فصل: الحديث الثَّانِي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّانِي:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا زَكَاة فِي حجر».
هَذَا الحَدِيث ضَعِيف، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي سعد الْمَالِينِي، عَن ابْن عدي الْحَافِظ، عَن زيد بن عبد الله، عَن كثير بن عبيد، عَن بَقِيَّة، عَن عمر الكلَاعِي الدِّمَشْقِي، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده مَرْفُوعا، بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ أَيْضا عُثْمَان بن عبد الرَّحْمَن الوقاصي، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده مَرْفُوعا. قَالَ: وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن عبيد الله الْعَرْزَمِي، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده مَرْفُوعا.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: ورواة هَذَا الحَدِيث عَن عَمْرو كلهم ضَعِيف. وَهُوَ كَمَا قَالَ فعمر هُوَ ابْن أبي عمر الكلَاعِي الدِّمَشْقِي. قَالَ ابْن عدي: إِنَّه مَجْهُول، وَإِن أَحَادِيثه غير مَحْفُوظَة. وَعُثْمَان الوقاصي تَرَكُوهُ، والعرزمي واه.

.الحديث الثَّالِث:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «فِي الرقة ربع الْعشْر».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه، من رِوَايَة أنس، وَقد سلف بِطُولِهِ أَوله الزَّكَاة.
والرِّقة: بِكَسْر الرَّاء وَتَخْفِيف الْقَاف هِيَ الْوَرق، وَهُوَ كل الْفضة، وَقيل: الدَّرَاهِم خَاصَّة، وَنقل صَاحب الْبَيَان عَن أَصْحَابنَا أَن الرقة الذَّهَب وَالْفِضَّة.
وَقَالَ النَّوَوِيّ: إِنَّه غلط فَاحش، قَالَ: وَلم أر لِأَصْحَابِنَا وَلَا لغَيرهم من أهل اللُّغَة أَن الرقة تطلق عَلَى الذَّهَب.

.الحديث الرَّابِع:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «فِي الرِّكَاز الْخمس، وَفِي الْمَعْدن الصَّدَقَة».
هَذَا الحَدِيث ذكره الرَّافِعِيّ دَلِيلا عَلَى الْفرق بَين الرِّكَاز والمعدن، ورد بِهِ عَلَى من جَعلهمَا وَاحِدًا، وَهُوَ غَرِيب كَذَلِك، لَا يحضرني من خرجه بعد الْبَحْث عَنهُ، أَعنِي بِذكر الْقطعَة الثَّانِيَة مَعَ الأولَى.
أما الأولَى فثابتة فِي الصَّحِيحَيْنِ، من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «العجماء جَبَّار، والبئر جَبَّار، والمعدن جَبَّار، وَفِي الرِّكَاز الْخمس».
قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه الْإِعْلَام: وَهَكَذَا رُوِيَ من حَدِيث ابْن عَبَّاس أَيْضا، قَالَ: وَأما حَدِيث ابْن عمر مَرْفُوعا: «فِي الرِّكَاز الْعشْر» فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْعَمَل، وَالْأول أثبت مِنْهُ.
قلت: لم يجتمعا فِي الثُّبُوت الْبَتَّةَ، بل هَذَا واه، كَمَا بَينه ابْن حبَان فِي ضُعَفَائِهِ.

.الحديث الخَامِس:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «وَفِي الرِّكَاز الْخمس قيل: يَا رَسُول الله، وَمَا الرِّكَاز؟ قَالَ: هُوَ الذَّهَب وَالْفِضَّة المخلوقان فِي الأَرْض يَوْم خلق الله السَّمَاوَات وَالْأَرْض».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث أبي يُوسُف، عَن عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «فِي الرِّكَاز الْخمس. قيل: وَمَا الرِّكَاز يَا رَسُول الله؟ قَالَ: الذَّهَب وَالْفِضَّة الَّذِي خلقه الله فِي الأَرْض يَوْم خلقت».
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن أَيْضا والْمعرفَة من حَدِيث حبَان- بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة- بن عَلّي الْعَنزي، عَن عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «الرِّكَاز الذَّهَب الَّذِي ينْبت فِي الأَرْض». وَعبد الله بن سعيد هَذَا هُوَ المَقْبُري، وَهُوَ واه.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه: تفرد بِهِ وَهُوَ ضَعِيف جدًّا.
وَقد جرحه أَحْمد وَيَحْيَى بن معِين وَجَمَاعَة من أَئِمَّة الحَدِيث. وَلما ذكره عبد الْحق فِي أَحْكَامه من الطَّرِيق الأولَى بِلَفْظ: «سُئِلَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الرِّكَاز فَقَالَ: هُوَ الذَّهَب الَّذِي خلقه الله فِي الأَرْض يَوْم خلقت السَّمَاوَات وَالْأَرْض» قَالَ: عبد الله هَذَا مَتْرُوك الحَدِيث؛ قَالَه ابْن أبي حَاتِم. وَوَقع فِي كِفَايَة ابْن الرّفْعَة عقب ذكر الحَدِيث: وَرَاوِيه مَتْرُوك الحَدِيث. كَمَا نَقله عبد الْحق عَن أبي حَامِد الْقزْوِينِي، وَهَذَا وهم، وَصَوَابه عَن ابْن أبي حَاتِم، كَمَا ذَكرْنَاهُ عَنهُ.
وَقَالَ الشَّافِعِي- فِيمَا نَقله عَنهُ الْبَيْهَقِيّ-: قد رَوَى أَبُو سَلمَة وَسَعِيد وَابْن سِيرِين وَمُحَمّد بن زِيَاد وَغَيرهم عَن أبي هُرَيْرَة حَدِيثه، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «فِي الرِّكَاز الْخمس». لم يذكر أحد مِنْهُم شَيْئا من الَّذِي ذكره المَقْبُري فِي حَدِيثه قَالَ: وَالَّذِي رَوَى فِي ذَلِك شيخ ضَعِيف، إِنَّمَا رَوَاهُ عبد الله بن سعيد المَقْبُري، وَعبد الله قد اتَّقَى النَّاس حَدِيثه، فَلَا يَجْعَل خبر رجل قد اتَّقَى النَّاس حَدِيثه حجَّة. هَذَا آخر كَلَام. الشَّافِعِي- رَحِمَهُ اللَّهُ.
وحبان الْعَنزي الْمَذْكُور فِي الطَّرِيقَة الْأَخِيرَة قَالَ يَحْيَى بن معِين فِي رِوَايَة: صَدُوق. وقَالَ فِي رِوَايَة: لَيْسَ حَدِيثه بِشَيْء. وَقَالَ ابْن نمير: فِي حَدِيثه وَحَدِيث أَخِيه منْدَل بعض الْغَلَط. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: لين. وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: لَا أكتب حَدِيثه، وَقَالَ يَحْيَى: لَيْسَ حَدِيثه بِشَيْء، وَقَالَ النَّسَائِيّ والدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ البُخَارِيّ: لَيْسَ عِنْدهم بِالْقَوِيّ.
وَسُئِلَ الدَّارَقُطْنِيّ عَن هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ فِي علله: هُوَ وهم لِأَن هَذَا لَيْسَ من حَدِيث الْأَعْمَش، ولَا من حَدِيث أبي صَالح، إِنَّمَا يرويهِ رجلٌ مَجْهُول، عَن آخر، عَن أبي هُرَيْرَة.
وَنقل عبد الْحق عَن الدَّارَقُطْنِيّ أَنه قَالَ: إِنَّه حَدِيث لَا يَصح.
وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي علله.

.الحديث السَّادِس:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَيْسَ عَلَيْكُم فِي الذَّهَب شَيْء حَتَّى يبلغ عشْرين مِثْقَالا».
هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي بَاب زَكَاة الذَّهَب وَالْفِضَّة وَاضحا، وكرره الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب أَيْضا.

.الحديث السَّابع:

عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه؛ أَن رَسُول قَالَ: «فِي الرِّكَاز الْخمس».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، مُتَّفق عَلَيْهِ، كَمَا تقدم قَرِيبا، وَقد ذكره الرَّافِعِيّ بَعْدُ أَيْضا.

.الحديث الثَّامِن:

«أَن رجلا وجد كنزًا، فَقَالَ لَهُ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن وجدته فِي قَرْيَة مسكونة أَو طَرِيق ميتاء فَعرفهُ، وَإِن وجدته فِي خربة جَاهِلِيَّة، أَو قَرْيَة غير مسكونة فَفِيهِ وَفِي الرِّكَاز الْخمس».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن سُفْيَان، عَن دَاوُد بن شَابُور- بالشين الْمُعْجَمَة- وَيَعْقُوب بن عَطاء، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي كنزٍ وجده رجل فِي خربة جَاهِلِيَّة: إِن وجدته فِي قَرْيَة مسكونة أَو سَبِيل ميتاء فَعرفهُ، وَإِن وجدته فِي خربة جَاهِلِيَّة أَو فِي قَرْيَة غير مسكونة فَفِيهِ وَفِي الرِّكَاز الْخمس».
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من هَذَا الْوَجْه، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد قبل ذَلِك بورقتين، من حَدِيث عَمْرو بن الْحَارِث وَهِشَام بن سعد، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده «أَن رجلا من مزينة أَتَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله، كَيفَ ترَى فِي حريسة الْجَبَل وَالثَّمَر الْمُعَلق؟- فَذكر حكمهمَا- قَالَ: فَكيف ترَى فِيمَا يُوجد فِي الطَّرِيق الميتاء أَو الْقرْيَة المسكونة؟ قَالَ: عرفه سنة، فَإِن جَاءَ باغيها فادفعها إِلَيْهِ، وَإِلَّا فشأنك بهَا، فَإِن جَاءَ طَالبه يَوْمًا من الدَّهْر فأدها إِلَيْهِ، وَمَا كَانَ فِي الطَّرِيق غير الميتاء وَفِي الْقرْيَة غير المسكونة فَفِيهِ وَفِي الرِّكَاز الْخمس».
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، من حَدِيث ابْن عجلَان، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي، عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «أَنه سُئِلَ عَن الثَّمر الْمُعَلق والجرين...» الحَدِيث. قَالَ: «وَسُئِلَ عَن اللّقطَة، فَقَالَ: مَا كَانَ مِنْهَا فِي طَرِيق الميتاء أَو الْقرْيَة الجامعة فعرفها سنة، فَإِن جَاءَ طالبها فادفعها إِلَيْهِ، وَإِن لم يَأْتِ فَهِيَ لَك، وَمَا كَانَ فِي الخراب فَفِيهَا وَفِي الرِّكَاز الْخمس».
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ، من حَدِيث عبيد الله بن الْأَخْنَس، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده قَالَ: «سُئِلَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن اللّقطَة، فَقَالَ: مَا كَانَ فِي طَرِيق مأتي أَو فِي قَرْيَة عامرة فعرفها سنة، فَإِن جَاءَ صَاحبهَا وَإِلَّا فلك، وَمَا لم يكن فِي طَرِيق مأتي وَلَا فِي قَرْيَة عامرة فَفِيهِ وَفِي الرِّكَاز الْخمس».
وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه بِلَفْظ: «إِنَّه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ فِي كنزٍ وجده رجل: إِن كنت وجدته فِي قَرْيَة مسكونة أَو فِي سَبِيل ميتاء فَعرفهُ، وَإِن كنت وجدته فِي خربة جَاهِلِيَّة، أَو فِي قَرْيَة غير مسكونة، أَو فِي غير سَبِيل ميتاء، فَفِيهِ وَفِي الرِّكَاز الْخمس».
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: أجَاب من قَالَ بِالْأولِ- أَي أَن الْمَعْدن لَيْسَ بركاز- عَن هَذَا بِأَن الْخَبَر ورد فِيمَا يُوجد من أَمْوَال الْجَاهِلِيَّة، ظَاهرا فَوق الأَرْض فِي الطَّرِيق غير الميتاء، وَفِي الْقرْيَة غير المسكونة، فَيكون فِيهِ وَفِي الرِّكَاز الْخمس، وَلَيْسَ ذَلِك من الْمَعْدن بسبيل. ثمَّ حَكَى عَن الشَّافِعِي مَا ملخصه: إِن كَانَ حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب حجَّة فالمخالف احْتج مِنْهُ بِشَيْء وَاحِد، إِنَّمَا هُوَ توهم، وَخَالفهُ فِي غير حكم، وَإِن كَانَ غير حجَّة، فالحجة بِغَيْر حجَّة جهل. ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَوْله: إِنَّمَا هُوَ توهم أَشَارَ إِلَى مَا ذكرنَا أَنه لَيْسَ بوارد فِي الْمَعْدن، إِنَّمَا هُوَ فِي مَعْنَى الرِّكَاز من أَمْوَال الْجَاهِلِيَّة.
فَائِدَة: الميتاء- بِكَسْر الْمِيم وبالمد-: الطَّرِيق المسلوك الَّذِي يَأْتِيهِ النَّاس. قَالَه الْمُنْذِرِيّ فِي حَوَاشِيه قَالَ: وَقيل: ميتاء الطَّرِيق وميداؤه: محجته.
وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي تهذيبه: هُوَ بِكَسْر الْمِيم وَبعدهَا همزَة وبالمد، وتسهل فَيُقَال بياء سَاكِنة، كَمَا فِي نَظَائِره، قَالَ صَاحب الْمطَالع: مَعْنَاهُ كثير السلوك، فَيُقَال من الْإِتْيَان.
قَالَ الْمُنْذِرِيّ: وَقَوله: «وَمَا كَانَ مِنْهَا فِي الخراب» يُرِيد بالخراب العادي الَّذِي لَا يعرف لَهُ مَالك، وسبيله سَبِيل الرِّكَاز، وَفِيه الْخمس، فَالْمَال الْمَوْجُود فِيهِ وسائره لواجده، فَأَما الخراب الَّذِي كَانَ مرّة عَامِرًا ملكا لمَالِكه ثمَّ خرب فَالْمَال الْمَوْجُود فِيهِ ملك لصَاحب الخراب، فَإِن لم يعرف صَاحبه فَهُوَ لقطَة.

.بَاب: زَكَاة الْفطر:

ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ عشرَة أَحَادِيث:

.الحديث الأول:

عَن عبد الله بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما، قَالَ: «فرض رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم زَكَاة الْفطر من رَمَضَان عَلَى النَّاس صَاعا من تمر أَو صَاعا من شعير، عَلَى كل حر أَو عبدٍ، ذكرٍ أَو أُنْثَى، من الْمُسلمين».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَله طرق عَن ابْن عمر.
أَولهَا: من طَرِيق عمر ابْن نَافِع، عَن أَبِيه عَنهُ، قَالَ: «فرض رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم زَكَاة الْفطر صَاعا من تمر، أَو صَاعا من شعير، عَلَى العَبْد وَالْحر، وَالذكر وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِير وَالْكَبِير من الْمُسلمين، وأَمر بهَا أَن تُؤَدَّى قبل خُرُوج النَّاس إِلَى الصَّلَاة».
رَوَاهُ البُخَارِيّ من هَذَا الْوَجْه.
ثَانِيهَا: من طَرِيق الضَّحَّاك بن عُثْمَان، عَن نَافِع، عَنهُ «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فرض زَكَاة الْفطر من رَمَضَان، عَلَى كل نَفْس من الْمُسلمين، حر أَو عبد، رجل أَو امْرَأَة، صَغِير أَو كَبِير، صَاعا من تمر أَو صَاعا من شعير».
رَوَاهُ مُسلم من هَذَا الْوَجْه، وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ: «فرض زَكَاة الْفطر من رَمَضَان، عَلَى كل نَفْس من الْمُسلمين» وَالثَّانِي بِلَفْظ مُسلم، وَترْجم عَلَيْهِ: ذكر الْبَيَان بِأَن هَذِه اللَّفْظَة «من الْمُسلمين» لم يكن مَالك بالمتفرد بهَا.
ثَالِثهَا: من طَرِيق عبيد الله، عَن نَافِع، عَنهُ: «فرض رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صَدَقَة الْفطر صَاعا من شعير، أَو صَاعا من تمر، عَلَى كل عبد أَو حر، صَغِير أَو كَبِير».
رَوَاهُ مُسلم كَذَلِك، وَالْبُخَارِيّ وَلَفظه: «عَلَى الصَّغِير وَالْكَبِير، وَالْحر والمملوك» بدل: «عَلَى كل عبد...» إِلَى آخِره. وَأَبُو دَاوُد وَقَالَ: «وَالذكر وَالْأُنْثَى».
وَرَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ عَن نَافِع، عَنهُ: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فرض زَكَاة الْفطر عَلَى النَّاس من رَمَضَان صَاعا من تمر، أَو صَاعا من شعير، عَلَى كل حر أَو عبد، ذكر أَو أُنْثَى من الْمُسلمين».
وَفِي رِوَايَة لَهُ خَارج الْمُوَطَّأ زِيَادَة: «عَلَى الصَّغِير وَالْكَبِير» ذكرهَا الدَّارَقُطْنِيّ فِي غرائب مَالك، وَقَالَ: رَوَاهُ عَنهُ فقيهان أَحدهمَا: ابْن قُتَيْبَة، وَالثَّانِي: إِسْحَاق بن عِيسَى الطباع.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ، من حَدِيث قُتَيْبَة عَنهُ، وَسقط فِيهَا قَوْله: «من الْمُسلمين».
وَاعْلَم أَن هَذِه اللَّفْظَة- أَعنِي قَوْله «من الْمُسلمين»- اشتهرت من رِوَايَة مَالك، حَتَّى قيل: إِنَّه تفرد بهَا.
قَالَ أَبُو قلَابَة عبد الْملك بن مُحَمَّد: لَيْسَ أحد يَقُول فِيهِ «من الْمُسلمين» غير مَالك.
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ بعد تَخْرِيج رِوَايَة مَالك: وَرَوَى غير وَاحِد عَن نَافِع، وَلم يذكرُوا فِيهِ «من الْمُسلمين».
والتفرد الَّذِي قيل عَن مَالك فِي هَذِه اللَّفْظَة لَيْسَ بِصَحِيح، فقد قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه: رَوَاهُ سعيد بن عبد الرَّحْمَن الجُمَحِي، عَن عبيد الله ابْن عمر بِهِ، وَقَالَ فِيهِ: «من الْمُسلمين». قَالَ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مَالك بن أنس، وَالضَّحَّاك بن عُثْمَان، وَعمر بن نَافِع، والمعلى بن إِسْمَاعِيل، وعبيد الله ابْن عمر الْعمريّ، وَكثير بن فرقد، وَيُونُس بن يزِيد، وَرُوِيَ عَن ابْن شَوْذَب عَن أَيُّوب عَن نَافِع كَذَلِك.
قلت: أما رِوَايَة مَالك وَالضَّحَّاك وَعمر بن نَافِع فقد سلفت. وَأما رِوَايَة الْمُعَلَّى فأخرجها الدَّارَقُطْنِيّ، بإسنادٍ صَحِيح، وَلَفظه: «أَمر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِزَكَاة الْفطر صَاعا من تمر أَو صَاعا من شعير، عَن كل مُسلم، صَغِير أَو كَبِير، حر أَو عبد».
وَأخرجه ابْن حبَان فِي صَحِيحه كَذَلِك.
وَأما رِوَايَة الْعمريّ فأخرجها الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا، بِإِسْنَاد جيد، وَلَفظه: «فرض رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صَدَقَة الْفطر، عَلَى كل مُسلم، صَاعا من تمر...» الحَدِيث.
وَأخرجه ابْن الْجَارُود فِي المُنْتَقَى بِزِيَادَة فِيهِ: «من الْمُسلمين» وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ بِلَفْظ: «عَن الصَّغِير وَالْكَبِير».
وَأما رِوَايَة كثير فأخرجها الدَّارَقُطْنِيّ، وَلَفظه: «زَكَاة الْفطر عَلَى كل حر وَعبد من الْمُسلمين صَاع من تمر، أَو صَاع من شعير». وأخرجها الْحَاكِم بِلَفْظ: «عَلَى كل مُسلم، حر وَعبد، ذكر وَأُنْثَى من الْمُسلمين، صَاع من تمر، أَو صَاع من شعير» ثمَّ قَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ.
وَأما رِوَايَة يُونُس بن يزِيد فأخرجها الطَّحَاوِيّ فِي بَيَان الْمُشكل. بِلَفْظ: «عَلَى النَّاس زَكَاة الْفطر، من رَمَضَان، صَاع من تمر أَو صَاع من شعير، عَلَى كل إِنْسَان، ذكر أَو أُنْثَى، أَو حر أَو عبد من الْمُسلمين».
قلت: وَأخرجه الْحَاكِم أَيْضا من حَدِيث ابْن عَبَّاس «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر صَارِخًا بِبَطن مَكَّة يُنَادي أَن صَدَقَة الْفطر حق وَاجِب عَلَى كل مُسلم، صَغِير أَو كَبِير، ذكر أَو أُنْثَى، حر أَو مَمْلُوك، حَاضر أَو باد، صَاع من شعير أَو تمر». ثمَّ قَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظ.

.الحديث الثانى:

عَن عبد الله بن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فرض زَكَاة الْفطر طهرة للصَّائِم من اللَّغْو والرفث، وطعمة للْمَسَاكِين».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنهمْ، من حَدِيث مَرْوَان، عَن أبي يزِيد الْخَولَانِيّ، عَن سيار بن عبد الرَّحْمَن، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «فرض رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم زَكَاة الْفطر» فذكروه بِزِيَادَة فِي آخِره: «من أدَّاها قبل الصَّلَاة فَهِيَ زَكَاة مَقْبُولَة، وَمن أدَّاها بعد الصَّلَاة فَهِيَ صَدَقَة من الصَّدقَات».
قَالَ الْمُنْذِرِيّ: إِسْنَاده حسن. وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه كَذَلِك، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَلم يخرجَاهُ. وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِكَوْنِهِ عَلَى شَرطه أَنه من رِوَايَة عِكْرِمَة؛ فَإِنَّهُ احْتج بِهِ فِي غير مَا مَوضِع من صَحِيحه، وَلم يخرج لسيار ولَا لأبي يزِيد، وَقد أَثْنَى مَرْوَان عَلَى أبي يزِيد وَوَصفه بِأَنَّهُ شيخ صدق، وَقَالَ أَبُو زرْعَة فِي سيار: لَا بَأْس بِهِ.
وَاعْترض الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الْإِلْمَام عَلَى الْحَاكِم، وَقَالَ: فِيمَا زَعمه نظر؛ فَإِن يزِيد وسيارًا لم يخرج لَهما البُخَارِيّ. وَقد أسلفنا قَرِيبا أَن مُرَاد الْحَاكِم بقوله: «إِن الحَدِيث عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ أَو أَحدهمَا» أَن رِجَاله فِي الثِّقَة كهم لَا هم أنفسهم، وَقد صرَّح بذلك فِي خطبَته.
قلت: وَلِلْحَدِيثِ طَرِيق آخر، ذكره الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابه معرفَة الصَّحَابَة من حَدِيث حَازِم الْبَصْرِيّ قَالَ: «فرض رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم زَكَاة الْفطر طهُورا للصَّائِم من اللَّغْو والرفث، من أَدَّاهَا قبل الصَّلَاة كَانَت لَهُ زَكَاة، وَمن أَدَّاهَا بعد الصَّلَاة كَانَت لَهُ صَدَقَة».

.الحديث الثَّالِث:

«أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فرض زَكَاة الْفطر، وَأمر بهَا أَن تُؤَدَّى قبل خُرُوج النَّاس إِلَى الصَّلَاة».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما.

.الحديث الرَّابِع:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «أغنوهم عَن الطّلب فِي هَذَا الْيَوْم».
هَذَا الحَدِيث كَرَّرَه الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب، فَذكره فِي آخِره أَيْضا، وَهُوَ حَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ، من رِوَايَة أبي معشر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر قَالَ: «فرض رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم زَكَاة الْفطر، وَقَالَ: أغنوهم فِي هَذَا الْيَوْم». هَذَا لفظ الدَّارَقُطْنِيّ، رَوَاهُ من حَدِيث وَكِيع، عَن أبي معشر بِهِ، وَلَفظ الْبَيْهَقِيّ: «أغنوهم عَن طواف هَذَا الْيَوْم» رَوَاهُ من حَدِيث أبي الرّبيع، عَن أبي معشر بِهِ، ثمَّ قَالَ: أَبُو معشر هَذَا نجيح السندي الْمَدِينِيّ، وَغَيره أوثق مِنْهُ.
قلت: بل هُوَ واه، وَقد ضعفه فِي سنَنه فِي بَاب: انْتِظَار الْعَصْر بعد الْجُمُعَة، وَبَاب: الْحَج عَن المعضوب، وَقَالَ البُخَارِيّ فِي حَقه: مُنكر الحَدِيث.
وَرَوَاهُ ابْن عَسَاكِر فِي تَخْرِيجه لأحاديث الْمُهَذّب، بِلَفْظ: «أغنوهم عَن السُّؤَال» ثمَّ قَالَ: حَدِيث غَرِيب جدًّا من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا اللَّفْظ، وَلَيْسَ إِسْنَاده بِالْقَوِيّ.
فَائِدَة: «أغنوهم» بِهَمْزَة قطع مَفْتُوحَة لَيْسَ إِلَّا؛ لِأَنَّهُ رباعي، فَالْأَمْر مِنْهُ بِالْفَتْح.

.الحديث الخَامِس:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «أدُّوا صَدَقَة الْفطر عَمَّن تمونون».
هَذَا الحَدِيث مرويٌّ من طرق: إِحْدَاهَا: من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «أَمر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِصَدقَة الْفطر، عَن الصَّغِير وَالْكَبِير، وَالْحر وَالْعَبْد، مِمَّن تمونون».
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، عَن أَحْمد بن مُحَمَّد بن سعيد الْهَمدَانِي، نَا الْقَاسِم بن عبد الله بن عَامر بن زُرَارَة، نَا عُمَيْر بن عمار الْهَمدَانِي، ثَنَا الْأَبْيَض ابْن الْأَغَر، قَالَ: حَدثنِي الضَّحَّاك بن عُثْمَان، عَن نَافِع، عَنهُ، بِهِ سَوَاء.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من هَذِه الطَّرِيق، ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام: عُمَيْر بن عمار لم أره فِي كتاب أبي حَاتِم، وَلم يخل الْإِسْنَاد من مس بِكَلَام، وَمِمَّنْ يحْتَاج إِلَى معرفَة حَاله قَالَ: والأبيض ذكره ابْن أبي حَاتِم وَلم يعرف بِحَالهِ.
قلت: رَوَى أَبُو عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ- فِيمَا حَكَاهُ صَاحب الْمِيزَان- عَن الدَّارَقُطْنِيّ أَنه قَالَ فِي حَقه: إِنَّه لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ البُخَارِيّ: يكْتب حَدِيثه. وَعَن الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا أَنه قَالَ: رَفعه هَذَا الشَّيْخ الْقَاسِم وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ، وَالصَّوَاب مَوْقُوف.
الطَّرِيق الثَّانِي: من حَدِيث عَلّي بن مُوسَى الرضي، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن آبَائِهِ عَلَيْهِم السَّلَام «أَن نَبِي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فرض زَكَاة الْفطر، عَلَى الصَّغِير وَالْكَبِير، وَالذكر وَالْأُنْثَى، مِمَّن تمونون».
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه عَن أَحْمد بن مُحَمَّد بن سعيد، نَا مُحَمَّد ابْن الْمفضل بن إِبْرَاهِيم الْأَشْعَرِيّ، نَا إِسْمَاعِيل بن همام، حَدثنِي عَلّي بن مُوسَى الرِّضَى فَذكره.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام: لم يخل بعض رُوَاته من كَلَام، وَبَعْضهمْ يحْتَاج إِلَى معرفَة حَاله. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَهُوَ مَعَ ذَلِك مُرْسل؛ فَإِن جَدَّ عَلّي بن مُوسَى الرضي هُوَ جَعْفَر الصَّادِق بن مُحَمَّد بن عَلّي بن الْحُسَيْن بن عَلّي بن أبي طَالب، وجعفر الصَّادِق لم يدْرك الصَّحَابَة، قَالَ ابْن حبَان فِي ثقاته: يحْتَج بحَديثه مَا كَانَ من غير رِوَايَة أَوْلَاده عَنهُ؛ لِأَن فِي حَدِيث وَلَده عَنهُ مَنَاكِير كَثِيرَة.
قلت: وَسَتَأْتِي رِوَايَة الشَّافِعِي، من رِوَايَة غير وَلَده عَنهُ.
الطَّرِيق الثَّالِث: من حَدِيث جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فرض زَكَاة الْفطر، عَلَى الْحر وَالْعَبْد، وَالذكر وَالْأُنْثَى، مِمَّن تمونون».
رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن شَيْخه إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، عَن جَعْفَر بِهِ. وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ من جِهَته، وَإِبْرَاهِيم هَذَا قد عرفت حَاله فِي الطَّهَارَة، وَهُوَ مَعَ ذَلِك مُرْسل.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ حَاتِم بن إِسْمَاعِيل، عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه، عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «فرض رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى كل صَغِير أَو كَبِير أَو حر أَو عبد مِمَّن تمونون، صَاعا من شعير، أَو صَاعا من تمر، أَو صَاعا من زبيب، عَن كل إِنْسَان» ثمَّ قَالَ: وَهَذَا مُرْسل. وَهَذَا طَرِيق رَابِع.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام: يَعْنِي بالمرسل الْمُنْقَطع، والانقطاع فِيمَا بَين مُحَمَّد بن عَلّي بن الْحُسَيْن، وجد أَبِيه عَلّي بن أبي طَالب.
وَرَوَى الثَّوْريّ عَن عبد الْأَعْلَى، عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ، عَن عليٍّ قَالَ: «من جرت عَلَيْهِ نَفَقَتك فأطعم عَنهُ نصف صَاع من بر، أَو صَاع من تمر». وَهَذَا مَوْقُوف. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَعبد الْأَعْلَى غير قوي، إِلَّا أَنه إِذا انْضَمَّ إِلَى مَا قبله يَعْنِي حَدِيث عَلّي بن مُوسَى الرضي السالف قَوِيا فِيمَا اجْتمعَا فِيهِ.
تَنْبِيه: وَقع فِي شرح التَّنْبِيه للشَّيْخ نجم الدَّين البالسي- رَحِمَهُ اللَّهُ- وصف هَذَا الحَدِيث بالثبوت، فَقَالَ فِي كتاب النَّفَقَات مِنْهُ: أما وجوب فطْرَة الْخَادِم فللحديث الثَّابِت عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «أَدّوا الْفطْرَة عَمَّن تمونون». هَذَا لَفظه، وَهُوَ وهم، فَمن أَيْن لَهُ الثُّبُوت وَهَذِه حَالَته؟! فاحذر ذَلِك.

.الحديث السَّادِس:

عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بِصَدقَة الْفطر، عَن الصَّغِير وَالْكَبِير، وَالْحر وَالْعَبْد، مِمَّن تمونون».
هَذَا الحَدِيث سلف بَيَانه فِي الحَدِيث قبله وَاضحا.

.الحديث السَّابِع:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَيْسَ عَلَى الْمُسلم فِي عَبده، وَلَا فرسه صَدَقَة، إِلَّا صَدَقَة الْفطر عَنهُ».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، بِدُونِ الِاسْتِثْنَاء، كَمَا سلف فِي بَاب زَكَاة النعم، وَأما الِاسْتِثْنَاء فَإِنَّهُ لمسلمٍ خَاصَّة، بِلَفْظ: «لَيْسَ فِي العَبْد صَدَقَة إِلَّا صَدَقَة الْفطر». وَأما لَفْظَة: «عَنهُ» فَلَا أعلم من خرجها فِيهِ. وَهَذَا الِاسْتِثْنَاء من رِوَايَة مخرمَة بن بكير، عَن أَبِيه، عَن عرَاك بن مَالك، عَن أبي هُرَيْرَة. ومخرمة لم يسمع من أَبِيه، كَمَا قَالَه غير وَاحِد من الْحفاظ، كَمَا سَيَأْتِي فِي بَاب اللّعان، إِن شَاءَ الله. وَقد تَابع مخرمَة عَلَى رِوَايَته: نَافِع بن يزِيد، عَن جَعْفَر بن ربيعَة، عَن عرَاك بن مَالك، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا صَدَقَة عَلَى الرجل فِي فرسه وَلَا عَبده إِلَّا زَكَاة الْفطر». رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ كَذَلِك، وَالْبَيْهَقِيّ كَذَلِك، بِلَفْظ الرَّافِعِيّ سَوَاء، إِلَّا لَفْظَة «عَنهُ». وقاسم بن أصبغ بِلَفْظ: «لَا صَدَقَة فِي فرس الرجل وَلَا عَبده إِلَّا صَدَقَة الْفطر».
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من حَدِيث يَحْيَى بن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة، عَن عبيد الله بن عمر، عَن أبي الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لَيْسَ فِي الْخَيل وَالرَّقِيق صَدَقَة، إِلَّا أَن فِي الرَّقِيق صَدَقَة الْفطر».
وَذكره ابْن الْقطَّان من هَذِه الطّرق الثَّلَاث، وَقَالَ: هَذِه كلهَا صِحَاح.

.الحديث الثَّامِن:

قَوْله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «ابدأ بِنَفْسِك ثمَّ بِمن تعول».
هَذَا الحَدِيث يتَكَرَّر عَلَى أَلْسِنَة جماعات من أصاحبنا، كَالْإِمَامِ، وَالْغَزالِيّ، وَصَاحب الْمُهَذّب، وَغَيرهم، وَلم أره كَذَلِك فِي حَدِيث وَاحِد؛ نعم فِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث جَابر، فِي قصَّة بيع الْمُدبر: «ابدأ بِنَفْسِك فَتصدق عَلَيْهَا، فَإِن فضل شَيْء فلأهلك».
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «أفضل الصَّدَقَة مَا كَانَ عَن ظهر غنى، وَالْيَد الْعليا خير من الْيَد السُّفْلَى، وابدأ بِمن تعول». زَاد البُخَارِيّ: «تَقول الْمَرْأَة: إِمَّا أَن تطعمني، وَإِمَّا أَن تُطَلِّقنِي. وَيَقُول العَبْد: أَطْعمنِي واستعملني. وَيَقُول الابْن: أَطْعمنِي، إِلَى من تدعني؟» قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَة، هَذَا من رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سمعته؟ قَالَ: لَا؛ هَذَا من كيس أبي هُرَيْرَة.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَفِيه: «وابدأ بِمن تعول. فَقيل: من أعول يَا رَسُول الله؟ قَالَ: امْرَأَتك مِمَّن تعول، تَقول أَطْعمنِي: وَإِلَّا فارقني...» الحَدِيث، وَسَيَأْتِي مطولا فِي النَّفَقَات إِن شَاءَ الله.