد قَالَ: «حذف رجل ابْنا لَهُ بِسيف فَقتله فرُفع إِلَى عمر فَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَا يُقَاد الْوَالِد من وَلَده. لقتلتك قبل أَن تَبْرَح». وَطَرِيق آخر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث مطرف بن طريف، عَن الحكم بن عتيبة، عَن رجل يُقَال لَهُ: عرْفجَة، عَن عمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، قَالَ: سَمِعت رَسُول يَقُول: «لَيْسَ عَلَى الْوَالِد قَود من وَلَده». وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من طَرِيق الشَّافِعِي، عَن مَالك، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن عَمْرو بن شُعَيْب «أَن رجلا من بني مُدْلِج يُقَال لَهُ: قَتَادَة، حذف ابْنه بِسيف فَأصَاب سَاقه، فنزا فِي جرحه فَمَاتَ، فَقدم سراقَة بن جعْشم عَلَى عمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَذكر ذَلِك لَهُ، فَقَالَ عمر: أعدد لي عَلَى قديد عشْرين وَمِائَة بعير حَتَّى أقدم عَلَيْهِ. فَلَمَّا قدم عمر أَخذ من تِلْكَ الْإِبِل ثَلَاثِينَ حقة وَثَلَاثِينَ جَذَعَة وَأَرْبَعين خلفة، ثمَّ قَالَ: أَيْن أَخ الْمَقْتُول؟ قَالَ: هَا أَنا ذَا. قَالَ: خُذْهَا فَإِن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَيْسَ لقَاتل شَيْء». قَالَ الشَّافِعِي: وَقد حفظته عَن عدد من أهل الْعلم لقيتهم أَن لَا يقتل الْوَالِد بِالْوَلَدِ، وَبِذَلِك أَقُول. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الحَدِيث مُنْقَطع، فأكده الشَّافِعِي بِأَن عددا من أهل الْعلم يَقُول بِهِ. قَالَ: وَقد رُوِيَ مَوْصُولا فساقه من حَدِيث مُحَمَّد بن عجلَان، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: «نحلت لرجل من بني مُدْلِج جَارِيَة فَأصَاب مِنْهَا ابْنا، فَكَانَ يستخدمها، فَلَمَّا شب الْغُلَام دَعَاهَا يَوْمًا فَقَالَ: اصنعي كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ: لَا تَأْتِيك حَتَّى مَتى تستأمي أُمِّي. قَالَ: فَغَضب فَحَذفهُ بِسيف فَأصَاب رجله، فنزف الْغُلَام فَمَاتَ، فَانْطَلق فِي رهطٍ من قومه إِلَى عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، فَقَالَ: يَا عَدو نَفسه، أَنْت الَّذِي قتلت ابْنك، لَوْلَا أَنِّي سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَا يُقَاد الْأَب من ابْنه. لقتلتك، هَلُمَّ دِيَته. فَأَتَاهُ بِعشْرين أَو ثَلَاثِينَ وَمِائَة بعير، فَخير مِنْهَا مائَة فَدَفعهَا إِلَى ورثته وَترك أَبَاهُ». وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة: إِسْنَاده صَحِيح. وَنقل هَذِه القولة عَن الْبَيْهَقِيّ أَيْضا صَاحب الْإِلْمَام وَأقرهُ عَلَيْهَا.
قلت: وَهَذِه الطَّرِيق هِيَ الْعُمْدَة وَكَانَ يَنْبَغِي تَقْدِيمهَا، وَالْأول شَاهد لَهَا.

.الحديث التَّاسِع:

يرْوَى عَن عَمْرو بن حزم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب فِي كِتَابه إِلَى أهل الْيمن: أَن الذّكر يقتل بِالْأُنْثَى».
هَذَا الحَدِيث عُمْدَة الدِّيات، وَقد فرقه الرَّافِعِيّ فِي مَوَاضِع من الْكتاب، وَأَنا أذكرهُ هُنَا مجموعًا وأحيل عَلَيْهِ مَا يَقع بعده عَلَيْهِ، وَهُوَ مُشْتَمل أَيْضا عَلَى غير الدِّيات من الْفَرَائِض وَالسّنَن وَالصَّدقَات، وَهُوَ حَدِيث متداول من الْأُمَّهَات، رَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ وَالشَّافِعِيّ عَنهُ، عَن عبد الله بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم، عَن أَبِيه: «أَن فِي الْكتاب الَّذِي كتبه رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَمْرو بن حزم فِي الْعُقُول: أَن فِي النَّفس مائَة من الْإِبِل، وَفِي الْأنف إِذا أوعب جدعه مائَة من الْإِبِل، وَفِي المأمومة ثلث الدِّيَة، وَفِي الْجَائِفَة مثلهَا، وَفِي الْعين خَمْسُونَ، وَفِي الْيَد خَمْسُونَ، وَفِي الرجل خَمْسُونَ، وَفِي كل أصْبع مِمَّا هُنَالك عشر من الْإِبِل، وَفِي السن خمس، وَفِي الْمُوَضّحَة خمس». وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مراسيله، عَن ابْن شهَاب، قَالَ: «قَرَأت فِي كتاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَمْرو بن حزم حِين بَعثه إِلَى نَجْرَان، وَكَانَ الْكتاب عِنْد أبي بكر بن حزم، فَكتب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ: هَذَا بَيَان من الله وَرَسُوله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أَوْفوا بِالْعُقُودِ} وَكتب الْآيَات حَتَّى بلغ إِلَى: {إِن الله سريع الْحساب}» ثمَّ كتب: هَذَا كتاب الْجراح: فِي النَّفس مائَة من الْإِبِل، وَفِي الْأنف إِذا أوعى جدعه مائَة من الْإِبِل، وَفِي الْعين خَمْسُونَ من الْإِبِل وَفِي الْيَد خَمْسُونَ من الْإِبِل، وَفِي الرجل خَمْسُونَ من الْإِبِل، وَفِي كل إِصْبَع فَمَا هُنَالك عشر من الْإِبِل، وَفِي المأمولة ثلث الدِّيَة، وَفِي المنقلة خمس عشرَة، وَفِي الْمُوَضّحَة خمس من الْإِبِل، وَفِي السّنَن خمس من الْإِبِل. قَالَ ابْن شهَاب: فَهَذَا الَّذِي قَرَأت فِي الْكتاب الَّذِي كتبه رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد أبي بكر بن حزم. وَهُوَ فِي رِوَايَة لَهُ من حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن عبد الله بن أبي بكر بن حزم، قَالَ: «كَانَ فِي كتاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعْنِي هَذَا- وفِي الذّكر الدِّيَة، وَفِي اللِّسَان الدِّيَة». وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي سنَنه عَن عَمْرو بن مَنْصُور الْحَافِظ عَن الحكم بن مُوسَى، عَن يَحْيَى بن حَمْزَة، عَن سُلَيْمَان بن دَاوُد حَدثنِي الزُّهري، عَن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم، عَن أَبِيه، عَن جده «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب إِلَى أهل الْيمن كتابا فِيهِ السُنن والفرائض والديات، وَبعث بِهِ مَعَ عَمْرو بن حزم فَقُرئت عَلَى أهل الْيمن وَهَذِه نسختها: من مُحَمَّد النَّبي إِلَى شُرَحْبِيل بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال قَيْل ذِي رعين ومعافر وهمدان أما بعد- وَكَانَ فِي كِتَابه-: إِن من اعتبط مُؤمنا قتلا عَن بَيِّنَة فَإِنَّهُ قَود إِلَّا أَن يرْضَى أَوْلِيَاء الْمَقْتُول، وَإِن فِي النَّفس الدِّيَة مائَة من الْإِبِل، وَفِي الْأنف إِذا أُوعبَ جَدْعه الدِّيَة، وَفِي اللِّسَان الدِّيَة، وَفِي الشفتين الدِّيَة، وَفِي البيضتين الدِّيَة، وَفِي الذّكر الدِّيَة، وَفِي الصلب الدِّيَة، وَفِي الْعَينَيْنِ الدِّيَة، وَفِي الرجل الْوَاحِدَة نصف الدِّيَة، وَفِي المأمومة ثلث الدِّيَة، وَفِي الْجَائِفَة ثلث الدِّيَة، وَفِي المنقلة خمس عشرَة من الْإِبِل، وَفِي كل أصْبع من أَصَابِع الْيَد وَالرجل عشر من الْإِبِل، وَفِي السن خمس من الْإِبِل، وَفِي الْمُوَضّحَة خمس من الْإِبِل، وَأَن الرجل يقتل بِالْمَرْأَةِ، وَعَلَى أهل الذَّهَب ألف دِينَار» وَفِي رِوَايَة لَهُ مثله، وَقَالَ فِيهَا: «وَفِي الْعين الْقَائِمَة نصف الدِّيَة، وَفِي الْيَد الْوَاحِدَة نصف الدِّيَة، وَفِي الرجل الْوَاحِدَة نصف الدِّيَة».
وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من حَدِيث الحكم بن مُوسَى، عَن يَحْيَى بن حَمْزَة، عَن سُلَيْمَان بن دَاوُد، قَالَ: حَدثنِي الزُّهْرِيّ، عَن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم، عَن أَبِيه، عَن جده «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب إِلَى أهل الْيمن بِكِتَاب فِيهِ الْفَرَائِض وَالسّنَن والديات وَبعث بِهِ مَعَ عَمْرو بن حزم وَقُرِئَ عَلَى أهل الْيمن وَهَذِه نسختها: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، من مُحَمَّد النَّبِي إِلَى شُرَحْبِيل بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال والْحَارث بن عبد كلال قَيْل ذِي رعين ومعافر وهمدان، أما بعد: فقد رَجَعَ رَسُولكُم وأعطيتم من المعافر خمس الله، وَمَا كتب الله عَلَى الْمُؤمنِينَ من الْعشْر فِي الْعقار، وَمَا سقت السَّمَاء أَو كَانَ سيحًا أَو بعلاً الْعشْر إِذا بلغ خَمْسَة أوسق، وَمَا سقِِي بالرشاء والدالية فَفِيهِ نصف الْعشْر إِذا بلغ خَمْسَة أوسق» ثمَّ ذكر نصيب الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم ومتعلقاتها- وَقد ذكرت ذَلِك بِطُولِهِ فِي تحفة الْمُحْتَاج إِلَى أَدِلَّة الْمِنْهَاج فَرَاجعه مِنْهُ- إِلَى أَن قَالَ: «وَكَانَ فِي الْكتاب أَن أكبر الْكَبَائِر عِنْد الله يَوْم الْقِيَامَة إشراك بِاللَّه، وَقتل النَّفس المؤمنة بِغَيْر حق، والفرار يَوْم الزَّحْف، وعقوق الْوَالِدين، وَرمي المحصنة، وَتعلم السحر، وَأكل الرِّبَا، وَأكل مَال الْيَتِيم، وَأَن الْعمرَة الْحَج الْأَصْغَر، وَلَا يمس الْقُرْآن إِلَّا طَاهِر، وَلَا طَلَاق قبل إملاك، وَلَا عتاق حَتَّى يبْتَاع، وَلَا يصلين مِنْكُم وَاحِد لَيْسَ عَلَى مَنْكِبَيْه شَيْء، وَلَا يحتبين فِي ثوب وَاحِد لَيْسَ بَين فرجه وَبَين السَّمَاء شَيْء، وَلَا يصلين أحدكُم فِي ثوب وَاحِد وَشقه بَادِي، وَلَا يصلين أحد مِنْكُم عاقص شعره». وَكَانَ فِي الْكتاب: «أَن من اعتبط مُؤمنا قتلا عَن بَيِّنَة فَإِنَّهُ قَود إِلَّا أَن يرْضَى أَوْلِيَاء الْمَقْتُول، وَأَن فِي النَّفس مائَة من الْإِبِل، وَفِي الْأنف إِذا أوعب جدعه الدِّيَة، وَفِي اللِّسَان الدِّيَة، وَفِي البيضتين الدِّيَة، وَفِي الشفتين الدِّيَة، وَفِي الذّكر الدِّيَة، وَفِي الصلب الدِّيَة، وَفِي الْعَينَيْنِ الدِّيَة، وَفِي الرجل الْوَاحِدَة نصف الدِّيَة، وَفِي المأمومة ثلث الدِّيَة، وَفِي الْجَائِفَة ثلث الدِّيَة، وَفِي المنقلة خمس عشرَة من الْإِبِل، وَفِي كل إِصْبَع من الْأَصَابِع من الْيَد وَالرجل عشر من الْإِبِل، وَفِي السن خمس من الْإِبِل، وَفِي الْمُوَضّحَة خمس من الْإِبِل، وَأَن الرجل يقتل بِالْمَرْأَةِ، وَعَلَى أهل الذَّهَب ألف دِينَار».
وَرَوَاهُ أَيْضا الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه مَعَ تفَاوت يسير، قَالَ النَّسَائِيّ بعد أَن رَوَاهُ عَن الْهَيْثَم بن مَرْوَان، عَن مُحَمَّد بن بكار، عَن يَحْيَى بن حَمْزَة، عَن سُلَيْمَان بن أَرقم، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي بكر: وَهَذَا أشبه بِالصَّوَابِ من حَدِيث عَمْرو بن مَنْصُور- يَعْنِي السالف- قَالَ: وَسليمَان بن أَرقم مَتْرُوك الحَدِيث. قَالَ: وَقد يروي هَذَا الحَدِيث يُونُس عَن الزُّهْرِيّ مُرْسلا. وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي مراسيله: قد أسْند هَذَا الحَدِيث وَلَا يَصح. قَالَ: وَالَّذِي فِي إِسْنَاده سُلَيْمَان بن دَاوُد وهم إِنَّمَا هُوَ سُلَيْمَان بن أَرقم. وَقَالَ فِي غَيرهَا: هَذَا الحَدِيث لَا أحدث بِهِ، وَقد وهم فِيهِ الحكم بن مُوسَى فِي قَوْله: عَن سُلَيْمَان بن دَاوُد وَقد حَدثنِي هَذَا الحَدِيث أَبُو هُبَيْرَة مُحَمَّد بن الْوَلِيد الدِّمَشْقِي أَنه قَرَأَهُ فِي أصل يَحْيَى بن حَمْزَة: سُلَيْمَان بن أَرقم. وَهَكَذَا قَالَ أَبُو زرْعَة الدِّمَشْقِي: إِنَّه الصَّوَاب. وَصَالح بن أَحْمد جزرة وَأَبُو الْحسن الْهَرَوِيّ، وَقَالَ غَيره: غلط. وَقَالَ ابْن مَنْدَه: كَذَلِك قرأته فِي أصل يَحْيَى بن حَمْزَة وَإنَّهُ الصَّوَاب. وَقَالَ صَالح جزرة: حَدثنَا دُحَيْم قَالَ: نظرت فِي كتاب يَحْيَى حَدِيث عَمْرو بن حزم فِي الصَّدقَات فَإِذا هُوَ عَن سُلَيْمَان بن أَرقم. قَالَ: وَيُقَال: إِنَّه وجد كَذَلِك بالعراق، وَمِنْهُم من يَقُول: سُلَيْمَان بن دَاوُد الدِّمَشْقِي. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: قد رُوِيَ عَن سُلَيْمَان حَدِيث عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي بكر بن حزم، الحَدِيث الطَّوِيل؛ لَا يكْتب عَنهُ. وَقَالَ ابْن حزم فِي محلاه: صحيفَة عَمْرو بن حزم مُنْقَطِعَة لَا تقوم بهَا حجَّة، وَسليمَان بن دَاوُد الْجَزرِي الَّذِي رَوَاهَا مُتَّفق عَلَى تَركه، وَأَنه لَا يحْتَج بِهِ. كَذَا فِي كتاب الزَّكَاة من محلاه وَقَالَ فِي الدِّمَاء وَالْقصاص مِنْهُ وَقد أورد بعضه: سُلَيْمَان بن دَاوُد ضَعِيف مَجْهُول الْحَال. وَهَذِه عبارَة غَرِيبَة مِنْهُ مَعَ الأول. وَقَالَ عبد الْحق: سُلَيْمَان بن دَاوُد، هَذَا الَّذِي يروي هَذِه النُّسْخَة عَن الزُّهْرِيّ هُوَ ضَعِيف، وَيُقَال: إِنَّه سُلَيْمَان بن أَرقم. وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان: ترجح أَنه ابْن أَرقم. فَالْحَدِيث إِذا ضَعِيف الْإِسْنَاد.
وَخَالفهُم فِي ذَلِك الْحَافِظ أَبُو أَحْمد بن عدي فَقَالَ: هَذَا خطأ، وَالْحكم بن مُوسَى فقد ضبط ذَلِك، وَسليمَان بن دَاوُد صَحِيح كَمَا ذكره الحكم، وَقد رَوَاهُ عَنهُ يَحْيَى بن حَمْزَة إِلَّا أَنه مَجْهُول. وَقَالَ أَبُو زرْعَة الدِّمَشْقِي: عرضت هَذَا الحَدِيث عَلَى أَحْمد بن حَنْبَل فَقَالَ: هَذَا حَدِيث رجل من أهل الجزيرة يُقَال لَهُ: سُلَيْمَان بن أبي دَاوُد، لَيْسَ بِشَيْء. قَالَ ابْن عدي: وَهَذَا أَيْضا خطأ، وَسليمَان بن دَاوُد صَحِيح كَمَا ذكره الحكم بن مُوسَى. قَالَ ابْن عدي: وَحَدِيث سُلَيْمَان بن دَاوُد مجود الْإِسْنَاد.
قلت: وَقد تكلم الْحفاظ عَلَى كل من سُلَيْمَان بن أَرقم وَسليمَان بن دَاوُد قَالَ يَحْيَى فِي سُلَيْمَان بن أَرقم: لَيْسَ بِشَيْء، لَا يُسَاوِي فلسًا. وَقَالَ البُخَارِيّ: تَرَكُوهُ. وَقَالَ يَحْيَى فِي سُلَيْمَان بن دَاوُد: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ مرّة: شَامي ضَعِيف. وَقَالَ مرّة: لَا يعرف، والْحَدِيث لَا يَصح. وَقَالَ ابْن حبَان: صَدُوق. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو زرْعَة: لَا بَأْس بِهِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَا بَأْس بِهِ. قَالَ: وَلَا يثبت عَنهُ هَذَا الحَدِيث. وَقَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: هُوَ ضَعِيف، مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: سَمِعت ابْن أبي دَاوُد يَقُول: سُلَيْمَان بن دَاوُد هَذَا وَسليمَان بن أبي دَاوُد الْحَرَّانِي ضعيفان جَمِيعًا. وَقَالَ ابْن خُزَيْمَة: لَا يحْتَج بحَديثه إِذا انْفَرد.
وأعل هَذَا الحَدِيث بِوَجْه آخر وَهُوَ الْإِرْسَال، فقد رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن مَالك، عَن عبد الله بن أبي بكر بن عَمْرو بن حزم، عَن أَبِيه. وَرَوَاهُ أَيْضا عَن الزنْجِي، عَن ابْن جريج، عَن عبد الله بن أبي بكر مُرْسلا. قَالَ ابْن جريج: فَقلت لعبد الله بن أبي بكر: أَفِي شكّ أَنْت أَنه كتاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: لَا. وَرَوَاهُ يُونُس بن يزِيد وَسَعِيد بن عبد الْعَزِيز، عَن الزُّهْرِيّ مُرْسلا. وَرَوَاهُ الدَّارمِيّ فِي كِتَابه الرَّد عَلَى بشر، عَن نعيم بن حَمَّاد، عَن ابْن الْمُبَارك، عَن معمر، عَن عبد الله بن أبي بكر بن حزم، عَن أَبِيه، عَن جده... الحَدِيث، وَهَذَا اخْتِلَاف آخر. وجماعات صححوا الحَدِيث مِنْهُم: أَبُو حَاتِم بن حبَان فَأخْرجهُ فِي صَحِيحه كَمَا سلف، ثمَّ قَالَ: سُلَيْمَان بن دَاوُد هُوَ الْخَولَانِيّ من أهل دمشق فَقِيه مَأْمُون. قَالَ: وَسليمَان بن أَرقم لَا شَيْء، وجميعًا يرويان عَن الزُّهْرِيّ. وَمِنْهُم الْحَاكِم فَأخْرجهُ فِي مُسْتَدْركه كَمَا سلف، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث كَبِير مُفَسّر فِي هَذَا الْبَاب شهد لَهُ أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن عبد الْعَزِيز، وَإِمَام الْعلمَاء فِي عصره مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ بِالصِّحَّةِ. ثمَّ سَاق ذَلِك عَنْهُمَا بِإِسْنَادِهِ، قَالَ: وَإسْنَاد هَذَا الحَدِيث من شَرط هَذَا الْكتاب. قَالَ: وَسليمَان بن دَاوُد الدِّمَشْقِي الْخَولَانِيّ مَعْرُوف بالزهري، وَإِن كَانَ يَحْيَى بن معِين غمزه فقد عدله غَيره، كَمَا أخبرنيه أَبُو أَحْمد الْحُسَيْن بن عَلّي عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم، ثمَّ قَالَ: سَمِعت أبي وسُئِلَ عَن حَدِيث عَمْرو بن حزم فِي كتاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي كتبه فِي الصَّدقَات، فَقَالَ: سُلَيْمَان بن دَاوُد عندنَا مِمَّن لَا بَأْس بِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم: وَسمعت أَبَا زرْعَة يَقُول ذَلِك. وَمِنْهُم الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ فَإِنَّهُ لما أخرجه فِي سنَنه مطولا رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَن أَحْمد بن حَنْبَل أَنه سُئِلَ عَن حَدِيث عَمْرو بن حزم هَذَا، فَقَالَ: أَرْجُو أَن يكون صَحِيحا. قَالَ البيهقى: قَالَ عبد الله بن مُحَمَّد الْبَغَوِيّ: حَدِيث سُلَيْمَان بن دَاوُد هَذَا مجود الْإِسْنَاد.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد أَثْنَى عَلَى سُلَيْمَان بن دَاوُد الْخَولَانِيّ هَذَا: أَبُو زرْعَة، وَأَبُو حَاتِم الرَّازِيّ، وَعُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ، وَجَمَاعَة من الْحفاظ، وَرَأَوا هَذَا الحَدِيث مَوْصُولا حسنا. وَقَالَ يَعْقُوب بن سُفْيَان الْحَافِظ: لَا أعلم فِي جَمِيع الْكتب المنقولة كتابا أصح من كتاب عَمْرو بن حزم هَذَا فَإِن أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم والتابعون ترجع إِلَيْهِ وَيدعونَ آراءهم. وَقَالَ الإِمَام الشَّافِعِي فِي رسَالَته لم يقبلُوا هَذَا الحَدِيث حَتَّى يثبت عِنْدهم أَنه كتاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. وقَالَ ابْن عبد الْبر: كتاب عَمْرو بن حزم هَذَا كتاب مَشْهُور عِنْد أهل السّير، مَعْرُوف مَا فِيهِ عِنْد أهل الْعلم معرفَة يُستغنى بشهرتها عَن الْإِسْنَاد؛ لِأَنَّهُ أشبه التَّوَاتُر فِي مَجِيئه لتلقي النَّاس لَهُ بِالْقبُولِ والمعرفة.
قَالَ: وَمِمَّا يدلك عَلَى شهرة كتاب عَمْرو بن حزم، وَصِحَّته مَا ذكره ابْن وهب، عَن مَالك وَاللَّيْث بن سعد، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: وجد كتاب عِنْد آل حزم يذكرُونَ أَنه من رَسُول الله فِيهِ: «وَفِيمَا هُنَالك من الْأَصَابِع عشر عشر» فَصَارَ الْقَضَاء فِي الْأَصَابِع إِلَى عشر عشر. وَقَالَ الْعقيلِيّ فِي تَارِيخه: هَذَا حَدِيث ثَابت مَحْفُوظ إِن شَاءَ الله تَعَالَى إِلَّا أَنا نرَى أَنه كتاب غير مسموع عَمَّن فَوق الزُّهري.